حُسْني ٱلحفيد وحُسْني ٱلجدّ/سيدو، والمغلّف البنّيّ/ ترجمة حسيب شحادة



Ḥusni the Grandson, Ḥusni the Grandfather/Sido

 and the Brown Envelope


جامعة هلسنكي


في ما يلي ترجمة عربيّة لما كتبه بالعبريّة الصديق السامريّ، حُسْني راضي الأمين صدقة، المولود في نابلس في العام 1946، والمقيم في مدينة حولون بالقرب من تل أبيب، في الدوريّة السامريّة أ. ب. - أخبار السامرة، في العددين 1369-1370، ص. 16–18، عمّا جرى له مع جدّه، أبي والدته، حُسْني (يِفِتْ) بن إبراهيم صدقة الصباحي المشهور بالكُنية سيدو، 1895–1982. سيدو خلّف ابنين وخمس بنات، وكان رئيس الطائفة السامريّة في إسرائيل، يافا فحولون، وربطته علاقة صداقة متينة بيتسحاك بن تسڤي (1884–1963, الرئيس  الثاني لدولة إسرائيل)، الذي سكن عنده في بيته في يافا إثر قدومه إلى فلسطين في العام 1907 وتعلّم العربيّة على يديه وبدأ اهتمامه بالسامريّن. 

”ذاتَ يوم صافٍ، قرّرتُ أن أُبدِّل سيّارتي NSU الصغيرة بسيّارة أكبرَ بقليل، لأنّ عائلتي أخذت بالنماء، والحمد لله. دأبتُ على زيارة سيدو في بيته كلّ يوم بعد العمل، والمكوث عنده نصف ساعة وأحيانًا ساعة وأكثر. هذا كان روتينيًّا بالنسبة لي. حييتُ دومًا بشعور أنّني مَدين لهذا الرجل طَوالَ عمري، لما كان يرمز لي أكثر بكثير من مجرّد جدّ آخر، لما كلّ ما عمِله من أجلي في الحياة. إنّه أنقذني من الموت، عندما كنت طفلًا، وبفضله لم أُصَب بعاهة مدى الحياة، وذلك لعناده وإيمانه العظيم بعظمة الله.

في اليوم الذي بعتُ فيه سيّارتي، وابتعتُ مركبةً أكبر، لم يتسنَّ لي بسبب ذلك زيارةُ سيدو كالعادة. في اليوم التالي، حينما زرته ٱستقبلني قائلًا ”مبروك“! سمعتُ أنّك اشتريتَ سيّارة، وكلّفتك كذا وكذا، ذاكرًا بالضبط ثمن السيّارة. ذُهلتُ من معرفته كلّ التفاصيل، فلا أحدَ على عِلم بها سوى زوجتي ليلي، ووالدتي باتيه. وأردف سيدو مستفسرًا: من أين جلبتَ الفرق في السعر؟ بعتَ سيّارتك بكذا وكذا ودفعت كذا وكذا ذاكرًا أرقامًا دقيقة“. لقد ذُهلتُ حقًّا ممّا قاله. ظننتُ بيني وبين نفسي أنّ إحدى الامرأتين قد أخبرته، إلّا أنّهما أقسمتا بأنّهما لم تُفصحا عن شيء. وبعد أن ٱستعدتُ قواي قلتُ له: أنا أعمل ووفّرت قليلًا، وأبي وأمّي ساعداني؛ الحقّ يقال إنّ ما قلته غير صحيح. أجابني للتوّ: لا تقل لي إنّ أباك ساعدك فأنا أعلم أنّه غير قادر على ذلك، وكذلك أمّك القائمة بأعمال البيت.

في الواقع، حينَها أخذتُ قِرضًا من البنك بمبلغ غير يسير، وهو الفرق بين الثمنين. وعندها فاجأني، فقال لي بوضوح وحزْم، مشيرًا بإصبعه نحو الخِزانة في الغرفة: هنالك مغلّفٌ بنّيٌّ خذه واذهب“. لم أقبل بالطبع ووليتُ هاربًا من بيته.  في اليوم التالي، ذهبت إلى العمل حزينًا مكتئبا، كأنّي أهنتُ سيدو وهو بالنسبة لي شخصٌ خاصّ وليس أحد الناس، لأنّي لم آخذِ المال الذي عرضه عليّ. ولكنّي كنت مرتاحَ الضمير لأنّي اتّخذت الخطوة الصحيحة. في المساء، عُدتُ من العمل إلى البيت وزوجتي كانت في إجازة ولادة (ولادة الابن البكر تَمير). وعندما هممتُ وضع مفاتيح سيّارتي في جارور طاولتي، وإذا بمغلّف سُرعان ما تبيّن لي، بأنّه نفس المغلّف الذي أراد سيدو البارحةَ إعطاءه لي وهربت. توجّهتُ نحوَ زوجتي وسألتها، في ما إذا جاء أحدٌ لزيارتها خلال اليوم. أجابتني: سيدو فقط كان هنا. أتى ليرى الولد. سألتها: هل كنتِ معه طولَ الوقت؟ قطعًا، ردّت عليّ مضيفةً ”فقط عند منتصف جلوسه طلب أن أعدّ له فنجان قهوة، وهو حتّى جلس في مدخل المطبخ“. حضّرتُ له وهو غادر وحتّى في النهاية لم يشربِ القهوة.

سألتها: أتعرفينَ ماذا فعل عندما حضّرتِ القهوة؟ قالت لي: لاحظتُ وانتبهت أنّه لم يتحرّك من محلّه. إذن، قلت لها، إنّك لم تتابعيه وأوضحتُ لها بأنّ سيدو لا يشرب القهوة البتّةَ، ولذلك قام وذهب بدون أن يشرب. ناولتُ ليلي المغلّفَ البنّيّ الذي بداخله مبلغ لا يُستهان به وعَدّتِ المبلغ. قلتُ لها، هذا هو المغلّف الذي حدّثتُكِ عنه البارحةَ وكان في منزل سيدو. 

ارتجفت زوجتي وقالت لي: لا يطيب لنا أن نأخذ منه، إذ ليس لديه، وها هو طاعن في السن ومن أين يجلب؟ خذِ المغلّف وأعده إلى نفس الجارور عنده في البيت، بدون أن يشعُر بذلك. وضعتُ المغلّف بجيبي، وصعدت كعادتي للزيارة اليوميّة. وحال دخولي من بوّابة الحديقة (كان ثمّة معبر ضيّق يؤدّي إلى فتحة الشرفة التي اعتاد الجلوس فيها). أوّل ما قال لي: لماذا جيبُك منتفخ؟ أجبتُ لا شيء! فقال لي فورًا، إذا أحضرتَ المغلّف الذي وضعته لك اليومَ في الجارور، فانصرف به من بيتي. تقدّم إليّ وصفعني صفعتين، وأنّبني بشدّة، وقد ذهب بعيدًا عندما قال: إن تُعِد لي المغلّفَ، فإنّي سأدع كلَّ أولادي وأحفادي يُقْسمون بألّا يسمحوا لك أن تراني يومَ موتي على وجه الأرض. هنا طفح الكيل بالنسبة لي، إذ كما أشرتُ سابقًا، كان سيدو بالنسبة لي الشخص والمثال الذي يُحتذى به في حياتي.

قلتُ له ولكن يا سيدو أنتَ …، لم يدعْنى أُكمل، بل أنزل عليّ صاعقة: لماذا أنتَ تساعدني دائمًا في كلّ شيء، في الحانوت، في البلديّة، بشركة الكهرباء وفي أُمور أُخرى؟ جاوبته: ولكن سيدو ما قيمة ما فعلته أنا من أجلك مقارنة بما فعلته أنت  وكرّستَ من أجلي؟ أنهى سيدو المحادثة قائلًا: اِمشِ في سبيلك قبل أن يحتدم غضبي! أطرقت رأسي وعدتُ إلى البيت لأحكي لزوجتي التي تابعت في الضغط عليّ، هذا لا يجوز، اِذهب وأعد المغلّف. قلت لها: إذا كنتِ بطلةً إلى هذا الحدّ، روحي أنت وأرجعيه، فلا مانع أو إشكال عندي. من المفروغ منه أنّها لم تذهب بعد أنِ ٱستمعت ما فعله فيّ، حينما أردت إعادة المغلّف. وعليه، في اليوم التالي، أخذتُ المبلغَ وسددت القَرْض البنكيّ الذي تسلّمته قبل يومين.

هذه القصّة برُمّتها أتت لتجسّد أكثر فأكثر، من كان حقًّا ذلك الرجل. كم كانت عظمتُه وفي الواقع أفضليّته على آخرين كثيرين. المالُ لم يلعبْ عنده أيَّ دور قطّ. 


حِبرُ كلمات فيليب سالم أضاء قناديل ثورة تشرين/ أنطوان رعد


الثورة التي لا ترتكز على فكر يلهمها ويرسم لها طريق المستقبل تقود غالبًا إلى الفوضى والخراب، وكما ألهم فولتير وديدرو ومونتسكيو من قاموا بالثورة الفرنسية، ألهمت مقالات الدكتور فيليب سالم من قاموا بثورة تشرين في لبنان، فهو قد استشرف قيام الثورة واحتضنها بعد قيامها، وسعى جاهدًا إلى تسديد خطاها عندما لجأت أحيانًا إلى العنف، وإلى إسداء النصح لها بعدما شخّص الأمراض التي يعاني منها لبنان، ووصف لها الدواء الناجح فكان حبر كلماته زيتًا أضاء قناديل الثورة التي أرادها ثورة حضارية سلمية تعبر بلبنان من دولة الطوائف إلى دولة المواطنة.

إن الدكتور سالم رغم إقامته في هيوستن على بعد آلاف الأميال من الثوار الذين احتشدوا في ساحة الشهداء وعلى امتداد ساحات الوطن، كان إلى جانبهم، يبارك خطواتهم السلمية، ويواجه معهم خراطيم المياه والقنابل المسيّلة للدموع، وينام في خيامهم، ويحرص كل الحرص على أن تظل شعلة الثورة مضاءة ومتّقدة في الساحات وفي القلوب، ويعود اليه الفضل في رسم خريطة طريق واضحة المعالم للثوار كي تحقق الثورة الأهداف المرجوّة وهذا ما نقع عليه في مقال بعنوان "أيها الثوار هذه رسالتي إليكم" نشره في جريدة النهار بعد سنة على قيام ثورة تشرين، جاء فيه:

"ها قد مضت سنة كاملة على اليوم الذى رفعتم فيه شعار الثورة. لم تكن سنة أحلامكم. كانت سنة المرارة. قليل من الانتصارات. كثير من خيبات الأمل. وبالرغم من أنكم لم تتمكنوا من صنع التغيير، نرجو ألا تنسوا أنكم حققتم نصرا كبيرا. لقد حددتم الطريق، ومشيتم الخطوة الأولى. وها قد جِئْتُ اليوم أكتب هذه الرسالة إليكم لكى يبقى لبنان صاحب «الرسالة»، ولكى تبقوا أنتم حماة هذه «الرسالة». أنا واحد منكم أيها الثوار. أنا مثلكم لقد تعمدت بالألم، كما تعمدت أيضا بالفشل. إلا أننى تعلمت شيئا مهما، شيئا كبيرا. لقد تعلمت ألا أخاف الفشل وألا أسمح له أن يجعلني إنسانا فاشلا. هذا بعض ما تعلمت. ورسالتى هى بعض الكلام الذى أود أن أقوله لكم. أقوله لأننى خائف عليكم وخائف أن تضلّ الثورة الطريق".

وفي ما يأتي رؤية فيليب سالم لتفعيل دور الثورة في لبنان:

أ - كان موت لبنان مسؤوليتنا نحن قبل سوانا وقيامته اليوم هي مسؤوليتنا أيضا. وحده التمرد يقيمه من موته. عدوّان يتربّصان بنا: الإحباط والخوف، وعلينا أن نتعلم كيف نتغلب عليهما.

ب - إن الثورة هي خيارنا الوحيد. انها الطريق إلى قيامة لبنان.

ج - قد أصيبت الثورة بمرض عضال وهو التشرذم فانقسم الثوار بعضهم على بعض. فصارت الثورة مجموعات مختلفة تتكلم لغات متعددة. وصار من الصعب أن نميّز بين من هو ثائر حقيقي ومن هو ثائر مزوَّر. علينا التواضع لكي نتمكن من أن نعمل بعضنا مع بعض كقوة واحدة.

د – اعلان قيادة تنظيمية للثورة.

هـ - على القيادة أن تحدّد رؤية واضحة للثورة. ولئن كان مهمًا أن نعرف ماذا لا نريد، فإن الأهم هو أن نعرف ماذا نريد. وليس كافيا أن نحدد الرؤية بل يجب أن نحدد الطريق الذى يأخذنا إليها.

و - من أهم الأخطاء التى وقعت فيها الثورة هو اللجوء إلى العنف ردًا على عنف السلطة. نحن ننبذ العنف بكل أشكاله، ونؤمن بالتمرد الحضاري.

ز - يجب أن تبقى هوية الثورة هوية لبنانية. ويجب أن نرفض أي تسلّل من قوى إقليمية أو دولية إليها.

ح – مسؤولية الثورة هي تفعيل اللبنانيين مقيمين ومنتشرين في العالم لإخراج لبنان من أزمته الخانقة.

ط – السعي إلى عقد مؤتمر دولي حول لبنان لتحقيق الأهداف الآتية:

وضع خطة شبيهة بخطة "مارشال" بعد الحرب العالمية الثانية.

وضع لبنان تحت مظلة دولية باشراف الأمم المتحدة لمرحلة انتقالية.

الطلب من مجلس الأمن وضع إطار لحياد لبنان، فهو فريسة لأطماع دول إقليمية تسعى للسيطرة على قراره السيادي الحر. إن الحياد الفاعل يصب في مصلحة لبنان العليا، وهو لا يعني الحياد بين الفلسطينيين والاشرائيليين فنحن مع حق الفلسطينيين في بلادهم، إنما نحن نصرّ على الحياد بالنسبة إلى الصراعات الإقليمية والدولية.

وردًا على الذين يريدون أن يتجه لبنان إلى الشرق، يقول سالم: "يسألوننا لماذا لا نذهب شرقًا؟ وأنا أسألهم: هل تعرفون أنتم شخصًا واحدًا مات في طريقه هربًا إلى الشرق؟ كلهم ماتوا وهم في طريقهم إلى الغرب. لم يهرب شخص واحد من هؤلاء المعذبين إلى طهران أو بكين أو موسكو. كلهم هربوا إلى دول الغرب ومدنه، كلهم هربوا إلى الحرية. هربوا إلى دول تحترم الإنسان".

إن ما توجّس منه الدكتور سالم في خريطة الطريق التي رسمها قد حصل، فالثورة تعرف ماذا لا تريد، لكنها للأسف لا تعرف ماذا تريد، وهي تفتقر إلى القيادة الفردية والقيادة الجماعية على حد سواء، ناهيك بأنها خاضت الانتخابات النيابية بلوائح متعددة، وحققت نتيجة واعدة. ومع أن الثورة فشلت في تحقيق أهدافها لا يزال الدكتور سالم يصرّ على إعادة إحيائها ودعمها، "الثورة أمر حتمي، وعلينا إعادة تنشيطها، ويجب أن نتذكر أيضًا أنها مسار طويل. قد تستغرق الثورة سنوات لتحقيق أهدافها وبالتالي يجب أن تكون لديها استراتيجية طويلة المدى. ولا بدَّ من التوضيح أن الثورة ليست الضوضاء التي تحدثها في الشوارع، إنها الغضب والتزام التغيير في قلوب اللبنانيين وعقولهم. إن الفوز في انتخابات أيار (مايو) لا ينبغي أن يكون الهدف النهائي للثورة إنه مجرّد بداية. إن الثورة ضرورية بشكل أساسي لا لتغيير الطبقة السياسية الحالية، ولكن لتغيير العقل السياسي في لبنان ولتثقف الجمهور حول دور المواطن إزاء دور الدولة. علينا اعتماد فلسفة سياسية جديدة تهدم الحدود بين الأديان وتلغي دور الزعيم لأن الولاء للمذهب الديني والزعيم أدّى إلى دمار هذا الوطن الجميل.

إن الدولة المدنية التي بشَّر بها الدكتور سالم تقوم على الركائز الآتية:

1 – لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه كما ارتضينا في اتفاق الطائف، ولكن يجب أن نرتضي بأن يكون الجميع للوطن. إن الولاء للبنان الأرض والوطن يجب أن يكون مقدّسًا، والولاء لوطن غير لبناننا خيانة".

