الإسرائيليّون السامريّون شعب صغير وخاصّ، يسعى للسلام/ ترجمة ب. حسيب شحادة



Who We Are the Israelite Samaritans?

A Small and Especial People, Striving for Peace


جامعة هلسنكي


في ما يلي ترجمة عربيّة لكلمة السيّد بنياميم راضي صدقة (١٩٤٤- ) في ٱفتتاحيّة المؤتمر الحادي عشر أو العاشر (هنالك مَن لا يُحصي اللقاء الأوّل، المائدة المستديرة ) للدراسات السامريّة، الذي عُقد بتاريخ 22–26 تمّوز 2022 في بودپست. لأسباب صحّيّة لم يتمكّن بِنياميم صدقة من حضور هذا المؤتمر، فقُرئت كلمته بالنيابة عنه (read in absentia). يُذكر أنّ صدقة، المولود في نابلس والمقيم في مدينة حولون بالقرب من تل أبيب، هو أحد مؤسّسي جمعيّة الدراسات السامريّة SES -  Société des Ètudes Samaritaines في باريس في خريف العام 1985.  كان الأب والمستشرق الفرنسيّ Guy Dominique Sixdenier (1917-2007)  المبادر، الرأس المنظِّم، والداعم المادّيّ لتأسيس هذه الجمعيّة. ومن مؤسّسيها لم يبقَ على قيْد الحياة سوى اثنين آخريْن هما الأستاذ أبراهام طال وكاتب هذه السطور.

صدقة هو المحرّر الرئيس للدوريّة السامريّة الفريدة المعروفة- أ. ب. أخبار السامريّين- ومعه شقيقة يِفِت/حُسني، يده اليمنى، وهو رئيس معهد الدراسات السامريّة في حولون، وله مؤلّفات كثيرة منها ترجمة التوراة السامريّة إلى الإنچليزيّة وهي الأولى في هذا المجال-The Israelite Samaritan Version of the Torah. Grand B. Eerdmans Publishing Company, Grand Rapids, Michigan/Cambridge, U.K. 2013. زِد إلى ذلك أنّه بمثابة سفير للسامريّين في أوروبا والأمريكيّتيْن. ربّما كان صدقة الوحيدَ الذي حضر كلّ مؤتمرات الدراسات السامرية حتّى تموّز 2022 وألقى محاضرة في كلّ واحد منها: باريس، المائدة المستديرة (table ronde) 1985؛ تل أبيب والقدس الغربيّة 1988؛ أُكسفورد 1990؛ باريس 1992؛ ميلانو 1996؛ هلسنكي 2000؛ حيفا 2004؛ پاپا/Papa هنغاريا 2008؛ إرْفورت/Erfurt ألمانيا2012؛ براغ 2016؛ بودپست 2022. 

الافتتاحيّة المذكورة نُشرت في الدوريّة السامريّة أخبار السامريّين، في العددين 1367-1368، الأوّل من تمّوز 2022، ص. 3-4 بالعبريّة وص. 93-88 بالإنچليزيّة (ثمّة فروق طفطفة بين النصّيْن). 


” مَن نحن؟

أتَتوقون أن تعرفوا بالدقّة المطلقة مَن نحنُ وما نحن؟ بادىء ذي بدء، نبدأ بتوضيح ما ليس نحن. نحن لسنا يهودًا سُمّوا بهذا الاسم أوّلًا من قِبل الأشوريّين بسبب أصلهم من يهوذا. نحن لسنا سامريّين دُعوا هكذا من قِبل الأشوريّين لأنّ أصلَهم من شومرون/السامرة. تبنّى اليهود الاسم الدخيل، وأطلقوا على أنفسهم الاسم ”يهود“. نحن 

بنو إسرائيل المحافظون على حقيقة التوراة، لم نتبنَ اللقب”سامريّون“ الذي أُطلق على آبائنا. إنّنا نستعمله من أجل الإعلام  فقط، كي يميّز الأجانب، الغرباء بيننا وبين طوائفَ دينيّة أُخرى. 

نحن لسنا فلسطينيّين متحدّرين بمعظمهم من يهود وسامريّين قد تأسلموا عبرَ العصور. وهذا لم يثبت وراثيًّا/جينيًّا في تركيبة الدم والحِمْض النوويّ (DNA) المشترك لدى الفلسطينيّين واليهود والسامريّين فقط، بل على ضُوء الواقع بأنّ المدن العربيّة الكبيرة في الشرق الأوسط، تعِجّ بعائلات من أصل يهوديّ أو سامريّ. حتّى إنّ عائلة الدنفيّ القائمة من قِبل الوقف الإسلاميّ على حراسة الأماكن المقدّسة الإسلاميّة في القدس، هي من أرومة سامريّة. نحن لسنا مسيحيّين، لسنا مسلمين ولا دروزًا ولا شركسًا ولا بهائيّين ولا شيعة ولا علويّين ولا سـُنّة.

           

مَن نحن إذن؟

نحن قِسم من شعب بني إسرائيل القديم. نحن وأسلافنا، لم نترك هذه البلاد قطّ، ولم نرحل لأماكن أُخرى. إنّنا منذ مائة وسبعة وعشرين جيلًا أخيرًا منذ دخول يهوشع بن نون الأرض المقدّسة، بعد مغادرته لمصرَ، ونحن متمسّكون بإله إسرائيل، بنبيّه موسى، وبتوراة موسى، والمكان الذي اختارة الخالق - جبل جريزيم- كما ذُكر بجلاء وبدون ريب في سِفْر التثنية (السفر الخامس)، في نهاية الأصحاح الحادي عشر وبداية الثاني عشر.  والصياغة ذاتها موجودة لدى إخوتنا في الشعب، الذين يسمّون أنفسهم بـ ”اليهود“. 

ممّا ذُكر وصلنا إلى هُويّتنا الأكثر دقّة - بنو إسرائيل المحافظون على الحقيقة، على تقليد بني إسرائيل الحقيقيّ. نحن أهمّ أتباع شعب إسرائيل القديم. ولقد ٱختصر ٱسمُنا الطويل للراحة و التسهيل بـلفظة أَشَّاميرِمْ وبصيغة المفرد شاميري. هكذا ورد هذان اللقبان في مصادر أسلافنا الأوّلين. إلى الآن حول مَن نحن، وبالتالي ما نحن؟


ما نحن؟

نحن طائفة صغيرة، جزء من شعب إسرائيل، قبل جميع الصراعات والاحتكاكات التي يتّسم بها الشرق الأوسط. وبما أنّ لنا خطًّا، لغة وتقاليد منذ آلاف السنين تميّزنا عن كلّ الكيانات القوميّة في العالم، فلنا كلّ الحقّ والتبرير في التصرّف كشعب صغير. نعم، إنّ عددَنا ضئيل، 870 نسمة [إحصاء تمّوز 2022] إلّا  أنّه رقم مشجّع وفيه أمل للمستقبل، إذ أنّ عددَنا اليوم أكبرُ ممّا كان عليه قبل ثلاثة أجيال بخمس (في النصّ الإنچليزيّ: ستّ) مرّات وأكثر (هذه الكلمة غير واردة في النصّ الإنچليزيّ)، ولدينا يُكوِّن جيل الفتية والشباب الأكثريّة. .

الشعب السامريّ صغير ومُحبٌّ للسلام. شعب لا يقف على طرف واحد من جسر السلام، ولا حتّى على الطرف الآخر. إنّنا الجسر ذاتُه، جسر السلام الذي ديدنُه نمط حياة وطنيٍّ، فيه تعايش سلميّ مع كافّة العوامل والكيانات السياسيّة في الشرق الأوسط. وعليه، ولكوننا مِثالًا للعيش المشترك مع كل جانب، ونرحّب بكلّ من يزورنا في أحيائنا، فإنّنا ضيوف مرغوب بهم جدًّا في مباني رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في القدس، لدى رئيس السلطة الفلسطينيّة، محمود عبّاس، وعند الملك عبد الله الحسين الثاني في عمّان، في البرلمان البريطانيّ ووزارة الخارجيّة في لندن، في البيت الأبيض (ساقطتان في النصّ الإنچليزيّ) وفي مكتب وزير الخارجيّة الأمريكي في واشنطن، وفي مكاتب الاتّحاد الأوروبيّ في بروكسل. 

اِرفعوا رؤوسَكم ورَوْا من حولكم هذه الجموع (في النصّ الإنچليزيّ: قد يرفع أبناء طائفتنا رؤوسهم حولهم ليروا الكثيرين القادمين) التي جاءت من كلّ أرجاء المعمورة، لمشاهدة مراسم قُربان الفسح، وهكذا تتحقّق النبوءات حول لقاء السلام بين الشعوب على أعلى الجبال، وهو في الوقت الراهن ليس في القدس، بل على جبل البرَكة والاختيار- جبل جريزيم. ٱنظروا رؤساء مدينة نابلس الفلسطينيّة، ضبّاطًا فلسطينيّين وإسرائيليّين يجلسون سويّة في جوّ من السلام- هذه هي المساهمة المتواضعة التي يقدّمها الشعب السامريّ الإسرائيليّ القديم، من أجل السلام المنشود في كلّ المنطقة، وهذا المشهد هو الأوّل منذ أيّام أبينا إبراهيم الخليل عليه السلام. 

لنا، أبناء التوراة المقدّسة، تاريخ فريد من نوعه، أدب قديم وحديث، عادات خاصّة، شعر وموسيقى قديمان، حياة اجتماعيّة ثريّة ورياضيّة، موقع أثريّ مترامي الأطراف على قمّة جبل جريزيم، وهو شاهد على ثقافتنا المادّيّة الخاصّة، مطبخ الأرض المقدّسة وهو من أقدم المطابخ في العالم. كلّ هذا وغيره، قصّة مثيرة للاهتمام وتجذِب إلى أماكننا مئاتِ آلاف الضيوف كلّ سنة وكلّ السنة. وأضيف في النصّ الإنچليزيّ: أنتم ابتهجتم بأوقاتكم. إنّنا نمدّ  يد بركة السلام في عيد القربان لضيوفنا ولكلّ بيت إسرائيل“.


عن الجزائر متى يغادر؟/ مصطفى منيغ




 الجزء الأول

 حَفَّهَا الصَّمت الدَّولي مِن كلِّ جانب ، وأنساها عدم استقراء التاريخ المجيد لتبتعد عن أقرب حبيب ، مَن آزرها بالأمس محتضنا ثُوارها الأجلاء ومَن قادهم حَكِيمٌ نَجيب ، وسخَّرَ عاصمته في الشرق لتكون لصرخة الوافدين عليها هرباً من جحيم الاستعمار الفرنسي نِعَمَ المُجيب ، لتصبح "وجدة" الوطن البديل لكل جزائري وأُنْثَاه فَقَدَا معاً أمْن العيشِ وطاردهما في "عنَّابَة كما "وَهْرَانْ" المصير الكئيب ، فامتزج  الدم في أجساد ما فرَّط بينهم الزمن ولا أخذ من تفريقهم نصيب ، إذ الدِّين واحد واللغة نفسها جسر أُلْفَةٍ تمنع للتشكيك في وحدةٍ روحية أيّ تنقيب ، فلا الجزائريَّة مميَّزة بشيء ولا المغربي بعلها لغير الشرف الحقيقي مُنتسب ، ولا المغربية فريدة حسنها والزوج الجزائري عكسها منظره مُعيب ، بل على قدر واحد من مسؤولية الانسجام منهم المتعلم والأستاذ والطبيب ، وفيهم المستقبلة زَرْع الحياةِ لمَلْءِ المستقبل بجيلٍ للأخوَّة والوئام والتضامن والتعاون المشترك بين الجارتين الشقيقتين(الجزائر – المغرب) راغب .


... خَللٌ ما عَكَّر صفو التلاقي للبدء الجديد المتجدِّد محسوب كمبالغة على أمر رهيب ، مضمونه موروث عن قادة خطَّطوا لتوَجُّه لا يليق بدولة لها من الأولويات ما تتطلب التطلُّع الايجابي بنبذ سلبية السَّابق ، خاصة والإمكانات المادية أمامها متوفِّرة إن أتقنت تدبيرها لكل هدف نبيل تُصيب ، لكنها فضّلت الانحياز لمطلب الاتحاد السوفيتي  والميل لتطبيق نظرية "ماوتسي تونغ" بغير رادع لها ولا حسيب ، على مجتمعٍ لا يطيق الشيوعية ولا يرضخ (ولو لبضع تعليماتها) بل يراها بالدَّخيل الفكري غير المناسب ، فانجرَّت لمعسكر له قواعده ومتمنياته التوسعيَّة بقلب الأنظمة عن طريق تشجيع وتمويل واحتضان منظمات تبنَّت الإعلان عن نفسها بشعارات تتفاوت بين زئير أسدٍ وعواء ذِئب ، ثم قادها "أحمد بنبلة" لتصبح بين يدي الزعيم جمال عبد الناصر مفتاحاً لباب الوحدة العربية وليت "بنبلة" فهم قصْد النظام المصري آنذاك بل اكتفى بجعله مجرَّد واجهة لإسكات المجتمع الجزائري الثائر غير القابل بأي تبعيَّة مهما كان مصدرها وبخاصة للمعسكر الشيوعي المغلف بأي مظهرٍ عربي مؤقت كما رأى الفاعل فريق تهيَّأ بسريَّة قُصوى للاستيلاء على الحكم آتياً بالراحل "الهواري بومدين" الذي ترك بصمته  (في العمق) على النظام الجزائري المتداولة بواسطتها  بعض رؤاه لحد اليوم على الجزائر الرسمية عصيب .

... يقودني عشقي للجزائر التفكير في زيارتها عمَّا قريب ، رغم الحدود المُغلقة لم يتمكَّن أحد من مدبري أمر ذلك على أعلى مستوى حصر التسلّل الدائر بين طرفي البلدين مستغلين حلول الظَّلام خُلوّ بعض النقط المعينة من أي رقيب ، انطلاقاً من "بورْ سعيد" لغاية " بني ونيف" بالنسبة للجزائريين الذين لهم أسَر أو مصالح تجارية في المغرب ، أو انطلاقاً من "السْعِيدِيَةْ " وصولا إلى "فِكِيكْ" بالنسبة للمغاربة الذين لهم نفس المُبرّر لدى الجزائر لمعاني لا تحتاج لتوضيب ، وما دام كلٌ على ليلاه يغنِّي كذلك بين "هناك" و"هنا" في التعبير عن مكنون الخاطر أكثرَ من مُطرِب ، تتراقص المُهج على صداه بفرحة لا يعادلها إلا مثيلاتها لدى مزارع فاض نبع مياهه بأقوى صبيب ، يروي ضَمَأَ الأرض بين ضفتي "زُوجْ بْغَالْ" في موعدٍ لا تُدفع فيه للمارين من الجانبين أية ضرائب .

