قبلةٌ.. وبعضُ صهيل../ صالح أحمد

في المدى غَيمٌ ومِزمارٌ وريح...

ساكِني صَوتٌ أضاءَ النّفسَ في لُجَّةِ حِس

خضّبتني بصهيل قُدَّ من هَمسِ الشَّفَق

مُذ تَزَيَّتني شجوني

وحنيني قبّل الذكرى بدمعة

وهَفَت روحي إلى ضمّةِ إنسانِ الغِياب

وربيعي صارَ إشفاقَةَ زهرٍ مِن مَناقيرِ العِتاب

صفَّدَ الناسِكُ عينَ الشمسِ... غنّى 

بمزامير الضباب

حَمَلَ الموجُ إلى الشّطئان صمتَ المركبِ الماضي 


إلى قلب السديم

ليسَ في جعبتِهِ إلا عيون 

أفقها الهمُّ ومهواها السَراب

ورجاءٌ غَزَلَت ريشاتِهِ كفُّ الضّياع

وعلى الشّطِّ بعيدًا... قابَ حُزنٍ وَغَرَق

تَسكُنُ الذّكرى بيوتًا 

لم تعد تُؤوي سوى عَتمٍ وباقاتِ أرق

ورذاذٍ من حنين لاذَ في حضنِ السّكون

باحثًا في حسّه عن وَمضَةٍ

تأتيه من حبّ السماء

تمنح النبضَةَ مثقالَ ارتعاشٍ وصفاء

علّني أبصِرُ غُصنًا يبعَثُ الجوديَّ حيًّا

علّني أقنِعُ صَمتي أنني كالموجِ أحيا

نابِضَ الحسِّ... ومثلي لم يمت صوتُ الهديل

أنني ما زلتُ أهدي للشواطي قبلاتي 

ويدي تكتُبُ فوقَ الرّمل إنا عائدون 

لم يمت فينا الصهيل

::: صالح أحمد (كناعنة) :::


أساطيرُ العبوديّة قراطيسٌ باليّة/ كريم عبدالله



جدّي أورثني قراطيسهُ الباليّة تتراءى أساطير عبوديّة ما كنتُ سيدَ نفسي المتلبّسة خرافة أنهكتها الغرائز الساكنة تحتَ جُبّةِ الجسدِ المثقل تكتويهِ همومُ الغياب تمارسُ غوايتها تتبخّترُ تتمدّدُ غامضة ترتدي الزمن المستغرق تغزوهُ الشكوك تزيّفُ الحقائقَ الغريبة ذهني المفطور تقايضهُ براثنها تحملُ الشرَّ مخيِّماً فوقَ أجنحةِ النور أزليّة تصارعُ غائيتها تشوّهُ الانسجام ما بينَ الرغبةِ والخوف أستشعرُ الذنوبَ ناقصٌ أفتقدُ ما هيّتكَ وجودي عدمٌ وأنتَ الدائمُ فيَّ دليلي وجودها يحملُ الجمالَ اليقينيّ مستوثقاً حقيقة واحدة : أنا لستُ وحيداً زنزانة الكون تحبسني وإنْ أغلقَ العالمَ جهاتهُ , مفجوعٌ منذُ وجودها يتوارثُ قسوة خرافتها العاجزون ( مسحاتهُ )* أفعى تخشى الأرضَ مداهمتها قلبها قاسٍ كـ العشيرةِ لا يفقهُ صراخَ الدماءِ المنكسرةِ فوقَ جباهِ الصباحاتِ العبوسة صحّرتهُ الآثامَ لا تسكنهُ العصافير تبيضُ السعادة في دهاليزهِ المعتمة , الوقتُ رفعَ غشاوةَ الروح يبدّدُ الرمادَ وحدي أركضُ فيهِ مفزوعاً وراءَ الشمس توارتْ عن النفوس مسرعاً يأتي الليل يحملُ عواءَ الذئاب لا مذاقَ للحياةِ مجرّدة مشاعرها لا تستريح صراعٌ وصراعٌ يرسمُ مأساتي فـ هلْ مِنْ عونٍ , هلْ مِنْ سببٍ كاااااااااااااااافٍ يُزيدُ الوان الوجود حينَ أتأملُ ذاتي ... ؟؟؟ !!!!! .

استراليا: الانتخابات بين الاولويات الوطنية والسلطوية/ عباس علي مراد



 "أستراليا بلد محظوظ يديره بشكل أساسي أشخاص من الدرجة الثانية يشاركونها الحظ". دونالد هورن من كتابه الصادر عام 1964

"البلد المحظوظ "

“Australia is a lucky country run mainly by second-rate people who share its luck.”Donald Horne ) book The Lucky Country (1964

لا شك انه موسم انتخابات، وسوف تتفرغ الاحزاب السياسية لكيفية خوض هذه المعركة، وسنسمع الكثير من الوعود الانتخابية التي تركز بشكل خاص حول اقناع الناخبين أي من الاحزاب السياسية خصوصا الحكومة وحزب العمال سيكون المؤهل لقيادة البلاد للسنوات الثلاث القادمة.

هناك الكثير من القضايا البارزة التي سيتم التركيز عليها ولعل ابرزها قضية الكورونا وكيفية مقاربة الحكومة للقضية ومعالجتها اين اخفقت واين نجحت، ومن ناحية المعارضة كيف ستقارب القضية وما هي مقاربتها البديلة عن مقاربة الحكومة والى أي مدى سيتقبلها الناخبون.

هناك قضايا اخرى لا تقل أهمية تتعلق بالصحة، التعليم، الإسكان، الوظائف، الاجور، البيئة والديون التي تجاوزت 800 مليار دولار والفوائد التي ستدفعها الحكومة كخدمة لهذا الدين خصوصا في حال إقدام البنك المركزي على رفع سعر الفائدة بعدما تجاوزت نسبة التضخم 3.5% ونسبة 3% هي النسبة التي يحددها المصرف كخط أحمر للتحرك ولجم التضخم من خلال زيادة سعر الفائدة.

هذه القضايا وغيرها على اهميتها وتأثيرها المباشر على حياة المواطنين اليومية فلا يعني ذلك إهمال قضايا لا تقل أهمية وتتعلق باستراليا ومستقبلها كبلد يطمح ابناءها الى الافضل من حيث الازدهارالمستديم والأمن الأجتماعي وتأتي في مقدمة تلك القضايا:

 أولاً، قضية اعتراف استراليا بالسكان الأصليين في الدستور ووضع حد لمعاناتهم واقفال هذا الملف نهائيا، وكان السكان الاصليين قد أصدروا  بياناً بهذا الخصوص عرف ببيان أولورو من القلب الذي يحدد الطريق إلى الأمام للاعتراف بالسكان الأصليين الأستراليين في دستور الأمة، وقد تم التصديق على البيان بحفاوة بالغة من قبل تجمع من 250 من زعماء السكان الأصليين وسكان جزر مضيق توريس في 26 أيار (مايو) عام 2017 بعد المؤتمر الدستوري الوطني للسكان الذي استمر أربعة أيام وعقد في أولورو. 

 وكان الناشط الابوريجني نويل بيرسون قد قدم رؤية مقنعة للهوية الفريدة للأمة ومستقبلها الموحد وفي تصوره الذي أعلن عنه عام 2014، قال بيرسون: "أمتنا تتكون من ثلاثة أجزاء. هناك تراثنا القديم ، مكتوب في القارة وثقافة أصلية مرسومة على أرضها ومناظرها البحرية، هناك إرث بريطاني الذي جلب من المملكة المتحدة النطام السياسي والأجتماعي والثقافي وتثبتت أسسه في البلاد. هناك إنجازتعددية الثقافات الذي تشكل وثبت مع الهجرة التي جمعت بين مواهب الشعوب والثقافات من جميع أنحاء العالم.

وأضاف بيرسون: " بالجمع بين هذه الأجزاء الثلاثة من قصتنا الوطنية ، مع الاعتراف الدستوري بالسكان الأصليين الأستراليين، هذه المصالحة ستجعل الكومنولث أكثر اكتمالاً وتماسكاً.

يشار الى ان التأخير في الأعتراف بالسكان الأصليين سوف يؤدي استمرار معاناتهم التي تبرز جلية في عددهم في السجون وعدد الوفيات فيها الذي تجاوز 500 منذ العام 1990 تاريخ صدور تقرير اللجنة الملكية التي كلفت بالنظر بهذه القضية، إضافة الى ان متوسط عمر السكان الأصليين يقل عن غيرهم من المواطنين ب9 سنوات. 

القضية الثانية، الفيدرالية وعلاقات الحكومة الفيدرالية بحكومات الولايات، مما يطرح تساءل عن أهمية اعادة النظر بالفيدرالية خصوصا بعد الاشكال الذي ظهر في إدارة الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات لأزمة الكورونا، حيث رأينا كيف تصرفت الولايات وكأنها كيانات مستقلة ووقوف الحكومة الفيدرالية موقف العاجزعن اتجاذ إجراء ملزم للولايات باتباع سياسية موحدة لمواجهة الجائحة، رغم تشكيل مجلس الوزراء الوطني الذي تلطى خلفه رئيس الوزراء سكوت موريسن للهروب من تحمل المسؤولية او تسييس الامراحيانا اخرى من خلال اتهامه لحكومات الولايات التي يحكمها العمال بالتفرد والتشدد بإجراءاتها.

يجب ان نذكر ان الحكومة الفيدرالية ساهمت أثناء الأزمة بفاعلية بسياسية حفظ الوظائف من خلال نظام (جوب كيبر) والذي أستغل من قبل بعض الشركات التي راكمت الارباح ولم ترجع بلايين الدولارات من أموال دافعي الضرائب التي حصلت عليها بدون وجه حق.

رئيسة ولاية نيو سوث ويلز السايقة كلاديس بيرجكليان (أحرار) كان لها مواقف معارضة لمقاربة الحكومة الفيدرالية خصوصا في ما يتعلق بمسألة تأمين اللقاح المضاد للكورونا بعدما أعلن الوزراء الفيدرالي اننا لسنا في سباق، هذا الخطأ الذي عاد موريسن وكرره مؤخراً في إخفاقه في تأمين أجهزة الفصح السريع للكورنا لإعطاء دفعة إيجابية لإعادة فتح البلاد وتحريك عجلة الاقتصاد، هذا الإخفاق تحول إلى أزمة جديد مع تفشي المتحور الجديد المعروف باوميكرون ضربت القطاع الصحي وقطاع الأعمال.

 وزير الجزينة في ولاية نيو سوث ويلز مات كين (أحرار) وجه انتقادات شديدة لرئيس الوزراء سكوت موريسن ووزير الخزينة الفيدرالي جوش فريدنبرغ لعدم المساهمة في برنامج بمليارات الدولارات لمساعدة الشركات الصغيرة في الولاية التي تضررت من تأثير تفشي اوميكرون الذي قوض ثقة المستهلك خلال الصيف.

القضية الثالثة من حيث الأهمية، قضية تشكيل هيئة او مفوضية فيدالية لمكافحة الفساد على غرار المفوضيات المعمول بها في معظم الولايات، والتي ما تزال الحكومة الفيدرالية تصرعلى تشكيلها، ولكن بصلاحيات محدودة او كنمر من ورق، وهنا يجب أن نذكر ان كل من حزب العمال والخضر وبعض النواب المستقلين يؤيدون تشكيل مفوضية على غرار آيكك في نيو سوث ويلز. 

القضية الرابعة، البيئة فرغم اعلان كل من الحكومة والمعارضة الإلتزام بصفر انبعاث للكربون في العام 2050 الا ان الكوارث الطبيعية ( فيضانات جفاف حرائق الغابات وغيرها) التي يشهدها العالم وأستراليا بشكل خاص تستدعي تحرك سريعاً وليس لأسباب انتخابية لان كلفتها بعيدة المدى تعتبر من التحديات المستقبلية الاستراتيجية. 

القضية الخامسة، إيجاد توازن بين العلاقات الدولية والمصلحة الوطنية الاسترالية، خصوصا في ما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة والصين، المعروف ان استراليا تحتفظ بعلاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة والتي تعززت مؤخراً باتفاق اوكوس مع بريطانيا والولايات المتحدة او حلف الكواد الذي يضم الى استراليا كل من اليابان والهند والولايات المتحدة.

هذه الاحلاف ولدت شكوكاً لدى الصين الشريك التجاري الاول لاستراليا والتي تعتبر هذه الاتفاقيات موجهة ضدها ففرضت على أستراليا عقوبات أقتصادية تجاوزت 20قيمتها  مليار دولار وطالت عدة قطاعات زراعية وغذائية ومواد اولية وغيرها.

القضية السادسة، قضية تحويل استراليا الى جمهورية والتي دونها عقبات كثيرة ما لم يتفق حزبي العمال والاحرار على نموذج معين يقدمانه للناخبين واستفتاءهم حوله مع المحافظة على الديمقراطية الأسترالية وتعزيزها لسد النوافذ التي يريد المتطرفون الإطلال من خلالها كما حصل في أميركا (غزوة البيت الابيض) او بريطانيا (البريكزت)

إذن، من هنا حتى تحديد موعد الانتخابات رسميا، نتمنى أن تأخذ كل من الحكومة والمعارضة هذا القضايا بعين الاعتبار وتصارح الناخبين بنواياها اتجاه مستقبل استراليا، لا ان تلجأ الى السياسيات والوعود الشعبوية التي قد تثمر بعض الأصوات في صناديق الاقتراع لكن آثارها السلبية على المدى البعيد والاستراتيجي مكلفة لاستراليا كدولة وامة. 

