عاصفة / رحال لحسيني



لا زال يمشي تائها يبحث عن مخبإ يحمل ما تبقى من روحه تحت وجع القصف. طائرات تحوم فوق شظايا إخوته، صواريخ تأتي مسرعة ولا تعود.

امرأة تنوء من جرح في الذاكرة، لا تستطيع التمييز بين غبار يتطاير فوق رأسه الصغير وشاشات تستغيث من وقع أضواء مشاهد مفبركة.

في الوجهة الأخرى، طفل لا يشبه صورته.

يمشي زاحفا، يبحث عن حضن آمن.



شُعباذا الزمن الميّت/ فراس حج محمد

 


الطقس الأول

1

"إسرائيل"

لا تكفّ عن العبث

ونحن لا نكفّ عن الهذيانْ

"إسرائيل" اسم مسطّح من أباطيلِ سلاحٍ

وبراطيل عربْ

وبراميلِ سرابْ

2

"إسرائيل" خريطة الماء المعكّر بالطين الأسودِ

في دماء بلاد القمرْ

تمشي على الرؤوس المدبّبةْ

في دبّابة صنعت في بلاد الغربْ

بدماء العرب الكُسالى 

الحالمين بوردتين وامرأة شقراءَ

لم تكن بكراً وطاهرة بتاتاً

3

"إسرائيل" تكسر اللحن هنا في القصيدةِ

وعلى الأرضِ 

وعلى جذوع الشجرْ

"إسرائيل" مَتْرَبة الشاردين نحو العتمة الكبرى 

في الأنفاقِ...

تحت الأرضْ

لم تكن يوماً أثريّةً ووسيمة

كي تمارس غنجها السافل معْنا

فلتتكسّر الألحان يا امرأة يهوديّة

4

"إسرائيل" أختٌ عاقرةْ

كمدينة فتحت مسارب فخذيها 

لتُدخل كلّ السارقين الخائنين 

فتحتها النتنةْ

عاهرة الدولْ

وخائنة الصور

وعقيمة الحروف الأبجديّةْ

5

"إسرائيل" شقّ البلاد المائلةْ

في احتضار الوقت تنبت كالطحالبِ

في قاع المحيطْ

أو في قنّة الصخر الصغيرةْ

تجتازها الفرس المطهّمة الأصيلةْ

وتذبّ فيها ذبابةٌ لصقت بآخرة الذنَبْ

"إسرائيل" فاجرة النسبْ


الطقس الثاني

1

من يحم "إسرائيل" خانْ

من يحم "إسرائيل" هانْ

من يحم "إسرائيل" ماتت

في عروق دمائه

تلك الشهامةُ من عصور الافتتانْ

2

من يكتب الأشعار في الغزل الغريبِ

خان الأمانة واستكانْ

إن لم يكن غزلاً عنيفاً في البطولةِ

لن يكون له مكانْ

3

من هادن اللغة القويّةَ وانتمى للوهم

عاشت فرائصه يهدهدها الرهانْ

من نقّب الأشواك عن جسد القصيدةِ

قلَّم الأنفاسَ

بال في سرداب أوهام المجونِ

سُرَّ به الهوانْ

4

من لم يقاتل باللغاتِ،

وبالسلاحِ،

وبالمتاحِ،

وبالجروحِ

غرّ به اللسانْ

من لم يباغت سطوة الأشرار بالشرّ القراحِ

وصادق السيف الصقيلَ

تناوشته اليومَ آلافُ السنانْ

5

من لم يمت بكرامة الأحرارِ

سطّر الأمجاد 

يشمخ في الأعالي

عابثه البيانْ

من شدّ حبّة قلبه

وسرى بدرب مغلقٍ

ران الفؤادَ نفاقُه

وهام يبحث عن أمانْ

6

من لم يكن مثل الصقورِ

أو النسورِ

أو العقابْ

صار كدودة الأرض الجريحةِ

ديس بكلّ آنْ

7

من لم يكن هدّامَ "إسرائيلَ"

ماتت رجولته 

وذابَ في عرْقٍ جبانْ

يا ويله خسر الشهامةَ، والمهابةَ، والعرامةَ

والفحولةُ

يا لها ضاعت بلا ثمنٍ

ولم يربح دماثة أخلاق الحسانْ


كُنْ هكذا أولاتُصـافِحْنــي/ حســين حســن التلســيني



كُنْ هكذا أولاتُصـافِحْنــي 

كُنْ ورقــةً حَمْــراءَ  مُلتَـهِبَـــةً كالجَمْـرِ 

من غَـضَــــبِ الجَذْرِ 

ولاتـكنْ ورقــةً يابِسَـــةً 

تَـيَـبُّـسَ الصَّـخْـــــرِ 

تأخذُهـــا الرِّيـحُ أينمـــا تُـريــدُ وتَـشْــــتَـهي 

كُـنْ مِجْدَافــاً أوزَوْرَقــــاً وَسَـــط النَّهْـــرِ 

كُنْ شَـجَــرَةً إذا احتَــرَقَتْ أحْرَقَـتْ 

كُنْ وَفِــيَّ الوَتِـيـــــــنِ دومــاً للفــؤادِ 

ولاتكُنْ جُمْجُمَــــةً مُطْفَــــــــــأةَ الحَرْفِ 

كن هكذا أو لا لا لاتُصافحْني 

******* 

قَهْقِــــهْ بِوَجْـــــهِ الشَّـــــــــرِّ 

أوِ ابْــكِ 

ولكن بُكـــــــــاءَ الغَـضَـبِ 

ولاتَـخْـجَــلْ فحتـى عُيُـــــــونَ الصَّخْرِ تَبْكي 

******** 

تَحَـزَّمْ 

قَـبـِّلْ جَبِـيـــنَ النـــــــارِ 

وَطَلْعَـــــةَ الحَرْفِ  

لاتَصْمُتْ فهذا ليسَ زَمنُ الصَّمْـتِ 

لاتَـتَـفَـرَّجْ فهذا ليسَ زَمَنُ التَّـفَـرُّجِ 

******* 

قَـبِّــلْ وَجْــهَ ســاقِيَــــــــةِ الدَّمِ 

عـانِـــقْ شَـــريطَ نـــارِ الألَـمِ 

وكُنْ شــاعــراً أو ناثِـــــــراً 

أوثـائـِــــراً  أوشـــهيـــــداً 

رُوحُـهُ حَوْلَ قُـرْصِ الشـمـسِ 

قَـوْسَ قُـزَحٍ قـــدِ اســتَـقَــرَّ 

ولاتكُـنْ قِـيــثـــارَةً مُنْـقَـطِعَـةَ النَّغَـمِ والوَتَـــرِ 

كُنْ هكذا أولا لا لاتُصافِحْني

 (*) حســين حســن التلســيني

homeless.h@yahoo.com

الفلسطينيون في اسرائيل، بين صمت "مثالي" وخوف عاقل/ جواد بولس



"سهير ليالي وياما لفيت وطفت، وف ليلة راجع في الضلام شفت، الخوف..كأنه كلب سد الطريق، وكنت عاوز أقتله،  بس خفت ! عجبي"

صلاح جاهين 

لم تصحُ اسرائيل بعد من صدمتها المرعبة؛ ففي جميع حروبها السابقة ومعاركها ضد العرب عامة والفلسطينيين على وجه الخصوص، لم تتلقّ مثل هذه الصفعة، لا من حيث مؤثراتها التقنية، وبالطبع لا من حيث نتائجها الكارثية، سواء في عدد الضحايا الذين سقطوا في يوم واحد أو في عدد الأسرى؛ وكذلك بما قوّضته من مسلّمات كان المجتمع الاسرائيلي يعيش في ظلّها آمنًا ومؤمنًا وضامنًا رزقه في الجنتين، تلك التي يتحكم فيها على الأرض والأخرى التي تنتظر حكم الشعب المختار في السماء.   

استحضر معظم المحللين والمعقبين أحداث حرب أكتوبر عام 1973 مع المصريين ليقارنوها بعملية اقتحام الجدار الفاصل بين غزة واسرائيل في صباح السابع من اكتوبر الفائت، لا سيما من خلال التشديد على عنصرَي إحكام المفاجئة والقدرات العسكرية التي مكنت المصريين في حينه من عبور قناة السويس وخط دفاع "بار ليف"، ومكنت عناصر حركة حماس مؤخرا من اقتحام الجدار وتعطيل جميع وسائل الانذار الاسرائيلية.  

لا يخطيء من يجري تلك المقارنة؛ بيد أن الفوارق بين سياقي الحدثين التاريخيين جوهرية وكبيرة، وكذلك هي تداعيات كل حرب منهما وتأثيرها على هندسة العلاقات الاستراتيجية بين الاطراف المشتبكة: أي بين مصر واسرائيل بعد عام 1973 حين افضت المفاوضات الى انهاء حالة الحرب بين الدولتين وتوقيع معاهدة سلام بين اسرائيل ومصر؛ بينما قد تفضي غزوة حماس 2023 على اسرائيل الى حسم طبيعة العلاقة بينها وبين الفلسطينيين ،كل الفلسطينيين، ونقلها من حالة "اللا -حرب ،اللا- سلام" أو  "اللا-احتلال،اللا-استقلال"  او" اللا- انفكاك، اللا- حصار"  واعادتها الى مربعها الأول، الى حالة الصراع الوجودي. 

مَن تابع ما كتب في الاعلام العبري خلال الاسابيع الثلاثة الماضية لاحظ كيف تنهار بين اليهود الاسرائيليين كل المفاهيم السائدة حول عناصر قوة دولة اسرائيل وبعضها كان في منزلة البديهيات فوق الطبيعية أو العقائد المقدسة؛ ومن بينها ثقة المواطنين العمياء بقدرات أجهزة المخابرات والاستخبارات على جمع المعلومات من كل موقع في العالم، وتحليلها وتوظيفها في الدفاع عن اسرائيل؛ وكذلك ثقتهم بقوة جيشهم وبقدرته على الانتصار في كل الحروب وجهوزيته لسحق جميع الاعداء مهما تعددت جبهات القتال. ان فقدان هذه الثقات ادخل جميع المواطنين اليهود في حالة من الهلع المرضي الشديد، الذي سلبهم القدرة على التفكير بعقلانية وبمنطق انساني، فقرروا القضاء على عدوّهم غير آبهين الى انهم تحولوا الى روبوتات وحشية لا تتقن غير التدمير والحرق والقتل. 