إن الدكتور سالم في مسألة الولاء للبنان لا يناور ولا يساوم ولا يقبل بالتسويات وأنصاف الحلول تمامًا أن الفتاة لا يمكن أن تكون نصف امرأة ونصف عذراء.

2 – "أزمة لبنان الكيانية تكمن في جغرافيته، فسوريا تحده من الشرق والشمال وتعتبره جزءًا سُلخ منها وهي تريد استرجاعه. وإسرائيل تحده من الجنوب، وهي دولة عنصرية لا تريد قيامته لأنه يمثّل نموذجًا حضاريُا مغايرًا لها. إلا أن الفرق بين سوريا وإسرائيل شاسع جدًا، فإسرائيل دولة عدوّة زُرعت في هذا الشرق بإرادة غير إرادتنا، أما سوريا فهي دولة عربية صديقة تجمعنا بها صلات القربى والتاريخ".

وعلى لبنان أن يحافظ على سيادته في وجه العدو البغيض، وإزاء مطامع الشقيقة اللدودة.

3 – في مفهوم الدولة والسيادة يقول الدكتور سالم: "نأمل أن يكون اللبنانيون قد تعلموا من آلامهم وحروبهم أنه ليس هناك وطن من دون دولة قوية، وأنه ليس هناك دولة قوية بوجود دويلات فيها. ونرجو أن نكون تعلمنا شيئًا واحدًا، من حروبنا، وهو أن الدويلة، لا تقود إلى الدولة، ونقول أكثر من ذلك إن كل من يؤمن بمبدأ الدويلة... يرفض مبدأ لبنان الدولة ولبنان الوطن...

ما يطرحه الدكتور ليس تطرفًا ولا استفزازًا، بل هو الف باء السيادة الوطنية، إذ لا سيادة لدولة فيها سلاحان، ولا سيادة لدولة يتّخذ فيها حزب من الأحزاب قرار الحرب والسلم.

4 – فصل الدين عن الدولة وعن التربية.

يؤمن الدكتور سالم أن فصل الدين عن الدولة وعن التربية شرط أساسي لقيام الدولة المدنية أي الدولة التي لا دين لها "دينها هو المواطنة، وأبناؤها مواطنون لا رعايا، متساوون في الحقوق والواجبات. أنظروا إلى هذا الشرق كيف يغرق في الحروب الدينية والمذهبية. والحل يكون في فصل الدين عن الدولة، كما يكمن في الاقتناع بأن الإنسان وليس الله هو المسؤول عن تدبير شؤونه".

ويصرّ الدكتور سالم على فصل الدين عن التربية مركزًّا على أن مسؤولية المدارس والجامعات لا تقوم على التلقين فحسب، بل تقضي بتدريب العقل على المناقشة والاعتراض سعيًا إلى صنع إنسان جديد. وقد شدّد على أن النظام التربوي في لبنان مريض لأنه أدّى إلى قيام قبائل ثقافية يتناحر بعضها مع بعض، وإلى تخريج أجيال من الطلاب يدينون بالولاء للطائفة لا للوطن، كما أسهم في تخريج أفواج من الشباب والصبايا يتسكّعون على أرصفة البطالة ويحتشدون أمام أبواب السفارات طلبًا للهجرة.

إن النصائح التي أسداها الدكتور سالم إلى الثوار والركائز التي تقوم عليها الدولة المدنية هي المواصفات التي يجب أن يتحلّى بها الرئيس اللبناني العتيد، إلى كونها برنامج الرئيس اللبناني الذي يطمح اللبنانيون إلى رؤيته في بعبدا، فهل يتحقق الحلم؟

في كل ما يدعو اليه، ينطلف الدكتور سالم من المحبة ولذا يقول مخاطبًا حزب الله: "على رغم اختلافنا الفكري مع فلسفة الثورة الإيرانية الإسلامية أود أن أتوجّه إلى حزب الله وأقول لهم إن الأهل قد يختلفون في الرأي فيما بينهم، لكنهم يبقون أهلا. نحن وأنتم أهل هذه الأرض ونصرّ على أن نبقى أهلا، فتعالوا نجلس إلى طاولة واحدة ونتعهد أمام الله إنقاذ لبنان وإعادته إلى الحياة. أنتم تعرفون جيدًا أنه إذا سقط لبنان هذه المرة لن يكون في سقوطه غالب ومغلوب بل سنكون جميعًا مغلوبين".

إن حزب الله أمام فرصة تاريخية، يجب أن يغتنمها كي لا يقود اللبنانيين إلى الغرق وإلى الانتحار الجماعي فهل يعود إلى أحضان الوطن ويدرك أن "قُم" ليست أقرب إلى الضاحية الجنوبية من عين الرمانة والطريق الجديدة.


* شاعر ونقيب سابق للمعلمين.


“المهرجان الأوّل للقصيدة بالمحكيّة اللبنانية”/ تظاهرة أدبيّة أشّرت على المرتبة الرفيعة لمحكيّتنا في تراثنا الأدبيّ!/ د. مصطفى الحلوة

 


رئيس”الاتحاد الفلسفي العربي”


ثلاثةٌ شبكوا الأيدي، رفعوها إلى الأعلى، وكأنّنا بهم يُقسمون على أن يبقوا متكافلين متضامنين، كي يُحيلوا لبنان، من جنوبه إلى جبله فإلى شماله، مساحةً لحراك فكري راقٍ، علّهم يُبدّدون العتمة التي تدهمنا، من كلّ فجٍّ عميق!

ثلاثةٌ باتوا شموسًا، إذْ وطّدوا العزم على تبديد ليلنا الطويل، مُدخلين الفرحَ إلى قلوبنا، بعد طولِ تجهُّم وعبوس!

ميراي شحادة، رئيسة”منتدى شاعر الكورة الخضراء”، وحسّان عصمت، رئيس “منتدى شواطىء الأدب”، ومردوك الشامي، رئيس”ملتقى حبر أبيض”، هم الشموس، أضاءوا أيامنا الثلاثة الخوالي بِ “المهرجان الأوّل للقصيدة بالمحكيّة اللبنانية”، برعاية من وزارة الثقافة واتحاد الكُتّاب اللبنانيين،  فكانت ثلاث أمسيات، أولاها في بشامون(عاليه)، والثانية في العباسيّة(صور)، والثالثة حطّت الرحال في مسقطي، طرابلس الفيحاء! كان المهرجان  بحقّ تظاهرة أدبيّة ووطنيّة جامعة، احتشد لها خمسة عشر من شعراء المحكية والزجل، وواكبها جمهور “ذوّاق”، تفاعل، إلى مدى بعيد، مع غالبيّة هؤلاء الشعراء، الذين نمّوا عن علوّ كعب، في عالم الشعر، بالمحكيّة اللبنانية. بل أنهم أرهصوا بحركة تجديد، في هذا اللون الشعري !

لقد قُدّرَ لي- وأنا المهجوس حديثًا بالشعر المحكي- أن أُشارك، حضورًا، في الأمسية التي استضافتها طرابلس(قصر نوفل)، حيث تقاطر العشرات، الذين أنصتوا لكلمات “ليست كالكلمات”، تصدح بها حناجر الشعراء، المنتمين إلى مناطق مختلفة من لبنان.

إستهلالًا بالنشيد الوطني اللبناني، وتمهيد رائعٌ للأمسية وتعريف بالمتكلمين والشعراء، من قِبل د.أماني فارس أبو مرّة. كانت كلمة للشاعرة المبدعة حنان فرفور(ملتقى حبر أبيض)، أعقبتها كلمة د.وداد الأيوبي( إتحاد الكُتّاب اللبنانيين). ثم توالى الشعراء على قراءة نماذج من نتاجهم، فأجادوا جميعًا، بنسبٍ متفاوتة. علمًا أن الشاعر غي خوري استأثر بانتباهي وأخذني طائعًا إلى أماكن قصيّة، لعلّها في عالم آخر، فرأيتُ إليه “شاعر المفارقات”! وقد زففتُ له هذا اللقب ! وإذْ استفسرتُ عن دواوينه المطبوعة، فاجأني بأن ليس له دواوين منشورة، بل هو يكتفي بنشر قصائده على صفحته (الفيسبوك)، فوعدته بأنّني سأتدبّر بعضًا من  قصائده، عبر دراسة نقديّة. كما كان للشاعر يامن رضا أن يخطفني إلى عالمه الأثيري، لما يتمتّع به من قريحة صافية، تُحاكي قمر مشغرة، في عزّ ليلة من ليالي صيفها الجميل! وكذا الأمر مع الشاعر المحامي مارون ماحولي، الذي يجمع الصنعة إلى الموهبة الشعرية، فهو متعمّقٌ في المحكية، وواضع كتاب/مرجع حولها، سيُوقّعه في 18 تشرين الثاني 2022. وعن الشاعرين الآخرين قيصر ميخائيل وعلي دهيني، فإن لكل منهما نصيبًا من تميّز.

لا شكّ أنّ أن الأُمسيتين الأوليين، في بشامون والعبّاسية، قد أحرزتا عين النجاح، الذي أحرزته الأُمسية الطرابلسية، إذْ ثمة ثُلّة من الشعراء المشتهرين أحيت هاتين الأُمسيتين.

..بقدر ما أفدتُ من أمسيتنا، ومن أعمال المهرجان كافة، التي تمّ نشرُها على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد ازددتُ إصرارًا على متابعة مشواري البحثي مع المحكية، ومع الشعر بالمحكية اللبنانية. في هذا المجال، كان أن وضعتُ دراسة مقارنة بين الفصحى والمحكية، صدرت في سيدني-استراليا (2020)، واتخذتُ الشاعر شربل بعيني أنموذجًا لهذه الدراسة، وقد جاءت بعنوان” شربل بعيني بين الفصحى والمحكيّة”. علمًا أنّ هذا الشاعر هو عميد الشعراء في المغترب الاسترالي( مضى على اغترابه 52 سنة، وهو ينظم بالفصحى والمحكية).

وإلى ذلك، لي عدة مراجعات نقدية منشورة في مؤلّفاتي، حول الشعر بالمحكية، لشعراء مقيمين ومغتربين، في عدادهم: المحامي غابي فؤاد دعبول، الشاعر المغترب الراحل روميو عويس( مراجعة ثلاثة من دواوينه)، إضافة إلى الشاعر شربل بعيني، آنف الذكر، إذْ أجريتُ مراجعة لخمسة من دواوينه تترجّح بين الفصحى والمحكيّة، وهي تُشكّل محتوى كتابي المنوّه عنه آنفًا.

من خلال هذه الدراسات النقدية، ودراسات أخرى عتيدة، حول المحكيّة والشعر بالمحكيّة، نذهب إلى أنّ المحكيّة ليست”حرفًا ناقصًا”، إذا جاز القول، فهي لا تقلُّ غنىً وجماليّة عن الفصحى!..فالشاعر شربل بعيني استطاع ، عبر ديوانه”مناجاة عليّ” بالمحكيّة، أن يجوز به إلى العالميّة، إذْ تمّت ترجمته من العربية إلى الإنكليزية والفرنسية والاسبانية والفارسية والأورديّة. وقد مُنح عليه جائزة الشاعر المبدع جورج جرداق. وكذا الأمر مع ديوانه “مراهقة”(1968)، و”رباعيات”(ط،رابعة 2016)، و”الله ونقطة زيت”(ط، ثالثة، 2016) .. هذه التجارب  الشعرية بالمحكيّة، رفعها البعيني في وجه “أكليروس” العربية الفصحى المتشدّد، مُسقطًا الذرائع المتهافتة التي يُحاجّون بها في إلقائهم الحُرم على المحكيّة!

وإذْ أراد شاعرنا البعيني أن يُسقط ذريعة أنّ لجوء بعض الشعراء إلى المحكيّة مردُّه إلى عجز لديهم عن النظم بالفصحى، فقد كان له أن ينظم “المربديّة”، وهي من مطوّلاته الشعرية، ألقاها في المربد الثامن في العام 1987، متوسّلًا ألوان الشعر العمودي والحرّ والعامّي والزجلي، وكانت موضع إعجاب منقطع النظير!

ولا ريبَ أنّنا لا نجانب الصواب حين نرى إلى المحكيّة “القوت اليومي للشعوب”، كونها تعكس حركة الحياة اليوميّة، بصُدقيّة عالية، وتجسّد الوجدان الشعبي بمحمولاته وتشعّباته، كأحسن ما يكون التجسيد! والمحكيّة ليست الندّ المنافس للفصحى، ولا الساعية إلى إقصائها لتكون بديلةً منها! وغالبًا ما يُردّد بعض الألسنيين المنفتحين أنّ العاميّة/المحكيّة هي الخزّان الاستراتيجي الاحتياطي للفصحى. فهي تمدّها، على مرّ الأيام، بدفق من كلمات وتعابير تتقبّلها، من منطلق أنّ اللغة كائنٌ حيٌّ، يخضع لسُنن التطوّر.

وفي مقاربة محكيّة ديوان “مجانين”(1976) للبعيني،تذهب الكاتبة والناقدة الفلسطينية الأسترالية د.نجمة حبيب إلى القول:” ..اللغة المحكيّة امرأة غجريّة حُرّة، جريئة صريحة، لا تُوارب، منطلقة على سجيّتها، تُمتع وتُشتهى بأكثر ما تفعل أختها الفصحى، ربّة الصون والعفاف، المترفّعة في برج عاجي”( شربل بعيني بين الفصحى والمحكيّة، صادر في سيدني 2020، ص 94)

..عودٌ على بدء، إلى أمسيتنا ، التي لا زال صدى جمالاتها يتردّد في نفسي أكثر مما يتردّد على مسامعي، فهي ستكون مدخلًا إلى ندوة حول القصيدة بالمحكيّة اللبنانية، فنتّخذ لها أنموذجين، هما: عميد شعراء المغترب الأسترالي شربل بعيني، والشاعر المحامي مارون ماحولي. وبهذا نُجسّر الهوّة بين الشعر بالمحكية اللبنانية بين لبنان المقيم ولبنان الانتشار!

هذه المهمّة نضعها على عاتق الثلاثي، مُتشابك الأيدي: ميراي شحادة وحسّان عصمت ومردوك الشامي، كي يتنكّب تنظيم هذه الندوة، فيكون انتقالٌ من مستوى “المهرجان” إلى المستوى البحثي  التطبيقي العملاني، فتتكامل المسألة فصولًا !

فلسفة الظنة بين تبديد الأوهام وتأويل الذات/ د زهير الخويلدي



" تستحق فلسفة الظنة شرف الاسم عندما ترفض من حيث المبدأ استقرار الأساس، وحقوق العقل وقدرة الفكر على بناء شرعيته"1

السؤال الأساسي هو معرفة متى وصلت فكرة إزالة الغموض عن فكر فرويد وماركس ونيتشه إلى الفلسفة، وفقًا لأي تأويلات، وعلى حساب أي تراجعات مفاهيمية. ماذا كان مكان "سادة الارتياب الثلاثة" في هذه الحالة؟ ما هو الدور الذي لعبوه في هذه اللحظة الدقيقة من تاريخ الأفكار الفلسفية؟

نيتشه، الذي فُسِّر على أنه فيلسوف إرادة السلطة، أصبح أسطورة جيل توقع ولادة جديدة من الحرب. وجد ماركس نفسه في الشخصية الرمزية لأنطونيو غرامشي مترجمًا نقديًا وغير تقليدي للغاية. من ناحية أخرى، في بداية القرن، استقبل الفكر الفرويدي بصعوبة كبرى وكان له تأثير مباشر على عدد قليل جدًا من الكتاب، وجميعهم عند مفترق طرق لغوي وثقافي، وبالتالي فهو مكان متميز للبحث الذي نحن عليه.

من المعلوم أن رينيه ديكارت سبق أن بدأ الشك في الفلسفة من خلال إلقاء الشك المنهجي على قدرة الأحاسيس على الوصول إلى الواقع. يفتح الباب. بعده، يرتبط مصطلح الشك عمومًا بثلاثة فلاسفة:

1 ° حاول فيورباخ رفع الحجاب عن أوهام المسيحية. شاع من قبل نيتشه الذي أعلن موت الله وتوقع وصول سوبرمان. شكوك نيتشه تتعلق بمعتقدات الإنسان.