الممانعون والسياديون وجهان لعملة واحدة/ جورج الهاشم



الممانعون قرارهم خارجي.  السياديون قرارهم خارجي أيضاً. والفريقان يضحكان على قطيعيهما فيتهم كل طرف الطرف الآخر بالعمالة. ولو صح الأمر فالعمالة سيدة الموقف لو كان هناك تعريف علمي لها. ولكن من أبسط البديهيات أن من يقبض من الخارج فهو عميل. وعلى هذا الأساس فالكل يقبضون. الممانعون طائفيون والسياديون كذلك. السياديون فاسدون والممانعون كذلك. السياديون، عندما كان القرار لهم، لم يبنوا وطناً. والممانعون، عندما أصبحوا أسياد القرار، لم يبنوا وطناً أيضاً. السياديون "ناضلوا" ضد الفلسطيني والسوري وغضّوا الطرف عن الاسرائيلي وبعضهم تعامل معه. الممانعون "ناضلوا" ضد الاسرائيلي ولم يغضّوا الطرف عن السوري والايراني فحسب بل اندمجوا معهما في حروب أشعلت أجزاء كثيرة من العالم العربي ولا تزال، وكلها ضد مصلحة لبنان وشعبه. الممانعون وقفوا ضد الشعب اللبناني وأبسط حقوقه ونكّلوا به وقمعوه واغتالوه ومنعوا عنه الماء والمدرسة والسكن والدواء وتركوه ذليلاً يمدّ اليد لأي محسن كريم. والسياديون، فعلوا ذلك وأكثر ولو أعطوا المواطن حقوقه لما وصل اللبنانيون الى ما وصلوا اليه.                  السياديون والممانعون اشتركوا في حكومات "الوحدة الوطنية" التي شرّعت الفساد وتقاسمت موارد الدولة وأفقرت الشعب. الممانعون والسياديون تشاركوا في مجلس نواب نبيه برّي الذي لم يقم بدوره الأساسي من تشريع ومراقبة ومحاسبة، لا بل مرَّر كل السياسات التي أوصلت اللبنانيين الى الفقر والاذلال. السياديون استقلوا بمجالس وادارات خارجة عن أية رقابة أو محاسبة، "دحشوا" فيها ما استطاعوا من أزلام ومحاسيب لتصبح من أهم أوكار الفساد في الدولة. والممانعون لم يقصّروا أبداً لا بل ان بعضهم تفوّق على كل من سبقه في هذا المجال. والاثنان تقاسما بقية مرافق الدولة ولم يبقوا في ضرعها نقطة حليب واحدة. الممانعون والسياديون احتكروا وباعوا وتاجروا حتى بأشلاء وطن على أبواب كل سفارة مستعدة للدفع.                                                                                          

الممانعون والسياديون قتلوا ثمّ هجّروا من لم يقتلوا من اللبنانيين في كل اتجاه ولا زالوا. لم يكتفوا بذلك بل لاحقونا الى كل المغتربات ليقنعوا البسطاء منّا انهم سيبنون وطناً هذه المرة.                                                                                              

ودائع المواطنين، مقيمين ومغتربين، سرقوها وقسّموها على بعضهم البعض بالعدل والتساوي. موارد الدولة، حتى التي لم تُستثمر بعد، احتجزوها لأنفسهم ولذريتهم الملعونة من بعدهم.                                                                                                 

الممانعون يتمتعون بحناجر قوية تدّعي انهم مع المقاومة (التي أصبحت مذهبية) ومع محاربة الفساد ومع سيادة لبنان واستقلاله ولكن ضمن مفهومهم. والسياديون يتمتعون بأوتار صوتية قوية أيضاً وحناجر تتغنى بالسيادة والحياد وبالاستقلال ولكن حسب مفهومهم. كلهم ضد فصل السلطات وضد منطق العدالة وضد قضاء مستقل.                                                  

لكل زعيم من الطرفين، ولكل زويعم، حصة في رياض سلامة والمصارف، حصة في القضاء والأمن، حصة في ادارات الدولة، حصة في نهب المشاريع العامة، حصة في الهدر والفساد، حصة في قهر الناس واذلالهم، حصة في لقمة عيشهم وتعب عمرهم، حصة في افشال الدولة وبناء المزرعة أو الزاروب المستقل.                                              

قيادات الممانعين والسياديين يتنعمون بما نهبوا والشعب يرتجف من البرد والجوع ومن نسبة ذل غير مسبوقة في التاريخ الحديث. السياديون والممانعون يعيشون في قصور اسطورية أو قلاع محروسة من قطعانهم، المحرومة من أبسط الحقوق، والتي تُشهر قرونها "لتنطح" كل من يقترب من حصونهم التي يسمونها  "حقوق الطوائف". الممانعون والسياديون يعيشون في نعيم وأتباعهم، وباقي اللبنانيين، يعيشون في جهنم.                                                

الممانعون والسياديون فشلوا في بناء وطن، ولا مشروع لهم أصلاَ لبناء وطن، ولا يستحقون فرصة اخرى. وللذين يقولون ما البديل أقول: أي مواطن من عامة الشعب أحسن وأشرف وأنفع من أي زعيم من الطرفين، مع أبنائه وأقاربه والأحفاد، مهما بنى حوله من أسوار منيعة محمية بسواعد المنهوبين.                                                                              

الممانعون والسياديون خانوا الوطن والمواطن. وإذا أعطى "الشعب" الأكثرية النيابية لهذا الفريق أو ذاك، في الانتخابات المقبلة اذا حصلت، فليهنأ بأربع سنوات اخرى في جهنم ونعم المقام.                                                                                               

                                                                       

مزايا الشّخصيّة.. خاطرة من وحي علم النفس/ الدكتورة بهيّة أحمد الطشم


يتداخل الشعور واللاشعور في سيكولوجيا الأعماق,

وتتمظهر معالمهما في مزايا الشّخصيّة.....

ولا غرو, فالأسلوب الحياتي المُنبثق من لدُن الشخصيّة هو مكمن كل انسان.

وينعكس في السّلوكيات المتباينة,

لينصهر في بوتقةٍ ديناميّة لكل نفس فيتحدّ (الأسلوب)بدوافعها..

........................................

تنمّ المبالغة في اظهار( الأنا)ego والتخاطب  الدائم بلغتها

عن عُقدة نقص تسِمها الدونيّة,

ويكشف التملّق عن ديماغوجيا متنقلة كالرّيح التي لا صاحب دائم لها.

ويدلّل الاستعراض المُفرِط للجسد عن زِيف في وجود صاحبه ,

ويُبرِز هوّة بالغة لمستوى العقل  تحاول التعويض في ابراز الجسد,

أمّا العناد العارم فيندرِج في عمق العُصاب Nevrose 

ويعكس حالة التصلّب في الشخصيّة.

..........................

يسِم الذكاء بأنواعه (العاطفي,الاجتماعي والعلمي....)

الحياة بالمعنى الحق...... ويُسبغ عليها لون الاشراق.

فما أروع انبلاج الذكاء في أرجاء حياتنا بعيداً عن صخب الحمقى وضجيجهم وبمنأى عن أصناف التشرذم أو التشتت النفسي.......!


تغتسلُ الأحداق/ الدكتور حاتم جوعيه

 


 ترجمتها للفرنسية : الشاعرة التونسية الكبيرة الأستاذة : إيمان داود  -


تغتسلُ    الأحداقْ                                               

من  دموع   الفراقْ 

ما   أطولَ   الليلَ  على  العُشّاقْ

وما  أقسى النّوى  وقد عزَّ اللقاءْ

أنَّى  لجرحِ  المُتيَّمِ   من شفاءْ

أحلامُهُ  وُئِدَتْ  في الرَّمضاءْ

آمالهُ   كانت   أوهامًا ....

 كسرابٍ في الصحراءْ

تمرُّ   قوافلُ   الأيامِ  ظمأى

وغابتْ  خيوط    الرّجاءْ

ما  من  جديد  للبائسين .. لكلِّ مُعذبٍ في الأرضِ

تحت  هذي  السماء

الكلُّ  يرسفُ في قيودِ الذلِّ  والقهرِ 

منتظرًا ضوءَ الفجر والحُرّيَّة  الحمراءْ

الكلُّ حاملٌ صليبَهُ إلى جلجثةِ الآلام ينشدُ الخلاصَ  وما من مجيبٍ 

ما من مُخلِّصٍ..ولكم طالَ النداءْ

لم يُستجَبْ للمظلومِ وللمقموعِ وللقابعِ في خيامِ الذلِّ 

وفي العَراءِ نداءٌ  أو دعاءْ

كُتِبَ على المعذبينَ البائسين والمسحوقينَ فوقَ هذهِ المعمورةِ 

إلى انقضاءِ الدَّهرِ الذلَّ والشَّقاءْ

ما من جديدٍ منذ الوجودِ تحتَ قرصِ الشمسِ 

..تحتَ هذي  السَّماءْ 


   قصيدة  تغتسل الاحداق  للشاعر القدير الدكتور حاتم جوعية (فلسطين ) مترجمة للغة الفرنسية بقلم الأستاذة الشاعرة التونسية ايمان داود .      .     .                    




                     Les yeux se lavent 



Les yeux se lavent à cause de la séparation 

OH! Combien la nuit des amoureux est longue! 

Et combien l'éloignement est dur en regrettant la rencontre!

Comment sera-t-elle la guérison de la plaie d' un passionné dont les rêves se sont enterrés sous les flammes ?

Ses espoirs étaient des chimères comme un mirage dans un désert 

Les caravanes des jours passent assoiffés 

Et les fils de l' espérance s' absentent 

Rien de nouveau pour les miséreux et pour  chaque torturé sur terre 

Sous ce ciel 

Tout le monde trébuche dans les chaînes  de l' humiliation et de l' oppression

Attendant la lueur de l' aube et la liberté rouge 

Tout le monde porte son crucifix à

 " Jeljetha " des douleurs

Aspirant à la libération 

Hélas ! Aucune réponse 

Aucun émancipateur 

Et combien l' appel a duré !

On n' a pas répondu ni au réprimé ni à 

l' opprimé ni à celui qui reste dans les tentes du mépris. 

C'est en plein air que se trouve la prière ou l' appel  

Et que l' humiliation  est destinée aux miséreux , aux persécutés et aux torturés sur ce globe jusqu' à la fin de la vie

Rien de nouveau depuis l' existence sous le soleil sous le ciel .

 **

أوميكرون وراءكم واللينش أمامكم/ جواد بولس



 تستمر التداعيات السياسية داخل أروقة الكنيست الإسرائيلية وعلى مستوى جميع الأحزاب السياسية بالتفاعل اليقظ، وذلك بالتوازي مع انتشار أخبار تفشي الأوميكرون، المتحور الأخير لفايروس كوفيد 19، وما يدور حوله من نقاشات بين عامة الشعب وداخل أجهزة الحكم نفسها.

لا أحد يستطيع أن يتكهن كيف ومتى سينتهي هذا الفاصل الوبائي من حياة البشرية، لكن تفاصيله سترافقنا في المستقبل كمادة هامة للباحثين الجديين في دراسة نشوء الجوائح، وللعلماء المهتمّين بمستقبل الانسان على كرتنا الأرضية؛ وستبقى تداعياته الحالية نثارًا انسانيًا متطايرًا يتلقطه بعض المتسكعين على أرصفة عصر التفاهة، وزادًا في أفواه بعض الحمقى والمدّعين، يلوكونه إشباعًا لجهلهم ولنرجسيّاتهم المخاتلة.       

لقد زوّدتنا السنتان الفائتتان بكم هائل من المواد الخام الجاهزة لتكريرها على شكل روايات، من جميع "جانرات" الرواية المعروفة والمبتكرة، أو قصائد أو مجموعات قصص قصيرة، أو  أشكال إبداعية قادرة على إحياء أجناس أدبية اندثرت، مثل المعلقات والملاحم والمقامات والرباعيات. ولا أخفيكم أنني فكّرت، لوهلة، وأنا محجور في بيتي، بعد إصابتي بالفايروس، أن أطرق أحد تلك الأبواب وأسجّل مشاعري الخاصة إزاء ما قرأته وشاهدته في هذه الأسابيع القليلة، إلّا أنني وجدت أن ما سأكتب عنه اليوم أولى وأجدر برعايتي، لأنه هو الهاجس الحقيقي الذي ما انفك يتنامى في ظلال أخبار تحوّرات الفايروس؛ وهو، لا الفايروس، يشكّل الخطر الذي سيحسم مصيرنا، نحن المواطنين العرب، في إسرائيل.

من منّا لا يتذكر المشاهد التي رافقت مواجهات هبة أيار المنصرم، خاصة تلك التي شاهدناه في شوارع وساحات المدن المختلطة مثل عكا وحيفا ويافا واللد والرملة؟ وكيف يمكن أن ننسى محاولة قتل المواطن العربي الذي مر صدفة بمركبته، يوم12/5/2021، في أحد شوارع مدينة بات- يام، المتاخمة لمدينة يافا، حيث انقضت عليه قطعان الفاشيين وسحلوه محاولين القضاء عليه أمام أعين الكاميرات وعلى مسمع ومرأى من العالم بأسره. لقد ملأت صور ذاك "اللينش" شاشات الفضائيات وتصدّرت تفاصيله عناوين معظم الصحف في إسرائيل وخارجها؛ ومع انتهاء موجة المواجهات بُشّرنا أن قوات الأمن الإسرائيلية قامت باعتقال أربعة شبان يهود من المتورطين بمحاولة القتل الجماعية، وانها أعدّت بحقهم لوائح اتهام جنائية.

وكما علمنا مؤخرًا فإن التقاضي بخصوص ثلاثة ملفات ما زال جاريًا أمام المحاكم، بينما قد صدر، في مطلع شهر كانون الثاني/يناير الجاري، حكمًا بالسجن الفعلي لمدة عام واحد على أحد المتهمين واسمه لاهاف أوحانانيا. لقد سمعنا عن القرار المستفز بعد أن قررت نيابة الدولة تقديم استئناف عليه لدى المحكمة العليا الاسرائيلية مطالبة بانزال حكم أقسى على المجرم لكي يتناسب مع خطورة ما فعل ومع  تداعيات الجريمة التي شاهدها العالم برمته.    لن أسهب في تفاصيل الوقائع كما سجّلها قاضي المحكمة المركزية "بيني سجي" واعترف بها المتهم أمامه؛ لكننا نعرف أن المتهم وصل إلى المنطقة استجابة لنداء نشره بعض الناشطين في فرق الموت من خلال وسائل التواصل، وفيه يهيبون بجنودهم الحضور لاطلاق حملة صيد ضد المواطنين العرب وبهدف التعرض لمصالحهم التجارية الموجودة هناك. لقد تجمع عشرات المحمومين العنصريين أمام مطعم للشوارما يمتلكه مواطن عربي؛ فرفع أمامه هذا المجرم علم إسرائيل وبدأ يصرخ بالحاضرين المسعورين مرددًا ومحرضًا أياهم "الموت للعرب"؛  ثم اقتحم المطعم وسرق منه علب المشروبات ووزعها على المشاركين بهدف إلقائها على زجاج المطعم وتكسيره. ولقد أدين بناءً على اعترافه بلائحة اتهام تضمّنت عدة تهم من بينها: "التحريض على العنف" و"التحريض على العنصرية" و"المشاركة في أعمال شغب أدت إلى أحداث ضرر على خلفية عنصرية" و"التسبب عمدًا باضرار لمركبة بدافع عنصري"، وذلك بعد أن قام بتكسير زجاج مركبة المواطن العربي وسرقة محتوياتها والبصق عليه عندما كان ملقى وينزف على قارعة الطريق. ثم قام باجراء مقابلة حية من الموقع مع إحدى قنوات التلفزيون، فدافع عمّا يحدث وأضاف، على الملأ، مؤكدًا أنهم خرجوا "اليوم إلى الشوارع كي نقاتل هؤلاء العرب .. وإن كانت هنالك ضرورة سوف نقتلهم أيضًا ... سوف نقتلهم".