لم تسقط هذه المفاهيم الجوهرية التي بنى عليها المواطن الاسرائيلي عقده الاجتماعي مع الدولة وحسب، بل تبعها ايمان اوساط واسعه من الشعب بأن هجمة حماس عليهم في بيوتهم وقتلهم لمئات المدنيين، بمن فيهم الشيوخ والشباب والاطفال، وأسر آخرين مثلهم، أعادتْهم الى نقطة الصراع الاولى؛ ولسان حالهم يقول: إما نحن وإما هم. ولا تقتصر هذه القناعة على فئة معينة من بين المواطنين، بل سنجدها منتشرة بين النخب الاكاديمية والعسكريين والسياسيين من جميع الاحزاب وبين قطاعات واسعة، الى جانب الاوساط الشعبوية المعروفة. 

لا اعرف كيف ستتطور هذه العقيدة الجديدة والى اين ستفضي من حيث المواجهة مع الفلسطينيين في الاراضي المحتلة؛ فجميع من يدعم اليوم هذا العدوان الدموي المنفلت على المدنيين في غزة، يتبنونها وبطبيعة الحال سوف يعملون وفقها من اجل حماية دولتهم وتامين أمن مواطنيها اليهود وليس أمن جميع مواطنيها؛ فنحن، المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل، معرضون بعد هذه الغزوة، لخسارة "حصانتنا"، ولاهتزاز مكانتنا التي كانت ثابتة بحكم مواطنتنا وبحماية هويتنا القائمة بتوازن واع على مركّبي "الوطنية والمواطنة"، ضمن معادلة ورثناها، عن آبائنا والبنائين الأوائل، فعشنا وفقها بكرامة وبسلام، وحافظنا عليها بحرص وبحكمة وبمسؤولية.  

ما أشبه هذه الايام بتلك الايام العصيبة.   

لقد نفذت حماس هجومها الدموي بينما كان المجتمع الاسرائيلي يعيش حالة من الصراع الحاد بين معسكر يقوده نتنياهو وحزبه وحلفاؤهم من الاحزاب اليمينية والدينية القومية المتزمتة، وبين معسكر تقوده جميع التيارات التي عارضت مخطط نتنياهو في القضاء على مؤسسات الدولة التقليدية بما فيها منظومة القضاء وفي طليعتها المحكمة العليا الاسرائيلية. لم يُدرج شعارا انهاء الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية وحل الدولتين، ضمن شعارات المحتجين، ولكن، على الرغم من غيابهما عن اليافطات المركزية، حلت محلهما مظاهر ونقاشات لافتة أخرى لم نكن نراها ولا نسمعها في الماضي لانها كانت محض تابوهات اسرائيلية لا تمس. سنجد بين تلك النقاشات مثلا النقاش حول مكانة الجيش وحق/واجب افراده وقادته المشاركين بالاحتجاجات وبعصيان اوامر حكومة نتنياهو؛ أو النقاش حول دور أجهزة الأمن وقادتها وواجبهم في الدفاع عن الديمقراطية ووقوفهم في وجه الديكتاتورية والفاشية؛ أو ازدياد المعارضة العلمانية لمخطط اخضاع الدولة لاحكام الشريعة اليهودية، كما كانت تسعى حكومة نتنياهو ، قبل وقوع الكارثة في السابع من اكتوبر.

لم يعد أحد في هذه الايام داخل اسرائيل يتحدث عن الديمقراطية ولا عمّن حاولوا الانقلاب على نظام حكمها وسبيها. وأصبح كلام المواطن العربي في اسرائيل ممنوعاً حتى اذا كان عن نرجسة ذبحها سياف الدهور وهي نائمة في حضن الفجر او عن فتاة شقية قتلت لان اسمها كان حرّية. وصار حتى التنفس في الليل مخيفًا  كهسيس الجان؛ وذرف الدموع يعد من الكبائر والتراتيل محظورة الا اذا قيلت في امتداح الكراهية والانتقام، أو خلال الصلاة من اجل  "الدولة العظمى" التي لا تقهر كي تستعيد هيبتها وسيفها وهيكلها ومذبحها. 

ولدت بعد النكبة بثمانية أعوام وسمعت، مثل ابناء جيلي، قصصها من اسلافي. كانت قصصا عن الخوف وعن الفقر، وعن الحقل وعن العزة والمحجر، وكانت عن المعلم  وعن العكاز وعن الشيخ والحجر. وعن انتظار عطف السماء الذي لم يصل. وكانت ايضا قصصا عن كرامة التراب وعن رائحة الارض في ليل كان يغمره الندى. وقصصا عن هزائم وجرح غائر، لكنها انتهت؛ ومضى الذين بقوا في حضنها فربوا زغب الحياة حتى كبرت وصارت الف الف صبح وشمس ووصايا ثائر.  صرنا شعبًا من الفَراش نقف، منذ ولادة الضوء والخوف، على الريح، وننام على كتف نجمة. نمنا وأفقنا في السابع من اكتوبر الفائت، لأن قائدًا حالمًا قرر الزحف على نهارنا بعربات النار ، وفي حلوقنا طعم الكابوس والخوف.

منذ انتخابات الكنيست الاخيره كنا نرى كيف بدأت تستعيد قطاعات واسعه من شعب اسرائيل ذاكرة التاريخ وتصحو من سكرها، حتى غزاها من غزة الرصاص والموت، فاختارت مرة اخرى اغواءات الدم والسجود مجددا على اعتاب مملكة من كبريت واعمدة المشانق. كنا نأمل أن نرى إسرائيل الاخرى الدولة غير العظمى ولا المحتلة ولكننا اليوم ،بعد ان اغمي على قلب السماء، لن نراها بل سنرى شوارعها القاحلة الباردة وقد هجرها الامل واستوطن في جنباتها صيادو الارواح.

احكي عن النكبة التي كانت وعن تاريخنا الغائب الحاضر، وكيف نجح اهلونا بامتصاص علقمها والعبور عن الغامها خفافًا والوصول نحو رأس الحكمة بذكاء نبع؛ احكي عنها في هذا المقام لأننا اليوم مهددون بنكبة جديدة، فمن  يرغب منا "أن يكون مواطنا اسرائيليا، اهلا وسهلا، ومن يريد التعاطف مع غزة فهو مدعو. سأضعهم انا على متن حافلات تنقلهم الى هناك الان". والكلام لمفتش الشرطة العام ، الذي استدرك لاحقا وصرّح على الملأ وقال: "سلوك العرب في اسرائيل مثالي. لا يريد أي واحد منهم الاخلال بالنظام العام". كلامه صحيح ودقيق، لكننا في الواقع نواجه مأزقًا لم نكن نريده لانفسنا.  فاسرائيل تعتبر حربها مع حماس  حربا وجودية مع جميع الفلسطينيين ومع قسم كبير من المسلمين، وتعتبرنا ضمنا جزءا من هذا المعسكر،  وحماس تعتبر حربها على اسرائيل حربا وجودية كذلك وتحسبنا علنًا وخطأً على معسكرها. هكذا وجدنا انفسنا، من دون ان نسأل وضد ارادتنا، في مأزق خطير قد ندفع ثمنه في الاسابيع القريبة القادمة؛ مع ان البعض بدأ بدفع الثمن واقصد كل من لوحق واعتقل وطرد من عمله من قبل الرقابة الاسرائيلية بسبب كلمة كتبها او "بوست" نشره او صورة علقها، حتى لو كانت من سنين ولا علاقة لها بما حدث لاحقا.     

لقد عانينا في الماضي من جراء اعتبارنا من قبل بعض قادة اسرائيل اعداءً للدولة وقد بنيت سياساتهم تجاهنا بناءً على هذه الفرضية، الا ان موقف الدولة الرسمي عرّفنا كمواطنين عاديين وعاملنا بمعايير قانونية كانت  "لزجة" احيانًا وملتبسة احيانا ولكنها كانت ذات حدود ومستقرة. كنا نواجه منزلقًا قبل غزوة حماس لكنه صار مأزقا اخطر بعدها. كنا واعين لخطورة الموقف وما زلنا واعين لخطورته كما يظهر في صمتنا القلق "والمثالي".

 انها مرحلة حرجة تمر فيها منطقتنا ونحتاج فيها للصمت اذ قد يكون مثاليًا كما وصف، لكن بعضنا يسمونه خوفا وأخرون يسمونه نضوجًا وحكمة.

 اننا، كما تعلمون، أحفاد النكبة، ونحب الحياة ومن يحبونها؛ وقد رضعنا العبرة من صدور امهاتنا ومن دروس الأوائل, وان غابت عنكم هذه فاسألوا عنها أصحاب "المتشائل".

نحن في مأزق لم نختره أصلا؛ ونغضب على من كانوا السبب لأننا نكره القتل ونحب أطفال العالم اجمع، ولاننا نكره الخوف لكننا نخاف منه تماما كما يشعر كل عاقل.   

لهب الكلام/ غسان م منجد



يعمر حصادي وأستعمر الغيم 

أفترش أسرّة ذاكرى 

وينام النسيان في سراويلي 

ألجرأة في الابتكار 

فأين الطريق اليه 

تذهب أيامي المتآكلة

وتأتي طفولة ربيعي 

وردة تقف على عتبة داري 

وتوشوش نثر عالمي 

صمت 

لهب كلام 

ورماد يسكب من عنقه صدأه 

الاعجاز في تقلّب زمن مبتور الاعضاء فوق الحداثة 

والوقوف على ابوابه الانائمه

إنه الزمن الذي يدور ويدور 

وتطنّ حوله ذبابات نسيان 

نلتقط فتات زمن ينتظر وقوفنا على 

درج مستقبل أفضل 

لنكن في مستوى الكلمات التي يتسولها فضاءنا 

ويحتضن لهب شموعنا 

هل يغرق زمننا في لجّة اللهب 

ويضع قدميه المغطاة بالغيم في خصر رياحه 

نحمل بين أكماننا وصدورنا ورود عالم 

حضن بيوض نجومنا وذهب برفقة زبد 

إتكىءعلى صدره 

في تاريخنا رايات مرفوعة تمطر دماً

فأحذروا من كسر حنجرته ومزاميره التي 

وُلدت من أحضان نيرانه الخفاقه 

هل يكتب التاريخ نفسه بأبجدية حريته 

ولا يأبه لعصر الخذلان الذي أُحدودب ظهره 

وأصبح معدني العقل 

ما قبلَ الموت/ د. عدنان الظاهر

 


 

1ـ كشفُ الغيب

( لا تكشفْ سرّا. ما جدوى أنْ تكشفَ سرّا ؟. )

الشمسُ على بحرِ الشامِ هديرُ

 أفيهدأُ في بحرٍ مدُّ

وقلوعُ سفائنَ كنعانَ توابيتٌ للغرقى ؟

ما زلتُ أُقاومُ صوتَ الصرخةِ أياً ما كانتْ 

التوبةُ إنذارُ

ـ ممَّ يتوبُ الراهبُ والمُختارُـ ؟

لا تحملْ فأساً للثارِ

إحملْ كأسا

لا تنقلْ يمناكَ لأخرى

اللونُ الأقسى تهريجُ الفِرقةِ في السوقِ

هل عافاكَ الطبُّ

هل قوّمَ هيكلَكَ العظميَ وقوفا

لا تحزنْ ... الحزنُ طويلٌ كالظلِّ الممدودِ

الحزنُ خُلاصةُ عصفِ القادمِ والماضي

قالت " صَمْداً صمْدا "

