لابن "بو شيبان"/ روميو عويس

بعد نشر قصيدتي لابن بلدتي العزيز ابو شيبان ارسل لي ابنه ايليا ردا شعريا يدعو فيه المغترب للعودة الى وطنه واهله ويسأل ان كنا نتذكر بعد ضيعتنا وما فيها من جمالات ورأيت من واجبي ان ارد على رد الحبيب ايليا بهذه القصيدة.
1
شتقنا يا خيي نرجع شتقنا
ونسـمات ارزتـنا تعانـقـنا
للاهل للاصحاب مشتاقين
ال طيفهُن لحظه ما فارقنا
2
لا تقول نسّانا البعد تخمين
وقِدر الغَرب بالمال يسرقنا
وحياة الله والسما ورشـعين
المُرّ الأسى عا فراقها دقنا
منضل نحلم عالوطن جايين
وبتضلّها الاشواق تقـلـقـنا
3
ونَغْمات لبلابل والحساسين
وصوت الحجل ياما يحندقنا
وطيرالتويني بكرم عزالدين
عالتين قبل الـفَجـر يسـبـقـنا
4
والصيد بكروم العنب والتين
وبيوت حضنتنا وفِـيا خلِقنا
والنبع.. والوادي، والبساتين
ولَـوزات بغصونا تعمشقـنا
5
ما بينتسو ايامنا الحلوين !..
لاخِـر رمَـق وحياة خالـقـنا
بلاد الحلا حكامها شـياطين
منهُن هربنا من سنين سنين
" الله يجازي لهيك فَرَّقنا "

عن العزلة والكتابة في زمن كورونا/ عبده حقي

أجل لقد صرت اليوم في زمن جائحة "كورونا" أعيش عزلتين .. بل أكاد أقول بت رهين المحبسين .. بين عزلة عمرها أكثر من عقد من الزمن أرتع فيها وحيدا وما أزال في حدائق الأدب  وفراديسه الورقية والرقمية وبين عزلة طارئة لا تختلف في أبعادها النفسية والواقعية عن سطوة "الإكراه البدني" الذي قد يتماهى عنف طقسه وتمتزج أحاسيسه بأحاسيس رعب الألم القاتل والموت الوبائي الذي يحدق بي في كل لحظة وحين ويتربص بي حتى في أجمل الأشياء الحميمية لدي .. قبعتي .. صديقي الحذاء .. الهاتف .. الحاسوب .. مزلاج الباب .. المفاتيح .. ملحقات المكتب .. كأس الماء .. إلخ .

وبكل صدق إن هذه العزلة لن يلهمني حصارها الطارئ الانخراط في برمجة جديدة خاصة للكتابة وقراءة مجلات وكتب مؤجلة علقها مكر الإنترنت منذ مدة على حباله المتشابكة .. ولا إتمام نصوص إبداعية ومقالات فكرية كانت بنات أفكارها تراودني عن نفسي من حين لآخر .. فهذه ليست برهة سانحة بالنسبة لي كي أرحل عميقا أكثر من ذي قبل في خلجان وأغوار نفسي الدفينة وأتأمل بالعين الثالثة طقسي الجواني وزرقة سمائي البرانية .. فأنا لم أشعر برجة هذا التحول المؤقت من ضجيج الشارع إلى صمت البيوت وأبوابها ونوافذها الموصدة التي أقفلها علينا هذا الوباء اللعين لسبب بسيط هو أنني قد تآخيت مع عزلتي القديمة وانصهرنا معا إلى حد حلول أحدنا في الآخر ، وكل ما افتقدته وسلبني إياه هذا الحجر الصحي هو حصة المشي اليومية وذلك التطواف الجميل المفعم بالنسائم الصباحية وغمزات أشعة الشمس ودفئ العلاقات القليلة والجميلة ...

يقينا أننا كمجتمعات عربية سوف نشعر بصدمة وقسوة الحجر الصحي وآثاره السوسيوـ نفسية الوخيمة أكثر من مجتمعات أوروبية أخرى تعيش شعوبها في عزلة باذخة وأرستقراطية فردانية عالية.

وما من شك في أننا بعد سنوات قليلة سوف نقرأ روايات وقصصا وقصائد لكتاب عرب وعالميين عن تراجيدية كونية إسمها وباء كورونا وسوف نشاهد أفلاما هيتشكوكية عن جائحته الفتاكة لكن السؤال المطروح بإلحاح هو : ماذا أعددنا نحن المبدعون والكتاب المغاربة لأحفادنا في المستقبل ليقرأوا عن تجاربنا مع هذا "الاعتقال الجماعي" الذي اقترفته ديكتاتورية "كورونا" بأوامر من نواميس الأقدار أو من مكر المختبرات .        

لغة المرآيا والنصّ الفسيفسائي: زينة الفصول للشاعر عزيز السوداني/ كريم عبدالله

 يقول سركون بولص : ونحن حين نقول قصيدة النثر فهذا تعبير خاطىء , لأنّ قصيدة النثر في الشعر الأوربي هي شيء آخر , وفي الشعر العربي عندما نقول نتحدث عن قصيدة مقطّعة وهي مجرّد تسمية خاطئة , وأنا أسمّي هذا الشعر الذي أكتبه بالشعر الحرّ , كما كان يكتبه إليوت و أودن وكما كان يكتبه شعراء كثيرون في العالم . واذا كانت تسميتها قصيدة النثر , فأنت تبدي جهلك , لأنّ قصيدة النثر هي التي كان يكتبها بودلير ورامبو ومالارميه , أي قصيدة غير مقطّعة . من هنا بدأنا نحن وأستلهمنا فكرة القصيدة / السرديّة التعبيريّة / بالأتكاء على مفهوم هندسة قصيدة النثر ومن ثمّ التمرّد والشروع في كتابة قصيدة مغايرة لما يُكتب من ضجيج كثير بدعوى قصيدة نثر وهي بريئة كل البراءة من هذا الاّ القليل ممن أوفى لها حسبما يعتقد / وهي غير قصيدة نثر / وأبدع فيها ايما ابداع وتميّز , ونقصد انّ ما يُكتب اليوم انما هو نصّ حرّ بعيد كل البُعد عن قصيدة النثر . انّ القصيدة السرديّة التعبيريّة تتكون من مفردتي / السرد – التعبير / ويخطيء كثيرا مَن يتصور أنّ السرد الذي نقصده هو السرد الحكائي – القصصي , وأنّ التعبير نقصد به الأنشاء والتعبير عن الأشياء . انّ السرد الذي نقصده انما هو السرد الممانع للسرد أي انّه السرد بقصد الأيحاء والرمز والخيال الطاغي واللغة العذبة والأنزياحات اللغويّة العظيمة وتعمّد الأبهار ولا نقصد منها الحكاية أو الوصف, أما مفهوم التعبيريّة فأنّه مأخوذ من المدرسة التعبيريّة والتي تتحدث عن العواطف والمشاعر المتأججة والأحاسيس المرهفة , اي التي تتحدث عن الآلآم العظيمة والمشاعر العميقة وما تثيره الأحداث والأشياء في الذات الأنسانيّة . انّ ما تشترك به القصيدة السرديّة التعبيريّة وقصيدة النثر هو جعلهما النثر الغاية والوسيلة للوصول الى شعرية عالية وجديدة . انّ القصيدة السرديّة التعبيريّة هي قصيدة لا تعتمد على العروض والأوزان والقافية الموحّدة ولا التشطير ووضع الفواصل والنقاط الكثيرة او وضع الفراغات بين الفقرات النصيّة وانّما تسترسل في فقراتها النصيّة المتلاحقة والمتراصة مع بعضها وكأنّها قطعة نثريّة . أنّ القصيدة السرديّة التعبيريّة هي غيمة حبلى مثقلة بالمشاعر المتأججة والأحاسيس المرهفة ترمي حملها على الأرض الجرّداء فتخضّر الروح دون عناء أو مشقّة .

وسعياً منّا الى ترسيخ مفهوم القصيدة السرديّة التعبيريّة قمنا بأنشاء موقع الكترونيّ على ( الفيس بوك ) العام 2015 ,اعلنا فيه عن ولادة هذه القصيدة والتي سرعان ما أنتشرت على مساحة واسعة من أرضنا العربية ثم ما لبثت أنّ انشرت عالمياً في القارات الأخرى وأنبرى لها كتّاب كانوا أوفياء لها وأثبتوا جدارتهم في كتابة هذه القصيدة وأكّدوا على أحقيتها في الأنتشار وأنطلاقها الى آفاق بعيدة وعالية . فصدرت مجاميع شعرية تحمل سمات هذه القصيدة الجديدة في أكثر من بلد عربي وكذلك مجاميع شعرية في أميركا والهند وافريقيا واميركا اللاتينية وأوربا وصار لها روّاد وعشّاق يدافعون عنها ويتمسّكون بجماليتها ويحافظون على تطويرها .

سنتحدث تباعاً عن تجلّيات هذه اللغة حسبما يُنشر في مجموعة السرد التعبيري – مؤسسة تجديد الأدبيّة – الفرع العربي , ولتكن هذه المقالات ضياء يهتدي به كل مَنْ يريد التحليق بعيدا في سماوات السردية التعبيرية .

هنا نجد قاسما مشتركا تدور وتتمحور حوله فقرات نصّية مختلفة التعابير والرؤى , فمن خلال هذه التعابير نجدها جميعا أخذت دور المرآة الواحدة التي تعكس لنا مظاهر هذه الثيمة ألا وهي ( الربيع ) , فكأنّ هذا الربيع صار شمساً ومن حوله تدور هذه الفقرات النصيّة , وهذا يعني بأنّ الشاعر طرح فكرة ( الربيع ) بتراكيب لفظية مختلفة , فكان بأستطاعتنا أن ننظر من خلال هذه التراكيب اللفظية الى ( الربيع ) من زويا مختلفة , وهذا يعني بأنّ هناك زوايا متعددة يمتلكها هذا النصّ , وأنّ النظر الى كل هذه الزوايا سيجعلنا نراها وقد أصبحت تراكيب ملوّنة تشبه الفسيفساء , وكلّ تركيب أو فقرة نصّية صارت وكأنّها مرآة تعكس لنا هذه الثيمة ( الربيع ) بطرق مختلفة ومتعددة , لذا يمكننا هنا أن نصف هذه اللغة بلغة المرآيا والنصّ بالفسيفسائي . فالفسيفسائية هي أن تتلوّن العبارة في جانب منها متقارب , ويكون بينها قاسم مشترك واحد واضح وجليّ , فتكون كل عبارة هي مرآة لعبارة أخرى في النصّ .

بالعودة الى نصّ الشاعر : عزيز السوداني ( زينة الفصول ) , والذي يتحدث عن فصل الربيع نجد أنفسنا أمام نسيج فسفسائيّ صاغه الشاعر بحرفية عالية ومرآتية تعكس لنا جمالية اللغة السرديّة التعبيريّة بعمق تعبيريّ من الأفكار والتعابير النصّية المبهرة . لقد حقق الشاعر في نصّه هذا أنظمة جديدة متعددة متناسقة متناغمة فيما بينها , وكذلك عمقاً تعبيريّاً وحّد جميع هذه الفقرات النصّية وصاغها صياغة أنيقة , ليس فقط في الموضوع الواحد , وأنّما في الغايات الرؤية والمعنوية , بألأضافة الى وحدة الأسلوب التي تفرضها الفسيفسائيّة .

لقد تكوّن النصّ من وحدات تعبيرية عديدة تتجها جميعها نحو فكرة معينة واحدة , لقد استطاع الشاعر ( عزيز السوداني ) على خلق صور برّاقة تمتلك من عمق تعبيريّ مدهش ولغة فذّة استطاع من خلال السردية التعبيرية أن ينجح أيما نجاح في تحقيق وحدة للموضع وتعدد في زوايا تناول موضوع ( الربيع ) , فكانت بحق مزيجاً متناغماً . لقد كانت المرآتية النصّية تتمثل عبرة :

1-  الفسيفسائيّة المعنويّة : تمثّلت في المقطع / يخرج من قلبِ الشتاءِ وحزنِ الخريفِ بنورِ بهجتهِ ممرجاً مسافاتِ الأيامِ، فتقرأ جذورُ الحياةِ أوراقَ الحبِّ، نبتةٌ تتعلّمُ أسرارَ العشقِ، يتسلقُ الأملُ أغصانَ العطرِ بعد إغفاءةٍ بينَ منحنياتِ الماضي / فنحن أّذاً أمام مرآة معنوية رأينا من خلالها هذه الأشراقة الجميلة والتجلّي والولادة , وكأنّ الشاعر اراد عن قصد ان يهيّء المتلقي للدخول الى عوالمه الأبداعيّة الزاخرة بكلّ هذا الجمال .

