قصيدة قاضي الشعر الدكتور مروان كسّاب التي غنّاها بصوته العذب، في حفل استلامه جائزة شربل بعيني لعام 2023


 قصيدة قاضي الشعر الدكتور مروان كسّاب التي غنّاها بصوته العذب، في حفل استلامه جائزة شربل بعيني لعام 2023، وكأنه يقول للذين بشّروا بموته بخبث زائد: أنا هنا، أنا نسر تنورين، أنا طائر الفينيق الزجلي الذي لا تقوى عليه نيران الحقد، أنا مروان كسّاب.. فاسمعوني.

وللتاريخ أعترف أن عنوان الكتاب الذي اختاره الدكتور كساب لم يكن "شربل بعيني صوت لبنان الأمين" بل "شربل بعيني عبقري الغربة"، فغيرته احتراماً له، لأن عبقرية الدكتور مروان تظهر في كل بيت شعري أهداه للبشرية. أطال الله بعمره.. وألف شكر له على محبته الغامرة. وإليكم ما كتب:

لا بد لي في بداية كلمة الشكر والعرفان من العودة بالذكرى والترحم على مؤسس هذه الجائزة في معهد الأبجدية ـ مدينة جبيل، المرحوم الدكتور عصام حداد، وأخيه الاستاذ المرحوم سامي حداد، الذي تابع لاحقاً تأدية هذه الرسالة التاريخية بمنح هذه الجائزة الحضارية القيّمة بإشراف علم الأدب المهجري، وركنه الوطيد، ومارده الأصمعي الأديب الأكبر والشاعر العبقري المتحلي بالابداعات العالمية الاستاذ شربل بعيني الذي كان لي الشرف الكبير ان أمنح هذه الجائزة القيمة تحت عنوان اسمه العظيم "جائزة شربل بعيني لعام 2023":

أنا ما بين دمعه وابتسامي

حنيني عم بيشرب دمع ظامي

كأني من جديد رجعت إخلق

وشعاع حضوركم بدد ظلامي

وبدي تعذروني بشكل مطلق

إذا ما قدرت عددت الأسامي

لأنو كتر ما فيكم تعلّق

قلبي ما عدت قاشع أمامي

وبقلبي زرعتكم زنبق عا زنبق

وخزامي تاخد وتعطي خزامي

وشعري صب من خمرو المعتّق

تا إلكم إنحني وقدّم سلامي

محامي والمحاكم كنت إسبق

وعن المظلوم إترافع وحامي

وببحر الفضل لما بديت إغرق

وعطيتوني بسخا أعلى علامي

رحت إعمل من الموجات زورق 

تا إرجع ليكم بخير وسلامي

خصوصي داب فيي كل منطق 

والعرفان خرسنلي كلامي

محامي كنت لكن قلت هلّق

لازملي صار أكتر من محامي

ـ2ـ

ويا سدني بحب إنك تعذريني

إذا سافرت وتشرّد حنيني

وجودي من أساسو ظرف قاهر

وكنتي تلملمي دمعي وأنيني

يا سدني عرفت قلبك قلب طاهر

متل امي بحنانك تغمريني

وحنان الأم بدّو يضل ساهر

مهما تخيّم عليها السكيني

مسافر لكن مدشّر جواهر

قصايد دامعه بقلب الخزيني

ولازم طمنك أكتر وجاهر

يا سدني من قبل ما تسأليني

رفيقي بالسفر ربّان ماهر

ودموعي البحر وهمومي السفيني

ـ3ـ

يا شربل قد ما تجور المآسي

ويصير الدهر عا مروان قاسي

ما بنسى فضلك ولا عبء ديْني

بينسيني اللي بلسملي حواسي

البيسأل وينك وتا يشوف ويني

بقلو انت صومعة القداسي

وشوف الفرق ما بينك وبيني

أنا الفوضى وانت عطر السلاسي

بعيني انت والدنيا بعيني

وعاطيني قياس ابعد من قياسي

عاطيني الدر والتاج اللجيني

اللي نسّوني نياشين الدراسي

وشفت الكون عم يزغر بعيني

أنا الكنت بخضم العتم راسي

يعني بجايزة شربل بعيني

صار يدق بالمريخ راسي

ـ4ـ

ورغم إني على مفرق زماني

وعمري بلّش يعد الثواني

لقاكم بسمتو شلال أخضر

محي لون الخريف الزعفراني

وتجلّى عا خيالي طيف أشقر

غزل شال الحرير الارجواني

وبلا كاس الخمر بلشت إسكر

بخمر لطف اللي زرعوني تهاني

شعرت حالي كأني ملكت عبقر

وعياني من الوحي تشتي عياني

تا صار الشعر كلما حرف سطّر

النغم يسكر ويعيد الاسطواني

وصرت من فضلكم عا الضعف اكبر

وخفت فيي الوفا يقلب أناني

رجعت ليْكم وفيكم شفت بيدر

حبوبو مزهزهه وما في زيواني

وجوهر يلمع مقابيل جوهر

بشعر سكران من سحر المعاني

وبعد شرح المحبي صرت مجبر

زيد وقول شو شربل عطاني

عطاني والعطا بهالامر أخبر

عطاني الجايزي الكلا حَصاني

عطاني وأكتر من الخير كتّر

عطاني التضحيي ورمز التفاني

عطاني الجايزي بتكريم نوّر

عليي وحطني بأعلى مكاني

دمعت دمعة فرح منها تأثر

الصخر وصار يبكي من حناني

وبقلبي صرت قول انشالله اقدر

على قد الثقه صون الأماني

وشفت المملكه عا هيك منبر

وفضل شربل اللي توجني بحنانو

هيدا تاج شعري وصولجاني

**

قصيدة الشاعر جورج منصور في حفل تسليم جائزة شربل بعيني للدكتور مروان كسّاب 2023



ـ1ـ

شربل بعيني جولتو لِمْ جالها

فيها شهادة حق ومروه وثبات

والآلهه بتشهد بفضل الآلهه

وحسن الصفات بيشهد بحسن الصفات

مروان ترغل للدني وغنّالها

وصارت تزقفلو على الاربع جهات

لو تكون حاضي بكل كلمه قالها

كنت طبعت بدل الكتاب معلقات


ـ2ـ

شربل حبيب الشعر ورفيق الأدب

وصاحب قلب متل التلج أبيض نقي

قصايدو لمروان جمّعها وكتب

وجوهري كل اللي كتبو ومنطقي

موهوب كل شاعر خيالي منوهب

بيقدرو وكتفو على كتفو لقي

ويا ناس لِمْ بتضيعو كنز الدهب

لا تفزعوا عند البعيني بيلتقي


ـ3ـ

مروان بدّي تطير ع جناح الأمان

ووين ما غطّيت تحضى بالحنان

يا نسر ساعة ما بتشبق جانحيك

بيكون في منبر ملاقى العنفوان

بلبنان أيّا قلب ما بيبرم عليك

يا شاعر اللي ما خلق متلو الزمان

في ناس مشتاقين يا مروان ليك

طفّي لهيب الشوق برجوعك كمان


ـ4ـ

مروان يا عارف أنا شو بيوجعك

حملت الوجع كلو أكيدي بغبنا

يا شاعر الضليت تعرف مرجعك

مرجعك بالشعر قدرة ربّنا

بدك تدشرنا ما جينا نودعك

جينا نقلّك صورتك ب عبنا

تذكر جورج منصور هالغنا معك 

تذكّر بهيه الوحدها بتحبنا

**

الوانها ذنوبٌ تتعثّرُ في غباركِ الليّن/ كريم عبدالله



خارطةُ أسفاري لوحة يرسمها غيابُكِ المكفهرُّ , ألوانها ذنوبٌ قلَّ مثيل فرشاةٍ خديجةٍ تلطّخُ الأفقَ , وزيتُ عنادكِ يحرقُ حتّى اصابعَ العودة , تتزاحمُ مناجلكِ الفتيةَ , تحتطبُ أناقةَ أرضي اليباب , تتكاثرُ مزهوّةً لا تشبعُ مِنْ حقولِ قمحِ افكاري , فـ تهرّبينها لمثواها الأخيرَ في علبةِ أغلاطكِ المتكررة , حاذقةٌ انتِ تُشتّتينَ ملامحي بـ دموعِ اللهفةِ إليكِ , تمسحينَ حِدادها بـ إيقاظِ صهيلِ عبواتكِ الزيتيّة , تُمطرينني دائماً بـ الوحدةِ فـ ينبتُ الرّماد متدثّراً بـ الدهشةِ , تُعلّقيني على رفوفِ ذاكرتكِ العاليةِ تنمّشينَ إطاراتي , يلتهمُ بريقَ فجيعتي غبارُكِ الليّنُ يتأبّطني , وتشربينَ نخبَ تستّركِ على جريمةِ المغضوبِ عليهِ , كلُّ الاحتجاجاتِ باطلةٌ أمامَ مراياك المهشّمةِ بـ النفاق , والزلزالُ في أرشيفِ أمّيتكِ تعويذةٌ عاقرة , وبينَ فاصلٍ إعلانيٍّ مدفوعَ الثمنِ تعطّلينَ الوفاء , وليسَ أخيراً تبيعينَ لوحةَ عشقي في مزادٍ علنيّ , وتعتذرينَ لـ ثمني الآجلَ مضلِلة كثافة العطش , ومحنّطةً تمرّدكِ في دعوةٍ تستبيحُ اقتلاعَ ذكرياتي المفضّلة .



بغداد - العراق 

مفهوم العنف من مصادره وتجلياته، مقاربة فلسفية/ د زهير الخويلدي



مقدمة

ليس العنف قضية اجتماعية سياسية تعاني منها الأنظمة وتبحث فيها الدوائر العلمية وانما هو أيضا مشكل فلسفي عويص تناوله الفلاسفة منذ الاغريق وملتصق بالتاريخ والمدينة والسلطة ويطرح بدوره العديد من التساؤلات الراهنة مثل: هل القوة والعنف لهما نفس الأصل ونفس الهدف؟ من أين يبدأ العنف وأين ينتهي؟ وهل يمكن للخطاب أن يقضي على العنف؟ ولتبرير العنف بالخطاب، هل بالضرورة أن يناقض المرء نفسه؟ وهل نستطيع أن نقول إن أبشع عنف هو عنف الكلمات؟ وبأي معنى يمكن أن يقول المعاصر: "العنف ليس هو الحل لمشكلة ما. هي نفسها مشكلة"؟ وهل العنف مدمر دائما؟ وهل العقل يولد العنف؟ وهل العنف والحقيقة متعارضان بالضرورة؟ وماهي الرهانات النظرية والعملية من تعقل العنف فلسفيا؟


حالة العنف

   "هناك حالة واحدة فقط يمكن فيها للمرء أن يتمتع بسلطة تعسفية ومطلقة، وذلك عندما يتعرض المرء للهجوم ظلماً من قبل أشخاص وضعوا أنفسهم في حالة حرب، وخاطروا بحياتهم وممتلكاتهم في أيدي من هم وبالتالي هاجموا، وأنهم استخدموا القوة والعنف لتحقيق غاياتهم غير العادلة، فيما يتعلق بما ليس لهم الحق فيه؛ لقد عرّضوا أنفسهم لنفس المعاملة التي قرروا القيام بها للآخرين، ويستحقون تدميرهم. بمجرد أن تسنح الفرصة، من قبل أولئك الذين كانوا يعتزمون تدميرهم؛ يجب معاملتهم كمخلوقات ضارة ووحشية، والتي من شأنها أن تسبب الموت بالتأكيد إذا لم يتم تدميرها أهلكوا أنفسهم ".1


ديناميكية العنف

"إن إلقاء نظرة على المجتمع المتطور يسلط الضوء بشكل أفضل على التغييرات التي حدثت. فالتهديد الذي يمثله الإنسان لإخوانه من الرجال يتعرض ، من خلال احتكار القيد المادي ، للتنظيم الشديد ، وهو يلائم مجال الحياة اليومية المتوقعة هو أقل تحديدًا من خلال أحداث مثل البرق ، يتم إنزال العنف إلى أعماق الثكنات ، ولا يخرج إلا في ظروف قاسية معينة ، في حالة الحرب أو الثورة ، وينفجر في حياة قلة من المجموعات المتخصصة ولا تتدخل في حياة الآخرين ؛ هؤلاء المتخصصون المسؤولون عن تنظيم احتكار العنف الجسدي لم يعودوا يشغلون ، في حياة المجتمع ، مكانًا هامشيًا فقط ، بل هم بطريقة ما جهاز للتحكم في السلوك حتى في هذا الشكل من أجهزة السيطرة ، فإن العنف الجسدي والتهديد الذي يشكله على كل فرد من أفراد المجتمع تأثير حاسم ، سواء أدرك ذلك أم لا. ما يجلبه إلى حياة كل فرد لم يعد انعدام الأمن الدائم، ولكنه شكل مثير للفضول من الأمن. لم تعد تقذفه، الجلاد أو الضحية، المنتصر أو المهزوم، بين الفرح الوحشي وكرب التعذيب؛ لكن هذا العنف الذي ابتعد عن الحياة اليومية يمارس ضغطًا مستمرًا وموحدًا على حياة كل فرد من أفراد المجتمع، وهو ضغط لم يعد يشعر به كثيرًا ، لأنه اعتاد عليه ، وأن سلوكه وحياته الغريزية كانتا من الطفولة المبكرة لهذا الهيكل من المجتمع."2


مضار العنف

"نأسف لرؤية أطفالنا يلعبون حربًا تافهة، أو رعاة البقر والهنود، وكأنهم لا يقاتلون" من أجل المتعة ". ولكن إذا كان الآباء الذين يعارضون مثل هذه الألعاب منطقيًا مع أنفسهم، فإنهم سيبعدون الشطرنج، وهي حرب بالفعل لعبة حيث يتعلق الأمر بتدمير ملك الخصم. لكنهم لا يفعلون أي شيء حيال ذلك، لأنهم يعتزون بأشكال الكبار من الحرب وغيرها من الألعاب التنافسية للغاية، ومع ذلك يعتقدون أن أطفالهم لا ينبغي أن ينغمسوا في نسختهم الخاصة من هذه الألعاب، ألعاب المحارب للكبار فقط!