لا تتهالكْ أنتَ الأقوى

كنتَ وما زلتَ الأنقى والأصفى  

تلتقطُ الجمرةَ والحبّةَ من زهرةِ عينِ الشمسِ

تسألُ ما جدوى أنْ أتفحّصَ تأريخَ الإنسانِ

أتقلبَ صفحةَ مأساةِ الجُرحِ الدامي

ما دامَ الأبدُ الضاربُ يبقى أزلاً كالسكّةِ مضروبا 

الأفضلُ أنْ تبقى 

ما كنتَ وما كان الطائشُ مجهولا

دعْ هذا الزمنَ المتلوّنَ يمضي ملويّا

يرطنُ لهجاتٍ شتَى

يرسمُ لوحاتٍ غامضةَ الجوهرِ والمظهرِ والمعنى

لا تبقَ على السطحِ طويلاً مشلولا

الجُرعةُ أكبرُ مما فيكَ وللشرفةِ أحكامُ

2ـ (مثلُكَ لا يموتُ / كاسترو)

قالوا ما قالوا

قالوا جفَّ البحرُ وغادرَ خلجانَ الكاريبي

أضربتُ وأضرمتُ النارَ فطارَ صوابي

الضاربُ والمضروبُ سواءُ

مُزدَوجٌ تخنقهُ شاراتٌ صمّاءُ

ماذا تنتظرُ الخيلُ السودُ ؟

شاخَ الجملُ الأشقرُ إذْ جفَّ الماءُ 

الماءُ صفيرُ

الطُرقُ المُثلى ضاعتْ

بدّلت الآثارَ جميعا

لم تحفلْ بالعُقبى

لم تندمْ

لم تستقبلْ شمساً أو عيدا

لم تُشركْ أحداً في حفلٍ أو عرسِ

الطرقُ الأخرى سُدّتْ

نطقتْ ثم انفجرتْ

فتفحّمَ رأسٌ يتدلّى مشنوقا

الهوسُ الباقي حفنةُ رملٍ في كأسِ

محفوفٌ برمادِ التفجيراتِ

حيثُ الخطرُ الأكبرُ لم يأتِ بعدُ

ينتظرُ الزمنَ الأنسبَ قبلَ فواتِ الوقتِ

لا يدري أنَّ المركبَ معطوبٌ مثقوبُ

هل يجنحُ للساحلِ معصوبَ العينينِ ؟

3ـ التصفيق

كيف أُصفّقُ للرائحِ والغادي

وأرشُّ الماءَ بعتبةِ داري

هل حتفي خنجرُ جزارِ ؟

لا ...

كلاّ ...

أنا مَنْ قيّمَ أقدارَ الجُلاّسِ

الكأسُ كؤوسٌ شتّى

تتفاوتُ لوناً أو فعلاً أو وزنا

فارهنْ نفسكَ للصوتِ المكبوتِ

لا تحزنْ

لا تيأسْ

 الحزنُ اليائسُ محكومٌ بالعزلِ

الدارُ الأولُ والآخرُ تأريخٌ مأهولُ

قفْ !

إنكَ في ساحةِ إنذارِ

في منطقةٍ لا يدخلُ فيها إلاّ المجنونُ المخبولُ

فتخيّرْ بين الموتِ جزافاً

والموتِ بإطلاقةِ جنديٍّ مخمورِ

الموتُ هو الموتُ

والجندُ سواءُ 

عينُكَ كحلٌ في الليلِ وأصداءُ

تنتظرُ الآتي هل يأتي

الموتُ قريبُ

الموتُ قريبٌ جدّاً

دعهُ ...

الكائنُ لا بدَّ يكونُ

هل أستسلمُ أمْ أبقى خارجَ تغريدِ السربِ ؟

" اللهُ أكبرُ لا تكفي "

لا تروي ظمآنا

لا تُشفي جُرحا

هل أندمُ أم أعلنُ إفلاسي ؟

التيهُ ينظّمُ أسفاري شرقاً غربا

حيثُ النازفُ يبقى نزفاً منزوفا

عرباتٍ تسحبها قضبانُ

يسألُ يستنكرُ قصفَ الرعدِ

الأمّةُ فوضى

صخبٌ يرتدُّ

قاصيها دانيها

سَفَرٌ يتأجّلُ جيلاً جيلا

في البرزخِ بين الصحوة والنومِ

فرّقنا حولاً حولا

لا أخشاهُ

لا أخشى عدواهُ

أيّاً ما كانتْ بلواهُ

لكني أخشى فقداني في عزِّ هواهُ

أخشى الضجّةَ في السطحِ العالي

حيثُ الأرضُ تدورُ

مثلَ اللولبِ في أجسادِ الموتى

تركونا نبكي

نطلبُ نجواهمْ

ونزورُ شواهدَ مثواهمْ

أُفٍّ يا ليلُ !

4 ـ حصارُ الأحزان

الصوتُ الأعلى يبقى صوتاً عُلويّا

يتحدى ويُحاصرُ أحزاني 

من شرقِ الجبِّ القطبيِّ لأخرِ بئرٍ في الدنيا

هل يتمددُ ناقوسُ الحظِّ المتعثرِ بين خطوطِ الكفِ اليسرى واليمنى

أو يتشكّى مُحتجّا

مما يجري للناسِ زمانَ مناسكِ صكِّ الغُفرانِ

 يتحدونَ الخطَّ الأقصى

أحمرَ لونا

حتى في موجِ بحارِ الظُلُماتِ

لا ندري كيفَ تُحاصرنا آمالٌ لا ريبةَ فيها

تأتينا فجرا

تسألُ عنّا

تُطلقُ صفاراتِ الإنذارِ

الموتُ يحاصرنا أشباحا

في عزِّ النارِ وبردِ صقيعِ الأقطابِ

لا مهربَ منهُ

لا الطبُ يُخففُ لا مِشرطُ جرّاحِ

إخترْ موتكَ قبلَ صياحِ الديكِ الغجريِّ الفجري...

رحلوا 

ماذا تركوا من بعد الترحالِ

تركوا ذكرى

تنعقُ فيها غربانُ اللوعةِ والشؤمِ

وفراغاً لا يفهمني

لا أسمعُ فيهِ صوتا

سدّوا الأبوابَ وناموا .

5 ـ هل مات كلكامش ؟

هل كُتبَ الموتُ على كلكامشَ أيضا 

أمْ أنَّ الطاغوتَ استثناءُ 

وقرارُ الموتِ قرارٌ فضفاضُ

يأتي أو لا يأتي شأنٌ ثانِ

لا يخشاهُ الطاغوتُ ولا يبحثُ عن حلِّ

الموتُ فِرارُ

هل أكسرُ شوكته أمْ أكسرُ مرآتي

لا أكسرُ شيئا

لا مرآةً لا أنفا

فيها أسلافٌ غابوا 

ما زالوا أحياءَ

صعدوا لكني لم أصعدْ

فضّلتُ الهجعةَ في طاحونِ الدارِ

فضّلتُ الظُلمةَ في النارِ

لا أفقهُ ما يجري من حولي

مُحتارٌ جدّاً في أمري

ماذا سأقولُ لأهلٍ عبروا قبلي

تركوني في الدنيا مقصوصَ الأصلِ

مكسورَ الخاطرِ والعلّةُ في صدري

طعمُ الغيبةِ مُرٌّ مُرُّ

واصلْ كابوسَ الموتى

الموتُ ثقيلُ

يحملُ لي أخبارَ الأهلِ

يُنسيني دمعةَ مَنْ غابوا

تركوا جُرحاً مفتوحا

تركوا ذكرى

إنهضْ واحملْ تابوتكَ فوقَ الأكتافِ.

6 ـ الآتي

لي فيهِ شأنٌ ثانٍ

شارِكني فيهِ أو دَعْهُ 

ينتظرُ الفجرَ الآتي قبلَ الفجرِ

يوماً يوماً ... ساعاً ساعا

يتقلّبُ فوقَ سرير الحُمّى 

يُحصي ما لا يُحصى عدّا

ينتظرُ المجهولَ الآتي .. قد يأتي

الصوتُ قريبٌ

أدنى ممّا بين القوسين

فتمهلْ لا تستعجلْ

لا تذرفْ دمعا

الآتي يأتي حتما

مهما كان الخطبُ كبيرا

أَنزلْ صورَ الموتى

الحائطُ لا يكفي

يتكلّمُ لا يبكي

لا يقرأُ فاتحةً أو يحفرُ قبرا

لا يشهدُ أنَّ الموتَ رهيبٌ حقّا

أنزلها 

جدّدْ أُطُراً صدئتْ حالت لونا

7 ـ الصور والرؤيا

جُدرانُ البيتِ متاحفُ لوحاتِ الأقدارِ

تتكاثرُ عاماً عاما

فيها مَنْ فيها

أحسبهمْ أيقاظاً أحياءَ

خبّرني :

أفلمْ أبلغْ شأوي حُرّا

أتناسى .. أسلو .. ألهو .. أتغاضى

أكتمُ أنفاسي

لا أخشى إعياءَ

الصوتُ الصِرفُ قنابلُ تفجيرِ الإرهابِ

في الظلمةِ أقوى أضعافا

أكشفهُ وأُغطي أطرافي

فإلامَ أُقاسي

وأظلُّ أُقاسي حتّى تتقطعَ أنفاسي

سلّمتُ أموري للقاصي والداني

للقابضِ مفتاحَ الريحِ وفردوسِ الأرواحِ

أنْ يرحمَ داراً جمعتهمْ يوماً أحياءَ

ضربتْ كفّاً فيها أعلاهمْ شأنا

صر ختْ ( ما هذي الفوضى ) ؟

شافتْ رؤيا

ما أقساها من رؤيا

في تلكَ الليلةِ ماتت أُمّي

هذا تأويلِ الرؤيا !  

8 ـ ما بعد الموت

( لا أرفعُ صوتا )

( لا أنطقُ حرفا )

 ( لا أذرفُ دمعا )

( جدرانُ الدارِ تُفسّرُ أحوالي ) 

هَبْ أني

أكملتُ نِصابَ فروضِ مداراتِ الميزانِ

هل أنزلُ فيها أمْ ينزلُ فيها غيري

القبوُ المحفورُ ملاذُ أمانٍ

وعقاربُ شاراتِ الزمنِ المتحكّمِ في ساعاتِ الحيطانِ

هل أرفضها أو أُلقي أسلحتي وأُكسّرُ أقلامي 

أحرقُ سقفاً لا يحميني

أمْ أُصغي للصوتِ الغارقِ في النومِ ؟

ضاعتْ واأسفا ضاعتْ

تركتني أتخبّطُ عشوائيّا

أقضي وقتي في سالفِ ذكراها

أدمنتُ الذكرى حتّى صارتْ أقوى منّي !