لن أحاول فهم ذرائع هذا القاضي حين أصدر حكمه الهدية على هذا المجرم المأفون؛ فلقد يئست من التعويل على مواقف القضاة في مثل هذه الحالات، ولا أعرف إذا كان قضاة المحكمة العليا سيهتزون من استهجان نيابة الدولة او من موقفها إزاء حكم القاضي، الذي لا يناسب خطورة الأفعال التي اقترفها المجرم ودوره البارز في عملية التحريض التي كادت أن تحصد حياة إنسان، ذنبه الوحيد أنه عربي قاده قدره في تلك اللحظة الى أنياب تلك القطعان السائبة، كما كتبت النائب العام في استئنافها. لا أقول ذلك جزافًا فدور بعض قضاة المحكمة العليا كدور كثيرين من قضاة جهاز القضاء الاسرائيلي كان حاسمًا عبر العقود الماضية في تقوية عصابات الفاشييين بعدم إنزال عقوبات رادعة بحقهم. ولم تكن سياسة أولئك القضاة مهادنة عن طريق الصدفة أو الخطأ، بل كانت تجسيدًا لمفهوم هذا الجهاز كما شكّل في بداياته، ودوره في كيفية التعامل مع من اعتبرتهم المؤسسة الرسمية طوابير خامسة تعيش داخل الدولة. ورغم جميع التغيّرات التي حصلت داخل الدولة وبين المواطنين العرب، فلقد بقي ذلك المفهوم المؤسس مرشدًا أعلى لنظرة غالبية القضاة، ودافعهم البارز في مثل هذه القضايا، خاصة في السنوات الأخيرة، لأداء دورهم المكمّل في تنفيذ السياسات القامعة والعنصرية بحق مواطني الدولة العرب، وسببًا للتساهل مع قطاعات واسعة من الرعاع الصاخب بصفتهم وكلاء لتحجيم مكانة المواطن العربي وطموحاته وتقليم أغصان أماله وأحلامه.

لننتظر ولنرى .  

لم تكن حادثة "اللينش" المذكورة في بات - يام وحيدة، ولن تكون؛  فلقد قرأنا قبل يومين عن حادثة لا تقل بشاعة وخطورة قد جرت وقائعها في نفس المنطقة وعلى نفس الخلفية؛ فالضحايا، كما قرأنا، كانو عربًا وكان المعتدون مجموعة من تلك القطعان السائبة. 

ففي الرابع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم وفي ساعات الليل جلس على أحد مقاعد حديقة "أشكول" في مدينة "بات - يام"  شابان عربيان وإلى جانبهما جلست شابتان يهوديتان. وبينما هم جالسون بهدوء مر بهم ثلاثة شبان يهود. وقفوا بجانبهم هنيهة وبدأوا يتحرشون بهم خاصة بأحد الشبان العرب الذي كان مقعدًا على كرسي متحرك بسبب مرضه. وبعد تبادل بعض الكلام "اكتشف" الشبان اليهود أن الشابين هما عربيان؛ فابتعدوا عن المجموعة لدقائق ثم عادوا نحوهم وبدأوا، من دون سابق إنذار ، بضربهم بعنف وهم يصرخون ويرددون بجنون عصبي"اقتلوه فهو عربي". ولقد اوسعوهما ضربًا، ثم رفع أحد المعتدين مسدسًا من صنع بيتي فضرب به أحد الشابين بقوة حتى أوقعه أرضًا واستمر، وصحبه، بركله بشدة. ثم وجه أحد المعتدين المسدس إلى صدر الشاب العربي ، الا ان شريكه بالعدوان قام بحركة سريعة وأزاح المسدس عن صدر الشاب العربي، فانطلقت الرصاصة وأصابت ساق إحدى الشابتين اليهودتين.

ولقد نقل الشاب العربي إلى المستشفى لتلقي العلاج بعد إصابته برأسه وبوجهه وبسائر أنحاء جسده، كما ونقلت الشابة اليهودية الى المستشفى بعد أن اخترقت الرصاصة ساقها؛ وأما  الشاب المقعد فأصيب أيضًا في عدة أنحاء من جسده وما زال يعاني من جراء الاعتداء عليه.  

طالبت النيابة تمديد توقيف المعتدين حتى نهاية الإجراءات القضائية بحقهم وكتبت في متن طلبها لاعتقال المتهمين الثلاثة بأنهم "اعتدوا بصورة عنيفة وبشعة وبدم بارد وبشكل متعمّد وبمساعدة السلاح على ضحاياهم الذين كانت خطيئة اثنين منهما الوحيدة أنهما مواطنان عربيان رغبا بتمضية سهرة برفقة صديقتين، فتاتين يهوديتين، في متنزه عام.." ثم أضافت في وصف أفعال المتهمين وأكّدت: "إن أفعال المتهمين تعد إرهابًا خطيرًا، لا سيّما وقد تخلله إطلاق نار حي في وسط المدينة، وعنفًا جسديًا قاسيًا وكلامًا مدفوعًا بكراهية وبعنصرية وبأيديولوجية قومية متطرفة وبعدائية تستهدف التعرض للعرب فقط لأنهم عرب، وتستهدف أيضًا إشاعة الخوف والذهول والهلع بين المواطنين العرب في إسرائيل .. إن أعمالهم تجسّد خطورة خاصة وبشاعة بارزة لأنهم هاجموا انسانًا مقعدًا ولأنهم استمروا بالاعتداء العنيف على ضحيّتهم حتى بعد أن سقط من جراء ضرباتهم على الأرض". ولا أوضح مما كتبَت .

 لا أجد حاجة لإضافة أية كلمة على هذا الوصف المخيف وعلى تشخيص حالتنا بالعموم؛ لكنني أخشى أن قطار العدل، الذي تلهث وراءه هذه المدعية العامة، كان قد سقط عن المحطة منذ سنوات؛ وأشعر أننا، نحن المواطنين العرب، فالحون في الغط تحت أجفان الزمن وماضون إلى مجهولنا ونحن نفتش عن أصحاب المؤامرة الكبرى وكلٌّ يحمل طعمه تحت إبطه؛ أرى أننا ننتظر على أرصفة التيه والأوهام والعجز، ولا يعرف الواحد منّا متى سيحين موعد اصطياده، أو في أي "لينش" سيكون هو البطل ؟    

عن الكاتبة والأديبة رنا أبو حنا/ شاكر فريد حسن

 


رنا أنيس أبو حنا كاتبة وأديبة ومثقفة وناشطة ثقافية واجتماعية من مدينة الناصرة، شغوفة بالكلمة وتتعاطى الأدب قراءة وكتابة دون انقطاع.  

أنهت رنا دراستها الثانوية بالمدرسة المعمدانية في الناصرة، والتحقت بالعمل في مجال العمل المصرفي، وخلال عملها أكملت تعليمها العالي ونالت شهادة البكالوريوس في موضوع إدارة أعمال وإدارة عامة، وعلى دبلوم أعمال بنكية.  

اشتغلت في العمل المصرفي ما يقارب 35 عامًا، ثم تعلمت موضوع توجيه المجموعات وتوجيه الكتابة الإبداعية للأطفال، وتطوعت في خدمة المجتمع والثقافة. 

منذ صغرها أحبت رنا القراءة، حيث أنها ولدت ونشأت في بيت يهوى الكتاب والمطالعة، فوالدها المرحوم أنيس أبو حنا كان يمتلك مكتبة بيتية طافحة بالكتب والأسفار المتنوعة. بدأت تكتب وهي على مقاعد الدراسة ونشرت محاولاتها الأولى في مجلة "لأولادنا" وفي "المجلة" وغيرهما. وفي سنة 1999 أًصدرت كتابها الأول "عندما يذبل الحبق"، وهو مجموعة من الرثائيات لزوجها المربي جورج حلو، الذي وافته المنية مبكرًا إثر نوبة قلبية حادة.  

وفي العام 2002 صدر كتابها الثاني "لمّا رنا حدثتني"، وهو عبارة عن ظلال رواية تصور حال ووضع الأرملة الشابة في مجتمعنا العربي.  

وفي العام 2017 صدر كتابها الثالث الموسوم "رسائل حب ليست من هذا العصر"، ويحتوي على رسائل حب وعشق عن والدها المرحوم أنيس أبو حنا، لأمها الراحلة جوليا عازر بين السنوات 1957- 1960، خلال فترة الخطبة عندما كانت هي في الناصرة، وهو طالب جامعي في القدس. 

وهو كتاب يروي قصة إنسانية حقيقية، ويشكل وثيقة تاريخية تصور وتعكس واقع المجتمع العربي الفلسطيني في الناصرة في العقدين ما قبل النكبة. 

ولها أيضًا قصة للأطفال بعنوان "هاني في أيام الكورونا". 

رنا أبو حنا إنسانة وكاتبة مرهفة تتمتع بذائقة أدبية، أسلوبها بديع وسردها مشوق، وكتابتها شفافة ومتميزة وعميقة إلى أبعد الحدود. وقد حملت على عاتقها أن تكون مبدعة دائمًا، فهي لا تكتب سوى ما تقتنع به وبأنه مميز ومختلف. فهي أديبة تستحق الاهتمام والتقدير، فلها التحية والمزيد من العطاء والإبحار في عالم الأدب وجماليته. 


من التفكير المنطقي إلى الخطاب العقلاني/ د زهير الخويلدي



مقدمة

من المرجح أن البحث عن الحقيقة - إن لم يكن حيازتها - يشير من حيث المبدأ إلى أي منهج ذي ادعاء فلسفي. لكن الفلسفة روجت للخطاب العقلاني كشرط للوصول إلى الحقيقة ، باعتباره حقيقة الأشياء ، والعكس الحقيقي للوهم. بالنسبة لها ، "التحدث بلغة العقل" أمر حتمي ، بل إنه أفضل: إنه تعريف للذات! يهدف قبل كل شيء إلى التواصل بين الكائنات. لكن اللغة لها عقلانية جوهرية كنظام متماسك بالضرورة: أي لغة تُعرَّف بالفعل على أنها نظام تواصل ، تقليدي أكثر بكثير من "طبيعي" في البشر. بالإضافة إلى ذلك، تهدف اللغة قبل كل شيء إلى نقل المعنى والأهمية. على هذا النحو ، فهو لا يخدم العقل فحسب ، بل يخدم الخيال أيضًا. هناك على وجه الخصوص "وظيفة شعرية" للغة يعتبرها البعض ضرورية ، وسوف نسأل أنفسنا بشكل خاص: ما هو "التحدث" بلغة العقل ، والمنطق ، والعقلانية؟ مع العلم أنه لا يكفي العقل "للتعلم" أو "المعرفة" ، لأن المعرفة تريد أن تكون تصورًا عادلًا للعالم: إنها هدف العلم (الفصل التالي) وليس العقل فقط. العقل بالأحرى هو تصور صحيح للعقل في حد ذاته، تماسك أكثر من المعرفة وأيضًا اتصال صحيح بفكر الآخرين. وبهذا المعنى لا يختلف العقل عن الضمير ، سواء أكان نفسيًا (العقلاني) أو أخلاقيًا (المعقول). ومع ذلك ، يظل العقل هيئة تدريس ، وكلية معينة في أذهاننا ؛ إنها ليست الروح نفسها ("الروح") ولا حتى "الخبرة" الداخلية. سنرى كيف طور الفلاسفة هذا المفهوم المتقلب "للعقل" بمرور الوقت. بعيدًا عن العقل كـ "كلية" ، سيتعين علينا دراسة "التفكير" باعتباره تطبيقًا للعقل في الخطاب وكأساس منطقي (وحتى رياضي) للعلم. فما المقصود بالتفكير المنطقي؟ وما هوتاريخ تطور المنزع العقلي؟


1) التفكير وعلم المنطق

       ا. أساس المنطق والغرض منه

إذا كان العقل قوة طبيعية ، موجودة في كل كائن بشري ، فإن التفكير هو تطبيق هذه القوة في الخطاب. فكلمة "لوغوس" في اليونانية تحدد بدقة الخطاب العقلاني ، على عكس "muthos" (قصة أسطورية). وبالتالي ، فإن التفكير يرقى إلى عقد خطاب تكون فيه التأكيدات مبررة بمتطلب التماسك المنطقي. صاغ أرسطو (دون تسميته على هذا النحو) "مبدأ عدم التناقض": "من المستحيل أن تنتمي نفس السمة ولا تنتمي في نفس الوقت إلى نفس الذات وتحت نفس العلاقة" (أرسطو ، ميتافيزيقيا). يقول هذا المبدأ ببساطة أنه ليس لدينا الحق في تناقض أنفسنا ، وأن نكون غير متسقين: لا يمكننا أن نقول شيئًا واحدًا ونقيضه في نفس الوقت وفي نفس السياق ... التعرف على أن اللغة ليس لها معنى ؛ لذلك سيكون من الضروري إنكار معنى هذا الافتراض الأخير ، الذي يدعو إلى الحق في تناقض الذات ، إلخ. في الواقع ، تتوافق المظاهرة مع حاجة أخلاقية أولية: وهي الاتفاق مع الآخرين! لذلك فإن البرهان له هدف ملموس ، فالغرض من الاستدلال وفوائده (مقارنة بالاعتقاد قبل كل شيء) من نوعين: 1) استقلالية موضوع الاستدلال. بشكل عام ، فإن استخدام العقل يجعلنا مستقلين وحرة (لا داعي لسؤال أي شخص عن إجابات). ولكن أيضًا وفي نفس الوقت: 2) الخروج من "ما يخص الذات" ، والسماح بالحوار ، والتفاهم المتبادل من خلال المناقشة. لأنه إذا كان المنطق عبارة عن سلسلة من التأكيدات ، فإن المناقشة عبارة عن سلسلة من الاستدلالات ، غالبًا ما تكون متناقضة ، ولكن يجب أن تكون نتيجتها النهائية قدر الإمكان الاتفاق ، "الإجماع" ، السلام ...


       ب. المنطق والتوضيح

لا يشكل كل تفكير برهانا (القياس أو الاستقراء لا يبرهن على أي شيء). البرهان هو منطق يقود إلى بيان الافتراض الصحيح ، وليس فقط محتملاً ، لذلك يمكن للمرء أن يثبت أن ما يؤكده المرء يتوافق جيدًا مع الواقع: إنه طريق البرهان التجريبي (العلمي). وإلا يمكننا أن نظهر أنه يتوافق جيدًا مع ما نعرفه بالفعل: هذا هو دور البرهان المنطقي. يعتمد العرض التوضيحي على عملية تسمى الاستدلال: وهي تتكون من استخلاص حقيقة اقتراح من واحد أو أكثر من الافتراضات الأخرى التي تعتبر صحيحة. التفكيك هو "المقدمات". هناك استنتاجات استقرائية (أو فورية) ، والتي لا تشمل فرضية واحدة ("إذا هطل المطر اليوم ، سيكون مشمسًا غدًا") ، والتي لا تؤكد أبدًا نتيجة معينة (في أفضل الأحوال احتمال). هذه ليست مظاهرات ، هناك استنتاجات استنتاجية (أو وسيطة) لها مقدمات 2: إذا كانت هذه صحيحة ، فإن الاستنتاج سيكون بالتأكيد صحيحًا. هذه مظاهرات.


        ج. القياس

هذا هو المنطق الاستنتاجي الأكثر شهرة (وبالتالي البرهاني) الذي قدمه أرسطو في أورغانون له النموذج الأولي الشهير: كل كائن بشري (رائد) ، سقراط رجل (قاصر) ، لذلك سقراط مميت (خاتمة). نظرًا لأن الواقع ليس موضع تساؤل ، يمكن استبدال أسماء العلم بمتغيرات مجردة. إذا استبدلنا الاختصاصي بعبارة "كل إنسان خالد" ، فإن الاستنتاج بأن "سقراط خالد" لن يكون أقل صحة منطقيًا: ومع ذلك سيكون خطأ "حقًا". القياس المنطقي الواضح الذي يبدأ من افتراض خاطئ أو غامض عن عمد ، ليجعلنا نؤمن باستنتاج منطقي مفترض. على سبيل المثال ، هذه الجملة عبارة عن مغالطة: "أنت لست كما أنا" ، "لكنني رجل" ، "لذلك أنت لست رجلاً". في الواقع ، نحن نحافظ على الخلط بين الفرد (أو الشخص) ("ما أنا عليه") والجنس (الإنسانية) ، كما لو أننا لا نستطيع أن نكون مختلفين مثل الناس ونفس البشر!

