لقاء آينشتاين وطاغور/ ترجمة د زهير الخويلدي

 


كان اللقاء الرائع بين أينشتاين طاغور نزعة للعقول على حافة العلم والروحانية وحدث الاصطدام والتقارب في الحقيقة والجمال. في 14 يوليو 1930، استقبل ألبرت أينشتاين في منزله الواقع في ضواحي برلين الفيلسوف الهندي والموسيقي والحائز على جائزة نوبل رابيندراناث طاغور. شرع الاثنان في إجراء واحدة من أكثر المحادثات تحفيزًا والإثارة الفكرية في التاريخ، واستكشاف الاحتكاك القديم بين العلم والدين. العلم والتقاليد الهندية: عندما يسرد أينشتاين طاغور اللقاء التاريخي، وسط مناقشة أوسع للنهضة الفكرية التي اجتاحت الهند في أوائل القرن العشرين، مما أدى إلى تناضح فضولي للتقاليد الهندية والعقيدة العلمية الغربية العلمانية. ينتقل المقتطف التالي من إحدى محادثات آينشتاين وطاغور بين التعريفات التي تم فحصها سابقًا للعلم والجمال والوعي والفلسفة في تأمل بارع حول أهم الأسئلة الأساسية للوجود البشري.

آينشتاين: هل تؤمن بالله بمعزل عن العالم؟

طاغور: ليس معزولا. الشخصية اللانهائية للإنسان تدرك الكون. لا يمكن أن يكون هناك أي شيء لا يمكن أن تصنفه الشخصية البشرية، وهذا يثبت أن حقيقة الكون هي الحقيقة البشرية.

لقد أخذت حقيقة علمية لشرح هذا - المادة تتكون من البروتونات والإلكترونات، مع وجود فجوات بينهما؛ ولكن قد تبدو المادة صلبة. وبالمثل، تتكون البشرية من أفراد، ولكن لديهم ترابط العلاقة الإنسانية، مما يعطي وحدة حية لعالم الإنسان. الكون كله مرتبط بنا بطريقة مماثلة، إنه كون بشري. لقد تابعت هذا الفكر من خلال الفن والأدب والوعي الديني للإنسان.

أينشتاين: هناك مفهومان مختلفان حول طبيعة الكون: (1) العالم كوحدة تعتمد على الإنسانية. (2) العالم كواقع مستقل عن العامل البشري.

طاغور: عندما يكون عالمنا في وئام مع الإنسان الأبدي، فإننا نعرفه على أنه حقيقة، ونشعر به كجمال.

أينشتاين: هذا هو المفهوم البشري البحت للكون.

طاغور: لا يمكن أن يكون هناك تصور آخر. هذا العالم عالم بشري - النظرة العلمية إليه هي أيضًا نظرة الرجل العلمي. هناك معيار ما للعقل والمتعة يمنحها الحقيقة، معيار الإنسان الأبدي الذي تكون خبراته من خلال تجاربنا.

أينشتاين: هذا إدراك للكيان البشري.

طاغور: نعم، كيان واحد أبدي. علينا أن ندرك ذلك من خلال عواطفنا وأنشطتنا. لقد أدركنا الإنسان الأسمى الذي ليس له قيود فردية من خلال قيودنا. العلم معني بما لا يقتصر على الأفراد؛ إنه عالم الحقائق البشري غير الشخصي. يدرك الدين هذه الحقائق ويربطها باحتياجاتنا الأعمق؛ يكتسب وعينا الفردي للحقيقة أهمية عالمية. يطبق الدين القيم على الحقيقة، ونحن نعرف هذه الحقيقة على أنها جيدة من خلال انسجامنا معها.

أينشتاين: إذن، الحقيقة، أم الجمال ليس مستقلاً عن الإنسان؟

طاغور: لا.

أينشتاين: إذا لم يعد هناك بشر، فلن يكون أبولو بلفيدير جميلًا.

طاغور: لا.

أينشتاين: أنا أتفق مع هذا المفهوم للجمال، لكن ليس فيما يتعلق بالحقيقة.

طاغور: لمَ لا؟ الحقيقة تتحقق من خلال الإنسان.

أينشتاين: لا أستطيع إثبات أن تصوري صحيح، لكن هذا هو ديني.