 9 ـ النكبة الأولى

ضحّتْ من أجلي

حملتْ أتعابَ الدنيا

زارتني في شتى حالات الدنيا طقساً طقسا

كانت أمّاً ـ ربّا

جئتُ الدنيا مولودا

أُمّي : هل من لقيا ؟

غادرت الدنيا في أحضاني

لم تنطقْ حرفا

لم تفتحْ عيناً أو جفنا

لم تطلبْ شيئا

رحلت أمّي في المستشفى 

10 ـ النكبة الثانية

يرتادُ المقهى

شيخٌ ـ شّبحٌ خانَ وغادرَ مأواهُ

هل أشكوهُ أمْ أشكو منهُ

هل يُجدي أنْ أشكو

تُخفي الظُلمةُ ما لا يُحصى

أخشاها

أتكلّمُ لا أسمعُ نجواها 

فيها أحبابٌ غابوا

كانوا في الأوجِ تحيةً وسلاما

أتمنى رؤياهم أمواتاً ـ أحياءَ

الموتُ غيابٌ موقوتٌ

مرحلةٌ فيها يرتاحُ الإنسانُ . 

لو.. كان / رحال لحسيني



لو كان لنا صوت يُسمع

من وجع الآلام 

وسقام الظلام

ما تلاشى جسد "طبيب"،

ولا فاض فؤاد "ممرض"،

ولا سافر دماغ "مسعف"

وتدحرج سرير "مريض" 

تحت ركام الحطام.


ولا اختفى صراخ رضيع في مخدع

ولا فر طفل من محفظته

ولا تاه شيخ جليل من لحيته

ولا هلّ هواء عليل على رئتي الحرية

ولا طاف دمع كثيف في دروب الأبدية.


ولا ناحت، ولا هاجت روح أم تضع

ولا أضاء جرح "مشفى"،

ولا ذبل ورد منفى

ولا نام ضمير العالم 

فوق فوهة مدفع.


ولا ناء هدير موت عظيم

تحت بساط هوان يلسع

كعقرب دامٍ لا يشبع،

كلما خجلت ظلاله منّا، 

تفضحه جوانحه، 

فيخضع

تحت أقدام مجدٍ يسطع.


يرفع رايات حياة 

لا تخدع ولا تدمع

وبهاء أمنيات نافرات 

لزمن آت... 

لا يستكين ولا يركع.


شَعبُ الصُّمُود: بركان الأقصى/ الدكتور حاتم جوعيه



شَعْبَ  الصُّمود  تحِيَّةٌ   وَسَلامُ         عَجِزَ  البَيانُ   وَحَارتِ  الأقلامُ 

يا  أيُّهَا  الشَّعبُ المُبَجَّلُ  ذكرُهُ          بكَ  والكفاح ِ   تُؤَرَّخُ  الأعوامُ 

حَيُّوا  الشَّهيدَ   مَآثِرًا   وَمَناقبًا          تُحْنَى الرُّؤوسُ وَتخشعُ الأفهامُ 

يا أيُّهَا  الطّودُ الذي هَزَمَ الرَّدَى        شَهِدَتْ  لهُ  طولَ  المَدَى الأيَّامُ 

خُضْتَ الحياةَ  مُكافحًا وَمُناضلاً       وَسَقاكَ  من كأسِ  الحياةِ  زُؤَامُ

ما لانَ جَذعُكَ، بالثَّرَى مُتَشَبِّثٌ         ما  هانَ  عزمُكَ   دائمًا   مقدامُ  

وَطريقُنا  وَعْرٌ  نَشُقُّ   صعابَهُ         وَشِعارُنا  صرحُ  السَّلام ِ مَرَامُ  

وَطريقُنا  أمَمٌ    تلوكُ   قيُودَها         وَغدًا   تُحَرَّرُ .. يرحلُ  الظُّلّامُ 

يا   أهلَنا   في  الضّفَّةِ   الثّكلى   وَغزَّةَ   هاشم ٍ  قلبي   هُناكَ  ضِرَامُ 

اليومُ  يومُ الثَّائرينَ على الأذى        نُعلي الجبينَ .. وَ تُرْفَعُ  الأعلامُ 

اليوم  جئتُ  مُعَانقا  أمل  الأحبَّةِ ..    تحتَ   نعلي    القيدُ    والحُكَّامُ  

هذا  الطّريقُ  يظلُّ  أنْبَلَ  غايةٍ        دربُ  النّضالِ   تعاضُدٌ   وَوِئامُ   

مَنْ مُبلِغُ الفاشِستَ أنَّ مَصِيرَهُمْ       عَفِنٌ .. وتاريخُ   الطّغاةِ   ظلامُ 

فَلْيَعلَم ِ  المُحتلُّ   سَوفَ   نُحيلُهُ        خَبَرًا    غدًا ،  وَمآلُهُ    لَحُطَامُ 

زَعَمُوا التَّفاوضَ يُرجِعُ الحقَّ الذي        قتلوهُ  جَهرًا .. بل  يكونُ  سلامُ 

قد  رَوَّجَتْ لهُ  بعضُ..بعضُ قيادةٍ          بِوَدَاعَةٍ       وَكأنَّهَا        أنعامُ 

يا  أيُّهَا  الشَّعبُ العظيمُ إلى متى       تجري وَراءَ  وُعُودِهِمْ  وَتُضامُ 

كذبُوا بما زَعَمُوا وَساءَ صَنيعُهُمْ       هُمْ   ضَلَّلُوكَ  وَخابت  الأوهامُ 

" أعلى عيونِ الثَّائرينَ غشاوَةٌ "      وَعلى   فم ِ المُتَحَرِّرينَ  لجامُ " 

لا سلمَ حتى تُمطرَ الأرضُ الدِّمَا   وَيصول في هذا المَدَى الصّمصَامُ 

لا  سلمَ  حتى أن  يكونَ  توازنٌ       في   قوَّتينِ ..  وتعدل   الأحكامُ  


هذي  فلسطينُ المُنى نشرَتْ على    الدُّنيا  السَّنا ،  نارَ  الشَّقاءِ  تُسَامُ 

وَدِماءُ  أهليهَا  الأباةِ   إلى  متى      وَيُبلُّ  من   ضَمَإِ   الطُّغاةِ   أوَامُ 

شَعبَ الصُّمُودِ طريقُ كلِّ مناضلٍ     صَعبٌ  عَصيبٌ   مَجْدُهُ   إيلامُ

لكنَّ    بعدَ     ظلامِهِ     وقتامِهِ       يجلُو  الدُّجَى   وتبسمُ   الأحلامُ 

سَنُعَالج  الباغي بنضح ٍ مِن  دَم ٍ      لهُ   مِن   دِمَنا   شَهوَة ٌ   وَعُرَامُ  

يا   أيُّهَا  السَّيفُ   المُهَنَّدُ   نصلهُ      حُزْتَ    المآثرَ    أيُّهَا    الهمَّامُ

بنضالِكَ  الدَّامي  صَنعتَ  مآثرًا       شَهِدَتْ  لكَ  الهَضباتُ  والآكامُ 

وطريقُنا  للشَّمس ِنعبُرُهَا،ودولةُ       شعبِنا   المقدام ِ    سوفَ    تُقامُ  


نحنُ العذابُ المُرُّ والدَّمُ والأسَى      نحنُ   الحَمائِمُ   طُهرُهَا   وَهيامُ  

وَلَكَمْ   مَدَدْنا  للسَّلام ِ  لَهُمْ   يَدًا       قطعُوا  الأيادِي  وانْطَوَتْ  أنغامُ 

في المسجدِ المَحزونِ قد صالَ الرَّدَى   وبكلِّ   مُفترَق ٍ  يدُبُّ   حِمَامُ 

في ساحةِ الحَرَم ِالطَّهُور  تناثَرَتْ    جثَثُ   البَراءَةِ .. كُدِّسَتْ   أكوامُ  

لا   تندُبي  أمُّ  الشَّهيدِ  وَزغرِدي      اليومُ   عُرسٌ    للكفاح ِ    يُقامُ  

لكِ من جراح ِ القلبِ  أحلى  باقةٍ      لِشَهيدِكِ   الإجلالُ    والإعظامُ  

طفلَ  الحجارةِ  أنتَ  أروَعُ  آيةٍ       هَزَمَتْ زنازينَ العدَى  فأغامُوا 

طفلَ الحجارةِ أنتَ أشرفُ مَنْ مَشَى   وعَلى  جبينِ  الخالِدينَ   وِسَامُ 

لا صوتَ يعلو فوقَ صوتِ جراحِنا    خُضنا الحُتوفَ وكلُّنا " قسَّامُ " 

المجدُ  للشَّعبِ الذي  قَهَرَ  الرَّدَى      لم   يثنِ  عَزمَ   كفاحِهِ  الحُكَّامُ   

تلكَ  المجازر كلُّها  شهدَتْ على      عسفِ  الطّغاةِ   لِيَخْسَإ  الإجرامُ  

لن  تقدرَ  الدنيا   اقتحامَ  عريننا       لن  تقهَرَ  الشَّعبَ  الأبيَّ  طَغامُ  

فغدًا  ستنفجرُ  العروبة ُ، غيظُهَا       حنقا     كما     تتفجَّرُ   الألغامُ  

وَغدًا  وَما  أدناهُ  مِن عيني  غدًا       يجلُو  الطغاةُ  وتُرفَعُ  الأعلامُ 

والموعدُ  المَنشُودُ   قُدسٌ  حُرَّةٌ       يزهُو الزَّمانُ   وَتُشرقُ  الأنسامُ  


في الحرب مساحة شخصية كذلك/ فراس حج محمد

 


1

في الحرب، كما هو حادث الآن، أحاول أن أجد كل يوم مساحة شخصية، أبعد فيها- ولو من باب الوهم- عن الأحداث التي تدور فيّ، ومن حولي، وعلى شاشات الإضاءة كلها الصغيرة والكبيرة.