- "لا يمكن تحمله". البديهيات والمسلمات. - القياس المنطقي الذي يعتبر صحيحًا يفترض أنه يتم قبول "التخصص" من قبل المحاورين: لكن حقيقة هذا الأمر لا يمكن إثباتها دائمًا. من بين الافتراضات الأولى التي لا يمكن إثباتها ، يميز المرء بشكل عام بين البديهيات والمسلمات. البديهيات هي افتراضات بديهية. إنها في الواقع افتراضات أو اصطلاحات بحتة ، كما هو الحال في الرياضيات.

الفرضيات ذات طبيعة مختلفة: فهي افتراضات لا يمكن إثباتها ولكن يطلب المرء الاعتراف بها لأنها تتوافق مع شيء حقيقي ، ولأنها ضرورية للمظاهرة. لا يمكن للصرامة بشكل رسمي الاستغناء عن أي مرجعية. لا يمكن للعقل أن يتحرك في تجريد خالص ، ولهذا السبب يجب أن تكون أهمية المنطق نسبية: هذا سيكون موضوع استنتاجنا.


2) تاريخ موجز للعقل

التعريف الأكثر شيوعًا للعقل هو ديكارت باعتباره ملكة الحكم ، أي القوة "للتمييز بين الحقيقي والباطل". لكن مفهوم العقل أوسع ، له تاريخ يكاد يندمج مع تاريخ الفلسفة!


       أ) العقل "الكوني" عند الفلاسفة القدماء ثم سقراط

في اليونانية القديمة ، يُقال أن العقل هو لوغوس ، من مصطلح يعني أولاً الكلام أو اللغة ، ومن ثم الحديث الذي يهدف إلى الحقيقة (على عكس muthos ، الأسطورة). ولكن من بين أقدم الفلاسفة اليونانيين ، ما قبل سقراط مثل هيراقليطس ، فإن الشعارات لها أيضًا معنى كوني أو حتى وجودي (اليونانية "on": to be) ، أي أنها تشير إلى نمط من الوجود: إنه كذلك روح العالم ، أو ببساطة الطبيعة كنظام كوني (الكون) ، ومن هنا جاءت فكرة العقل الكوني بين الفلاسفة الرواقيين. العقل والواقع يندمجان في الطبيعة. بالنسبة للرواقيين ، فإن العيش "وفقًا للطبيعة" أو العيش "وفقًا للعقل" هو نفس الشيء. التغيير: سقراط هو أول فيلسوف ركز مشكلة العقل واستخدامه على الإنسان ولم يعد على الطبيعة. . وغرس أفلاطون فكرة أن الواقع ليس العالم المادي والمادي (مجالات المظاهر) ، بل بالأحرى في الأفكار أو الجواهر النقية. عندما كتب أرسطو (تلميذ أفلاطون ، وهو نفسه تلميذ سقراط): "الإنسان حيوان عقلاني "، يعني أن العقل مناسب للإنسان ، أو" الطبيعة المناسبة "أو جوهر الإنسان ، لكنه لا يتجاهل أن هذا السبب مرتبط بالتواصل البشري وبالتالي باللغة. كما يذكر أرسطو بوضوح أن "الإنسان بطبيعته حيوان سياسي".


ب) العقل "العقائدي" للفلاسفة الكلاسيكيين (القرن السابع عشر ، ديكارت)

- يشير تعبير "العقل العقائدي" إلى "العقلانية" لفلاسفة القرن السابع عشر ، مثل ديكارت وسبينوزا ولايبنيز. بالنسبة إلى هؤلاء الفلاسفة "المعاصرين" بالفعل ، لم يعد العقل بالتأكيد "حقيقة" أو "طبيعة" ، ولكنه أولاً وقبل كل شيء القوة البشرية للحكم على الواقع ومعرفته. يؤكد رينيه ديكارت في بداية الخطاب حول المنهج: الحس هو أفضل شيء مشترك في العالم "(الفطرة السليمة ليست سوى العقل). هذه الجملة ساخرة إلى حد ما: نحن نعلم جيدًا أن لدينا سببًا لدينا ، والجميع مقتنعون جيدًا لاستخدامها باستمرار وأن يكونوا على صواب ... ينسب ديكارت سمتين رئيسيتين إلى العقل: الشمولية والوحدة. كل البشر يمتلكونه ويمتلكونه كله.

- بالطبع ، نحن لا نستخدم عقلنا دائمًا كما ينبغي: هذا السؤال أخلاقي على الفور. بالنسبة إلى ديكارت ، فإن ما يميز الإنسان العاقل عن غير المعقول ليس امتلاك أو عدم امتلاك هذه القوة (إنها عالمية) ، إنها حقيقة استخدامها بشكل فعال أم لا ، ومن ناحية أخرى حقيقة أن يتم تعليمه أو عدمه. طريقة ضرورية لإدارة أفكار المرء بشكل صحيح (إنها في الأساس الطريقة الرياضية: راجع الخطاب الشهير حول المنهج لنفس ديكارت).

- ما الذي يمكن أن يكون "عقائديًا" في هذا المفهوم الديكارتي للعقل؟ علاوة على ذلك ، لن يكون العقل - الذي يُفهم بمعناه المنطقي والرياضي تمامًا - ملكة الملكات (متفوقًا كثيرًا على الخيال على وجه الخصوص) ولكنه سيسمح لنا بفهم الواقع "نفسه" ، دون باقي. ومع ذلك ، فإن هذا التأكيد يشبه بشكل غريب اعتقادًا أو على الأقل افتراضًا. في الواقع ، لم يكن من الممكن أن تتحقق مثل هذه القوة الكاملة للإنسان إلا من خلال الرعاية الجيدة لكائن كان هو نفسه كاملًا ، ذكيًا وحقيقيًا على حدٍ سواء ، الخالق (الله). ما هو "دوغماتي" (= الادعاءات بأنه واضح ولا جدال فيه) هو بالتحديد 1) حقيقة افتراض وجود العقل ووحدته في الإنسان ، باعتباره جزءًا من جوهره ، دون تخيل أنه قد يكون نتيجة فرد تكوين ، بيولوجي وكذلك اجتماعي ، بطيء وغير كامل ، عشوائي إلى حد ما اعتمادًا على عوامل متعددة بخلاف "الطريقة" الشهيرة. وهي 2) حقيقة إسناد القوة الحصرية للمعرفة إلى العقل على حساب التجربة (تسمى الأطروحة المعارضة التجريبية) ، و 3) وحقيقة اعتبار أن السبب يمكن أن يفسر على هذا النحو.


ج) العقل النقدي للتنوير (كانط ، الثامن عشر)

لكن هذه الادعاءات للعقل يجب أن تكون نسبية ، يجب أن نتخلى عن ادعاءات المعرفة المطلقة ، وبالتالي نسبيًا قوى العقل ، دون إغفال البعد العالمي لمبادئه. هذا العمل النقدي حول العقل هو عمل إي. كانط في كتابه "نقد العقل الصافي". "الحرجة" تعارض "العقائدية" بمعنى أن العقل يجب أن يكون قادرًا على رؤية حدوده الخاصة. فيما يتعلق بما إذا كان يمكن للمرء أن يعرف الحقيقي ، يقوم كانط بسلسلة من الفروق الحاسمة.

- يجب التمييز بين الواقع "في ذاته" ("النومينا") وما يمكن أن ندركه بالفعل ("الظواهر") ، أولاً من خلال حواسنا ؛ حتى بعد عمل التصور والتجريد ، لا يستطيع العقل أبدًا الادعاء بتعريف كائن الشيء ، أولاً لأن الكائن لا يعطي نفسه ليكون معروفًا ، فهو ليس "صفة". لا يمكننا معرفة كل شيء ولا يمكننا شرح كل شيء. هناك سؤال واحد على الأقل "لماذا" سيبقى بدون إجابة ، وهو السؤال "لماذا الوجود؟" " بالضبط. السؤال الذي اعتقد ليبنيز أنه يستطيع حله في القرن السابع عشر: "لماذا يوجد شيء بدلاً من لا شيء؟" لا يمكن استنباط أي إجابة عقلانية (لكن كانط يعترف بأنه وجد إجابة دينية). وبنفس الطريقة ، بشكل فردي ، لا أحد يستطيع أن يجيب على السؤال "لماذا أنا موجود". لا أحد يعرف سر الخالق أو رغباته.

- يجب أن نميز بعد ذلك العقل الخالص ، الذي هو بشكل صحيح كلية المبادئ ، أي القدرة على فهم القواعد العالمية وصياغتها ، والفهم أو "الذكاء" بالمعنى الدقيق للكلمة التي هي ملكة المفاهيم ، والقدرة على التصور ( إدراك العلاقات بناءً على بيانات من التجربة ، ومعرفة كيفية تحديد الأشياء وتمييزها وتأهيلها ، وما إلى ذلك) ، وبالتالي المعرفة. لكن هذه القوة محدودة بشريًا ، أولاً لأن هذه القوة لا تستطيع فعل أي شيء دون الاعتماد على بيانات التجربة الحسية (الإدراك ، الملاحظة ، إلخ): البيانات الملموسة ضرورية بالفعل لتكون قادرة على "تجريد" شيء ما بشكل عام. باختصار ، لا يوجد ، لا يمكن أن يكون هناك معرفة مطلقة.

- أخيرًا ، يجب أن نميز بين العقل النظري ، الذي يدعي معرفة الطبيعة ، والعقل العملي ، الذي يدعي تشكيل قواعد ومبادئ السلوك البشري. كلاهما يدعي بشكل شرعي شكلاً من أشكال العالمية ، لكنهما لا يسيران بنفس الطريقة ولا ينطبقان على نفس الأشياء. يتداخل هذا التعارض مع التمييز الأكثر شيوعًا بين العقلاني والمعقول ، والذي يتم سحقه بموجب المفهوم الديكارتي لـ "الفطرة السليمة" ... هذا التمييز ضروري لأنه من الواضح أن كل ما هو عقلاني (نظريًا ومنطقيًا) ليس بالضرورة منطقيًا (عمليًا ، أخلاقيا).


د) العقل الديالكتيكي أو التاريخي (هيجل ، القرن التاسع عشر)

جمع هيجل بشكل ديالكتيكي كل شيء فصله كانط رسميًا ... الاكتشاف العظيم لفلسفات القرن التاسع عشر ، بشكل عام ، هو في جوهره البعد التاريخي (وبالتأكيد أكثر "طبيعية") للعقل. يتحقق العقل بمرور الوقت ، وحتى عبر التاريخ. لقد أعاد هيجل توحيد العقل والشكر الحقيقي للتاريخ الذي يُفهم على أنه عملية منطقية. "كل ما هو عقلاني حقيقي" و "كل ما هو حقيقي هو عقلاني" وفقًا لهيجل: لكن هذا الافتراض المزدوج يكون صحيحًا فقط في نهاية العملية ، أي الصيرورة. العقل تاريخي لأن العقل يتحقق من خلال التاريخ والثقافة: ومن ثم يصبح عالميًا بشكل فعال. كما جمع هيجل بين العقلاني واللامعقلاني في نفس الوقت: هناك بالفعل معرفة مطلقة ، لأنه على الأقل في القانون لا شيء يفلت من العملية العقلانية ، ما لا يبدو أو لا يبدو عقلانيًا يصبح كذلك أو يبدو لنا على هذا النحو شيئًا فشيئًا القليل ... حتى العنف ، وحتى الحروب في التاريخ لها ما يبررها لأنها تدرك ، بدون معرفتنا ، فكرة عالمية (سلام ، حرية). - أخيرًا ، أعاد هيجل توحيد النظرية والعملية ، والمعرفة والعمل في الاعتراف: الإنسان "الذات" هي تفكير وتمثيل متطابقين ، هو نفسه ولا يعرف نفسه إلا من خلال الآخر. فريدريك هيجل (19) - "كنز العقل المدرك للذات الذي يخصنا ، والذي ينتمي إلى العصر المعاصر ، لم يحدث على الفور ، لم يخرج من أرض الواقع في الوقت الحاضر ، ولكنه بالنسبة له هو في الأساس إرث ، وبشكل أكثر دقة نتيجة عمل جميع الأجيال السابقة من الجنس البشري ، بل وعملهم عين. مثل فنون الحياة الخارجية ، فإن العديد من الوسائل والعمليات الماهرة ، وتصرفات وعادات الحياة الاجتماعية والسياسية هي نتيجة التفكير ، والاختراع ، والعوز ، والضرورة ، وسوء الحظ. ، للإرادة وإدراك التاريخ الذي يسبقه. عصرنا ، بنفس الطريقة التي ندين بها لما نحن عليه في الواقع من العلوم وبشكل أكثر تحديدًا للفلسفة للتقليد الذي يحتضن كل ما هو عابر والذي هو بالتالي ماضي ، مثل سلسلة مقدسة ، (...) والتي حفظها ونقلها إلينا كل ما خلقه الزمن الماضي. الآن ، هذا التقليد ليس فقط ربة منزل تكتفي بالحفاظ بأمانة على ما تلقته ونقله دون تغيير إلى الخلفاء ؛ إنها ليست تمثالًا حجريًا ثابتًا ، لكنها حية وتنمو مثل نهر عظيم يزداد قوة كلما ابتعد عن منبعه. »


هـ) العقل "التواصلي" لفلسفة علماء الاجتماع

يمنح العصر المعاصر حقًا لشكل من العقلانية لم يتم استغلاله أبدًا بقيمته العادلة ، دون أن يكون جديدًا: يسميه البعض "العقل الحواري" (فرانسيس جاك) ، والبعض الآخر "العقل الاتصالي" (يورغن هابرماس ، عالم الاجتماع والفيلسوف الألماني )، إلخ. على أي حال ، نحن نعارض الاستخدام العقائدي العام للعقل ، في جميع أنحاء التقليد الفلسفي ، وهو استخدام يوصف بأنه "أحادي" شبه وهمي. أحادي ، لأنه قائم على المبالغة في تقدير الوعي الفردي ، والتفكير الشخصي ، والأسلوب الفلسفي التأملي المشتق منه ، على حساب المناقشة والبحث المنهجي عن الإجماع - والذي ينبغي أن يكون ، خاصة بالنسبة لهابرماس ، الهدف الرئيسي للجميع. التفكير العقلاني وكل "الأفعال الاتصالية" على حد تعبيره. استخدام العقل بالضرورة اجتماعي وتفاعلي. يدافع هابرماس عن فكرة "العقل التواصلي" الذي يعارضه للعقل "الأداتي" البحت. يهدف الأول أولاً وقبل كل شيء إلى "الفهم المتبادل" بين البشر ، ولا سيما من خلال الحوار ، بينما يهدف الثاني إلى التمكن من الأشياء. إن ما يسميه "الفعل التواصلي" هو عملية عقلانية تتخذ ثلاثة أشكال: الحقيقة الموضوعية ، والصحة المعيارية (العدالة) ، والإخلاص الذاتي. هذه هي المكونات الثلاثة الضرورية لـ "أخلاقيات المناقشة" التي ، كما ينبغي أن تكون ، لا تفصل أبدًا العقلانية عن ممارسة اللغة.