2 ° ماركس من جهته يشكك في سير المجتمع بشجب الهيمنة البرجوازية على حساب الطبقات المستغلة والعاملة. شكوك ماركس اجتماعية.

3 ° أوضح هكسلي أن الإنسان ليس سوى حيوان ينحدر من الحيوانات. ينظّر فرويد ذلك ويظهر أن الإنسان في الواقع يقوده اللاوعي. شكوك فرويد ونظريته عن الهو والأنا والأنا الأعلى تؤثر على الإنسان ووهمه بأنه سيد نفسه، وقد أزعجوا بينهما المجال الاجتماعي والديني والميتافيزيقي. لذلك فإنهم يتشاركون في نفس الروح المشبوهة.

على هذا النحو اشتهرت فلسفة الظنة من خلال ميشيل فوكو على انها مجموعة من الأفكار التي تحدت المعتقدات الفلسفية الرئيسية؛ أساتذتها هم فريدريك نيتشه وكارل ماركس وسيغموند فرويد. لكن نحن مدينون بهذا التعبير للفيلسوف البروتستانتي الفرنسي بول ريكور. لقد دعا ماركس ونيتشه وفرويد بهذه الطريقة بسبب نهجهم النقدي الراديكالي. ووفقًا لأساليب مختلفة، فإن هؤلاء المفكرين الثلاثة قد "يشتبهون" بالفعل، أي شككوا، وأزالوا الغموض وفجأة هزوا يقين المفاهيم الكلاسيكية، لا سيما فيما يتعلق بالذات ، ووعيها ومعنى وجودها في العالم عبر وساطة الرموز والنصوص والسرديات.

يرتبط مصطلح الارتياب عمومًا بثلاثة فلاسفة:

نيتشه: حاول نيتشه رفع الحجاب عن أوهام المسيحية، وإعلان موت الله والتنبؤ بوصول سوبرمان. شكوك نيتشه تتعلق بمعتقدات الإنسان.في هذا السياق صرح بيير أندريه تاجييف ما يلي " قلة من الفلاسفة لديهم ورثة مثل فريدريك نيتشه. من خلال ظهوره في تاريخ الفلسفة، فقد أزعج عمله المثير للإعجاب العديد من الإنجازات العظيمة للفكر "الكلاسيكي" - العقل والأخلاق والقيم، إلخ. - تدشين ما سيطلق عليه فيما بعد "فلسفة الارتياب".2

ماركس: من جانبه، حاول ماركس التشكيك في سير المجتمع، من خلال إدانة الهيمنة البرجوازية على المجتمع، على حساب الطبقات المستغلة والعاملة. فكر في الصراع الطبقي. شكوك ماركس اجتماعية.

فرويد: فرويد نفسه دمر الموضوع كما فهمناه في كانط. لم يعد الإنسان شفافًا مع نفسه، لأن اللاوعي هو الذي يقود سفينة الوعي. إن شك فرويد ونظريته عن الجهاز النفسي لها تأثير على الوعي ومكانته داخل الذات.

فيما بينهم، أزعجوا المجال الاجتماعي والديني والميتافيزيقي. لذلك فإنهم يتشاركون في نفس الروح المشبوهة.

كان بول ريكور هو من عمد نيتشه وماركس وفرويد سادة الارتياب. لقد قوض هؤلاء الفلاسفة اليقين الديكارتي، مشيرين إلى أن الإنسان لا يتحكم في دوافعه ولا في هويته ولا بالقوى الاقتصادية. يعتقد الشخص الذي يشتبه في أن المظهر يخفي حقيقة أعمق أو حتى مختلفة. إنه الموقف الذي اتخذه هؤلاء المفكرون الثلاثة تجاه ثقافتنا الغربية وخاصة تجاه الدين المسيحي. يعترف ماركس في المسيحية بأنه انعكاس، وفرويد وهم، ونيتشه قناع. علاوة على ذلك، وفقًا لهم، فإن معايير الحقيقة ليس لها أي شيء مطلق، وهذه القيم التي تم وضعها كمبادئ مطلقة تعبر عن دوافع معينة. لذلك فإن فلسفة الشك لها خصوصية إلقاء الشك على العقلانية. ليس بسبب الشك الذي هو ضروري للعقل النقدي ولكن بسبب الشك. ويضيف أن نيتشه وماركس وفرويد هم المسؤولون الثلاثة عن ذلك. لقد تعلمنا ألا نثق بأي شيء بعد الآن، وألا نثق بأحد، وألا نؤمن بالمشاعر ، ولن نعترف بعد الآن بوجود هوية للوجود ... ومع ذلك ، حيث يسود الشك ، لا يوجد أمل.

خلاصة القول ان مصطلح فلسفة الظنة يرتبط عمومًا بثلاثة فلاسفة: نيتشه وفرويد وماركس. وقد أطلق على الثلاثة اسم فلاسفة الشك. يشترك هؤلاء المفكرون الثلاثة العظماء، الذين ميزوا القرن العشرين بعمق، في الشك في قناعاتنا ومعتقداتنا وإثبات جذورهم اللاواعية وغير المعروفة وغير المعترف بها أو دوافعهم الخفية.

نيتشه: حاول نيتشه رفع الحجاب عن أوهام المسيحية، وإعلان موت الله والتنبؤ بوصول سوبرمان. شكوك نيتشه تتعلق بمعتقدات الإنسان.

ماركس: من جانبه، حاول ماركس التشكيك في سير المجتمع، من خلال إدانة الهيمنة البرجوازية على المجتمع، على حساب الطبقات المستغلة والعاملة. شكوك ماركس اجتماعية.

فرويد: دمر فرويد نفسه "الذات" كما فهمناها في كانط. لم يعد الإنسان شفافًا مع نفسه، لأن اللاوعي هو الذي يقود سفينة الوعي.

يتعلق شك فرويد بالوعي ومكانته داخل الذات.

فيما بينهم، أزعجوا المجال الاجتماعي والديني والميتافيزيقي. لذلك فإنهم يتشاركون في نفس الفكر التأويلي الارتيابي.

بول ريكور لا "يقرأ" فرويد فقط. إن عمل "أب" التحليل النفسي هو بالأحرى توضيح مميز للمبدأ العام للتأويل، حيث يرى ريكور نمطًا للخطاب يميز عصرنا وحضارتنا. ويصف خصائصه بلغة فلسفية، هي نفسها. تظهر بوضوح كطريقة من "التفكير"، والتي يمكن تلخيصها من خلال صورة "ارتداد" الفكر على النصوص في هذه الحالة، نصوص فرويد: ما ورثه أفلاطون لحضارتنا، إنه طريقة تفكير التي يسميها بول ريكور "الفلسفة التفكيرية"، والتي تتمثل في تجاوز المرحلة البسيطة من التفسير والتأويل، للوصول إلى خصوبة "ديالكتيكية" تجعل من الممكن حل الانحرافات التي تواجه روح "التفسير" في عصرنا. إن "مقال فرويد" المتضمن في كتاب التفسير مغلف بنقد "علم آثار الموضوع" النابع من الفكر الفرويدي: "ما هو الوجود الذي له أركيولوجيا؟ بدت الإجابة سهلة أمام فرويد: إنه كائن كان طفلاً قبل أن يصبح انساناً. لكننا لا نعرف بعد ماذا يعني ذلك. موقف الرغبة، طابع الحياة الذي لا يمكن تجاوزه، الكثير من التعبيرات التي تستدعينا أكثر وأعمق. جعل فرويد من الممكن الوصول إلى هذا التقدم "أبعد" في وعي الذات. لكن هذا التقدم يتطلب شيئًا آخر، وهو ما عبر عنه ريكور بالحاجة إلى "غائية الذات"، أي العودة إلى الوعي الذاتي الفوري. أن تقول شيئًا عن شيء ما، بالمعنى الكامل والقوي للكلمة، هو تفسير. لكن هذا الخطاب، الذي يمكن أن يتخذ شكل أسطورة أو خيال شعري أو حلم أخيرًا، كان سيصبح موضوعًا لـ "فلسفة الارتياب" المعممة: مثل فرويد، نيتشه وماركس شاركوا في "فقدان الثقة" في قدرة العقل على التأويل". في حالة فرويد، يؤدي هذا الشك المنهجي إلى التساؤل المعرفي عن وضوح الذات في ممارسة "وعيه المباشر"، وهو يقودنا إلى ثقافة "الوعي الزائف". إن قرننا الذي يتحدث أو يحلم أو يتخيل أو يخلق، يقع باختصار تحت هوس الوهم والتلفيق والغموض. في ظل الشرعية الفاضلة لإزالة الغموض، "كشف التحليل النفسي عن مجموعة متنوعة من عمليات التفصيل التي تم إدراجها بين المعنى الظاهري والمعنى الكامن". بمعنى آخر، فلسفة الارتياب لا تتخلى عن خصوبة "التأويل". على العكس من ذلك، ترفعه إلى مرتبة العلم من خلال "تعقيد" إجراءاته: "المعاني الحقيقية غير مباشرة". يدعو ريكور إلى التساؤل عن هيمنة البعد الوسيط دائمًا للتأويل: فهو يرى بديهيًا قابلاً للنقاش في حقيقة أن البحث عن المعنى، من الآن فصاعدًا، لم يعد توضيحًا للوعي بالمعنى، ولكن في فك رموز التعبيرات وهذه الفلسفة ستجعل المناقشة. تأسس هذا الاتجاه على الجزء "الرمزي" من كل لغة، ويؤكد ملاحظة كانط التي قالها ريكور بنفسه: "الرمز يغذي الفكر". تجد الفلسفة نفسها أقل عجزًا في مواجهة علم مثل التحليل النفسي، الذي يرى في كل خطاب معنى خفيًا، "لغزًا" يجب حله، لأنها عرفت دائمًا أن "اللغز لا يعيق العقل، ولكنه يثير هو - هي". من ناحية أخرى، تقود الفلسفة المعاصرة نفسها إلى توجيه انتباهها إلى "النص" و "حرفته"، إلى "الكلام" الذي يحتوي "العقل" بالكامل: "هذه الدعوة إلى التأويل التي تنطلق من الرمز يؤكد لنا أن التفكير في الرمز يأتي من فلسفة اللغة وحتى العقل. ولكن وفقًا لبول ريكور، "يتحدث البشر اللغة أقل مما يتحدث بها ". ما كان سيخسره قرننا هو الشعور بالقدس: "أليس هذا الانضباط للواقع، هذا الزهد من الضروري، يفتقر إلى نعمة الخيال، ظهور الممكن؟ أليس لنعمة الخيال هذه علاقة بالكلمة مثل الوحي؟ "3

عندما كتب بول ريكور أن "الرمزية هي الوساطة الكونية للعقل بيننا وبين الواقع"، وأنه "يرغب في التعبير قبل كل شيء عن عدم فورية تخوفنا من الواقع"، لا يسعنا إلا أن نفكر في أن جاك لاكان سيرحب بهذا الدرس المستمد من عمل فرويد. بيد ان الفلسفة المعاصرة شهدت موت فلسفات الارتياب بفضل عودة الحقيقي ولقد استغرق الأمر أكثر من قرن من التجريب والمحاولة. لقد تم التقليل من الاشعاع الذي كانت تتمتع به الماركسية على يد الخراب الدي سببته التجارب الشيوعية لبعض الدول الشمولية. كما تم تقليم أظافر نظرية فرويد بظهور واقعية ميشيل أونفراي. وقبله تم نقد فيورباخ بالتعطش إلى الله والشك في قدرة الصدفة على إنتاج مثل هذه الطبيعة المنظمة. فهل أدى نقد فلسفة الظنة الى قيام فلسفة التأويل النقدي؟


الاحالات والهوامش:

1. Olivier Dekens, Le structuralisme, Armand Colin, collection « 128 », Paris, 2015, p38

2.Pierre-André Taguieff : un livre pour penser "contre et avec" Nietzsche

3 .Paul Ricoeur, De l'interpretation. Seuil, «Points-Essais», Paris,  586 pp.,


القدس.. .والقمة العربية/ راسم عبيدات



لا نريد لهذه القمة العربية ال 31 التي ستعقد في الأول والثاني من شهر تشرين ثاني القادم في الجزائر ،أن تكون تكراراً و" اجترارا" للقمم العربية السابقة،وبأن تبقى قراراتها حبراً على روق يجف قبل انفضاضها، فالشعوب العربية من كثرة خيباتها ومرارتها من تلك القمم لم تعد تكترث لعقدها او من سيحضرها أو يقاطعها أو يغيب عنها بعذر وبدون عذر، لأن تلك القمم رسخت في وعي الشعوب والشارع العربي، بأن أمتنا تحولت الى ظاهرة صوتيه، قرارتها لا تجد طريقها للتنفيذ،بل كل قمة جديدة تضيف المزيد من الإحباط واليأس عند المواطن العربي، فلا تقدم له أية حلول عملية للمشاكل التي تعاني منها تلك الشعوب سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية من فقر وجوع وبطالة وغلاء وارتفاع اسعار،أو العمل على تصفية الخلافات والحروب والفتن التي تصيب وتعسف بأكثر من قطر عربي، حيث القتل والدمار والخراب ونهب الخيرات والثروات،ومصادرة القرار العربي المستقل،وغياب المؤسسة الجامعة التي توحد كلمة العرب وتعلي رايتهم وتعيد لهم مجدهم وعزتهم وكرامتهم، في ظل انتقال قيادة العالم العربي من الثورة الى الثروة..

نحن نتمنى للجزائر التي نقدرها عالياً كشعب فلسطيني رئيساُ وحكومة وبرلماناً وشعباً، والتي قال رئيسها الراحل الكبير الأسبق هواري بومدين" أنا مع فلسطين ظالمة أو مظلومة" ،وعلى نهجة تسير القيادة الجزائرية الحالية،بقيادة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون،فالجزائر احتضنت حوارات المصالحة الفلسطينية،ومن قبلها كان اعلان الإستقلال الفلسطيني من على أرض الجزائر في 15/11/1988 ،وكذلك ،هي تحتضن القمة العربية ال 31، والتي نأمل ونتمنى أن تنجح الجزائر في إحداث اختراقات جدية، تمهد لتصفية الخلافات العربية العربية والفلسطينية - الفلسطينية ...

ما تطلبه القدس بكل مركباتها ومكوناتها سياسية وطنية ودينية ومؤسساتية وشعبية من هذه القمة العربية... أن يكون هناك ترجمة عملية للقرارات التي تتخذ لتعزيز صمود المقدسيين وحماية أرضهم ومقدساتهم ودعمهم وإسنادهم،بكل الطرق والوسائل سياسية حقوقية قانونية اعلامية ،وكذلك تقديم الدعم المادي للقطاعات التي تشكل مداميك أساسية في بقاء وصمود وتمسك المقدسيين بأرضهم وكل مكونات جودهم في المدنية،تعليم وصحة واسكان وسياحة وفنادق وكذلك دعم وتعزيز صمود تجار البلدة القديمة من القدس، تلك البلدة القديمة التي يستهدفها الإحتلال بالتهويد وطرد وتهجير سكانها وشل الحركتين التجارية والإقتصادية فيها،تمهيداً لسيطرة الجماعات الإستيطانية عليها ....فالمواطن المقدسي الذي يسمع مع كل انعقاد قمة عربية، عن الأموال التي تخصص لدعم القدس والمقدسيين،بمئات ملايين الدولارات، بات يتساءل في ظل كل هذا الدعم العربي "المنهمر" على القدس والمقدسيين،يفترض ان تتحول القدس الى جنة الله على أرضه،ولكن هذا الدعم الذي بات يخلق أزمة وحالة من عدم الثقة بين القيادة واهل القدس، في أغلبة وبنسبة لا تقل عن 90% وما فوق،فقط هو في الإطار الشعاري والدعائي والإعلامي،ولا يجري ترجمته بفعل او تنفيذ على الأرض . .. وكذلك لسان حال المقدسيين يقول لكل الزعماء العرب اعتمدتم في قمة بيروت آذار/2002،ما يعرف بمبادرة السلام العربية والتي نصت على " الأرض مقابل السلام"،ولكن مبادرتكم آلت الى "التطبيع والأمن مقابل السلام"،فهل هذه الهرولة العربية الرسمية للتطبيع مع دولة الكيان، قادت الى استرجاع حق فلسطيني او عربي أو نجحت في استعادة ارض عربية او فلسطينية،أو حمت القدس والمقدسات ومنعت تمدد وتوسع الإستيطان،أو وقف عمليات القمع والتنكيل بحق شعبنا الفلسطينين وإستباحة دمه وحقوقه بالقتل والإغتيال والإعتقالات والعقوبات الجماعية ...؟؟،انتم تعرفون وتدركون جيداً بأن هذا التطبيع،ليس فقط مخالف لما تسمونه بمبادرة السلام العربية،بل لم يستفد منه سوى المحتل، بأن اعتبر تطبيعكم المجاني ضوء اخضر لكي يوسع من قمعه وتنكيله وارتكاب جرائمه بحق شعبنا الفلسطيني ،وتكثيف وتصعيد الإستيطان،ولذلك في قمتكم هذه مطلوب منكم ان توقفوا بوابة الإنهيار الرسمي العربي،ووقف هذا التطبيع المجاني المدمر،واعادة اتجاه البوصلة نحو قضية العرب الأولى والمركزية فلسطين،حيث حرف البعض العربي البوصلة عن عمد،كما حرف الصراع عن أسسه وقواعده.