2-  الفسيفسائيّة الشعورية : وقد تمثّلت في هذا البناء النصّي الجميل / تتلون الأحلامُ بشذى أزهارِ الدفءِ وحنينِ ظفائرِ السنابلِ الشقراء، الشمسُ ترسلُ خيوطها لتصوغَ لحنَ الشجر / فنجد هنا المرآة الشعورية , حيث نقلنا الشاعر من خلالها الى أجواء النصّ .

3-  الفسيفسائيّة التجريدية : وقد تمثّلت من خلال هذه الفقرة النصّية الجميلة / النسائمُ تدغدغُ شفاهَ العصافيرِ، فترتشفُ من غدرانِ الشوقِ، العنادلُ تُطربُ أطرافَ الفجرِ لحناً سماوياً يهيجُ إستعبارَ الكونِ فينثرُ حبّاتِهِ جمالاً يسرُّ الوجود / فنرى هنا بأن اللغة وقد أمتلأت بزخم شعوري لطيف .

4-  الفسيفسائيّة التعبيريّة : وقد تمثّلت من خلال هذا المقطع النصّي / لعلّهُ في أرضي ينسج قصائدَ تجمع أشلاءَ الصبرِ ويرسم قبلةً على ضفافِ النهرين ويستعيد أجنحةَ المسيرِ  / حيت نجد المرآتية من خلال الفكرة والرؤية والطلب .

5-  الفسيفسائيّة الأسلوبيّة : ولقد تمثّلت من خلال هذا المقطع النصّي / مجنونٌ كان ينامُ بعيداً عن عيونِ الطرقاتِ الغافيةِ، همستْ بقربهِ الفراشاتُ فنهضَ مرتدياً بسمةَ الأفلاكِ / فنجد المرآتية الأسلوبية قد تمثّلت من خلال هذه النثروشعرية الرائعة .

نلاحظ هنا بجلاء بأنّ كلّ عبارة في النصّ هي عبارة لغيرها , لهذا فلقد حقق هذا النصّ الغاية المرجوّة منه في لغة مرآتيّة عذبة , مما جعل النظر الى النصّ يبدو مشرقاً كـ الفسيفساء .

زينة الفصول / بقلم الشاعر : عزيز السوداني – العراق .

يخرج من قلبِ الشتاءِ وحزنِ الخريفِ بنورِ بهجتهِ ممرجاً مسافاتِ الأيامِ، فتقرأ جذورُ الحياةِ أوراقَ الحبِّ، نبتةٌ تتعلّمُ أسرارَ العشقِ، يتسلقُ الأملُ أغصانَ العطرِ بعد إغفاءةٍ بينَ منحنياتِ الماضي، تتلون الأحلامُ بشذى أزهارِ الدفءِ وحنينِ ظفائرِ السنابلِ الشقراء، الشمسُ ترسلُ خيوطها لتصوغَ لحنَ الشجر، مجنونٌ كان ينامُ بعيداً عن عيونِ الطرقاتِ الغافيةِ، همستْ بقربهِ الفراشاتُ فنهضَ مرتدياً بسمةَ الأفلاكِ، ليعلنَ بدءَ نشوةِ الحياةِ من جديد، النسائمُ تدغدغُ شفاهَ العصافيرِ، فترتشفُ من غدرانِ الشوقِ، العنادلُ تُطربُ أطرافَ الفجرِ لحناً سماوياً يهيجُ إستعبارَ الكونِ فينثرُ حبّاتِهِ جمالاً يسرُّ الوجودَ، يمضي مبتسمَ الثغرِ زينةَ الفصولِ، لعلّهُ في أرضي ينسج قصائدَ تجمع أشلاءَ الصبرِ ويرسم قبلةً على ضفافِ النهرين ويستعيد أجنحةَ المسيرِ ....


تدحرجات الساعة/ ب. حسيب شحادة

The Rollings of the Watch

في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة، التي رواها ماجد بن الأمين بن صالح صدقة الصباحي (هِلّيل بن بنيميم بن شلح تسدكه هصفري) [١٩٤٠ - ،  من مثقّفي سامريي حولون؛ معلّم للعربية ورجل أعمال؛ ينشر بخطّ يده خيرة الأدب السامري] بالعبرية على مسامع  الأمين (بنياميم) صدقة (١٩٤٤- )، الذي نقّحها، اعتنى بأسلوبها ونشرها في الدورية السامرية أ. ب.- أخبار السامرة، عدد ١٢٤٨-١٢٤٩، ١ أيلول ٢٠١٧، ص. ٥٢-٥٥. هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها ــ إنّها تَستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنچيزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية والبرتغالية) بالخطّ اللاتيني. 

بدأت هذه الدورية السامرية في الصُّدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، تُوزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري من المائة والستّين بيتًا في نابلس وحولون، قُرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين في الدراسات السامرية، في شتّى أرجاء العالم. هذه الدورية ما زالت حيّةً تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّريْن، الشقيقَين، الأمين وحُسني (بِنْياميم ويفت)، نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).

”مثابرون وكَسالى

الجوّ قائظ جدًّا اليوم، لقد ظننّا أنّ المطر الأوّلَ قد يجلُِب معه بعض البرودة، ولكن الطقس الخمسيني متواصل، صحيح  هناك بعض البرودة في الليل، ولكن في النهار يتصبّب المرء عرَقا. إذا كان لديك الوقت وبعض المقدرة لتركت كلّ أشغالك، ركِبت سيّارتك وسافرت للاستجمام في مصيفك في قرية لوزا. هناك الطقس بارد جدًّا ليلا، أمّا في النهار  فهو جميل. كما أنّك تشعُر بالمتعة ثانيةً بين ظهراني أبناء طائفتك، الذين يقضون وقتهم بهدوء وراحة، يتحدّثون عن كلّ ما هبّ ودبّ، يقترحون خُطّة تطوير بديلة للمركز الجماهيري الذي على وشك الانتهاء من بنائه، على الأقلّ في مرحلته الأولى. 

والقليل من السياسة لا يضرّ. وربّما نقوم ببعض لعب الورق (الشدّة) أو الشيش بيش، ريثما تنتهي النساء من إعداد وجبة الغَداء. عمّا نتحدّث اليوم؟ - يسأل أحدهم - إنتخابات اللجنة؟ متى ستُعقد أخيرًا؟ أو ربّما نتكلّم عن الأضرار التي سبّبتها الأحداث في نابلس؟ أو ربّما ماذا جلب معهم أولائك الذين زاروا عمّان مؤخرًا؟ سمعت أنّ …، أو ربّما نتحدّث عن محرّر أ. ب.؟ ثمّة مواضيع كثيرة للحديث عنها؛ العمل؟ أين؟!، لا يسمحون لنا بذلك.

لا نصيبَ لي في كلّ هذه المحادثات والمطارحات، وأتفادى التعاطي مع الشيش بيش والشدّة (ورق اللعب). أعطِني شيئًا ما أقوم به فأوليك كلّ اهتمامي ونشاطي. جبل جريزيم بالنسبة لي هو مكان الحجّ والراحة والاسترخاء من عمل شاقّ على مدار العام؛ هذا ما ورِثتُه من والدي الأمين (بنياميم) وهكذا ربّاني عمّي ممدوح (آشِر) بالكلام العذب وبالجلدات المؤلمة. كما تعلّم شقيقاي الأكبر منّي سِنًّا، راضي (رتسون) وسميح (سلوح). ويُذكر أنّ كلّ ما كان يطلُبه والدي الأمين من أبنائه كان يطلبه من نفسه أيضا. 

الأمين بن صالح الفقير ”الغني“

إنّي ما زلتُ أضحك وأهزر حتّى اليوم على قِصص بحبوحته الفائقة. في تلك الأيّام، التي كان فيها معظم السامريين فقراء مدقعين، كانت لديه بعض الليرات، فئات ورقية وعُملة معدنية، كان قد وفّرها الواحدة تلو الأخرى بعد عمل شاق مُضن، عندما كان يرافق أباه صالح مشيًا على الأقدام، من قرية لقرية لبيع القُماش للقرويين، أو حينما فتح دكّانه الصغير في سوق نابلس، ومن هناك كان يسافر إلى أسواق دمشق وبيروت لابتياع البضاعة. كان يتّخذ خطواتِه بحكمة، وحافظ على ماله حتّى يتمكّن من إعالة أسرته بكرامة؛ في حين أنّ آخرين من أبناء الطائفة كانوا يقضون وقتهم في ألعاب عبثية أو في انتظار وترقّب ”بقشيش“ ما من سائح بالصُّدفة، أمّا أبي فقد كان منشغلًا بجني لُقمة العيش.
        
وكانت في جيب قميصه الصغير، كعادة التجّار، ساعة ذهبية مستديرة، وعلى رأسها خاتَم رُبطت به سلسلة طويلة تدلّت من عنقه. بين الفينة والأخرى دأب أبي على إخراج الساعة من جيبه ليُلقي نظرة عليها، يقرّبها من أذنه ليسمع صوتها المهدّىء؛ يُدير رفّاصاته لتقويته ثمّ يتمتم همسًا بينه وبين نفسه الوقت الذي تُظهره الساعة. وهكذا كان يعَين  بساعته ساعة خروجه للتجارة، وكذلك ساعة عودته إلى البيت بعد التجوال المضني في قرى نابلس. وعندما كانت الشمس تبدأ في الغروب، كان والدي يُلقي نظرة على ساعته مرارًا أكثر ليضمنَ عودته إلى نابلس قبل هبوط الظلام. هكذا كانت عادته اليومية. 

إنّي أبتسم مجدّدًا، عندما أتذكّر ما حُكي عنه بأنّه ميسور الحال. ذات يوم تعطّلتِ الساعة، توقّفت عن الدوران. وكان أبي يهزّها إلى الأعلى وإلى الأسفل، يحرّكها يمينًا وشمالًا ولكن لا حياة لما/لمن تنادي. مرّت على أبي فترة عصيبة لم يتمكّن فيها من بيع أيّ شيء للقرويين الفقراء. وقد رأى في تصليح الساعة آنذاك من الكماليات، فالنزر من المال الذي توفّر عنده خصّصه لإعالة العائلة، ولم يكن لديه مال إضافي لتصليح الساعة. بقيت الساعة مكانَها في جيبه ولكنّ أبي توقّف عن النظر إليها، فما الفائدة من النظر إلى ساعة معطّلة وحتّى لو كانت من ذهب؟

ماذا فعل والدي لمعرفة ساعة انطلاقه إلى القرى؟ قرّر تعيين ذلك بحسب حركة القمر في السماء. وبما أنّ أبي عرف شكل القمر في كلّ يوم من أيّام الشهر، ومتى يصل إلى أين، علم أبي متى ينهض، يصلّي، يتناول الفُطور ويخرج مع سائر الباعة المتجوّلين والتجّار إلى قرى المنطقة.

ذات يوم، أو بالأحرى ذات ليلة، لم يظهرِ القمر في السماء الملبّدة بالغيوم أو بضباب سميك غطّى المدينة وتقلّص  مدى الرؤية لدرجة الصفر تقريبا. قرّر أبي في داخله أنّ أوان الخروج لعمل يومه قد آن، بغضّ النظر عن رؤية القمر. أسرع لإيقاظ أمّي وتوجّه لصلاة الصباح. وفي تلك الأثناء عملت أمّي في تحضير الزوّادة، شَوت بعض الكستناء وقلَت بعض قِطع من الجبنة وحضّرت السفرطاس (حقيبة طقم أدوات) الذي كان يحمله على حماره ومنه كان يتناول الطعام حتى المساء.