خاتمة

خلاصة القول أن ديكارت أقام الرياضيات الكلية، "علم النظام والقياس" ، في نموذج معياري لكل المعرفة الحقيقية. تؤكد له "سلاسل العقل" (الاستنتاجات) الخاصة بالمقاييس أن "كل الأشياء ، التي يمكن أن تندرج تحت معرفة الرجال ، تتبع بعضها البعض بنفس الطريقة" (خطاب حول الطريقة). كما نتذكر صيغة غاليليو التي بموجبها "كتب كتاب الطبيعة بأحرف هندسية". ومع ذلك ، فإن هذه المحاولة للرياضيات للريال تواجه عقبات خطيرة ، مثل حقيقة أن البديهيات الرياضية تقليدية ، أو حقيقة أن المرء لا يستطيع حساب "الحي": العالم المادي وحده يفسح المجال لهذا التمرين (ومرة أخرى) الحساب ليس هو المثل الأعلى للذكاء. على سبيل المثال ، ليس من الواضح أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتفوق على العقل البشري أو يحل محله. من المسلم به أن الذكاء الاصطناعي يتفوق على الدماغ في مهام معينة ، لكن الثاني لا يعمل وفقًا لقوانين الخوارزمية ويظل أكثر تعقيدًا ، ولهذا السبب فهو عضو حي. يجب أن نتذكر أن الاستدلال الرسمي البحت ، أو الرياضيات التجريبية البحتة ، لا في حد ذاتها تجلب "المعرفة" ، فهي مجرد ناقل لها ، بنفس طريقة التجربة. المظاهرة أيضا طريقة ملموسة. إذا كان من الممكن أن تظل المظاهرة رسمية بحتة في المنطق أو في الرياضيات البحتة ، فإنها تصبح ملموسة وتتطلب إضافة دليل تجريبي في نهج علمي كامل (انظر الفصل التالي). في مرحلة ما ، عليك أن تظهر جيدًا لكي تبرهن ، فمن خلال التعميم قليلاً ، فإن الحضارة الغربية بأكملها هي التي بنيت على النموذج التوضيحي للمنطق الرياضي ، مما يدعم بالتالي نموذج التقدم التقني والمادي. لكن المظاهرة لم تتم بالإجماع. يمكن أيضًا للغة الاستثارة أو المجازية أو الشعرية أن تطالب بالحقيقة. لنتذكر أيضًا أن العقل المنطقي والعقلاني والعقل النظري والعقل العملي لا يتطابقان بالضرورة. أخيرًا ، دعونا نستحضر التمييز الذي اقترحه بليز باسكال (هو عالم رياضيات ولكن أيضًا أديب) بين "روح الهندسة" و "روح البراعة" ، ودعنا نعترف بأن الحكمة - التحدث بلغة العقل - تتكون من أخذ كليهما في الاعتبار. فهل يجوز الحديث على المنزع العقلي في التيارات الأدبية؟

حياة قالوش شاعرة متوهِّجة بألقِ الزَّنبقِ والنّعناعِ البرّي/ صبري يوسف

 



تنسابُ القصيدةُ عبر خيالِ الشّاعرةِ حياة قالوش، كما تنسابُ زخَّاتُ المطرِ فوقَ مرافئِ الحنينِ، الشِّعرُ شهيقُ الشُّعراءِ الأنقى في الحياةِ، تتوغَّلُ قالوش عميقاً فيما يتراءى لها وفيما يموجُ في مخيالِها، تُمسكُ خيوطَ القصيدةِ برهافةٍ طافحةٍ بالتَّجلِّي، تصوغُ حرفَها وكأنّها في حالةِ انصهارٍ وابتهالٍ مع إشراقةِ الحرفِ، ترفرفُ بجناحيها عالياً، بحثاً عن صورٍ عذبةٍ من نكهةِ تغاريدِ البلابلِ، فينبعثُ حبورُ القصيدةِ صافياً على مدى مرامي البوحِ؛ ويتراقصُ حرفُها مزهوَّاً فوقَ اخضرارِ الأزاهيرِ، ويهفو حرفُها بكلِّ جموحِهِ إلى مراتعِ الأحلامِ النَّديّة. تتأمَّلُ مرتفعاتِ الجبالِ المعشوشِبةِ بألقِ الشُّموخِ، تشهقُ فرحاً وانتعاشاً لروعةِ الشُّموخِ، وينتابُها رغم حالةِ الفرحِ المرافقة لها، غصّةٌ حارقةٌ لكلِّ ما تراهُ من انكساراتٍ، ويجرُفُها الخيالُ إلى ما وراءَ البحارِ، لا ترى ما يشفي غليلها من أوجاعِ الانكسارِ، إلَّا ابتهالاتِ الحرفِ على أنغامِ هدهداتِ الطَّبيعةِ وبسماتِ الأطفالِ المرتسمةِ فوقَ موجاتِ البحرِ، كأنّها على اتّصالٍ حميمي معَ مُهجةِ الحرفِ وهو في أصفى إشراقاتِهِ، يعيدُ إليها توازناتِ الرُّوحِ رغمَ تتالي الاشتعالاتِ المتفاقمة فوقَ أرخبيلاتِ العمرِ.   

تُجسِّدُ الشَّاعرةُ عبرَ خيالِها السيّالِ، القصيدةَ على منعطفاتِ هضابِ العمرِ، مخفِّفةً من أنينِ الجراحِ النّازفةِ، ومن حالةِ الانشراخِ العاتيةِ فوقَ لياليها الحالكةِ، ولا تتوانى أن تنثرَ رحابةَ حرفِها فوقَ سفوحِ القلبِ، كلّما يهبُّ عليها نسيمُ الصَّباحِ، فيغمرُ قلبَها وقلوبَ قرّائِها فرحاً مسربلاً بحفاوةِ صباحِ العيدِ، وتزدادُ شغفاً لما تحملُ معانيها من ترميزاتٍ ومدلولاتٍ جديدةٍ في بنائِها الفنّيِّ الشَّفيفِ، مثلما تتدلّى أغصانُ الدّالياتِ فوقَ أسوارِ البيوتِ العتيقةِ، الّتي ظلّتْ مرسَّخةً في الذّاكرةِ طويلاً، وتموجُ ألقاً مثلَ مرحِ الأطفالِ وهم يلعبونَ فوقَ مروجِ الحياةِ، ومثلَ عصافيرِ الدُّوريِّ وهي تلتقطُ حبّاتِ الحنطةِ بمناقيرِها الغضَّةِ في صباحٍ ربيعيٍّ مشبَّعٍ بالخيراتِ، هكذا تترجمُ قالوشُ شغفَها فوقَ بيادرِ العبورِ إلى واحاتِ القصائدِ، فينسابُ حرفُها مثلَ بلسمٍ شافٍ فوقَ جراحِ السِّنينَ، وتتربَّعُ فوقَ صواري السُّفنِ، طموحاتها الّتي تهوى أن تتحقَّقَ فوقَ مروجِ الغدِ الآتي. تنجذبُ الشَّاعرةُ بكلِّ رهافتِها إلى ما يضمرُهُ الحرفُ من جموحٍ، منتعشةً ممَّا ينبلجُ من ثغورِ القصيدةِ المنبعثةِ من توهُّجاتِ الخيالِ فوقَ أزهى مرامي الحياةِ.  

حياة قالوش حرفٌ متدفِّقٌ من حبورِ الحنطةِ في أوجِ اخضرارِها، غمرتْها القصيدةُ بمصداقيَّةِ الحبِّ في قمّةِ صفائِهِ، إلى أن غدَتِ القصيدةُ صديقتَها الودودةَ وديدنَها الأرحب في معارجِ الحياةِ. صادقَتْ جمالياتِ الطَّبيعةِ بكلِّ رهافتِها، وقطفتْ من خصوبةِ العمرِ أجملَ ما يبوحُ بهِ الحرفُ من شهقاتِ الانبهارِ، تُزهرُ دندناتُ حروفِها على إيقاعِ أزهى الأماني، وتسطعُ شموعُ القصيدةِ كما تسطعُ تلألؤاتُ الخيالِ في أرقى جموحِها. تُشبهُ رحيقَ الزّهورِ في قمَّةِ انبعاثِ بهائِها، ولا ترى حرجاً عندما تباغتُها قصيدةٌ مرصَّعةٌ بالأحزانِ أن تفرشَ حبرَها فوقَ أوجاعِ غربةِ الحياةِ، فهي ترى في منائرِ البوحِ، بلسماً يطهِّرُها من آهاتِ ما يعتريها من وخْزِ الأحزانِ، تغوصُ عميقًا في رحابِ انبعاثِ الحلمِ على إشراقةِ شهقاتِ الفجرِ الوليدِ، وتناجي بإيقاعٍ رهيفٍ هديرَ البحارِ؛ لعلَّ حرفها يمتزجُ معَ خشخشاتِ الهديرِ، مواجِهاً بكلِّ بسالةٍ أوجاعَ الانكسارِ!

تكتبُ الشَّاعرةُ قصيدتَها كلّما تهبُّ نسائمُ الصَّباحِ، كي تأتيَ ولادةُ الحرفِ نديَّةً كأعشابِ المحبّةِ المتناميةِ حولَ أشجارٍ محمّلةٍ بثمارِ الخيرِ والبركاتِ. فترفرفُ أجنحتُها شوقًا إلى انبعاثِ الفرحِ، وتحلِّقُ فوقَ رهافةِ الغمامِ كلّما يرنِّمُ مرنِّمٌ تراتيلَ المحبَّةِ على إيقاعِ رنينِ أجراسِ الأديرةِ القديمةِ. فقد وُلدَتْ الشَّاعرة في كنفِ المزاميرِ المرصّعةِ بقداسةِ الحرفِ منذُ البدءِ. الكتابةُ هاجسُها الأبهى في الحياةِ، صديقةُ ليلِها وصباحِها، هي والكتابةُ صِنوانِ توأمانِ متماهيانِ معَ شهوةِ الشِّعرِ، لا ترتوي من مناغاةِ عذوبةِ الحرفِ، ولا من متعةِ تدفُّقاتِ الابتهالِ، تتعانقُ بكلِّ جموحاتِها معَ انبعاثاتِ القصيدةِ، كأنّها غيمةٌ مجنّحةٌ من أنغامِ مزاميرِ حلمٍ، توارى بعيداً من ضجرِ هذا الزّمان. 

أينما تكُنْ، وكيفما حطَّ بها الرّحالُ، نرَها تجمحُ نحوَ غاباتِ القصائدِ البكر، تناغي مَجسّاتِ الجمالِ المستنبتةَ فوقَ جبينِ لبنانَ وجبالِ لبنانَ وآمالِ لبنانَ، يتراقصُ لبنان على مساحاتِ خيالِها المندّى بخصوبةِ الحياةِ، فتولدُ القصيدةُ من حبقِ الجمالِ، تهوى الشَّاعرةُ لغةَ التَّجديدِ ولغةَ الأحلامِ المندلقةِ من لجينِ الأعالي. تسطعُ في قلبِها رفرفاتُ أجنحةِ الطُّيورِ، تحلِّقُ عالياً نحوَ مسارِ رفرفاتِها على إيقاعِ سموِّ السَّماءِ، تقطفُ من ثمارِ الغاباتِ أشهى هلالاتِ بوحِ الكلامِ، مركّزةً على ضياءِ نجمةِ الصّباحِ وسطوعِ البدرِ في اللَّيالي القمراءِ، مجسِّدةً عبرَ تجلّياتِ حرفِها تجربتَها وخبراتِها المتنوّعةَ الّتي تعكسُ رؤاها المورقةَ بأغصانِ المحبّةِ المتعانقةِ مع تفتُّحاتِ اخضرارِ الزّيتونِ، والمترعرعةِ في أرضٍ خصبةٍ ودافئةٍ دِفءَ الحياةِ، ومزروعةٍ بأزاهيرِ الفرحِ، ومستلهمةٍ بوحَها من أصفى جموحاتِ يراعِ الرُّوحِ! 

حياة قالوش شمعةُ فرحٍ ساطعةٌ في دنيا المحبّةِ، بسمةٌ وارفةٌ فوقَ أرخبيلاتِ اللّيلِ الحنونِ، في حالةِ وئامٍ معَ شموخِ القصيدةِ إلى أنْ غدَتِ القصيدةُ صديقةَ عمرِها، وشهيقَها المزنَّرَ بمذاقِ ثمارِ الجنّةِ، وكأنَّ القصيدةَ ابنتُها الحاضرةُ فوقَ أغصانِ الحياةِ. يتناغمُ حرفُها معَ بسمةِ الشَّمسِ وهي ترنو إلى عذوبةِ البحارِ. كيفَ ترسمُ قالوش حرفَها وهي في دنيا محفوفةٍ بأسئلةٍ طافحةٍ بالأوجاعِ؟! هل القصيدةُ قادرةٌ على تسمو إلى وميضِ  نُجيماتِ الصَّباحِ، رغمَ تفاقمِ الجراحِ هناك من كلِّ الجهاتِ؟! تبدو قصيدتُها وكأنّها منبلجةٌ من وجنةِ غيمةٍ شاهقةٍ في رحابِ السّماءِ، حرفٌ متناثرٌ من مآقي نجمةٍ ساطعةٍ في أهازيجِ السّماءِ، سرٌّ غائرٌ في جوفِ البحارِ الهائجة، شوقًا إلى مناغاةِ أزاهيرِ الرّبيع. 

حياة قالوش شاعرة متوهِّجة بألقِ الزَّنبقِ الغافي بين اخضرارِ النَّفلِ والنّعناعِ البرّي، تكتبُ قصيدتَها من نسغِ الدّالياتِ المتراقصةِ في منعرجاتِ الذَّاكرةِ، مستوحيةً آفاقَ حرفِها من أشهى انبعاثاتِ جموحِ الخيالِ! .. صالحتها الكتابةُ معَ أوجاعِ الحياةِ وبلسمَتْ جراحَها الغائرةَ، وعمّدتها بحبرِ القصيدةِ، وغدَتْ صديقةَ حرفٍ مسربلٍ بوهجِ الحداثةِ عبر رؤيةٍ ناصعةٍ برحيقِ الجمالِ والآمالِ المستنيرةِ.     