أتربع في سريري وحيداً، لا أنظّم شيئا، أترك الوقت يمرّ هكذا دون هدف أو غاية أو نية لقتله أو تعبئته بأي شيء مفيد، ألوذ إلى تلك "الفيديوهات" القصيرة، أستمع لكثير من النكت، من الحكم، من الموسيقى، من الأغاني، أراسل النساء أحياناً، فأرسل لإحداهنّ مقطعا أذكرها بعلاقة ما أو موقف ما. لا تبادلني تلك النساء الرسائل. مشغولات مثلي بشيء ما، هربا من الحرب أو غوصا بها. أو ربما يغصن مثلي في مساحاتهنّ الشخصية البيضاء. هل تترك الحرب لأحد مساحة بيضاء؟

في الحرب- كما هو حادث الآن- يقلّ الأصدقاء كثيرا، لا أحبّ أن أتحدث إلى الآخرين، أحب ألا أستمع إلى الأخبار، فقط أستلقي على ظهري، أحدق في سقف غرفتي، لا أرى شيئا سوى ما يضجّ في أفكاري، ويصطرع في داخلي. تعود رغما عني مشاهد الحرب، الأشلاء، الدمار، سحب الدخان، تهاوي الأبنية، صراخ الأطفال، صور من استشهدوا في العدوان.

2

في هذه الفترة اليومية الروتينية من مساحتي الشخصية، أتذكر كثيرا من أصدقائي في قلب العاصفة، في قلب غزة، أتابع من صار شهيدا من الكتّاب والشعراء والفنانين والمثقفين، كثيرون صاروا شهداء. تخطفتهم يد الموت الطويلة. لا أستطيع أن أتصل بهؤلاء الأصدقاء الباقين على قيد الحياة المؤجلة، أو حتى مراسلتهم، أخشى من شيء ما. فقط بصمتٍ، أتفقد صفحاتهم الفيسبوكية الشخصية، أطمئنّ أنهم ما زالوا هنا، لم ينعهم أحدٌ بعد، لكنهم صامتون لم يكتبوا شيئا. كيف يكتبون وهم بلا كهرباء أو اتصال أو إنترنت؟ بل كيف يعيشون وهم تحت القصف، بلا ماء، ولا غذاء؟ شهداء مع وقف التنفيذ. هذه الحقيقة المرة التي نعيشها جميعا.

في الفترة الأخيرة، في ظل الحرب طبعاً، قبل أيام فقط، كدتُ أكون في عداد القتلى، خطأ في التقدير وفي المعلومات، لو خطت بنا السيارة لفة عجل واحدة إضافية لانفتحت علينا الرشاشات. كنت برفقة ولديّ، أحدهما هو من يقود السيارة، والآخر طفل جالس في المقعد الخلفي، التقطناه عن طريق عودته من المدرسة ليكون رفيقنا في رحلتنا، هو وحقيبته المدرسية. بين كل ثانية وأخرى كاد الموت ينفلت من فوهات البنادق المصوبة تجاهنا. رحمة الله الواسعة أجلتنا إلى حين.

3

في غزة، لا تؤجل الحرب أحدا. أتابع في هذا الوقت ما لم تقله الفضائيات، الحكايات الشخصية، القصص التي تفتح مسارب الدمع غصبا عن كل هذا التجلُّد الذي نتصنّعه ونحن نتحدث عن الشجاعة والقوة والصمود في وجه التنين النازي. أحب أن أتحدث عن هذا الجانب كثيراً. أنفق وقتا طويلا مع ضيوف الحرب الذين يزورونني. نبدع في التحليل والتصوير وإعادة رسم المشاهد والسيناريوهات. لكن ثمة ما هو ضائع في استوديوهات التحليل الإخبارية؛ الناس والقصص.

كل يوم في الحرب تأتيك قصة أبلغ من سابقتها، قصة يوسف الأبيضاني الحلو اللي شعره كيرلي. هذه قصة مبكية، ليس لأن يوسف أبيضاني وحلو وشعره كيرلي فقط، بل لأن كثيرين مثل يوسف أبيضانيون و"حلوين" وشعرهم كيرلي، وربما كانوا سمرا وشعرهم ليس "كيرلي" لكنهم "حلوين" بالتأكيد. كل الشهداء جميلون، "كأنّ أجملهم بالموت قد فتنوا"، فقد تخير الموت أجمل "الحلوين"، فيا لله كيف "اختار واسطة العقدِ"؟ كل شهيد واسطة عقد أبيه وأمه وأسرته. يا للحسرة وقد ذهب العقد كله، بواسطته وحباته، وحبله. هذه الحرب فعلت فعلها.

ثمة صدفة غير جميلة، الحلو الأبيضاني اللي شعره كيرلي، اسمه يوسف. يوسف الفلسطيني الغزاوي الذي مات وحيداً، تخلى عنه إخوته، يريدونه أن يموت لكي يمدحوه. وها هم يمدحونه في كل جغرافيا العرب. لكنهم لم ينقذوه. يوسف غير محظوظ باسمه، ضحية اسمه وموقعه وجماله. ذهب يوسف وبقيت قصته وجملة أبيه وأمه. أخشى أن يأتي زمان ويقال: كان هنا شعب جبار قاوم التنين، كان شعبا "حلو وأسمر وزنده قوي" قتله المحيطون فيه. لم يقتل بسبب العدوان التوراتي عليه وحسب. بل قتله إخوته يا يوسف، يا أبيضاني ويا حلو، ويا "بو شعر كيرلي".

4

في هذه المساحة الشخصية كنت أحاول أن أنسى. أفكر بالكتابة، ماذا سأقول؟ فلا شيء جديد. في حرب سابقة (2014/ 2015) كتبت ديوان شعر، استمرت تلك الحرب (51) يوماً، وأخذت أكتب باستمرار، فصارت الكتابة ديوانا كاملا "مزاج غزة العاصف". في هذه الحرب كتبت فقط قصيدة قصيرة أسميتها "تعويذتان للزمن الفلسطيني". القراءة حظها معدوم، لا رغبة لي في شيء، أريد أن أسمع، أزجي الوقت، أقتله ليمضي، وتتتابع أيامه، لأصحو وقد توقفت الحرب. 

عدتُ إلى بعض مشاريع الكتابة النائمة المجمّدة. أخشى أن تقتنصني الفوهات العمياء قبل أن أنجز شيئا، فقد نجوت من براثنها قبل أيام. إذاً، لا بد من أن أنجز شيئا، وإن كان تافهاً لأواجه الموت به. كثيرون مثلي أجلهم الموت لظرف آخر، عليهم أن يعملوا قبل أن يموتوا.

ديوان مؤجل، بعنوان "في أعالي المعركة" أعود للعمل عليه. ديوان لكل القصائد التي كتبتها في فلسطين والشهداء والحرب. المعركة طويلة ولدت قبل أن يولد أبي رحمه الله، وأخشى أن أموتَ أنا قبل أن تموت هذه المعركة المشتعلة منذ خمسة وسبعين عاماً. ما الحلّ غير الصواريخ ومجابهة الموت بالموت؟ أيصلح أن يكون الشعر حلاً؟ أحيانا أراني- ومعي كل من يرى ذلك- كم نحن ساذجون وأميون وتافهون. شعر يقابله الموت! أي تفاهة في هذا المنطق؟

على مشارف الحرب، قبل أن تبدأ بأيام صدر كتابي "في رحاب اللغة العربية"، لا وقت لغير الحرب والشهداء، نُشر تقرير عن الكتاب، على نطاق ضيق. ثمة مادة حول الكتاب طلبت مني محررة صحيفة "الحدث الفلسطيني" الشاعرة رولا سرحان تأجيل نشره. بالفعل كنت خجلا مترددا عندما أرسلته للنشر. "ليس الوقت وقت هذه الموضوعات" على الأقل عندنا في فلسطين، وفي صحفنا ومنابرنا الخاصة. فإذا تأجل كثير من الفعاليات العربية أو ألغيت بسبب الحرب، فكيف لنا نحن الفلسطينيين أن نفكر خارجها؟ أخجل من الحديث خارج الحرب. 

ثمة كتاب آخر صدر ولم أعلن عنه، خجلا من الحرب. كتاب "سر الجملة الاسمية". الخجل يلفني وأنا ألتفت لخصوصياتي، فماذا ستساوي هذه الكتب أمام معركة المصير المفتوحة في غزة. أفكر في السؤال القديم الجديد لماذا نكتب نحن الشهداء مع وقف التنفيذ؟

5

أعدّل في نظريتي كثيرا أقلبها رأسا على عقب. أرى الموت مهزوما بالفن والشعر والموسيقى والأدب. ألتفت بفعل الحرب إلى "جمهرة الشعراء الفلسطينيين الشهداء"، منذ عبد الرحيم محمود شهيد معركة الشجرة، إلى علي فودة- شاعر الرصيف- شهيد معارك المقاومة في لبنان، إلى الشاعرة الشهيدة الغزاوية هبة أبو ندى. 

هبة شاعرة شابة، جميلة الجملة، ذات إصدار واحد- هذا ما تقوله صفحتها على الفيسبوك- رواية "الأكسجين ليس للموتى". لا إصدار آخر لهبة. لكنها كانت تشارك بأنشطة الثقافة الغزاوية والافتراضية.

في هذه المساحة الشخصية تأخذني الشهيدة إلى صفحتها. صديقة افتراضية عندي، لم أنتبه لوجودها، ككثيرين غيرها، مثلها ومثلهنّ. أقرأ كثيرا في صفحتها الشخصية، ثمة ما يوجع القلب هناك. 

هبة تتخذ من الكتابة الهادفة شعاراً: "إن الكتابة كالصيامِ، فلا تكونُ بغير نية"، هذا بيت يتيم ليس له ثانٍ، جعلته هبة شعارها في صفحة الفيسبوك. تتابع الحرب، والشهداء، وتكتب عنهم، لم تكتب عن يوسف "الحلو الأبيضاني اللي شعره كيرلي"، لأن الصواريخ لم تمهلها لتكتب عنه، يرحلان معاً في اليوم ذاته، "شهيدة وشهيد".

صورة (بروفايل) هبة، تكاد تكون صورتها الوحيد في صفحتها، وهي المتداولة على نطاق واسع في أخبار النعي لدى الأصدقاء، بالكاد تعثر على صورة أخرى. شاعرة غير استعراضية، تعتمد النص والكتابة هوية. 

مع واحدة من صورها وهي واقفة مشغولة بإلقاء النص في أمسية شعرية، كتبت ندى بمرافقة الصورة: "لماذا نكتُب الأشعارَ؟ فتجيب:

"للحزنِ المعشعشِ في تفاصيل الحمائم.

لحقٍ في الأغاني ليسَ يسقطُ بالتقادم!

وللأحلام!

حيثُ الكلُّ في وطني برغمِ الموتِ حالم!"