انطلق أبي إلى القرى، واستغرب بأنّ أصدقاءه التجّار والبائعين المتجوّلين لم ينضمّوا إليه، كما كانت عليه الحال يوميا. لم يشُكّ بشيء ولم يطرأ على باله أنّّه لربّما كان الوقت مبكّرًا أكثر من اللزوم. لقد عزا تغيّبهم للضباب الكثيف الذي كان ما زال يلفّ المدينة. 

فوجىء القرويون المبكرون جدًّا برؤية أبي، وتهافتوا عليه لما كان في حوزته من أقمشة جديدة من دمشق، فاشتروا معظمها. وما تبقّى لديه من بضاعة باعها في قرية روجيب، وطفق عائدًا بسرعة إلى نابلس ليقوم بجولة أُخرى. وهو لم يذكر متّى حظي بيوم موفّق لهذا الحدّ ولم يسمع مسبّاتِ زملائه الباعة المتجوّلين الذين وصلوا القرى بعده بوقت مديد، ووجدوا أنّ الأمين السامري قد سبقهم وباع كلّ بضاعته. مشى خلف حِماره ساعاتٍ إلى أن وصل القرية الأولى في مساره اليومي، بيت فوريك نحو شروق الشمس. 

عقاب قليلي الدخل

تكرّر ما حدث في اليومين الثاني والثالث؛ في كلّ يوم كان أبي يغادر البيت في ساعة مبكّرة، يسير وراء حماره ويسمع صوته بعيدًا في الفجر الهادىء. في اليوم الرابع، حدث الحادث. بينما كان يسير بسرعة في أعالي التلّة بين نابلس وروجيب وإذا بثلاثة مُلثّمين يخرجون من وراء صخرة كبيرة على مفترق طرق وهاجموه وطرحوه أرضًا، وأخذ أحدهم بضربه برِجل بهيمة نحرت عمّا قريب بكلّ أعضاء جسمه. تبيّن أنّهم لم ينووا نهبه أو قتله بل معاقبته لأنّهم لما أشبعوا رغبتهم ”فشّوا غلّن“، همس أحدهم بأُذن أبي الذي كان على وشَك فُقدان الوعي ”هكذا يُفعل بمن يسلُب رِزق زملائه ويأخذ كلَّ شيء لنفسه“. قال الضارب ما قال، قام عن أبي وانصرف هو وصديقاه من هناك. عاد أبي إلى البيت منكسرًا محَطّمًا لمداواة أوجاعه. وفي الطريق التقى بالكاهن الأكبر يعقوب بن هرون ورأى ما حلّ به؛ استجوب أبي عمّا حدث له. أبي، الذي كان يكنّ احترامًا للكاهن الأكبر يعقوب، وكان يخشاه قصّ عليه بصوت متقطّع ما جرى له.

”بقائمة بهيمة ضربوكَ؟“ - صاح به الكاهن يعقوب - ”وكيف تفكّر في الدخول إلى بيتك قبل أن تغتسل وتطهّر نفسك من الدنس الذي علق بك؟“. توجّه أبي بلا تردّد إلى الحمّام، غطس في الماء وتطهّر. خفت غضبه، لاحظ أنّّه شكر الكاهن الأكبر في قلبه، إذ أنّ الاغتسال والغطس خفّفا من أوجاعه. كما قرّر تصليح ساعته الذهبية إذ أنّه علِم أنّه في المرّة القادمة لن يكتفي التجّار بعِقاب جسدي. 

نهاية ساعة الذهب

بعد وفاة أبي، انتقلت ساعة الذهب بالوراثة إلى شقيقي البِكر، الذي اعتاد على إلقاء نظرات خاطفة عليها مثله مثل التجّار. ذات يوم، وضعها في يدي لهنيهة ريثما يغيّر ملابسه. وتلك الساعة الذهبية جذبت انتباه الطفل أمين (بنياميم) ابن شقيقي، الذي حبا نحو الساعة ومسكها بيده، كان يرميها ويلتقطها، يُسقطها ويحملها إلى أن تعطّلت كليّا. صرخ أخي، ولكن ذلك جاء متأخّرًا، الساعة تحطّمت ولا يمكن تصليحها.

لم يكن شقيقي بحاجة للساعة أو للقمر لمعرفة وقت الانطلاق إلى القُرى. كانت له ساعة حيّة تسير على اثنتين، عمّي النشيط ممدوح (آشر) الذي كان يُوقِظه ويأخذُه معه لفتح دكّان القُماش في السوق“.




دبلوماسية الأوبئة وعلاقات دولية جديدة/ د. عبدالله المدني

دخلت القاموس السياسي في العقود الأخيرة ثمة مصطلحات جديدة خاصة بإحداث إختراقات في بعض الملفات السياسية الصعبة من خلال خطوات أو أحداث أنهت القطيعة بين طرفين متخاصمين ومهدت السبيل أمام بدء الحوار والتفاوض بينهما. هذا ما حدث في عام 1971 حينما ذاب الجليد بين واشنطون والصين الماوية على خلفية زيارة أول وفد رياضي أمريكي في لعبة تنس الطاولة إلى بكين، وهي الزيارة التي فتحت الأبواب أمام ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسينغر لزيارة الصين بعد 3 أشهر موفدا من رئيسه ريتشارد نيكسون هذا التطور المفاجيء أطلق عليه دبلوماسية "البينغ بونغ". ثم كرت السبحة فظهر مصطلح "دبلوماسية الحافلات" عام 1999 في إشارة إلى قيام رئيس الوزراء الهندي الأسبق أتال بيهاري فاجباي بمحاولة كسر الجليد بين بلاده وباكستان بتسيير خط منتظم للحافلات عبر أراضي مقاطعة كشمير المتنازع عليها. كما ظهر في عام 2013 مصطلح "دبلوماسية التنس" للإشارة إلى أن تليين واشنطون موقفها من دخول حكم إيراني للمشاركة في دورة "فلاشينغ ميدوز" لكرة المضرب، قفزا على نظام العقوبات الأمريكي ضد طهران ما هو إلا خطوة دبلوماسية هدفها فتح كوة في جدار العلاقات الأمريكية ــ الإيرانية المتأزمة منذ 1979.
 عدا ما سبق، تكرر مصطلح "دبلوماسية الجنائز" كلما توفي زعيم بلد وشارك في جنازته رؤساء بين دولهم ما صنع الحداد، على أمل أن يُحدث تجمعهم تحت سقف واحد وفي مناسبة حزينة إختراقا في علاقاتهم الشخصية وبما ينعكس إيجابا على علاقات دولهم.
اليوم، ومع إنتشار وباء كورونا (كوفيد 19) الذي أجل الحديث والإنشغال بملفات سياسية وإقتصادية ساخنة، يتوقع البعض دخول مصطلح جديد إلى القاموس السياسي هو مصطلح "دبلوماسية كورونا" أو "دبلوماسية الأوبئة"، كناية عن أن الوباء المخيم على العالم بأسرة ربما يساهم في تقريب الأطراف المتنازعة، وبالتالي حلحلة بعض الملفات الجامدة.
ومع أنه من المبكر الحديث عن مثل هذا المصطلح، كون الصورة غير واضحة تماما، إلا أن هناك ثمة أمثلة بسيطة قد تؤيد الزعم السابق. فمثلا الحرب الليبية التي فشل كبار الوسطاء في التوصل إلى هدنة بشانها نجحت كورونا في ايقافها (وإن بصفة مؤقتة) مما أعطى بصيصا من الأمل للشعب الليبي المنكوب في تهيئة أجواء للحوار بين حكومتي بنغازي وطرابلس. وبالمثل فرض الوباء على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تخفيف عنترياته تجاه اليونان وقبرص وغيرهما.
على أن الأهم من كل هذا هو ما سيصبح عليه شكل العلاقات الدولية والنظام العالمي بعد الإنتهاء من كورونا وتداعياتها المؤلمة. ذلك أن التاريخ يعلمنا أن ما من حدث عالمي كبير إلا ويتبعه تغييرا كبيرا في نسق العلاقات وأنماطها بين مكونات المجتمع الدولي، دولا ومنظمات. حدث ذلك بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وحدث أيضا بعد حرب السويس وإنهيار الإتحاد السوفيتي وأحداث الحادي عشر من سبتمبر. وما يمر به العالم اليوم يمكن وصفه بالحرب العالمية (رغم أن أحد طرفيها كائن مجهري خفي) التي ستليها تغييرات كبيرة على مستوى علاقات الدول الكبرى والمتوسطة بعضها ببعض، وارتباطاتها من جهة أخرى بالتكتلات التي تحظى بعضويتها.
وأول ما يمكن التنبوء به هو أن العلاقات الأمريكية ــ الصينية المأزومة أصلا على خلفية تنافس طرفيها إقتصاديا وإستراتيجيا سوف تزداد تأزما، خصوصا وأن البلدان دخلتا حربا كلامية حول المتسبب في ظهور وإنتشار كورونا عبر إلقاء كل طرف اللوم على الآخر. كما وأن الوباء كشف عن هشاشة مبدأ التكافل والتعاضد والشراكة بين دول الإتحاد الأوروبي حينما تركت الأخيرة عضوا مؤسسا مثل إيطاليا تصارع الأزمة بمفردها إلى حد لجوئها لطلب المساعدة من الصين. وهذا قد يؤدي إلى تزايد النزعة القومية داخل دول الإتحاد ويهدد وحدة التكتل. هذا ناهيك عن احتمال مراجعة دول كثيرة لموقفها المرحب بمشروع طريق الحرير الصيني.
من جانب آخر يمكن القول أن الكثير من المباديء والهياكل التي تعمل وفقها منظمات دولية مثل صندوق النقد الدولي ومنظمة الصحة العالمية ستتغير، فمثلا لن تقدم هذه المنظمات مساعدتها مستقبلا إلا وفق شروط جديدة على رأسها إلتزام الدول المتلقية بالشفافية وفتح أبوابها للتقصي والتحقيق، والإلتزام الدقيق بقواعد الصحة العامة وأساليب الإنفاق الرشيد، وكبح جماح المستهترين والمتطرفين في عاداتهم بقوة القانون.
والحال أن كورونا قد يؤدي بنا إلى نظام عالمي جديد، مع تفسيرات جديدة لمصطلحات مثل العولمة، ودور الدولة، والأمن، والحدود، وواجبات الفرد والمجتمع، والشراكة الإستراتيجية، والتعاون الدولي. وقد يتزامن كل هذا مع إنغلاق بعض الدول على نفسها وتركيز إهتمامها على شؤونها الداخلية بعد تجربتها المرة مع الوباء.
د. عبدالله المدني
أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين
تاريخ المادة: مارس 2020
   Elmadani@batelco.com.bhالإيميل:

عبارة الهامش
التاريخ يعلمنا أن ما من حدث عالمي إلا ويتبعه تغييرا في نسق العلاقات بين مكونات المجتمع الدولي



صوت الأرض/ شاكر فريد حسن

" أنا الأرض لا تحرميني المطر "، هذا هو صوت راشد حسين ابن بلدي مصمص، شاعر الوطن والكفاح والتراب والنبض الفلسطيني، الذي عانق الثرى في الثامن من شباط العام 1977، حيث قضى نحبه إثر حريق شبّ في غرفته بنيويورك. وما احوج شعبنا وهو يحيي ذكرى يوم الأرض الخالد، العودة إلى إرثه الشعري وقصائده الرقيقة العذبة السهلة الممتنعة، بما فيها من احساس وطني وزخم ثوري، وهتافات واناشيد للوطن والأرض واللاجئين والخيام السود وللإنسان الفلسطيني، وتصوير للوجع والألم الفلسطيني، هذه القصائد التي تشهد على وضوح الرؤية والمسلك والايمان بالخلاص وانتصار الثورة وتحقيق حلم العودة والاستقلال.