   في مواجهة هذه الألعاب، نتصرف كما لو كانت أنشطة حربية حقيقية، وهذا ليس هو الحال على الإطلاق. ترتبط لعب الأطفال ارتباطًا وثيقًا بأحلام اليقظة والتخيلات. من خلال منعهم من التصرف بأوهامهم العدوانية، نتصرف كما لو كان التفكير والحلم بالعنف أمرًا يستحق اللوم. يمنع هذا الموقف الأطفال من تكوين أفكار واضحة حول الهوة الموجودة بين التخيلات العنيفة وواقع أعمال العنف. إذا لم يُسمح للطفل أن يتعلم مبكرًا ما هو هذا الاختلاف (باستخدام كلمات ورشا، إذا لم يتم منحه الفرصة لتأسيس أنماط سلوك مرضية فيما يتعلق بالعنف)، فلن يتمكن، لاحقًا، من الفصل بوضوح بين الأحلام والأفعال العدوانية. من خلال حظر تخيلات الطفل العنيفة، فإننا نتجاهل تمامًا شيئًا أدركه أفلاطون بالفعل: الفرق بين الرجل الصالح والرجل السيئ هو أن الأول مجرد أحلام بالأفعال الشريرة، ثم أن الثاني يرتكبها. عرف الإغريق القدماء أن ما يميز بشكل أساسي الخير عن الشر ليس اختلافًا في المحتوى الخيالي - والطفل، من خلال اللعب، لا يفعل شيئًا سوى إعطاء الشكل والتعبير لخياله الطفولي - ولكن حقيقة أن الخيال إما يظل كما هو، وهذا يعني نتاجًا للخيال، أو ينتج عنه مرور للفعل، مع عواقبه الحقيقية. يُطلب من الأطفال عدم ضرب زملائهم في اللعب أو مناداتهم بأسماء. من المتوقع أن يمتنعوا عن تدمير ألعابهم وممتلكات الآخرين. حتى الان جيدة جدا. لكن ما هي المنافذ التي تركوها لتحرير أنفسهم من عنفهم؟

   لا يمكن أن يكون الجهل وسيلة للحماية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعنف. لقد حاولت أن أبين في مكان آخر أن الجهل بطبيعة العنف، على سبيل المثال في ظل النظام النازي، لم يؤد إلى السعادة، بل إلى الموت. أولئك الذين، في عهد هتلر، وعلى الرغم من الاضطهاد النازي، أرادوا أن يؤمنوا بأي ثمن بأن جميع البشر صالحون، وأن العنف موجود فقط بين عدد قليل من المنحرفين، لم يتمكنوا من حماية أنفسهم بشكل فعال وقريبين من الموت. العنف موجود، هذا أمر مؤكد، ونحن جميعًا نمتلكه بداخلنا عند ولادتنا. لكننا ولدنا أيضًا بميول متعارضة يجب علينا رعايتها بعناية إذا أردنا موازنة تلك التي تدفعنا إلى التصرف بطريقة مدمرة. لكن من أجل ذلك، من الضروري أن نعرف طبيعة العدو، ولن ننجح هناك بإنكار وجوده. من خلال التأكيد على وجود أو عدم وجود مكان للعنف في طبيعتنا العاطفية، نتجنب البحث عن الوسائل التعليمية التي تجعل من الممكن السيطرة على الميول العنيفة؛ من المجتمع. هذا هو السبب في أن الكثير من الناس على استعداد لإيجاد بعض الرضا الخيالي على الأقل لميولهم العنيفة في المشاهد العنيفة التي توفرها وسائل الإعلام.    قبل كل شيء، يجب أن نفهم طبيعة "الوحش" الموجود فينا. إلى أن نكون مستعدين للاعتراف بأن ميولنا العنيفة هي جزء من الطبيعة البشرية، فلن نتمكن من التعامل معها بشكل مناسب. عندما نستوعب هذه الفكرة جيدًا، عندما نتعلم كيف نتعايش مع الحاجة إلى ترويض ميولنا العدوانية، عندئذ، من خلال عملية بطيئة وهشة، يمكننا أن ننجح في ترويضها، أولاً في أنفسنا، وعلى هذا الأساس أيضًا في مجتمع. لكننا لن نصل إلى هناك أبدًا إذا بدأنا من المبدأ القائل بأنه من الأفضل أن نتصرف كما لو أن العنف غير موجود، للسبب الوحيد أنه لا ينبغي أن يكون موجودًا." 3


عبثية العنف

"العنف ليس أكثر من كونه غير عقلاني. إن القول بأن العنف غالبًا ما ينشأ من الغضب هو أمر مألوف، وبالتأكيد يمكن أن يكون الغضب غير منطقي ومرضي، ولكن كذلك كل المشاعر الإنسانية. يمكن للمرء بالتأكيد أن يخلق ظروفًا من المحتمل أن تؤدي إلى تجريد الإنسان من إنسانيته - مثل معسكرات الاعتقال، والتعذيب، والتجويع - لكن هذا لا يعني أنه يمكن بالتالي أن يصبح مثل حيوان؛ في ظل ظروف من هذا النوع، لا يكون الغضب والعنف، ولكن غيابهم الواضح، والذي يتضح أكثر من نزع الإنسانية. الغضب ليس بأي حال من الأحوال رد فعل تلقائي في مواجهة البؤس والمعاناة حيث لا يغضب أحد من مرض عضال أو زلزال أو ظروف اجتماعية تبدو مستحيلة التغيير. فقط إذا كان هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن هذه الظروف يمكن أن تكون تغيرت، وأنها ليست كذلك، أن الغضب يندلع. لا نظهر رد فعل الغضب إلا عندما ينتهك إحساسنا بالعدالة؛ رد الفعل هذا لا يحدث لأننا نشعر بأننا شخصيا ضحايا الظلم، كما يثبت التاريخ كله للثورات، حيث بدأت الحركة بمبادرة من أعضاء الطبقات العليا الذين قادوا الثورة المضطهدة والبائسة. في مواجهة الأحداث المتمردة أو الظروف الاجتماعية، من المغري بشكل رهيب اللجوء إلى العنف، بسبب ملاحقته وفوريته المتأصلة. إن التصرف بتسرع متعمد هو في الواقع مخالفة للخصائص الطبيعية للغضب والعنف، لكن هذا لا يجعلها غير عقلانية. على العكس من ذلك، قد يجد المرء نفسه، في الحياة العامة كما في الحياة الخاصة، في مواجهة مواقف قد تكون فيها السرعة الشديدة لعمل عنيف هي الرد المناسب الوحيد. ليس التفريغ العاطفي هو المهم في هذه الحالات، والتي كان من الممكن الحصول عليها أيضًا بالطرق على الطاولة أو إغلاق الباب. الشيء المهم هو أنه في ظروف معينة، يصبح العنف - الفعل الذي يتم تنفيذه بدون تفكير، بدون كلام، بدون تفكير في العواقب - هو الطريقة الوحيدة لإعادة التوازن إلى ميزان العدالة. في هذه الحالة، فإن الغضب والعنف الذي يصاحبه أحيانًا - ولكن ليس دائمًا - جزء من المشاعر الإنسانية "الطبيعية"، والرغبة في علاج الانسان منه لن يؤدي إلا إليه تجريده من إنسانيته أو شيطنة منه. لا يمكن إنكار أن أفعال من هذا النوع، حيث يدعي البشر لأنفسهم الحق في تحقيق العدالة بأيديهم، تتعارض بشكل رسمي مع القوانين التي تحكم المجتمعات المتحضرة؛ لكن طابعها المعادي للسياسة لا يعني أن هذه الأفعال "غير إنسانية" أو عاطفية "بحتة". إن غياب العاطفة ليس أصل العقلانية، ولا يمكن أن يعززها. في مواجهة "مأساة لا تطاق"، "يمكن أن يبدو الانفصال والصفاء مرعبين حقًا"، أي عندما لا تكون ثمرة ضبط النفس، ولكن نتيجة عدم فهم واضح. للرد بطريقة معقولة، يجب أن يكون المرء قد "تأثر بالعاطفة"؛ وما يتعارض مع "العاطفي" ليس بأي حال من الأحوال "عقلانيًا"، مهما كان معنى المصطلح، بل عدم الإحساس، والذي غالبًا ما يكون ظاهرة مرضية، أو حتى عاطفية، والتي تمثل انحرافًا للمشاعر. الغضب والعنف يصبحان فقط غير منطقيين عندما يهاجمون الشراك الخداعية ".4


العنف والسلطة

"لم تكن هناك أبدًا حكومة تقوم حصريًا على استخدام وسائل العنف. حتى رأس نظام شمولي، وأداة حكومته الأساسية هي التعذيب، والاحتياجات، لسلطته، من قاعدة: الشرطة السرية وشبكة المخبرين الخاصة بهم. فقط تكوين جيش من الروبوتات، الذي من شأنه أن يقضي تمامًا، كما أشرنا، على العامل البشري، ويسمح للرجل بتدمير أي شخص، بضغطة زر بسيطة يمكن أن يغير هذا الأساسي الأساسي إن تفوق القوة على العنف. لا يعتمد في حد ذاته على وسائل تقييد قوية بشكل خاص، ولكن على تفوق تنظيم السلطة - أي على التضامن المنظم للسادة. البشر المعزولون، الذين لا يستطيعون اللجوء لدعم زملائهم، لم يكن لديهم مطلقًا القوة الكافية لاستخدام العنف بنجاح. وهكذا، في مجال الشؤون الداخلية، يشكل العنف آخر مثال على السلطة ضد المجرمين أو المتمردين - أي ضد الأفراد المعزولين الذين يرفضون، إذا جاز التعبير، الانصياع لقرارات الأغلبية. أما بالنسبة للعمليات الحربية، فقد تمكنا من أن نرى، في فيتنام، أن التفوق الهائل في وسائل العنف يمكن أن يثبت أنه لا حول له ولا قوة ضد عدو غير مجهز، ولكنه منظم جيدًا ولديه قوة متفوقة. هذا الدرس ليس جديدا. إنه من بين جميع الحروب التي تتخذ شكل عمليات حرب العصابات، درس على الأقل قديم قدم الهزيمة التي عانت منها جيوش نابليون في إسبانيا، والتي لم تُهزم حتى الآن. لاستخدام لغة مفاهيمية للحظة، يمكننا القول إن القوة، وليس العنف، هي العنصر الأساسي لأي شكل من أشكال الحكومة. العنف، بطبيعته، وسيلة؛ مثل جميع الآلات، يجب دائمًا توجيهها وتبريرها من خلال الغايات التي تنوي خدمتها. وبالتالي فإن ما يتطلب تبريرًا خارجيًا لا يمكن أن يمثل المبدأ التأسيسي الأساسي. بكل معاني الكلمة، نهاية الحرب هي سلام أو نصر، لكن من المستحيل تحديد نهاية السلام. السلام مطلق، على الرغم من حقيقة أن فترات الحرب عبر التاريخ تجاوزت دائمًا فترات السلام. تنتمي القوة إلى نفس الفئة: يمكن القول إنها تجد "في حد ذاتها غايتها الخاصة". (بالطبع، هذا لا يمنع الحكومات من أن يكون لها سياسة معينة ومن استخدام سلطتها من أجل تحقيق الأهداف التي حددتها لنفسها. لكن هيكل السلطة نفسه يسبق هذه الأهداف. ويبقى عليها، لذلك، بعيدًا عن أن تكون وسيلة لتحقيق غاية، القوة في الواقع هي الشرط الذي يمكن أن يمكّن مجموعة من الناس من التفكير والتصرف من حيث الغايات والوسائل.) وبما أن الحكومة هي أساسًا سلطة منظمة ومؤسساتية، فإن السؤال الذي نسمعه كثيرًا " ما هو الغرض من الحكومة؟" في النهاية لا معنى له. يمكننا أن نعطي إجابة تستدعي نفسها أسئلة أخرى، كما هو الحال عندما نقول إنها مسألة السماح للبشر بالعيش معًا، أو حتى التي ستكون طوباوية بشكل خطير، مثل تعزيز السعادة، أو تحقيق مجتمع لا طبقي، أو بعض نوع آخر من المثالية غير السياسية التي، إذا تم اتباعها بجدية، ستؤدي حتما إلى الاستبداد. كما يمكن للسلطة الاستغناء عن أي مبرر لأنها لا تنفصل عن وجود المجتمعات السياسية؛ لكن ما لا غنى عنه هو الشرعية. إن الرغبة في جعل هذين المصطلحين مترادفين مصدر للخطأ والتشوش لا يقل خطورة عن حقيقة الخلط، وهو أمر شائع، الدعم بالطاعة. بمجرد أن يجتمع العديد من الأشخاص ويتصرفون بشكل متضافر، تظهر القوة، لكنها تستمد شرعيتها من الحقيقة الأولية للتجمع بدلاً من العمل الذي من المرجح أن يتبعه. عندما يتم الطعن في الشرعية، فإنها تسعى إلى الاحتكام إلى الماضي، بينما يشير التبرير إلى هدف يكمن تحقيقه في المستقبل. قد يكون العنف مبررًا، لكنه لن يكون مشروعًا أبدًا. وكلما كانت الأهداف التي تم الاستشهاد بها بعيدة، قل ظهور التبرير مقنعًا. لا أحد يجادل في استخدام العنف في حالة الدفاع عن النفس، لأن الخطر ليس واضحًا فحسب، بل فوريًا، والغاية من تبرير الوسيلة واضحة.   القوة والعنف، رغم كونهما ظاهرتين منفصلتين، عادة ما يكون لهما مظاهر مشتركة. في جميع الحالات التي يظهر فيها هذا المزيج، فإن القوة، كما رأينا، هي العامل الأول والمسيطر. ومع ذلك، فإن الوضع مختلف تمامًا عندما يواجه المرء هاتين الظاهرتين في حالتهما النقية - على سبيل المثال في حالة الغزو والاحتلال الأجنبيين. لقد رأينا أن المساواة المشتركة بين القوة والعنف تنبع من حقيقة أن الحكومة يتم تعريفها من خلال هيمنة الإنسان على الإنسان من خلال وسائل العنف. إذا وجد الفاتح الأجنبي أمامه فقط حكومة ضعيفة وأمة غير معتادة على ممارسة السلطة السياسية، فسيكون من السهل عليه فرض مثل هذه الهيمنة. في جميع الحالات الأخرى، سيكون هذا صعبًا للغاية، وسيسعى المحتل على الفور إلى تنصيب حكومة لتفانيه، أي لإيجاد قوة محلية قادرة على دعم هيمنته. المواجهة الأخيرة بين الدبابات الروسية والمقاومة اللاعنفية المطلقة للشعب التشيكوسلوفاكي هي مثال نموذجي للمعارضة بين العنف والسلطة النقية. ولكن إذا كان من الصعب، في مثل هذه الحالة، إثبات الهيمنة، فإن الصعوبات لا يمكن التغلب عليها مع ذلك. لنتذكر أن العنف لا يعتمد على الرأي ولا على الأرقام، بل على الأدوات المتاحة له، فإن أدوات العنف، مثل جميع الأدوات الأخرى، تزيد وتضاعف القوى البشرية. أولئك الذين يعارضون العنف بموارد القوة وحدها سرعان ما يكتشفون أنهم يجب أن يواجهوا، ليس البشر، ولكن الأجهزة التي من صنع الإنسان، التي تزيد فعاليتها التدميرية واللاإنسانية، بما يتناسب مع المسافة بين الخصوم. يمكن دائمًا تدمير القوة عن طريق العنف؛ النظام الأكثر فاعلية هو ذلك المدعوم بفوهة البندقية، والذي يفرض الطاعة الفورية الكاملة. لكنه لا يمكن أن يكون مصدر القوة. تكاد تكون نتيجة المواجهة المباشرة بين العنف والسلطة مؤكدة. إذا وجدت استراتيجية المقاومة اللاعنفية ، القائمة على قوة الجماهير ، والتي استخدمها غاندي بنجاح ، عكسها ، بدلاً من إنجلترا أو روسيا الستالينية أو ألمانيا هتلر أو حتى اليابان قبل الحرب ، فلن تنتهي بـ انهاء الاستعمار ولكن في المجازر والخضوع. ومع ذلك، كان لدى إنجلترا في الهند، أو فرنسا في الجزائر، أسباب وجيهة لعدم الذهاب إلى أقصى حدود القوة. يتم تأسيس حكم العنف الخالص عندما تبدأ السلطة في الضياع. يمكن تحقيق النصر باستخدام العنف كبديل للسلطة، ولكن الثمن الذي يجب دفعه مرتفع للغاية؛ لأنه لا يدفعها المهزومون فقط بل المنتصر ايضا الذي يرى قوته تضعف. هذا هو الحال بشكل خاص عندما يستفيد المنتصر، على المستوى الداخلي، من نظام دستوري. لقد قيل في كثير من الأحيان أن العجز يولد العنف، وهذا صحيح تمامًا على المستوى النفسي، على الأقل في حالة الأفراد الذين يمتلكون قوة معينة، جسدية أو معنوية. ما يجب ملاحظته، في المجال السياسي، هو أن القوة التي تشعر بأنها متضائلة تميل إلى التعويض بالعنف عن فقدان السلطة هذا. عندما لم يعد العنف مدعومًا أو مقيّدًا بالسلطة، نشهد هذا الانعكاس المعروف، حيث تصبح الوسائل غايتهم الخاصة. ثم يتم تحديد الغاية بالوسائل - وسائل التدمير - والنتيجة هي أن هذه الغاية تؤدي إلى تدمير كل قوة. يتضح عامل التفكك الداخلي الذي يترافق مع انتصار العنف على السلطة بشكل خاص في حالة استخدام الإرهاب للحفاظ على الهيمنة. لا يمكن اختزال الإرهاب إلى العنف. إنه شكل الحكم الذي يتأسس عندما يرفض العنف، بعد أن أدى إلى تدمير كل سلطة، التنازل عن العرش ويؤكد سيطرته على العكس. لقد لوحظ في كثير من الأحيان أن فعالية الإرهاب تعتمد بالكامل تقريبًا على درجة تفتيت المجتمع. يجب أن يختفي أي شكل من أشكال المعارضة المنظمة قبل أن يصل الإرهاب إلى أعنف عمليات إطلاقه. إن الفارق الجوهري بين الهيمنة الشمولية القائمة على العنف، والديكتاتوريات أو الاستبداد، التي نشأت عن طريق العنف، هو أن الهجمات الأولى لا تقتصر على خصومها، بل تهاجم أصدقاءها أو مؤيديها، لأن أي قوة تخيفه، حتى أولئك الذين يهاجمونه. يمكن للحلفاء عقد. يبلغ الرعب ذروته عندما تبدأ الدولة البوليسية في التهام أطفالها، عندما يصبح جلاد الأمس ضحية اليوم. وهي أيضًا اللحظة التي تختفي فيها القوة تمامًا. باختصار، لا يكفي القول، في المجال السياسي، لا يجب الخلط بين القوة والعنف. القوة والعنف متعارضان بطبيعتهما. عندما يهيمن أحدهما بشكل مطلق، يتم القضاء على الآخر. ينشأ العنف عندما تتعرض السلطة للتهديد، ولكن إذا سمح لها بالتطور، فإنها ستؤدي في النهاية إلى اختفاء السلطة. يترتب على ذلك أن اللاعنف لا ينبغي أن يُنظر إليه على أنه نقيض العنف. إن الحديث عن القوة اللاعنفية هو حشو ".5