**

الجزء الثاني

تُسَائِلُنِي الذِّكرى عن تلك الزُّمْرَة ، وقد حَكَمت الجزائر المستقلَّة الحُرَّة ، خلال أصعب وأحلك لكنها كانت أسْعد فَترة ، استقبلها الشعب المجاهد بالأفراح مرات قبل آخر مرَّة ، وقد لاحظ أن مياه نهر الثروات تتحوَّل بفعل فاعل لمسابح إقامات أصحاب الوجوه المُكفهرَّة ، كمظاهر يزيِّنون بها الصرامة لينتشر الخوف منهم في العاصمة خاصة حارة متبوعة بحارة ، فلم تدم تلك المَسْحَة المعبِّرة عن الاهتمام والانتقال بالمجتمع إلى الثقة في الأيادي الماسكة زمام تدبير الشأن العام بأسمى المناصب التنفيذية برئاسة أحمد بنبلة الذي ظن نفسه مَلَكَ القُدرة ، على إطاحة جل المفاهيم وخلق ما يخالف كل نظرة ، رأى العالم بها الجزائر  لا تقبل أبداً أن تكون مجرورة ، من طرف أية قوة أجنبية الغالب عليها لون الصُّفرة ، الموحدة عيونهم على شكل هلال بغير اختلاف في البَشرة ، حيث دشَّنَ عهده بمنع ماسحي الأحذية من ممارسة هذه المهنة المشينة ولتتم مطاردتهم بكيفية مُستمرّة ، لكن البديل ظلَّ مفقوداً ممّا عرَّض المحتجين لمواقف خطيرة ، في زمن مالت كفة تقليد الخارج عن التقاليد حتى في الهندام ليبدو الرئيس وكأنه مصاب بعدوى بعض نظم أسيوية مهما بدت له حلوة المذاق كانت لدى غالبية الشعب كالحنظل مُرّة .

...للدفاع في أول حكومة جزائرية رسمية وزير ترعرع بين مدينتي " وجدة" و "أحفير" المغربيتين له مع الثانية آصِرَة ، لم يكن معروفاً بالهواري بومدين بل باسم "بُوخَرٌّوبَة" لمدة لم تكن بالقصيرة ، وهو عامل في محطة تزويد السيارات بالوقود كمُنتسبٍ للأوساط الفقيرة ، ولا زال على قيد الحياة في "أحفير" مَن عايش المسألة عن كثب بما تتضمنه من معلومات بقيت بين قلة من الناس أسيرة ، توصَّلَ بدهائه واستغلاله للفرص وابتكار أيسر القفزات المدروسة بعناية الاستيلاء على الحكم بانقلاب خاطف حقق كل الأهداف المرسومة لتبدو في حالة نجاح تامٍ بَهيرَة ، ومنها اعتقال أحمد بنبلة وإلزامه (تحت حراسة مشدَّدة) بالإقامة الجبرية أو السجن الأخف وطأة والأقل وَحْشَة والأقرب لأي حلٍّ إنساني يُقَابَلُ بإعجابٍ من طرف العديد من أنصار المُطاح به الموزعين على جهات ومناطق ومدن عدة وحتى داخل الإدارة . استقبل الشعب ما حدث بهدوء باستثناء بعض المناوشات هنا وهناك لم يكن لها ابلغ تأثير أو ما يُظهر أن الفاعل مجرَّد مؤامرة ، طبعاً لكل انقلاب ترتيبات خارجية ترصد قبل وبعد ساعة الصفر التحركات إن كانت على الوجه الصحيح لتُترَكَ حتى النهاية أو سادتها أخطاء في التنفيذ فتتهيأ المواقف مع أو ضد النتيجة المُحصَّل عليها إن كانت تستحقّ التَّكبيرة أو التَّكشيرة ، وبمراجعة الجهات أو الدول المسارعة للاعتراف بالهواري بومدين كقائد للأمة الجزائرية يعرف من يناشد المعرفة مَن كان وراء مساندة العملية الانقلابية برمتها ومن وقف على بُعدٍ منها ليتصرف معهم الرئيس الجديد لجزائر مستقلة ذي نظام جديد تصرف المعرقل المعارض لكل تعاون معهم مهما كان مجاله  متقمصاً (منذ البدء) لنفسه في ذلك صفة البياطرة .

**

الجزء الثالث

لم يكن ربيع الحكم خلال العقد الأول من استقلال الجزائر سوى صيف جاف بالمطلق أو شتاء كثيف الرياح والعواصف ، رؤوس بعضها في سويسرا وأماكن أخرى في أوربا منها فرنسا لا تغادر طبعها النضالي المعارض بعلل أو غيرها  وبعضها بقيت في العاصمة تكتسح أرْيَحَ الوظائف ، ليتولَّد الصراع الصامت أولاً ثم تتصاعد وثيرته فتكون الحيرة بين الامتثال لدكتاتورية الهواري بومدين أو الولوج في مغامرة لا تخلو من استقبال قذائف ، تمسح جوانب النظام من أطماع شحنها الولاء السريّ للغرب المتقدم أو الشرق ذي الفيافي ، طبعا الاتحاد السوفيتي شكل آنذاك الجدار الواقي الذي اتكأ عليه الرئيس الجزائري الماسك كل الخيوط حتى الهشة منها في أواخر أيام مرضه بلا دواء منه يَشفِي ، ما كان الاستقرار المجتمعي يتجسد مُطولاً بفاعل تنفيذ ما سماها الهواري نفسه بالثورات الثلاث الاجتماعية الاقتصادية والثقافية لتجعل من مكونات الشعب بضع طوائف ، لأسباب تتعلق بالجذور الأصيلة للشعب الجزائري المتشبث قبل هذا وذاك بتقاليده وأعرافه وما ابتدع من مميزات جعلت منه المخلص الوفي لوصايا الآباء والأجداد وما تركته الثورة المجيدة في أعماق أعماقه من صور خالدة لا تقبل بأي دخيل سخيف ، تنصح فقط بالإبقاء على الهوية الجزائرية المعتمدة على أسسها المتينة المواجهة  في تصدِّي مثالي التحديات دون الانحناء لاكراهاتها تحت أي مُسمَّى  كان للتعريف ، ومهما سخَّر الرئيس الهواري من ميزانيات ضخمة لنشر ثقافة اجتماعية حسِبها ناقلة العقلية الجزائرية من عفوية التصرف بنية التشبث بشيم الماضي إلى تطور لا يهم مصدره بل الأهم قدرته على توفير نمط من الحياة تتوخى الإنتاج لتغطية الاستهلاك لضمان توازن يمكِّن الدولة من بلوغ أهدافها الممثلة في إسعاد الشعب وقضاء حوائجه بالكامل دون عجز حاصل لسوء تدبير مستجدات مواقف .

المغرب ظل على بُعدٍ ممَّا يحدث بجواره وهو بما يجول هناك عارف ، عيونه حيث استقرَّت لم تترك أي التفاتةٍ تخصٌّه إلا وتابعها عن كثب باهتمام مباشر بالغ منزوع الهواتف ، بل تهيأ لكل ما عساها تفرزه ليقينه أن من وراء الرئيس الجزائري قوى خارجية ثالثة  تعمل جاهدة ولكل عرف دولي في هذا الصدد تُخالف ، لخلق القلاقل وسط بلد استطاع استرجاع ما ضاع منه بسبب الاحتلال  الاسباني نازعا من مستقبله أية مخاوف ، بكيفية أبهرت العالم وفتحت أفاقا جديدة لمن يريد تحرير أرضه من مذلة الاحتلال دون اقتتال وبغير إراقة دماء وبلا ادعاء زائف . كان الهواري بومدين يريد الانفراد بزعامة إفريقيا أيام ربيعه النضالي وليس الخريف ، لكن الملك الراحل الحسن الثاني بالمسيرة الخضراء سُلِّطَت عليه الأضواء ليكون المرشَّح الأوحد لمثل الزعامة ولكل ثمارها الناضجة بالحسنى قاطف ، ممّا عرَّضه لحقدٍ دفينٍ طالما ترجمه الهواري الرئيس بأعمال ترمي أساساً لتضييق الخناق على المغرب اقتصاداً وسياسة كطعنات من الخلف ، لتبلغ ذروة هذا الحقد تبنيه " لجماعة البوليساريو" بما وفَّر لها من طاقات بشرية غير صحراوية و إمكانات مادية تفوق أحيانا حاجاتها الضرورية إلى إيجاد كمليات تفسح المجال لشراء ذمم وبخاصة لمغاربة حتَّمت عليهم ظروف سياسية معينة  الإقامة في الجزائر العاصمة  معرضين أنفسهم لمخاطر التلف.

حين تشتعل الحروف/ شعر: صالح أحمد



لا شَمسَ لي!

أَبقى غَريقًا في سَراديبِ المَعابِر.

لا صَوتَ لي!

صَوتي حُروفٌ مَلَّها أُفُقُ القَصيدَة.

لا لَونَ لي!

لَوني سَوادُ الحُلْمِ في لَيلِ الأساطيرِ العَنيدَة

لا شهريارُ أنا... ولا 

حيكَت لِأَحلامي حِكاياتٍ... وَلا 

أَبدو نُجومًا تَحضُنُ الأَسرارَ عَن عَبَثِ الحِقَبْ.

أنا مَوجَةُ الأَبعادِ صَوتي عابِسُ الآفاقِ يَرمُقُني بِلا

قَلبٍ، فَضاءٌ ضاقَ عَن وَجَعي، وَأبعَدَني إلى

مَلهَى احتِمالاتٍ، أُحاوِلُ نَبشَ ذاكِرَتي، لِأَعرِفَ... 

أينَ فارَقَني صَدايَ، وأَينَ أَلقَت زَفرَةُ الأَرياحِ أوراقي، ولم

تَرحَم تَساقُطَها، وَأَينَ يَروحُ بي ظِلّي، وَهَل

سَيَعودُ بي نَبضُ القَصيدَةِ كَي يَراني مُمسِكًا 

قَلبي الذي قَيَّدتُ في أَمسي بِكَفٍّ مِن لَهَب.

لا طَقسَ لي

أَبقَى خَريفًا في تَضاريسِ المَحاوِر

لا ظِلَّ لي

عُمري رِياشٌ بَعثَرَتْها الريحُ، وَارتَحَلَت بَعيدا.

عَبَثًا أَمُدُّ يَدي لِأُبقي شاطِئِي قُربي، وَظِلّي ثابِتًا

خَلفي، وَصوتي يَرتَديهِ مَداهُ أُمنِيَةً تَعيشُ بِلا غَضَبٍ

لا بَحرَ لي 

أَنا زَورَقُ الأَحقابِ، ما أَلقَمتُ أُمنِيَتي جروحَ يَدي، ولا 

أَبعَدتُ عَن قَلبي حِكاياتٍ تَظَلُّ حُروفُها الخَرقاءُ تَرمُقُني بِلا

عَينَينِ، تَقطَعُ كُلَّ آمالي بِأَن أَصطادَ طائِرَ لَهفَتي

وَأُعيدُ تَخليصَ الأَغاني مِن عَناوينِ الغَضَب.

::::::: صالح أحمد (كناعنة) :::::::


تساؤلات؟!/ مدين غالم

 


اين لجنة القدس ، من ما يجري للقدس ..؟ مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ،من احداث تهويد للقدس،وتهديد بقائه شامخا ،يتعرض  المسجد الأقصى منذ  مدة إلى محاولات التدنيس والعربدة بمحتوياته،و أصبح يأن تحت وطأة التدنيس و التهويد لتغيير أصالة المدينة ،  كل هذا يجري  امام  أنظار  الملك المغرب  محمد السادس ،امير المؤمنين رئيس لجنة القدس ،هذه اللجنة التي تم استحدثها بعيدا محاولة إحراق المسجد ،على يد العصابة الصهيونية سنة 1967،هذه اللجنة شكلت لدفاع عن الأماكن المقدسة وصيانتها في فلسطين ،من جبروت الكيان الغاصب ،رئيس هذه اللجنة المناط بها حماية البيت المقدس من التغول و الغطرسة التي تهدد بنيان المسجد من جراء الحفريات التي تجري تحت أساسات المسجد، واخيرا تعرضه إلى الاقتحامات تحت الحماية من الشرطة الإسرائيلية ، و عقد جلسات  حكومة الكيان في أروقة المسجد ،وامام هذه الأفعال التي تدنس حرمة المسجد ، يتسائل  المرء عن الصمت المريب لرئيس لجنة القدس امير المؤمنين ،من هذا الواقع المرير الذي تمر به بحات المسجد من اقتحامات و مضايقات للمرابطين في المسجد ، لم يتم حتى  طلب عقد اجتماع للجنة لنظر في الانتهاكات المتكررة لمسجد الاقصى اولى القبلتين و ثاللث الحرمين الشريفين،العديد من التساؤلات تتبادر إلى الأذهان ، عن هذا الصمت المطبق ، ولا مبالات من  هذه المجريات المؤسفة ، بغية إيجاد تفسير لهذا الموقف لأمير المؤمنين رئيس لجنة القدس الشريف ، وكأن الأمور لا تعنيه ، أم شاهد ماشفش حاجة ،لحاجة في نفس يعقوب….؟ يدنس المسجد نهارا جهارا،ولا أي ردة فعل أو  تحرك في مستوى التحديات التي تواجه القدس والأماكن المسيحية المقدسة ،لكن عندما نعلم  من يرأس هذه اللجنة يبطل العجب  ،ويضمحل  التساؤل ،وتصبح الصورة واضحة للعيان وما  يتعرض له مسجد الاقصى من تهويد وتغيير بنيانه ،إنه أمر   في غاية الخطورة ،ورئيس لجنة القدس  لم يحرك ساكنا ،ولو بكلمة تنديد وذلك أضعف الإيمان ، حتى الإدارة الأمريكية صنيعة اسرائيل ،كان  لوزارة خارجيتها موقف من هذه الخروقات ،وهو موقف لافت و لهجة غير معهودة ،في الإحتجاج على الخروقات  المتكررة لتغيير وضعية المدينة المقدسة،  من قبل  حكومة الكيان،التي يغلب عليها الطابع اليمين الديني المتطرف الذي يمثله وزير الأمن الإسرائيلي بن غفير ،تصعيد رهيب تشهده المدينة المقدسة ،وإستباحة تذكر بالأفعال الشنيعة لسنة 1967،هذه الكارثة لم تحرك ساكنا ، لرئيس لجنة الإسلامية ، مهامها حماية القدس من التدنيس والتهويد  ،لأن رئيس لجنة القدس في سبات القبور ،انه بؤس عظيم،بن غفير يجول ويصول  كما يحلو  له في  تدنيس حرمة المسجد، وأمير المؤمنين شاهد مشافش حاجة ،و غض الطرف عن ما يجري ،وتلك الطامة الكبرى، القدس  صبرا على البلوى ،حاميها حراميها، مجرد تساؤلات تتبادر إلى الأذهان حول ماهية جدوى وجود هذه اللجنة ،وهي في استقالة من دورها المنوط بها.


وَأَتَــدَثَّــرُ بِلَآلِئِ عَيْنيْــكِ الْبَحْرِيَّة/ آمَال عَوَّاد رضْوَان

 


هذَا أَوَانِي الطَّافِحُ .. بِمَنَافِيكِ

يُــزَلْــزِلُــنِــي

أَشْبَاحُ هَــذَيَانِــي .. تُــطَـارِدُنِـي

وَصَهِيلُ وَجَــعَــكِ الْمُــزْمِنِ

 يَــــلْــــتَــــهِــــمُــــنِــي!


أَيَا الْغَرِيبَةُ الضَّالَّةُ .. فِي أُبَّــهَــةِ الْأَسْــرَارِ

هَائَــنَــذَا 

ظِــلُّــكِ الْــمَــطْعُونُ بِصَـمْــتِــكِ

غَــ~ا~رِ~قٌ 

فِي بَــ~حْـ~رِ الذِّكْـرَيَـاتِ!

وَبَيْنَ زُمُــرُّدِ الطَّـعْـنَـةِ .. وَمُـهْـرَةِ بَـرَاءَتِـي

أَبـْــجَــدِيَّـــةٌ.. تَــــتَــــضَــــرَّجُ

بِمَحَارِ ضَوْئِكِ.. وَبِمِلْحِ أَحْلَامِي!


أَيْنَكِ 

فِي وَحْشَةِ الْغَابِ الْكَئِيبِ

تَتسَرْبَلِينَ الْبَرْدَ 

وَبِاشْتِعَالِ الثَّلْجِ تَرْفُلِينْ؟


هَأَنَذَا الْمُــتَــلَــبِّــسُ 

بِرَائِحَةِ شِــعْــرِكِ

أَتَــدَثَّــرُ .. بِلَآلِئِ عَيْنيْــكِ الْبَحْرِيَّةْ

أُعِدُّ لَكِ قَوَارِيرَ دَمْعِي .. تَعَاوِيذَ بَرَاءَةْ!