وفي قصيدته " مع الأرض " نلمس الالتحام المدهش لعناصر الطبيعة والأرض والإنسان، في مواجهة المصادرة، وهذا الالتحام والالتصاق بالجذور والهوية يمثل ظاهرة بارزة في رؤيته الواعية الملتزمة، فالأرض بالنسبة له هي الانتماء والوطن والوجود والمكان والحياة والمستقبل.

لنسمعه يقول:

تقتربُ الأرضُ مني

وتتركُ عندي حجارة حبٍ

تدافعُ عنها وعني

وحين أردُّ الجميلَ سأحضنها ألف مرهْ

وأعبدها ألف مرهْ

وأُحيي لها العرسَ فوق جبيني

وفوق حطام المنافي

وفوق ركامِ السجونِ

فأشربُ منها

وتشربُ مني

ليبقى الجليلُ جمالًا نضالًا وحبًا

يدافعُ عنها وعني

أرى الأرض َ صبحًا سيأتي

وتقتربُ الأرضُ مني

راشد حسين كان يرى دائمًا أن الصبحَ مقبلٌ، لأن جذور عزيمته وايمانه الراسخ مستمدة من الأرض التي زرعت الزمان والمكان في قلبه ووجدانه ونبضه، وقد رافقه هذا الشعور وهذه الرؤية المتفائلة من ديوانه الذي أسماه " مع الفجر " حتى قصيدته " عائدون " قائلًا:

أرى الأرض صبحًا سيأتي

وتقترب الأرض مني.

نُباَحُ الصّباح والمساء.. وقصص أخرى قصيرة جدّا/ حسن سالمي

زمن الثّعالب
    
    وقف شامخا يلتفّ بعلم أبيض تتوسطّه نجمة داوود... ومدّ يده إلى أنف رجل على رأسه كوفيّة بيضاء فجدع أنفه وفقأ عينه. فما كان من الرّجل إلّا أن طأطأ برأسه مسلّما...
    الرّجل نفسه يقف مجدوع الأنف مفقوء العين قبالة أخيه المتهالك، فيلوي ذراعه ويبصق في وجهه ويملأ الفضاء سبابا وضراطا...

البلطجيُّ الأكبر
  كلّما نفخ في صفّارته تداعت له الأمّة بأثقالها. هذه المرّة صفّر تصفيرة طويلة فمثل لديه ولدان من العربان.
"تناطحا"... 
وعلت قهقهته السّاخرة...
على الفور التقى رأساهما في الهواء... 
وصفّر ثانية...
"تناطحوا..." 
بلا تردّد اصطدمت رؤوس العرب ببعضها... 
"قفوا."
ساد صمت ثقيل أردف بعده في حزم:
"الجزية... وإلّا..." 
ذات زمن
    ارتفع نباح الكلاب فخرج أمام الخيمة ومدّ بصره إلى الأفق، حيث كانت الشّمس تسقط كرمّانة متهالكة...
- مِنْهُو.
- ضِيفْ.
وعندما قدّم له مثرِدًا* كان اللّيل قد حطّ سواده على الصّحراء...
- كُولْ الشِّرْشِمْ** لا تِتْحشِّمْ، رَاهِي العِشَّه مَا فِيهَاشْ." 
- هِزّْ الصّاعْ وبَرَّ اتْسَلِّفْ، عُمْرُوشْ الضِّيفْ إِيبَاتْ بْلاَشْ."
- هِزّْ النُّسْخَه وُبَرّا حَلِّفْ، اسْم الحَبّه مَا تَلْقَاشْ."
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مثرد: قصعة صغيرة من العود.
**الشّرشم: قمح يطبخ في الماء.

نباح الصّباح والمساء

أوّل الزّواج..
من الباب تعترضه زوجته: "أمّك أهانتني، وفعلت كيت وكيت..."
"زوجتك! آه من زوجتك... قالت لي وقالت لي..."
يبيت ليلته طاويا ورأسه يشتعل...
طول العمر..
زوجته: "أمّك... هب... هب... هب..."
"زوجتك... هب... هب... هب..."


إنّها الحرب

على رصاصة تسافر روحي...
ملك الأحلام

أراني أمشي على الغيم فتخضرّ الأرض...
                  
سلطان الأيّام

    لا أدري منذ متى وهو ينفخ على الشّموع التي بداخلي، يطفئها واحدة واحدة...

فرق توقيت قداس عيد القيامة حول العالم وتنطيم خدمات الفضائيات المسيحية/ أشرف حلمى

تعيش شعوب العالم الأن جوا ملئ بالقلق والخوف من عدوى فيروس كورونا وسط إجراءات احترازية صارمة وضعتها حكومات دول العالم جراء هذا الوباء الفتاك الذى اجتاحها وأثرت على كافة المصالح والمؤسسات الحكومية وغيرها بما فى ذلك دور العبادة ومنها الخدمات الكنسية بالكنائس والأديرة بكافة طوائفها , وأصبحت الخدمات قاصرة على عدد محدد من الخدام بجانب كاهن الكنيسة وحرمان الشعب من اداء الصلوات والجميع يتابع إما عبر القنوات الفضائية المسيحية أو من خلال مواقع التواصل الإجتماعى وقنوات اليوتيوب بأستخدام الإنترنت كذلك الاجتماعات ومدارس الأحد , وتقوم القنوات الفضائية المسيحية بخدمة جليلة فى هذا الوقت العصيب وسط دعوات الى الله ان يتحتنن على شعبة لإيجاد حلاً سريعا لإنقاذ الموقف قبل الاحتفالات بعيد القيامة ولكن ربما يطول الامر وتستمر الإجراءات الصارمة ويحرم شعب الكنيسة من متابعة قداسات أعياد القيامة خاصة الذين يتابعون من خلال القنوات الفضائية الأكثر متابعة مع فرق التوقيت بين الدول .
فى هذا الوقت تعاونت معظم دول العالم وتركت الاختلافات , المشاكل والحروب جانبا وأتجهت نحو توحيد الجهود لهدف واحد هو الإنسانية ومساعدة كل منها الأخرى كى ما تعبر السفينة الى بر الأمان للحصول على العلاج والوقاية دون وقوع المزيد من إصابات وضحايا لهذا الفيروس , ونحن نعلم ان القنوات الفضائية المسيحية تبث خدمات روحية عظيمة من كنائس وأديرة تغطى جميع دول العالم ولكل منها برنامج وخدمات معينة كما تنقل جميعها الاحتفالات الدينية الهامة معاً بنفس التوقيت مثل قداسات الأعياد على سبيل المثال , إلا ان هذا التوقيت ربما يكون مختلف نظراً للأحداث الجارية التى قد تطول عدة أسابيع وسط احتفالات الكنيسة بأسبوع الآلام بداية بقداس عيد السعف مروراً بقداس خميس العهد وأخيراً عيد القيامة المجيد , لذا يجب على القنوات الفضائية بكل محبة لأجل اسمه القدوس ان تتوحد أيضاً بهدف توصيل الخدمة لشريحة كبيرة من المجتع  ليست لديها القدرة على استخدام التكنولوجيا الحديثة , ويجتمع مسئوليها بالتنسيق فيما بينها وبين أحد كنائس او أديرة فى كل دولة من دول المهجر ذات التوقيت المشترك فى تنظيم البث المباشر خلال هذا الأسبوع المقدس نظراً لاختلاف التوقيت على ان تبث احد القنوات الخدمات الكنيسة على سبيل المثال من نيوزيلاند , جنوب شرق اسيا , أوروبا وشرق الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والقناة الاخرى تبث من استراليا , دول الخليج , مصر وجنوب وغرب الولايات المتحدة الامريكية , حتى لا يحرم احد من متابعة الخدمات الكنسية كاملة بقدر المستطاع نظراً لفرق التوقيت بين الدول والولايات بالدول الكبرى مابين ساعة او أكثر .