***

تحلِّقُ الشَّاعرة حياة قالوش فوقَ بياضِ الغيومِ على أنغامِ هديلِ الرُّوحِ وهي تعانقُ زرقةَ السّماءِ، يغمرُها فرحٌ متعانقٌ معَ صفاءِ القصيدةِ وهي تنسابُ بوحاً رهيفاً في حنايا الأعالي، يموجُ بها الخيالُ إلى آفاقٍ مزدانةٍ بجموحِ الحرفِ تحتَ ظلالِ أغصانِ التّينِ، يمتزجُ مذاقُ التِّينِ معَ شهوةِ الحرفِ في أوجِ انبلاجِهِ، فينسابُ حرفها ساطعاً فوقَ هلالاتِ الغمامِ، تمسحُ الكلمةُ الشّامخةُ أحزانَ الفصولِ وتزرعُ في هضابِ الرّوحِ أزاهيرَ معبّقةً بمهجةِ الانتعاشِ، تنظرُ من قبَّةِ السّماءِ إلى رحابةِ السّماءِ، جمالُ السَّماءِ يغدقُ عليها حرفاً مبلَّلاً بالسُّموِّ، الكلمةُ الممراحةُ جناحُ الشِّعرِ المجنَّحِ نحوَ أهزوجةِ الحياةِ، تُبدِّدُ ضجراً متراكماً فوقَ رحابِ الأحلامِ، لا يملكُ الشُّعراءُ إلَّا أجنحةَ الكلماتِ، ترفرفُ عالياً وتضيءُ غبشَ الظّلامِ المتناثرِ فوقَ منعرجاتِ العمرِ، وتمنحُ أجنحةُ الكلماتِ آفاقَ الشّاعرةِ ألقاً وابتهالاً متناغماً معَ بهاءِ الأقاحي، كأنَّها في حالةِ رقصٍ بين جنانِ النّعيمِ، تنفضُ عنها تكلّساتِ الأزمنةِ الموحلةِ. بهجةٌ غامرةٌ تسطعُ في خيالها، فينسابُ حرفها فوقَ حبورِ العبورِ، فلا تجدُ أكثرَ من الشعرِ أنيساً لتجلّياتِ الانبعاثِ. 

الشِّعرُ منبعُ انتعاشٍ طافحٍ بالأفراحِ يناغي قلوبَ الشُّعراءِ على أنغامِ الشَّوقِ. حلمٌ متطايرٌ من تراقصاتِ الغيومِ، من سطوعِ ضياءِ البدرِ، رؤيةٌ خلَّاقةٌ مغموسةٌ بإشراقةِ الحرفِ من رحابِ العشقِ، كلمةٌ مزنّرةٌ بأسرارِ اللّيلِ وحنينِ النّهارِ، حوارٌ مسربلٌ معَ نسيمِ الصّباحِ قبل أن تتفتّحَ براعمُ الوردِ، وبعدَ أن يفوحَ أريجُ النّعناعِ. الشِّعرُ صديقُ حياة قالوش منذُ أن سطعَتِ الشّموعُ حولها في حنايا المهدِ، منذُ أن ارتسمَتْ شهقةُ الحبِّ فوقَ محيّاها وهي مقمّطةٌ ببذورِ خيرٍ مشبّعةٍ من غديرِ الهيامِ، منذُ أن دغدغَ الحنينُ مرافئ الصّبا بكلِّ منعطفاتِهِ الجيّاشةِ، منذُ أن دندنَتْ معَ فيروزَ أجملَ الأغاني، إلى أن تلألأتِ البسمةُ فوقَ خدودِ الأطفالِ. الطُّفولةُ، كما تراها الشّاعرةُ، رحيقُ الشِّعرِ، جموحٌ في أنقى آفاقِ الخيالِ. 

تكتبُ الشَّاعرة حياة قالوش حرفها من وحي بهاءِ الفراشاتِ، من روعةِ ما تنامى في جمالِ الكونِ، من هديرِ 

الرِّيحِ، من  خشخشاتِ زخّاتِ المطرِ، من روعةِ عبورِ السُّفنِ  أعماقَ البحارِ. تكتبُ حرفَها  من وحي نقاوةِ  

الدَّمعِ، من رفرفاتِ أجنحةِ العصافيرِ، من تتالي آهاتِ الانكسارِ وشهقاتِ الانبهارِ. 

وحدَها القصيدةُ تجابِهُ ضراوةَ الزَّمهريرِ، تخفِّفُ من تشظّياتِ شفيرِ الطُّوفانِ. تنظرُ إلى ضياءِ الشَّمسِ، فترى هلالاتِ القصيدةِ تنبعثُ من وهجِ النُّورِ المشعِّ فوقَ مرامي الكونِ، الشِّعرُ بسمةُ حبٍّ ترافقُ صباحاتِ قالوش، يبلسمُ كينونَتها بأريجِ الانتعاشِ على امتدادِ آفاقِ العبورِ.  

تخبِّئُ الشّاعرة بيروتَ بينَ جوانِحها حتّى ولو عبرتِ البحارَ، تهدهدُها وتعانقُها وتمهِّدُ لها ظلالَ الرّوحِ كي تستفيءَ بينَ سهولِ القلبِ وظلالِ الرّوحِ، وتتلألأُ بيروت بين رحابِ القصائد كأنّها قلادةُ العشقِ، رغمَ الأشواكِ النّابتة فوقَ هامةِ البلادِ، تكحِّلُ الشّاعرة مآقي بيروتَ بالأملِ القادمِ، وتزرعُ فوقَ طينِ البلادِ بذورَ الفرحِ.  

تهمسُ لحنينِ الذَّاتِ في صباحِ عيدِ الميلادِ، سأخبِّئكَ يا لبنانُ بين جموحِ الحرفِ وأحلامِ المساءِ، وأنتِ يا بيروتُ سألملمُكِ بين جفونِ الرّوحِ، وشرايين الفؤادِ، أنتِ كلمتي المبلَّلةُ برحيقِ الأقاحي، وأريجِ الأزاهيرِ الغافيةِ فوق شموخِ الجبالِ. ذاكرتي معجونةٌ بنسائمِ الشِّرقِ المنسابةِ فوقَ ملاعبِ الطُّفولةِ، وحبورِ الصّبا، ومدارجِ الشّبابِ، تنبعثُ القصيدةُ من ذاكرةِ العمرِ، من رحيقِ الأماني المندلقةِ من منعرجاتِ الحياةِ، الشَّعرُ طريقنا الأشهى لعناقِ الأرضِ وزرقةِ السَّماءِ، الكلمةُ روحُ القصيدةِ، هي الأبقى سطوعاً فوقَ طينِ الحياةِ!     


ستوكهولم: 3. 7. 2019 صياغة أولى

           16. 1. 2022 صياغة نهائيّة

صبري يوسف

أديب وتشكيلي سوري مقيم في ستوكهولم


توترات تخيم على الحدود الباكستانية الأفغانية .. لماذا؟/ د. عبدالله المدني


يفصل باكستان عن جارتها افغانستان خط حدودي بطول 2611 كلم يسمى خط ديورند نسبة إلى "هنري مارتيمور ديورند" سكرتير الشؤون الخارجية في حكومة الهند البريطانية الذي شارك في ترسيمه بالاتفاق مع الأمير الأفغاني عبدالرحمن خان سنة 1893، لتأسيس أفغانستان كدولة مستقلة، فتسبب الخط في التقسيم السياسي للقبائل البشتونية الموجودة على جانبي الحدود. وعلى الرغم من أن هذا الخط التاريخي معترف به من قبل الأمم المتحدة وأعضائها، إلا أن الحكومات الأفغانية المتعاقبة، منذ سقوط النظام الملكي في سبعينات القرن العشرين، لم تعترف بشرعيته. أما آخر المستجدات حوله فهو قرار اتخذته قيادة الجيش الباكستاني قبل أشهر بتسييج الخط بأسلاك شائكة مزدوجة بارتفاع أربعة أمتار ومزودة بكاميرات مراقبة دقيقة بتكلفة باهضة وصلت إلى نحو 600 مليون دولار، وذلك استباقا لأي توترات وفوضى أمنية في جارتها قد تؤدي إلى تدفق للاجئين الأفغان أو تسلل للعناصر الإرهابية أو المسلحة إلى أراضيها.

أما لما نتحدث عن خط ديورند اليوم، فلأن القرار الباكستاني المذكور قوبل بالرفض شعبيا ورسميا في أفغانستان، وهو أمر نجد تجلياته في ما حدث مؤخرا من توترات على جانبيه بين الجيش الباكستاني وقوات نظام طالبان الافغاني. ففي اواخر ديسمبر من العام الماضي أعلن المتحدث باسم وزارة دفاع طالبان أن قواته منعت الجيش الباكستاني من مواصلة التسييج "غير القانوني" على طول الحدود مع إقليم ننغرهار شرقي أفغانستان، وبالتزامن تمّ نشر فيديو لجنود طالبانيين وهم يستولون على معدات التسييج الباكستانية. وبالتزامن أيضا كان هناك اطلاق لقذائف مورتر عبر الحدود من الجانب الباكستاني باتجاه مقاطعة كونار الشرقية. وطبقا لوسائل الاعلام الطالبانية، فإن مسؤولين من طالبان إلتقيا وجها لوجه مع قادة من الجيش الباكستاني لمناقشة الوضع الحدودي المتوتر وتهدئة الموقف بطريقة أخوية. غير أنه في الوقت نفسه أطلق المسؤولون الباكستانيون، مثل وزير الخارجية شاه محمود قريشي، تصريحات تؤكد عزمهم على مواصلة عملية التسييج، وتشدد على أن باكستان ليس في وارد التراجع عنها لأن القضية متعلقة بالأمن الوطني. وفي ما بدا أنه رد على تصريحات الوزير قريشي قال قال قائد القوات الحدودية في المنطقة الشرقية لأفغانستان "مولوي ثناء الله سنغين": أن كابول "لن تسمح بالسياج في أي وقت وبأي شكل .. كل ما فعلوه من قبل فعلوه، لكننا لن نسمح به بعد الآن". ووسط هذه المواقف والمواقف المضادة راحت قوات طالبان تبني المزيد من نقاط التفتيش والمراقبة على طول خط ديوراند لمنع الجيش الباكستاني من مواصلة أعمال التسييج.

والجدير بالذكر أن حركة طالبان ظلت لمدة طويلة غير مكترثة بمسألة شرعية خط ديوراند من عدمها، بل لم تعلق قط على فكرة تسييجه، ربما بسبب حاجتها إلى دعم الباكستانيين. لكن يبدو أنها غيرت الآن رأيها من بعد نجاحها في الوصول للسلطة قبل نحو 120 يوما، فصار موقفها ممائلا لمواقف الحكومات الأفغانية الجمهورية السابقة، خصوصا في ظل إحجام باكستان حتى الآن عن الاعتراف الرسمي بنظامها الجديد، وهو ما يجعلها قلقة من احتمال تكرار ما حدث زمن الزعيم الباكستاني العسكري الأسبق الجنرال برويز مشرف، حينما سعى الأخير إلى توثيق علاقاته مع واشنطون على حساب طالبان. 

ويرى مراقبو شؤون منطقة جنوب آسيا في موقف طالبان الجديد هذا، أنه محاولة منها لتحقيق أمنية عزيزة عليها تتمثل في جعل الحدود الباكستانية ــ الأفغانية مفتوحة بنقاط عبورها الكثيرة التي تتجاوز المائتي نقطة، وهو ما لن تقبله القيادتان السياسية والعسكرية في باكستان اللتان تتوجسان من حلم الأفغان القديم المتجدد في إقامة دولة بشتونستان. أما امتناع إسلام آباد عن الاعتراف بالسلطة الطالبانية في كابول، فلا تفسير له سوى أنه محاولة منها لنفي أي علاقة لها بتأسيس حركة طالبان أمام المجتمع الدولي، وكذلك نفي تقديم العون لها للوصول إلى السلطة مجددا في أغسطس المنصرم.

والحقيقة أن حكومة طالبان بنت آمالا عريضة على الإجتماع الوزاري الأخير لمؤتمر منظمة التعاون الاسلامي، الذي عقد مؤخرا في اسلام آباد بحضور وزير خارجيتها أمير خان متقي، لجهة إحراز تقدم ما فيما خص الإعتراف بها. وهو الاعتراف الذي سعت وتسعى إليه طالبان دون نتيجة تذكر سوى موافقة بعض الأطراف الدولية الفاعلة على عقد اجتماعات مع قادتها للبحث في تقديم المساعدات الانسانية ومعونات إعادة الإعمار، على غرار ما فعلته الصين مثلا التي سارعت إلى ترتيب اجتماع بين المدير العام لإدارة آسيا بوزارة خارجيتها "ليو جين سونغ"، وذاكر جلالي مدير عام الدائرة السياسية الثالثة بوزارة خارجية طالبان، بهدف الاتفاق على تعزيز التبادل والتعاون والتنسيق بين الجهات المختصة في البلدين حول الإعمار والدعم الاقتصادي والحاجات الإنسانية وتدريب الأفراد وموظفي الدولة ضمن "مبادرة الحزام والطريق" الصينية. وفي المقابل قدم الطالبانيون لبكين ضمانات أمنية للمؤسسات الصينية وأفرادها من العاملين في أفغانستان، مشفوعة بطلب المزيد من الاستثمارات الصينية.

وعلى نفس المنوال الصيني، أعلن وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" أن بلاده تتعامل فعلا مع حكومة طالبان، لكن دون الاعتراف بها، موضحا أن الاعتراف الرسمي بالسلطات الطالبانية سابق لأوانه. وهكذا نلاحظ أن الصينيين والروس، على عكس الأمريكيين، يتصرفون ببرغماتية مع الواقع الجديد القائم في أفغانستان، منفتحين على النظام الجديد هناك من أجل تحقيق مصالحهم، وتوطيد نفوذهم. كذلك تفعل دول إقليمية مثل ايران التي تحاول كسر عزلتها بأي وسيلة.

د. عبد\الله المدني

* أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين

تاريخ المادة: يناير 2022م


أصحاب.. ولا أعزّ/ أسامة البياتي

 


شهدت السينما العالمية في تأريخها أفلام أثارت الجدل ولعل تلك الأفلام التي جسدت شخصيات سياسية ودينية (خاصة الأنبياء) أخذت نصيب الأسد منها كذلك الأفلام التي تناولت سير الرؤساء والمشاهير بالإضافة إلى الأفلام التي تضمنت إشارات أو إيحاءات جنسية وتحدثت عن سلوكيات المغازلة دون وعي , وربما الجدل هنا لا يرتبط بحب أو انتقاد بعض الجمهور للأفلام لكن الصدمة قد تكون مما شاهدوه من محتوى جريء في الطرح ولعل الفيلم العربي الأول الذي أنتجته شركة نتفليكس الأمريكية والموجه للجمهور العربي أثار حفيظة الكثيرين في العالم العربي خاصة في مصر حيث اتهمه أحد السياسيين بالتحريض على الشذوذ الجنسي والخيانة الزوجية ووصفه الكثير بأنه خادش للحياء والذوق العالم. 

الفيلم مأخوذ من الفيلم الإيطالي (الغرباء المثاليون) Perfect Strangers   لكن أداء الممثلين مختلف عن النسخة الأصلية فقد بدى بارداً ثقيلاً في بعض المشاهد باستثناء النجمة المصرية منى زكي التي لعبت دوراً خفيفاً بطابع كوميدي قدمته باحترافية خاصة كذلك الجانب التراجيدي الذي تتقنه وتجيده دائماً أحداث الفيلم تدور في لبنان حول مجموعة من الأصدقاء اللبنانيين يشاركهم أصدقاء مصريين (الزوج والزوجة) يجتمع الجميع على العشاء وتقرر إحدى الزوجات التي أدت دورها

 (نادين لبكي) أن يلعبوا لعبة ترك الهواتف المحمولة على الطاولة ويقرأون جميع الرسائل الواردة ويستمعون إلى جميع المكالمات التي تصلهم في محاولة لاقتحام الخصوصية.