وَمِنْ نَاطِحَاتِ ثَرْثَرَتِي الْمُرَفَّــهَــةْ

وَحَتَّى أَقْصَايَ

أَتَدَلَّى

عَنَاقِيدَ حَنِينٍ مُعَتَّقٍ

مُنْذُ أَلْفَ رَقْصَةٍ .. وعَرِيشَةِ سَحَابْ!


هَأَنَذَا .. أَشُدُّ رِحَالَ مَزَامِيرِي

إِلَى امْبَرَاطُورِيَّةِ حَمَاقَاتِي 

وَأَسْتَغْفِرُ مَمَالِكَ حَنَانِكِ!


أَيْنَكِ..

مِنْ كُهُوفِ شُرُودِي .. مِنْ قُصُورِ جِرَاحَاتِي

هَلَّا .. تَسْمَعِينَ خُطَى قَلْبِي الْحَزِينْ؟

هَلَّا تَضْفِرِينَ نُجُومَ عُمْرِي .. بِالْيَاسَمِينْ؟


أَيَا جِنِّيَّةَ الثَّلْجِ

لَكِ يَاقُوتُ دَمْعِي

 لَكِ مَاسُ قَلْبِي الْمُكَدَّسُ

رُحْمَاكِ

أَنَا الْغَرِيبُ الْمَجْهُولُ الْمُوَسْوَسُ

رُدِّي لِي 

سَاحِرَتِي الصَّغِيرَةَ .. مَارُوشْكَا ..!




نصوص/ عباس علي مراد

 


منسيون

في الرمال المتحركة

تنزلق أقدامهم

في هوة النسيان

يرحلون

يغرقون

حرموا من أمانيهم

جردوا من ذكرياتهم

منسيون في الحياة

منسيون في المماة

لا أسماء لهم

لا عناوين

لا شواهد فوق قبورهم

على إيقاع معاناتهم

تغلق الستارة

وينتهي المشهد.

****

شتات

وجوه هائمة على غير هدى

الرياح تجري كما لا تشتهي سفن أحلامها

سراب

هاربٌ…

شاردٌ…

بين المشارق والمغارب

السماء ملبدة بالخوف

برق ورعد الوجع

شتاء من المرارة

ينزل دون رحمة

شتات السنوات ينبت فوق النواصي

عروق اليأس تتراءى

ناصعة فوق المحايٍ

تذبل الوجوه

و

ت

ت

و

ا

ر

ى

في العدم

****

مسافات

يجري

يلملم اللحظات المتساقطة

فوق المسافات المنهكة

الوقت قربان على مذيح النسيان

ينزع حذاءه المتعب

ويرقد خلف الأضواء المطفأة

يحلم بالسكون


الذكاء العاطفي.. (شذرات من عاطفة متوقّدة بالذكاء). خاطرة من وحي علم النفس/ الدكتورة بهية أحمد الطشم



يسطع ذكاء العقل  بوهجه كوضوح الشمس في أوج النهار,

ولكن,غالباً ما تبقى مكنونات القلب غامضة كغموض القمر...

 لا يتحوّر ذكاء العاطفة( ابن العقل المُرهف والعاطفة المُعقلنة)  البتّة,

بل يتماهى بأسرار القلب ,

يبدّد ألغاز النفس ,

ويحشر انفعالات الكراهية في الزاوية.

.............................

تتمندل الروح المُرهَفة بذكاء العاطفة و تتسلل الخواطر الرقيقة من عقل"الأنت" الى عقل"الأنا"

لتستنطق بشغفٍ  عارم فكرة (الأنت) في لدُن تفكير  (الأنا),

ولتقتل سائر الأوجاع الروحية.....


يصل بنا التذّهن في ذكاء العاطفة الى كل المغاليق المتجذّرة في أعماق ناطحاتنا الوجدانية,

فنسلك في مجرّات فضائها اللامتناهي,

حيث يعتقنا أمير العاطفة الرّاقية (الذكاء العاطفي) من جحيم المآسي ,فتغتني نفوسنا بكنوزه ,

ويغدو الجزع في عِداد الوهم.


يحفّز سيّد العقل والقلب في آن حنايا الوعي الذاتي ,

 وتصبح الرغبة بعظيم الانجاز ملكة الرغبات في عالم الممكن والمستحيلات والمفارقات العظمى!

يسير الذكاء العاطفي بالنفس الى مرتع أمانها ,

ويؤاخي الحدس فنختلي بأغوار أرواحنا ,ونحمل قلوبنا على أيدي الأمل......

.............................

ما أروع محكمة الذكاء العاطفي التي تقضي بالعدل الحق على جمّ الأحاسيس ,

وتَقيِنا من جور اليأس , وتُقصِي الحماقة  البغيضة عن  شؤوننا,

فثوابه وعقابه ( الذكاء العاطفي) هو محور الكينونة (الأنطولوجيا الحقّة)...........


الأدب الرقمي أدب المستقبل/ د. حسن العاصي

 


ظهر سرد القصص مع تطور العقل البشري لتطبيق التفكير السببي وهيكلة الأحداث في سرد ولغة سمحت للبشر الأوائل بمشاركة المعلومات مع بعضهم البعض. أتاح سرد القصص في وقت مبكر فرصة للتعرف على الأخطار والأعراف الاجتماعية، مع الترفيه عن المستمعين أيضاً.

في المنطقة العربية يُعتبر الأدب الذي أُنتج في العصر الجاهلي أقدم العصور الأدبية ـ عصر ما قبل الإسلام ـ وهو فن الشعر والنثر وكان ينتشر شفهياً بين الناس عبر الذين حفظوا الشعر من الشعراء، إلى أن جاء عصر التدوين بظهور جماعة "الرواة" وكان من أشهرهم "حماد بن سلمة" و"خلف الأحمر" و"أبو عمر بن العلاء" و"الأصمعي". موطن هذا الأدب الجزيرة العربية التي كانت ميداناً للصراعات والغزوات بين القبائل التي ارتبطت فيما بينها اجتماعياً وتجارياً بعلاقات اقتصادية وسياسية أثرت على الأدب الجاهلي.

مرّت الآداب بأطوار متعددة، من عصر الأدب الشفهي، إلى الورقي، ثم من الأدب التناظري التفاعلي، إلى الأدب الرقمي.


الأدب الشفهي

 أو الخطابة أو الأدب الشعبي، هو نوع من الأدب يتم التحدث به، أو سرده، أو غنائه بصورة شفهية عكس ما هو مكتوب. لا يوجد تعريف موحد للأدب الشفهي، حيث استخدم علماء الأنثروبولوجيا أوصافاً مختلفة للأدب الشفهي أو الأدب الشعبي. يشير التصور الواسع إليها على أنها أدبيات تتميز بالنقل الشفهي وغياب أي شكل ثابت عنها. تتضمن هذه الأدبيات الشعر، والنثر، القصص، والأساطير، والتاريخ عبر الأجيال في شكل منطوق.

مجتمعات ما قبل القراءة والكتابة ـ بحكم تعريفها ـ لم يكن لديها أدب مكتوب، ولكنها امتلكت تقاليد شفوية غنية ومتنوعة مثل الملاحم الشعبية، والروايات الشعبية (بما في ذلك الحكايات والخرافات) والدراما الشعبية، والأمثال، والأغاني الشعبية  التي تشكل بشكل فعال الأدب الشفهي. حتى عندما يتم جمعها ونشرها من قبل علماء مثل الفلكلوريين و لا يزال يشار إلى ذلك الأدب ـ في كثير من الأحيان ـ باسم "الأدب الشفهي". تطرح الأنواع المختلفة من الأدب الشفهي تحديات تصنيف للعلماء بسبب الدينامية الثقافية في العصر الرقمي الحديث.

قد تواصل المجتمعات المتعلمة والمتطورة التقاليد الشفهية، لا سيما داخل الأسرة (على سبيل المثال قصص ما قبل النوم) أو الهياكل الاجتماعية غير الرسمية. ويمكن اعتبار سرد الأساطير الحضرية مثالاً على الأدب الشفهي، كما يمكن اعتبار النكات من الأدب الشفهي أيضاً.

تشكل الآداب الشفهية بشكل عام مكوناً أساسياً للثقافة، ولكنها تعمل بطرق عديدة كما قد يتوقع المرء أن يفعل الأدب. يظل الأدب الشفهي أكثر شيوعاً من الكتابة الأكاديمية والشعبية.

فالآداب الشفهية تعني شيئًا يتم تمريره من خلال الكلمة المنطوقة، ولأنها تستند إلى اللغة المنطوقة فإنها تنبض بالحياة فقط في مجتمع حي متجدد. وعندما تتلاشى حياة المجتمع تفقد الشفهية وظيفتها وتموت. فهي تحتاج إلى أشخاص في بيئة اجتماعية حية، لأنها تحتاج إلى الحياة نفسها لتظل حية وتتجدد.


الأدب المكتوب

بدأ تاريخ الكتابة بشكل مستقل في أجزاء مختلفة من العالم، في بلاد ما بين النهرين حوالي 3200 قبل الميلاد، وفي الصين القديمة حوالي 1250 قبل الميلاد، وفي أمريكا الوسطى حوالي 650 قبل الميلاد.

الأدب السومري هو أقدم أدب معروف، كتب في سومر. لم يتم تحديد أنواع الأدب بوضوح، وتضمنت جميع الأدب السومري جوانب شعرية. توضح القصائد السومرية العناصر الأساسية للشعر، بما في ذلك الخطوط والصور والمجاز. تم دمج البشر والآلهة والحيوانات المتكلمة والأشياء الجامدة كشخصيات. وتم دمج كل من التشويق والفكاهة في القصص السومرية.

 تمت مشاركة هذه القصص شفهياً في المقام الأول، على الرغم من تسجيلها أيضاً من قبل الكتبة. ارتبطت بعض الأعمال بآلات موسيقية أو سياقات معينة وربما تم أداؤها في أماكن محددة.


أثر الثورات الصناعية على الآداب

تأثرت الآداب بشكل كبير بالثورات الصناعية الأولى، والثانية، والثالثة، والرابعة. خلال الفترة الفيكتورية، حفزت الثورة الصناعية عملية تغيير اجتماعية وسياسية واقتصادية ضخمة. قام الكتاب الذين اجتذبهم هذا التحول بإنتاج مجموعة كبيرة من المقالات، والروايات، والقصائد، والمسرحيات، والسير الذاتية، والإنتاج الصحفي. حاول الكثيرون معالجة ثقافة الآلة كقوة اجتماعية ملحّة وموضوعا أدبياً، خاصة خلال ذروة الخيال الصناعي الواقعي والنقد الاجتماعي من ثلاثينيات إلى خمسينيات القرن التاسع عشر. بينما أنتج آخرون مثل "تشارلز ديكنز" Charles Dickens انتقادات اجتماعية مثيرة لاستغلال الطبقة العاملة.

شهد الأدب الإنجليزي والفرنسي في القرن الثامن عشر تغييرات هائلة على مستوى الموضوع، والأسلوب، والمظهر. أدى النمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي الهائل إلى تغييرات داخلية في بنية المجتمعات الغربية التي ازدهرت، مما مكّن الآداب أن تتطور تتغير.

خلال عصر الثورة الصناعية الثانية في الفترة ما بين 1871 و1914 حذر بعض الروائيين من العواقب المرتبطة بالتخلي عن العاطفة البشرية واعتماد طريقة الآلة. تساءل شعراء مثل "ويليام وردزورث" William Wordsworthعن المكان الذي ينتمي إليه الفنان الاستبطاني في مطالعة النفس والتأمل الباطني في وقت يُعرف باسم العصر الميكانيكي. بالتأكيد مثلما سعى محرك واتس البخاري إلى إعادة تعريف توقعات المجتمع الصناعي، بحث الأدباء البريطانيون عن منظور جديد داخل الرومانسية يفسر التبديل بين تقدير الإنسان والاعتماد الجديد على الآلة.

أعرب معظم المفكرين والمؤلفين في إنجلترا عن اهتمام مبكر بعقلانية العلم ودقته. لكن سرعان ما تغير هذا عندما نظر الرومانسيون إلى تطور الآلة هذا باعتباره تهديداً للفرد. في مقدمة الإصدار الثاني من الأغاني الغنائية  أعلن "وردزورث" أنه مع اقتراب التكنولوجيا من كونها في طليعة الثقافة، يتحول العقل إلى "حالة من السبات شبه الوحشي" وبالمثل  قدم "ديكنز هارد تايمز" Dickens Hard Times للقارئ صورة صالحة للغاية للمدن الصناعية التي تظهر كأراضي قاحلة تسكنها الطبقة العاملة. جميع هذه التحولات الهامة في بنية المجتمعات ودرجة تطورها انعكست في الآداب والفنون: الشعر، والنثر، والقصة، والرواية، والمسرح، والتلفزيون، والسينما.


ما هي الرقمنة؟

الرقمنة هي عملية تحويل المعلومات إلى تنسيق رقمي (أي يمكن قراءته بواسطة الحاسوب). والنتيجة هي تمثيل كائن، أو صورة، أو صوت، أو مستند، أو إشارة (عادةً إشارة تناظرية) يتم الحصول عليها عن طريق توليد سلسلة من الأرقام التي تصف مجموعة منفصلة من النقاط أو العينات. تسمى النتيجة التمثيل الرقمي، أو بشكل أكثر تحديداً صورة رقمية للكائن والشكل الرقمي للإشارة. تكون البيانات الرقمية في الممارسة الحديثة  في شكل أرقام ثنائية، مما يسهل المعالجة بواسطة أجهزة الحاسوب الرقمية والعمليات الأخرى، ولكن الرقمنة تعني ببساطة "تحويل مادة المصدر التناظرية إلى تنسيق رقمي" ويمكن استخدام النظام العشري أو أي نظام رقمي آخر بدلاً منه.


تعتبر الرقمنة ذات أهمية حاسمة في معالجة البيانات وتخزينها ونقلها، لأنها تسمح بنقل المعلومات من جميع الأنواع في جميع التنسيقات بنفس الكفاءة وكذلك البيانات المختلطة.

لديها القدرة على المشاركة والوصول إليها بسهولة أكبر، ومن الناحية النظرية  يمكن نشرها إلى أجل غير مسمى دون فقدان التوليد، شريطة أن يتم ترحيلها إلى تنسيقات جديدة ومستقرة حسب الحاجة. وقد أدت هذه الإمكانات إلى مشاريع الرقمنة المؤسسية المصممة لتحسين الوصول والنمو السريع في مجال الحفظ الرقمي.

تتعلق الرقمنة عموماً بالاقتراب من التحول إلى مكان عمل رقمي ومواجهة التحول الرقمي. علاوة على ذلك، يتعلق الأمر بإنشاء مصادر رقمية جديدة للدخل في هذه العملية. غالباً ما يشار إلى الرقمنة باسم التحول الرقمي أيضاً.

أصبحت الرقمنة الكلمة الطنانة الكبيرة. حديث عن ضرورة رقمنة الشركات، والمؤسسات، والدوائر الحكومية، وأن القطاع العام يجب أن يصبح رقمياً، لكن ماذا يعني هذا حقاً؟

إذا نظرنا إلى الشركات، فإن كلمة الرقمنة تشير في الغالب إلى تحسين، أو تغيير العمليات، أو الوظائف، أو الأنشطة التجارية الحالية للشركة، باستخدام التقنيات الرقمية، أو البيانات الرقمية.