إنقلاب الأغنياء وخيانة القيم/ عباس علي مراد

يعيش العالم اليوم حالة من انعدام التوازن ليس فقط بسبب فيروس كورونا والذي قد يكون أحد نتائج انعدام التوازن هذا، حيث لا يمكننا الحكم على أسبابه قبل هدوء العاصفة، إذا ما تسنى لنا ذلك، ولكن انعدام التوازن سببه الأساسي الإنحطاط السياسي والثقافي والعنصرية والتطرف والشعبوية والإستغلال… 
حتى لا تبقى الأجوبة والأسئلة بسيطة أو مبسطة يطرح اليوم سؤال جوهري، هو كيف لنا أن نكسر ونتجاوز المحرّمات السياسية والمالية والدينية التي شكلت حالة انعدام التوازن؟
لقد أصبحنا وجهاً لوجه في مواجهة هذه التحديات أقله نظرياً، وأصبح الصمت مرفوضاً، وهذا ما قد  يتحول إلى الجانب العملي، وتصبح المواجهة سياسية أذا ما توفرت ظروف العمل السياسي أو تتحول الى ثورات على المظالم التي تسود العالم. 
ويمكن ان نلقي نظرة على بعض  هذه التحديات
أولاً- سياسياً، هل الديمقراطية هي أفضل نظم الحكم؟
ثانياً- مالياً، هل الليبرالية هي أفضل النظم الإقتصادية؟
ثالثاً- دينياً، هل فقدت المنظومة الدينية مصداقيتها؟
قد يقول قائل إن الديمقراطية هي أساس الحكم العادل، حيث المساءلة والرقابة وحرية التعبير وحقوق الإنسان الخ. لكن التمعّن والتدقيق في سير العملية الديمقراطية تجعل المرء يدرك أن تلك الديمقراطية أفرغت من مضمونها لصالح العمليات الإنتخابية، والتي تحوّلت إلى سيرك بهلواني يتحكم بمساره المال والإعلام، الذي يتركّز في أيدي النسبة القليلة من بلدان العالم وفي داخل الدولة الوطنية. حتى في أعتى الديمقراطيات لم يعد هناك حرية تعبير رغم توافر المعلومة وسرعة وصولها، إلا أن إغراق الناس بالكم الهائل من المعلومات، المضلِلة منها  او الصادقة يقود إلى فقدان البوصلة والضياع في بحر من الأكاذيب أو الحقائق الأدواتية المكرّسة لأجل الوصول إلى السلطة، واستمرارعملية الخداع والتحكم والقمع المستتر والعلنيّ إذا ما اقتضت الضرورة والأدلة أكثر من أن تعّد أو تحصى.
مالياً، وإقتصادياً، يبلغ الناتج القومي العالمي الفعلي ما يقارب 90 تريليون دولار. ولكن حجم البورصة العالمية يبلغ 300 تريليون دولار.هذا الفرق الشاسع بين الإقتصاد الفعليّ، والإقتصاد الوهمي الإفتراضي، جعل العالم بؤرة أزمات مالية وإقتصادية كانت تظهر كل عشرين إلى ثلاثين عاماً، ولكن بفضل التطور التكنولوجي وسرعة الإتصالات تقلّصت هذه المدة الزمنية لتتكرر كل 10 أعوام إن لم يكن أقل.
 فهذا النظام الذي تحكمه ضوابط الجشع والطمع والإحتقار، أوجد هوّة كبيرة بين الفقراء والأغنياء، لدرجة إختفاء الطبقات الوسطى التي تعتبر بيضة القبّان وصمام الأمان في النظام الإجتماعي، فازداد الفقراء فقراً وازداد الأغنياء غنى، وانهارت دول، وتفشّت الأمراض، واختفت القيم بفعل هذا النظام الذي كرّس اقوياءه كل ما يملكون من جبروت مالي، إعلامي، إقتصادي وعسكري لإحكام قبضتهم على العالم كما تقدم في الشق السياسي الذي سبق الحديث عنه، وأصبحت الخصخصة إحدى أهم أساليب النهب المنظم لثروات الشعوب، حيث سيطرت شركات عابرة للقارات والأوطان على مقدرات وثروات الشعوب، وفرضت نمط الإستهلاك في أكبر عملية ربط إقتصادي عرفتها البشرية، أدّت إلى انعدام تكافؤ الفرص الوظيفية والمعيشية والخدماتية بكل أشكالها الصحية والتعليمية والإقتصادية. 
ولا يخفى الدور الذي مارسته وما زالت مؤسسات العولمة الإقتصادية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، التي مارست سلطتها المكرّسة لقهر الدول الفقيرة وإحكام السيطرة على أنظمتها السياسية والإقتصادية خدمة للدول الغنية وتكريس أستغلالها ضد أرادة الشعوب، اليونان والأرجنتين خير مثال. 
أما من الناحية الدينية، كان الدين ولا يزال شئنا ام أبينا  يلعب دوراً مهماً ومحورياً في حياة الشعوب سلباً اوإيجاباً، والشواهد التاريخية أو المعاشة أكثر من ان تَعد وتُحصي الحروب الدينية في العصور القديمة، او العصر الحديث والذي سنركّز عليه لانه شكّل ولا يزال الحدث في أكثر من منطقة من العالم.
منذ أواسط القرن العشرين، كان الدين العنصر الأساسي في الصراعات السياسية، منها الحرب في ايرلندا بين الكاثوليك والبروتستانت، الحرب في سيريلانكا، الحرب في قبرص، إستقلال باكستان ذات الأكثرية المسلمة عن الهند، الحرب في أفغانستان، والتي تحالفت فيها الولايات المتحدة الأميركية مع القاعدة لقلب النظام الموالي للإتحاد السوفياتي السابق، قبل أن يحصل الطلاق بين الجانبين وينقلبان على تحالفهم ويدخلان في مواجهة على أسس دينية، وهذا ما أكدته تصريحات كل من الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش وأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة عندما قال الأول بأهل "الخير وأهل الشر" وقال الثاني "بأهل الكفر وأهل ألإيمان". ولا يمكن أن ننسى فلسطين حيث استعملت الصهيونية البعد الديني (أرض الميعاد) لإحتلالها فلسطين والتي تريد تكريسها دولة يهودية، حروب الإبادة في رواندا والصحوة الدينية التي أدت الى قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.
أما في القرن الحالي، فالحرب في بورما وطرد المسلمين بعد تنفيذ عمليات تطهير عرقي، وصولاً لظهور داعش (بغض النظر عن من شكّلها وموّلها وقوّى شوكتها واستثمر فيها) فقد عمدت الى تكفير وهدر دم كل من يعاديها على أسس دينية أو مذهبية. وما يحصل في الهند حالياً من التضييق على أسس دينية من قبل الهندوس التي تلقى رعاية الحزب الحاكم على الأقلية المسلمة. 
أما في الغرب أو الدول الديمقراطية فقد أعلن الرئيس الأميركي وعلى أساس ديني حذر دخول مواطني بعض الدول الإسلامية الى الولايات المتحدة، ولم تشذ اوروبا عن القاعدة حيث أصبحت ظاهرة الإسلاموفوبيا شعاراً لقوى اليمين العنصري في دول الإتحاد الأوروبي.
إذن، كيف ولماذا انحرفت الأديان عن الرسالة الإنسانية؟!
بالطبع، لم يأتِ هذا الإنحراف من فراغ، بل نتيجة استثمار طويل الأجل من قبل القوى التي تملك المال والسلطة والإستخبارات والإعلام، التي لم تألُ جهداً من أجل استغلال الدين، وبتواطؤ من مؤسسات دينية لنشر الفوضى والنزاعات وتأليب اتباع الأديان والمذاهب على بعضها البعض، للحفاظ واستمرار سيطرتها  على مقدرات وثروات الشعوب والدول التي دمرتها الخلافات الدينية، وخير دليل على ذلك العراق بعد الإحتلال الأميركي الذي زرع وغذّى الفتنة المذهبية التى ما زالت نيرانها تحت الرماد، هذا بالإضافة الى تهجير الأقليات المسيحية.
وهنا، لم يكن خافياً دور الإعلام  التضليلي في تشويه الحقائق، لا بل خلق الأكاذيب بعيداً عن أخلاق المهنة المفترضة، حيث ظهر جلياً التواطؤ الواضح والجلي بين سلطتي المال والإعلام، والأخطر  من ذلك ان الأدوات التي خلقها الغرب، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية بالتعاون مع بعض الأنظمة الذين ذهبوا بعيداً في خدمة المشروع الأميركي، رافعين راية الدين للتغطية على مشاريع لا بعد ديني لها على الإطلاق، والبعد الإقتصادي فيها ظاهر للعيان ( النفط والغاز وطرق الإمداد وخطوط الأنابيب) وما حصل في الحرب على سوريا خير دليل على ذلك، وهذا ما اعتراف به وزير خارجية قطر حمد بن جاسم حين تحدث عن التهاوش على الطريدة (أي سوريا)، والمعروف ان قطر ودول الخليج كانت تموّل داعش وتمدها بالمال والرجال والسلاح والخدمات اللوجستية وغيرها.
من هنا الى أين؟!
رغم كل الضجيج الذي يرافق أزمة فيروس كورورنا، والحديث عن أن عالم ما بعد كورونا سيختلف عن عالم ما قبل كورونا، فهذا كله نوع من الكليشه لأن العالم عالم الغموض سيستمر رغم كل شيء، فقبل سنوات كانت ثورة المعلومات والإتصالات عنوان التغيير، ولكن ماذا كانت النتيجة، فالأدوات كالإنترنت وغيرها من وسائل التواصل الإجتماعي كانت وما زالت تحت سيطرة القوى التي كانت تسيطر على وسائل الإعلام التقليدية من صحافة وراديو وتلفزيون وكتب، ومن أجل الحفاظ على هذا الإمتياز والاستئثار نرى كيف تعمل الولايات المتحدة لمنع مؤسسة الإتصالات الصينية هواوي من المشاركة في بناء الجيل الخامس من الهواتف المحمولة.
أخيراً، وبالمختصر إنها الخيانة، خيانة القيم والمبادىء الإنسانية لخدمة أباطرة وقوى المال والإقتصاد والإعلام والدين. هذه القوى المتآمرة التي لا يرفّ لها جفن على الإنسانية المصلوبة على صليب المصالح أولا واخيراً.

Email:abbasmorad@hotmail.com  

كورونا/ وفاء القناوى

...... أرسل الله جند من جنوده لا نراها بالعين المجردة , جند سٌخرت لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح , فيروس صغير فعل مالم تسطيع أقوى الجيوش والقادات على فعله ,عالج مشاكل التلوث مؤقتا وعمل على تنقية الطبيعة بدون مؤتمرات ولا قرارات , وبعد أن طغى الإنسان وتجبر كان هناك أمر من الله لكى يوقف هذا الجبروت وهذا الطغيان , كان هناك أمر من الله ليعود كل شئ إلى مكانه الطبيعى , وأصبحنا نعيش داخل فيلم عالمى يعرض بكل لغات العالم فيلم ضخم دفع فى انتاجه مليارات الأموال وملالين الأرواح ودون ان تطلق فيه رصاصة واحدة . ولا شاهدنا الجيوش تستعرض ادواتها الحربية فى تدمير البشرية وانما شاهدنا جيش جديد هو الجيش الابيض الذى كان يحاول الحفاظ على الارواح وعلى البشرية من الدمار , سبحان الله وبعد ان كانت الأوامر تصدر لاحتلال بلاد تغيرت وأصبحت   تصدرمساعدة للبلاد الكل فى الفيلم له هدف واحد هو الخروج بنهاية سعيدة لكل الابطال على قدر الإمكان , ليس من ضمن السيناريو القضاء على أحد وإنما القضاء على ذلك الجند الذى جاء للصحوة من الغفلة , انه فيلم من نوع جديد لا يعتمد على بطل واحد وانما البطولة يلعبها ملايين ,لا وجود لمونتاج او ماكيير او كوافيير وانما الكل يؤدى بوجهه الحقيقى وحتى الذى  كان يلبس قناع سقط منه لان الوقت لم يسعفه للبسه ,البطل ملامحه بسيطه ليس بالضرورة  وسيم , هذا البطل الذى يؤدى لم يكون له وجود لأنه كان يجلس فى مقاعد المشاهدين ويدفع ثمن المشاهدة , هذا البطل هو انا وانت وكل فرد على هذه الأرض كل منا صنع ملحمة بطولة خاصة به أساسها الصبر على ما يعانى أيا كان هذا العناء, الجميع فى لوكيشن واحد لهدف واحد هو محاولة البقاء والحفاظ على الجنس البشرى من الانقراض , بعد ان كان القتال هو سمة الأداء والدمار والحروب كل هذا توقف , دور البطولة فى فيلم طويل ليس بالشئ السهل خاصة أن الكل لم يقرأ السيناريو وانما فوجئ به لحظة التصوير , الدور جديد عل الغالبية لأنه دور مهم يتوقف عليه حياة الكثيرين بعد ان كانت الأنانية هى المسيطرة , كل منا يؤدى دوره بإتقان يبهر نفسه به قبل إبهار الاخرين, اتركوا أنفسكم تعمل وتؤدى كما سيًرها  وفطرها الله فسوف تؤدى بما يضمن  لكم وجود الإنسانية التى اختفت كما سيضمن الأوسكار.



خليك بالبيت/ سامي إبراهيم فودة


اسند بلدك - هذا وطنك ..
أعطيه من قلبك - حقه عليك
امسح دمعك - قاوم ألمك ..
لا تخلي خوفك - يقضي عليك
واجه خطرك - بس بوعيك ..
احرص منه - ليأذيك
بلاش تنمر - وتكون شريك ..
بعدوى كورونا - الله يعفيك
خلي بالك - من عيالك ..
حطهم جوه عينيك
خليك بدراك - احمي أولادك ..
من كورونا - أغسل إيديك
صلي صلاتك - وأدعي لربك ..
هو الكريم - يفرجها عليك
سلامتك من - سلامة عيالك ..
والباقي عندك - يرحم والديك

الشاعرة الحسناء/ مفيد نبزو


قالتْ أتسمعُ شعرا ً قلتُ والهفي أنْ أسمعَ الشِّعرَ منظوما ً ومنثورا
وتأتأتْ لحظة ًمن بعدها انطلقتْ بنغمةِ الصَّوتِ تُلقي الشِّعرَ مكسورا
ورحتُ أدنو إليها كلَّما انفعلتْ وصرتُ أبدي لها الإعجابَ مسحورا
كمْ غصتُ في بَحرِ عينيها وموجِهُمَا أستلهمُ الوحيَ منظوراً ومستورا
وكنتُ أصغي لها ، والشوقُ يُشعلني من ثورة الحبِّ قدْ أصبحتُ مبهورا
فتارة ً ترفعُ المجرورَ واثقة ً وتارة ً تجعلُ المرفوعَ مجرورا
وقرَّبتْ ثغرَها مني تُدلِّعني بضحكة ٍ حرَّرتْ ما كانَ مأسورا
وتابعتْ شِعرها، والشَّعرُ ظلَّلني ما أبدعَ الشَّعرَ مجدولا ً ومنشورا
فآنستْ وحشتي . ضجَّتْ أنوثَتُها فيما تصحَّرَ بلْ ما كانَ مهجورا
هامستُها فرَحَا ً، والعطرُ يَغمرني زيدي فزادتْ وهبَّ القلبُ مذعورا
من كرمةِ الرُّوحِ عَنقودانِ ما اعْتُصرا والكأسُ ينتظرُ العنقودَ معصورا
ياربَّة َ الحُسنِ سحرُ اللفظِ يَعزفهُ تناغمٌ يتركُ المحزونَ مسرورا
أنتِ الأميرة ُ فيكِ الصَّمتُ يُدهشني فكيفَ لو بُحْتِ نارا ًأشرقتْ نورا؟!
وأينَ ذنبُ الذي يَهوى الجَمَالَ إذا ما كانَ في عَرشهِ السِّحريِّ مأمورا
فلامستْ كفُّها كفّي وما ارتعشتْ وصافحتني بشكرٍ قلتُ مشكورا
لا تحسبي أنني للشعر فارسُهُ لو كنتُ فوقَ الغيومِ البيضِ منصورا
أمامَ عينيكِ راياتي أنكِّسها وعندَ بوحِكِ يغدو الشِّعرُ مدحورا
فأيُّ شعرٍ، وما نفعُ البيانِ إذا ما كانَ للرِّيمة الهَيفاءِ منذورا .