وأيضاً فيما يتعلق بنقل العديد من الدول لسفارتها من تل ابيب الى القدس،عدا كونه مخالف لقرارات الشرعية الدولية واتفاقياتها،ويشرعن ضم مدينة القدس لدولة الكيان واعتبارها عاصمة له،فقممكم قالت بفرض عقوبات على الدول التي تنقل سفاراتها من تل ابيب الى القدس،ولذلك مطلوب منكم أن تمتلكوا قراركم وارادتكم،وتتخلوا عن حالة الإرتجاف والدونية في التعامل مع من يغتصبون أرضنا ويحتلونها ومن يقدمون لهم الدعم ليل نهار،ولا يلتفتون اليكم إلا بمقدار خدمتكم لمصالحهم واهدافهم،وأضعف الإيمان حتي يتم وقف هذا المسلسل،كان الأجدر بكم سحب سفرائكم  من عواصم تلك الدول واغلاق سفارتها في بلدانكم،حتى تنصاع لما يعرف بالشرعية الدولية" مزدوجة" المعايير وانتقائية التطبيق،وبقرارتكم هذه فقط يصبح لكم قيمة واحترام ويحسب لكم الف حساب،بدل النظر لكم على انكم " فزاعة" وظواهر صوتية .

نحن ندرك بأن هذه القمة البعض العربي،يريد ان يفشلها قبل بدئها إرتباطاً برؤيا قاصرة ومصالح شخصية وقطرية ضيقة،ولا يريد لها ان تشكل قمة "لم الشمل العربي"أو حتى الفلسطيني،ولا تريد للجزائر ان تنجح في مسعاها هذا،بل تريد أن تبقي على حالة الشرذمة والتفكك والتفتت العربي،تلك الحالة التي ستعزز من مظاهر وظواهر الإحباط واليأس عند الشعوب والجماهير العربية من قيادتها ومؤسساتها الرسمية،تلك المؤسسات التي تنظر اليها تلك الشعوب من جامعة دول عربية او منظمة التعاون الإسلامي،بأن قرارها خارج سيطرتها،بل تتحكم فيه أمريكا ومن ينفذ إرادتها وقرارها من دول النظام الرسمي العربي.

القدس يا قادة العرب ما تحتاجه  منكم ،أن تحدثوا اختراقاً جدياً نحو "لملمة شملكم" ووحدتكم ،فبدون ذلك لن يحترمكم العالم ولن يحسب لكم حساب،وستبقون مثل  "الطابة" عرضة للتقاذف من هذا الطرف أو ذاك ...نحوا خلافاتكم جانبا، ووحدوا مواقفكم،وأعيدوا البوصلة الى اتجاها الصحيح،وكذلك أعيدوا الصراع الى قواعده وأسسه الصحيحة ....القدس يا قادة العرب تقول لكم بانه من العار على أي عربي أو مسلم، أن يقبل بأن يصبح اسم المسجد الأقصى  "جبل الهيكل" في المنهاج التعليمية التي يريدون فرضها على طلابنا في القدس،أليس الأقصى قبلتكم الأولى ومسرى رسولكم محمد صلى الله عليه وسلم ..؟؟،أليس من العار عليكم ان تقبولوا بأن يصبح اسم  يوم نكبتنا " استقلال" دولة الكيان وتشارك العديد من قياداتكم فيها.

القدس يا قادة العرب تقول لكم مللنا من الشعارات والخطابات والقمم المكررة الإنشاء وبيانات الشجب والإستنكار والشكر لحسن الضيافة،ودعم الشعب الفلسطيني اللفظي في الحصول على حقوقه واقامة دولته المستقلة، فحقوق الشعب الفلسطيني واقامة دولته المستقلة لن تأتي من بوابة التطبيع والبيانات والشعارات الجوفاء والخطب الرنانة ،فالتاريخ يعلم بقديمه وحديثه،الطريق الصحيح لنيل الحقوق وتحرير الأراضي المغتصبة.

عندما تصير أرحام امهاتنا أعداء لاسرائيل/ جواد بولس



سنصحو، بعد أربعة أيام، على واقع جديد في إسرائيل؛ حيث سيتبيّن لنا ، نحن المواطنين العرب، أن أكثرية المواطنين اليهود ماضية في انجرافها نحو حالة دينية عصبية عمياء  ممزوجة بعقيدة يمينية فاشية لن تقبل وجود "العربي" بين ظهرانيها كما قبلته، مغلوبة على أمرها، مؤسسات الدولة وحكامها خلال العقود المنصرمة ؛ فالعنصرية المقسطة وقمع المواطنين العرب المبرمجين وفق ما تجيزه قوانين "ديمقراطية" الدولة اليهودية، لن تعودا مساطر مناسبة للتعايش في إسرائيل المتحوّرة إلى كيان متوحش وخطير .

من المؤسف أن تنتهي الحملات الحزبية الانتخابية كما بدأت ؛ معارك طاحنة بين معسكرات "شقيقة" مجيّشة ومشحونة بذخائر مسمومة ستترك آثارها بيننا بعد انقضاء المعركة، وجنود يرددون الشعارات المستهلكة التي أهملت مواجهة القضايا الحارقة وتعاملت مع واقعنا البائس بخفة مستفزة وبتضليل يستسخف بعقول الناس. لقد بات من انتقد وقاطع حزب القائد الفرد النجم، يهلل ويهتف لحزب النجم القائد الفرد . 

قد يكون المواطن العادي معذورًا  اذا انساق وراء وعود برق الخطباء الخلّب، أو اذا غرر به سرابهم، فلولاه "لما واصلوا السير في البيد". بسطاء الناس، أو من كنّا يومًا نطلق عليهم  اسم الكادحين، طيّبون ويصدّقون النبوآت وأهازيج المطر، ويفرحون لأنين الربابة حين يسري في عروقهم المتعبة، ولا يتأففون عندما يصغون لبحة الناي وهي تناغي "قصب" جدودهم الذي غمره غبار الزمن.

هؤلا الكادحون، هكذا افترض، لم يسمعوا تصريح رئيس قسم جراحة القلب والصدر في مستشفى سوروكا، في مدينة بئر السبع، أمام جمهرة من الأكاديميين اليهود، وهو يعبر عن دهشته من عدم مواجهة حكومات اسرائيل لأحد أهمّ المخاطر الموجوده في داخلها، وهو المرأة العربية الولّادة؛ فمن جهة، هكذا صرّح  "البروفيسور" في ندوة منزلية اقيمت بحضور الوزيرة أييلت شكيد في بلدة "عومر" بالنقب: "نحن نفهم أن التكاثر هو الذي سيهزمنا، أي الرحم العربي. ومن الجهة الأخرى نقوم بتشجيع ذلك من خلال دفعنا لهم عن أولادهم مخصصات التأمين الوطني".

وطالب "جنابه"  الوزيرة محاربة هذه الظاهرة الخطيرة من خلال فحص امكانية تدفيع العائلة العربية غرامة مالية عن ولادة الابن الخامس ومن يليه !

أعرف أن الكثيرين بيننا سوف يستخفون بهذا الحدث؛ فهو ليس الأول من نوعه، ولا الأخطر من حيث وقعه الآني؛ لكنني أختلف مع هؤلاء ولا أوافقهم. فنحن لا نستطيع سلخ هذا المشهد المقيت المستفز  عن مجمل ما يحصل في شوارع الدولة وميادينها، ولا عن مسلسل الاعتداءات الهمجية شبه اليومية التي يقوم بها أوباش اليمين المنفلتون ؛ هذا فضلًا عن كون المتحدث في هذه المداخلة أكاديميًا موثرًا وطبيبًا يرأس وحدة جراحية مهمة تعالج عشرات المرضى العرب ويعمل معه فيها وفي المستشفى عدد كبير من الأطباء والموظفين/ات العرب.

لقد استنكرت رابطة الأطباء العرب في النقب تصريحات العنصري ساهار ، وطالبت  بفصله من العمل؛ ولكن مدير المستشفى اكتفى باصدار بيان أوضح فيه ان: "تصريح أحد  رؤساء الاقسام في المستشفى، الذي قيل في مناسبة خاصة، لا يمثل مستشفى سوروكا ولا عمّاله.  لقد اوضحت الادارة ذلك لمدير القسم  وهو اعتذر عن موقفه" . لم نقرأ، للأسف، في بيانهم أي اعتذار واضح عمّا قيل، ولا نفيًا لنظرية "الارحام العربية العدوة".

لم تر النخب العربية، من مواقعها الأكاديمية والتشغيلية الوثيرة، خطورة تصريح البروفيسور ساهار، ولم تتطرق الى كيفية معالجته من قبل ادارة المستشفى وسائر مؤسسات الدولة ذات العلاقة. لقد حافظت تلك الشرائح على صمتها الذي أدمنت عليه منذ سنوات طويلة، حيث ساهم صمتهم منذ سنين في تمادي الزخم الفاشي من جهة، وفي تعزيز مشاعر اليأس بين المواطنين وهروب الأفواج  نحو الهوامش؛ فاما التدين والركون الى مشيئة الله، واما "التوحد" وتطليق السياسة ومتاعبها، من جهة اخرى.

توقعت أن يوظف قادة الأحزاب هذه الحادثة في استثارة همم الناس، وخاصة همم الاكاديمين العرب واليهود على حد سواء؛ ورغم اصدار بعضهم بيانات شجب واحتجاج، رأينا كيف التصق معظمهم بحملاتهم الدعائية المبرمجة والمعدة من قبل مستشاريهم الاعلاميين، وهؤلاء، كما نعلم، يعملون في التجارة لا في السياسة؛ فدعونا نتصور للحظات أن هذا البروفيسور سيصبح وزير الصحة القادم في حكومة يؤمن جميع وزرائها مثله وأخطر! عندها كيف ستأمن نساء العرب مباضع من يعتبر أرحامهن خطرًا على مستقبل اسرائيل وشعبها اليهودي؟ أو من سيحمي ملاكات عمل الاطباء والمحاضرين والمهندسين والمعلمين العرب وغيرهم من انتقامهم الأكيد وكيدهم المعلن ؟

ومختصر السؤال نكرره، من سيحمينا من هؤلاء وكيف ؟  أمواطنة، أرادوا ، هم، ان يحرمونا منها، وجعلناها نحن عرجاء ستكفي؟ أو عدل قضائهم الذي سيقف على رأسه قضاة يمارسون الاستيطان فكرًا وسكنًا ؟ أو ربما هي فزعة أشقائنا العرب الذين سيفتحون أمام مفكرينا وأكاديميينا وطلابنا  أبواب جامعاتهم ويضعون ميزانيات مراكز دراساتهم العليا تحت تصرف باحثينا وعلمائنا ؟

لقد سألت هذه الأسئلة لمن يدعون الى مقاطعة الانتخابات، ولا أعني الافراد منهم، ولم أقرأ ردًا صريحًا يتعدى بابي التمني والدعاء، أو عتبة الشعارات المقاتلة التقليدية التي تقال بدون أرصدة عملية.

فنحن نعيش وسط مجتمع عنصري ومتطرف دينيًا، تهرول قياداته الفاشية نحو سدة الحكم، ويتوجب علينا افشالهم والمشاركة في الانتخابات هي وسيلة مهمة في سبيل هذا الجهد، وهي أفضل طبعًا من الاستخفاف والمقامرات والمزايدات والمغامرات التي مهما مورست بنيات حسنه ستوصلنا حتما الى جهنم.

سأصوّت كما صوّتُّ دائمًا، لصالح قائمة "الجبهة الديمقراطية"، وحليفتها اليوم "الحركة العربية للتغيير"  ، وأدعو الناس للتصويت لهذه القائمه، بكونها عنوانًا مجربًا وأصيلًا للنضال الكفاحي الواقعي المشترك، العربي اليهودي، وللوقوف في وجه الاحتلال والعنصريين والفاشيين ؛ ومن لا يرغب بها فليصوت لمن سيقف في وجه الفاشية والاحتلال، فمواجهتم، بجبهة نضالية موحّدة، هي مهمتنا الاولى بعد معركة الانتخابات. ويبقى التصويت،في جميع الأحوال، للاحزاب اليمينية الصهيونية محرّمًا طبعا .   

ماذا كتب السير تشارلز وارن عن زيارته القصيرة للسامريّين قبل قرن ونصف تقريبًا، ومُلْحَق اقتباسات ممّا كتبه ج. ميلز قبل ذلك بعشرين عامًا/ ب. حسيب شحادة

  


What Did Sir Charles Warren Write about his Short Visit

  to the Samaritans about a Century and a Half Ago, and an Appendix of Quotations from J. Mills Twenty Years before that


מה כתב האדון צ’ארלז וארֶן אודות ביקורו הקצר אצל 

השומרונים לפני מאה וחמשים שנה בערך ונספח של ציטטות 

ממה שכתב ג’ מילז עשרים שנה לפני כן


Haseeb Shehadeh

Helsinki University


Charles Warren, Underground Jerusalem: An Account of some of the Principal Difficulties Encountered  in its Exploration and the Results Obtained. With a Narrative of: An Expedition through the Jordan Valley and a Visit to the Samaritans. London: Richard Bentley and Son, 1876 (594 pp.).

تشارلز وارين ، القدس تحت الأرض: سرْد لبعض الصعوبات الرئيسيّة التي تمّت مواجهتها في استكشافها والنتائج التي تمّ الحصول عليها. مع سرد: رحلة استكشافيّة عبر وادي الأردن وزيارة السامريّين. لندن: ريتشارد بنتلي وابنه ، 1876 (594 صفحة).

لا شكّ أنّ الكثيرين من السامريّين، لا سيّما الكبار في السنّ، قد سمِعوا الاسم الأجنبيّ، وارن، الوارد في بعض القِصص الشعبيّة السامريّة، وما أكثرها (اُنظر: בנימים צדקה, אוצר הסיפורים העממיים של הישראלים השומרונים, חלק א’. מכון א. ב. ללימודי השומרונות, הרגרזים –חולון –2021، ص. 181-185; 224-226; 275-281; 289-292; 303-312; חלק ב’ עמ’ 340-336، 463–466. بخصوص ترجمة عربيّة لتلك القِصص، اِبحث في محرّكات البحث عن عُنوان القصّة بالعربيّة واسم المترجم حسيب شحادة). ولكن ذلك الاسم هو (1919-1847) Edward Kirk Warren، وهو رجُل صناعة، ومخترع أمريكيّ ثريّ، تعرّف على السامريّين في فلسطين في العام 1903، وقدّم لهم مساعداتٍ مثل شِراء خيام السيوان لإيوائهم، خلال أيّام عيد القُربان/الفِسْح على جبل جريزيم، وشراء ماكنات خياطة لتعليم البنات، وفتح مدرسة لهم، للبنين والبنات. وثمّة مجموعة من المخطوطات السامريّة، التي كانت بحوزته، وهي الآن محفوظة في أمريكا (اُنظر: https://www.israelite-samaritans.com/samaritan-manuscripts/). 