يمكن القول إن البيانات هي الكلمة الأساسية، حيث إنها بالتحديد البيانات التي تحاول تكوينها من خلال المعلومات الرقمية. يمكن أن يكون على سبيل المثال، نظاماً يمنح الشركة نظرة ثاقبة لمشاركة العملاء، حيث يمكن للشركة بالتالي استخدام البيانات الموجودة في عملياتها التجارية.

لذلك فإن الأمر يتعلق بالبحث في المبادرات الرقمية المستهدفة التي يمكن أن تساعد في رفع مستوى الشركة أو دعمها. قد يكون من الصعب على الشركة تغيير عملياتها الأساسية، ولكن غالبًا ما يكون من الضروري مواكبة العصر.

أحيانًا يتم الخلط بين الرقمنة والحفظ الرقمي على أنهما شيء واحد. إنهما شيئان مختلفان، لكن الرقمنة غالباً ما تكون خطوة أولى حيوية في الحفظ الرقمي. تقوم المكتبات ودور المحفوظات والمتاحف ومؤسسات الذاكرة الأخرى برقمنة العناصر للحفاظ على المواد الهشة وإنشاء المزيد من نقاط الوصول للمستفيدين. يؤدي القيام بذلك إلى خلق تحديات أمام المتخصصين في مجال المعلومات. ويمكن أن تكون الحلول متنوعة مثل المؤسسات التي تنفذها. تقترب بعض المواد التناظرية مثل أشرطة الصوت والفيديو، من نهاية دورة حياتها، ومن المهم رقمنتها قبل تقادم المعدات وتدهور الوسائط مما يجعل البيانات غير قابلة للاسترداد.

تعد رقمنة الكتب، والصور، والأفلام، والشرائح، طريقة شائعة للحفاظ على الوسائط المتعددة. يمكن لرقمنة الأشرطة التناظرية قبل أن تتحلل ـ أو بعد حدوث الضرر بالفعل ـ أن تنقذ النسخ الوحيدة من الموسيقى الثقافية المحلية والتقليدية للأجيال القادمة للدراسة والاستمتاع بها.

يمكن أن توفر الرقمنة وسيلة للحفاظ على محتوى المواد عن طريق إنشاء صورة طبق الأصل للعنصر يمكن الوصول إليها من أجل تقليل الضغط على الأصول الهشة بالفعل. بالنسبة للأصوات، فإن رقمنة التسجيلات التناظرية القديمة هي تأمين أساسي ضد التقادم التكنولوجي.

تتم معالجة مشكلة الكتب الهشة السائدة التي تواجه المكتبات في جميع أنحاء العالم من خلال حل رقمي لحفظ الكتب على المدى الطويل. منذ منتصف القرن التاسع عشر كانت الكتب تُطبع على ورق من لب الخشب، والذي يتحول إلى حامضي عندما يتحلل. قد يتطور التدهور إلى النقطة التي يصبح فيها الكتاب غير قابل للاستخدام تماماً. من الناحية النظرية، إذا لم تتم معالجة هذه العناوين المتداولة على نطاق واسع بعمليات إزالة الحموضة، فستفقد المواد الموجودة على تلك الصفحات الحمضية. مع تطور التكنولوجيا الرقمية، يزداد تفضيلها كطريقة لحفظ هذه المواد. ويرجع ذلك أساساً إلى أنها يمكن أن توفر نقاط وصول أسهل وتقليل الحاجة إلى مساحة التخزين المادية بشكل كبير.


الأدب الرقمي

خرج الأدب من تنسيق الكتاب الكلاسيكي وهو متاح اليوم على كل من الحاسوب وجهاز iPad والهاتف المحمول. بمعنى آخر، أصبح الأدب رقمياً، لكن ماذا يعني ذلك حقاً؟

الأدب الرقمي هو أدب متعدد الوسائط. أي أن السرد يستخدم وسائط مختلفة، مثل النص، والرمز، والصوت، والصور، والفيديو. غالباً ما يكون هناك أسلوب مرح واستكشافي لاستكشاف عمل ما، حيث يتم تشغيل العديد من الوسائط معاً. يخلق التقاء الأدب والإمكانيات التكنولوجية أنواعاً وأشكالاً جديدة تماماً للقراءة. وبصفتك قارئاً، فأنت ملاّح ويمكنك غالباً التفاعل مع السرد، تماماً كما يؤثر اختلاط النص والصوت والصور على الحواس وتجربة القراءة بطرق مختلفة. إن الأعمال الأدبية الرقمية ليست خطية. وبصفتك قارئاً ملاحاً، يمكنك التنقل بين وسائط مختلفة.

الأدب الرقمي شيء يتجاوز حدود ممارساتنا الثقافية وقراءتنا، إنه يتحدانا، ويحفزنا على الانفتاح عقلياً، ويمارس سلطة على فهمنا لما هو الأدب. إنها تجربة قراءة مختلفة عما اعتدنا عليه.

الأدب الرقمي ليس كتباً إلكترونية. عادةً ما يكون الكتاب الإلكتروني نصاً تقليدياً - كما هو الحال في كتاب يحتوي على صفحات ورقية - يتم نشره للتو في شكل إلكتروني. يمكن من حيث المبدأ طباعته وقراءته. لا يمكن القيام بذلك مع الأدب الرقمي دون فقدان المحتوى وفهم العمل.

لقراءة الأدب الرقمي، نجد أعمالاً مختارة منه على موقع الويب، والبعض الآخر يطلب منك تنزيل تطبيق لهاتفك المحمول أو جهازك اللوحي. تتنوع الأعمال على نطاق واسع في شكل التعبير والنوع والطريقة التي تتفاعل بها. بعض الأعمال أكثر تقليدية، بينما يتحدى البعض الآخر فهمك للأدب.

القاسم المشترك بين مؤلفي الأدب الرقمي هو أن المؤلفين يريدون تجربة أشكال الأدب واللعب بها. إذا كنت تريد أن ترى ما يمكن أن يفعله الأدب الرقمي، فمن المستحسن أن تغوص في أكثر من عمل، لأن أشكال التعبير مختلفة تماماً.

من المهم ملاحظة أن الأدب الرقمي هو الأدب الذي يعمل مع المنصات الرقمية التي نتحرك فيها جميعاً، ويعلق عليها ويستخدمها. وبالتالي فإن الأدب الرقمي لا علاقة له بالكتب الإلكترونية - على الأقل ليست الكتب الإلكترونية التي تُفهم على أنها كتاب مطبوع يتم نقله مباشرة إلى تنسيق الكتاب الإلكتروني.


ماذا يحدث للأدب عندما يتم رقمنة البيئة؟

 لماذا يصر بعض المؤلفين على الكتابة بخط اليد، ويصر البعض على استخدام آلة كاتبة، بينما يعتقد آخرون أن الحاسوب يمنح الحرية؟ وماذا عن الأدب الذي لا يمكن قراءته إلا على الشاشة؟

تميل المناقشات حول الأدب والرقمنة إلى أن تصبح شديدة الاستقطاب. هل مات الكتاب الورقي؟ هل ما زلنا نفكر في أفكار عميقة ومتماسكة عندما يبدو أن التكنولوجيا تشير إلى عكس ذلك؟ أم أن التكنولوجيا الرقمية تفتح إمكانيات غير متخيلة لتوصيل الأدب وتجربته؟

ينشغل عدد من الباحثين حول العالم بكيفية وضع التطور الرقمي حسب الموضوع في الأدب المعاصر، وكيف تتشكل أشكال التعبير الأدبية من خلال تقنيات الكتابة والقراءة الجديدة، وفحص ما إذا كانت عمليات التغيير التكنولوجي تساعد في تغيير مفاهيم مثل "المؤلف" و "القارئ" و "الكتاب" و "النص الأدبي".

لا يمكن عكس التطور التكنولوجي. في "الأدب في عصر رقمي"، يتم رسم صورة متوازنة ومعقدة لتأثيرات الرقمنة على الأدب - واستكشاف الأدب للرقمية - دون تنبؤات متشائمة حول موت الكتاب الورقي، أو تفتت وتحلل الأدب أو تدهوره.


لربط النصوص معاً

كانت الروابط التشعبية والارتباطات التشعبية هي بداية الأدب الرقمي، ومنذ أواخر الثمانينيات بدأ الناس في الخارج يتحدثون عن خيال النص التشعبي. قام الناشر الأمريكي وشركة البرمجيات Eastgate بتطوير برنامج الحاسوب Storyspace  والذي مكن المؤلفين من كتابة قصصهم بنص تشعبي. من بين أفضل الأعمال المعروفة في هذا السياق، عمل أدبي إلكتروني ـ نصر تشعبي ـ للمؤلفة الأمريكية "شيلي جاكسون" Shelly Jackson قصة بعنوان "الفتاة المرقعة" Patchwork Girl.

يجعل الارتباط التشعبي من الممكن تجاوز تدفق النص، وربط النصوص مع بعضها في شبكة. كما يمكن توصيل الصورة والصوت والنص بطرق جديدة. أصبح هذا الشرط الأساسي - وهو أنه يجب على القارئ أيضاً التنقل بنشاط من خلال النقرات أو أي تفاعل آخر - عنصراً مركزياً في الأدب الرقمي منذ ذلك الحين.

على سبيل المثال، الارتباط التشعبي هو جزء مضمّن من بنية السرد في أول رواية iPad وهي للروائية الدنمركية "ميريت بريدز هيل" Merete Pryds Helleبعنوان "جنازة" Begravelsen.  ترتبط هنا قصة الجريمة الرئيسية بقصص جانبية أصغر، والتي يمكن للقارئ تحديدها وإيقافها عن طريق النقر على سلسلة من النعي أثناء السرد.


من قصائد الفلاش إلى التطبيقات الأدبية

"شعر الفلاش" هو اتجاه قوي آخر إلى جانب النص التشعبي. غالبًا ما تُترك في هذا الاتجاه مبادرة أقل للقارئ مقابل تجربة بصرية وجمالية أكثر، يتم تنفيذها في برنامج Flash. ومن هنا جاء الاسم.

الشعر الرقمي له جذور واضحة في تقليد الشعر البصري والشعر الملموس. يتم تحويل الحروف والكلمات والجمل إلى صور مجردة أو دمجها مع الرسوم المتحركة والأصوات في الأعمال الرقمية حيث يرتبط الشكل والمحتوى بقوة.

ومع ذلك، لم يعد الفلاش الأداة المفضلة للشعر الرقمي أو الأدب الرقمي بشكل عام.

مع تطوير الوسائط الرقمية الجديدة، تظهر أشكال جديدة للأدب الرقمي أيضاً. أحدث التطبيقات في هذه السلسلة هي التطبيقات الأدبية التي حلت محل تنسيق الفلاش من نواح كثيرة.

تم تصميم التطبيقات الأدبية لكل من الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، وأصبح iPad من Apple على وجه الخصوص وسيلة شائعة للتطبيقات الجديدة.


iPad  محبوب الأدب الرقمي

هناك العديد من الاتجاهات في تطبيقات الأدب في الوقت الحالي. تمت إعادة إصدار الأعمال القديمة في إصدارات جديدة وأضيف إليها الكثير من المواد، مثل رواية "على الطريق" On the Road للروائي والشاعر الأمريكي "جاك كيرواك" Jack Kerouac. كان العمل جزءًا من تجربة حيوية أوسع في الفنون الأدبية والموسيقية والبصرية الأمريكية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

يستخدم الكتاب الآخرون الشكل الجديد لإنشاء المزيد من الأعمال الأدبية التجريبية. على سبيل المثال "يورغ بيرينجر" Jörg Piringer  الذي يتكون عمله الحائز على جائزة

من الأحرف الأبجدية والتي يمكن للمستخدم من تحريك الشاشة ـ من خلال تحريك جهاز iPadـ أثناء إصدار أصوات مختلفة.

يقدم iPad إمكانيات تقنية جديدة للأدب الرقمي. يسهّل سطحه المرئي وشاشته الحساسة للضغط تفاعل المستخدم، في حين أن حجمه يجعل التعامل معه أيسر من الحاسوب. من ناحية أخرى، تمثل الوسائط الجديدة تحدياً أيضاً حيث يتم باستمرار إطلاق تحديثات جديدة أو أنظمة جديدة تماماً، لتحل محل الإصدارات السابقة. لذلك من الضروري صيانة وتحديث التطبيقات الأدبية التي يتم نشرها لضمان بقائها قابلة للاستخدام في الوسائط الجديدة.


الأدب الرقمي أدب المستقبل

مع انتشار الوسائط الرقمية بشكل متزايد، سيصبح الوصول إلى الأدب الرقمي في متناول الجميع أكثر وأكثر. لم تعد أجهزة الحاسوب والأجهزة اللوحية وسائط أجنبية بالنسبة لنا. بل على العكس تماماً، أصبح استخدام القراء للوسائط أمراً مألوفا، تتيح لهم التجول بين/ حول العديد من المنصات الرقمية بسهولة وأناقة.

مثلما ساعدت الوسائط الرقمية في دفع تطور الأدب الرقمي، فإنها تعمل أيضاً على تعزيز إدراكنا للأدب. مع الروايات التفاعلية الجديدة، أصبحنا نستخدم للأدب بدلاً من قراءته، كما يجب أن يعتاد المؤلفون اكتساب القدرة والمهارة على سرد القصص بأكثر من النص وحده.

كانت الأعمال الأولى التي خرجت من الأدب الرقمي تجريبية للغاية، لكن اليوم يبدو أن الأدب الرقمي يجد جاذبية أوسع مع تطوير التطبيقات الأدبية لجميع الأذواق.

أظهرت دراسة أجراها اتحاد الناشرين الدنمركيين أن صناعة الكتب في الدنمرك قد حققت نمواً لافتاً خلال أزمة كورونا. بينما تم إغلاق المكتبات ودور السينما والمسارح والمتاحف، ارتفعت مبيعات الكتب بشكل مضطرد. فقد زادت مبيعات الكتب عام 2020 وعام 2021 بنسبة 15.6% وذلك عبر التجارة الالكترونية التي زادت في تلك الفترة بنسبة24.2%  .

إذا نظرنا إلى التنسيقات التي اختارها الدنماركيون لقراءتها أثناء أزمة كورونا، سنلاحظ أن التنسيقات الرقمية مثل الكتب الإلكترونية وخاصة الكتب الصوتية زادت مبيعاتها بنسبة %57.8 وبالتالي تبدو وكأنها ستشكل أدب المستقبل.

التحول الرقمي في الدنمرك سيغيّر صناعة النشر وتصوراتنا للكتب إلى الأبد. بالنسبة للمستقبل ستكون الكتب إلى حد كبير كتباً مسموعة على الرغم من هيمنة الكتاب المطبوع على السوق للآن. في نفس الوقت الذي تحصل فيه طفرات حاسمة في عادات القراء الدنمركيين لصالح الأدب الرقمي والكتب الصوتية لا يزال ثلاثة من بين كل أربعة من عشاق الكتب يختارون الكتاب الورقي عند القراءة.