الكلام ضد العنف

"إن التعرف على العنف وتحديده أسهل من تعريفه بدقة. دعونا نقترح على الفور تمييزًا أوليًا بين العنف الذي، من ناحية، هو فعل يهدف إلى إيذاء شخص أو تدميره، سواء في سلامته الجسدية أو العقلية، أو في ممتلكاته، أو في مشاركاته الرمزية، ومن ناحية أخرى، العنف المتأصل في التغيير، في اضطراب العادات، في تغيير الأوضاع المألوفة. شعور مزعج ويتم اختباره على أنه معاناة، لكنه يبقى، في الحالة الأخيرة، عنف بنّاء. يوجد عنف في الجهد وفي العمل، لكنه يبقى مثمرًا. هناك أيضًا عنف في الرغبة. سواء كانت تدمر أو تبني، هنا تقسيم أساسي. بشكل عام، نحن نحتفظ هذا المصطلح عنف بمعنى العنف المدمر. إذن، فإن العنف يعتمد إلى حد كبير على القاعدة الاجتماعية التي تؤطره. تعتبر بعض أشكاله، في مجتمع معين، شرعية اجتماعيا بينما البعض الآخر ليس فقط خارج القاعدة ولكن أيضا محكوم عليه بالقانون. القتل خلال مبارزة من أجل الشرف، على سبيل المثال، تم تجريمه بالكامل فقط منذ نهاية القرن التاسع عشر. لا يزال قتل شخص ما بشكل قانوني لارتكابه جريمة أمرًا معتادًا في العديد من البلدان، بما في ذلك العديد من الولايات في الولايات المتحدة. لذلك يوجد بالفعل عنف مشروع وعنف ليس كذلك. تمييز مهم آخر هو ذلك الذي يفصل العنف "بدون سبب" عن العنف كطريقة عمل. الأول بالتأكيد أندر مما يتخيله المرء أحيانًا، لكن له مكان في صورتنا. غالبًا ما يكون الأبعد عن الكلام. إنها الأكثر روعة والأكثر إثارة للخيال. تجسد شخصيتان حدود هذا العنف دون سبب، وهما القاتل المتسلسل وعنف الأموك. القاتل المتسلسل، للأسف، معروف بأنه الشخص الذي يرتكب مثل هذا العنف الذي يؤدي إلى الاستغلال الكامل للأشخاص الذين يتعرضون له. الضحية مجردة من إنسانيتها تمامًا في نظر القاتل ولم يعد للخطاب مكان في أداة القتل، التي غالبًا ما تكون صامتة. يمكن حتى وصف القاتل المتسلسل، بطريقة معينة، بأنه شخص طهر كلامه من كل إمكاناته للتهدئة وتحويل العنف إلى كلمات. إنه فيما بعد الكلام وبالتالي في الإنسانية. أموك هي كلمة إندونيسية تشير إلى حالة الشخص الذي وقع فجأة في أزمة جنون أدت إلى وصول مفاجئ إلى العنف القاتل. وبالتالي يمكن لأي شخص أن يقع في هذه الحالة بدون سبب ويلقي بنفسه على الآخرين. في هذه الحالة، المعيار، علاوة على ذلك قانوني، يريد من الحاضرين أن يحاولوا قتله بأسرع ما يمكن لوضع حد لعمله. أخيرًا، لسنا بعيدين عن الحماقات القاتلة للأبطال التي يصفها لنا هوميروس، أو عن شخصية البيرسيركر في التقاليد الاسكندنافية القديمة، لكن في معظم الأوقات، للعنف أسباب "وجيهة" للوجود يهدف إلى الحصول على شيء أو سلوك من الآخر، أو حتى تدميره لأنه محرج. إنه طريقة عمل الإنسان. إنه امتداد للسلوك السلمي ويفترض مسبقًا تدرجًا للوسائل حيث ليس من السهل على الإطلاق معرفة أين يتوقف التحريض والضغط والقيود وأين يبدأ العنف المناسب. عبور الحدود غير المرئية بهذه الطريقة، فهي لا تدرك نفسها دائمًا. وهكذا، فإن دراسة أجرتها المديرية العامة للصحة في فرنسا عام 1997 على عينة من مائة وستة وسبعين سجينًا من مرتكبي الجرائم، وهي حالة خاصة معترف بها، تُظهر أن أكثر من شخص من بين اثنين من المعتدين لا يدرك أيًا من هذا النطاق. لفعلته الإجرامية، ولا العواقب التي قد تترتب على الضحية. عندما يُطلب من الموضوع "وصف عمله، مهما كان العنف"، فهو دائمًا يتحدث عنه، ويشرح كتاب التقرير ، وليس ضحيته. التمييز النهائي ضروري. في الواقع، من الضروري الفصل بين العنف الذي يُمارس بالوسائل الجسدية، والإكراه الجسدي، والضرب، والجروح، التي تنطوي على فعل للجسم يطول في كثير من الأحيان بأدوات معينة، مثل الأسلحة ، والعنف الذي يمارسه الكلام ، من أجل التدمير. كيف نسمي هذا العنف: "نفسي"؟ " أخلاقي " ؟ قد ترجع حداثة المشكلة إلى حقيقة أنه لا توجد كلمة مرضية لتسميتها. من المؤكد أن هذا العنف يؤثر على ضحيته في هويته العميقة، لكن كيانه الاجتماعي كله هو الذي يتأثر."6


الشكل الأقصى من العنف

في اليونان القديمة، كانت المنظمة قائمة على البوليس التي كانت ميزتها الرئيسية، وفقًا لكزينوفان ، هي: التي تجعل" المواطنين يحرسون بعضهم البعض ، بدون أجر ، ضد العبيد ويحرسون أنفسهم من المجرمين حتى لا يموت أي مواطن بموت عنيف. من هذا المنظور "يحتفظ القتل بخاصية اجتماعية غير قابلة للتغيير تقريبًا من القرن الثالث عشر حتى يومنا هذا: فهو يرتكب على نطاق واسع من قبل المراهقين أو الذكور المتزوجين حديثًا، والذين يكون ضحاياهم في أغلب الأحيان من أقرانهم. ومع ذلك، فإنه يشهد تدهوراً مذهلاً في جميع أنحاء أوروبا. أولاً في بداية القرن السابع عشر ثم خلال القرن التاسع عشر. وترتبط هذه الحركة بالانخفاض الملحوظ في المواجهات الذكورية بالأسلحة البيضاء التي تصيب الطبقة الأرستقراطية أولاً، قبل أن تنتشر ببطء وبشكل غير متساوٍ في كلتا الحالتين، رفض عدد قليل من الشباب تهدئة الأعراف ونزع السلاح الفردي الذي حاولت الممالك، بدعم من الكنائس، تعميمها في القارة، ويظل السيف عند البعض ، وسكين البعض الآخر ، شعارًا لشرفهم في الساحات العامة ، ولكن عددهم يتضاءل. لتصبح متبقية من النصف الثاني من القرن العشرين. تسجل أوروبا الغربية الحالية، التي تتحكم عن كثب في حيازة الأسلحة النارية، في المتوسط جريمة قتل واحدة لكل 100000 نسمة ، أي أقل مائة مرة من سبعة قرون مضت ، وست مرات أقل من اليوم في الولايات المتحدة ، على الرغم من حقيقة أنها تأثرت لعدة عقود بانخفاض ملحوظ في الأمر. العنف الجسدي بدون عواقب مميتة قد انخفض أيضًا بشكل كبير في كوننا. إن استخدام القوة لتسوية الخلافات أمر مبطل حرفيًا، سواء من خلال سيادة القانون أو من خلال التطور، منذ القرن السابع عشر، للقيود الذاتية القوية التي تنظم العلاقات مع الآخرين. يظهر كسر الأعراف بشكل رئيسي في مناسبة الوحشية الجانبية أثناء السرقات والسطو، أو في شكل فظاظة تشكل لغة رمزية حقيقية للتشكيك في القيم الراسخة. ينتج هذا الموقف عن تطوير عملية قوية لإدارة العدوان الرجولي، جيلًا بعد جيل. في البداية فرضت من قبل السلطات لتهدئة العلاقات الإنسانية في الأماكن المفتوحة والحانات المزدحمة للغاية، وانتشرت بشكل تدريجي. ساهمت مؤسسات التنشئة الاجتماعية، مثل الكنيسة أو المدرسة أو الجيش، في تثبيتها تدريجياً في قلب الأسرة. بعد النخب، الذين كانوا محاصرين في وقت مبكر جدًا في شبكة كثيفة من قواعد الاسترضاء والتأدب، قبلتها الطبقات الدنيا تدريجيًا، وقاد سكان المدينة الطريق، يليهم الفلاحون، وأخيراً من قبل "الطبقات الخطرة" من عمال العصر الصناعي. ومع ذلك، فإن هذا التطور في "حضارة الأعراف" يؤثر في المقام الأول على الأولاد الأكبر سنًا والشباب، وهو ما لم يتم التأكيد عليه بشكل كافٍ. حوالي عام 1530 ، كانوا بالفعل الهدف الأساسي للوصفات الواردة في العملين التأسيسيين للمبادئ الجديدة: الحضارة صبيانية بواسطة إيراسموس ولو كورتيسان من قبل كاستيجليون. في فرساي، في عهد لويس الرابع عشر، ينطبق عليهم "إضفاء الطابع الاحترافي على المحاربين" - وبعبارة أخرى، الالتزام بقمع أي حماسة حربية في وجود أفراد حاشية آخرين للاحتفاظ بها في ساحات القتال الأجنبية - ينطبق عليهم أكثر. لأنه على عكس الأقدم، لا يتم ترويض اندفاعهم من خلال التكرار الطويل لكون قاس حيث يجب عليهم دائمًا تجنب إظهار مشاعرهم من أجل تحقيق النجاح. ومع ذلك، في المجتمعات الريفية في العصور الوسطى، كانت وحشية الشباب تعتبر طبيعية، بل يتم تشجيعها. جعل من الممكن تدريب الأفراد القادرين على الدفاع عن أنفسهم في بيئة مادية وبشرية معادية. كما ساعدتهم أيضًا على تحمل فترة انتظار طويلة جدًا، خلال طقوس المرور الطويلة قبل الحصول على الحقوق الكاملة كشخص بالغ متزوج. في هذا السياق، تحولت عدوانيتهم ، التي كان من الممكن أن تكون موجهة ضد الآباء القاسيين والمتطلعين، نحو أقرانهم المحليين وحتى تجاه المنافسين، أعضاء عصابات الأحداث من الأراضي المجاورة. ومع ذلك، فقد أصبح موضوعًا تدريجيًا لحظر كبير، ينقله الدين والأخلاق والتعليم والعدالة الجنائية. تلاشت ثقافة العنف ببطء، مع صعوبة أكبر في مناطق أو فئات سكانية معينة أكثر من غيرها، لتنتهي بتوجيه القوة الجسدية الذكورية ووضعها في الخدمة الحصرية للدولة. لا يخلو من ترك آثار حية للممارسات السابقة، كما يتضح بشكل خاص من خلال المبارزات أو الانتقام العشائري."7 فكيف يمكن للسياسة أن تلعب دورا مركزيا في امتصاص العنف ومنع وقوعه في المجتمع بدل التسبب فيه وممارسته واستعماله في إدارة الشأن العام وترويض الأفراد والمجموعات؟


المصادر والمراجع:

1.John Locke, Traité du gouvernement civil, 1690, Chapitre XV, § 172, tr. fr. David Mazel, GF, 1992, p. 272.

2. Norbert Elias, La Dynamique de l'Occident, 1939, tr. fr. Pierre Kamnitzer, Pocket, 2003, p. 192-193.

3. Bruno Bettelheim, "La violence", 1966, in Survivre, tr. fr. Théo Carlier, Robert Laffont, 1979, p. 227, p. 229 et p. 231.

4. Hannah Arendt, "Sur la violence", 1971, in Du mensonge à la violence, tr. fr. Guy Durand, Pocket, 1994, p. 162-164.

5 . Hannah Arendt, "Sur la violence", 1971, in Du mensonge à la violence, tr. Fr. Guy Durand, Pocket, 1994, p. 150-157.