لكن الحديث هنا، يدور عن وارن آخرَ، إنّه جِنِرال، وعالِم آثار، ورسّام خرائط بريطانيّ (1840-1927)، كان من أوائل الأوروبيّين الذين أجْروا حفريّاتٍ في مِنطقة الحرم الشريف في القدس. وهو من مؤسّسي ”صُندوق استكشاف فلسطين“- (PEF) Palestine Exploration Fund- الشهير بدوريّته العلميّة العام 1865، وكان من أبرز الأعضاء في الصندوق، الكولونيل وعالم الآثار والدبلوماسيّ والكاتب البريطانيّ،  لورنس العرب، Thomas Edward Lawrence, 1888-1935. كما كان السير تشالرز وارن هذا، عضوًا في اللجنة التنفيذيّة للصندوق منذ العام 1871 وحتّى وفاته. دافع وارن عن الاستيطان اليهوديّ في فلسطين [اُنظر كتابه: The Land of Promise: Or,  Turkey’s Guarantee, 1875] ورأى أنّ فلسطين بحدودها الطبيعيّة تستطيع ٱستيعاب 15 مليون نسمة، إذا اُستغلّت مواردُها كما يجب. وهنالك كتاب عن حياة وارن هذا:

W. W. Williams (1941), The Life of the General Sir Charles Warren. 

في الكتاب ذي العلاقة هنا،  ”القدس تحت الأرض… “ المذكور تحت العُنوان أعلاه، والمتاح بالمجّان على الشبكة العنكبوتيّة، فصل قصير نسبيٍّا، ص. 206-235، عن زيارة السير رتشاردز وارِن للطائفة السامريّة في نابلس، في خلال الفترة الممتدّة من 16 نيسان إلى 22 منه من العام 1876. في ما يلي، خلاصة لما ورد في هذه الصفحات عن السامريّين.


يلي ذلك ملحق ضمّنته اِقتباساتٍ مختارة من الكتاب:

John Mills, Three Months’s Residence at Nablus, and an Account of the Modern Samaritans. London, 1864. 

جون إدوارد ميلز (1812-1873)، اِهتمّ بالموسيقى، وعمل مبشِّرًا ليهود لندن، وزار فلسطين مرّتين لتحسين أدائه التبشيريّ لدى الميثوديّين الويلزيّين الكالڤينيّين. له إضافة للكتاب المذكور: يهود بريطانيون، لندن، 1858 و فلسطين باللغة الويلزيّة/الويلشيّة، 1858. 

كنتُ قد قرأت هذا الكتاب في بدايات سبعينيّات القرن العشرين، خلال إعدادي لأُطروحة الدكتوراة في الجامعة العبريّة بإرشاد المرحوم البروفيسور زئيڤ بن حاييم (1907–2013)، ولكنه الآن متوفّر بترجمة عربيّة ومُتاح بالمجّان على الشبكة العنكبوتيّة. 

ثلاثة أشهر في نابلس، الطائفة السامريّة عن قرب، جون ميلز، ترجمة الدكتور عامر أحمد القبَّج. قسم التاريخ/ كليّة العلوم الإنسانيّة، جامعة النجاح الوطنيّة. نابلس- فلسطين. شؤون الدراسات العليا والبحث العلميّ في جامعة الأقصى-غزّة - فلسطين،/ عمّان: دار دجلة ناشرون وموزعون 2020. 

جون ميلز زار نابلس في العامين 1855 و 1860(قبل وارن بعشرين سنة تقريبًا) ومكث فيها ثلاثة أشهر، سكن في بيت عبدالله أبو دهود ورافقه شاب مترجم، على ما يظهر، باسم يوحنا ودأب، كما صرّح،  على الاجتماع بالكاهن الأكبر آنذاك سلامة بن غزال المتوفّى عام 1857 ومن ثمّ بابنه عمران بن سلامة يوميّا، كما التقى كثيرًا بيعقوب بن هارون بن سلامة بن غزال الكاهن، الخازن  وراعي الطائفة. ويعقوب هذا هو الذي أرى جون ملز درج أبيشع على عجل، عندما كان عمّه الكاهن الأكبر عمران في زيارة للقدس، وهو الذي أعدّ ملبّيًا طلب عمّه قائمةً بأسماء ثلاثة وثلاثين كتابًا في حوزة الكهنة وقدّمها لميلز. ذكر فيها بناء على طلب ميلز: العنوان، المؤلِّف، اللغة، التاريخ والموضوع. يشار لوقوع أخطاء واضحة في هذه القائمة مثل القول بأنّ كتاب الكافي ليوسف العسكري يعود إلى القرن السابع ميلادي إلخ. الجدير بالذكر أنّ ما وُضع بين قوسين () هو إضافة منّي؛ ويلاحظ اهتمام ميلز بمقارنة ما سمعه ورآه بما هو وارد في الكتاب المقدّس وأحال القارىء إلى ذلك. 

إنّي على استعداد لأرسال نسخة إلكترونيّة من هذه الترجمة لكل من يطلبها منّي على العنوان:

Haseeb.Shehadeh@Helsinki.Fi

يستهلّ وارن حديثه بعِبارة مقتبسة من الشاعر البريطانيّ المعروف، جون مِلْتون (John Milton 1608-1674)، مفادها ”دخان على جريزيم، أُضحيتي“ - Smokes on Gerizim my sacrifice-. ثم يكتب وارن في بداية زيارته، اليوم السادس عشر من شهر نيسان من العام 1876, أنّه بدأ بالاستعداد لها، بالرغم من حالته الصِّحّيّة السيّئة جدّا، إلّا أنّه قرّر أن يُلبّيَ دعوة صديقه السامريّ، يعقوب الشلبي -Yacoob esh Shellaby- الناطق باسم الطائفة. كما تلقّى وارن معلوماتٍ قيّمةً من صديقه الألمانيّ البروتستنتيّ (لا يذكر اسمه)، الذي كان مدير مدرسة، والذي لم يكن على علاقة حسنة مع يعقوب المذكور، ولم يعرف من السامريّين سوى الكاهن عمران، ونعت نابلس بالمكان المتزمّت. 

بلغ عدد سكّان نابلس المسلمين آونتَها، في العام 1876، عشرة آلاف، وعدد المسيحيّين، الأرثوذكس واللاتين والبروتستنت، خمسمائة وعدد اليهود مئتان، وعدد السامريّين مائة وخمسون. مارست الأكثريّة التعصّب الأعمى بدون أن تتعرّض لعقاب. نابلس أكثر مدن سوريا الكبرى تعصّبًا، ولا يعرف وارن سبب ذلك، أهو المناخ أم دم السكّان. لكلّ سكّان جبل إفرايم روح عنيفة عائبة، إنّهم ليسوا راضين عن أيّ شيء، وهم بخِلاف سائر سكّان فلسطين، بمثابة مصدر لإثارة المشاكل للحكومة التركيّة، التي كانت تسعى لتطويق عاداتهم ولكن بدون نتيجة. ولكن وجود السامريّين في نابلس، يجعلها مثيرةً جدًا للاهتمام.  وقبل سنوات قليلة كان لهؤلاء الناس الغريبين بؤر استيطانيّة في دمشق ومدن أخرى في سوريا، ولكنّ الاضطهاد والعوز، أو عوامل طبيعيّة، جعلتهم يتضاءلون ويجتمعون تحت جبلهم المقدّس في نابلس.

 وهم يختلفون في لباسهم وفي مظهرهم عن الآخرين، إذ أنّهم يغطّون الرأس بقُماش كتّان أحمر - red linen cloth- (المقصود، الطربوش لتمييزهم عن الآخرين). والمسلمون -Saracens- يلبَسون الطربوش الأبيض، والرجال المسيحيّون الساكنون في البلاد  يلبسون الطربوش الأزرق الهنديّ، ولليهود الطربوش الأصفر.  هذا ما وجد مكتوبًا في القرن الرابع عشر، وهو موجود حتّى اليوم: الطربوش الأحمر أو  البنيّ للسامريّين باستثناء وقت الصلاة. بنيامين التطيلي اليهودي (ت. 1173 م.) الذي زار هذه المنطقة المثيرة للاهتمام، كتب أنّ في نابلس مائة من الكوتيين الذين يؤمنون بالتوراة فقط، واسمهم السامريون. لديم كهنة متحدّرون من هارون ويسمّونهم Aaronim، وهم يقرّبون الأضاحي في كُنُسهم على جبل جريزيم، كما ورد في التوراة، ويدّعون بأنّه الهيكل المقدّس. وفي عيد الفسح والأعياد، يقدّمون القرابين على المذبح الذي بَنَوْه على الجبل من الحِجارة التي جمعها بنو إسرائيل بعد عُبورهم نهر الأردن. يذكر الكاتب وارن هنا، رأيَ المؤرّخ اليهوديّ، فلاڤيوس يوسيفوس، (ت. 100م.) ورواية سِفر الملوك الثاني  17: 24-28 حول أصل السامريّين، إنّهم كوتيّون من كوت في العراق، أُرسلوا لاستبدال سبط إفرايم، الذي نقل إلى بلاد ما بين النهرين.

إنّ أتباع إبراهيم، السُّمَرة، عادوا لتقديم القُربان على جبل جريزيم، بعد أن منعهمُ المسلمون مدّة أربعين سنة وذلك بجهود السيّد Finn القنصل الإنچليزيّ (James Finn,1846-1862،  ساعد السامريّين، مثل الرجوع عام 1852 والاحتفال بعيد القربان). نصب السامريّون الخيام على جبل جريزيم وكذلك السير وارن ورفاقه (لا يُفصح عنهم) في خِيام مجاورة. مرض وارن في الحلْق.

إنّ مدينة نابلس كانت منذ القِدم مدينة المياه، يذكر أن (النبي) محمّد Mahomet، أحبّ هذه المدينة أكثر من أيّة مدينة أخرى.  Mejr-ed-din (مجير الدين الحنبلي العليمي؟) يقول بأن السُّمَرة سَمّوا نابلس بالقدس-El-Kuds- نابلس بقعة محبّبة في فلسطين، إذ فيها فقط  تجري المياه بغزارة في كلّ فصول السنة. فيها ينابيع، أهي 33 أو 83 متدفّقة دوما (جون ميلز في كتابه المذكور آنفًا يذكر ما يقرب من 30 إلى 40 ينبوعا). موقع نابلس رائع، بين جبليْن عيبال في الشمال،  وجريزيم في الجنوب. وقبر يوسف يبعد عن بئر يعقوب حوالي نصف ميل (حوالي 804,5 م). الأوّل تحت عيبال، والآخر تحت جريزيم. (اُنظر يوحنا 4: 5). بئر يعقوب كانت بحاجة للتنظيف. 

بخصوص قبر يوسف، فإنّ التقليد الاسلاميّ يقول إِنّه في الخليل. قيل الكثير عن الجبلين، عيبال المقفر وجريزيم الخصب، ولكن في الواقع، ثمّة فرق بسيط بينهما، السفوح الجنوبيّة لكليهما جرداء، في حين أنّ الجهة الشماليّة لكليهما مُثمرة.  هنالك طريقان يؤديان إلى جريزيم، جبل البركة. يرتفع جبل جريزيم 3000 قدم  (914 م.) عن سطح البحر (في الأصل ocean،  المحيط). أُجريت حفريّات على الجبل في العام 1866 من قِبل Major Wilson و Captain Anderson. يذكر قِبْلة السمرة- Kibleh- وهي عبارة عن صخرة طبيعيّة على الجبل. يذكر مكان كنيسة يوسْتِنْيان المثمّنة، ذات ثماني زوايا وأضلاع، وإلى الغرب من القلعة تقوم الاثنا عشر حجرًا التي وضعها، كما يعتقد السامريّون،  يهوشع الملك، ولكن بالنسبة للعين الأوروبيّة فإنّها تبدو كأنّها جزء من الصخور الطبيعية. لا سِفْرَ للسُّمَرة بعد سِفْر يهوشع الذي كان نبيّا، كاهنًا وملكًا، بالنسبة للسمرة. هيكل القدس عبارة عن  أُسطورة/myth. وفي الجهة الجنوبيّة للصخرة المقدّسة، يوجد تجويف،  ويسمّيه السمرة قُدْس الأقداس، وإلي الجنوب من هناك مكان تقديم إبراهيم لابنه إسحاق. جبل السامريّين المبارك. في هذه المنطقة، قدّم إبراهيمُ إسحقَ، التقى ملكي تسيدك بإبراهيم وتسلّموا عشوره. هنا حلمَ يعقوب حُلْمه، وسمّى المكان بيت إيل، ولكن اسم تلك المدينة كان لوز. وهنا كان المذبح الذي أقامه يعقوب بعد رجوعه من فدان أرام، وسمّاه إيل إلوهي يسرائيل. يكتب وارن اللفظة ”مقدّس“ هكذا: Makdas (بقلب القاف كافًا). مع مثل هذا التبجيل لجبلهم، ومثل هذا الازدراء لليهود لدرجة أنّهم يسخرون منهم، لأنّهم لم يتركوا نظامًا منتظمًا للكهنوت، فهل يمكن أن نتساءل عمَّا إذا كان يجب أن تظل روح التنافس القديمة موجودة بين الناس؟ حتّى الآن، بعد تعرّضهم للضرب، والإحباط، وتضاؤل عددهم، لا يزالون يحتفظون بضراوة بأنفسهم ويحتقرون الآخرين.

Dean Stanley (Arthur Penrhyn Stanley, 1815-1881، عميد كهنة وِستْمِنستر ومؤرّخ لتاريخ الكنيسة، أحد مؤسسي PEF المذكورة آنفًا) وصف السامريّين، كما كتب تشارلز وارن، بدون إحالة لمصدر: 

يتميّزون بفراستهم/ بخصائصهم  (physiognomy) النبيلة ومظهرهم الفخم عن جميع فروع عِرق بني إسرائيل الأخرى. ولكنّه يعقّب على ذلك بقوله: لن أقول هذا، لم آخذ هذا الانطباع. بتخرقش راسي/مخّي بالعامّيّة -this did not strike me-  باستثناء واحد وهو يعقوب الوسيم (يعقوب يوسف صدقة الشلبي الدنفي المولود في العام 1829، كان أوّل سامريّ سافر إلى الغرب، إنچلترا في العام 1854 وعاد إلى نابلس في خريف العام 1856. ويعقوب هذا كان قد ساعد جورج چروڤ عام 1861 على رؤية درج أبيشع. الجدير بالذكر، أنّ السيّدة ماري إليزا روجرز، 1828-1910، في كتابها المعروف Domestic Life in Palestine الصادر بطبعته الأولى العام 1862 كتبت: الرجال السامريون وسام عادة، طوال القامة، معافون وأذكياء، الذين يعرفون القراءة والكتابة قلائل جدّا. اُنظر https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=583903 )، أي يعقوب الشلبيّ آنف الذكر، فإنّ السامريّين يتمتّعون بمظهر متوسّط عاديّ، حسّي، منعكسٌ  جيّدًا في صورتنا، ”وليس لديهم الهواء الحر لليهود“  أي: لا حريّة، انفتاح وثقة بالنفس، وربّما بقسط ما من نبل الشخصيّة، فهم ليسوا عبيدًا أو خدّامًا لأحد، -and have not the free air of the Jews-، سواء كانوا سفارديم أو أشكناز: ومع ذلك، نادرًا ما يكون من العدل مقارنتهم (أي السامريّين) بأبناء الجنس العبريّ، الذين كانوا منذ مئات السنين في المنفى خارج فلسطين (وارن لا يذكر أنّ السامريّين هم من بني إسرائيل، من ٱبني يوسف-إفرايم ومنشه- ولاوي، فهو أتى بما ورد في سفْر الملوك الثاني 17: 24، بخصوص أصلهم). بحسب رأيه يجب مقارنتهم بـالمسيحيّين الأصليّين وبمسلمي المدينة والفلّاحين والبدو، فإنّهم لا يتحلّون بأيّة خصائص متفوّقة، فهم عاديّون. هناك رجال ونساء وسيمون/جميلات بشكل لافت للنظر، بين السكّان الأصليّين في فلسطين. ووارن لم يرَ أحدًا كأولئك بين السامريّين. 

قبل وصول وارن لنابلس، حدث انقسام بين السامريّين. لقد تمّ الاتّفاق على أن تضحّي العائلات بأغنامها بشكل منفرد، وأن تأكل لحم عيد الفسْح في المنزل، أو بمفردها، كما يفعل اليهود في الوقت الحاضر، كما فعل السامريّون قبل حوالي ثلاثين عامًا، عندما تمّ منعهم من تقديم الأضحية على الجبل. يبدو أنّه في عيد الفسح السابق، أخذ بعض الرجال، أكثر جشعًا من الباقين، أكثر من نصيبهم من العيد، واعتقد آخرون أنهّم تعرّضوا للخداع. كان يعقوب الشلبي يأمل أن يستفيد ماديًّا من زيارة وارن هذه لطائفته، إلّا أنّه واجه الكثير من المتاعب مع أفراد الأطراف المتضرّرة، وأقنعهم مرّة أخرى بالالتقاء كأُسرة سعيدة على قمّة الجبل المقدّس. كانوا على الجبل، في خيام متقاربة، باستثناء اثنتين، حيث تواجدت فيهما بعض النساء لأسباب دينيّة.