هكذا تكتب هبة عن الموت والكتابة معا في 25 يناير 2019، ما بين تاريخ الكتابة وتاريخ الشهادة ما يزيد عن أربع سنوات. رأت فيهما هبة الموت، فأجلها ليومها المشهود هذا. نعت صديقتها مريم التي اختلفت معها في الرأي فتتأسف كثيرا لذلك: "ارتاحت مريم من التعب ارتاحت للأبد، آسفة يا مريم على كل مرة اختلفنا بالرأي أنا وأنت آسفة كتير". نعت مريم، وبعد يوم واحدٍ ينعاها أصدقاؤها، "شهيد يودع شهيدا"، وهكذا هي غزة. بل هكذا هي فلسطين.

في هذه المساحة الشخصية لهبة أبو ندى أيضا كتبت آخر ما كتبته مفعمة بالأمل الذي تريد أن "ترفع القبعة" له: "نحنُ في غزة عند الله بين شهيد وشاهد على التحرير، وكلنا ننتظر أين سنكون". لقد اختار لها الحقّ أن تكون شهيدةً، لا شاهدة على التحرير، لكنّ ما كتبته سيكون شاهدا مؤكدا على التحرير.

6

اليوم (21/10/2023)، الحرب تدخل يومها الخامس عشر، اليوم هو يوم السبت، تزداد المساحات الشخصية الممحية من عوالم غزة، لتزداد مساحتنا نحن القابعين في الجهة المقابلة لهذا العالم المشويّ باللهيب الأمريكي. نحزن ولا نموت، ونكتب ونهرب، ونشتم الموت، ونلعن أمريكا والغرب. كم سيموت من الأصدقاء في قابل الأيام؟

إن توقفت الحرب، فمن نجا، فقد نجا بأعجوبة، فعليه أن يكتب تاريخ ميلاده من جديد، ليحتفل! هل فعلا سيحتفل؟ هل الحياة نعمة في ظل هذا الخراب؟ أي نعمة منتظرة والناس ستصحو لتعد القتلى، وتتفقد الجيران والأصحاب والأقارب؟

لا شك في أن الحياة أكبر من الموت. والعنقاء ستنهض من ركام الموت مرة أخرى، كما نهضت سابقاً، وسيولد ألف يوسف جديد أبيضاني وحلو وشعره كيرلي، وستنبغ ألف شاعرة على وقع الشاعرة الشهيدة هبة أبو ندى، وسيكثر الرسامون والفنانون، وستعود الحياة لتواصل مسيرتها، وستظل غزة شاهدة شهيدة، لكن سيظل الفلسطينيّ وحيدا، ليس له غير نفسه، فـ "ما حكّ جلدك مثل ظفرك، فتولّ أنت جميع أمرك". وليس لأحد الحق في القرار سوى هذا الفلسطيني المعبأ بالحرب والشظايا، يقاوم كل حين بالمتاح من الحياة، كما يقاوم بالمتاح من السلاح، كما أنه أيضا يقاوم بالمتاح من الكتابة والشعر والفن والموسيقى.


قمة القاهرة للسلام/ صبحة بغورة


وتشاء الأقدار أن تقضي بوضع مصر الكنانة مجددا أمام مسؤولياتها التاريخية في صدارة الأمم المدافعة عن الحق العربي في كل الظروف ، وأن تبق على خصاصة خير نصير للقضية الفلسطينية .



احتضنت مصر في 20 أكتوبر2023 أعمال " قمة القاهرة للسلام " التي دعا إليها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي بحضور قادة وزعماء 34 دولة ورؤساء أربع منظمات عالمية لمناقشة تطورات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وإدانة استهداف المدنيين المسالمين ، والتعبير عن التنديد الصريح بمؤامرات الاحتلال الصهيوني الرامية إلى تهجير أهالي غزة من مدينتهم وترحيلهم إلى مناطق أخرى في جنوب القطاع ، والتأكيد على رفض سيناريوهات دفع ملايين الفلسطينيين نحو إقامة دولتهم في صحراء سيناء المصرية ، ودفع الفلسطينيين من الضفة الغربية نحو الأردن،  والمطالبة بفتح معبر رفح الفلسطينية لمرور قوافل المساعدات الغذائية والدوائية الدولية لمواطني المناطق المنكوبة جراء القصف الإسرائيلي الجوي والبري تحمّل الرئيس عبد الفتاح السيسي مشاق الظرف الدقيق الذي تمر به المنطقة العربية وهو يستعد لخوض انتخابات الرئاسة في مصر فأشرف على استقبال ضيوفه من قادة وزعماء العالم وعلى إدارة جلسات أعمال القمة في نفس الوقت الذي كان فيه تفكيره مشغولا بمستجدات العمل بمنطقة رفح المصرية، وعينه على كيفية وضع مئات الحافلات والشاحنات الناقلة للمساعدات على أهبة الاستعداد لعبور معبر رفح إلى الداخل الفلسطيني دون التعرض لها بالسلاح ، فضلا عن متابعته اليومية لجهود دفع وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر التي لا تحتمل التأخير ولا تقبل التأجيل .

كان الرئيس عبد الفتاح السيسي واضحا في كلمته في بداية الجلسة وصريحا حين أكد على ما يلي : 

ـ أن هدف القمة هو التوصل لاتفاق خارطة طريق لإنهاء الكارثة الإنسانية في قطاع غزة ، وإحياء السلام بين اسرائيل والفلسطينيين .

ـ ضرورة ضمان إيصال المساعدات ، والاتفاق على وقف اطلاق النار ، وبعث مفاوضات تؤدي إلى حل الدولتين. 

ـ أن تصفية القضية الفلسطينية دون حل عادل لن يحدث، وفي كل الأحوال لن يحدث أبدا على حساب مصر.

لقد ترجم الرئيس السيسي قدرة العمل السياسي المصري في التأثير الإيجابي على تطورات الأحداث الدولية وأكد من خلال مبادراته حيوية الدبلوماسية المصرية  في محيطها العربي ونطاقها الإقليمي ومداها العالمي حين توجب القيام بها على نحو يدعم مقومات العمل العربي المشترك في مواجهة التحديات والتصدي للمؤامرات بما يحفظ كرامة الشعوب العربية وعزة أوطانها .

تمكن الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال القمة من إحراج مختلف الأطراف الدولية الفاعلة بوضعها أمام مسؤولياتها التاريخية في مواجهة احتمالات قوية تضمنتها تقارير بشأن بدء استعداد اسرائيل لشن توغل بري لقواتها المسلحة على قطاع غزة ، وكذا أمام توقعات بعدم وجود ما يدعو للتفاؤل بعد غياب إمكانية منع حدوث تصعيد مسلح أو إمكانية احتواء خطر اتساع دائرة المواجهات المسلحة بمشاركة قوى إقليمية ذات نفوذ قوي وتأثير واسع ، وهو ما سيضع منطقة الشرق الأوسط في قلب دائرة الخطر والتدمير، لذلك يمكن وصف قمة القاهرة بأنها قمة وقف التصعيد في غزة باعتبارها نقطة البداية المحتملة لوقوع المزيد من التطورات الأليمة  ولعل بقاء حاملة الطائرات الأمريكية في مياه شرق المتوسط في موقع قريب من الأحداث مؤشرا على ما يمكن أن تعرفه منطقة الشرق الأوسط في أي لحظة لأن المؤكد أن حاملة الطائرات متواجدة لدعم اسرائيل,

أكد الرئيس السيسي إرادة مصر والمصريين في نصرة القضية الفلسطينية حتى يتم استرداد الحقوق المشروعة بإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية ، وشدّد على أنه لا مجال للحديث عن تهجير الفلسطينيين، أو مناقشة فرضية التنازل عن جزء من صحراء سيناء، وهو بهذا يريد أن يبلغ رسالة واضحة بأن ما يجري في غزة خطرا كبيرا يستهدف بالأساس تصفية القضية الفلسطينية إما بتهجير سكان غزة أو بالقضاء عليهم قتلا وهو ما لا تقبل به مصر وكثير من الدول العربية، 

العديد من الملاحظين لم يغفلوا  الطابع الخاص لحفل تخريج طلبة الأكاديمية والكليات العسكرية الذي تزامن مع تواصل حملة تمجيد انتصارات الحرب في 6 أكتوبر 1973 حيث بدا أنه تجاوز الطابع الاستعراضي التقليدي لقدرات الطلبة الخريجين إلى ما يقارب شبه تدريب قتالي متطور يحاكي في بعض فقراته قواعد الاشتباك  في المعارك الحقيقية، فالثابت أن استمرار الوضع بالأراضي المحتلة سيحدث الكثير من الفعل ومن رد الفعل ، والحقيقي أيضا أنه ليس صحيحا ما تدعيه اسرائيل والدول الغربية أنها بصدد دفاعها الشرعي لأنه ليس هناك دفاع شرعي من المحتل موجه لأبناء دولة محتلة .  


كأنه يشاهد من بعيد/ رحال لحسيني



يغالبه النوم، متعب أيضا هذا اليوم، لا مجال لبعض الراحة أو حتى للتذمر أمام زملاء يتوجسون من تعبير أحدهم عن عدم قدرته على الاستمرار في مثل هذه اللحظات العصيبة التي يمر منها جسده النحيل، أو إعلان اشمئزازه من ظروف عمل قاسية، مرهقة وغير إنسانية بتاتا.

كأنهم يعاقبون أنفسهم على اضطرارهم للقبول بوضع بائس ومزمن، وتجرع إهانات تتلوها إهانات أكثر قوة، والتعود على تجليات عبودية جديدة يخضعون لها. 

(كما يصف ذلك بينه وبين نفسه).

***

أصوات محركات آلات ضخمة على ما يبدو، تهدر من بعيد، أدخنة يخترق بياضها بعض السواد، تصعد إلى الأعلى بسرعة، كأنها تفر من سجن ساخن يوجد في الأسفل.

أحيانا تتلاعب بها الرياح، وتطوف بسماء المدينة المجاورة.

صاحب العمل (الباترون) يقترب بسيارته من بوابة المصنع، يتوقف على بعد بضعة أمتار منها. يكره أن تصله روائح تنبعث من هناك. ينادي رؤساء عماله، يوزع عليهم حصصهم من تقريع يومي مروع، ويأمرهم بإنتاج أكثر.

لا يستطيعون رفض ما يتعرضون له من هوان، أو القول إن صحة عدد من عمالهم في تراجع مستمر، وبأنهم يحتاجون بدورهم لزيارة الطبيب أو الاستفادة من الدواء أو بعض الحليب لتفادي تأثير الروائح والغبار على صدورهم المتخنة بالكحة، أو من أنهم يعملون ساعات عمل غير محددة تقريبا.

لا يتمتعون براحة كافية ولا أجر مناسب حتى يستطيعوا مواجهة تكاليف العيش التي تزداد غلاء كل يوم.