6. Philippe Breton, Éloge de la parole, 2003, La Découverte / Poche, 2007, p. 82-84.

7. Robert Muchembled, Une histoire de la violence: De la fin du Moyen-Âge à nos jours, Seuil, 2008, p. 465-467.

كلمة الدكتور قاسم مصطفى في حفل تسليم جائزة شربل بعيني للدكتور مروان كساب لعام 2023

كلمة الدكتور قاسم مصطفى قي حفل تسليم جائزة شربل بعيني للدكتور مروان كساب لعام 2023:
الحضور الكريم، أسعدتم مساء
يقولون ان اشجار الياسمين لا تتعبك أبداً في البحث عنها، لأن عبير عطرها يدل عليها، وهذا حالنا مع د. كساب، عطر سيرته وديوانه خير تعريف عنه. فللمرة الثانية أقف هنا في تكريم شاعر عرفته من خلال الكلمة، وكما قيل: عقول الناس متوجة في ألسنة أقلامهم وحسن اختيارهم.
مولود د. كساب الزجلي "شربل بعيني صوت لبنان الأمين" ديوان بالعامية اللبنانية عابق بجميل الكلام، موفق باختيار الألفاظ المناسبة للمعاني لتعطيها قوة وجمالاً، وكما قال ابن عبد ربه: اختيار الكلام أصعب من تأليفه، فاختار شاعرنا حروفاً عذبة غنية بعبق اللغة، مميزة بجرس موسيقي، يستلذ به السمع ويطرب، وبحس شاعري مرهف، متذفق العاطفة بمفردات رائعة جاهزة في جعبة أفكاره.. يقول:
شربل بعيني خمر أشعاري
وعا ريشتو دوزنت أوتاري
شعرك عبير الورد والأنفاس
مونت منو جوع أفكاري
كذلك نجده يصور إعجابه بمجلة "الغربة" الالكترونية، وهي صوت الادب والشعر في سيدني، بصوتها الأمين على نشر الإبداعات الأدبية، وصلة الوصل بين جناحي الوطن والعالم، ومنها ظهر عنوان الكتاب "شربل بعيني صوت لبنان الأمين".. يقول:
الغربه العندك يا شربل
نستني هموم الغربه
ولما كان الشعر انفعالاً حسياً ينبع من محاجر الذات بأنواع مختلفة يترجمها العقل الى كلمات، ولأنه مرآة الأمة وضميرها يلامس قضايا الواقع، ويحكي أوجاعه، نجد شاعرنا، رغم غربته، يتألّم لحال وطن الأرز، وما آلت إليه أوضاعه الاقتصادية والسياسية، وكيف غادرته الأفراح ورحلت بعيداً نبحث عنها في ذكرياتنا التي أتعبها الحنين والتي تضيء عتمة ليالينا في واقع مزرٍ يئدُ الحلم فيه قبل ان يولد. يقول:
لبنان قلبي وبعدك بقربي
بيصعب عليي إقشعك خربه
والجوع عم يصرخ خبز هاتو
الشاعران المكرَّم والمكرِّم فارسان من فرسان الكلمه المهجرية، لا تتسع لهما الميادين، صالا وجالا على صهوة الكلمة، وسم اسمهما بالابداع والعطاء، وبشمس لا تغيب، أغنوا المنبر المهجري، ونالا أعلى أوسمة التقدير والتكريم.
الشاعر بعيني شاعر الغربة الطويلة، صديق الضوء، أيقونة الحرف المهجري، بين يديه باقة من ضوء السنين عطاء بغزارة الانتاج. له أكثر من خمسين كتاباً وعنه أكثر من أربعين، رائد المسرح الطفولي، أعطي العديد من الجوائز والألقاب، توزع باسمه جائزة سنوية من معهد الأبجدية.
د. كساب قامة شاعرية زجلية بقيمة أكاديمية حقوقية عالية، لقب بقاضي الشعر، رائد في حياكة الأبجدية، يتميز بأفق إنساني ومعرفي واسع. جدير بالتكريم والتقدير والاحتفاء. لحرفه يشهد الابداع والجمال.
الشاعران أرزتان من بلادي، أعطيا أستراليا والوطن الأم المجد والشهرة، بهما نعتز.
مبروك للشاعر بعيني هذا الاهداء القيم، مبروك للدكتور كساب جائزة شربل بعيني، والشكر الجميل لحضوركم البهي، مع كل الحب.


الاحتلال الاسرائيلي ، يجب أن يعود إلى قاموسنا اليومي/ جواد بولس



نقلت مواقع الاخبار الاسرائيلية يوم الاربعاء الفائت تصريحًا على لسان قائد اركان جيش الاحتلال، هرتسي هليفي، قال فيه:"إنّ ضابطًا يرى مواطنًا اسرائيليًا وهو يهمّ بالقاء زجاجة حارقة باتجاه بيت فلسطيني ويقف من دون أن يحرك ساكنًا ، أو يقف على جنب، لن يستطيع أن يكون ضابطًا". جاءت هذه الاقوال في خضمّ موجة تصعيد جديدة بين القيادات السياسية والدينية لميليشيات المستوطنين، وبين المؤسسة الأمنية الإسرائيلية الرسمية، لا سيما بعد أن وصف ثلاثة من قادة أجهزة المخابرات والشرطة والجيش، اعتداءات المستوطنين على السكان الفلسطينيين وعلى ممتلكاتهم بأنها "اعمال ارهابية وحسب". 

لا يمكن فصل هذه المواجهة، التي تغيب تفاصيلها الدقيقة عنا وراء كواليس السياسة الاسرائيلية، عن المعركة الكبرى التي تخوضها التيارات الصهيونية اليمينية المتطرفة والدينية المتزمتة ضد قوى "حرس الصهيونية القديم"، وترمي من ورائها حسم مكانة الأراضي الفلسطينية كأرض محتلة، أو "مدارة"، وتحويلها الى ارض اسرائيلية، بالمفهومين القانوني والعملي، ومعالجة ما يترتب على ذلك حيال مستقبل المواطنين الفلسطينيين، حيث ستناط مهمة "السيطرة" الكاملة عليهم  بقيادات الحركات الاستيطانية، وإطلاق الأعنّة لميليشياتها للتصرف من أجل انجاز تلك المهمة بجميع الوسائل الارهابية، كما شاهدنا عينات منها في السنوات والاسابيع والايام الاخيرة. 

لا يجوز لنا ، كفلسطينيين، ألا نولي هذه المواجهة أهمية، وألا نتابع تداعياتها؛ وذلك أولًا: لأن حدّة الصراع الدائر وعمقه بين أقطاب الحركة الصهيونية ومضامينه تبدو جديدة عمّا ألفناه في العقود السالفة. وهي في بعض تجلياتها خلافات حقيقية وأعمق من مجرد كونها خلافات تكتيكية داخل نفس المعسكر. فمن أهمّ ما أفرزته هذه المرحلة الحرجة أنها أعادت بعض القوى السياسية والعسكرية والاجتماعية والشخصيات النخبوية اليهودية/الصهيونية للتفكير مجددا في مسألة الاحتلال، واعادة ترتيبها له في صدارة المواضيع المختلف عليها اسرائيليًا ويهوديًا؛ وذلك بعد ان كادت تنجح حكومات اليمين الاسرائيلي في تعويم الواقع الفلسطيني المأساوي وخلق انطباع  ان الامور مع الفلسطينيين تجري على ما يرام، حتى انهم، اي الفلسطينيون، تنازلوا عن حلمهم في التحرر وإقامة دولتهم المستقلة ولا يتكلّمون عن وجود احتلال. وثانيًا: لأن الاتفاق بين قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الكبرى والهامّة، على توصيف ما تقوم به ميليشيات المستوطنين ضد الفلسطينين وممتلكاتهم، على كونه ارهابًا كاملًا، من شأنه أن يدعم الموقف الفلسطيني في جميع المحافل والمؤسسات الدولية، وأن يعزز حق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم وعن ممتلكاتهم، وأن يسهل على حكومات الدول - خاصة تلك التي تقيم علاقات حميمة مع اسرائيل وتقرّ، في الوقت ذاته، بالحقوق الفلسطينية وبعدم شرعية الاستيطان وبضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي - مهمتها في اسناد القضية الفلسطينية وتخليص الشعب الفلسطيني من الغبن التاريخي الذي حل به. وثالثًا، لأننا نعلم بأن جميع الحكومات الاسرائيلية السابقة، وقبل تعاظم قوة الحركات اليمينية القومية المتطرفة والدينية الصهيونية العنصرية، والتيارات الفاشية، كانت تدعم مشاريع الاستيطان داخل الاراضي الفلسطينية لأسباب تكتيكية وكمخزون استراتيجي يخدم اغراض التفاوض والمقايضات السياسية المستقبلية، وكانت تحرص على التنسيق الكامل مع القيادات العسكرية والأجهزة الأمنية وبتكامل مدروس مع قيادات حركات الاستيطان والتفاهم الهاديء معها.  كان الاحتلال مؤقتًا، وكان الجيش، بقرة الشعب المقدسة، خارج صراعات السياسيين، وعبارة عن مؤسسة تدافع عن مصلحة الدولة وعن سلامتها، وكان الاستيطان أداة معدّة لخدمة الديبلوماسية عندما تحين ساعتها. هكذا كان لكن ذلك لم يدم؛ فمن يحمل في أحشائه وحشًا يلد وحشًا ومصير هذا الوحش أن يكبر ويكبر .. هذا ما حدث وهذا ما أوصلنا، جميعًا، حتى حافة الهاوية. الاحتلال كان ولم يزل هو بالمختصر كل الحكاية.

قد لا يكون الفلسطينيون بحاجة الى دراسات عن تاريخ الاحتلال الاسرائيلي لأراضيهم وما نفذه المحتلون من جرائم بحقّهم طيلة العقود الماضية؛ فأجسادهم كانت أهدافًا سانحة لبنادق جنوده ولسياط جلاديه وأرضهم كانت حرثًا باسم ذاك  "الجشع المقدس" ولقمة العيش كانت دومًا مغموسة بالعرق وبالوجع وبالدم. ولكن لن يضيرنا لو تعرفنا وتعرفت ضمائر العالم على بعض من تلك الحقائق، التي كشفت في عدة دراسات سابقة ولاحقة مؤخرًا، بعد أن ظلت طي الكتمان لعقود طويلة باسم الأمن والمصلحة الوطنية. 

فلقد نشر يوم الجمعة الفائت الصحفي عوفر اديرت، وهو مسؤول الشؤون التاريخية في جريدة هآرتس العبرية، تحقيقًا لافتًا عن مجموعة وثائق نشرها مؤخرًا "مركز طاوب" التابع لجامعة نيو-يورك، تمحورت جميعها حول مشروع الاستيطان الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتاريخه منذ عام 1967. فلأكثر من خمس سنوات عكف الباحثون في "مركز طاوب" على تجميع حوالي (مليون ونصف)  ورقة مأخوذة من (أحد عشر ألف) ملف كانت ضمن ارشيف الدولة وارشيف الكنيست ومصادر أخرى. أعتقد أنه يترتب على الباحثين الفلسطينيين وفي جميع أنحاء العالم المعنيّين بدراسة تاريخ  ممارسات الاحتلال الاسرائيلي بحق المواطنين والأراضي الفلسطينية المحتلة، السعي والتنقيب في تلك الوثائق واعداد ملفات جديدة حول ما ارتكبه الساسة الاسرائيليون وجيش الاحتلال من جرائم موثقة كما قرأنا .فعلى سبيل المثال يتطرق تقرير هآرتس الى قضية اقامة مستوطنة "جيتيت" على أراضي قرية "عقربة" الفلسطينية في مطلع سبعينيات القرن الماضي. فبحسب ما جاء في الوثائق، حاول جيش الاحتلال "تطفيش" الفلاحين الفلسطينيين عن اراضيهم عن طريق تدمير مزروعاتهم مرة، ومرة عن طريق تدمير آلاتهم الزراعية. وعندما تمسك أصحاب الأرض وأصروا على البقاء في أراضيهم، انتقل قادة الجيش والمسؤولون في الوكالة اليهودية وغيرهم الى خطة جهنمية اخرى قضت بتسميم الاراضي عن طريق رشها بواسطة الطائرات،  بمواد سامة ثم منع السكان بعدها من دخول أراضيهم، كما منعت مواشيهم من الرعي فيها. لقد افضت تلك الاحابيل في النهاية الى السيطرة على أراض واسعة وسرقتها من أهل القرية الفلسطينية واقامة المستوطنة عليها بمباركة الجيش ودولة الاحتلال ؛ وقد كان قائد المنطقة وقتها الجنرال رحبعام زئيفي. وفي التقرير نقرأ أيضًا تفاصيل عن اقامة مستوطنات "معاليه أدوميم"  "وسبسطية" وغيرها، وكيف جنّدت حكومة اسرائيل طرقًا ملتوية بغية التسريع في اقامتها.  وتبقى خلاصة ما وجده معدّو مشروع التوثيق هي ان "الحكومة هي المحرك. كل شيء يمر من خلالها" ، أو كما جاء على لسان الرئيس السابق "لمركز طاوب" البروفيسور رون تسفايغ: "إن  دراسة المادة تتيح لنا ان نفهم أكثر ان هذا المشروع القومي العملاق هو ثمرة لمبادرات من قبل حكومات اسرائيل المتعاقبة؛ ليست اليمينية وحسب بل جميعها".

لم تكشف الوثائق عن القرارات التنفيذية التي كانت تسبق اقامة كل مستوطنة وحسب، بل كشفت حرص قادة حكومات اسرائيل السابقة على التكتم والعمل بعيدا عن حركات الاستعراض التي يقوم بها بعض السياسيين بهدف الكسب السياسي. وهذه نقطة هامة تؤكد  أن قادة اسرائيل كانوا يدركون أن الاستيطان هو عمل غير شرعي وأن الاقتراب منه يجب أن ينفذ بحذر وبهدوء وبالخفية، تمامًا كما يجب أن يتصرف اللصوص ومن يقترفون الجرائم. فالاستيطان في عصر ما قبل "الاختلال" لم يكن غاية بحدّ ذاته بل مخزوناً يستعان به عند الضرورة السياسية وحسب، ولنا بما جرى في سيناء عبرة. وبما إنه تحوّل في عرف "اسرائيل الجديدة" الى استعراض مستفز ووسيلة لطرد السكان الأصليين من وطنهم، وغاية الغايات واقدسها، وبما أن ملوك اسرائيل الجديدة عازمون على حسم المعركة على طريقة "يوشع"، علينا بالمقابل ، نحن المواطنين الفلسطينيين، ان نعيد "الاحتلال" الى لغتنا والى افعالنا والى وجداننا والى ساحات نضالنا اليومية؛ وعلى أهل فلسطين المحتلة أن يتصرفوا كشعب خاضع للاحتلال لا أكثر ولا أقل. 

قبل أيّام قابلت أحد زملائي المحامين الذي كان يعرّف نفسه أنه صهيوني يميني من مؤيدي حزب الليكود التاريخيين، وتناقشنا عن مقالة الصحفي عوفر أديرت. كان نقاشًا يبعث على التفاؤل، حيث انتهى بموافقتنا على ضرورة اعادة قضية الاحتلال الى المجالس والشوارع والساحات والمنصات الاسرائيلية. خلال حديثنا خبرني زميلي أن قريبًا له كان من كبار الحقوقيين المرموقين المؤسسين لدولة اسرائيل، وكان مؤيدًا متحمسًا لتخويل المحكمة العليا الاسرائيلية صلاحيات قضائية في القضايا الادارية التي تخص حقوق المواطنين الفلسطينيين المحتلين، مع انها لا تمتلك هذه الصلاحية وفق القانون الاسرائيلي وليس وفق القوانين الدولية طبعا. ثم أضاف معللا موقف قريبه بإنه ، أي قريبه، كان يعرف أن الاحتلال الاسرائيلي سيكون "وحشًا" تمامًا كما كانت جميع الاحتلالات التي عرفها التاريخ، ولذا توقع أن تقوم المحكمة العليا بترويض ذلك الوحش وابقائه في قفص المعقولية. أما اليوم بعد ان تجبّر الاحتلال ككل الوحوش وتمرد على مروّضيه فهو متأكد، هكذا صرح زميلي، "أن قريبه يتقلب في قبره من الخيبة" وسكت حزينًا.