طاغور: الجمال هو مثال التناغم التام الموجود في الكائن الكوني. الحقيقة هي الفهم الكامل للعقل العالمي. نحن الأفراد نتعامل معها من خلال أخطائنا وأخطاءنا، من خلال تجاربنا المتراكمة، من خلال وعينا المستنير - كيف، بخلاف ذلك، يمكننا معرفة الحقيقة؟

آينشتاين: لا يمكنني إثبات علميًا أن الحقيقة يجب أن تُفهم على أنها حقيقة صالحة مستقلة عن الإنسانية. لكنني أؤمن به بشدة. أعتقد، على سبيل المثال، أن نظرية فيثاغورس في الهندسة تنص على شيء صحيح تقريبًا، مستقل عن وجود الإنسان. على أي حال، إذا كانت هناك حقيقة مستقلة عن الإنسان، فهناك أيضًا حقيقة مرتبطة بهذا الواقع؛ وبنفس الطريقة يؤدي نفي الأول إلى إنكار وجود الأخير.

طاغور: يجب أن تكون الحقيقة، التي هي واحدة مع الكائن الكوني، بشريًا، وإلا فإن كل ما ندركه نحن الأفراد على أنه حقيقي لا يمكن أبدًا تسميته بالحقيقة - على الأقل الحقيقة التي توصف بأنها علمية والتي يمكن الوصول إليها فقط من خلال عملية المنطق بعبارة أخرى، عن طريق جهاز من الأفكار هو الإنسان. وفقًا للفلسفة الهندية، هناك براهمان، الحقيقة المطلقة، التي لا يمكن تصورها من خلال عزل العقل الفردي أو وصفها بالكلمات ولكن لا يمكن إدراكها إلا من خلال دمج الفرد تمامًا في اللانهاية. لكن مثل هذه الحقيقة لا يمكن أن تنتمي إلى العلم. إن طبيعة الحقيقة التي نناقشها هي مظهر - أي ما يبدو أنه حقيقي بالنسبة للعقل البشري وبالتالي فهو بشري، ويمكن تسميته مايا أو وهم.

أينشتاين: إذن وفقًا لمفهومك، الذي قد يكون المفهوم الهندي، فإنه ليس وهمًا للفرد، بل وهم البشرية ككل.

طاغور: الجنس البشري ينتمي أيضًا إلى الوحدة، للبشرية. لذلك فإن العقل البشري كله يدرك الحقيقة. يلتقي العقل الهندي أو الأوروبي في إدراك مشترك.

أينشتاين: تُستخدم كلمة "الأنواع" في اللغة الألمانية للإشارة إلى جميع البشر، في واقع الأمر، حتى القرود والضفادع تنتمي إليها.

طاغور: في العلم، نمر عبر نظام القضاء على القيود الشخصية لعقولنا الفردية، وبالتالي نصل إلى هذا الفهم للحقيقة الموجود في ذهن الإنسان الكوني.

أينشتاين: تبدأ المشكلة فيما إذا كانت الحقيقة مستقلة عن وعينا.

طاغور: ما نسميه الحق يكمن في الانسجام العقلاني بين الجوانب الذاتية والموضوعية للواقع، وكلاهما ينتمي إلى الإنسان الفائق الشخصية.

أينشتاين: حتى في حياتنا اليومية، نشعر بأننا مجبرون على إسناد واقع مستقل عن الإنسان للأشياء التي نستخدمها. نقوم بذلك لربط تجارب حواسنا بطريقة معقولة. على سبيل المثال، إذا لم يكن هناك أحد في هذا المنزل، فإن تلك الطاولة تظل في مكانها.

طاغور: نعم، إنها تبقى خارج العقل الفردي، ولكن ليس خارج العقل الكوني. الجدول الذي أراه محسوسًا بنفس نوع الوعي الذي أملكه.

أينشتاين: إذا لم يكن هناك أي شخص في المنزل، فستكون الطاولة موجودة تمامًا - لكن هذا بالفعل غير شرعي من وجهة نظرك - لأننا لا نستطيع شرح معنى وجود الطاولة هناك، بشكل مستقل عنا.