عن بعض ملوك الطوائف/ فراس حج محمد



من ديوان "مزاج غزة العاصف" (رام الله، 2015)


ملوكنا ملوكُ طوائفٍ مسكونةٍ بلظى

الظلامْ

تسعى على قدمين من خشبٍ

مسطّحْ

لا ترى ما قد يُرى

إلا اختلالاً واختصاراً وانحسارْ

عِيٌّ أصابَ رؤوسهم 

شللٌ الأفكار يجنح نحوهم في الطائراتِ 

الخافتات الصوتِ

تحتَ لحافِ سيدة توزّع نفسها بين الأنينِ

على فراش الافتراسِ بين مخالبِ الملكِ الحصينْ

مطرٌ توزّع في المساء كأنه بلل السُّحُبْ

بلد تقطّع بالمجازر واستباح نباته السيْلُ العرِمْ

وملوكُنا نهلوا الشرابَ على شفاه الحالمات من القصائدِ

في ربوع الفاتنات الشقرِ في بلد الفرنجةْ

غسلوا الملامحْ 

من تعب الخسارةِ في غبار الطلعٍ

من مُرِّ الأديم

صدّوا الرياح الهوجَ عن هوادج امرأةٍ

كصبّار نمت أوجاعه في حلقها 

من رملٍ العواصفِ في الطريق الطامسةْ

وانطفأت معالم تستديرُ متاهةَ البلد المُحصحص

للطوائفْ

لا يتقنُ اليومَ الملوكُ سوى صنع الغبارْ

وأمام تلك الفاتنات من استضاءات الفضاءِ الواضح المفتوح

يبتكرُ الملوك سرّ الأبجدية في طلاء الأحذية

لا يتقنونَ سوى السباحات الفريدة في الفراقطِ والملاقط والمساقطِ 

حطّهم عرقُ المصارفْ

ملكوا ما لا يكونُ لغيرهم

متوافقين بشنّهم 

أطباقُ ليلٍ طائرةْ

ملكوا المطارفَ والمقاصفَ والملاحفَ والشراشفْ

ملكوا الطوائفْ

ملكوا اصطناع مشاجب الشنق الغريقِ على جسد المصاحفْ

ملكوا المعاطفَ والمخاطفَ وانتهوا بجنونِ خاطفْ

عدلوا بكل عذولةٍ وتنكروا للعدلِ مع باقي المعارفْ

ملكوا الرؤوس المستقيمةْ

والمقامات المقيمة

والمآلات السقيمة

ملكوا قلوبا هدّها سفهُ المعازفْ

ملكوا الطوائف ▪


التجديدُ في الغناءِ والموسيقى الشرقيّةِ وبعث المقاماتِ العربية "في الذكرى السنوية على وفاة الموسيقار محمد عبد الوهاب"/ الدكتور حاتم جوعيه



  (إختلفت  المشكلات والمهام  التاريخيه  بين عبده الحامولي  (سي عبده ) ومحمد عبد الوهاب ، لكن الاساس الراسخ عندهما كان الحفاظ على الكيان العربي المستقل لهذا الفن )

          إنَّ شهرَ أيار - مايو- هو شهر الرَّحيل عن الدنيا  لِمُطربِ القرن العشرين محمد عبد الوهاب ، ومطرب القرن التاسع عشر عبده  الحامولي المعروف ب( سي عبده ) ، وإن  باعدت بينهما تسعون سنة  بالتمام .  هذان العملاقان  

ملآ الدنيا وشغلا الناس وتركا أعمقَ الأثار في  الغناء ِالعربي المُتقن  وبقيت

أصداءُ صوتهما لا تزاحمهما أصداء صوتٍ آخر .    فالكاتبُ العربي الكبير نجيب محفوظ كتبَ على لسان بطل ثلاثيتهِ  الرّوائية- (السيدأحمدعبدالجواد) –  قوله :  " إنَّ  دولة َ الفنِّ  قد  انتهت  بانتهاءِ  " سي عبده  "  .   أمَّا  عبد                         

الوهاب  فأنهكَ  حياته  المديدة   في   تجديدِ  الغناء  العربي  على  مراحل  متعاقبةٍ  توازي  مراحله الصوتيّة   فكانَ  له ُ في العشرينات  تجديد ،  وفي  الثلاثينيات  تجديد آخر، وفي  كلِّ عقدٍ  بين  الأربعينبات  والتسعينيات  لون آخر متميز من التجديد  .  منذ ُ فجر تاريخ الغناء العربي محمد عبد الوهاب هو أوَّلُ  ملحن ومطربٍ عربيٍّ صدرت عنه في مصر لوحدِها عشرة ُ كتبٍ  قبل أن يمضي على رحيل  عامان  فقط .  وشهر أيار -  مايو -  سنة 1901  وسنة 1991  يجمعُ  بين عملين  فنيين  يَبْدُوَان  مختلفين، لكنهما في الحقيقةِ متفقان فعبده الحامولي  في الأدوار الغنائيه يختلفُ عما   َقدَّمَهُ  عبد الوهاب  وأبدعهُ  في  تجديداتهِ  التلحينية  ولكن  يجمعُ  بينهما  إخلاصهما  والتزامها لأصولِ الغناءِ العربي المُتقن والموسيقى الشرقي الكلاسيكية الرَّاقية والعمل على توسيعها  وتطويرها وحمايتها من الهدم والتخريبِ والضياع  .  فالغناءُ العربي المُتقنُ  يَتَّسِعُ  لجميع ِ المذاهب  والمُحاولات التجديديَّة  ما  دامت لا  تستهدفُ إلغاءَ هذهِ الأصول العربيةِ وإحلال الموسيقى الأوروبية بدلا منه  .    

  تتضَّنُ الموسيقى العربية ُ في  بعض ٍ من  مقاماتِها  وايقاعاتِهَا  جميعَ  ما تحتويه ِ الموسيقى الأوروبية لأنَّ الموسيقى العربية بحرٌ  كبير لا  نهاية  لهُ ،   أما الموسيقى  الأوروبية  فهي المقامان الكبير والصغير  ويقابلهما  في  الموسيقى الشرقية  مَقامَا  النهاوند والعجم ، وهما قطرة  صغيرة من  بحر الموسيقى العربية (هذه هي العلاقة والرابطة بين أصول الموسيقى العربية والشرقية ) .    

         إنَّ جميعَ ما  دخل على الموسيقى الأوروبيه  من الأعمال التركيبيّة من    هارموني  وكونتروبوينت  الخ ...  فكله   يدورُ  في إطار  المقامين   الذين ذكرتهما  وهما   ( النهاوند  والعجم  أو المينور والماجير ) ،  بالرُّغم ِ  من اتساع  هذين  المقامين  لا  يستطيعان   إستيعابَ الحشد  الكبير الهائل   من المقامات العربيه .   ولهذا يعجزُ المستمع ُالاوروبي والامريكي  عن  تذوِّق الموسيقى  العربية  وفهم تركيبها الذي يتهادى ويتسامى أمامَ عينيه  وأذنيه .  ولهذا أيضا يقول بعضهم : إنهُ  يُفتقُرُ الى النظر العلمي من  تطويع الأغنيةِ  العربية  للعالميةِ ،  ولكن  هذا  الرأي  أو  هذه  الدعوة  العقيمة  لم   تنجَحْ   من  حيث   الاستغناء  عن  باقي  المقاماتِ   العربية  والاكتفاء   بالمقامين  الكبير  والصغير  من  أجل   تطويع  الاغنية  العربية  للعالميةِ  كما  يزعمُ البعضُ  .   وقد   برهنت على  زيفها   وعدم  صِحَّتِهَا  هذ  الدعوة   عندما اصطدمت   في  السنواتِ  الأخيرة   بالموجةِ  الغنائية  الهابطةِ   فانهزمت    تلك  الدعوة ُ المهجنة ُ الرخيصة على   الرغم  من  تقدُّم ِ الدعوة ِ والموجةِ    الهابطة   قليلا    .     

      وقد  كان  دعاة ُ  تغريبِ  الغناء ِ العربي  والموسيقى  العربية  ومحو  آثارهما وإحلال  الموسيقى والغناء الاوروبي محلهما يعتقدون  أنهما  على   وشك  النصر النهائي      .      

      إنَّ  الموجة َ الهابطة ( الأغاني المُهجَّنة -  فرانكو  آرب ) حجبت حاليًّا

الغناء  العربي  المُتقن  بعض  الشيء   ولم   تقتصر على   طردِ  الموسيقى الأوروبية الرفيعة الراقية، ولكن احتجابَ الغناء العربي الاصيل المتقن أمر مؤقت وستنتهي قريبا  تلك الموجة ُ الهابطة الساقطة  ويعودُ  الغناءُ  العربي الاصيل  في  مرحلته  الجديدة  المقبلة  أهمَّ  مِمَّا  كانَ  عليهِ  سابقا  وسيتخذ ُ 

طريقا  مستقلا  رائدًا  في الحداثةِ  والتطوير والابداع  وسينتصرُ  في  نهايةِ المطاف على  الفنِّ  الهابطِ  الساقط  وعلى  محاولاتِ  التغريب  التي  ترفع    شعارات (الموسيقى  الرفيعة ) واهدافها الحقيقية إزالة الموسيقى العربية من  الوجود لأنها  متطورة  أكثر وأرقى  وأوسع  وأعذب  وأجمل  ومتميزه عن  الموسيقى  الأجنبية  اذ   أنها  تخاطبُ   الجانبَ  الوجداني   والروحاني  في الإنسان فتأسرُ  لبَّهُ وتهذبُ أحاسيسه وطباعه وتحدُو به إلى عالم ٍ رومانسيٍّ  حالم  رائع .  إنَّ هذه  القضايا  التي  نحن في صددِها  قد  تصدَّى لها  محمد 

عبد  الوهاب ومعاصروه ، أمثال : محمد القصبجي  وزكريا أحمد  ورياض السنباطي ، وهم  الرباعي الأعظم  في التلحين  .  ثم تصدى  لتلك  الظاهرة التي ذكرتها الجيل الذي تتلمذ عليهم، أمثال :أحمد صدقي  ومحمود الشريف   وعبد العظيم عبد الحق ... ثم الجيل الثالث  : كمال الطويل  ومحمد الموجي  وبليغ حمدي، وبعض المغنين الملحنين أمثال فريد الاطرش ومحمد فوزي . وقد اختفى فجاة  معظم هذا الرعيل الأخير  بعد  رحيل ِ الرعيل  الاول  من  العمالقةِ وجهابذة الفن وغصَّت الساحة وامتلات بعشرات بل مئات الملحِّنين  من  جيل ( الدرابوكة) المصرية البلدية وايقاعات الديسكو  والبوب  والجاز  والروك الخ...هنالك  بعضُ الموهوبين من الذين  استسلمُوا للموجةِ  الغنائيةِ   الهابطة   ولكن  الأكثرية  من  غير  الموهوبين   وهم   يعتبرون  انتهازيين   متسلقين  دخلاء  على  التلحين  والفن  كأصحابهم  المغنيين  الجدد  الدخلاء على  الغناء  . 

              إنَّ  تسعين عاما  بين  رحيل عبده  الحامولي  (سي عبده )  سنة 1901 ورحيل  محمد عبد الوهاب سنة 1991 قد  أعادت   رسم  مشكلات الغناء  العربي بحيث كادت  تصبح مقطوعة َ الصلة ِبمشكلاتهِ  في عهد عبد الحامولي وزميله محمد  عثمان  ومحمد المسلوب  في  أواخر القرن التاسع عشر  فمهمة (سي عبده )  ومعاصريه ..  أي  رسالتهم   الفنية كانت  نفض وإزالة  التراب عن المقامات  العربية  وإحيائها  من  جديد ... هذه المقامات التي  أخذت  أسماءً   فارسية   وتركيّة   في  عصور  الانحطاط   السياسي والإجتماعي للأمةِ العربية بعد سقوط بغداد في قبضة هولاكو سنة 1258 م 

 .  فمهمة ُهؤلاء الرواد  الفنانين العمالقة هي إنطاق هذه  المقامات  العربيّة العائدة من غربتها الطويلةِ ، بلغةٍ ولهجةٍ جديدة   في  الغناء ،  تختلفُ  عن اللهجةِ ( العثمانية ) التي سادت أكثر من أربعمئة سنة على  الأقطار العربية ...  بإختصار فالحامولي  ومعاصروه  من الفنانين عملوا على ردِّ  وإرجاع فنّ الغناء في عصرهم الى تلك الاصول العربية الصحيحة ... وقد فعلوا كلَّ هذا بدقة واخلاص .          قبل مجيء عبده الحامولي  لم  يكن متداولا  في  مصر حينذاك سوى مقامات السيكاه والبيات والراست وشذرات من مقامات أخرى بلهجات بدائية  .  ويبدو هذا الامر واضحا في البحوث  العلمية  التي أجراها  علماء  الحملة  الفرنسية   الإستعمارية  التي  قادها   نابليون  على مصر عام 1798م  .    وهذه   البحوث   مدونة ٌ ولا  خفاء  بها . إنَّ  كتابَ "سفينة الملك"  للشيخ  شهاب الدين هو الذي  لفتَ الانظار  ونبَّه َ  الحامولي   ومن  سبقوهُ  ومن عاصروه  في  القرن  التاسع  عشر  إلى  ثراء  المقامات  العربية وكثرتها .      وفي زيارةِ  الحامولي  لاسطانبول  افتتحت  له أبواب  أخرى  في  التعرف الى  مقامات عربية غير  متداولة  في  مصر ومعروفة في اسطانبول ناطقة بلهجة غنائية عثمانية  ، مثل  مقام  حجاز كار وأجناسه  ، ومجموعة   من  المقامات  التي   تبدأ  بكلمة "شوق " مثل : ( شوق افزا)  و (شوق انكيز)     و ( شوق طرب ) .     وغيرها  ...    هذا   فضلا  عن   الماهور   والشاهيناز   والستنيكار  والدلنشين  وراحة  الارواح  ،  وغيرها من المقامات العربية  التي  أطلق َ عليها  الأتراكُ   والفرس  أسماء ً  تركية وفارسية بعد سقوط البلدان العربية في ايديهم

       إنَّ مهمة َ(سي عبده ) كما ذكرتُ سابقا هي بعث وإحياء وإعادة الوجه العربي إلى المقامات التي استعجمت ، فأدَّى  ( سي عبده ) ومعاصروه  هذه المهمة بنجاح كبير ، وتركوا للذين جاؤوا بعدهم تراثا رائعا  من الموشحات  والقصائد والأدوار تجسدت  وارتسمت  فيه  ملامحُ  معركتِهم  العنيفة  ضدَّ عوامل  الإنقراض التي  تجمعت وتآمرَتْ  ضد َّ الغناءِ  العربي  خلال  تلك الحقبة التاريخية الطويلة المظلمة .  

              كان لعبده الحامولي  (سي عبده ) صوتٌ رائع عظيم  وقال عنه معاصروه إنهُ يحتوي على ثلاثة دواوين ، أي أربعة وعشرين مقاما . وهذه المساحة ُالواسعة لم ُتتحْ لصوتٍ بعد صوت عبده الحامولي  إلى يومنا  هذا .                  

فأقصى ما بلغته مساحة ُصوت محمد عبد الوهاب الذهبي في العشرينيات لم تزد  على   خمسة عشر مقاما ،  وأقصى  ما  بلغه  صوت  أم  كلثوم  خلال العشرينيات سبعة عشر أو ثمانية عشرمقاما  .   لا يُقاسُ  الصوتُ بمساحتهِ فقط بل بجمالهِ أيضا ومقدرته وندرةِ معدنه ِ وقد جمع الحامولي كما قال عنه النقاد الفنيون سعة المساحة إلى جمالها ومقدرة  الأداء ونفاسة  المعدن .  لقد سيطر عبده  الحامولي  على الساحةِ  الفنية  بمذهب  الغنائي  المتطور الذي انبعثت  فيه  مقاماتُ  الغناء  العربي انبعاثا  جديدا من خلال الحانه  وألحان معاصريه   من   عمالقة  الفن   مثل :  محمد   عثمان   ومحمد  المسلوب .