فأضفت قائلا : "أو ربما من كونه أحد آباء هذا الوحش". سمعني وهز رأسه وقال: ربما ! 

الدكتور والمحامي اللامع والشاعر الاكبر مروان كساب/ د. بهية ابو حمد


 

هو صخرة الشعر،

 وملك الارتجال،

 وسيد المنبر،

  واريج المعنى،

ورحيق الغزل،

 وعبير القوافي،

 وخمرةالزجل،

وفقيه اللغة،

 ونسر المحكمة.


هو الجوزاء العتيقة التي 

غردت للزجل،

وامتدت جذورها الصلبة 

شعرا فريدا وثريا قل نظيره

 في تراب الكلمة، 

وسمرة القمح، 

وقوت الفلاح، وفلس الارملة، 

ودمعة اليتيم،

وحقوق المظلوم، 

وبيادر الحنين،

ومواسم العشق، 

ورحيق الورورد،

 وزقزقة العصافير،

 وغناء الحساسين،

 ورفوف المكتابات،

 ودواوين الشعر،

وتقاسيم الاغنية،

 وكرامة الكريم، 

وزهو المعنى،

 وكسرت العتابا،

 ورنة الميجانا،

 ودندنة ابو الزلف.



هذا الشاعر الذي: 


يدغدغ القوافي غزلاً

  ويناجي المعنى ادباً

 ويرسم القصيدة نثراً 

يحلق بها الى عالم الشعر  

يفترش الفيوم وسادة 

لخياله البارع، 

يقطف ضياء النجوم ليكتب قصيدة

 بريشة الوجد 

لتتأرج رحيق كلماتها 

عشقا 

 على وجنات الورود  

وشفتي الحبيبة 

المتعطشة للحب 

ولقبلة هائمة 

على ثغر الشعر

 وخمار الغزل.


بربكم كيف لي ان اختصر هذه الهامة 

وهذا الدكتور والشاعر والناقد والاديب والكاتب والفقيه والمحامي 

في ثلاث دقائق؟


لقد كان لي شرف اللقاء به عام ٢٠١٢ 

في حفل اقمته في صالوني الثقافي 

عندما قال والقول له:


 الشعر هو روحي وكياني ونور عيوني 

هو اسمى ما في الوجود 

هو لغة الله .


 انا اقدس الشعر 

وارتشف رحيق عبيره 

مع كل نفس اتنفسه ى في كل يوم، 

كيف لي ان اعيش من  دون شعر؟ 

هو قوتي وزادي.



 ثم ارتجل قصيدة حفظتها غيباً 

وهذه بعض من ابياتها:


الشعر منو تحدي ولا مظاهر

الشعر اكليل عا عرش الليالي

الشعر احساس من ينبوع طاهر

الشعر كلو محبة وارتجالي

وانا ما كنت مرة الناس قاهر

رغم ما جن في انفعالي

ولا عا هالحكيم السيف شاهر

لانو حكمتو بقيت بقلبي

بس بشعرو يوم ما بيوقف 

قبالي


الف مبروك كتابك الجديد

 "شربل بعيني 

صوت لبنان الامين " 

 انتما فخر للغة الضاد والشعر اطال الله بعمركما.

ويا شربل من القلب عم حاكيك

شاعر انا الحرمان كاويني

وخمر الشعر من فضلة خوابيك

وفيض الوحي منها عم يجيني

********

سقيت الحروف دموع تا الأقلام

رفعوا لشربل مجد أعلامو

********

ومن قبل ما غصن العمر ييباس

والريح يندب عطر أزهاري

تارك كتابي صومعه للناس

تالشعر يسكب دمع تذكاري


شربل بعيني صوت لبنان الأمين للشاعر مروان كسّاب/ شوقي مسلماني


الأرواح تختلف وتأتلف، وتقترب وتبتعد، ودائماً هي الحياة.. وتبعات جمّة لكلٍّ من حالاتها في المسيرة نحو المستقبل الذي سيسود فيه الحبّ، أليس هو الحبّ هدف الحياة والوعي الإنساني هو إلى السلام والتقدّم؟. وها هو الشاعر د. مروان كسّاب "قاضي الزجل"، بتعبير الشاعرة د. بهيّة أبو حمد، بيننا في "مركب الغربة الطويلة" ـ سيدني ـ أستراليا ـ بتعبير الشاعر شربل بعيني، وها هو الشاعر شربل بعيني ذاته الذي يستمرّ في ميدان الشعر منذ أكثر من نصف قرن ولا تزال روحه وثّابة شِعراً، كما منذ البدء، أيضاً هو بيننا بكلّ حضوره وبكلّ جناحيه الكبيرين. 

التقى القلبان كما يجب على إسم "العاميّة اللبنانيّة"، وفي آن "الفصحى العربيّة"، وإجتمعا على إسم الصداقة، ومن ثمرات شجرة الإئتلاف هذه مجموعة الشاعر د. مروان كسّاب بعنوان: "شربل بعيني صوت لبنان الأمين" ـ عن موقع "الغربة الإعلامي" ـ سيدني ـ والعنوان يشي بما يشي من تقدير وإعجاب بالشاعر شربل، وهو يقول فيه: "شربل ما عندو مطارح ولا ظروف \ وبيشوف إشيا غير منشافي \ يمكن خيالو بالسما مسقوف \ والأرض مفرش خاطرو الدافي". 

والمجموعة بالشاعر شربل بعيني قطعاً هي بنت فكرة ذكيّة، هي باقة من نصوص رسائل بريديّة الكترونيّة وتعليقات فايسبوكيّة شعريّة وقصائد مناسباتيّة ومحاورات زجليّة ـ 194 صفحة من القطع الوسط ـ حوّمت فيها أسماء كريمة منها التي فارقتنا إلى الأبديّة ـ الشاعر الراحل روميو عويس ـ ومنها التي تستمرّ وندعو لها بالحياة المديدة صادحة بالشعر: الشاعر جورج منصور، الشاعر طوني رزق والشاعر يوسف جبرين، إخوان الصفاء. 

حين يطلّ شربل بعيني ذاته في المجموعة ها هو يستقبل حمام السلام بقرينه واليد الممدودة بأختها والكلمة الطيّبة بصنوتها.. ويقول للشاعر د. مروان كسّاب: "رح حلّفك تبقى صديقي بغربتي \ وغير هيك يا مروان مش رح حلّفك". 


وأخيراً: تحيّة لمعهد الأبجديّة ـ جبيل بعيده الواحد والثلاثين، وتحيّة له أن يمنح جائزة شربل بعيني لعام 2023 للشاعر د. مروان كسّاب بمناسبة مجموعته "شربل بعيني صوت لبنان الأمين" على أمل أن تكون هذه المناسبة وإصدار هذه المجموعة فاتحة قولاً وعملاً لإتّساع دائرة الإئتلاف، لتضمّ بحضنها الدافئ كلّ شعراء العاميّة والزجل اللبناني تحديداً في هذا المقلب الآخر من الأرض ـ أستراليا، وأن يرتقي الجميع إلى الأرقى والأجمل، ألم يقل السيّد في عليائه: "وأمّا أنا فأقول لكم.." إلى ختام الآية السامية في التسامح، الغفران والمحبّة؟. 

 تهنئة للدكتور مروان بالجائزة وبالمجموعة.  

تهنئة للشاعر شربل بهذا الحبّ الغامر من أبناء جاليتنا اللبنانيّة والعربيّة،  

والتحيّة لعمود خيمة مناسبات شربل بعيني الأدبيّة والثقافيّة ـ بيت شربل بعيني الأدبي والثقافي ـ  عرّيفاً دائماً وهو الشاعر د. علي بزّي،  

والشكر الجزيل لإصغائكم. 


قِدّاحُ الأرواحِ / د. عدنان الظاهر

 


                                                  

   

( إلى مُنى الأماني .. حذارِ من الذئبِ الضاري )

الشوق الفظُّ سَحابةُ صيفٍ مُخضَّلِ الصبرِ دموعا

راحتْ تتناءى جزعى

الظلمةُ أشباحٌ تتخفّى بين ظِلالِ رموسِ الموتى

فارقني شئٌ يُبكيني

فمتى ألقاها لأردَّ جميلا

وأقولَ لها إني أهواها

ومصيرُ الصيفِ المرِّ جناحٌ يهوي بي

غِبتِ وخلّفتِ رمادَ رميمي كُحلاً في عيني

الماءُ الأسودُ يُخفي نوراً في جفني

لا يدري أيّانَ تغيبُ مداراتُ الأقمارِ

سُبحانَ الساقطِ من بُرجِ الإغواءِ طعينا

يا سابرَ أسرارِ الوهمِ تفدّمْ

غامرْ وتسلّمْ أوراقَ جيوشِ الخيبةِ والذُلِ

حسبي أنَّ المُهجةَ قَرحى والنابَ خرابُ

فيها من سرِّ سرابِ الرؤيا بقيا

وشرابٌ يتعتّقُ إكسيرا

الشاربُ لا يدري أنَّ الراحَ رَواحُ

والقلبَ النازفَ قِدّاحُ " مُنى " الأرواحِ

سَقَطتْ في الموقدِ أقوى من نارِ الأحداقِ

أقمارٌ طفّتْ نيرانَ الآمالِ

السِفرُ سِهامُ الباقي والراقي

يتسلّقُ جدرانَ الصرخةِ في تيهِ شحوبِ الأوراقِ

أهوى صوتَ صداها فيما قالتْ أو كادتْ

أهوى لونَ الشَفَقِ الماطرِ منها شوقا

وعِناقَ الريحِ إذا قدّتْ من خدِّ الوردِ سلاما

عيناها مغزاها 

خُضْرٌ إنْ غابَ الكوكبُ في عينِ الشمسِ

أهواها والضبعُ الضاري في بابي

يُحصي عُوّادي

وصُراخَ الآهةِ في حرِّ الأنفاسِ

يا ساقيَ أدواحِ ثِمارِ الأعراقِ سلاما

خفّفْ أبواقَ طواحينِ الأصداءِ 

تختارُ العَتمةَ والطقسُ فضاءٌ عِملاقُ

يكشفُ بُهتانَ الذئبِ العاري 

يكْسِرُ أحجارَ الدارِ بفأسِ الأسرارِ

 والظُلمةُ أطيافُ قِباب سماءِ حياتي

إني محكومٌ بالعجزِ الكلويِّ الكُلّي

أنحو منحى الهاربِ في حبلٍ من سجنٍ ليلي

ساعةَ أنْ يسقُطَ شئٌ من برجِ الموتِ

ظَلّي سيفاً في خيلِي

فعيونُ الليلِ تُرابُ الحافرِ والنعلِ

آهٍ أُمّي ! 

عانيتِ فصاحَ الديكُ وغاصتْ رجلي في وَحلِي !


مُقْتطفات من أحكام وعادات - اِسأَلِ الرّاب -راء- / ترجمة ب. حسيب شحادة



جامعة هلسنكي

في ما يلي، ترجمة من العبريّة بتصرّف لمُقْتطفات من أسئلة، يطرحُها المهتمّون من رجال ونساء، على الراب وإجاباته عليها. وهذه النصوص متاحة على الشابكة في الموقع المثبت أدناه. في بعض الحالات، أضفتُ بعض العبارات التوضيحيّة داخلَ القوسين []. أسماء السائلين أو السائلات غير مذكورة، أمّا أسماء المُجيبين فمذكورة. يبدو أنّ مثل هذه الخِدمة الاستشاريّة، يمكن الحُصول عليها هاتفيًّا أيضًا.

س. هناك من يزعُم بأنّه يحْظر إلقاءُ ملابس الطفل على المصطبة؛ أريد أن أعرِف في ما إذا كان ذلك مرتكِزًا على أساس ما، أم أنّه من السَّخافات؟

ج. تحيّة طيّبة.  لا يوجد أيُّ مانع أو حَظْر.

تحيّاتي،

بنيامين شموئيلي


س. أيجوز قُبول كُلْيةٍ من الأغيار/ غير اليهود، أم أنّ ذلك محظورا؟

ج. تحيّة طيّبة. هذا جائز! ولكن إذا كان الوضع غير مستعجل ومن الممكن الانتظار فمن الجيّد الانتظار للحصول على كُلْية إسرائيليّ صالح (سفر/مسّيخت شبات ورقة 33 ص. 2).

تحيّاتي،

هيليل مايرز


س. السلام عليك حضرة الراب، أودّ أن أعرف أَيُمكننا أن نقرأ في كتب مسيحيّة مثل العهد الجديد وفي كتب إسلامية كالقرآن، وذلك 

لمعرفة ما فيها فقط، وليس من أجل الإيمان بها؟ هل مُجرّد القراءة ممنوعة؟ وإذا كان الجواب إيجابيًّا فبودّي معرفة السبب؛ وإذا حرّمت علينا القراءةُ في كتبهم، فكيف نكون على يقين بعقيدتنا بأنّها الصائبة الصادقة؟ وشكرًا سلفًا.


ج. بعون السماء/الله؛ تحيّة طيّبة.

العهد الجديد والقرآن مبنيان على توراتنا الأصلية، إنّها تقليد وتزييف لها. وهكذا، فمن الواضح أنّهما كذب (تصوّر واقعًا تكون فيه ديانتنا مبنيةً على توراة شعب آخر؟ ليس من المنطق أن يُغيّر الباري رأيه ويدحض توراته الأزليّة!). نحن شعب أبديّ ولذلك طاردَنا آخرون على مدى آلاف السنين ولكنّهم لم ينجحوا في إبادتنا. إنّّنا نقف أمامَ الخلاص حيث يظهر مسيح إسرائيل الحقيقيّ، وعندها يثوب كلّ العالم.

لا أساسَ عقلانيًّا لأسفار الديانتين المسيحيّة والإسلام، وعليه فهي تجذِب القرّاء بواسطة الكثير من الكلام العاطفيّ والتخْويفات. يتكوّن المرء من العقل والعاطفة، وحتّى لو كان العقل قويًّا فإنّ أحاسيسَه تستطيع أن تبلبله وتقوده إلى الخطأ. الكنائس تتوجّه إلى العاطفة، ولذلك هناك جَوْقات الترانيم  والتحدّث بالعواطف لجذب القلوب والافتراء عليها. والإسلام ينشغل بالتخويفات غير المنطقيّة. ورد في التوراة ”ولا تضِلّون باتّباع ما قد يكون في قلوبكم“ [سفر العدد 15: 39] أي الوثنيّة؛ ولذلك تمنع الهالاخاه/الشريعة اليهوديّة التعلّم في كتُب هذه الديانات،  كما كتب الرَمْبام/ربّي موشه بن ميمون ت. 1204 (https://www.hidabroot.org/article/218922). 

والآن لجوهر سؤالك - كيف نعرِف أنّ اليهوديّة حقيقية؟ حسنًا، عندما وصلنا لنتيجة تقول بوجود خالق للعالم، فعندها يكون احتمال إيجاد الحقيقة في غاية البساطة - لأنّها تقوم على مائة بالمائة من المنطق. 999، 99٪ من أديان العالم تضع في رأسها آلهة وشياطين ذات أجسام، غرائز وأقسام لإدارة العالم. علميًا نعلم أن العالم مخلوق، وعليه فهناك خالق لا صلة له بالمادّة والزمان، أي لا حدود له، غير متناهٍ  ولا يمكن تجزئته؛ وبما أنّنا نعلم أن كلّ الموادّ مكوّنة من الذرّات المتفاعله بعضها مع بعض، وهذا يدلّ على عدم وجود حروب بين آلهة حسنة وأُخرى سيّة، أو قِوى مختلفة في العالم؛ ومن هنا يثبُت لنا أنّ خالق العالم والإنسان هو واحد ولا شريكَ له، لا جسمَ له أو شكل الجسم. هذا المعْطى مثْبَت من ضرورة الواقع.