في الثامن عشر من نيسان سنة 1876، الموافق لليوم الرابع عشر من شهر الربيع، حلَّ قربان الفسح. تجمّع على الجبل حوالي خمسة وأربعين سامريًّا مُسنًا وشابًا باللباس الأبيض، أما النساء فبقين في الخيام. الكاهن كان يقرأ من توراة  قديمة جدّا ولكنّها مجلّدة وشبيهة بتلك التي اقتنتها السيدة Ducat (لا علم لي بهذه المعلومة ولا بهذه السيّدة). عمق الفرن/الحفرة ستّة أقدام والقطر ثلاثة أقدام وأشعلوا فيه/ا حطبَا أخضر، سبعة خِراف، وبضعة جزّارين يلّوحون بسكاكينهم، يُلقون الخِراف على الجانب، وخلال ثوانٍ قليلة يتمّ النحر، ويُرشّ الدم على جبين الأولاد. 

بعد منتصف الليل بالضبط سُمع صُراخ، يعلن أنّ العيد جاهز، والرائحة المنبعثة من فوهة الحفرة /pit لم تكن جيّدة/طيّبة/سائغة. حتّى هذه المرحلة، كلُّ شيء مرّ على ما يرام. فجأة، شيطان الجشع استولى عليهم، واندلع خصام شديد حول تقسيم اللحم، وسُرعان ما تلاشت روح الإيمان. تدخّل يعقوب (الشلبي) وعمران وفضّا الخلاف مؤقّتا لتفادي الفضيحة أمام عيون الأجانب. وكلّ واحد أخذ حصّته على عَجَل. 

بعد عودته للقدس التقى السير تشارلز وارن بالدكتور روزين (Georg F. W. Rosen 1821-1891، قنصل بروسيا في القدس) الباحث المعروف عن الشرق، وسأله عن المخطوط الذي أعطاه إياه يعقوب الشلبي وكلّفه خمس ليرات إسترلينيّة، ولم يكن الشلبي راضيًا عن هذا، إذا توقّع قبض خمسين ليرة.

اليوم الحادي والعشرون من نيسان العام 1876، كان اليوم الأخير للسير وارن على الجبل. في اليوم التالي رحل مع رفاقه/مرافقيه من الجبل للغور، وكانت مئات من الحشرات، أبو مقصّ/ earwig تغصّ في الملابس. ويذكر السير وارن بأنّ يعقوب (الشلبي) جاء إليه إلى الخيمة فأعطاه خمسمائة قرش/بياستر مقابل ما أحضر له ولمرافقيه من طعام. ألحّ يعقوب على تقبيل يد المانح. كما التقى وارن برؤساء السمرة، وأعطاهم خمسمائة قرش/پياستر أيضا لما صوّر، وأعطى عمرام والكاهن الشاب مائة قرش/پياستر. 

وأخيرًا، يشير السير وارن بأنّ تحضير القهوة البدويّة استغرق ساعة. قُدِّمت القهوة بفناجينَ صغيرة حتّى نصفها، إذ لا يجوز ملأ الفنجان لشخصٍ ذي رتبة كالفرانك، إذ تملأ الفناجين للرعاة فقط.


الملحق

ثلاثة أشهر في نابلس، الطائفة السامريّة عن قرب، جون ميلز، ترجمة الدكتور عامر أحمد القبَّج. قسم التاريخ/ كليّة العلوم الإنسانيّة، جامعة النجاح الوطنيّة. نابلس- فلسطين. شؤون الدراسات العليا والبحث العلميّ في جامعة الأقصى-غزّة - فلسطين،/ عمّان: دار دجلة ناشرون وموزعون 2020. 


العرب

* عدد السكان ثمانية إلى عشرة آلاف، 9400 مسلمون والمسيحيون 500 أو 600، السامريون 151 واليهود 100. 

* تعصب أعمى. عِمامة زرقاء للكاهن المسيحي. 

*  ولكن طريقة التقبيل الخاصة بهم غريبة؛ إنهم لا يقبلون الشفاه أبداً، كما يفعل الأوروبيون، بل الخدين والكتفين فقط. يقبّل أولاً الخد الأيمن، ثم الأيسر، وقد يكتفون بذلك ولا يقبّلون الأكتاف، وإذا قبّلوا الأكتاف فيقبّلون الأيمن ثم الأيسر أيضًا، مثلما فعلوا في العصور القديمة (التكوين، 33: 4؛ 45: 14، 15؛ لوقا، 15: 20).

* المسلمون، بشكل عام، لا يقومون بتوجيه التحية لأي شخص أو عناقه ما لم يكن مسلماً وأخًا في الإيمان.

* عندما يدخل الكاهن أو القسّيس؛ يقبِّل جميعُ الأطفال الحاضرين ظهر يده، وكذلك يفعل بعض البالغين في الكنيسة أو في أي مكان.

* ربما لا يوجد أشخاص أكثر مراعاةً لعلامات التميُّز ولا أكثر حرصاً على الحصول عليها من العرب. يبدو أن عطش التباهي العبثي متأصل بعمق في طبيعتهم.

* ومما شاهدته أن الناس هنا من أكثر الشعوب شغفاً بالتدخين وأشدهم شراسة في تعاطيه؛ لقد رأيت أكثر من اثني عشر مدخناً يتعاطونه سوياً في الغرفة نفسها. وكان بعضهم مدمنًا على تعاطيه لدرجة أنهم لا ينفصلون عن أنابيبهم إلا عندما يأوون إلى الفراش.

* وبعد حفلة الأرجيلة يأتي دور القهوة، فالعرب مغرمون جداً بها، إذ يشرب الواحد منهم عدة أكواب في اليوم، وتعد القهوة دليلاً على كرم الضيافة تجاه الزائرين، وإذا أراد المضيف إهانة زائره وتجاهله؛ فإنه يمتنع عن تقديمها له. وبعد أن ينتهي الفرد من الشرب يعيد الفنجان، وخلال ذلك يميل رأسه قليلاً ويلمس جبهته بيده اليمنى ويُحيي المُضيف، فيقوم المضيف بدوره بنفس الحركات. 

* ما أشعل غضبه (الزوج) أكثر، فشتمها (زوجته) وأمها وأصدقاءها وأقاربها، كما يفعل العرب. وثمة سمة غريبة جداً للشخصية العربية، لم أكن قد لاحظتها من قبل: مقاطعتهم لبعضهم خلال الكلام، علاوة على الصراخ والفوضى والاندفاع العاطفي.

* لعل من الأمور الشائعة لدى العرب؛ الإسراع في الزواج بعد وفاة الزوجة، وعدم الانتظار، وبخاصة إذا ما توفرت العوامل والظروف التي تنسجم مع الأعراف والتقاليد الشعبية.

* ولم ينكر محاورونا اتِّسام العرب بجملة من الرذائل والمثالب، ولكن اعترافهم بوجودها لا يأتي بهدف إبداء الأسف عليها أو من أجل عقد العزم على تجاوزها والإقلاع عنها؛ وإنما من أجل تبريرها والتنصل من المسؤولية عنها.

* ولكن العرب تفوقوا على غيرهم في حُبه (أي المال) وعبادته. ومن أجل الحصول عليه دون جهد كبير؛ يلجأ العربي إلى التوسل، والكذب، وقد يفعل أي شيء، وكل شيء، من أجله. ولا تتلألأ عيون اليهودي أو غير اليهودي بصورة أكثر سطوعاً؛ إلا عندما يحصل على قطعة النقد المعبودة. أَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ" (الرسالة الأولى إلى ثيموثاوس، 6: 10).

* حب المال، الكذب، الخداع وعدم النزاهة، (المزامير 12: 2)، غياب الورع والتقوى، ممارسة عادة الشتم، قسوة ووحشية.

* صديق يهودي، حاخام في القدس، حدثني يوماً عن الحالة الأخلاقية لمجتمعه، فقال: سأخبركم بحالتنا في بضع كلمات، نحن نعيش اليوم حالة مشابهة لما كانت عليه أوضاع أجدادنا أيام إرميا: لا يوجد ثقة بين الناس، ولا يثق الأخ حتى بأخيه، والافتراءات بين الناس هي سيدة الموقف، وكذلك الخداع والكذب. وبذلك يكون قد أعطى صورة واضحة عن الحالة المجتمعية التي نعيش.

* والعربي بارع أيضاً في إخفاء مشاعره.

* ويمكن القول أن العربي يعامل فرسه بلطف ورقة أفضل مما يعامل زوجته وأهل بيته.

* وعلى الرغم من كل ما ذكر؛ فإن العرب يملكون بعض صفات الوفاء والرجولة والشهامة، مختلطة مع شخصيتهم بطريقة غريبة. وهذه الصفات والشمائل غير موجودة لدى كثير من الأشخاص ممن ينتمون إلى نفس الطبقة في أوروبا. فعندما تحوز ثقتهم، فإنهم يظهرون الكثير من اللطف وكرم الضيافة. كما لا يمكن لأحد إنكار رجاحة عقلهم، وفي هذا فإنهم يمثلون أنموذجاً يُحتذى. وكما قال غيريوس مزبر: سيصبح العرب شعباً محترماً عندما يشاء الله أن يمنحهم طبيعة أفضل.


السامريّون

* ويعتقد السامريون أنهم الوحيدون من أبناء إسرائيل الأنقياء وغير المختلطين، وينحدرون من نسل يوسف الصديق وأبنائه، …  يحاول السامريون البرهنة على أنهم الممثلون الحقيقيون الوحيدون لبني إسرائيل الذين دخلوا فلسطين بقيادة يوشع بن نون، وأن عائلة كاهنهم الحالي يقع نسبها في سلسلة غير منقطعة تصل إلى هارون؛ أول كاهن للأمة.

* السامريون يعيشون في نابلس فقط، على غرار الغيتو.

* كان عدد السامريين في العام 1855 مائة وخمسين فردا تابعين لأربعين عائلة. وبعد خمس سنوات لم يزدادوا إلا بشخص واحد.

* وإذا ما انتقلنا للحديث عن الشخصية السامرية؛ أشير أنني عايشت عرباً ويهوداً في المنطقة؛ ولكني لم أجد أحداً يمكن مقارنته بهم، إذ يتسم السامريون بالنبل، ويتميزون عن غيرهم بصفات شخصية فسيولوجية خاصة: طول القامة وشموخها، وبجبهة مستقيمة وعالية، وجبين كامل ممتلئ، وعيون كبيرة على شكل حبات اللوز، وأنف معقوف، وفم كبير إلى حد ما، وذقن حسن الخلقة، مع استثناءات قليلة. 

* المسؤولون السامريّون: سلامة بن طابيه (غزال)، كاهن الربّ العليّ في نابلس، كما وقّع إلى جانب اسمه، زاول استحضار الأرواح والسحر، أضمر عداوة وحقدًا تجاه يعقوب الشلبي؛ عمرام بن سلامة المولود عام 1816 تزوج ثانية لإنجاب ذكر يخلفه وتم له ذلك. دأب ملز بالجلوس مع عمرام يوميًّا بضع ساعات؛ لقد كان الأفضل من بين جميع السكان الأصليين الذين التقيت بهم على اختلاف عقائدهم، باستثناء اثنين أو ثلاثة كانوا متأثرين بشدة بالحقائق الإيمانية الإنجيلية. وسأحتفظ لهذا الكاهن بكل آيات الشكر والاحترام، لأنني مدين له بكل المعلومات التي حصلت عليها حول الطائفة السامرية؛ يعقوب بن هارون ابن أخ عمرام.

* وتجدر الإشارة هنا أنه لا يوجد في العالم شعبٌ أكثر اهتماماً بموضوع النسل وشغفاً به من شعب فلسطين. وهذا ليس بجديد؛ فمسألة إنجاب الأطفال لم تزل تستحوذ على اهتمامه العاطفي والفطري منذ أقدم العصور. فهكذا كانت حنة -Hannah-في قديم الزمان (صموئيل الأول، 1: 5-6).

* التمييز بين الذكر والأنثى شائع في الشرق.

* ومن أهم الأيام التي تجلب الحظ الحسن لدى السامريين؛ يوم الخميس، وهو اليوم الوحيد الذي يحددونه للخطبة. 

* اللغة العبرية القديمة الأصلية، وهي لغة لسانها غير معروف سوى لعدد قليل جداً من الناس.

* الطلاق ممنوع لدى السامريين، بعكس جيرانهم اليهود والمسلمين، ليس بسبب النظرة المجتمعية لقدسية رابطة العلاقة الزوجية، ولكن السبب يكمن في المقام الأول بندرة الإناث. 

* يعقوب شلبي، الذي تحدثنا عنه، حيث قام السامريون بمنح عروسه خلال وجوده في إنجلترا لشخص آخر، وذلك بسبب سلوكه المخزي خلال سفارته كرسول لهم إلى إنجلترا.

* لا حليتساه عند السامريّين، أي زواج شقيق الزوج المتوفّى من أرملته.

* وأما بخصوص موضوع الطهارة؛ فهناك سبعة أشياء تنجس، أربعة تخص كلا الجنسين، وثلاثة تقتصر على الجنس الأنثوي: أولاً: الجِماع . ثانياً: الاحتلام الليلي، أي وقوع الجنابة بدون فعل جنسي حقيقي. ثالثاً: لمس جسد الميت. رابعاً: لمس الطيور غير النظيفة، ورباعيات الأرجل والزواحف. خامساً: الدورة الشهرية، وتبقى المرأة نجسة سبعة أيام. سادساً: الأنثى خلال النزف -Haemorrhage- إذا ما استمر بعد انقضاء أيام الدورة الشهرية لأكثر من سبعة أيام. سابعاً: الولادة، وتبقى الأم نجسة لمدة واحد وأربعين يوماً إذا كان الطفل ذكراً، وإذا كانت أنثى؛ لمدة ثمانين يوماً. 

* صلاة السامريّ الصباحية كالعادة بالعبريّة القديمة طويلة ومملّة وهي قبل الطعام، الشرب أو التدخين. وهذه العبرية مقدّسة عند السامريّ والقِبلة نحو جبل جرزيم. والسامريون لا يميزون بين الذكور والإناث في صلاة الصبح كما يفعل اليهود. الفرق الوحيد بين الجنسين لدى السامريين هو أن صلاة الإناث أقصر قليلاً من الذكور.

* عندما يجلس السامريون لتناول الطعام تُعلن البركة، أي النعمة والشكر، قبل تناوله؛ ويشكرون الله مرة أخرى عند الانتهاء منه، وهذا الواجب يقع على عاتق ربّ الأسرة تمشياً مع شريعة موسى وسنّته.

* ويحرص السامريون على إعداد طعامهم بأنفسهم، لأنهم لا يأكلون أي طعام مطبوخ خارج بيوتهم، ولا يأكلون طعاماً أعده اليهود أو الوثنيون.

* وبعد خروج الروح تبدأ على الفور طقوس غسل الميت وتطهيره بعناية بالماء النظيف، على يد أشخاص من نفس الطائفة، مكلفين بهذه الخدمة؛ ويعتمد اليهود الطقوس نفسها، كما لا يستأجر الطرفان مسلمين أو مسيحيين لهذا الغرض. وبعد تغسيل الميت تقرأ آيات من الكتاب المقدس حتى الآية 1 من سفر العدد، إصحاح 30.

* ومن ناحية أخرى فإن السامريين لا يصلّون على الأموات أو من أجلهم في كل مناسبة كما يفعل اليهود. قال عمرام: نحن لا نصلي من أجلهم، ولا نصلي للأحياء أيضاً، نحن نصلي لله فقط.

* ومن الغريب أن نلاحظ أنه لا يوجد طائفة دينية أخرى تستخدم التوابيت غير السامريين. إنهم يفعلون ذلك تقليداً لما حدث مع أبيهم يوسف بعد موته (التكوين، 1: 26).

* ويُطلِق السامريون على المقبرة "بيت الموتى"، بينما يطلق اليهود بكل أقسامهم عليها "بيت الأحياء".

* ولعل أقدم الأماكن التي خصصت لدفن موتاهم (السامريون)، وفقاً لرواية عمرام، كانت عند أسفل سفح جبل عيبال، ليس بعيداً عن الطرف الشرقي من الوادي.