سهرة عيد/ روميو عويس

1
شو فِيا ؟ لو بَوستَين زغار
بغفلة ولطف حَطُّن على خَدّي
صدفه بْهاك السهره قَعَـد حَدّي
وزعلت.. وتظاهرت.. ما بدّي
وكان بدّي.. وكان بِ ودّي
يكونو شوي كبار
يكونو شوي كتار
مش بوستين زغار
2
ومن يوم هاك اليوم يا خالي
ما راح.. هاك اليوم من بالي
بشرد بعيد.. وحالتي حاله
حلمي اخدني وطار
وبحس خدي نار
من بوستين زغار
3
عزمنا يا خالي بعد.. من دون عيد
العيد يا خالي بعيد.. بعيد
عيد هالسهرات كرمالي
وعيد ذات الجَو والزوّار
وتبقا محلاّ جلستي بالدار
والخَد يهنا.. ببوستين زعار
4
هوّي وانا نتشارك المقعد
يلز صوبي.. وقَصد ما ابعَد
وتتشاوَف الصدفه على الموعد
ويبدا السهر بكير
وتطْوَل السهره كتير
والليل يسعَد.. والقلب يسعَد
وتلمع عيون الجار
ويبَلِّش المشوار
بِ بوستَين زغار

التحالف الأخطر في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي/ سري القدوة

وأخيرا تمكن تكتل الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو من تشكيل الحكومة الإسرائيلية والتي ستكون العنوان لتطبيق صفقة القرن الامريكية وهذا التحالف يعد الأخطر في تاريخ حكومات الاحتلال ليجسد العنصرية والإرهاب المنظم ويكون أساسا لممارسات العنصرية والقمع والعدوان وتستمر عناصر القمع لتتجمع أدوات ممارسة الكراهية والتنكيل وتشكل اكبر قوة ضد الحقوق الفلسطينية.

لقد تطلع الجميع الي إخراج نتنياهو من المشهد السياسي الإسرائيلي ولكن تحالفه مع غينس يعيده وبقوة الى الوجهة السياسية الإسرائيلية ليكون المرتشي والسارق والمطلوب للمحاكمة رئيسا للوزراء ويتم الاتفاق على توليه رئاسة الوزراء في تشكيل جديد جاء بعد اعادة الانتخابات الإسرائيلية للمرة الثالثة على التوالي .

عملت القائمة العربية المشتركة لمنع وصول نيتناهو لتشكيل الحكومة وأبدت موقفا مهما في دعم حزب ازرق ابيض لتشكيل الحكومة ولكن تحالف العنصرية كان أقوى ليتم خرق التفاهمات والتوصل مع الليكود على صيغ جديدة تمكنهم من إعلان تحالف بينهم لتشكيل حكومة وانتخاب غينس رئيسا للكنيست الإسرائيلي هذا الأمر يضع القائمة العربية المشتركة في موقف مهم ايضا لتترأس قوة المعارضة في الكنيست لأول مرة في تاريخها ولتوضح القائمة المشتركة مواقفها بأنها حاولت ان تلعب دورا في التوصية السابقة بشان غانتس حيث كانت تهدف الى منع إمكانية تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة من جديد وإن الهدف الوحيد لهذه التوصية كان إسقاط نتنياهو لا دعماً لغانتس لإدراك الخطورة الكامنة في تشكيل حكومة يمين متطرف استيطاني يعمل على مصادرة الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني .

إن غانتس نقض وعده لشركائه في أزرق أبيض ولكافة من قام بانتخابه  مما أدى إلى أن يعارض نصف أعضاء تحالفه خطوته هذه والى انشقاق هذا التحالف إلى شطرين وأنه عمليا بخطوته ساهم في استمرار نتنياهو سياسة الارهاب والتطرف .

إن القائمة المشتركة تدخل التاريخ من أوسع أبوابه لتشكل قوة المعارضة وتكون رأس الحربة في مناهضة حكومة نتنياهو وسياساتها العنصرية  ولتستمر في دور المعارضة الشرسة والقوية وتقف في مواجهة سياسة العنصرية والكراهية، ولعل المرحلة المقبلة تؤكد وحدة عمل القائمة المشتركة وأهمية التحرك ومواصلة الجهود من أجل انتزاع حقوق المجتمع العربي الفلسطيني المدنية والقومية وفي مقدمتها مكافحة العنف والعمل على إلغاء قانون كمينتس والسعي لتوفير حلول خاصة باحتياجات المجتمع العربي في ظل أزمة كورونا وغيرها من القضايا الملحة .

إن هذا التكتل هو إعلان الانحياز الواضح لصالح اليمين المتطرف وأجندته السياسية المعلنة وانحيازه لصالح مشروع ما يسمى دولة إسرائيل الكبرى القائمة على الاستيطان والتهويد وضم الأراضي الفلسطينية المحتلة وشطب القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية واختزالها بحكم إداري ذاتي في معازل سكانية للفلسطينيين محاصرين بكل أشكال الاستيطان في قلب دولة الاحتلال وتحت هيمنتها الكاملة السياسية والاقتصادية والأمنية .

لعل طبيعة المرحلة تطلب على الصعيد الفلسطيني توحيد الجهود وإعلان قيام الدولة الفلسطينية من قبل المجلس الوطني الفلسطيني هو بمثابة الرد العملي على هذه التطرف العنصري والعمل على إقامة ودعم مؤسسات الدولة الفلسطينية والاستمرار في الانفكاك عن الاحتلال وبناء المؤسسات الفلسطينية في مجال العمل الوطني الفلسطيني وتجسيد الوحدة الوطنية الفلسطينية لمواجهة سياسات الاستيطان والضم وتعبئة الطاقات الجماهيرية واستنهاضها وصولا إلى الانتفاضة الفلسطينية الشاملة والعصيان الوطني المدني ضد الاحتلال وتوسيع قاعدة العمل الكفاحي والجماهيري والصمود الوطني لمقاومة الاستيطان ومشاريع الضم والتصدي لما يسمى صفقة القرن العنصرية.

قراءه في المشهد الاسرائيلي - المشتركة واللعبة السياسية/ د. رائف حسين

المستشار الألماني الأول كونراد ادنهاور قال، في تعليقه على تذكير الصحافة له بوعوده،: "ما تهمني دردشة البارحة… احدا لا يستطيع منعي من اصبح واقعي وأزيد وعياً".
هذه الجملة ممكن ان يستعملها اليوم بيني غانس، رئيس كتلة ازرق ابيض، بعد انقلابه على كتلته البرلمانية وشركائه وناخبيه ومؤيديه وذهابه لدعم نتانياهو ليصبح رئيسًا للحكومة الجديدة في إسرائيل, ضارباً بعرض الحائط كل أقواله في الحملة الانتخابية ووعوده لناخبيه وهؤلاء الذين زكوه لتشكيل الحكومة. 
السياسة فن الممكن وليس لعبة مبنية على التمني والنوايا الحسنة. السياسة، أية سياسة، تبنى على المصالح … وقليلًا ما تبنى على المبادىء . هذا للآسف هو الحال المهيمن على سياسات الدول والأحزاب والتحالفات في أنحاء المعمورة … إسرائيل ومكونات نظامها السياسي أفضل مثال على ذلك. 

لفهم ما حصل يجب على الأفراد والأحزاب والنخب السياسية ان تطرح على نفسها سؤالًا كان يجب ان تطرحه منذ زمن طويل: أية إسرائيل هذه التي نواجهها اليوم؟

منذ قيام دولة اسرائيل سنة ١٩٤٨ طرأت تطورات جذرية على سياسة الدولة الاجتماعية والاقتصادية وسياستها الخارجية تجاه العالم العربي وتجاه الشعب الفلسطيني وقضيته, وخصوصا تجاه الاقليه الفلسطينيه في الداخل. اضافة الى تغيرات مفصلية في فهم ذاتها وطبيعة علاقة الدولة مع مواطنيها "العرب" : الاقليه الفلسطينيه.
لتسهيل فهم اسرائيل وسياساتها، خصوصا تجاه الاقليه الفلسطينيه  ومتابعة التطورات التي مرت بها خلال السبعة عقود الماضية أُقَسِم مراحل هذا التطور الى ثلاث حقبات زمنية طرأت بها هذه التطورات الجذرية والتي برأيي ان على كل باحث وكل سياسي ان ينتبه لها عندما يريد ان يفهم اسرائيل وسياساتها تجاه القضيه الفلسطينيه بكاملها وخصوصا تجاه الاقليه الفلسطينيه في جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والايدولوجية واستراتيجياتها السياسية المتعددة:
1. اسرائيل الأولى ١٩٤٨ - ١٩٧٧
2. اسرائيل الثانيه ١٩٧٨ - ٢٠٠٥
3. اسرائيل الثالثة ٢٠٠٦ - وحتى يومنا هذا
الفكر الصهيوني الجديد الذي وضع اسسه الاولى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو وانا اطلق عليه اسم "النتانياهوية" هو الفكر المهين على برامج النخب السياسية الصهيونية. 
النتانياهوية ترتكز على رؤية جديدة لموقع اسرائيل في الشرق الاوسط وفهمها لذاتها ورؤيتها للقضية الفلسطينية ومستقبل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.
هذه الرؤية تعتمد على ثوابت صهيونية جديدة وهي بالواقع تعديل وملائمة للايدولوجيا الصهيونية الاولى لتتماشى مع التطورات والتغيرات التي عصفت في اسرائيل واقليم الشرق الاوسط والنظام العالمي.
اهم هذه الثوابت:
• انهاء معادلة الارض مقابل السلام واستبدالها بمعادلة الاقتصاد مقابل السلام والتطبيع اساس لهذه المعادلة.
• لا لسيادة كاملة للفلسطينيين على الاراضي المحتلة عام 1967 والقدس الشرقية خارج هذا الاطار.
• القانون الدولي والقرارات الاممية عائق امام اي تسوية للصراع وعائق امام اندماج اسرائيل في اقليم الشرق الاوسط . حل الدولتين كما تراه هذه الاطر مرفوض جملة وتفصيلا.
• مقابل قضية اللجوء الفلسطيني هنالك قضية اللجوء اليهودي من الدول العربية.
• الاقلية الفلسطينية في اسرائيل هم عرب مقيمون باسرائيل مع حقوق مدنية مجزوءة . ديمغرافيتهم وانتمائهم الوطني خطر على يهودية الدولة ومستقبلها. حقوقهم السياسية يجب ان تصبح مرتبطة طرديا بولائهم للدولة.
• الاعتراف بيهودية اسرائيل شرط اساسي لكل علاقة مستقبلية بين اسرائيل وجيرانها وعلاقة اسرائيل بالاخرين داخل مناطق نفوذها وعلاقاتها الدولية ايضا .
• تسخير حملات التصدي, الرسمية والشعبية في كل انحاء العالم, لمناهضة اللاسامية لدعم الصهيونية الجديدة ومشروعها الاستراتيجي تجاه القضية الفلسطينية. هذا الدعم تراه النتنياهوية عبر وضع معادلة جديدة محورها : ان معادي اللاسامية الجديدة, ان كان, حركة شعبية, فرد, مؤسسة رسمية او حكومة, يجب ان يكون داعم للصهيونية الجديدة دون قيد او شرط والعكس صحيح. وبما ان النتانياهوية تتنكر للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني, تصبح بحسب المعادلة الجديدة اي مطالبه بهذه الحقوق او جزء منها نوع من معاداة السامية.
هذه الصهيونية الجديدة أصبحت العمود الفقري لكل سياسات الأحزاب الصهيونية ولم تعد مرتبطة بشخص نتانياهو. 
الرد والتعامل البراغماتي مع النتانياهوية المتجسدة بالثواب الصهيونية الجديدة يتطلب من قبل م ت ف ومن قبل النخبة السياسية للاقلية الفلسطينية في اسرائيل استراتيجية جديدة تأخذ بعين الاعتبار التطورات الايدولوجية والسياسية في اسرائيل والتحولات الكبيرة في الاقليم وانتهاء احادية القطبية في النظام السياسي العالمي.
وعودة بنا إلى ما حصل قبل أيام في الكنيست الاسرائيلي وبداية تصدع الكتلة الانتخابية ازرق ابيض والتوجه إلى حكومة برئاسة نتانياهو والموقف الحرج التي وصلت اليه القائمة المشتركة. 
القائمة المشتركة وقعت في خطأين؛ خطأ استراتيجي في حملتها الانتخابية وخطأ تكتيكي في تسويق توصيتها على بيني غانس بين جماهيرها. 
القائمة المشتركة بنت حملاتها الانتخابية الماضية على نقطتين أساسيتين؛ هما إسقاط نتانياهو وإسقاط اليمين. 
هذه الاستراتيجية، وان كانت للوهلة الأولى مفهومة ومطلوبه بسبب عنصرية نتانياهو ومن ورائه اليمين الداعم له… الا انها تعطي أيضاً الانطباع ان الآخرين، من النخب السياسية الصهيونية، ليسو بيمين ... وان سياستهم تجاه الأقلية الفلسطينية وفهمهم لإسرائيل الثالثة بكل ابعادها, مختلف عن نتانياهو. التدقيق ببرامج هذه الأحزاب والتمعن بتصريحات قياداتها وقرارات هيئاتها المركزية يوصلنا إلى استخلاص اخر … استخلاص مفاده ان سياساتهم وتصريحاتهم وبرامجهم لا تختلف عن برامج الليكود إلى بنقط تجميليه … هم لا يشهرون بعنصريتهم ، لكنهم يطبخونها على نار هادئة ويعبرون عنها بدبلوماسية اكثر حنكة من اليمين المتطرف. 
استراتيجية القائمة المشتركة كانت وما زالت مبنية على التمني وليس على قراءة واقعية واضحة لما وصلت اليه إسرائيل بنخبها السياسية والدعم الجماهيري اليهودي لسياساتها المبنية على العنصرية والتفوق للأكثرية اليهودية وزيادة تهميش أهل البلد الأصليين.
الاستخلاص العقلاني الذي كان واضح لكل مراقب للنخب السياسيه الصهيونية الاسرائيليه هو ؛ ان ما يجمعهم اكبر بكثير من ما يفرقهم … وعلى هذا الاستخلاص كان يجب ان ترسم الاستراتيجية الانتخابية للمشتركه وتحركاتها بعد الانتخابات.