الحبكة والحوار كان عادياً وثرثرة غير مدروسة وحشو كلام و (تملق) وأساليب التعبير كانت ضعيفة لا سيما في المجالات الاجتماعية والعاطفية التي تطرق لها الفيلم ناهيك عن القبلات والأحضان المتبادلة بين الأزواج وزوجات أصدقائهم ووضع اليد على كتف زوجة صديقه ( كأن الموضوع عادي في مجتمعنا ) والألفاظ الخادشة التي لم تضف أي قيمة للفيلم بل جعلتنا مذهولين أمام ما نشاهده.

قد يرى البعض أن الواقعية التي اتسم بها فيلم أصحاب ولا أعزّ هي من جعلته ناجحاً بل مميزاً لكن هذا التعالي والانتفاخ من بعض المبهورين بالعمل وممن يدافعون عليه بشراسة لن يدركوا حجم وخطورة ذلك إلا إذا طارد أبنائهم شبح التفكير بالمثلية أو التفكير بالأمور الجنسية خارج الإطار المعروف فالمشاهد العربي لم يعتاد على سماع تفاصيل صريحة لتلك العلاقات الشاذة حتى وإن وجدت في المجتمع أو الاستماع لحديث الأب ( اللبناني صاحب العزومة) الذي سمح لأبنته بممارسة الجنس مع صديقها والآخر سمح لزوجته بالكلام عن أمور جنسية مع عشيقها السابق والزوجة التي تتكلم عن ملابسها الداخلية مع 

شخص عبر تطبيق ميتا (فيسبوك سابقاً) والآخر تصله صورة عارية لفتاة ويصفه صديقه مشجعاً (بالضبع) والكل تقبل الموضوع بروح رياضية ناهيك عن فكرة علاقة جنسية شاذة بين رجلين وكأن الأمر طبيعي بل جعل المشاهد يتعاطف مع الفكرة عبر الموسيقى والقطعات الفنية ومع تلك العلاقة الحميمية واختيار ممثل بشوش الوجه طيب القلب , محب ومحبوب للآخرين ولا يخون مثل النساء , تلك المشاهد والإسقاطات دائماً ما تنطبع في ذهن المتلقي وهذا من شأنه التأثير على سلوكيات المجتمع وهنا يتضح الدور الكبير الذي تلعبه السينما في تشكيل الوعي.

إن تلك الظاهرة كانت محل جدل في التعامل مع الدراما والأفلام ومع المجتمع بصورة خاصة فنحن مجتمع شرقي إنساني محافظ له عاداته وتقاليده ولسنا بحاجة إلى غزو ثقافي وتبعية فنية بغض النظر عن السلبيات والمساوئ الموجودة في المجتمع وربما تفوق ما طرحه الفيلم , لكن كنا نتمنى عملاً فنياً يعالج تلك السلبيات والأزمات المجتمعية عن طريق نشر ثقافة التسامح بطريقة فنية صحيحة تعالج الهموم الكبيرة والكثيرة التي تواجهنا فهي أهم من إضاعة ملايين من الدولارات على فيلم مقلد وأحاديث فارغة , تلك الجهود لصناع الفيلم خسارة للزمن وإضاعة لوقت نحن بأمس الحاجة إليه في بناء جيل واعي قادر على مواجهة التحديات, فهو لم يقدم إضافة أو تميز فثقافة التكرار تبقينا في حالة من الجمود والتخلف ومن لا يأتي بجديد في المضمون والشكل والقيمة فليس بجديد على الحياة وعلينا أن نكتسب من الآخر ما يتلاءم معنا ومع ثقافتنا ومحيطنا وتنوعنا الديني والطائفي والثقافي لا أن نتبنى أفكاراً مستنسخة لا تواءم عالمنا.


المغرب يستمر في دعم القضية الفلسطينية/ حسن العاصي

 


يستمر المغرب بقيادة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، في بذل المزيد من الجهود والصادقة، والمتواصلة على أكثر من صعيد في نصرة ودعم القضية الفلسطينية، ومساندة القيادة والشعب الفلسطينيين في نضالهما لمواجهة ممارسات وسياسات سلطات الاحتلال العدوانية والتوسعية بالأراضي الفلسطينية المحتلة والمخالفة للشرعية الدولية.

والحقائق التاريخية تؤكد أن المغرب كان في طليعة المدافعين ـ عربياً ودولياً ـ عن القضايا العادلة للشعب الفلسطيني في كافة المنعطفات التي مرت منها القضية الفلسطينية، بما يؤكد وقوف المغرب الكامل ملكا وحكومة وشعبا إلى جانب الفلسطينيين في نضالهم لتحقيق جميع أهدافهم المشروعة، وفي مقدمتها الحق في الحرية والاستقلال والانعتاق من قبضة الاحتلال الصهيوني، وإقامة لدولة المستقلة القابلة للحياة، وعاصمتها القدس الشرقية، على أساس حل الدولتين، وفقاً للقانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية.


اجتماع استثنائي في مجلس الأمن

تم يوم الأربعاء بتاريخ 19/1/2022، عقد اجتماع رفيع المستوى بمجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، جرى خلاله تسليط الضوء على الجهود التي يبذلها صاحب الجلالة الملك محمد السادس ملك المغرب حفظه الله لصالح القضية الفلسطينية، بصفته رئيسا للجنة القدس.

ترأست الاجتماع وزيرة الشؤون الخارجية النرويجية، "أنيكن هويتفلدت" التي تتولى بلادها الرئاسة الدورية لمجلس الأمن لشهر يناير، وحضور وزير الشؤون الخارجية الفلسطيني رياض المالكي.

أكد خلاله الممثل الدائم لمصر، بصفته رئيسا للمجموعة العربية لدى الأمم المتحدة لشهر يناير، أن المجموعة تثمن عاليا الجهود المتواصلة لجلالة الملك محمد السادس لصالح القضية الفلسطينية، وذلك بصفته رئيسا للجنة القدس، التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي.

أشادت المجموعة العربية، خلال هذا اللقاء الذي خصص للأوضاع في الشرق الأوسط، بما في ذلك القضية الفلسطينية، بنداء القدس الذي وقعه جلالة الملك بمعية قداسة البابا فرانسيس، أثناء زيارته للمملكة المغربية في مارس 2019.

وأكدت المجموعة على أن هذا النداء يكرس مكانة القدس كمدينة للسلام والأخوة والتسامح والتعايش بين أتباع الديانات السماوية الثلاث.


الدور التاريخي في نصرة فلسطين

 المملكة المغربية تمتلك مصداقية، أكدها عززها دورها التاريخي في دعم القضية الفلسطينية، ما يجعل الفلسطينيين ينظرون بغاية الأهمية لمباشرة التواصل والتشاور مع جلالة الملك محمد السادس رعاه الله باعتباره رئيس لجنة القدس، وبحث سبل الخروج من هذه الوضعية الصعبة، التي يعانيها الشعب الفلسطيني في هذه الفترة الاستثنائية.

يثمن الفلسطينيين أهمية الجهود، التي يبذلها جلالة الملك محمد السادس، للإسهام في حل القضايا الراهنة، التي تهم الأمة العربية، خاصة وأن صاحب الجلالة الملك محمد السادس هو رئيس اللجنة التي تدعم المقدسيين للثبات في أرضهم، بالإضافة إلى موقع جلالته التاريخي، وكذا دور المملكة المغربية تاريخياً بالنسبة إلى دعم ومناصرة القضية الفلسطينية.

إن دور جلالة الملك محمد السادس حفظه الله هو استمرار للدور الفاعل، الذي قام به جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني. ما زال دور جلالة الملك والمغرب كبيرا على الصعيد الدولي والإقليمي في موضوع الدفع بعملية السلام إلى الامام، وتنشيطها بما يخدم مصالح الشعب الفلسطيني، وحقوقه الوطنية الثابتة.

إن الدعم الذي تقدمه المملكة المغربية للقضية الفلسطينية، وللقدس وأهلها، وصمودها في وجه غطرسة سلطات الاحتلال التي تنكرت لكل التفاهمات والاتفاقات وتنصلت من جميع القرارات الدولية التي تنص على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة تحقيقا للأمن والسلم بالمنطقة، هو دعم لا محدود سياسياً ومادياً، مما يعكس بجلاء تمسك المغرب الراسخ والدائم بنصرة الشعب الفلسطيني، والدفاع عن حقوقه غير القابلة للتصرف.

ويتضح الدعم المغربي للقضية الفلسطينية، التي طالما اعتبرها المغاربة أنها قضية وطنية بالنسبة لهم، من خلال التحركات، والاتصالات، والمواقف المغربية على المستوى الرسمي لمساندة المواقف الفلسطينية بهدف دفع المجتمع الدولي على التحرك والاضطلاع بمسؤولياته لإلزام إسرائيل المارقة الكف عن التمادي في سياسة الغطرسة، ووقف التعالي على القانون الدولي، والامتثال لقرارات الشرعية الدولية. ومواكبة المملكة ومساندتها لكل الجهود التي تسعى إلى تحقيق السلام العادل والشامل.


مواقف متميزة لجلالة الملك محمد السادس

كان جلالة الملك محمد السادس رعاه الله قد دعا منذ اقل من شهرين ـ في رسالة إلى رئيس اللجنة الأممية المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف السيد "شيخ نيانغ"  بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني ـ  إلى العمل على إعادة بناء الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في أفق التوصل إلى تسوية القضية الفلسطينية، في إطار حل الدولتين، مبرزا أن المغرب سيواصل جهوده من أجل توفير الظروف الملائمة، لعودة الطرفين إلى طاولة المفاوضات.

حيث ذكر جلالته "نجدد الدعوة إلى إطلاق جهد دبلوماسي مكثف وفاعل، لإعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات، في أفق التوصل إلى تسوية القضية الفلسطينية، في إطار حل الدولتين"

كما طالب جلالة الملك محمد السادس حفظه الله المجتمع الدولي مساعدة الطرفين على بناء أسس الثقة، والامتناع عن الممارسات التي تعرقل عملية السلام، مذكرا، في هذا الصدد، بمرور سبع سنوات على توقف المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

وقال بشأن ذلك "هي فترة زمنية تلاشت فيها الثقة بين الأطراف، والتي كان يمكن أن تستثمر لفائدة الحل المنشود الذي تتطلع إليه المجموعة الدولية” يقول جلالة الملك، مشددا على أن المأزق الذي وصلت إليه عملية السلام في الشرق الأوسط يلقي على المنتظم الدولي عبئا ثقيلا ومسؤولية كبيرة"

وأكد أنه في انتظار تهيئة الظروف المناسبة لذلك، يتعين العمل على إعادة بناء الثقة بين الجانبين، وأن المغرب سيواصل جهوده من أجل توفير الظروف الملائمة، للعودة إلى طاولة المفاوضات، مستثمرا مكانته والعلاقات المتميزة التي تجمعه بكل الأطراف والقوى الدولية الفاعلة.

وفي تلك الرسالة أوضح جلالة الملك أن الجهود مهما خلصت النيات، لن يكتب لها النجاح، إذا استمرت الإجراءات الأحادية الجانب التي تدمر فرص السلام، وتذكي العنف والكراهية، وجدد التأكيد على الموقف الثابت للمملكة من عدالة القضية الفلسطينية التي تبقى جوهر الصراع في الشرق الأوسط.

وشدد جلالة الملك محمد السادس نصره الله أن هذا الموقف المغربي الراسخ ليس ظرفيا أو مناسباتيا، ولا يندرج في إطار سجالات أو مزايدات سياسية عقيمة، مؤكداً أن موقف المملكة ينبع من قناعة وإيمان راسخين في وجدان المغاربة، مسنودين بجهد دبلوماسي جاد وهادف، وعمل ميداني ملموس لفائدة القضية الفلسطينية العادلة وقضية القدس الشريف.

وبصفته رئيسا للجنة القدس، ما فتئ جلالته يحرص شخصيا على بذل كل الجهود الممكنة في سبيل الحفاظ على الوضع الخاص والفريد لهذه المدينة المقدسة، كما جاء في نداء القدس، الذي وقعه جلالة الملك بمعية قداسة البابا فرانسيس، أثناء زيارته للمملكة المغربية في 30 مارس 2019.

من جانب آخر، أشادت حركة عدم الانحياز، في رسالة موجهة لمجلس الأمن، بجهود جلالة الملك، رئيس لجنة القدس، لفائدة القضية الفلسطينية.

كما أعربت الحركة، التي تضم 120 بلدا عضوا في الأمم المتحدة، عن بالغ تقديرها لنداء القدس، الذي يبرز الدور الهام للمدينة المقدسة كرمز للتسامح والاحترام المتبادل.

وذكرت أيضا بأن هذا النداء يؤكد على ضرورة الحفاظ على خصوصيات وطابع القدس كمدينة للتعايش السلمي. 

متى سيقرأ الرجال "أوديب"؟/ فراس حج محمد



الأبناء سيئون على أي حال. يسلبون الأب كل شيء، ويحولونه إلى مجرد عامل لتلبية طلباتهم، أنانيون ينتظرون موته ليرثوه إن كان غنيا أو ليرتاحوا منه إن كان فقيرا معدماً.

الأبناء سيئون، يضجرون سريعاً، ويغضبون سريعا، ويفشون الأسرار، ويؤلفون القصص المزعجة، يرَوْن باتجاه واحد، عيونهم في العادة مصابة بعمى الألوان أو الانحراف المرَضي المزعج. يتعاملون مع الآباء كما يتعامل أحدنا مع الحكومة، فلا أحد يرضى عنها مهما قدمت، وبالمقابل فالحكومة لا تتراجع عن مهماتها، وهي تعلم أن لا أحد يحبها، بل يكرهونها ويتمنون الخلاص منها، كذلك الأبناء سواء بسواء.

أعتقد أن من له أبناء سيموت مقهورا، فليس هناك من غبي أكثر من رجل له أبناء، يتسلطون عليه ويرضى، بل يغضّ الطرف وينسى، الآباء عموما لا يموتون موتا طبيعيا، يموتون وهم مصابون بكل الأمراض النفسية والعقلية والبدنية. الضغط والسكري والهوس أهون أمرضهم.

الأبناء يحولون الآباء إلى حيوانات انتهت خدمتها وصلاحيتها وعليها أن تموت أو تلتزم الصمت، تأكل وتشرب ولا تعترض، ولا تبدي رأيا، ولا يحق لها التدخل في شيء. عليك أن تنتظر ملك الموت فقط أيها الأب الغبيّ جدا، فلا أحد يحبّ أباه كما ينبغي أن يكون الحبّ.

كم كان ساذجا الواحد من هؤلاء الآباء عندما كان يفرح بولادة طفله، لا يعلم أنه ينجب من سيستنفده، كما يستنفد عمال المناجم مناجمهم. ليغادروها ويتركوها خرابا.