* من الصعب التمييز بين صلاحيات كل من الكاهن وراعي الطائفة أو إيجاد خط فاصل بينهما، إلا عندما يتعلق الأمر بالنطق بمباركة الكهنوت، وهذا من صلاحيات الكاهن وحده.

* وأما الأسماء التي يدعون بها الله؛ فهي: يهوه، إلوهيم، شاداي، وأدوناي. والأول هو الأكثر قداسة، يستخدمونه في معظم الأحيان، وعادة ما تبدأ رسائلهم بعبارة "باسم يهوه" -Beshem Jehovah-. (لا يذكر المؤلّف أنّ السامريّ لا يلفظ الاسم يهوه بل يقول شيما أي الاسم).

* الكاهن عمرام لفظ الكلمة שילה shalah, التكوين 49: 10، وسمع أن التاهب/المسيح سيأتي عام  1910.

* يؤمن السامريون بشدة بالحياة الأخرى.

* ومن الجدير بالذكر أن كنيسهم الحالي ليس قديماً، وأما السابق فيعود تاريخه إلى ما قبل العصر المسيحي، وكان، كما قيل لنا، مبنياً ببراعة وإتقان، وقبل 470 سنة صادره المسلمون منهم، وحوَّلوه إلى مسجد.

* وأثناء الصلاة يكون الوضع العام هو الجلوس على الأرض؛ نوع من القرفصاء. المسيحيون المحليون يقفون أثناء الخدمة الإلهية، باستثناء عدد قليل من البروتستانت الذين يتصرفون مثل السامريين عندما يجتمعون للصلاة. 

* وخلال بعض أجزاء الصلاة يقف المصلون السامريون جميعاً، وفي أجزاء أخرى يسجدون نحو المذبح، ويمارسون عادة السجود في احتفالاتهم أيضاً. وأما اليهود فلا يسجدون أبداً إلا في يوم الغفران.

* خلال أداء الصلوات في الكنيس السامري يبقى المصلون معتمرين غطاء الرأس؛ فالرأس المكشوف وفق تقديرهم يشير إلى عدم إظهار الاحترام، كما أنهم لا يسمحون لأي زائر غريب بخلع قبعته أثناء تواجده في الكنيس، وفي هذا يتفقون مع اليهود، ومع جميع السكان المحليين الأصليين.

* وبالإضافة إلى ذلك، أخبرني عمرام أنه استحدث عادة لقراءة التوراة كلها مرة واحدة في الشهر. 

*  أما لغة الطقوس فهي العبرية القديمة، ولكنها تبدو كلغة ميتة، لأن المصلين لا يفهمون ما يسمعون، ما عدا الكاهن ورجال الدين المقربين وواحد أو اثنين من الحضور.

* وأما طابع طقوسهم فغريب جداً، ولكنه أكثر احتشاماً ولياقة مما هو متبع لدى المسلمين واليهود والمسيحيين، باستثناء بعض البروتستانت. ولم أر قط خلال العبادة الجماعية السامرية مشاهد عنيفة أو همجية كالتي شاهدتها في أماكن عبادة أخرى.

* فقد اقترحت مرة على عمرام أن القراءة البطيئة والأسلوب الأكثر هدوءاً ستكون مفيدة ومجدية أكثر. فأجاب أن الجماعة، وبعد أن اعتادت على هذه الطريقة؛ فمن الصعب إقناعها بأخرى.

* كان "شيوخ إسرائيل السبعون" قد ألفوا سبعين لحناً في زمن موسى، وفقا للرواية السامرية، وقيل لنا أيضاً أن هؤلاء كلهم كانوا موسيقيين.

* السامريون لا يقحمون الخدم والمساعدين من ديانات أخرى للقيام بأي عمل يخالف قدسية السبت، وأما اليهود فلديهم ما يعرف بالأغيار -Goim- يتخذونهم من غير اليهود، لإشعال النار وإيقاد الشموع (الخروج، 35: 3).

 ففي أحد أيام السبت تلقيت رسائل من أصدقائي في القدس، ومنها واحدة لعمرام، فسلمتها له في ختام خدمة الصباح، ولم يتمكن من فتحها بسبب السبت، وعندما فتحت له؛ قام بقراءتها.

* والفكرة العظيمة المتمثلة في المحافظة على حرمة السبت هي أن يظلوا هادئين، وعلى السامري التزام الطاعة مهما كانت العواقب، حتى لو سرق اللصوص أغنامه، أو شبّت النار في بيته أو تعرضت حياته للخطر. بمعنى آخر؛ لا يجرؤ على التصرف بأي شكل من الأشكال من أجل الدفاع عن نفسه أو عن ممتلكاته.

* ولم أتمكن من معرفة إن كان لديهم طبق مميز بعينه ليوم السبت. ومن ناحية أخرى؛ لا يقلد السامريون طقوس اليهود في احتفالات كيدوش-Kidush- وهبدَلاه -Havdalah- وتوابعهما عندما يدخل السبت. 

* آخر هذه الجداول المكتوبة كانت قد أُرسلت بواسطة سلامة، والد الكاهن الحالي في عام 1820م، إلى إخوانه المفترضين في أوروبا. إن طريقة الحساب السامرية بحد ذاتها مثيرة للفضول والاهتمام، وسأضيف إلى صفحات هذا الكتاب عينة منها، كتبها الكاهن السامري بنفسه.

* ومن الضرورة أن نعلم أن السامريين كاليهود؛ لديهم نوعان من السنوات، نوع مدني وآخر كنسي ديني. النوع الأول يبدأ مع شهر تشري، والثاني مع نيسان. ويتم تنظيم جميع الأحداث المرتبطة بشئون الحياة العامة وتوفيقها زمنياً بناء على التقويم السنوي المدني، وأما الأحداث والمناسبات الدينية فيربطونها بالتقويم السنوي الكنسي الديني.

* كان المسلمون قد منعوهم من إقامة الفصح على قمة الجبل لما يقرب من أربعين عاماً، فأقاموه في الحي الخاص بهم، في المدينة، إلى أن استعادوا حقهم في الصعود إليه منذ عشرين عاماً خلت، بوساطة السيد فِن -Mr. Finn-القنصل الإنكليزي في القدس.

* في وقت مبكر من صباح اليوم الرابع عشر، يغلق جميع أبناء الطائفة، مع بعض الاستثناءات القليلة، مساكنهم ويتسلقون جبل جرزيم، وينصبون خيامهم على قمته بشكل دائري، استعداداً للاحتفال بأكبر مناسبة قومية.

* وخلال إقامتي في نابلس في بداية عام 1860م، تلقيت دعوة من عمرام كاهن الطائفة السامرية لقضاء أيام الفصح في خيمته الخاصة. وبعد أن مكثت سبعة أيام في القدس، حضرت خلالها احتفالات المسيحيين بعيد الفصح؛ عدت إلى نابلس في الوقت المناسب لأشهده مع السامريين، وفي العام المذكور صادف حلول العيد يوم السبت، فكان لا بد من البدء بطقوسه يوم الجمعة الذي وافق الرابع من أيار. وهذا ما دفعهم إلى تقديم الإجراءات ساعة أقل من المعتاد حتى يتسنى لهم الانتهاء قبل دخول السبت.

* منع تصوير الاحتفال بعيد القربان.

* فتحت أقدامي توجد آثار المعبد الشهير المهدم، وعلى يساري، إلى الجنوب؛ الطريق، المكون من الدرجات السبع، الذي طرد منه آدم من الجنة. وإلى الجنوب قليلاً؛ المكان الذي عرض فيه إسحق للذبح. وبالقرب منه باتجاه الغرب كانت صخرة قدس الأقداس. وبالضبط، بالقرب من الحائط الذي وقفت بجواره، إلى الشمال الغربي منه، أحجار يوشع بن نون المشهورة.

* الفرن/حفرة الفسح عمقها ستة أقدام تقريبًا وقطرها ثلاثة. 

* عدد المحتفلين البالغين الذكور 48 وعدد الخراف ستّة.

* النساء والأطفال الصغار بقوا في الخيام.

* وحينها (أي بعد نحر الأضاحي) قام الشبان بغمس أصابعهم في الدم وبدأوا يضعون جزءاً منه على جباه الأطفال وأنوفهم، ثم وضع الدم على جباه بعض الإناث وأنوفهن؛ أما الذكور البالغون فلا.

* وأزيلت أرجل الحملان الأمامية اليمنى التي تخص الكاهن، ووُضعت مع الأحشاء الداخلية فوق النار، وأضيف إليها الملح، وأُحرقت. وأما الكبد فتمت إعادته بعناية. ثم قاموا بإزالة أوتار عراقيب الحملان، ورشوا الملح في جوف كل منها. وبذلك تكون جاهزة للشيِّ. 

* فنحاس بن إسحق تولّى توزيع اللحم المشويّ على المحتفلين. وطريقة تناوله مذكورة في سفر الخروج 12: 11. وفي أقل من عشر دقائق نفذ كل شيء ولم يبق سوى العظم والقليل من الفتات، التي نشطوا في جمعها، وفُحصت المنطقة بعناية، فالتقطت كل كسرة خبز أو بقية من طعام بالإضافة إلى العظام، وألقيت كلها في نار داخل حفرة أعدت لهذا الغرض: "وَلاَ تُبْقُوا مِنْهُ إِلَى الصَّبَاحِ. وَالْبَاقِي مِنْهُ إِلَى الصَّبَاحِ، تُحْرِقُونَهُ بِالنَّارِ" (الخروج، 12: 10).

* الخبز المستخدم في هذا العيد يطلق عليه السامريون: ماسات -Masat-، ويلفظونها بالعبرية: ماتسوث -Matsuth- وهو مطابق تماماً للماتسوث اليهودي، إلا أنه أكبر قليلاً، ومن أجل المزيد حول هذا الموضوع؛ يجب أن أحيل القارىء إلى كتابي "اليهود البريطانيون".

* السامريون مثل اليهود المتشددين يعلقون بعض الكعك في منازلهم حتى عيد الفصح التالي، بهدف الحماية وطرد السحر والشياطين، ومن أجل جلب البركة للبيت والأسرة. 

* وفي اليوم التاسع (من الشهر السابع)، قبل ساعتين من غروب الشمس، يتطهر الجميع، ذكوراً وإناثاً، بمياه جارية نظيفة؛ وبعد ذلك يتناولون الوجبة الأخيرة قبل الصوم الكبير، وعملية التطهر هذه يجب أن تتم على الأقل قبل نصف ساعة من غروب شمس ذلك اليوم. وبعد الانتهاء من الوجبة؛ يبدأ الصيام الأكبر والأكثر صرامة حتى بعد انقضاء نصف ساعة من غروب شمس اليوم التالي، وبذلك يكونوا قد صاموا بشكل جماعي خمسة وعشرين ساعة (اُنظر سفر اللاويين 23: 27-32).

* وخلال فترة الصيام المذكورة (يوم الغفران)، لا يُسمح للرجل أو المرأة أو الطفل، ولا حتى المرضى أو الرضع، بتذوق أي كسرة خبز أو قطرة ماء، ولا يُسمح بأي تساهل، مهما كان تافهًا؛ صيام صارم جداً، وحتى الدواء ممنوع. وقبل حوالي نصف ساعة من غروب الشمس يجتمعون في الكنيس، حيث تبدأ الطقوس الدينية الخاصة بذلك اليوم ليوم واحد، ويتم أداؤها دون انقطاع في ظلام دامس طوال الليل، تتلى خلالها أسفار موسى الخمسة، إلى جانب الصلوات والأدعية التي تتم قراءتها بما يتناسب مع هذه المناسبة. وتتكرر هذه النصوص الدينية التوراتية من قبل الكاهن عمرام وابن أخيه بالتناوب، وأحياناً من قبل شخص آخر من المصلين. وتجدر الإشارة أن هذين المسئولين على دراية جيدة بطقوس المناسبة، وأنهما قادران على تلاوة التوراة عن ظهر قلب…

* وفي صباح اليوم التالي يخرجون في موكب لزيارة مقابر بعض أنبيائهم، ويقومون هناك بقراءة أجزاء من التوراة. وبعد عودتهم عند الظهر، يتم استئناف الطقوس في الكنيس كما كان من قبل. وعندما تقترب من نهايتها تقام أعظم المراسم لهذا اليوم، وذلك من خلال عرض الدَّرْج: اللفافة القديمة التي يؤمنون أن كاتبها هو أبيشوع (أڤيشع) الحفيد الأكبر لهارون.

* وبذلك تكون جميع طقوس يوم الغفران-Kibburim- المملة قد انتهت، وهنا يمكن أن نضيف أن المحتفلين يستخدمون العكازات ليميلوا عليها أجسامهم للاستراحة، وكذلك يفعل مسيحيو الشرق.

* في يوم الحادي عشر أي في الغد من يوم الكفارة، يبدأون ببناء المظال، التي يجب أن تكون جاهزة في صباح يوم الرابع عشر، ويجب أن تُنصب في الهواء الطلق، ولهذا الغرض يتم بناء ساحات لها. لم أتعلم طريقة بنائها، ولا الطريقة التي يستخدمون بها أربعة أنواع من الأغصان (اللاويون 23:  40، 42-43، ).

* في شهر شابات -Shabat- يحيي السامريون عيد فوريم أو بوريم -Porim-. أما اليهود فيحتفلون به في الرابع عشر من شهر آدار -Adar- إحياءً لليوم الذي أنقدت فيه الملكة اليهودية إستير -Esther- يهود فارس من المؤامرة التي دبرها زوجها لذبحهم. وكلمة بوريم تعني "جزء" أو "نصيب"، ولكن السامريين يحتفلون به في الشهر السابق، وتحديداً في السبوتات الثلاثة الأواخر من الشهر، ليس لخلاص اليهود على يد إستير، وإنما إحياء لذكرى الخروج من مصر بقيادة موسى. ولدى السامريين طقوس في هذا اليوم تستمر ست ساعات، تضم استعراضاً لتاريخ الحدث كما هو مسجل في التوراة، مع الصلاة، وترانيم البركات والأناشيد. والهدف من هذا العيد هو أن يكون إحياءً تذكارياً لمهمة موسى الكريمة والظروف المرتبطة بها. وهذا العيد غير إجباري كما قال الكاهن، الذي بدوره يسميه عيد الفرح.

* ويعد جبل جرزيم قِبلة السامريين الأولى والوحيدة في العالم. فمثلما يولي اليهودي في جميع أنحاء العالم وجهه في الصلاة شطر جبل الهيكل في القدس؛ كذلك يفعل السامري تجاه جريزيم، الذي هو جبل هيكلهم. ولا شيء يمكن أن يُعطي فكرة أفضل عن التقدير الكبير الذي يكنونه لهذا الجبل المقدس من الأسماء المختلفة التي يسمونه بها، وعددها ثلاثة عشر اسماً. وسوف اسميها كما وردت على لسان عمرام: …

* يُعدُّ أهالي نابلس أكثر أهل فلسطين المسلمين تعصباً وشراً، وما زاد الطين بلة؛ السياسة السيئة التي تنتهجها الحكومة المحلية تجاه شعبها، منذ عصور. 

* ومن أهم العائلات المحلية التي نشطت في التنافس فيما بينها على الزعامة؛ عبد الهادي وجرّار وريّان وطوقان، فحققت نجاحات متفاوتة، ما خلق جواً من التوتر، وأبقى المنطقة في حالة صراع وحرب وسفك للدماء. فسجلت الفترة الواقعة بين 1805 و1842م إجراء ما لا يقل عن ثلاثة عشر تغييراً للحكام، ما جعل منطقة جبل نابلس تضطرم بالصراعات والمؤامرات لفترات طويلة، فأضر ذلك كثيراً الوضع المعيشي للسكان، وبخاصة إذا ما علمنا أن كل تغيير كان يرافقه رشاوى ثقيلة، مما سيجعل الحاكم الجديد مضطراً لسد العجز في موارد خزينته من خلال فرض ضرائب باهظة على السكان.

* كان السامريون من أكثر الناس معاناة واضطهاداً على يد المسلمين في ظل الأوضاع المذكورة، لأسباب سياسية ودينية.