وهكذا فإنّ 999، 99٪ من ديانات العالم قد سقطت من القائمة، ولا تستطيع أن تكون حقيقية يقينا. ثمة ثلاث ديانات في العالم القائلة بإله واحد، لا جسمَ له وهي: اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام. جاءت المسيحيّة والإسلام بعد اليهوديّة وهما يرتكزان عليها؛ يؤمن المسيحيّون والمسلمون بخروج بني إسرائيل من مصر، وما جرى على جبل سيناء، كما ورد في العهد القديم. هكذا فالتاريخ اليهوديّ يجب أن يكون صحيحًا (بموجب الديانتين المقلِّدتين أيضا)، الديانتان المسيحيّة والإسلام تعترفان بالتاريخ اليهوديّ، في حين أن اليهوديّة لا تعترف بتاريخيهما (يؤمن المسيحيّون بموسى وبأنبياء إسرائيل، ولكن اليهود لا يعتبرون يسوع ومحمّدًا نبيّين تكلّما مع الباري، https://www.hidabroot.org/vod?lecturer=&program=5366)

وهكذا فإنّ احتمال كون اليهوديّة حقيقية هو 100٪، في حين أنّه يقِف على كفّ عِفريت بالنسبة للمسيحيّة والإسلام. من الجليّ أنّ الخالق الذي خلق العالم بحكمة رائعة، لا يُمكن أن يكون قد أعطى التوراة بطريقة يتسنّى لكلّ إنسان التزييف فيها. من المعروف، أنّ كلّ مؤسَّسة محترمة للعلاج النفسيّ، يوجد فيها على الأقلّ عشرة أشخاص يقولون أنّهم يتحدّثون مع الله والجنيّات والكائنات الفضائيّة والوحوش. ولدينا عِلم بأنّ هناك الكثير من المصابين بمرض انفصام الشخصيّة (شيزوفرينيا) ويتخيّلون أُمورًا غير واقعيّة.

نعلم إِنّ الخالقَ حكيم (من معرفة تكوين العالم وعلم تشريح الأحياء)، ونعلم يقينا بأنّ الخالق لا يسلّم التوراة بطريقة حمقاءَ لشخص واحد يستطيع الافتراء على الجماهير. وهكذا فإنّ الديانتين اللتين قلّدتا اليهوديّةَ، المسيحيّةُ والإسلام تسقطان من الحِسبان، لأنّهما تدّعيان أنّ شخصًا واحدًا ادّعى بظهور الله له في المَغارة وسلّمه قوانين وأحكاما.

اليهوديّة هي الوحيدة التي تتحدّث عن وقائعَ عجائبيّة شاهدها الشعب كلّه مثل الخروج من مصر، ضربات مصر العشر، اجتياز البحر الأحمر، ظهور الله على جبل سيناء، أربعون عامًا في الصحراء، احتلال البلاد بشكل عجائبيّ إلخ.  إنّها التوراة الوحيدة التي تجتاز ٱمتحان التاريخ والمنطق، ببساطة لأنّها الوحيدة القائلة بتوراة أُعطيت للشعب بحضور إلهيّ وطنيّ. من هنا، نرى أنّ اليهوديّة حقيقيةٌ قطعًا مائة بالمائة، بدون أيّة شُكوك بالمرّة.

نعلم أنّ التوراة حقيقيّة بفضل تاريخنا الصحيح على مدى آلاف السنين، والكِتاب المقدّس يشهد بما ذكرنا من عجائبَ وظهور الخالق أمامَ بني إسرائيل على جبل سيناء. أباؤنا وأجدادنا حافظوا بإخلاص على التوراة والأعياد والفرائض وكانوا مستعدّين للتضحية بأنفسهم من أجل ذلك. إنّنا لا نؤمن بالخروج من مصر، لأنّ ذلك مكتوب في التوراة فقط، بل  بفضل أبائنا الذين نقلوا التوراة من جيل لآخرَ كتاريخ قوميّ لشعبنا منذ 3300 عام. وعليه فإنّ التوراة بمثابة شهادة تاريخيّة قوميّة لا يمكن دحضُها، وكلّ من يُنكر الكتاب المقدّس مثله مثل ناكري المحرقة .عندما ينقُل شعب كامل وقائعَ تاريخيّة قوميّة من جيل لجيل، لا يمكن إنكارُها منطقيّا. 

يكفي أن يدّعي شخصان بحدوث قتل لنصدقهما، وندين شخصًا فكم بالحري عندما يكون شعب بأكمله شاهدًا على حوادث جبّارة، وينقل التاريخُ هذا لأبنائه وأحفاده، ويُحتفل بأعياد ذكراهم. نتذكّر المحرقة عبرَ دقيقة من الصمت. تصوّروا لو تمّ تذكّر المحرقة ببناء معسكرات في ساحة البيت، والنوم فيها سبعة أيّام، أو تناول الخبز  اليابس لذكرى المحرقة مدّة أسبوع. أكان عندها إنسان يجرؤ ويُنكر ما جرى؟ أيجوز لشعب كامل أن يتبنّى عاداتٍ عسيرةً ذكرى لتاريخ لم يكن؟

ومع هذا فإنّ شعب إسرائيل يحتفل بعيد العُرُش منذ آلاف السنين، وعلى مدار الأسبوع يأكل اليهوديّ وينام تحت العريشة. ويحتفل الشعب اليهوديّ على مرّ آلاف السنين بعيد الفِسح، وفي غضون أُسبوع لا يلمُِس اليهوديّ ما هو خامر، يأكل المصّة ويروي قصّة الخروج من مصر، كما قصّ آباؤه وأجداده. أيمكن إنكار تاريخ قويّ لهذا الحدّ؟ لا يفعل هذا إنسان عقلانيّ.

الشعب اليهوديّ هو الشعب الوحيد في العالم، الذي تلقّى تعاليمَ من فم الله أمامَ شعب كامل؛ بتجلٍّ إلهيّ وبعجائبَ تُثبت سيطرته على الطبيعة؛ ولا توجد توراة أثّرت على العالم أكثرَ من التوراة اليهوديّة. كما أن وجود الشعب اليهوديّ يُثبت سيطرة الله العجائبيّة على التاريخ، إذ أنّ شعب إسرائيل هو الوحيد في العالم، الذي تمكّن من البقاء على قيد الحياة، بالرغم من كلّ أعمال الإبادة  والكراهية على مرّ آلاف السنين؛ شُتِّت اليهود في جميع أرجاء المعمورة، بقِي القليل بلا سُلطة وبلا جيش، في حين أنّ جميع الإمبراطوريّات والشعوب القديمة كانت قدِ انصهرت واندثرت؛ وبعد كلّ هذا عاد شعب إسرائيل لأرضه بعد ألفي سنة في المنفى؛ وكلّ هذه السلسلة من المصاعب، كانت قد وُصفت سلفًا في نُبوءات قديمة في التوراة، ينقلها الشعب اليهوديّ منذ 3300 عام. نحن نعرف ما هو سرّ أزليّته!

لدينا أسباب تاريخيّة لا حصرَ لها للإيمان بالتوراة، ولمعرفة واضحة بأنّ توراة إسرائيل حقيقيّة. لا توجد أيّة توراة أو ديانة في العالم تجرؤ حتّى على محاولة التنافس مع الأصالة التاريخيّة والعجائبيّة لشعب إسرائيل وتوراته. ويذكر أنّ كلّ أُسس اعتقادنا مشروحة في مؤلَّفات معلّمينا مثل الكتاب الخزريّ وفرائض القلوب (حُوڤُوت هَلِڤَڤوت) إلخ (https://www.hidabroot.org/vod?lecturer=&program=49532). 

اِبحث من فضلك في غوغل، بواسطة الكلمتين שיחות גורליות /محادثات مصيريّة، واقرأ هذه الإضْبارة التي تعالج موضوع البحث عن الحقيقة وتوضيح الديانات وسيُفهمُ معنى الحياة.

تحيّاتي،

دانئيل بلاس


س. أيجوز للمرأة أن تشكر مقدِّمَ خدمة ما مثل بائع أو سائق؟

ج. تحيّة طيّبة. يجوز للمرأة أن تشكرَ المرءَ الذي يقدّم كلّ نوع من الخدمات؛ ولا توجد هنا أيّة خشية من عدم التواضع.

(https://www.hidabroot.org/%D7%9C%D7%90%D7%99%D7%A9%D7%94)

تحيّاتي،

هيليل مايرز


س. تحيّة لك حضرة الراب. هل يجب لفْظ الحرف الأوّل من كلمة פרי (ثَمَر) في العبارتين: בורא פרי האדמה (خالق ثَمر الأرض)، בורא פרי העץ (خالق ثَمَر الشجرة) بسكون متحرّك (נע، كسرة خفيفة) أم ساكن (נח)? 

جزيل الشكر.

ج. تحيّة طيّبة. يجب لفظ الپاء في كلتا الحالتين بسكون متحرّك إذ أنّ كلّ سكون في بداية الكلمة. [نُنوّه بأنّه في العبريّة الحديثة لا يميّز معظم المتكلّمين بين هذين النوعين من السكون ويلفظونهما ساكنا- پْري وليس پِري كما ينبغي بحسب قواعد السكون الخمسة التي وضعها اللغويّ ربّي إلْياهو بن آشر اللاوي ت. 1549 بصورة سهلة للتذكّر. قد يسأل المتعمّق في اللغة ما لفظ الحرف الأوّل من פרי أهو فاء لأنّه ورد بعد ألف א كما تقضي قراءة التوراة مثلا أم پاء كما في العبريّة الحديثة].

تحيّاتي،

هيليل مايرز


س. تحيّة طيّبة، أيجوز للمرأة انتعالُ حذاء بعْلها البيتيّ أم هنالك حظْر ”لا تنتعل/تلبس“؟

ج. تحيّة طيّبة. هذا ممنوعٌ إذا كانت لديك إمكانيّة انتعال حذائك البيتيّ بسبب ”لا يلبس الرجال لباس النساء، ولا النساء لباس الرجال…؛ سفر التثنية 22: 5“. ولكن إذا كنتِ، لسبب ما، لا تجِدين حذاءك فابستطاعتك من باب التيسير انتعال حذاء زوجك البيتيّ. 

تحيّاتي،

هيليل مايرز


ظمأ الروح ولعبة القدر.. إنصات إلى نبض العلامة في قصيدة لبدر شاكر السياب ..أنشودة المطر/ محمد مهيم محمد

  


غير أن توظيفي للعلامة الأيقونة ، في هذه المحاولة ستكون بوصفها صورة بكرا ، تمتلك نمو تشكلها الخاص في هذه التجربة الشعري من خلال تنوع الأنساق واستحضار الأسنن ، حيث تتزي الأيقونة مسارات سياقية جمالية خاصة ، ومادام أن للأيقنة علاقة بالتشبيه ، فإن وجه الشبه في هذا المسار سوف يكون بوصفه رؤيا الشاعر/ موضوع قيمة جمالي ، ليس بوصفه حالة مباشرة مع العالم الخارجي ، بل باعتباره في حالة احتمال ، يتم استيلاده عبر مسار الدلالة في هذه القصيدة أنشودة المطر. 

الكلمات المفاتيح : السيميوز ، الأيقونة ، المسار ..السياق الجمالي ..

....Cependant, mon utilisation de l'icône signe, dans cette tentative,  sera comme une image vierge, qui a la croissance de sa propre formation dans cette expérience poétique à travers la diversité des motifs et l'évocation des dents, car l'icône est ornée de chemins contextuels esthétiques, et tant que l'icône a un rapport à l'analogie, la similitude dans ce chemin sera C'est comme la vision du poète / un objet de valeur esthétique, non pas comme un état direct avec le monde extérieur, mais plutôt comme un état de possibilité, qui est généré par le chemin de la signification dans ce poème. 

Mots clés : la sémiotique, l'icône, le parcours sémantique, le contexte ésthétique....

ما قبل ...

إن سيمياء بيرس ( 1 ) بما فيها من المرونة ، يمكن أن تعد نظرية في تحليل الخطاب الشعري والنثري على السواء . بخلاف نظرية غريماس السيميائية ، التي ركزت فقط على البعد السردي ، لكن ... رغم اختلاف منطلقاتهما النظرية ، وبحكم انتمائمهما معا إلى الحقل السيميائي ، يمكن استغلال هذا الرابط ، لتشكيل مقاربة  سيميائية في البحث والدراسة وتحليل الخطابات الأدبية على 

الخصوص . فمقاربة غريماس ، تتناول الخطاب السردي عبر ثلاثة أبعاد : البنية المحايتة / والبنية السيميو سردية / ثم البنية الخطابية ، (2) وهذه الثلاثية ، توازي البناء المقولي لدى ش . س . بيرس : الأولانية / الأيقونة .. والثانيانية / المؤشر ثم الثالثانية / الرمز( 3 ) . ذلك أن الخطاب الأدبي ، بصفة ، عامة ، يعتمد في تمرير محتوياته ، على ما أسميه العلامة ( الحبلى ) بوصفها أداة توسط ، تقوم بالتعبير عن كل ما هو مرتبط بمحتوى ما ، في تساوق مع التجربة الإبداعية . فهي تسلك ، بدورها ، مسارا ثلاثيا يبدأ بحالة الاحتمال ، حين تكون التجربة في كونها الخام ، مرورا إلى حالة التحيين ، التي تخضع فيها التجربة لمحاولة التجسيد ، ثم إلى حالة التحقق ، حين تكتمل التجربة في بعدها الفني والجمالي .. مما يوافق مسار التجربة الإبداعية والإنسانية في عمومها . فالعلامة في الخطاب الأدبي ، وعبر إنتاجيتها تكون محملة ، أي لها محتوى يتدرج مسار الدلالة فيه ، عبر هذه الحالات الثلاث . بناء على فرضيه تقول : أن كل ما له علاقة بمحتوى ما ، يشتغل كعلامة مهيأة للإنتاج . فكل علامة في الحقيقة ، تنتظر علاقة ما، بسياق ما ، دون اعتبار كونه تخييلا أو يعالج قضايا واقعية ما ..