القائمة المشتركة أوصت على بيني غانس لتشكيل حكومة من مبدأ تكتيكي صحيح. مبدأ يرى بان المشاركة بخلط الأوراق بالساحة السياسية الاسرائيلية أفضل من الوقوف جانبًا والانتظار … وان الخسارة للمشتركة في حالة نقض العهد من قبل ازرق ابيض سوف تكون اقل من الخسارة الناتجة عن العدمية المطلقة. لكن هذا التكتيك كان يجب ان يتم شرحه بإسهاب لناخبي المشتركة لكي لا يدب الشك وزعزعة الثقة كما حصل الان بعد ان قرر غانس ان يهودية الدولة اهم من ديمقراطيتها وان الليكود اقرب له ولأفكاره من المشتركه. 
الترويج من داخل صفوف المشتركه للفكرة على ان التوصية تعني دعم حكومه ضيقة بقيادة غانس او حتى المشاركة بحكومة بقيادته لان الأكثرية الصهيونية لا تستطيع تقبل فكرة قيادة المعارضة من قبل الرفيق ايمن عوده ,هي فكرة ساذجة ولا تدل على ادراك كامل للتطورات التي حصلت داخل النخبة السياسية الصهيونية وتبنيها جميعًا للفكر الصهيوني الجديد، "النتنياهويه" . 
النظام السياسي الاسرائيلي في إسرائيل الثالثة لا يحتمل مشاركة أشخاص غير صهيونيون في حكومة اسرائيلية. والأكثرية الساحقة من منتخبي ازرق ابيض لا تريد نتانياهو رئيسا للحكومة لكنها لا تقبل ان تربط مصير حكومتها بشخصيات ترفض يهودية الدولة وفهمها الجديد لذاتها وللآخر الغير يهودي. 
الأصوات العنصرية التي عبرت عنها بعض شخصيات ازرق ابيض لم تكون أصوات فردية، كما حاول البعض تصويرها، بل أصوات معتمدة على قاعدة متينه داخل الكتلة وداخل صفوف ناخبيهم كما اتضح في الأيام الأخيرة . 
خطوة غانس ممكن أضعفت قوة الحزب وقسمته لكنها ممكن ان تُسّوق كنجاح كونها وضعت المصلحة " الوطنية الصهيونية" فوق المصلحة الشخصية لغانس ومصلحة الحزب وفي ذات الوقت بانقسامها لكتلتين منعت ان تكون المشتركة قائدة للمعارضة داخل الكنيست. من وجهة نظر الصهيونية الجديدة والدولة العميقة في اسرائيل فان النقطة الأخيرة، منع ايمن عودة من رئاسة المعارضة، اهم للدولة اليهودية ومصيرها واقل خطر من بقاء نتانياهو رئيسا للحكومة. 
القائمة المشتركة يجب ان تضمد جروحها وتنتقل الي اعادة كسب ثقة الجماهير بتركيزها على وضع استراتيجية واقعية جديدة لعملها البرلماني واجتهاد استثنائي لبناء وانتخاب مؤسسات ديمقراطية داخل الأقلية الفلسطينيه وعلى رأسها لجنة المتابعة العليا ودعم مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني بالداخل . على هذه الأعمدة الثلاثة، القائمة المشتركة ولجنة المتابعة المنتخبة ومؤسسات المجتمع المدني، يجب ان تبنى استراتيجية العمل السياسي المستقبلي وعليها يجب ان يرتكز عمل النخبة السياسية لمواجهة العنصرية المتزايدة في اسرائيل الثالثة.

ستون عامًا مرّوا/ شاكر فريد حسن

اطفئُ شمْعّةً

واضيءُ أخْرى

أبْكي حزنًا على

ما فات مِنْ عُمْري 

ولا أدري ماذا يُخبئ

لي قدري !

ستون عامًا مرّوا

كالسحابِ

وأنا أقفُ على ناصِيَةِ

الحُلْمِ

مع الحرْفِ وَالْكَلِمَةِ

أحْرُسُ الكرْمَ والبيدرَ

أقبضُ على جَمْرَةِ

المبْدأ

لمْ تتغَيّرْ القناعات

ولا الأيديولوجيا

 رغم الهزّات الفكرية


أدينُ بدينِ الحُبِّ

أؤمن بالإنسان

أغني للحُبِّ

ولوطني كنعان

وأهتفُ للإنسانية

مُنْذُ عَرَفتموني

أمقتُ التعصب الديني

وأكرهُ المذهبية والطائفية

والعائلية والظلامية

اُجاهرُ بمواقفي

الوطَنيةِ والطبقيةِ

الجذريةِ

أتمسكُ بالقيمِ

انتصرُ لقضايا شعبي

ووطني

أنحازُ لفكرِ الفقراءِ

وأذودُ عن أفكار التقدم

والحضارة

والتنوير

أرنو لمملكةِ الشمسِ

أصْبو للغد السعيد

وأحلم بانتصار الثورة

والعدل

والمحبة الجبرانية

الفيروزية

عن لبنان والمخيمات الفلسطينية وسياسيات التمييز.. مصير مشترك في مواجهة "وباء كورونا"/ فتحي كليب

في التقييم الاولي لـ "الحرب الكونية" ضد تفشي وباء كورونا، يبدو واضحا ان المنتصر، حتى الآن، هي هذه الجرثومة الصغيرة التي تمكنت من تجاوز تدابير عسكرية واجراءات امنية في دول عادة ما توصف بأنها تتمتع بأنظمة امنية ليس سهلا اختراقها. لكن الذي حدث ان لا هذه الاجراءات ولا كل ما انتجته تقنيات الامن والتجسس و "التنبؤ" في القرن الواحد والعشرين تمكنت من ايقاف هذا العدو الزاحف الذي ضرب مسؤولين امنيين وعسكريين وسياسيين وتقنيين واطباء، وطال بشروره كل فئات المجتمع، وليس مرئيا بعد ان هزيمته باتت قريبة..

قد يكون المنتصر ايضا في هذه الحرب هم دعاة التسامح والانفتاح والمساواة الذين طالما دعوا وعملوا من اجل نبذ والغاء "ثقافات التمييز والعنصرية"، فجاء هذا الوباء ليطال بمصائبه وويلاته جميع الطوائف والمذاهب والاعراق والجنسيات: الاغنياء كما الفقراء، البيض والسود، مسيحيون .. مسلمون ويهودا، دول كبرى وصغرى، شعوب متقدمة ومتخلفة.. لذلك وقف امين عام الامم المتحدة انطونيو غوتيريز ليدعو العالم الى "وقف إطلاق نار فوري في زوايا العالم، الذي يواجه عدوا مشتركا لا يكترث بالجنسية أو العرق أو الفصيلة أو الإيمان، بل يهاجم الجميع بلا هوادة".

مناسبة هذا الكلام هو سؤال مكرر ويتردد على السنة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان عن مدى استفادتهم من بعض المساعدات التي تقدمها الدولة اللبنانية ومؤسساتها المختلفة، بعد ان اعتادوا على مسار سيء من المعاملات التمييزية المكرسة بقوانين وأنظمة اصبحت لدى البعض، من قوى وافراد اشبه بثقافة تستحضر في محطات مفصلية، خاصة عندما يتعلق الامر بالحديث عن حقوق فلسطينيي لبنان والمسؤولية التي تتحملها الدولة عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي الصعب الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون..

مع نجاح "فيروس كورونا" في شل الحياة الاقتصادية والعامة في معظم دول العالم، فمن الطبيعي ان تلجأ العديد من الدول الى حزمة اجراءات اقتصادية هدفت الى دعم مواطنيها اقتصاديا، لكن لم يلمس ان دولة ميزت بين مواطن ومقيم او حصرت المساعدات بفئة دون غيرها، كما الوباء الذي لم يميز. والامر هنا لا يقتصر على دول غنية واخرى فقيرة، بل ان الهدف المشترك بين الجميع كان انجاح الاستراتيجية العامة للدول تحت عنوان واحد: "العزل المنزلي"، والذي لا يمكن ان يحقق النتائج المرجوة منه الا اذا التزم جميع من يقيم فوق البقعة الجغرافية التي تستهدفها تلك الاستراتيجية.. وحتى يلتزم جميع المواطنين والمقيمين منازلهم، كان لا بد من طرف يأخذ على عاتقه مهمة تأمين الاحتياجات المعيشية للمعزولين، ربما ليس من باب الانسانية، بل انطلاقا من ادراك عام بأن شخص واحد قادر على افساد كل ما انجزه المجتمع من خطوات وقائية..

هذه الخلاصة نفترض انها ليست غائبة عن اذهان المسؤولين في لبنان، والدولة بجميع مؤسساتها معنية بمحاصرة وباء كورونا في جهات لبنان الاربعة، واي تمييز في هذه الحالة قد يرتد سلبا على الجميع. وهذا ما عبر عنه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي قال بتاريخ 15 آذار "ان الدولة ستوفر الحماية للمواطنين والمقيمين"، وهذا كلام رجل مسؤول يعرف معنى كلامه كما يعرف معنى ان يبقى شخص ما خارج اطار حماية المجتمع والدولة، خاصة في هذه المرحلة حيث اولوية الجميع هي محاصرة الوباء والقضاء عليه فوق كل الارض اللبنانية..

وانسجاما مع ما قاله رئيس الجمهورية، اقر مجلس الوزراء بتاريخ 14 آذار حزمة مساعدات بمبلغ (18) مليار ليرة سيخصص للأسر الأكثر فقراً من خلال حصص غذائية ومواد تنظيف بقيمة (180) ألف ليرة لبنانية، وعاد المجلس بعد اسبوعين وقرر حزمة اخرى بـ (75) مليار ليرة كمساعدات اجتماعية. وهنا ايضا افترض ان جميع المقيمين في لبنان سوف يستفيدون من هذه المساعدات، التزاما بكلام الرئيس بشأن توفير الحماية للجميع، والمقصود هنا الحماية الصحية والاقتصادية.