* وفي عام 1841م، تعرضوا لشتى أنواع التنكيل، ولم ينقذهم من محنتهم سوى الإعلان الذي أصدره الحاخام اليهودي الأكبر في القدس. وسأقدم القصة كاملة كما رواها أحدهم: قبل العام المذكور بقليل، كانت أرملة سامرية قد تعرضت للخداع من قبل بعض المسلمين المؤثرين، فاعتنقت الإسلام. وكان لديها ابناً وابنة بقيا يعيشان عند السامريين، فقرر العلماء المسلمون أن عليهما اتباع دين أمهما واعتناق الإسلام، إلا أن حاكم المدينة لم يوافق على هذا الإكراه، وعارضه بشدة. فغضب العلماء منه بسبب معارضته لهذا الأمر الديني، ما أدى إلى إحداث مزيد من الفوضى، فاستغل محمود عبد الهادي، عمّ الحاكم، هذا الأمر وذهب إلى دمشق بحجة السعي لإصلاح الأمر، وهناك، عن طريق الرشوة والتضليل، حصل على مرسوم يمنحه الحق في الحكم، ما أدى إلى عزل ابن أخيه. وعند وصول محمود إلى نابلس؛ أخبره العلماء أنه لن يحظى بتأييدهم ورضاهم ما لم يعمل تطهير المدينة من الديانة السامرية، وطلبوا منه أن يقوم قبل ذلك بإكراه ابني الأرملة السامرية على اعتناق الإسلام. فرضخ الحاكم الجديد لمطالبهم، ونجح في حمل الصبي، ذي الأربعة عشر عاماً، على اعتناق الإسلام، بعد أن سجنه لمدة أسبوعين، تعرض خلالها للتهديدات والجلد المتكرر، كما أُجبر على تغيير اسمه من إسحق إلى محمد، وهو معروف الآن في جميع أنحاء جبل نابلس باسم محمد بن أسعد. أما أخته فماتت بسبب الخوف والتعذيب. وبعد إسلامه، تجمع العلماء وتآمروا على قتل جميع أبناء الطائفة السامرية ما لم يعتنقوا الإسلام. ومن قبيل الصدفة أن سامرياً اسمه مبارك كان من بين الحضور، فانزعج مما سمع، وأخذت نفسه تسوله بإبلاغ إخوانه، ولكن المسلمين هددوه وأجبروه على اعتناق الإسلام، ثم حملوه على ظهور الخيل وطافوا به أرجاء المدينة ابتهاجاً، وصاروا ينادون على أبناء الطائفة يدعونهم للإسلام. فشعر السامريون بالخوف، ما دفعهم إلى الاختباء، وهرب البعض من المدينة.

* ومن الجدير بالذكر أن السامريين، خلال السنوات الأربعين الأخيرة، سُحقوا تقريباً بسبب بربرية عبد الهادي وموسى بيك، ما اضطرهم للسعي مراراً لطلب حماية فرنسا وبريطانيا؛… عمد الباب العالي إلى إسناد مهمة حكم المدينة لحاكم تركي عام 1855م، فتحسنت أحوال السامريين.

* (تفيد المخطوطة المكتوبة عام 1772 بقلم أحمد أفندي التي يملكها د. لي Lee: عمائم السمرة يجب أن تكون مصنوعة من مواد خشنة غليظة وملابسهم كذلك؛ منع السامريون من ركوب الخيول والاقتصار على الحمير بدون سروج وفي ظروف ملحّة فقط وعند مرورهم بمسجد عليهم الترجل وأُجبروا على تعليق أحذيتهم القديمة على أكتافهم وبها أجراس؛ لا يسمح للسامريّ برفع بنائه أعلى من بناء المسلم الجار وبالأصل لا يسمح للسامريّ مجاورة المسلم. 

لا بد لي من الإضافة هنا أن عدداً قليلاً من السامريين يمارس بعض الحرف اليدوية، ولكن أغلبيتهم تجار، يتاجرون بسلع مختلفة، وهم كطائفة؛ فقراء نسبياً، ومضطهدين.

* لغات السامريين ثلاث؛ يستخدمون العربية والسامرية في واجباتهم الاجتماعية الداخلية، والعبرية في طقوسهم الدينية، وأما لغتهم المحكية خارج مجتمعهم فهي اللغة العربية. 

* النسخة السامرية وكذلك اليهودية انبثقتا من المخطوط الأصلي الذي كتب بخط موسى، وأما اختلافهما فسببه أعمال التنقيح التي جرت على المخطوط من جانب كل من اليهود والسامريين، وبمعنى آخر؛ فإن النسخة الأصلية هي ذاتها.  وما أوردناه باختصار هو الرواية غير السامرية، أما هم أنفسهم فيقدمون رواية مختلفة للغاية، كما سنرى. خلال إقامتي بينهم في عام 1860م، أعار لي الكاهن نسخة من أسفار موسى الخمسة، وأعتقد أن مثل هذه النسخ لا يتم إعطاؤها لأحد من خارج مجتمعهم إلا بإذن وتصريح رسميين، باستثناء واحدة أُرسلت إلى إخوانهم المفترضين بواسطة هنتنغتون-Huntington- مكتوبة على ورق شرقي، على شكل كتاب ينقسم إلى مجلدين؛ الأول يحتوي على سفر التكوين والخروج، والثاني يحتوي على اللاويين والعدد والتثنية.

 فالنسخة السامرية ليست خالية تماماً من الحركات، إذ أنها تحتوي عدداً قليلاً منها، وبخاصة: النقطة، وهي الأكثر شيوعاً، توضع بعد كل كلمة، ولا يتم حذفها إلا في نهاية السطر. ومن الحركات الأخر: الشَّرطة الصغيرة توضع فوق الحروف، والتي لديها غير دلالة واحدة، وذلك من أجل تمييز الكلمات المتشابهة حرفاً، المختلفة لفظاً. على سبيل المثال: אֶל وتعني إلى، to or at، أما אל بشرطة فوق الألف؛ فتعني: الرب. وأحيانا توضع الشرطة فوق التاء في את لتكون بديلاً عن الهاء אתה، ومن الحركات الأخرى: نقطتان رأسيتان بينهما خط، توضع للإشارة إلى ترقيم معين أو تشكيل ما، وهذه شائعة بكثرة. لا توجد قاعدة على ما يبدو في اختيار هذه الإشارات، بل تعتمد على خيال الكاتب، حيث نجدها مختلفة في نسخ عديدة. 

*  لكن الميزة الخاصة التي يراعي السامريون التقيد بها، أن يبدأوا المخطوطات على الصفحة الداخلية وليس على ظهرها من الخارج بأي حال من الأحول، ويلتزمون بهذه القاعدة بدقة وصرامة لا متناهية، وتتم مراعاة هذه القاعدة على هذا النحو في النسخ المطبوعة أيضاً، إن كان بوسعهم طباعتها.

* وأما النسخة السامرية فتسمي الأسفار: الكتاب الأول، الكتاب الثاني، وهكذا. ولكن من الأهمية بمكان أن نضع في اعتبارنا أن الفكرة الأصلية والفعلية للكتابة هي، أنه كتاب واحد فقط، وثيقة واحدة، ولا يوجد في العقل السامري أي وجود لخمسة كتب منفصلة، بل قانون إلهي واحد اسمه التوراة.

* ومن الجدير بالذكر أن النسخة السامرية تختلف عن العبرية في أكثر من ألفي حالة، وأن "السبعونية" تتفق مع النصوص السامرية.

 * وكانت ملفوفة (درج أڤيشع) بغطاء الساتان الأحمر، المزين بالنقوش السامرية المطرزة بأحرف من ذهب. وعندما أزال الغطاء وجدت أن اللفافة كانت محفوظة في علبة فضية أسطوانية، وتُفتح إلى دفتين، بينهما ما يشبه المفاصل، بحيث يتم عرض عمود كامل للقراءة. وحينها استأنفنا النظر إلى اللفافة القديمة مرة أخرى، وكانت الكتابات على العمود المكشوف مطموسة، غير ظاهرة، بسبب قيام الناس عبر الأزمنة المتعاقبة بلمسه وتقبيله. فطلبت من يعقوب السماح لي بفكها وعرضها، فوافق؛ وحينها قمت بإعداد بعض الملاحظات، ومضمونها كما يأتي: (الرق قديم جدا، طول العمود 13 إنشًا والعرض 7،5 إنش،  الكتابة صغيرة إلى حد ما، في كل عمود من 70 إلى 72 سطرًا، في اللفافة 110 أعمدة، التشقيل في سفر التثنية داخل ثلاثة أعمدة، اللفافة مهترئة وممزقة في العديد من المواضع، مصححة في مواضع، ثلثا النصّ الأصلي لا يزال مقروءا.

* وأخيراً؛ النسخة العربية، التي كتبها أبو سعيد في مصر في حوالي عام 1000م. 

* لا يمكن أبداً مقارنة أدب السامريين، في أزهى أيامه، مع أدب اليهود؛ فالسامريون، نسبياً، مجتمع صغير، لم يقدم كثيراً للمسيرة الأدبية.

* وفي خضم حملات الاضطهاد التي تعرضوا لها خلال القرون الأولى من العصر المسيحي، وخاصة في ظل نظام  كومودوس -Commodus- الفاسد والقاسي؛ فقد تم تدمير معظم كتبهم. ثم أضاف الحكم الإسلامي لفلسطين والبلدان المحيطة المزيد من الدمار، مما جعلهم عاجزين عن استعادة نشاطهم السابق. وعلى الرغم من ذلك؛ ظهر بينهم عدد من المؤلفين، ولكنهم فضلاً عن ندرتهم؛ لم يكونوا يتمتعون بنفس القدرات التي كانت للقدامى من أسلافهم الحكماء.

* أخبرني الكاهن الحالي أنه خالٍ من روح الانتقام الشخصية تجاه اليهود، مع أنهم، كما يقول، ملعونون منذ أيام رئيسهم إيلي، ولهذا؛ فمن المحظور، من الناحية القانونية، التزاوج والأكل والتعامل معهم. 

رأي وموقف: عن عاطف أبو سيف هذه المرة/ فراس حج محمد


في منشور قصير يكتبه بشير شلش في حسابه على الفيسبوك، يهاجم فيه عاطف أبو سيف، كاتباً ووزيرا للثقافة الفلسطينية. سبب هذا الهجوم ما نشرته دار نشر يصفها شلش بأنها "صهيونية" إعلانا عن صدور رواية "مشاة لا يعبرون الطريق" مترجمة إلى اللغة العبرية. تقول الدار  عن نفسها أنها لا تترجم كتابا دون إذن، ودون اتفاق مسبق مع الكاتب، يعني ذلك أن عاطف أبو سيف الوزير والكاتب الروائي في ورطة كبيرة، يصفها شلش بأنها خطوة تطبيعية.

تبدو رواية أبو سيف مهمة بالنسبة لدار النشر، كون كاتبها من غزة، وتتحدث عن وضع غزة، فوضعت الترجمة في هذا السياق الدعائي الصهيوني الذي يخدم الحرب على قطاع غزة، فجاء على الموقع الإلكتروني للدار "في أول رواية غزية تترجم إلى العبرية، تتحدث عن الحياة في غزة من منظور رائع ومثير للدهشة".

لا أظنّ أن أبو سيف في وضع يحسد عليه، لقد جاء الإعلان عن ترجمة الرواية في ظروف صعبة، ووصلت حالة التوتر والغضب الشعبي إلى أقصى مدى، بعد عمليات القتل الصهيوني للشباب والأطفال، وحصار المدن، وإجراءات سياسة جز العشب التي ينتهجها قادة الاحتلال، حيث القتل المستمر ببطء، ودون إحداث ضجة كبيرة، محدثة حالة من استنزاف الدم المتواصل يومياً، وما يتبعها من اعتقالات، ومضايقات من أفراد العصابات الصهيونية المجندة، ومن أفراد المستوطنين المسلحين المعربدين في كل نقاط التماس وعلى الطرقات. إن هذا الكيان الغاصب يشن حربا شاملة علينا لكن دون أن يعلن ذلك صراحة، لكن أفعاله وجرائمه على أرض الواقع تقول ذلك ببلاغة شديدة الوضوح.

هذه الحالة التي خلقها الاحتلال لم تجد لها نصيرا حقيقيا من السلطة الفلسطينية، بل إن محافظ نابلس أدلى بتصريحات معيبة في حق أمهات الشهداء، ووصفهن بالشاذات، وبذلك فإنه يعبّر بلا أدنى شك عندي عن موقف المتنفذين في السلطة من قادة الأجهزة الأمنية والسياسية.

جاءت رواية عاطف أبو سيف ليعبر فيها طريقا شائكاً، وفي غير محله، ويجلب له الكثير من الوجع، ويصيب عمله الثقافي العام في مقتل، إذ ترفع وزارة الثقافة التي يعتلي كرسيها منذ سنوات شعار "الثقافة مقاومة"، فكيف سيقاوم أبو سيف وهو يوافق على ترجمة الرواية إلى العبرية من دار نشر تغذي النزعات العدائية بالأدب، وهو عينه ما تقوم به المؤسسة الصهيونية في كلاسيكيات أنشطتها واستراتيجياتها.

على السلطة الفلسطينية التحقيق في المسألة، وعليها أن تضع النقاط على الحروف، وتجلّي الأمر برمته، وتقطع الشك باليقين، وتتثبّت من أنه فعلا قد وافق أبو سيف على ترجمة الرواية وطباعتها في هذه الدار ذات التوجه العدائي الذي يعادي وجود الشعب الفلسطيني، ويضرب نضاله وحركته المستمرة للتحرر والتحرير، وإن ثبت فعلا تورطه لا يُكتفى بإقالته، بل محاكمته، لأنه يعزز من منظور ما الرواية الصهيونية بدعم سياستها، ويكون قد خان الوطن والمبادئ التي أقسم عليها. فلا يجب أن ينظر إلى أبو سيف على أنه كاتب أخطأ، بل لا بد من أن يعامل معاملة مسؤول أجرم وخالف ما هو مكلف فيه من أصله، إنْ فعلا ثبتت موافقته على الترجمة، هذا إن كانت السلطة جادة في تحقيق الرواية الفلسطينية وتعزيزها كما تدعي بخطابها المعلن، وكذلك إن لم تسع حركة فتح- كون أبو سيف أحد أعضائها- من التغاضي عن الموضوع واستتفاهه، والتجاوز عنه ليمر بسلام كأن شيئا لم يكن.

كما أنّ على اتحاد الكتاب الفلسطينيين أن يستنكر هذا الفعل الحرام الذي يقوّض "الرواية الفلسطينية" ويصدر بيانا واضحاً وهذا أقل المفروض عليه، ويطرد أبو سيف من عضويته، ومقاطعة وزارة الثقافة ما دام فيها، بل عليها تدشين حملة من الكتاب والمثقفين لنزعه عن كرسي الوزارة. وألا يتم التهادن مع هذا المسألة الخطيرة، مع أنه في غالب الظن ستكون قيادة الاتحاد أجبن من أن تتخذ مثل هذا الموقف العملي، فهي لا تتقن إلا صياغة العبارات الإنشائية الخاوية من المعنى، يحسبها الظمآن ماء فإذا هي سراب محض.

كما يجب على الكتاب جميعا اتخاذ موقف حازم من أبو سيف في حال ثبت تورطه في هذه المسألة، ولا يصح أن نتعامل مع المسألة بالمصلحة الشخصية، فثمة قضية كبرى رضي المثقفون بحملها، وهي حراسة الوعي، فليكونوا إذن على قدر هذا الحمل.

لا يكفي أن يتحدث بشير شلش بهذه القضية وحده، بل هذا واجب علينا جميعا، ومن مهامنا الوجودية ما دمنا مشاة نعبر الطريق إلى فلسطين المحررة، وليس على متن رواية ترجمت إلى العبرية.

وأخيراً، هل أبدو قد شخصنتُ الموضوع أو بدوت "فجاً" "ساذجاً" وأنا أكتب عن هذه القضية، كما ستتهمني واتهمتني سابقاً كاتبة "جبانة" فليكن، ولنكن كلنا غير مهذبين أيضا في موضوع وصف بأنه "آخر حصوننا"، فلا بد أن ندافع بشراسة عن ثقافتنا بوصفها آخر تلك الحصون قبل أن تنهار. ألا يستحق الأمر شيئاً من هذا برأيكم؟ وهل يمكن للأشخاص أن يكونوا بمنأى عن مثل هذا؟ بل إن أشخاصهم مدانة ومجرّمة، فكيف سنفصل الشخص عن فعله وقوله، وخاصة في مثل هذه المواقف التي لا حل فيها سوى الوضوح والحدة والشراسة.