إذن فأي علامة نوعية ، بتعبير ش . س  بيرس / أو محايتة ، تبعا لغريماس ، تعد حالة احتمال تنتظر محتوى سياقيا . مثل العلامة سيزيف الأسطورية ، التي تمثل علامة ، تماما ، دالة على محتوى شأن أي علامة تضمر تصورا واقعيا أو تخييليا ، كما هو الحال مع العلامات المشكلة لمسار هذه القصيدة : العينان . النخيل . البحر . والخليج .. والمطر .. والماء ، وأن الفعل الذي يمنح العلامة ، سيزيف حق الوجود ، ممكن بفضل أجهزة إشارية ، ودلالية ، يسخرها استعمال ما ، أو تتبناها ثقافة ما ، ومن ثمة ، فإننا نحيل على سيزيف كما نحيل على أي علامة / تتمتع بإحالة مرجعية واقعية ، وذلك ، حسب نوعية الرؤية الإبداعية ، التي قد ترى فيها المعاناة الأبدية ، وأخرى تلمس ، فيها تجسيدا لعبثية الفعل ، الذي يطال التجربة الإنسانية ، في صراعها الأبدي مع الوجود.... غير أنها ، قد تتنوع موضوعاتها الدينامية ، وتتوالد مؤولاتها ، حسب تعدد الرؤى ، واختلاف التجارب كما شأن ، " سزيفية الصبر "  في زجلية الشاعر محمد عزيز بنسعد " نقطة وارجع لصبر " ( 4 ) وتلك هوية التوظيف الأدبي ، كما في هذه الأنشودة ، ..فكل العلامات ، بوصفها أيقونات ، أي نوعيات في حالة احتمال ، هي بدوره تعبير ، مرتبط بمحتويات ، غير أنها ، وإن كانت تمتلك خصائصها ، أي خاصية الشبه ، باعتبارها صورة أو تصورا ما ، فإن هذا الشبه أو التصور ، ليس بوصفه موضوعا ، أو حالة في العالم ، بل هو بالأحرى ، فقط ، عبارة عن محتوى مبنيا ومنظما .. فالألوان : الأحمر ... والأصفر كما في هذه القصيدة كانت علامات نوعية تجريدية ... في حالة احتمال إلى أن تم تحيينها ... والعلامة "  ( عين ) في " عيناك غابتا نخيل " ، ليست علامة على جارحة ، أو على عين ماء ، جاسوسا يحيل على واقع ما ، ولكنها علامة في حالة احتمال ، داخل القصيدة ، تمثل وصفا أو أوصافا ، بالنسبة للمتلقي كما كانت بالنسبة للشاعر ، وقد يتم توظفها أدبيا ، في أي خطاب شعري ، أو نثري ، وبكيفية تختلف بين أديب وآخر ، بحسب الرؤية التي يتوخاها ، وكذلك الأمر بالنسبة ل "شجرة الزقوم" الواردة في القرآن الكريم ، لا علاقة لها بالوقع المعيش ، ولكنها تنتج واقعها ، من خلال ما تحمله من أوصاف ، خاصة في القرآن الكريم ، وفي الثقافة الإسلامية ... فكل علامة في الخطاب الشعري هي ، إذن صورة في حالة احتمال .. حاملة لمضمون تجريدي ما ، أو قل برنامجا ما ، ينتظر تحيينا ما ، كما يذهب إلى ذلك بيرس ، أي الانخراط في  Semiosis. بوصفها السيرورة المؤدية إلى إنتاج الدلالة وتداولها (5) . وهذا التصور يمكن أن ينطبق على المؤشرات ، العنصر الثاني في الثلاثية البيرسية ، أي على البنية السيميو سردية الغريماسية كذلك ، بوصفها تضمر مضمونا محينا ، يتنظر تحققا على مستوى التجلي الخطابي .. عبر مؤول أو مؤولات ما ، حين يتم إدراجها في سياق ما ، عبر العلامة القانون .. منتظرة ، بدوره ما يسميه ش . س. بيرس تأسيسا  Fondement   . (6).


العلامة الأدبية :

ففي الخطاب الأدبي إذن ، تظل هويات العلامات منفتحة على كل الاحتمالات ، لانفتاح السياقات  الداخل خطابية ، على تنوع الرؤى الإنسانية ، وامتزاجها بكينونات ، وأنساق مختلفة ، كنسق الطبيعة .. لأن" العلامة ليست سيرورة إبلاغية ، فحسب ، ( ... ) إنها كيان داخل سيرورة دلالية " (7) . وهذا ما سنلمح آثاره في هذه القصيدة .. مما يعني أن كل العلامات ، تتمتع باستقلالية محتواها الخاص ، خارج الخطاب الأدبي ، أي موضوعها المباشر ، وسيلتها للتواصل في أي ثقافة معطاة ... غير أن الأمر سيختلف ، حين يتم توظيفها بكيفية ما في الخطاب الأدبي . وهذا ما يؤشر على الإمكانات الهائلة ، التي تمنحنا إياها العلامات .. إمكانات تتراوح بين الاستعمال المباشر أو الإيحائي ، الذي يعني أننا نوظف العلامات توظيفا جماليا . وهذا كذلك ما يسفر عن التنوعات التعبيرية ، في الخطاب الأدبي الواحد ، مما يترتب عنه أيضا تنوع في حالة التلقي . فالمبدع حين يوظف العلامة ، فإنها لا تكون في حالة فراغ تام ، ثم يشحنها  بمعنى أو دلالة ما . فتصبح ملكا له وحده ، وعلى المتلقي فقط ملامسة هذه الدلالة الأحادية ، أو المعنى الذي يتقصده المبدع... بل إن للعلامة ذاكرتها الخاصة ، كما قلنا سابقا ، حتى وهي في حالتها الاحتمالية ... وقديما اعتبر الجاحظ " المعاني مطروحة في الطريق " (8 ) ، مما يعني أنها علامات في حالات احتمال ، منفتحة على الموسوعة الحياتية ...بل الموسوعة الإنسانية في تجاربها مع الواقع ، بكل إكراهاته ..ذلك أن الموضوع ( المعنى أو الدلالة المطروحة )، سيميائيا ، يظل فرضية مجردة ، يحمل نوعا من الشرعية التداولية في انتظار اللحظة ، التي يتحول فيها إلى علامات فنية أو جمالية ، تصور تجربة إنسانية صادقة ، من طرف ذات الحالة / المبدع ، وهذا ما يوحي بانطباع ، أننا نفرض هيمنتنا على العلامات ، في حين أنه على العكس من ذلك ... فالعلامات بدورها تفرض علينا إكراهاتها ، عن طريق عملية الانتقاء ، التي نمارسها أثناء محاولتنا البحث عن تصوير لنقاء التجربة .. حيث تظل العلامة في حالة تردد ، بين إقصاء و استدعاء في الآن نفسه .. تتجاذبها طبيعة التيمة ، أو الموضوعات الدينامية ، مما يجعل العلامة / المؤول ، تتحرك في الخفاء ، كتوسط بين العلامة وموضوعها ، في انتظار بزوغ للعلامة التأسيس ، التي تمنحها شرعية الانتماء ، نسقيا ، إلى هذا الحقل الدلالي أو ذاك .. مما يضفي عليها قدرة فائقة في التنوع والتعدد . ومن ثمة تظهر براعة المبدع في قدرته ، على التوظيف الجمالي .. وإمكانية نسجها مع نبض هذه التجربة أو تلك .. ذلك ما يعني أن العلامات ليست أشكالا فارغة ، فلا وجود لمعنى أو دلالة في حالة فراغ تام " ، لأننا نحيا معها مسارا ، نقوم بتفعيله ، ونحن نمارس أنشطة بوصفنا علامات " ( 9 ) ، فلا بد أن تضمر العلامة كيانا ، يحتوي دلالة يظل لصيقا بها ، حتى ولو احتملت أكثر من معنى ، أو انفتحت على دلالات جديدة.. لأن هذا الانفتاح ناتج عن الانصهار ، والتفاعل بين العلامة ، وفعل التلفظ أو عملية التخطيب ..فإذا كانت هذه حقيقة العلامة منفردة ، فما بالك بها ، وهي متعالقة مع علامات أخرى ، وفي ظروف سياقية مختلفة تنسجها رؤيا ويؤطرها موقف ( 10 ) ..؟؟!!

غير أن توظيفي للعلامة الأيقونة ، في هذه المحاولة ستكون بوصفها صورة بكرا ، تمتلك نمو تشكلها الخاص في هذه التجربة الشعرية،  من خلال تنوع الأنساق ، واستحضار الأسنن ، حيث تنتج الأيقونة مسارات سياقية جمالية خاصة ، ومادام أن للأيقنة علاقة بالتشبيه ، فإن وجه الشبه في هذا المسار ، سوف يكون بوصفه رؤيا الشاعر/ موضوع قيمة جمالي ، ليس بوصفه حالة مباشرة مع العالم الخارجي ، بل باعتباره في حالة احتمال ، سيتم استيلاده ، عبر مسار الدلالة في هذه القصيدة ، أي كمحتوى مبنينا ومنظما كما قلنا... لأنه في الخطاب الأدبي ، يشتغل "التخييل ، بوصفه ، آلية الوعي العظمى ، التي تمتلك فيها العلامة كامل فاعليتها السيميوطيقية  ، على محوري الاختيار والتوزيع .. ومستويي النسيج والفضاء .. ومنهجتي النص والتناص " ( 11 ) ..

فالشبه أو الموضوع الدينامي الجمالي ، إذن بوصفه،  صورة شعرية ، يكون في حالة تأهب لاقتناص سياق ما داخل خطابي ،  حين يتم تحفيزه من طرف فعل التلقي ... وتلك وضعية كل العلامات التي توظف توظيفا جماليا .. كما هو الشأن في تجربة السياب هاته ... لكن ما يجب الإشارة إليه ، هنا ، قبل مباشرة التهماس مع هذه التجربة ، هو التمييز المعتبر بين لحظة الأيقنة ، التي ستنبثق من داخل ولادة المعنى ، في سياقها الجمالي ، وبين مفهوم العلامة الايقونة.. ، التي لا تنفصل عن البعد الرمزي أو الترميزي ، حين يتم نسجها بالإحالة المباشرة على مسار ما ، في التواصل العادي ...أي العلامة بوصفها ، مؤشرا مباشرا.. يجب أن نتعرف عليها كما هي ...والتأشير، هنا ، عبارة عن خاصية ، تحيل على ما هو سبب لها....فالعلامة الأيقونة " نؤوم الضحى " تحيل على ما هو سبب لها إي كثرة الخدم وتوسع الترف ،  أما لحظة الأيقنة في هذه القراءة ، فيجب أن تفهم كمسار داخلي لانبثاق الدلالة .لأنها كرمز" تشكل بناء كليا في الصورة الشعرية " أو الرؤية الدينامية  12 ) ... ومن جهة أخرى فإن " فالأثر الفني هو  موضوع يمكن أن نجد له شكله الأصيل ، كما تصوره المؤلف ، وذلك من خلال الآثار التي يحدثها في عقل المستهلك وإحساسه . ( ... ) لكن ، ومن جهة أخرى ، فإن كل مستهلك وهو يتفاعل مع مجموعة المثيرات ، وهو يحاول أن يرى ويفهم علاقاتها ، يمارس إحساسا شخصيا ، وثقافة معينة ، وأذواقا ، واتجاهات ، وأحكاما قبلية توجه متعته في إطار منظور خاص " ( 13 ) . فبمجرد. ما تظهر الوظيفة الرمزية داخل الأيقنة ، تصبح هذه الاخير محفزة .. لذا ، ب فهم سيمياء الخطاب الأدبي لا كحالة ، فقط ، بل كفعل صيرورة / سيرورة ....

فليكن العنوان ، إذن ، أول نبض يحرك ويحفز التفاعل الأيقوني بين العلامات ..؟!

... فالأنشودة أو الإنشاد ( 14 ) في دلالتها المباشرة تحيل على موضوع مباشر ، يتجلى في رفع الإنسان للصوت ، على إيقاع جماعي موحد، حماسي. وفق طقوس ابتهالية ، أما المطر فبوصفه ماء نازلا من السماء ، فقد يكون نافعا أو ضارا ، غير أن إسناد الإنشاد إليه ، حولت إحالته إلى موضوع دينامي .. فأصبحت العلامة / العنوان، وخطابيا ، في حالة احتمال ، منفتحة على تعدد المؤولات  تجد آثارا لها في نسيج القصيدة... لذا فالإنشاد المطري سيتوسل الإنشاد الشعري في هذه القصيدة ، ليتحول إلى حالة تضرع روحية ، يضمر مفارقة قدرية ، تكمن في كونه طقوسا للحياة كما هو طقوس للموت... و سيكون حدث الإنشاد  والاستمطار ، خاضعا لغموض ناتج عن خرق لقانون العادة والطبيعة ... أي التفاعل بين ما ينتمي إلى الإنسان ، صوت الإنشاد ، وما ينتمي إلى الطبيعة صوت المطر : ( الإنشاد / المطر  ) صوت ، إذن ، قد يعني مثلا ، إما نوعية الإيقاع الذي به تم الإنشاد  ، بوصفه مسارا لبناء القصيدة ، من طرف المسند إليه ، الذي هو " المطر" ، كما يجب أن ننظر إلى الإيقاع ، كذلك ، باعتباره " حركة ...أي  حركة للكتابة ... حركة للدلالة على مسار عملية بناء للأحداث الدالة ، وإقصاء لأخرى " ( 15 ) ... وقد يعني كذلك ، المسار الذي عبره سيتم تشكيل الإنشاد أي القصيدة . فالإيقاع /الحركة والمسار كلاهما يرتبطان بتشكيل مؤثث لفضاء التجربة ، ...لأننا سنكون أمام موضوع دينامي ثان ( جمالي ). فقد عمل الشاعر على أنسنت ما هو طبيعي ، بمنحه الرؤيا البصرية بل البصيرية ( عيناك حين تبصران ... ) ، ومن ثمة يصبح النسق الطبيعي ، في هذه القصيدة ، موضوع قيمة منفتحا على كل الاحتمالات .. ينتظر مؤولا بل مؤولات ستتوالد .. منسوجة عبر حركة  السيميوزيس ، ممثلة في سلسلة من العلامات ، في حاجة إلى تأسيس ، ليكشف عن أبعاد الدلالة الروحية  التي أجازت هذا الامتزاج ..المتوالد عن مسارات الرؤيا الشعرية ، المنبثقة ، طبعا ، من رحم الرؤية الحسية ، للذات الشاعرة . وذلك من أجل وضع حد للانهائية الانفتاح الدلالي ، كما سنرى ، والمتجسد من خلال المؤشرات التالية :

أ‌) أيقونة أنثى هي لحظة للفرح كما للحزن ( ب 1 / ب 10 )

ب‌) استيهامات روحية بريئة ولعبة القدر ( ب 11 / ب 24 )

 ج) مناجاة أنثى ...و سورة المطر ( ب 25 / ب 40 ) 

د) الجفاف الروحي ...والغبن الإنساني ( ب 41  ب 59 )

ه) الإنسان مصدر شقاء الإنسان( ب 60 / ب 79 )  

إنها ، موضوعات دينامية جزئية ، إذن ، ستعمل على بناء تخوم الرؤية الشعرية ... وهي فيما تمنح انسجاما للقصيدة ، ، ستمنحها أيضا بعدها الواقعي ، حيث ستبدو كصراع بين مظاهر الجفاف الروحي وبين تنوع ينابيع ماء المطر القدري .... ضمن لعبة ينسج خيوطها ، غياب وحضور المطر / القدر ، وأثر ذلك على حساسية الشاعر....فكل أيقونة هي صورة ، ٌستكون مولدة لأكوان دلالية منفتحة على ما هو إنساني ....لأن تيمة الماء وما يحف بها من طقوس وشعائر. تجعلها تتلون  في ... صور أيقونية متنوعة ... تمتح دلالتها من كونية الرؤية الشعرية... لا تنفصل عن قدسية الطبيعة ، المتمثلة في النخيل... والقمر والسحر . لأن الماء في هذه الأنشودة استحال حالة من حالات الكينونة.. ترتبط بمفاهيم جمالية وفكرية وإنسانية...تبعا لتنوع مصادره، ومنابعه...: العين ..البكاء .. .. الخليج .. تدل وفق أسنن تنتجها تحولات مصادر الرؤيا، التي تخضع  طبعا لتحولات الأحاسيس والتأملات ، لدى ذات الحالة ، وأن المؤولات ستعمل في الأصل كمؤشرات لتحديد هوية السياق  أو معلنة عن وجوده الداخل خطابي، الذي تتشكل عبره الدلالة.. فالسياق في القصيدة، كما نعلم، يخلقه تفاعل العلامات ، فهو ناتج زمن التجربة التي عاشها المبدع ، يجب البحث عنه في تفاعل مؤشرات الخطاب بالنسبة للمتلقي.. لإن العلاقة بين مختلف أشكال العلامة تعد في حالة دياليكتيكية.. مما يعني أن السيميوز التي تتشكل عبر مسار بل مسارات الدلالة تعد في حالة حوارية....، نتيجة حوارية العلامات  ، سواء في مستواها التجريدي أو مستواها التداولي...  إنها ناتج حوارية الفكر و المشاعر  والتأملات الروحية ... كما سنرى في هذه القصيدة.. ومعلوم أن الحوار السيميائي يظهر من خلال تنوع الرؤى وصراع المواقف... وعنف الإكراهات.. وعبر كل التساؤلات التي يطرحها الخطاب... فالعلامات وهي في حالة حوار تكتسي حالة رقص تتفاعل فيه كل أطراف الخطاب الشعري ...فكل المؤولات في الحقيقة تعود في تحديد هويتها إلى هذه الثلاثية البيرسية  الأيقوني أو الاحتمالي  / المؤشر أو التجاور  / ثم الرمز أو القانون والعادة .... ومن الواضح ، أيضا ، أن الشاعر ليعبر عن هذه الواقعة./.الحدث ، قد اعتمد على مؤولين أساسين .. أطرا إنتاج الصور والاستعارات والإيقاعات النفسية ، ثم نبضات الروح وتدفق المشاعر... هما المؤول الذهني / الحسي / المباشر...أو لنقل الفني ، الذي مكن الشاعر من تجسيد التجربة ، كما تعكسها القصيدة أمامنا ،  ثم المؤول الذهني / الجمالي ، الإيحائي ، أو لنقل أيقونات الجمال التي ينتجه الخطاب في حالة تفاعلنا معه ، أي في حالة تلقيه... 