الآباء أيضا سيئون وأغبياء لأنهم يفكرون بأبنائهم حتى وهم على فراش الموت أو المرض أو فقراء أو سجناء، أو منفيون. الآباء مرضى نفسيون لا يمكن لهم أن يشفوا من هذا الداء!

هذا المأزق من العلاقة المعروفة ويقرأها الآباء والأبناء تقول إن الحياة ليست أكثر من عبث وجودي ليس لها طعم بأي حال من الأحوال. على الرجال جميعا أن يقرؤوا "أوديب" قبل الإقدام على صناعة مآلهم السيئ على أيدي أبنائهم.

الآباء وحدهم المدانون لأنهم وضعوا أنفسهم بين يدي قدر سيئ ينهش أرواحهم، فيداك أوكتا وفوك نفخ، لا تلم حدا، وحدك من أدخل نفسه في الجُحر الضيّق هذا. جحر الأبوة، ضيّق وبارد أبشع من برودة كانون وأكثر سوادا من عتمة قبر موحش.

لو سألتَ أحد هؤلاء الآباء على أي شيء ندمت في حياتك؟ لقال إنه لم يندم على شيء ندمه على أنه تزوج وأنجب. كنت أحيانا أتذمر من ذلك على مسامع أمي، فتغصّ بوجع بدا لي بملامح وجهها وتقول: "كون وبده يعمر". ولكن ماذا لو عُمّر هذا الكون بنطف نظيفة تتحول إلى أبناء أقل سوءا على الأقل مما هم عليه هذه الأيام. لقد كان النبيّ نوح محظوظا عندما أغرقت المياه ابنه السيئ ذاك. فكم ابنا مثل ابن نوح يجب أن يموت غرقا قبل أن يواصل مشوار الحياة العبثي؟

ماذا لو؟ المعاناة بين الوطن وتلاطم الحياة/ زياد جيوسي


   "ماذا لو" عنوان للمجموعة القصصية التي كتبها وأصدرها بهذا الكتاب القاص سمير أحمد الشريف معرفا عليها على الغلاف بتعريف "قصص قصيرة جدا"، والكتاب الصادر عن دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع على مساحة 132 صفحة من القطع المتوسط وبدعم من وزارة الثقافة الأردنية، ومئة وثلاثون قصة قصيرة تراوحت بين عدة كلمات وعدة أسطر، ولوحة غلاف عبارة عن طريق طويلة طغى عليها اللون البني في الأعلى والأرض المتمازجة باللون الأبيض بدون وضوح للنهاية حتى تتناسب مع العنوان الذي حمل صيغة السؤال، واعتمد فيها فن القصة القصيرة جدا وهو فن سردي يعتبر حديثا وغربي المصدر حيث تشير المصادر التي اهتمت بالكتابة والبحث عن نشأة هذا الفن السردي إلى انه أتى من الغرب وأول من كتبه "أرنست همنغواي" بقصة من ستة كلمات عام 1925م وهناك دراسة بحثية كاملة في فن القصة القصيرة كتبتها الباحثة منيرة جميل حرب ونشرت في مجلة اوراق ثقافية العدد السابع في ربيع 2020م وهي دراسة مهمة لمن يرغب بالاطلاع على هذا الفن القصصي وتاريخه ونشأته، بينما أشار بعض الباحثين أن هذا الأسلوب الجديد في القصة له جذور في الأدب العربي من خلال الموروث من الطرائف والحكم والأمثال. 

   ومن المهم الإشارة الى ان القصة القصيرة جدا تعتمد على قصر السرد والتكثيف اللغوي والاعتماد على الايحاء بفكرة قصصية مكثفة وتختلف عن خصائص بناء القصة، فالاختزال هنا مع التكثيف اللغوي ووحدة الفكرة والموضوع والإعتماد على الايحاء هو ما يمنح القصة القصيرة جدا مزايا هذا التصنيف الأدبي، فهي أشبه بالوجبة السريعة ولكن مع فوائد عديدة، وعند النقاد أخذ هذا الجنس الأدبي أسماء متعددة وإن كان التوجه لدى الغالبية لتسميته "قصة قصيرة جدا" فمزاياه تختلف عن الومضات والخواطر والإشراقات، وفي نفس الوقت واجه هذا الفن القصصي الحداثي وقفة مضادة من معظم النقاد، كما حصل في التحديث بالشعر من شعر البحور مرورا بشعر التفعيلة فالقصيدة النثرية فالنثيرة الشعرية الحداثية، وأنا شخصيا ما زلت أكثر ميلا للقصة حيث أرى فيها مجال للدراسة والبحث أكثر من القصة القصيرة جدا والتي تولد منها القصة القصيرة جدا جدا، وإن كنت لست ضد الأصناف الأدبية الجديدة التي يمكن أن تفرض نفسها أو تندثر، وفي نفس الوقت وجد هذا الفن الأدبي الجديد من تشجع له وكتب عنه دراسات نقدية تستحق القراءة. 

   وهذه المقدمة ضرورية كي نستطيع التحليق في مجموعة "ماذا لو؟!" للكاتب سمير الشريف ومعرفة الآفاق التي حلق بها وكتب عنها باختصار وتكثيف وأحيانا بشكل يقارب الحكمة وأحيانا يقارب المثل، إضافة لفلسفة فكرية بعبارات مكثفة، وكون الكتاب يحتوي على 130 نص فقد أشرت إلى نماذج من الكتاب فمن الصعب الحديث عن كل النصوص، واعتمدت في ذلك على التوجهات التي ركزت عليها روح الكاتب، علما أن هناك توجهات مختلفة أخرى أيضا في الكتاب، ومن هذه التوجهات ركزت على اهتمام الكاتب بشكل خاص بالوطن وتلاطم الحياة. 

   الوطن: القاص اتجه في مجموعته القصصية لمعالجة العديد من القضايا والتركيز عليها، وهذا نراه من القصة الأولى "حكاية" والتي عالج بها ظاهرة لمسناها في الإنتفاضة الأولى في فلسطين وبشكل أقل بالانتفاضة الثانية وهي مقتل بعض الاشخاص تحت تهمة العمالة، وليس كل من قتلوا عملاء والموضوع طويل للحديث عنه، فقد سقط ضحايا تحت بند هذه التهمة وهم منها براء، وفي نصه "موضة" أشار الى زوجة الرئيس التي عرجت على باريس بعد المؤتمر الوطني لترى آخر صرعات الموضة، في إشارة واضحة لسلوك القادة وزوجاتهم في ظل أزمات الوطن، ونرى مشكلات الوطن في قصة "تفجير" والمرتزقة الذين يقاتلون ضد الوطن في إشارة لما عرف بالربيع العربي ولم يكن الا وبالا على العرب، ونجد الاشارة نفسها للمرتزقة في نص "مظلمة" ورصاصة القناص، وفي نصه "أطلال" يشير للأطفال الذين لا يجدون ما يلعبون به في ظل الموت سوى بقايا القذائف التي يصنعون منها تمثال، فهل اراد القاص أن يشير أن الكل سيفنى ولا تبقى إلا التماثيل؟، وفي قصة "فضاء" كانت الحكمة على لسان الجد المركون والمتروك بقوله: "يشغلكم الخارج ونحن نضيع في هذا العراء؟" فهذه بعض من مشكلات الوطن والمعاناة، وتتجلى الرمزية في قصة "الصورة" حيث يتحول الشهداء إلى صور مسجونة في إطار الصور، وهي فكرة رمزية مهمة فالشهداء الذين مضوا ما زالت أرواحهم تبحث عن مأوى ويتألمون على ما يرون ما آلت اليه القضية الوطنية، وهذا تجلى أيضا في قصة المناضل الذي أصبح بائع خضار على الرصيف في قصة "ترتيب"، وبأشكال أخرى في قصتي "ليل" و"وداع"، وفي نصه "شوق" طرح الوطن من خلال نص رمزي يحمل التساؤل ويقول فيه حرفيا: "هل اشتاق المسير للخطى أم اشتاقت الخطى إلى الطريق؟"، بينما في نصه "أنين" لجأ للرمزية المغرقة بالتعبير عن الوطن وعلاقة الياسمينة بالعاشق وفي نص "غياب" كانت اللوحة الفنية والفنان يعبرون عن فكرة البحث عن وطن بعبارة في النص تقول: "جلس ينتظر الغائب الذي عبر اللوحة بحثا عن وطن". 

   وبتعابير عديدة ونصوص متدفقة يواصل الكاتب التعبير عن الوطن بأشكال مختلفة وبرز هذا في نص "خيبة" حين: "غص تمثال الشهيد بدمعة، وهو يحصي العابرين الذين لم يطرح أحد منهم عليه السلام"، فكانت هذه الخيبة تعبر عن الواقع الحالي الذي يعيشه الوطن سواء من خلال الشهداء و معاناة الأسرى  والمواطن كما في نصوص "أوراق" و"صهيل" و "صرخة" بينما في نص"تصويب" لجأ للرمزية في الحديث عن الوطن كما لجأ اليها لكن مع رمزية الاسماء في نصه "للبيع" حيث قال: "بداعي الاغتراب، وحدة سكنية للبيع في مخيم العودة، قرب سوبر ماركت التحرير، على شارع النصر...الخ"، فهذا النص عبر برمزية وسخرية عن واقع التناقض بين الواقع والحلم كما في نص "تنزيلات" ايضا و"أدوار" ونصوص "كؤوس" و"المهرج" و"تلال" و"تمثيل"، كما في نص "محسن" أيضا، كما أشار الى دور الاجهزة الأمنية في نصه "وجبة" و"فوران" وإلى لصوص الوطن في نص "تساؤل" وإلى جبن القادة الذين يحكمون الوطن في نص "مباغتة" وفي نص "صُدفة" وفي "ملل". وأختم الحديث عن الوطن في نصوص سمير الشريف بنص "وقوف" حيث يهمس: "بخطوات متعبة وقف ينتظر انبثاق الحنين نبعا تفجر بين صخور وطن غاب في البعيد". 

   تلاطم الحياة: في نصه "موج" بحث في تلاطم الحياة كما الموج ورغبة الشخص في كتابة تفاصيل رحلته، واللافت للنظر عبارته الأخيرة "وجد البلخي يمد له يدا تطبق على كتاب" والبلخي في معجم لسان العرب هو من "مصدر الأَبْلَخ وهو العظيم في نفسه الجَريء على ما أَتى من الفجور"، وفي نصه "ساق" كان الحديث يدور حول عبارة "هل تولد الحياة فينا من جديد" وهو يدور حول من رحلوا والحياة التي نحياها، وهذا الموضوع كان مجال قصة "سقف البيت" وأيضا نص "مدفن" حيث كانت الفوارق الاجتماعية في الحياة وتساوت الجثث بالموت، وبحث في الحياة والفقر والواقع الاجتماعي في قصته "يد الماضي" وفي قصته "صفير" وفي قصته "زيارة" وبرزت المعاناة الاجتماعية في قصة "أرجوحة" وفي نص "حياة"، بينما في قصة "غروب" كانت المعاناة من امرأة ثرية وليس الفقراء فقط، فالكل يعاني حين يرحل الأعزاء، بينما في قصته "مداهمة" انتقل لمعاناة الفقير الذي تتم مصادرة بضاعته التي يبيعها على الرصيف لتحصيل بعض من المال لإطعام أسرته، فوضعنا القاص بين صورتين هما: معاناة الثرية ومعاناة الفقير، والمعاناة للمواطن تتكرر في الكثير من القصص منها "كساد" و"سلام" و"تلويحات" و"شراكة" و"تعب" و"روائح" و"صدى" و"متى"، وتحدث عن الاصرار بنصه "قرار" بالقول: "لا أبيع حنجرتي"، وعن النفاق في نصه "مزمور" و "نتيجة" وعن "الفقر" في نص "تَرِكة" وفي نص "غفوة" وعن فقدان الضمير في نص "ضمير" وفي نص "طباع" وفي نص "دهشة"، بينما يتحدث عن تساؤلات الانسان/ المواطن في نصه "هل؟ من خلال عبارة صيغت على شكل سؤال بالنص بالقول: "هل خلقت لأنحني أم أنحني لأعيش؟". 

   معاناة المواطن تستمر وتلاطم الحياة لا يتوقف في نصوص سمير الشريف بنصوص مباشرة كما في نص "خريطة" حيث قال: "على قلق تنام المدينة التي تركت أطفالها على إشارات المرور"، وكذلك في نص "لافتة" وأخرى رمزية كما في نص "غابة" حيث: "استشاط التاريخ غضبا، حمل الأقلام، وأعادها لأشجار الغابة"، والفساد الذي يستشري كما نصه "عدالة" فمن يبحث عن ادانة المتهمين يقتل في ظرف غامض، واستغلال المواطن والكذب عليه في نص "بدل بنزين" والشرخ في المجتمع بنص "دهشة" وكذلك في نص "ضُباح" حيث الفشل بالحصول على وظيفة "وملأ سمعه ضباح الثعالب"، وأيضا في نص "عيون" حيث يبكي السجين لانتهاء محكوميته وقذفه للحرية والمعاناة، بينما في صورة أخرى مقابلة نجد في نص "أبو نهب" كيف تكون المناصب والأموال للصوص الوطن وكذلك في نص "نقاش"، ومقابلها نرى النفاق في قصة "سنابل" و"لمسات" و"مضمضة" و"مشرف"، واللصوصية في "منبر" و"تعويض" و"قص ولصق" ومقابلها الحلم بالغد في نص "عتمة" و"فلاة" والقرف في نص "براكية" ونص "مزاد" والألم في نص "طفولة" والى الفساد في نصه "فسادستان".  

   وهكذا بعد انهاء هذه الجولة في الكتاب واستخدام غالبية نماذج القصص القصيرة جدا، حيث لم أشر الى حوالي خمس وعشرين قصة كونها تحمل نفس الافكار بشكل وآخر، نرى أن فن القصة القصيرة جدا هو قصة جرى تكثيفها واختزالها لغويا لكي يوصل الكاتب ما يدور بذهنه بما قل ودل، فجال في مشكلات الوطن ومعاناة المواطن وهو يواجه تلاطم الحياة، وقد نختلف أو نتفق على هذا الصنف الأدبي، لكن بالتأكيد مهما  كان الخلاف سنجد فيه جمالية بشكل أو آخر، لكن بالتأكيد أن ليس كل من كتب تحت عنوان القصة القصيرة جدا قد نجح بذلك، فالبعض من يتمكن فعلا من اثارة الدهشة في روح المتلقي، والبعض لا يثيرها ولا يثير التساؤل في روح القارئ، وأعتقد بعد قرائتي المتأملة لهذه المجموعة أن الكاتب سمير الشريف قد تمكن من اثارة الدهشة في روحي بغالبية النصوص وقد نجح باختيار العناوين التي كانت تلخص فكرة النصوص، وقد نجح بإيصال رسائله أيضا مباشرة أو برمزية غير مغرقة عن معاناة الوطن والمواطن، وأختم المقال بنص "سؤال" والذي يثير دهشة المتلقي بالقول: "ماذا أصاب المدينة التي يفتش الحائر فيها عن حيرته"، وهذا السؤال كان يجول في ذهني منذ سنوات طويلة، فهجرت المدينة للقرية والريف لعلي أجد الجواب.