غرباء يرتدون بدلا رسمية وربطات عنق فاقعة اللون، يظهرون على متن عربة تحمل شعار إدارة ما، يطوفون قرب المعمل.ثم يتوقفون قرب شجرة وافرة الظل على مشارف زقاق مؤد إلى داخل المدينة.

قوة المنطق السياسي تعزز العمل العسكري/ صبحة بغورة

     


         

تقتضي تطورات الأحداث التي تطٍرأ في العلاقات بين الدول وقت اشتداد الأزمات فيما بينها أن يلجأ أحد أطراف النزاع إلى تصعيد موقفه منها حسب طبيعة ما يستجد فيها من ملابسات ، يكون هذا التصعيد في أغلب الأحوال من أجل فرض الحلول التي يراها هي الأفضل ، وبديهي أن يسعى هذا الطرف أو ذاك ممن يبصر في نفسه موقف القوة والتفوق أن تكون هذه الحلول بمثابة المرآة الصادقة للحفاظ على مصالحه ، والضامن الأكيد للبقاء في موقف القوة ، بل وأن تكون صمام الأمن المستقبلي لتجنب عودة نشأة مسببات الأزمة وتفادي تكرارها ، وعلى رأس مظاهر هذا التصعيد ،إعلان الحرب.

يحدثنا التاريخ أن قرار إعلان الحرب بين الأمم لم يكن يستغرق زمنا ، فلا يتجاوز مثلا مدته حدود بحث كيفية تنفيذه في الميدان ، كما لم يكن اتخاذ مثل هذا القرار الخطير بحاجة كبيرة لتوفير أسبابه المقنعة سواء كانت حقيقية أو واهية ،وسواء كانت مؤكدة أو محل شك فيها ، كما لم يكن اتخاذ القرار يتوخى تلمس حساسية الأوضاع السياسية المحيطة بقدر ما كان الأهم أن يكون العمل العسكري في حد ذاته موفيا لدواعيه كاملة ملحقا أشد الأضرار التي تحقق أهدافه سواء العقابية أو الانتقامية أو الردعية .. أو الاستعمارية ، إنه منطق القوة الذي سادت همجيته زمنا وقضى على ملايين البشر.

أبت كل المواثيق الدولية التي صدرت على أنقاض ما قاسته البشرية من ويلات الحرب العالمية الثانية إلا أن تواكب تطور الفكر الإنساني وأن تكون عاكسة لتطلع شعوب العالم  نحو بناء حضارة تعترف بحق الأمم في التحرر وتؤكد حق الشعوب في العيش الكريم ، وأن توثق هذه الحقوق فتفرض على كافة الأنظمة السياسية احترامها وتجبر كل الحكومات على التمسك بها سلوكا وفكرا وعقيدة .

اتجهت جهود كل الدول في عصرنا الحديث إلى تطوير قدراتها العسكرية وتجديده وتحديث أسلحتها حتى أصبحت الصناعة العسكرية نشاطا رئيسيا حيويا في منظومة النشاط الاقتصادي للكثيرمن الدول الصناعية الكبرى ، وأصبحت العودة للسباق نحو التسلح ظاهرة مقلقة تهدد السلام العالمي وتناقض مبدأ نبذ العنف المسلح ، والسؤال الحائر هنا ، لماذا تجددت النزعة لامتلاك الدول المزيد من عناصر القوة المسلحة ؟ ولماذا ازدهرت تجارة السلاح عبر العالم ؟ ولماذا تسعى كل الدول إلى امتلاك أسلحة التفوق الاستراتيجية المدمرة ؟ الواقع لا يحمل دلائل النية الحسنة ، ولا يشير الى المساعي الحميدة ، حيث بات الميل إلى التهديد باستعمال القوة أعلى صوتا بل ويسبق الدعوات لترجيح الجهود السلمية واستغلال فضائل الحوار السياسي في تسوية الأزمات .

لا تولد الأزمات الدولية من فراغ ،وهي قد تنشب نتيجة مشاكل مستجدة أو بسبب خلافات تاريخية بقيت عالقة زمنا كقنابل موقوتة ، والسائد في العلاقات الدولية أن تجنح الدولة التي تستشعر أن حيفا قد أحاط بها أو ظلما قد أصابها إلى إفادة المجتمع الدولي كما هو مفترض بملابسات ما تعرضت له لحشد الرأي العام الدولي إلى جانبها ودعمه لها ضد خصومها وإنصافها لاسترجاع حقها ورفع الظلم عنها ، وكثيرا ما تعلن هذه الدولة أنها تحتفظ بحقها " المشروع " للحفاظ على حرمة ترابها وسيادتها وكرامة شعبها بالوسائل الممكنة وفي الوقت الذي تراه مناسبا ، إنه تلويح صريح باحتمال استعمال القوة المسلحة وفق مقولة " وقد أعذر من أنذر.."  والحاصل أنه على قدر ما يمكن أن تسوقه أي دولة من أسباب أو تقدم ما أمكنها أن تسوغه من مبررات لاستعمال القوة المسلحة فهو لا يكفي لحصولها على تأييد دولي بإعطائها كل الحق في إعلان الحرب لأن الأمر مهما كان يتعلق في النهاية بإراقة الدماء ، وعليه فإذا كان المجتمع الدولي من جهة ينبذ العنف ويندد بسفك الدماء ، فإنه من جهة أخرى لم يملك إزاء الكثير من القضايا الدولية أدوات الضغط الكافية من خلال الهيئات والمنظمات الدولية التي تمثل إرادته للامتثال لقراراته ، بل أن صمت المجتمع الدولي كان دافعا لمضي بعض الأطراف في غيها مستفيدة من صعوبة تحقيق إجماع على إدانتها ، وأصبح على عاتق الدولة المطالبة بحق لها أن تزود خطابها السياسي بالمنطق الذي يبررلجوءها للعمل العسكري ويعززه وذلك حتى لا تقع تحت طائلة الاستنكار والتجريم أو أن تكون عرضة لعقوبات دولية قد لا تطيق تحمل تبعاتها وهي في أدني مستوى لها ، فالمنطق يقتضي أن تفيد الدولة المجتمع الدولي بكل الخطوات التي اتخذتها لحصر الخلاف في أضيق الحدود ، وأن تستعرض على المستوى الدولي كل الجهودها التي بذلتها من أجل احتوائه وأن تنشر بيانات بتحركاتها الايجابية في اتجاه الحل السلمي له ، وأن تؤكد صحة مواقفها على مستوى علاقاتها الدولية في شكلها الثنائي والمتعدد الأطراف وجعلها رسائل غير مباشرة للخصوم فيكون من المنطقي والمفهوم أنه الأمر نفسه بالنسبة للشركاء السياسيين يضخم بكل منطقية حجم الحلفاء من الدول .

يستمد المنطق السياسي أهميته في الجدل السياسي ، كما يستمد قوته من مقدار الواقعية والموضوعية في التناول ومن مدى الحيادية في الموقف والنزاهة في التقدير ،وكلها اعتبارات تفترض أن يكون من يحرص على اتباعها أن يكون على علم مسبق ومعرفة واسعة وإلمام كبير بكل جوانب المسألة ، وهي إذا اجتمعت فإنها تكسب صاحبها مهارة استغلال المناسبة بجعلها فرصة لاستحضار القيم التي تنفض الغبار عن الحقائق التاريخية التي ربما لا يصمد أمامها كل استنتاج متعجل ، فتكون بذلك محل إعجاب بالمسعى وتشجيع للمبادرة ودعوة للاقتداء ، إنها ميزة السداد في الرأي وفي إدارة الأزمات بالمنطق الذي يعزز الخيارات بما فيها الخيار العسكري الصعب الذي يناظر في صعوبته مفهوم الرباط الشرطي الخاص باعتماد ثقافة الخوف مثلا بزعم وجود خطر على البلد ومصلحة الوطن تعطي للأمن حق التدخل في السياسة الحكومية ، فثمة مواقف هي التاريخ ، وثمة مواقف في وجه التاريخ حاضرة ، وسياسات تنتج المزيد من المنطق الحضاري وتراعي خصوصيات الأمم وتتحاشى منطق التسوية الحضارية للأزمات ، وهناك سياسات تأخذ صفة الشاهد في المأساة ، ومن المنطق السياسي الاعتراف بأنه حيث لا توجد إيديولوجيا مسبقة على الواقع ، فإنه لا واقع بلا إيديولوجيا ، وعليه يمكن أن يخفي الصراع العسكري الظاهر خلافا إيديولوجيا عميقا يحتاج فيه كل طرف إلى ما يعزز مرئيته بمنطق يجعل موقفه أوضح في الحجة وأبين في المنع ، إذ يعتبر الموقف بصفة عامة علامة فارقة في الزمن من المفروض بداهة أنها لا تحتكم إلا للمبادئ ، ويبدو أن بين شكل الموقف وطبيعة المبدأ علاقة جدلية واضحة ، فعلى قدر سمو ورفعة المبدأ يكون نبل الموقف والعكس صحيح فحقارة الموقف من دناءة المبدأ.. وبين الاعتماد على المبدأ الذي يعبر في حقيقته عن نوع العقيدة من جهة ، وبين تجسيد الموقف عمليا بشكل كلي أو جزئي من جهة أخرى تكمن أهمية تحديد لغة الخطاب الذي من المفروض أن يتضمن ما يؤكد أو ينفي أمرا محددا بشأن موقف سابق أو لاحق حول قضية معينة ، ويحتاج العمل العسكري إلى تأييد سياسي يكسبه الشرعية ويحشد الدعم الشعبي الضروري حوله ، ويأتي مثل هذا الدور في صلب منطق يبرره ويتم التسويق له في الخطاب السياسي على النحو الذي يعززه ، وهنا يثور التساؤل مجددا عن ما مقدار الصحة التي يمكن أن تصيب كبد الحقيقة عندما يتعلق الأمر بالحديث الحائر بين العسكريين عن العلاقة الموجودة بين صرامة لغة المواقف ومناورات لغة السياسة ؟

قد تدفع الظروف المحلية أو الدولية إلى انحراف الخطاب السياسي غصبا أو طوعا عن مقصده النبيل بأن يبتعد عن غايته السامية وذلك إما بالتمويه على الصحيح من الرأي ، أو بالتعتيم على عمليات تصفية الحسابات ، أو أن يزيغ مضمونه البصر بالأوهام وتضيع معانيه البصيرة بالآمال الزائفة والوعود الكاذبة من أجل تحقيق أغراض خاصة أو لمراعاة مصالح ضيقة ، وحينها نكون في مواجهة معالم نموذج التيه السياسي الذي لا يسمح باختصار لأي كان اقتحام مناطقه المظلمة ، وهو نموذج يؤدي حتما إلى وقوع الخطأ في العمل السياسي ويؤدي تبعا لذلك إلى تناسل الأخطاء وإلى الوقوع في دائرة الشك حيث الممكن يصبح فنا يبرر النفاق في الخطاب تماما كما يبرر الإيمان بالموقف فتضيع بذلك بوصلة المنطق السياسي فيحرم العمل العسكري من فضائل تعزيزه .