وبعيدا عن منطق التمييز الذي لا نتمنى له او لأصحابه النجاح، فان العديد من المراقبين، المحليين والدوليين، ينطلقون في معالجتهم لهذه المسألة من ان هناك ثلاثة فئات من المقيمين في لبنان، ولكل واحدة ظروف اقتصادية واجتماعية تختلف عن الاخرى: الاولى هي فئة المواطنون الذي يحظون برعاية الدولة اللبنانية ومؤسساتها الصحية والاقتصادية المختلفة، وتتابع اوضاعها الصحية وفقا للاستراتيجية الصحية التي تديرها وتشرف عليها وزارة الصحة. وهناك فئة اللاجئين السوريين الذين لا مرجعية صحية تتابع اوضاعهم، خاصة بما يتعلق بتفشي وباء كورونا، الا بعض مؤسسات الامم المتحدة. وبسبب الكثافة السكانية المرتفعة وعديد المشاكل التي تشكو منها هذه الفئة، فهناك من يحذر من كارثة جدية على المستوى الصحي، اذا لم تحسن المرجعيات المعنية طريقة تعاطيها مع هذه التجمعات. ولهذه الغاية يجري الحديث عن اتصالات وصلت الى مرحلة متقدمة بين الدولة اللبنانية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين لبناء مستشقى ميداني باشراف المفوضية، خاصة وان عدد النازحين السوريين المقيمين لبنان كبير الى درجة تعجز الدولة عن توفير متطلباته الصحية والحياتية..

تبقى الفئة الثالثة، وهي فئة اللاجئون الفلسطينيون الذين يقيمون في (12) مخيما تتوزع على جميع المحافظات اللبنانية وتنعدم فيها شروط الحد الادنى للحياة. وهذه المخيمات ورغم ان مرجعيتها الصحية هي وكالة الغوث، الا ان طبيعة الخدمات الصحية التي تقدمها الوكالة تبقى قاصرة على الاستجاية لتحديات انتشار "فيروس كورونا" وهذا ما يطرح جملة تحديات صحية واقتصادية:

في الجانب الصحي، فان المخيمات وحتى اللحظة ما زالت خارج استراتيجية الدولة الصحية وفقا لما قاله مدير عام الاونروا في لبنان. وسيكون التعاطي مع اللاجئين الفلسطينيين في اطار مكافحة وباء كورونا وفقا للتالي؛

1) ستقدم وكالة الغوث المساعدة لكل مريض يحتاج لإجراء فحص أو يخضع للعلاج من فيروس كورونا في مستشفى رفيق الحريري الجامعي أو أي مستشفى آخر يكون معتمدا من قبل وزارة الصحة العامة، سواء لإجراء الفحوصات او لعلاج الحالات المصابة.

2) ستعتمد وكالة الغوث نفس السياسة الإستشفائية المقرة حالياً بالنسبة للاجئين الفلسطينيين المصابين بفيروس كورونا، على ان تقدم الاونروا مبلغا معينا وتتكفل السفارة الفلسطينية في لبنان بتغطية الباقي.

وهذا يعني ان اي مريض يعاني من عوارض وبائية لها علاقة بفيروس كورونا، لن يكون مطلقا في اختيار طريقة العلاج او المستشفى، بل ان الاونروا ستكون ملزمة بمتابعة الحالات التي تلتزم بالشروط المطروحة سابقا، وهي التواصل مع وزارة الصحة على الخط الساخن وبالتنسيق مع مسؤول الاونروا الصحي المعتمد في المنطقة.. وهذا ما يؤهل المريض للاستفادة من الفحوصات المخبرية التي ستكون على نفقة الاونروا..

في الجانب الاقتصادي: منذ بداية العام الحالي، وقبل تفشي الوباء وانتشاره في لبنان، اجمع اللاجئون الفلسطينيون على مطلب "خطة طوارئ اقتصادية" تديرها وتشرف عليها الاونروا. وكانت خلفية هذه الدعوة نابعة من التداعيات السلبية للتحركات الشعبية اللبنانية التي امتدت لأكثر من ثلاثة اشهر، مع كل ما رافقها من توقف العمال الفلسطينيين عن مزاولة اعمالهم، إن كان بسبب اجراءات وزارة العمل السابقة او بسبب قطع الطرق وشل الحياة الاقتصادية لعدة اسابيع.

غير ان هذا المطلب، ورغم احقيته وعدالته، فقد ظل معلقا بالهواء ولم يجد آذانا صاغية من قبل وكالة الغوث والدول المانحة.. ومع بدء تفشي وباء كورونا، ادركت الوكالة، وان بشكل متأخر، اهمية وضرورة هذا المطلب، فأصدرت نداءها الشهير الى الدول المانحة في النصف الثاني من شهر آذار الحالي بقيمة (14) مليون دولار للاقاليم الخمسة، وستكون حصة اللاجئين في لبنان من هذا المبلغ ما يزيد قليلا عن مليون دولار.. غير ان هذا النداء ما زال مجرد سيناريوهات طموحة على الورق نأمل الاستجابة السريعة لها من قبل الدول المانحة..

بموازاة ما تقوم به وكالة الغوث، والصعوبات المالية التي تشهدها موازنتها، قرر مجلس الوزراء اللبناني تخصيص مبلغ (93) مليار ليرة للاسر الفقيرة التي تضررت بنتيجة اجراءات التعبئة العامة وما رافقها من شلل في الحياة الاقتصادية.. هنا نعود الى ما سبق ذكره حول ضرورة شمول الخطة الاقتصادية لجميع المقيمين، خاصة اللاجئين الفلسطينيين، الذين لا مرجعية خدماتية قادرة على توفير احتياجاتهم المعيشية، وبالتالي فان مسؤولية الدولة اللبنانية في شمول المخيمات باستراتيجيتها تنبع من مصلحتها ومصلحة جميع المقيمين في ابقاء الجميع في منازلهم، ومن ضمنهم طبعا الفلسطينيون الذين همس بعضهم سرا بضرورة عزل المخيمات واغلاقها صحيا، اذا ما توفرت شروط ذلك، خاصة اذا ما تتطلب الواقع الصحي ذلك وتوفرت المستلزمات الحياتية والمعيشية اليومية للاجئين المحشورين داخل مخيماتهم..

وامام ما يمكن ان يواجهه مطلب مد استراتيجية الدولة الاغاثية الى المخيمات، لاسباب انسانية وصحية وواقعية، من عقبات ورفض من بعض الذين اعتادوا واستمرأوا منطق التمييز السلبي، خاصة ضد الفلسطينيين، فان المسؤولية الانسانية والاخوية تفرض على الدولة اللبنانية تقديم الاسباب الموجبة لتأمين الحد الادنى من احتياجات الفلسطينيين الحياتية، وعلى خلفية ان مصلحة اللبنانيين والفلسطينيين تفرص ذلك. امام هذا ينتصب السؤال التالي: ما هي الاحتياجات المعيشية الفعلية للاجئين الفلسطينيين في هذه المرحلة؟

من المؤكد ان الاحتياجات الحياتية للاجئين تكاد لا تحصى، نظرا لمسار طويل من الحرمان والمعاناة التي تمتد الى اكثر من ربع قرن منذ استعادت الدولة اللبنانية سلطتها على اراضيها، لكن ما نتحدث عنه راهنا هو الحد الادنى مما يمكن للمرجعيات المعنية ان تقدمه، سواء الدولة اللبنانية بمؤسساتها ومرافقها الرسمية او البلديات او وكالة الغوث وتقديمات منظمة التحرير والفصائل او ما يمكن ان تقدمه المؤسسات الاجتماعية وغيرها من رجال اعمال ومتمولين فلسطينيين..  ويمكن في هذه الحالة تقدير الاحتياجات استنادا الى المسوحات الاجتماعية والاحصاءات الرسمية اللبنانية وتقديرات وكالة الغوث..

فاستناد الى التعداد العام للسكان والمساكن الذي اجرته الدولة اللبنانية بالتعاون مع مركز الاحصاء الفلسطيني عام 2017، يتضح ان عدد الاسر في المخيمات والتجمعات الفلسطينية المختلفة يزيد قليلا عن (52) الف اسرة، فيما تشير وكالة الغوث ان عدد حالات برنامج شبكة الامان الاجتماعي يبلغ نحو (61) الف شخص اي ما يعادل (12 الف اسرة)، فيما تفيد بعض المعطيات ان عدد الاسر التي تعيش في فقر مدقع تتجاوز هذا الرقم لتبلغ اكثر من (100) نسمة..

من الناحية الشكلية، يبدو ان الرقم السابق ليس بالرقم الذي يمكن ان يثقل كاهل دولة وفصائل ومؤسسات ومنظمات دولية. ولو افترضنا ان الاسرة الواحدة تحتاج الى نحو (100) دولار خلال فترة زمنية ليست بالطويلة، وفقا لما حدده مجلس الوزراء اللبناني بالنسبة للاسر اللبنانية (180 الف ليرة لبنانية)، فان المبلغ المطلوب، في حده الاقصى لا يتجاوز (مليون ونصف المليون دولار امريكي)، وهو مبلغ قريب من المبلغ الذي طلبته وكالة الغوث في نداءها للدول المانحة. ونظريا، تبدو قيمة المبلغ ليست بالكبيرة قياسا الى عدد المرجعيات التي بامكانها تقديم اكثر من ذلك بكثير، بل ان مؤسسة اجتماعية واحدة قادرة على تأمينه من جهة مانحة، وهو ما يطرح ضرورة توحيد جهود الاغاثة بما يضمن ايصال المساعدات الى اكبر عدد من مستحقيها، خاصة وان بعض الاطراف الفلسطينية بدأت بشكل فعلي بعمليات التوزيع، لكن ما يعيب بعض هذه العمليات انها تفتقر للشفافية وتتعاطى مع اللاجئين بانتقائية وبخلفيات حزبية ليست في وقتها..

ومع ذلك، فلا ينبغي لكل ما يمكن ان يقدم ان يكون بديلا عن كون وكالة الغوث التي ستبقى الجهة المعنية باغاثة اللاجئين الفلسطينيين، باعتبار ذلك جزءا من التفويض الممنوح لها. لكن بالخلاصة العامة، فان مواجهة وباء كورونا، وكما هو مسلم به على المستوى العالمي، لا يمكن مواجهته باجراءات صحية فقط واهمال الاجراءات الاقتصادية والاجتماعية، وحتى النفسية، التي يمكنها ان تدعم الاستراتيجيات العامة للدولة.

 في السابق، حين اقفلت المخيمات، على بؤسها ومعاناتها، لم يشعر اصحاب هذه السياسات بنتائج سياساتهم، بل ربما شعروا ولم يكترثوا. والارقام اليوم تقدم صورة مأساوية عن حقيقة الاوضاع الكارثية داخل اسوار المخيمات التي تئن تحت وطأة اوضاع اقتصادية اسوأ بكثير مما تعيشه الاسر اللبنانية الفقيرة، ومبعث الخطر ابرزته نتائج المسح الاقتصادي والاجتماعي الذي اجرته الاونروا بالتعاون مع الجامعة الامريكية في بيروت عام 2015 وجاء فيه ان (95 %) من اللاجئين الفلسطينيين ليس لديهم تأمين صحي ويعتمدون اعتمادا كليا على الاونروا، وأن ثلثهم يعانون من أمراض مزمنة، اي ان ثلث الشعب الفلسطيني في لبنان عرضة للموت في حال تمكن وباء كورونا من دخول المخيمات، وحينها لن يكون الفلسطيني فقط وحده الضحية، لأن واقع الحرمان الحالي الذي يعيشه ابناء المخيمات لا يمكن ان ينتج سوى بطالة وأمراضا واوبئة لن تتمكن اجراءات الدولة الامنية على مداخلها ان تمنع تمددها ووصولها الى خارج المخيمات، وهذا ما نحذر منه منذ الآن التزاما بالقاعدة الصحية الراهنة بأن افضل طريقة لمحاصرة وباء كورونا هي الوقاية. فهل من يأخذ هذا التحذير على محمل الجد؟