و من ثمة فإن المؤول الأول لهوية الأنثى  ، من خلال  أحد رموز جمالها " عيناك " يعتبر مؤولا  حسيا / إدراكيا... يترجم حالة انفعال الذات ، واندهاشها الخام ، أي حالة الاحتمال  ، اتجاه المخاطبة من عبر ...إحساس الذات الشاعرة  ، بسمات هذه الأنثى ، دون قدرتها على تمثل هوية محددة لها ، مثلا ، بالإحالة على تجربة حياتية سابقة ...لأنها فقط عبارة عن( إحساسات أولية ) ، مما لا يسمح بحدوث تماس مباشر لذات الحس ، الشاعر  مع الحالة المدركة ، الواضحة ، بل فقط مع تصورات غائمة...   simulacre  بتعبير غريماس ( 16 ) . اما المؤول الثاني الجمالي/ الإيحائي ، فتجسده ، حالة الاندهاش ، التي انتابت الشاعر ، حين أحس التجربة روحيا ، فتمثلت له صورة  أنثى مراوغة . ..: تارة طاهرة .. نقية ، هي الطبيعة نضارة ، ونعومة ... طراوة وقداسة..هي الأم حنانا وليونة وعذوبة .... : (غابتا نخيل ساعة السحر ) ... وتارة أخرى ، هي الحياة في إعراضها وصدودها ... في صورتها المادية  ... ثقافة وتصنعا وتصنيعا ، وكل ما عبثت به يد الإنسان : ( شرفتان راح ينأى عنهما القمر ) ) .إنها حالة أنثى مفارقة ، فهي أيقونة النضرة والنعومة ... وهي كذلك صورة للحزن والتعاسة ؟؟؟ .فهل هي صورة الحياة المادية اللاعوب ، في تقلباتها ، كما تراءت للشاعر ؟؟... أم أنها هيولة أنثى الإلهام الشعري ..؟؟ مما أيقظ في ذات الحالة / الشاعر البعد الروحي ، الكامن الطاهر ، في مقابل معاناته من قساوة المادة ... لتجد نفسها ، أمام ظمإ ، وليد إحساسات روحية.. جراء معاناتها من هيمنة الإكراهات المادية ، مؤول ذلك بوحها قائلة ....: 

( فاستفاقت روحي...) 

ليتم تجسيد ذلك ، عبر بنية الخطاب الجمالية ، التي تحتاج إلى تأمل جمالي ، من أجل مسك مسارات تحولات الظمإ الروحي القيمي ، رغم تنوع مصادر الماء ، منبع الحياة  كما سنرى .

فكيف تجسدت آثار هذا المؤول الجمالي ، عبر جسد القصيدة... كحالة إبداع شعري ..؟؟؟ فلعل استناد. الشاعر الى الاستعارة الطبيعية المؤنسنة ، قد أعطى انسجاما ، لكون التجربة الدلالي ، وفي الوقت نفسه ، جعل موضوعها الدينامي ، على مستوى كلية القصيدة ، مؤثثا بموضوعات دينامية جزئية ، محددة ومميزة .. كما سبقت الإشارة إلى ذلك ... 

أما بعد ...

أ) أيقونة أنثى هي لحظة للفرح كما للحزن :

المقطع الأول :

 سنعتبره مقطعا توصيفيا... محاولة تحريكٍ للحس ، قصد الدخول في التجربة الإنسانية ، التي ستشكل  مخاضا لاستفاقة روحية ، تقول ذات الحالة بعد لحظة الارهاصات : 

فتستفيق ملء روحي ..رعشة البكاء 

نشوة وحشة تعانق السماء 

فالاستفاقة الروحية والنشوة الوحشية كلاهما حالة ( روحية ) طاهرة نقية لم تدنسها لا مادية الأرض ولا منتوجاتها الثقافية. وذلك عبر بنية التشاكل (17 ) التي ينسجها تناسل صور الماء المؤثث لجسد القصيدة ..العين .. المطر ..السحاب .. الغيوم .. الكروم .. الخليج ... حيث تتناسل مسارات السيموزيس  Semiosis " التي تعمل على تلاحم العلامة أو الممثل والموضوع والمؤول "(18 ) بوصفها هنا علامات ستنطلق من رؤيا احتمالية نحو التحيين الفني ثم  ستتحقق جماليا عبر مؤولات جمالية يختتمها ، في كل مقطع ، مؤول نهائي ( مطر.... مطر.... مطر....) ..لتستحيل القصيدة موضوعات ديناميكية ...تصبح معها العلامة علامة مفتوحة .وليست علامة موضوع... لأن المطر  أضحى إوالية لاستيلاد موضوعات دينامية . مصدرها الماء بوصفه أيقونة تهب الحياة والموت في الآن نفسه.تقول ذات الحالة :

أتعلمين أي حزن يبعث المطر 

سيعشب العراق بالمطر ...

.. ذلك أننا نلمس آثار ذلك في مسار الحركة الدلالية القصيدة منذ الاستهلال... فبمجرد ما تحس ذات الحالة لحظة سعادة تباغتها لحظات تعاسة عبر بنية التناقض التي تطال حركة الحياة ، سواء عبر جوهرية الدلالة وثباتها عبر البنية الاسمية : "عيناك ... أوشرفتان .... أو من خلال نموها وتحولاتها عبر حركية الأفعال ... ترقص الأضواء / يرجه المجداف تبسم / تغرق  أقواس السحاب تشرب الغيم عوض سحبه لسقي الظمأى .... لذا ستنطلق ذات الحالة في توصيف هذه التجربة من البعد الاحتمالي للدلالة ، كما أحستها ، مخاضا بل رؤيا منفتحة على كينونتها الإنسانية .. تقول : " عيناك غابتا نخيل ساعة السحر "   


فعيناك .. 

بوصفها علامة أيقون ، وباحتلالها لبؤرة الانتشار الدلالي على مساحة القصيدة ، بحكم موقعها ، فإن الشبه أو الصورة الأيقونة ستكون منتزعة من مجموع القصيدة ككل . ف (عيناك ) لفظ  لا مشار إليه سوى الجنس ذات ( أنثى ) حيث تكون العين جزء من كل مؤشرا على صورتهاالكلية، المنتشرة على مسار القصيدة،  تتلون تبعا لتعدد التيمات ، أو قل هي اختزال لكينونة التجربة ، فلا نجد تشبيها يحضر على البديهة،  وإنما يتراءى لنا من خلال جسد القصيدة،  ونمو السيميوز،  صورة أنثى تتماهى مع الصور الأيقونية المبثوثة في  ( هوية الأم ..الأرض ..الوطن ..المطر .. الصياد ..البحر ).. أي كل ما تعلقت به روح الشاعر الظمأى إلى قيم إنسانية : الحنان .. العطف..الشفقة  والحرمان ، لأن هوية  المستعار والمستعار له لا تكمن ، هنا ، في التركيب نفسه( عيناك غابتا نخيل ) أو في صورة تشبيهية ما ، وإنما نتلمس آثارها،  من شيء مضاف ، يتشكل عبر نمو الدلالة... فالعينان في هذا المسار يعدان  مصدرا للحياة والموت والنور والظلمة ، منبعا لماء الفرح والحزن تأثرا بوقائع الحياة نفسها  وكذلك تيمة ( المطر ) ، ماء هطول من السماء، يتحكم في مسارات الحياة ،  يمنح بدروه الحياة والموت ، الخصب والقحط ، تسعد العين برؤيته لأنه مصدرة  نضرتها ،  وتشقى بغيابه ، فهو متحكم في تصريف مشيئتها، فوجه الشبه  أو الصورة الأيقونية ، سيتم بنيتنه عبر مسارات القصيدة ،  حينما يتم تمثل المتلقي لأيقونة أو صورة ذات الحالة، التي يتم انتزاعه ، طبعا ، من مسارات السيميوز ، جاعلا من نسق الطبيعة حياة ومن الحياة طبيعة...فالمطر حاز حكم  المتصرف في الأرض ، وفي مشئية البشر ، كما يشاء ، يمنح العين التي هي جزء كل، الخضرة والجفاف . لذا فكل من ال" عينان "  أو لنقل المخاطبة ... أصبحت علامة أدبية ملكا للخطاب .. استعارة للحياة الروحية ، المقدسة ، كما تمت استعارة  المطر لتيمة القدر، فكل العلامات في  هذه التجربة ، هي منتوج إحساس لا إحالة لها على الواقع المباشر ،لأن " الاستعارة عملية خلق جديد في اللغة ، ولغة داخل لغة ، فيما تقدمه من علاقات جديدة بين الكلمات ، وبها تحدث إذابة لعناصر الواقع لإعادة تركيبها من جديد " (19  )،  بخلاف ذات الحالة الشاعر ، الذي عاش التجربة الشاعرية، التي تمخضت عنها هذه القصيدة فاستحالت حالة شعورية تمتلك خصائص تميزها في التصور الشعري ، أو الإحساس الشعري ، ومن ثمة أصبحت العلامة. "عينان...." مؤشرا بفضل التجاور أو تضايفها مع كاف المخاطبة. ( 20 ) وبها اكتست حالة تحيين شعوري خام منفتح على كل الاحتمالات . غير أن الأمر سيزداد إبهاما مع التوصيف الأيقوني الموالي. حين تتم  احالتها على تيمات، أو موضوعات دينامية تنتظر بدورها علامات مؤولة.. مما يجعل السيميوز في حالة انفتاح على تعدد دلالي .. أسفر عن تحريك للموضوع الدينامي.. بعدما كان موضوعا مباشرا في انعزالية العلامة" عينا" عن أي سياق... وستدرج هذه العلامة ، بوصفها أحد ينابيع الماء،  تتعدد بتعدد الرؤى في أنساق مختلفة  (.. نسق الفضاء العلوي.. الغيوم.. السحاب .. الاقمار)  ..( نسق الفضاء السفلي البحر... الخليج... الأرض... 

لحظة تأمل....

نرى أن مسار المقطع الاستهلالي قد اعتمد على البعدين الزماني و المكاني الإيحائيين معا ، وفي تعالق مع حركة المطر ، المتخلقة عن رؤيا الأنثى ، ، يتناوبان على نسج توجهات هذه الرؤيا ، مما يؤشر على أن القصيدة ، تمثل موضوعا. ديناميا ، بوصفها تجربة تجمع بين العاطفي والمعرفي والاستشرافي.. والنبوءة الشعرية ، كما سنرى في تناولنا لباقي مقاطع التجربة .ولعل استناد الشاعر إلى الاستعارة  الطبيعية ، وإسراره على أنسنتها ، قد أعطى انسجاما لمقاطع التجربة ، وفي الوقت نفسه جعل الموضوع الدينامي الكلي ، يخلق مساره الجمالي الداخلي ...

يتبع ...

الدار البيضاء المغرب 

إحالات :


1) I.C.CORJAN:Le Triangle sémiotique de peirce et L’isotopie publicitaire . Université ‘Stefan cel Mare’ suceava.

 2) د.سعيد بنكراد : السيميائيات السردية ، مدخل نظري منشورات الزمن . 2001 . ص 42 .67. 132 .

3) David Svan : la sémiotique de C.S.Peirce  P 12 

نقطة وارجع 4) 

5) د. سعيد بنكراد : السيميائيات والتأويل . مدخل لسيميائيات ش.س. بيرس . المركز الثقافي العربي ص 

6) Umberto Eco:Lector in Fabula;le role du lecteur,p 282) 

7) أمبرتو إيكو  : العلامة ، تحليل المفهوم وتاريخه ، ترجمة سعيد بنكراد ص 49 .

8) أبو عمرو بن بحر الجاحظ : البيان والتبيين ج / الأول ص 295 .  

9) Robert Nicoli:Revue Signata. Dynamiques sémiotique et mise en signification .5

10) عبد الله إبراهيم : المتخيل السردي .المركز الثقافي العربي . الطبعة الأولى ، 1990 .ص 5 .

11) د.محمد فكري الجزاز : سيميوطيقا التشبيه ، من البلاغة إلى الشعرية .نفرو للنشر والتوزيع . ط ,أ, 2007 ص 98 ,

12) د . محمد زيدان :البنية السردية في النص الشعري . الهيئة العامة لقصور الثقافة . أغسطس 2004 .ص . 370 .

13) أمبرطو إيكو : الأثر المفتوح . ت . عبد الرحمان بو علي . دار الحوار للنشر والتوزيع . ط. ث. 2001 . ص . 16  17 . 

14 ) ابن منظور : لسان العرب , تحقيق نخبة . الناشر دار المعارف . ص 4422 . 

15)  Jean Janette : ibid. p : 2 

16) أ.ج. غريماس و جاك فونتنيي : سيميائيات الأهواء من حالات الأشياء إلى حالات الروح، ترجمة وتقديم ، سعيد بنكراد ، دار الكتاب الجديد المتحدة ، الطبعة الأولى مارس 2010. ص 54 .

17) جوزيف كورتيس : السيميائية السردية والخطابية . ت . د جمال حضري . مشورات الاختلاف ط. أ . 2007 . ص 81 .

(18) David Svan : la sémiotique de C.S.Peirce . P : 12 . 

19) د. يوسف : أبو العدوس : الاستعارة في النقد الأدبي الحديث ، الأبعاد المعرفية والجمالية . الأهلية للنشر والتوزيع . ط . أ . 1997 . ص . 99 .

20 ) عبد القاهر الجرجاني : دلائل الإعجاز . تحيق القول في البلاغة والفصاحة وأنها للمعنى لا للفظ . ص 44 .