       وأخيرًا : مهما  اختلفت المشكلاتُ  والمهام ُ التاريخية   بين محمد عبد  الوهاب وعبده   الحامولي  (سي عبده )  فإن  الأساسَ   الراسخ المتين الذي بنى عليه  كل منهما هو حلّ مشكلة الغناء في عصره  والحفاظ  على الكيان  العربي المستقل لهذا  الفن الأصيل، وانطاقه  بلهجةِ عصرهِ ، وتوسيع  آفاقِهِ   وطرد  المغرضين  والمتسلقين على  الدوحة  الفنية  من المغنيين  الساقطين المهجنين التعبين  أعداء الأغنية  والفن العربي الراقي  العريق ، ومن  شتى أنواع الدخلاء والأدعياء  .


رسالة إلى روح والدي/ محمد محمد علي جنيدي



لو هقول أن البعاد فرّق ما بِنا

أو يكون المستحيل حال بين لقائنا

تفضل الشمعه اللي قايده جوه قلبي

نورها حبك.. عطف قلبك وأنت جنبي

هيه روحي ازاي تعيش من غير ما احبك

هوه قلبي ازاي هينسى عطف قلبك

واما اتوه عن روحي روحك بين ضلوعي

ألتقيها ف. لحظه بتنور شموعي

انت أجمل شيء ف.عمري راح وباقي

لسه ذكرى ف.قلبي بتواسي اشتياقي

كنت أجمل أب عاش ليّه صديق

وافترقنا واحنا كان بدري الطريق

غبت عني بس قوللي ازاي تغيب

هوه بدر الليل يغيب عن عين حبيب

خدت منك بسمتك طيبتك وحب

ضم كل قلوب حبايبي جوه قلب

وانت ابويا اللي ملا طبعه الوفاء

وانت أغلى هديه من رب السماء

والحنين لك أوفى من كل الكلام

والأماني تكون يا غالي ف. دار سلام


- مصر

m_mohamed_genedy@yahoo.com

اطراف غربه/ غسان منجد



في ظلام ليس له ستائر 

ترسبت أشباحه في فجر هجر 

وفي قرارة عاصفه 


نوافذ جراح 

وأبواب مكسوة باطراف غربه 

وأوراق خريف لا وسادة لها 

وتكومت في صمت 

هل روت لنا جراحها وليل صداها 

فوق ثلج فراشها 


شيدت صروح موتها من هذي جسدها 

وشكت من قيد وهمها وزفير جراحها 


لم يأت من يسأل عني 

والذي سأل 

مر مسرعا ولم يتوقف 


علمتني شطحاتها

ونفخت فيي غبارها    

الارض 

في جسدها روح طفل ضائع 

تصفح سرة اعشابها وأعد تميمة ضوء لإستنفارها 


من صحراء يأس سكبت في حوض فجري 

اكاليل غبارها وتوجت عيوني بباقي جفاف 

أتذكر أهواءها تعانق موكبي 

وتصبح مليكة عرشي 

لم يبق من شهواتي سوى انقاض قوافلها 

وقفل احلامي 

هي التي شحبت صوت قيثارة 

ولم تصغ لها 

اتمدد في ارجاء احلامها 

وتفتح على ايامي عباءة جسدها 


بيت أفق 

سوائل تعب 

وكلمات لم تزين أضواء

هي الغابة 

وفوقها أبني أعشاش اهداب 


دمعي تعب 

وقلبي سائل 

وآن له ان يستريح 

أمسح دموعهابيأسي 

وتمسح دموعي بفرح 

هي الحلم الذي يزين ليلي ويضفي عليه الاآه 

دراسَة ٌ لديوان " قصائد صادقة " للشاعرةِ "لميس كناعنه "/ الدكتور حاتم جوعيه

 


مقدِّمة :    ديوان  قصائد صادقة  هو إسمٌ  على  مُسَمَّى  صدَرَ  للشاعرة ِ الشَّابَّة  " لميس  كناعنه " - الناصرة  -   قبل  بضع  سنوات  -  طُبعَ  على  حسابها  الشَّخصي، يقعُ الديوان في 122 صفحة من الحجم المتوسط الصغير ،كتبَ مقدِّمة الديوان كلٌّ من : الشاعر عمر حموده الزعبيي (أبو فلسطين )  والشاعر الكبير المرحوم  الدكتور  "  جمال قعوار " ،   والمقدِّمتان  بشكل ٍ عام  موضوعيَّتان  تُعَبِّرَان  عن  مضامين  وفحوى هذا  الديوان  من  حيث   الموضوعيَّة  والأسلوب  والمستوى ،  وفيهما  تحليلٌ  مُسهَبٌ عن  شخصيَّةِ الشَّاعرةِ من خلال  قصائِدِها.. وتشملان البُعدَ  الإنساني والوطني  والفكري في شعرها ، فيستطيعُ القارىءُ أن  يأخذ َ ويُكوِّنَ  فكرة ً كاملة  ًعن الشَّاعرةِ ومستوى كتاباتِها  من  خلال ِ قراءةِ  هاتين المقدِّمتين  .  

  في البدايةِ كنتُ متوقِّعًا أنَّ هذا الديوان سيلفتُ  أنظارَ  الجهاتِ والمؤسَّساتِ الأدبيَّةِ المسؤولة ويحظى باهتمام النقادِ لما يحتويهِ من قصائد رائعة تضاهي  وتفوق الكثيرَ  مِمَّا  كُتِبَ من شعر ٍ محلِّي، في ظلِّ الوضع  الحالي  المُزري  وهيمنة  بعض الجهاتِ  والمؤسَّساتِ  الثقافيَّةِ  والحكوميَّة  التي  باتت  تطبع  وتنشر بسياسةٍ  مقصودةٍ  لمن هَبَّ ودَبَّ وتروِّجُ  للبضاعةِ  والمواد الرَّديئةِ الكاسدةِ ... ولكن وللأسفِ الشَّديد لا  يوجدُ  أيُّ  ناقدٍ محلِّيٍّ حتى الآن  إلتفتَ  أو  تطرَّقَ  إلى هذا الديوان القيِّم  وكتبَ عنهُ  لو  كلمة ً قصيرة ً موجزة ( لا  يوجدُ عندنا نقدٌ محلي موضوعي بالمفهوم الحقيقي للنقد) إذا استثنيتُ  نفسي  وثلاثة  أو أربعة ً غيري  فقط  نحنُ  الذين  نكتبُ  بشكل ٍ  موضوعي علمي   وبنزاهةٍ  وصدق ٍ  وأمانةٍ  لا  نكترثُ لأحدٍ  وغير  مُقيَّدين  أو مُقادين  لأيِّ  إطار ٍ.. أمَّا باقي النوَيقدين والشَّراذم والمسوخ الأدبيَّة المُتطفلة الدَّخيلة  على الأدب والشِّعر فهم مأجورون  مُستكتبون وَمُرتزقون لجهاتٍ  مُعيَّنة  يكتبون  حسب الطلب والمصلحةِ الشَّخصيَّةِ والماديَّةِ وبما يتلاءَمُ مع مُخَطَّطِ   أسيادِهم   وسياسةِ الجهةِ المشبوهةِ التي يخدمونها ...هذا عدَا عدم  كفاءَتِهم  ومقدِرتِهم  على الكتابةِ  مثل  بعض الأذناب  والمسوخ التي  تكتبُ  في بعض الصحفِ   ووسائل  الإعلام  المحليَّة  بشكل ٍ  دائم  وهم  معروفون  .   

مَدخلٌ  : إنَّ  ديوانَ  لميس ، من  ناحيةِ  الشَّكل ، جميع  قصائِدِهِ  موزونة   وهي على نمطِ  شعر ِ التفعيلةِ . ولا يوجدُ عندنا  في الداخل من بين  المئات  من  الشعراء  الشَّباب والكهول الذين  يكتبون  الشِّعرَ  سوى  القليل (  بعض  الأفراد) يكتبون الشِّعرَ الموزون ، أمَّا من بين  الفتيات فربَّما  تكون " لميس  كناعنه " هي الفتاة الوحيدة التي تكتبُ  شعرًا موزونا  في الداخل  وضليعة ٌ  في اللغةِ العربيَّة      .   ومن بين الشُّعراءِ الشَّباب  فأربعة ٌ أو خمسة ٌ  فقط  يعرفون  الأوزانَ الشعريَّة  ويكتبون الشعرَ الموزون أنا  أحدهم  .          إنَّ معظمَ الذين يكتبون شعرًا مُكسَّرًا (غيرموزون)،عندنا في الداخل، منطلقهُم  ليسَ  مُراعاة ً وَمُجَاراة ً  لركبِ  التطوُّر الحضاري  ومَا  تقتضيهِ  مُتطلّبات العصر الحديثة ... بل لأنَّهم  يجهلونَ الأوزان الشِّعريَّة  ولا  يُجيدونَ  اللغة َ العربيَّة   وغير مُلِمِّين في قواعدِها  ونحوها  وصرفها  فلهذا   يلجؤُونَ  إلى  كتابةِ  الشِّعر المُكسِّر لسهولتهِ ، ومهما  يكن  مستواهُ  الفكري والموضوعي  ( الشِّعرالحديث الذي يكتبونهُ) يظلُّ مجرَّدَ  كلام في كلام ... بإختصار  ليسَ  شعرًا .  أمَّا النقاد والشُّعراء العرب الذين يُهاجمونَ الشعرَ الموزون ذلك لأنَّهم لا يستطيعونَ أن  يأتوا بمثلهِ  . أمَّا النقاد الغربيُّون فينتقدونهُ على أنَّهُ  متأخِّرٌ   ورجعيٌّ  وقديم  لأنَّهم  يحقدون على  العرب من   ناحيةٍ  عنصريَّةٍ  ولتفوُّقِنا عليهم قرونا عديدة  في شتَّى المجالات والميادين : العلميَّة  والفكريَّة والأدبيَّة  والفنيَّة  .   إنَّ  الشِّعرَ العربي منذ  العصور الجاهليَّة إلى  عصرنا  الحديث- حتى أواخر الأربعينيَّات كانَ جميعهُ شعرًا كلاسيكيًّا غنائيًّا  تقليديًّا  من حيث الشكل والبناء الخارجي وبعدهُ  جاءَ شعرُ التفعيلة (الموزون) ثمَّ  الشعر الحُر الحديث  المتحرِّر من الوزن والقافية . فيُريدُ الأجانبُ المغرضون  والحاقدون وأذنابهم  من المرتزقين والمأجورين أن يطعنوا في تراثنا وأدبنا العربي بأيِّ شكل ٍ من الأشكال- الادب الذي يُشَكِّلُ ويُجسِّدُ  تاريخنا وحضارتنا  وماضينا ومجدَنا الذي نعتزُّ  بهِ  ونفاخرُ بهِ الشُّعوبَ والأمم الأخرى  والذي  يضاهي ما  كتبهُ  وتركهُ غيرُنا  من  الأجانب على امتداد  أكثر من  1700  سنة  ( أدبنا  الذي  سجَّلهُ  التاريخ  ولم  يضع  ) .  

مواضيعُ  الدِّيوان :    تعالجُ  الشَّاعرة ُ " لميس  كناعنه " في  ديوانها  "  قصائد  صادقة " جميعَ القضايا  والمواضيع  التي نحياها  وتهمُّ  المجتمع  والإنسانيَّة  جمعاء ،  مثل  المواضيع  :  السِّياسيَّة ، الإجتماعيَّة ، الوجدانيَّة  ، الفلسفيَّة  والحكميَّة  والوطنيَّة ..  والوصف  . إذ  نجدُ  الكثيرَ  من  التشبيه والوصف للطبيعةِ والجمال المثالي في أشعارها ..الموضوع  الذي  لم  يطرقهُ  ولم  يكتبْ  فيهِ  غيرُ القليل  من الشُّعراء  المحلِّيِّين  ولم  يُبدعوا  أو  يصلوا  إلى  الغايةِ  المنشودة ،  عكس  شاعرتنا  لميس  التي  سكبت  في  قصائِدها  الوصفيَّة أسمَى المعاني وأرقها وأروع آيات السِّحر والجمال والتصويرالفنِّي . 

     لندخل الآن  وبشكل  مُسهبٍ  إلى  المواضيع  الإجتماعيَّة   والوجدانيَّة في  الديوان  .   لقد  كتبت  لميبسُ قصيدة ً  لأبيها  الذي  توفيَ  في  حداثتِهَا   وصباها  المبكِّر - الأستاذ والأديب محمود  كناعنه - من قرية عَرَّابة  البطوف  واستوطنَ مدينة الناصرة  الذي كان غصنا يانعًا  من أغصان  أدبنا  وتراثنا  وثقافتِنا المحليَّة.. ورحلَ عن الوجود  قبلَ أن  يُكملَ رسالتهُ الأدبيَّة والإجتماعيَّة ، كانَ أديبًا  وكاتبًا ومثقفا ربَّى أبناءَهُ على العلم  والفضيلةِ والإلتزام والمُثل  .   وفي هذهِ  القصيدةِ  كلُّ  معاني  الإنسانيَّة  والرّشقة  والجمال  -  (  القصيدة  الأولى من  الديوان )  .   تقولُ  لميس  بنبرةٍ  حماسيَّة  تشُوبُهَا  الرِّقة ُ : 

     ( "    رحلَ    الليلُ     

              وَمصباحُكَ  يُضنيهِ  السَّهرُ  وَتسْهَرْ    

              وَحَصادُ  العُمرِ  أحلامٌ   ودفترْ   " ) . 

والقوَّة  التي  تليها في  خطابها  لوالدها  فتقول : 

          ( " قمْ  فقد  نغفو   قليلا    

               فجهادُ   الغدِ   أكبرْ  

            قمْ   فقد  تصحُو  غدًا  أبهَى  وأنضَرْ   

           قم  تذكِّرْ  //  رُبَّما خلَّفتَ بحثا  أو  وثيقهْ  

            رُبَّما أصبحتَ  للتاريخ ِ  مَعلمْ  " )  

وتخاطبُ   روحَ  والِدِها  : 

      ( "  قُلْ .. أينَ ... أقصِحْ ... تكلَّمْ  

            أينَ  مِنِّي أنتَ ؟.. //  أينَ  البسمة ُ النشوى الرَّقيقهْ 

            أينَ ...  يا بنتُ  اهدَئي ؟.. //  أو  أسكتي  تلكَ  الحقيقهْ ؟ 

            أيُّهَا  النَّجمُ  الذي  شقَّ  طريقهْ //      كالحَقيهْ    //  

وتذكرُ  في  القصيدةِ  دورَ  والِدِها  في  تربيتِهم ( هي  وأخوتها )  وتعليمِهم القيم والمُثل الإنسانيَّة والإجتماعيَّة  وترسيخ الوعي القومي والحِسِّ  الوطني الجيَّاش  في نفوس ِ أبنائِهِ وأشبالِهِ -  فتقولُ :   

     ( "  كنتَ  فينا  ولنا ... // عِلمًا ... وهَديًا .. وشبابا 

           وابتساماتٍ  وألحانا  عذابا     

        لم  نكن  بعدُ  شبابا   أو  صبايا //  

        كنتَ  تحكي لي  حكايات  عن  فلسطين  

        عن  الأرض ِ التي  عرَّت  ترابا    // 

        عن صلاح الدين ،  عن  حطِّن .. عن  بيبرسْ 

        عن  بيسان  والقدس  وعكَّا //   

        قلتَ لي  عن  وطن ٍ يبكي ويبكى //  

         لن  يموتَ الحقُّ   ما  دُمنا  طلابَا //   

         كنتَ  عينَ   الودِّ  والرَّاعي  روحًا  ومآبَا   " )   .  