طوفان الاقصى/ بن يونس ماجن

 


               


خدعوك  يا فلسطين خدعوك

وبخناجرهم المسمومة طعنوك


عملاء وخونة ومطبعون ومرتزقة

عبيد مصابون بالهلع وفي اعناقهم مشنقة


القدس الشريفة بريئة منهم

وفلسطين تنفرمن عفونتهم



لله درك  يا فلسطين

لله درك يا غزة


طوفان الاقصى

طوق البسالة

وهالات الشهامة

وروح المجد الاعلى


غزة بين نارين

الارهاب الاسرائيلي

والارهاب الامريكي


الصهيونية والنازية

توأمان شريران

ينامان في سرير واحد

دستورهما الابادة الجماعية


سيجرف الطوفان

الجرذان الحقيرة

الى مستنقع الذل والهوان


ثمة ارهابي عجوز في البيت الاسود

وفئر نتن في مواخير تل ابيب

وغرب صهيوني منحاز للمستبد


اما العرب والمسلمون

الحالمون بالصلاة في المسجد الأقصى

اتركوهم ينامون

ولا تزعجونهم 

فهم في سباتهم العميق يتبولون

والخوف في احشائهم يتناسل كالديدان

وفي مياه المجاري يسبحون


سخر الله الحميروالبغال 

من فصيلة الحكام العرب

لتركبها اسرائيل

وتهشهم بعصا الغضب

ولهم فيها مآرب اخرى

كالتطهير العرقي

والتهجير القسري

وتذليل العرب

تعويذتان للزمنِ الفلسطينيّ/ فراس حج محمد



1

أغلقوا كلّ المساجد والكنائسِ

واهدموها

حوّلوها لباراتٍ 

وسُكْرٍ ومجون واجتماعات الحروب البربريّةْ

لا تصوموا

لا تصلّوا 

إنّكم لا تعرفون الله إطلاقاً

نهائيّاً

مزّقتمُ عن عمدٍ سفر الوصايا العشرةْ:

"لاَ تَقْتُلْ" وقد قتلت الحقّ والأطفالَ واللّعَبَ الطريّةْ

"لاَ تَزْنِ" وقد زنيتَ بالأرض والأعراضِ في وَلِهِ الشهيّةْ 

"لاَ تَسْرِقْ" وها أنت من خمس وسبعين سنةً

سرقتَ الوقتَ والذكرى وأيّام الزمانِ المخمليّةْ

"لاَ تَشْهَدْ شَهَادَةَ زُورٍ" كيف لا وأنت تُعَلّم الإعلام والأشرارَ سرّ الشرّ والتدليسِ

واللغةَ، القذيفةَ، والحرفَ الشظيّةْ

إنّكم لا تعرفون الأنبياءَ

أوِ المسيحْ

ولا موسى ولا هارون 

ولا النبيَّ "إسرائيل"

إنّكم لا تعرفون سوى الدماء تسيح أخباراَ على الشاشاتْ

وتفرحون مع كلّ ضحيّة

أحرقوا كلّ الدساتير الكذوبة والخؤونة والفقيرة

لا تقرؤوا التوراةَ والإنجيلْ

أودعوا الآيات مقبرة قصيّةْ

لا تقرؤوا كتب الفلاسفة المراوغة الحقيرة

لا تقرؤوا التاريخ والأشعار واللغة المُعَفّرة الكسيرةْ

فما معنى العلومِ وأنتم وحشيّون نازيّون 

ومعكم أمّة أميّة صارت تنام على الدنيّةْ؟

2

أيّها الشعب الفلسطينيّ

غيّروا مع كلّ شيءٍ نهج البسملة

إلعنوا مع كلّ حرف وجه القتلةْ

إلعنوا قبل التكبيرة الأولى 

وعند السجدة الأولى زعيمة الإرهابِ 

أمريكا

قولوا كما قال الإله في عليائه:

"ألا لعنة الله على أمريكا"

إلعنوها في الصباحِ

وفي المساءِ

عدادِ التسابيحِ

ألف ألفِ مرّة في اليوم والليلةْ

أيّها الشعب الفلسطينيّ قاتلْ

وانتصرْ

والعن اْمريكا مع كلّ شيطان مَريد واقفٍ مع سرب هذي الخلخلةْ

أيّها الفلسطينيّ يا بن الذين تشبّعوا بالنارِ والفولاذِ 

فوح القنبلةْ

لا تتقي الله فيهم وافْقَأْ عيون السفلةْ

كن كما قالوا وصدق فيهمُ احتمال المسألةْ

لا تَوَحَّشْ مثلهم

لكنْ، فليعلُ فيهم صوت ضرب الولولةْ

وقبل "الحمد للهِ"

"الصلاةِ على النبيِّ" عند انتهاء هذي المحفلةْ

قف فوق منزلك المهدّم ذاك واكتبْ بيانك واقرأ:

"ألا لعنة الله على أمريكا

صدَقَ الوعد فكنّا اللحم والنارَ

وكنّا الضوءَ والأسرارَ، عينَ المرحلةْ

وعبَرنا بشموخ درب هذي الجلجلةْ

فالعن اللهمّ أمريكا لعناً كبيراً

آتها ضعفين من العذاب بكلّ ما شعّ من دمانا المُسْفِرَة"



طوفانُ الأقصَى/ الدكتور حاتم جوعيه



دَربُ التَّحريرِ خُطُوطُ النَّارْ = وَعَليهِ   خَطَا  شعبٌ   جَبَّارْ

بالثَّورةِ     أيْنَعَتِ     الآما  = لُ ، كبارٌ خاضُوهَا  وصغَارْ

الثَّورةُ      أذكى   مِشْعَلَهَا  = أبطالٌ  .... أشبالٌ  ... أحرارْ

أعلامٌ ...   راياتٌ    خَفَقَتْ =  هاماتٌ     ازدَانتْ    بالغارْ

أشبالكِ  ... غزَّةَ      أبطالٌ  = ثوَّارٌ   ....  ثُوَّارٌ .....   ثوَّارْ

أشبالكِ      غزّة     أبطالٌ  = بَهَرُوا ....هَزُّوا  كلَّ  الأقطارْ

ثُوَّارٌ    ما    هانُوا    أبدًا  = لا ، ما عرفوا في السَّيرِ عُثَارْ

رَسَمُوا   التَّاريخَ   وَمَوكِبَهُ =.. هتفُوا .. رفعُوا مِليَونَ  شِعَارْ

                        * *** ***** **

في  غزّةَ  أهلُونا   انتفضُوا =  بركانا .. زلزالا  ... إعصارْ

ليلُ        الطّغيانِ      نُبَدِّدُهُ =  وَسيتبعُهُ     صُبحٌ     ونهارْ

" أجراسُ  العَودَةِ    فلتُقرَعْ"= لِيعُودَ ... يَعُودَ  غريبُ  الدَّارْ

وَطَنٌ   في   قلبي  لم   يَبرَحْ = لضميرَ الشَّعبِ رُؤًى  وَمَنارْ

ما   خُنتُ  ترابَكَ  يا  وَطني = مِن  تُربِكَ   ما   بعْنَا   أشبارْ

فجُذوري  في أرضي امتَدَّتْ = تتحَدَّى    غطرسَةَ     الفُجَّارْ

يا  شعبي  الصَّامِدَ  يا شعبي = قَدَرٌ   أن   نعبُرَهَا   الأخطارْ

فمَشينا  فوقَ   الشَّوكِ  سنينًا = لم   نَحفَلْ   أشواكَ   الصَّبَّارْ

نحنُ      التاريخَ      بَنيناهُ .. = تُهنا   في الكونِ  سَنًا  وَفَخَارْ

رتعَتْ      بالمجدِ      أغانينا =  والخُلدُ    لنا    فتحَ    الأسفارْ

شُرفاتُ   المجِدِ    لنا   هَتفَتْ = لِجُفونِ   الشَّمسِ   لنا   مِشوَارْ


                          *************

يا   أهلَ    فلسطين    اتَّحِدُوا = كُونُوا    مَوْجًا ... بحرًا   زَخَّارْ

كُونُوا   كالبُنيانِ   المَرْصُوصِ = جَميعًا   في   وَجْهِ    الأشرارْ

قلبي   مَعَكُمْ ... روحي   مَعَكُمْ = سَنُناضِلُ   يا    كلَّ    الأحرارْ

وَخُيُوطُ       الفجرِ       بُنودًا     نَنْسِجُهَا       وَبَيارقَ     للثُّوَّارْ

يا     كُلَّ     العالمِ     فلتَسْمَعْ =  لا   يُرهِبُنَا    الجَيشُ   الجَرَّارْ

وَبأحجار ٍ   ......    وَبِمُولتوفٍ  = سَنُقاوِمُ    دومًا    ليلَ     نَهَارْ

في   المَشفَى   المعمادانيِّ  ان  =  تَشَرَتْ  جُثَثٌ  في ليلِ حصَارْ

أمريكا     الشيطانُ    المسؤُو  =  لُ     ويَتبَعُها     كلُّ    الكقَّارْ 

تمضي   بالعالمِ    نحو    الدَّرْ  =  كِ   تتُنمِّي  رِجْسَ  الإستعمارْ

في      غزَّةَ    شعبٌ    مِغوارٌ = أبدًا .... أبدًا     يبقى      هَدَّارْ

يا     غزَّةَ   هاشم   لم   تهُنِي = أهلُوكِ    على    الأهوالِ   كبارْ

يا      غزَّةَ     كُونِي     بُركانًا = في    وَجهِ    المُحتَلِّ     الغَدَّارْ

في    وَجهِ   الصُّهيونيِّ   رياحًا    غَضبَى .... صاعقةً   مِنْ    نارْ

صَرحُ   الباغين   غدًا    يَهْوي =  وَتُدَكُّ    غدًا     كلُّ    الأسوارْ

الأرضُ   الثَّكلى   مَنْ    يَفدِيهَا  = غيرُ     دَم ٍ     حُرٍّ        فَوَّارْ

وبوَحدتنا    يا   شعبي    ازْدَدْنَا  = عزمًا   ... إقدامًا  ....   إصرارْ

الشَّعبُ       بجميع      فصائِلِهِ   =   وقفُوا  طودًا  و انزاحَ  ستارْ

الآنَ     الآنَ      وليسَ     غدًا   =  لِنُحَرِّرَهَا    أرضَ     الأبرارْ

سَتُحقَّقُ         آمالٌ        وُئِدَتْ  = وَيَعُودُ    الحقُّ    لِأهلِ    الدَّارْ