   وتذكرُ أيضًا  تفاؤُل أبيها  ونظرتهُ المستقبليَّة  ونبوءَتهُ  بما  سيحدثُ  في  الغدِ  كما  كانَ  يروي  لهم -  فتقول :   

   ( "  لم  تزلْ في  ليلِنا ، صُبحٌ   يُطلُّ   

         لم  تزلْ  خيمة َ حُبٍّ  تستظلُّ  

         أيُّها الثاوي  على أرض ِ الجُدُودْ  

         صَحَّ  ما  نبَّأتني ...  صحَّ  الخبَرْ 

        هَبَّ حتى الطفلُ  والشَّيخُ  الوليدْ 

         صَحَّ .. إذ  هَبَّ  الحَجَرْ // 

         صحَّ    والدَّهرُ  عَبَرْ   

         وَلِذا ..  لا زلتَ  فينا  //  كلَّمَا  ضَوَّعَ  من جُرحِكَ  فلُّ   

           وَستبقى  كوكبًا يَهدي  إلى  الشَّط ِّ ، أمينا  

          أنتَ  في  القلبِ  وفي الرُّوح ِ ، وفي دفءِ حنيني //  وعُيوني " ) .  

  أيُّ  كلام ِ جميل ِ رائع ٍ هذا الذي  يخلبُ الرُّوحَ  ويهزُّ المشاعرَ ... هذا هو  الشِّعرُ الحقيقي الرَّصين  الصَّادق  الخارج  من  أعماق ِ  الوجدان  الذي  لو  ترجِمَ  لجميع  لغاتِ  البشر  يظلُّ  مُحافظا  على  رونقِهِ  وديباجتِهِ  وروعتِهِ   الفنيَّة  وسحرهِ  وتألُّقهِ، خالدًا  للأبد  في الضمائر والنفوس .  أينَ هذا  الكلام الرَّائع من الخزعبلاتِ والسخافاتِ والهراء الذي نقرؤُهُ  لكثير ٍ من  الشعراءِ والشعرورين المحلِّيِّن الذين تسلَّقوا بالواسطةِ  وبالزِّيف على دوحتِنا  الأدبيَّةِ  الشِّعريَّةِ المحليَّةِ ولوَّثوها وَدَنَّسُوهَا بفضل ِأنتماءاتِهم - سواء:الحزبيَّة أو الفئويَّة    المشبوهة المشينة التي وضعتهم  في  مراكز ومواقع لا  يستحقُّونها  .   

  للميس  كناعنه عدَّة  قصائد  في هذا الديوان نظمتهَا لأمِّها لا  تقلُّ  مستوًى  وجودة ًعن  قصيدتِها في والِدِها ...أمُّها  التي  ترمَّلت  شابَّة ً وحملت  عبءَ المسؤوليَّة  وقامت  لوحدِها  بتريةِ أولادِها  وتعليمِهم، إنَّها  أمُّ  الرِّجال  حقًّا - كما جاءَ  في المُقدِّمة - وتمتازُ  قصائدُها إلى أمِّها  بالقوَّةِ  إلى جانب الرِّقَّةِ  أيضًا - تقولُ مخاطبة ً والدتها أمَّ  الرِّجال : 

( "  لم  تنلْ  منكِ الليالي //  وصروفُ الحادثاتْ  

      ضاعفتْ  منكِ  العزيمهْ //   فتحدَّيتِ  بنا ... من أجلِنا عٌنفً الحياة ْ  

      صُعُدًا  نحوَ  المعالي  //  

 وإلى  جانب  الرِّقة  تقول :  

 ("  ليسَ  يكفي  بعضُ  شيىءٍ  من  حنانِكْ 

      أنتِ ... يا  أمَّ  الصَّفا //  فاحْلُلِي  القلبَ  مكانا 

      واسْكُني  في  العين ِ حَبَّهْ  ..." ) ... إلخ .  

    في  ديوان  لميس  كناعنه  يتَّضحُ  للقارىءِ  في  كلِّ  قصيدةٍ  تلكَ  الرِّقَّة والأنوثة الصادقة إلى جانب العزيمةِ  القويَّةِ التي تؤمنُ  بانتصار الحقِّ   في  نهايةِ المطاف وبالغدِ الجميل المُشرق وما سيحملهُ للأهل والوطن  والإنسانيَّةِ  جمعاء من خير ٍ وسعادةٍ  وَحُبٍّ  .  

 ويلمسُ القارىءُ مسحة َالإيمان العميق في جميع  قصائِدِها، والفكر المُؤمن الذي  يدورُ  في أذهان المُتعَبِّدين  نراهُ  ينطلقُ  واضحًا على لسان ِ شاعرتِنا  الفتاة المُؤمنة  .  

تقول : ( " وتفكَّرتُ  بما  حولي  مليَّا //   

              مَن  برَا  الكونَ  لمنا  فلونا  

               مَنْ  دَحَى  الأرض  //  مَن  خضَّرَهَا //   

               أو   زانَهَا  لونا  فلونا    "  )   .  

   هي تتساءِلُ  كثيرًا وبحيرةٍ  وبأسلوبٍ سلس ٍإلى أينَ تصل في النهايةِ  إلى  الجوابِ والنتيجةِ  المطلوبة  وهو أنَّ  اللهَ الذي خلقَ  كلَّ شيىءٍ وإليهِ  ترجعُ  جميعُ الأمور وعليهِ نتوكَّلُ ونشكي لهُ همومَنا ومصابَنا ونطلبُ منهُ المُساعدة َ.     

( "  واقبل ِ  اللّهمَّ  صومِي  وصلاتي  

      واحْمِني يا  ربُّ   من  نفسي ،  وغيري ، وظنوني   

      وَقني  شرَّ  ذاتي  //  ولكَ  اللهمَّ  الحمدَ  من  قلبٍ  أمين  "  )  .  


     تضمُّ  مجموعة ُ " قصائد  صادقة " للشَّاعرةِ  لميس  كناعنه : عواطفَ  فتاةٍ  وحكمة َ  شيخ ٍ  وصلاة َ مُؤمن ٍ  وحكمة َ شعبٍ  .   وقد  يلفتُ  الإنتباهَ  والأنظارَ  في هذهِ  المجموعةِ  الشِّعريَّة  إلى تلكَ  الحِكمةِ  الإنسانيَّة  الخالدة التي  تأتي من  فتاةٍ  غضَّةٍ  يانعةٍ  في عمر ِ الورود  في حين  لم نسمَعْها إلاَّ  من الشُّيوخ الكبار المُحَنَّكين الذين عركوا الحياة  وخبروها  . مثالٌ على ذلك  في  قصيدة  ("  كلمات  للسَّلوى " - صفحة 28  )  تقولُ : 

      ( "    كم  هَمَت  في هَدأةِ  الليل ِ  دُموعِي    

              وَتلظَّتْ       لادِّكاراتي     دُموعي    

               فخنقتُ  اليأسَ  في  القلبِ  الوجيع ِ  

              وَعَزائي   ما  لماض ٍ  مِن  رُجُوع ِ 

 وتذكرُ  والدَهَا  فتقولُ  في  نفس  القصيدةِ : 

        ( "  كانَ    دُنيايَ    وَخدنِي    وَحَبيبي  

              وابتسامَ الرَّوض ِ للغُصن ِ الرَّطيبِ 

              فإذا   ما   آذنتْ    شمسُ    المغيبِ  

              أرتضي، من دهريَ العاتي ..نصيبي  

 وتقولُ أيضًا : 

          (  " قدَرُ  المرءِ  إذا  حُمَّ   القضاءْ    

               شمعة ٌ تخبُو وذي  أخرَى تُضاءْ 

               غيرَ   أنَّ   العُمر  أخذ ٌ  وَعَطاءْ  

               وعَزاءٌ     أنَّهُ    كانَ     الرَّجاءْ    

وتقولُ أيضًا : ( "  حِكمة ُ   اللهِ  ...  فناءٌ  وَوُجُودْ  

                       سُنَّة ٌ    تمضي   وَأيَّامٌ    تعُودْ 

                       لكرام ِالناس ِ، في الدُّنيا،الخُلودْ 

                      وَعزائي    أنَّهُ     كانَ    العَميدْ     "  ) .                                  إنَّها  تُعيدُ إلى أذهانِنا  في هذِ الخريدةِ الجميلةِ الخالدةِ روائعَ  جهابذةِ  وكبار ِ الفحولِ  من الشُّعراءِ العرب الحكماء  الفلاسفة ، مثل : المَعرِّي ، أبو الطيِّب  المتنبِّي، أبي تمام، والشَّاعر الفارسي عمر الخيام في رباعيَّتِهِ التي  تُرجِمت إلى العربيَّةِ  وغنَّتها أمُّ  كلثوم  . هؤلاء الشُّعراء الأفذاذ العمالقة  بالرُّغم ِ من  كونِهم عاشوا قبل  ألف  ستةٍ  تقريبًا إلاَّ أنَّ  كتاباتهم  وأشعارهم  ستحيا  إلى الأبد وستسبقُ العصور التي بعدها بآلاف السنين من حيث المستوى والعُمق  والإبداع  والنظرة  الإنسانيَّة  الفلسفيَّة  والرُّؤيا  المُستقبليَّة   المُثلى  الشَّاملة للحياة   .    هذا هو الشِّعرُ الحقيقي الذي  يجبُ  أن  يُقرأ  ويحظى  بالإهتمام  والدراسةِ وليسَ  تلكَ النفايات التي  نقرؤُها اليوم  إذا صحَّ  التعبير للكثيرين  من الشعراءِ المحلِّيِّين التعبين الذين فضحُوا الأدبَ العربي وَدَنَّسُوا اسمَ الشِّعرَ والشُّعراءِ  بجنونِهم  هذا وبتخبيصاتِهم  العقيمةِ  ودجل ٍ وبهتان ٍ مدعوم من جهات وأطر مشبوهةٍ ورجعيَّة  آنَ أن  يتوقف وينتهي وَيتلاشى .  


إحتكارُالأدبِ والثقافةِ وموجة ُالتعتيم على بعض الشُّعراءِ المُبدِعين :  

   إنَّ  الحركات والأحزابَ السِّياسيَّة والتنظيمات والمؤَسَّسات الأدبيَّة  عندنا  في الداخل لها  تأثيرٌ مُباشرٌ وسلبي  وللأسف على المسيرةِ الأدبيَّة  .  هنالك البعض من الشُّعراءِ  أو  بالأحرى المُتطفلين  الدَّخيلين على  الشعر والأدب  (غير شعراء) استطاعوا أن  يحتلُّوا مكانا واسعًا وَيُحقِّقوا الشُّهرة َ والإنتشار الكبير السَّريع  والركز والصِّيت والمكسب المادِّي بفضل  انتماءاتِهم  لتنظيم  سياسيٍّ  مُعَيَّن عملَ بشكل ٍ مُقرفٍ وَمُزيَّفٍ وغير  نزيهٍ   على  شهرةِ  أولئك  الناس ،  وهذه  التنظيماتُ  والمؤسِّسات  قد  هيمنت  فترة ً طويلة ً  على كلِّ     شيىءٍ  :  الأدب ، الشِّعر ، الفنّ ، السِّياسة ...إلخ   بفضل  إمكانيَّاتِها  المادِّيَّة  ووسائل إعلامِها الواسعة .  فالكثيرُ من الصُّحفِ والمجلاَّتِ المحليَّةِ  وبعض  الأطر الآثمة والجهات الثقافيَّة  التي عملت  نفسَ  الشَّيىء  وفرضت  تعتيمًا  مقصودًا  على  بعض الشُّعراء  والأدباء ،  وفي نفس الوقت أشهرت غيرهم  من  شراذم  الكُتاب  الذين  لا  يشتحقُّون  الشُّهرة َ .  فهنالكَ  بعضُ  المُسوخ  الذين يحبونَ في مجال الكتابةِ  أخذوا ألقابًا لامعة ً  فخمة ً. وهنالك المُبدعون  في الكتابةِ شعرًا ونثرًا والذين ضحَّوا بمستقبلِهم  وحياتِهم  مكن أجل ِ الوطن  ولكنَّ  الصُّحفَ   والمجلاَّت  المحليَّة  ( الصَّفراء  والمشبوهة  والمأجورة )  تجاهاتهم   ولم  تكتب  عنهم  شيئا  ولم  تنشر  لهم إلاَّ  نادرًا   .   وشاعرتنا  "  لميس  كناعنه " من الشُّعراءِ المُبدعين  ونموذج للذين أهملوا  وتجاهلتهم الصُّحفُ والجرائد ووسائل الإعلام ولم  تكتب عنهم أو تنشر لهم  إنتاجَهم  .    

 ذكرَ  لي صديقي الشَّاعر الكبير "عمر حمُّوده الزعبي " ( أبو  فلسطين ) : إنَّ هنالك  شاعرة  شابَّة  مثلي مُبدعة تكتب أفضل  بكثير من كبار الشُّعراءِ  المحلِّيِّين  ولكنها  لم  تأخذ حقَّهَا  بعد من  ناحيةِ الشُّهرةِ والإنتشار ويُريدُ  أن  يكتبَ  لها  مقدِّمة َ الديوان  الذي تريدُ  طباعتهُ ..  فظننتُ  أنَّهُ  يُبالغُ ، ولكن  عندما  قرأ  لي  بعضًا من  قصائِدِها  تأكَّتُ  من  صِحَّةِ  كلامِهِ ، وذلك  قبل معرفتي  بهذهِ الشَّاعرةِ  شخصيًّا  .  

     إريدُ  أنه  أتطرَقُ  في  ديوان  لميس  إلى  قصيدتين وهما : ( " لحظات  المُنى "- صفحة  41- 45  ) وقصيدة ( " لو  كنتُ " -  صفحة 46 – 47 )   فهنالك  تشابهٌ  كبيرٌ  بين  هاتين القصيدتين  من  ناحيةِ  الفكرةِ  والموضوع  والأسلوب لقصيدةٍ  للشَّاعرالتونسي " أبي  القاسم  الشَّابي " ولقصيدةِ أخرى  لمحمود  درويش - من  قصائِدِ الأولى القديمة .  فللشِّاعرُ  أبو القاشم الشَّابي  يتمنَّى أن  تكون  جميعُ  قوى الطبيعةِ  وعناصِرها الفعَّالة  كالرياح  والبرق والأنهار والشلالات  والبحار والشَّمس  طوعَ أمرهِ  ليُسَخِّرَها  في  خدمةِ الإنسانيَّة والبشر والحق . كما أنَّ قصيدة  محمود درويش (لا أذكر عنوانها ) في  دواوينها  الأولى  يطرحُ  نفس الموضوع  ويُعالجُ  الفكرة َ بحذافيرها ..  وربَّم  يكونُ محمود درويش تأثَّرَ أو أخذ عن أبي القاسم  الشَّابي لأنَّ التَّشابُهَ  كبيرٌ جدًّا  بين  القصيدتين  من  ناحيةِ  النصِّ  والتعابير  والمفردات اللغويَّة والبلاغيَّة  والصور الجميلة . وفي نهايةِ  قصيدة  محمود نرى صبغة َ  الألم   والتشاؤم واليأس   فيُخاطب  صليبَهُ   بمرارةٍ  وحزن ٍ  فيقولُ :   

( " حتى صليبي ليسَ  لي //  إني ..  إنِّي  لهُ  حتى العذاب   " ) .  

  أما  في  قصيدة  لميس  كناعنه   فنرى  طابع  التفاؤل  والإشراق  والأمل  وتختلف  عنهم   في  التعابير  والمفردات  التي   تستعملها   بعضَ  الشيىء    فقصائدُها جاءت  بشكل ٍعفويٍّ  مُشابهة ً لهما  بعضَ الشيىء ..  ولكن  ليسَ  تقليدً  أو  تاثُّرًا بهما .  تقولُ لميس :   

       ( "   لو     كانَ    أمري    بيدِي   

              لخلقتُ  من  يومي سراجًا   لغدِي  

              وَحَرقتُ أمسِي ، في  جحيم ِ  المَوقدِ 

             واجتزتُ أيَّامي إلى صُبح ٍ سَنِيِّ المَوعِدِ    "  )  .  

  وفي  نهايةِ القصيدةِ  نلمسُ طابعَ  الأمل  والتفاؤُل ،  تقول :  

     ( "   لكنَّني ما  زلتُ  أرتقبُ الغدَا   //  فتصَبَّري    //    

           وَتجَمَّلِي بالصَّبر ِ فالصَّبرُ الهُدَى  //   

           عَلَّمتناهُ      تأدُّبًا     فتزَوَّدِي     " ) .  

وتقولُ في قصيدتِها  الثانية  " لو  كنتُ  أستطيع " :   

     ( "  لو  كانَ  لي  الخيار  //   في  كلِّ  ما  أشاءْ   //  

           لاخترتُ  أن أكونَ  بسمة َ  النَّدَى  

           عندَ     افتقار ِ    الرَبيعْ   

           أو     فرحة َ    الأطيار  //      

           أو ، أن  أكونَ  جدولاً  ينسابُ  في المَدَى الوسيعْ  

          لترتوي  من   فيضِهِ   فدافِدُ  الفلا     

          فتزدَهي  جنائِنُ  الآمال ِ والرَّجاءْ  " )   ...  إلخ  .  

     أيُّ  كلام  جميل ٍ عذبٍ هذا .  وقد  نرى في جميع قصائد لميس الكلمات  الفصحَى الجزلة السَّاحرة الإيقاع ، مثل : الفدافد ، تترَى ، المهيض ...إلخ  .  

     وفي  قصيدتِها :  " كفى "  تنتقدُ  بشدَّةٍ  وعُنفٍ تجَّارَ  الوطنيَّة  الكاذبين  الذين  يتاجرون  بقضايا  وآلام  شعبهم  وأمَّتِهم  من  أجل ِ المكسب  المادِّي  الدنيء والمصلحة الشخصيَّة وفي  نفس الوقت لا يقومون  بأيِّ عمل إيجابيٍّ  بنَّاء   وفعَّال  يخدمُ  شعبهم  وقضيَّته  المصيريَّة  المقدَّسة  .  هذا الموضوع مهمٌّ جدًّا ولم  يكتب عنهُ  ويطرحهُ غيرالقليل من الشعراء والكتاب الفلسطينيِّين بشكل ٍ  صريح ٍ  وجريىءٍ .  تقولُ  لميس  :    

    (  " كفاكم   مَلَّتِ   النفسُ  الوُعُودَا     

          وكلامًا   لا  نرى  منهُ   مُفيدَا    

          كفى  رقصًا  وتدجيلاً   وكذبا   

          وكلٌّ   منكمُ   اكتضَّ   رصيدَا 

          فلستم   قادَة ً   نقفوا    خطاكمْ 

          ولستُم  إذ  حمَتْ  أسدًا  وَصِيدا   

         غنيتم    واختلستُمْ    وابتنيتُمْ  // على  آلامِنا   القصرَ  المشيدَا  

         وَأنفقتُم  على الصبيان ِ أموالاً // وجرحَى  شعبنا  نزُّوا صَديدَا  

         فماذا   قولُكم ،  إمَّا  سُئِلتُمْ //   أمِن  إرثٍ  لكم   تسخونَ  جُودَا   

         على من؟ أهدرتُمُ الأموالَ؟ قولوا // فهلْ أنكرتُمُ  اليومَ  الشُّهُودَا  

         سألناكُم   فما   حُرتُم  جوابًا  //  فقد  خُنتُم ، وما  صُنتُمْ  عُهُودَا     

         لكم  خزيٌ  فلستُمْ   للمَعالي  //  وما  كنتُمْ   لها   يومًا   جُنودَا  " ) .   

 إنها  تخاطبُ أولئكَ الكذبة  المزيَّفين  تجَّار الوطنية ، وهم  كثيرون بيننا  ،   بشكل ٍ صريح  ومكشوفٍ ... ليتَ جميعَ أدبائِنا   وشعرائِنا  وَمُثقفيننا   تكون  عندهم هذه  الجرأة ُ مثل الشَّاعرة  لميس  كناعنه  ليتصدُّوا للزيف  والخداع  ويفتحوا أنظا  شعبنا على المهازل  التي  تجري ويقولون للأعور أعورٌ  في عينك ... إنَّها  لجرأة ٌ لا توجدُ  سوى عند القليلين  من الناس ، وأنا  شخصيًّا  دفعتُ ثمنها غاليًا :مادِّيًّا  ومركزًا ووظيفة ً وشهرة ً وانتشارًا بسببِ إلتزامي الوطني  والقومي  وجُرأتي   وصراحتي  التي  ما  بعدَها  حدود  في  سبيل  المبادىءِ  الشَّريفةِ  والقيم  المثلى  التي  تخدمُ  الإنسانيَّة  َ أوَّلاً  قبل  الأمور  القضايا القومية  والوطنيَّة وَيُباركُها  الرَّبُّ ، والجميع يعرفُ  هذا  الشَّيىء .  وإنِّي أقولها بصراحةٍ للملأ : (تبًّا  لكلِّ المراكز والوظائف والكراسي  وإنَّني لا أخشى  في الحقِّ  لومة َ لائِم ) ... من رأى خطأ  فليُقوِّمْهُ  بسيفِه ِ وبلسانهِ  وقلبهِ .. هذا  هو  ديني وديدني وعقيدتي .  

       في قصائد  لميس  يظهرُ الشُّعورُ الإنساني  المنسابُ  والحِسُّ  الوطني الجَيَّاش والشَّفافيَّة ُ والوضوح والمباشرة ُ في بعض ٍ من قصائِدِها، والمُباشرة ُ لا  تعني شيئا سلبيًّا  بالنسبةِ  للقصيدةِ  كما يتفلسفُ ويتشدَّقُ  بعضُ المسوخ  من  النويقدين المحلِّيِّين ( وخاصَّة التعبين والمريضين نفسيًّا منهم  وهم معروفون  للجميع )  لأنَّهم  لا  يعرفون في  النقد  غير هذه  الجملة ويردِّدونها  في  كلِّ  مناسبةٍ كالببغاء :" هذه  القصيدة ُ خطابيَّة  ومنبريَّة وفيها  مباشرة ، أو  هذه   القصيدة ذاتيَّة  ومتقوقعة في الذات  "...  وحسب رأيي  انَّ  الشعرَ  المباشر الحماسي الصَّادق الذي يهزُّ أعماقَ المشاعر  وَيُثيرُ ويُحرِّكُ  الشعوبَ ويدفعُهم  إلى الكفاح  والنضال من أجل ِ التَّحرُّر والإستقلال ولتحقيق العيش  الشَّريف  الكريم  هو  خيرٌ  من  الشِّعر  الرَّمزي  المُبهم  والألغاز والطلاسم  التي  لا   تُعَبِّرُ  أو تخدمُ أيَّ  شيىءٍ  إيجابيٍّ  فهي مجرَّدُ  كلام ٍ سفسطائيٍّ  مُبتذل ٍ  أيُّ  إنسان ٍ يستطيعُ أن  يكتبَهُ حسب رأيي ...لأنَّ  معظمَ  الشِّعر الرَّمزي  المُبهم    والمتوغل كثيرًا في الغموض هو ترَّهات وحزعبلات وهذيان وكلام فارغ .      

   تقولُ  لميسُ  في  قصيدةِ  :  ( " اليوم  والغد " – صفحة 13 )  :  

   ( "  يا  أمُّ  هذا   الطفلُ حقُّك ِ //  فابتهِجي  //  

        مَنْ  غيرُ  صدركِ أرضَعَ  الطفلَ  الكفاحْ 

         مَنْ غيرُ  طفلِكِ  صدَّ  بالحَجر ِ  السِّلاحْ  

        مَن  غيرُ  كفِّكِ  ألأقمَ الذئبانَ من نزفِ الجراجْ 

        أمَّاهُ .. لا !!!// لم  تعرفي يا أختُ  دمعَ الحزن ِ يومًا والنواحْ 

         فتبسَّمِي  وتبرَّجي لغدٍ  توَضَّأ بالسَّنا وصاحَ حَيَّى على الفلاحْ " ) .    

 هذا هوالشِّعرُ الفلسطيني الحقيقي المقاوم في أسمَى معانيهِ وأبعادِهِ وعنفوانِهِ  وإشراقةِ  بيانِهِ ... إنَّنا  نرَى  في كلِّ  كلمةٍ  وهمسةٍ  صدقَ العاطفة الجيَّاشة المنسابة والخارجة من صميم وجدان شاعرتنا الشَّابَّة لميس كناعنه... ونرى  أمامَ أنظارنا شريطا  سينمائيًّا  بالألوان الطبيعيَّة لنضال وكفاح أطفالِنا  ونسائِنا  وأهلِنا  في الضِّفَّةِ  وقطاع غزَّة  المُحتلَّين  في مقاومةٍ  طاغوت الإحتلال . إنَّ هذهِ الرَّائعة الخالدة هي أحسن وأعمق وأشمل وأصدق بكثير من القصائد  التي يكتبها مشاهيرُ الشُّعراء المحلِّيِّين الحزبيِّن والسُّلطويِّين المأجورين  والمُرتزين   والمُستكتبين والتي يرَدِّدها الكثيرُ من المُصابين بالصُّمِّ والهبلِ ولوثةِ الجنون .   

   في  قصيدةِ ( " إنتماء الصُّمود " -  صفحة 68 )  يخالها  القارىء ُ لأوَّلِ وهلةٍ  أنها  لشاعر عربيٍّ  كبير ( سوري  أو لبناني ..عراقي  أو  مصري )  لمستواها  الفنِّي الرَّاق وأسلوبها الجميل  وموسيقاها الإيقاعيَّة الرَّنانة ، وهي على  بحر المتقارب وتصلحُ  للغناءِ  والتلحين .. تقول لميس فيها : 

  ( "  وحقّ   انتمائي   //  لأرضي   ومائي    //  

       وماض ٍ  وآتٍ    //   وَشَعبِ      الإباءِ    

       وَأهلي  الأباةِ  //  سأقتلُ   صمتي  //  بسيفِ  القضاءِ    //

       وَأرفعُ  صوتي   //    وَأعلِنُ   ذاتي  //   

       وَأبصُقُ  في  كلِّ  وجهٍ  بغيضْ  //  

      فلستُ  كسيرَ  الجناح ِ  المَهيضْ   //   " )  .  

        وفي قصيدةِ  ( " أمس اليوم  وغدًا - صفحة 57 ) ، ولعلَّها من أجمل ِ قصائد الديوان  وقد تكون من أروع  وأحلى وأعمق ما  كتبهُ جميعُ  شعرائِنا  المجلِّيِّين من أشعار سياسيَّة هادفة  فهي تتحدَّثُ عن الماضي والطفولة وعن  المستفبل الذي  يصوغُهُ الأطفالُ .  وهذا  العملُ   الأدبي حسب  رأيي  ليسَ قصيدة ً شعريَّة  فحسب بل  سيمفونيَّة خالدة ً بكل  ما  تعنيهِ هذه  الكلمة  من أبعاد  مثلى ..  هي  سيمفونيَّة ُ الحياة  الأزليَّة الحُرَّة  السَّعيدة الدافئة الحالمة .. هي سيمفونيَّة ُ النضال والكفاح والمقاومة  من أجل ِ الفجر المنشود  الذي  سيولدُ غدًا رغم الظلام الرَّهيب  الجاثم على  صدر الأمَّة  العربيَّة ... سيولدُ  رغم رصاص ِ المُحتلِّين  ودبَّابات الطواغيت وجلاوزةِ  الفاشست الطغاة ... وقد تحقَّقَ الكثيرُ من هذه الأحلام والامنيات ...  تقولُ لميس :  

  ( " أمسي  يومٌ   وانقضَى  //   والغدُ    آتْ    // 

      وَيُطلُّ  " اليومُ " بينَ اثنين //   أمس  أضحَى  ذكرياتْ  // 

     فسحبنا  من   حِبال ِ الأمس ِ هذا  اليوم  للأطفال ...  أغلى الأمنيات  // 

     فهُمُ  الآتونَ  بالبُشرَى  //  غدا  يومًا  بهيًّا  أسعَدَا     

     وَهُمْ ...  للمقبل   الآتي  بُناة ْ  //    

     يصلبونَ  الغابرَ  الماضي //  على  جذع ِ  السِّنينْ   // 

     رُغمَ  ما  كانَ  //  سيمحونَ  النوايا   باليقينْ   

     يخلقونَ  الغدَ  من  سفر  المُحال  //  آية ً  في  كلِّ   فنْ  

     يكتبونَ  الحطَّ " وَضَّاحَ  البيان "  //  وخلودًا    للزَّمَنْ  

     إنَّهُم  جدُّوا وقامُوا عرسَ هذا الشَّعب  في كلِّ  فضاءٍ ومكانْ  

     فتغنَّت  بهم  الدُّنيا //  فدامُوا //    

     ما  استكانوا  حيثُ  كانوا   //  

     لا ... ولا   حتى    الوَلدْ  

     لا ولا  عن  حقِّهِمْ كلُّوا  ونامُوا         

  وتقولُ أيضًا في القصيدة :   

     ( " زغردِي  يا امُّ  هذا  الطفلُ  آيَهْ   

          واسطري  أخلى   حكايَهْ   

          أشهدِي  التلريخَ ، إنَّا  رُغمَ  آلام ِ  الجراحْ  

          قد  نسجنا  من  خيوطِ الفجر ِ رايَهْ    

          وَجَلونا  الليلَ  وانشقَّ  الصَّباحْ  

          وتخطَّينا  الألمْ   

          لم  نعُدْ  نرهبُ  سجنا  أو  نكايَهْ     

          زغرِدِي  يا  امُّ  علَّينا   العَلمْ  "  )  .   

كلمة ٌ أخيرة ٌ :  إنَّ  ديوانَ  الشَّاعرة الشَّابَّة  لميس  كناعنه  من  أفضل وأروع  الدواوين الشعريَّة المطبوعة -  محليًّا  وعلى  امتداد  العالم  العربي -  وقصائد هذا الديوان تضاهي  وتفوقُ  الكثيرَ  مِمَّا  كتبَهُ  الشُّعراء  العرب الكبار ( المحلِّيِّيين وفي الأقطارالعربيَّة) من حيث المستوى الفنِّي  والأصالة  والإبداع  والتجديد  .  واعتبرُها ،بدوري ، في  طليعةِ  الشُعراءِ والشَّاعراتِ  العربيَّاتِ  في  الداخل  والخارج ، مثل :  فدوى طوقان ،  سلمى  الخضراء الجيوسي ،  جليله  رضا   والدكتورة  عزيزه  هارون   ونازك  الملائكة ... وغيرهنَّ   .    وهذا الديوان  هو المجموعة ُ الأولى  التي  تصدرُها   لميس  وقد أصدرت بعده بعضَ المجموعاتِ القصصيَّة والشعرية، ومنها ما  يتعلَّقُ بمجال أدب الأطفال... وما زالَ  لديها الكثيرُ من الإنتاج  الشعري  والنثري  وغيره  المتراكم  كمًّا  وكيفا  والذي  لم  يرَ النور  بعد  .   فأتمنَّى  للصَّديقةِ   الشَّاعرة  الشَّابَّة  الصَّادقة  المبدعة   " لميس  كناعنه "  أن  تبقى   مُستمرَّةً  في الأنتاج  والعطاءِ الإبداعي المُلتزم  وأن  تَصدرَ  لها  مجموعاتٌ  أخرى جديدة  في  وقتٍ  قريب  إن  شاءَ الله  .   

- أشدُّ على أياديكِ وإلى الأمام دائمًا في طريق الفجر والإبداع -  معًا سنبقى  على هذا  الدَّرب  .