وجهة نظرنا الطبيعية فيما يتعلق بوجود الحقيقة بمعزل عن الإنسانية لا يمكن تفسيرها أو إثباتها، لكنها اعتقاد لا يمكن لأحد أن يفتقر إليه - ولا حتى كائنات بدائية. ننسب إلى الحقيقة موضوعية فوق بشرية؛ إنه أمر لا غنى عنه بالنسبة لنا، هذا الواقع المستقل عن وجودنا وتجربتنا وعقلنا - رغم أننا لا نستطيع أن نقول ما يعنيه.

طاغور: لقد أثبت العلم أن الجدول كجسم صلب هو مظهر، وبالتالي فإن ما يدركه العقل البشري كجدول لن يكون موجودًا إذا كان هذا العقل بلا شيء. في الوقت نفسه، يجب الاعتراف بأن حقيقة أن الواقع المادي المطلق ليس سوى عدد كبير من المراكز الدوارة المنفصلة للقوة الكهربائية، تنتمي أيضًا إلى العقل البشري. في فهم الحقيقة، هناك صراع أبدي بين الكوني. العقل البشري ونفس العقل محصور في الفرد. تجري عملية المصالحة الدائمة في علمنا وفلسفتنا وأخلاقنا. على أي حال، إذا كانت هناك أي حقيقة لا علاقة لها بالبشرية على الإطلاق، فهي بالنسبة لنا غير موجودة على الإطلاق. ليس من الصعب تخيل عقل يحدث فيه تسلسل الأشياء ليس في الفضاء ولكن فقط في الوقت المناسب مثل تسلسل النغمات في الموسيقى. بالنسبة لمثل هذا العقل، فإن مثل هذا المفهوم للواقع يشبه الواقع الموسيقي حيث لا يمكن أن يكون للهندسة الفيثاغورية أي معنى. هناك واقع الورق يختلف بشكل لا نهائي عن واقع الأدب. لأن نوع العقل الذي تمتلكه الفراشة التي تأكل الأدب الورقي غير موجود تمامًا، ومع ذلك فإن الأدب بالنسبة لعقل الإنسان له قيمة أكبر للحقيقة من الورقة نفسها. بطريقة مماثلة، إذا كان هناك بعض الحقيقة التي ليس لها علاقة حسية أو عقلانية بالعقل البشري، فإنها ستبقى على الإطلاق لا شيء طالما بقينا بشرًا.

أينشتاين: إذن فأنا أكثر تديناً منك!

طاغور: ديني هو في مصالحة الإنسان الفائق الشخصية، الروح الإنسانية العالمية، في كوني الفردي.

" العلم والتقاليد الهندية: عندما يكون آينشتاين أمد طاغور قراءة رائعة في مجملها. أكملها مع الفيزيائية ليزا راندال حول الاختلافات الجوهرية بين كيفية تفسير الفن والعلم والدين للكون، ثم أعاد النظر في مراسلات أينشتاين مع فرويد حول العنف والسلام والطبيعة البشرية، وهو تبادله غير المعروف مع بي دوبوا حول العدالة العرقية والعرق، ورسالته إلى فتاة صغيرة في جنوب إفريقيا حول ما إذا كان العلماء يصلون أم لا.

الرابط:

https://www.brainpickings.org/2012/04/27/when-einstein-met-tagore


البرلمانات الخشبيّة في مملكة الأبلكاش النشميّة/ أحمد سليمان العمري



 كان يا مكان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان حاكم باسم بهيّ الطلّة وبلكنة فصيح اللّسان، يجلس على عرش ممكلة الأبلكاش، محبوب عند شعبه الكريم المضياف؛ قهوتهم تراث وموسيقاهم دقات «المهباش».


جرت العادة في مملكة الأبلكاش تبديل أعمدة العرش والأركان في كلّ أربعة أعوام، حتى آل جلّها أعمدة وأركان، أمّا باقي المملكة رملٌ وحطامٌ وأعلافٌ لبهائم السلطان وأبواق تنعق بهيبة الأركان، وعسكرٌ جياعٌ ضَور تفتدي الحاشية والملك الشبعان، وكرماء القوم في مخمصة حرّاس حرملك الخليفة العريان لا يرون بالأمّة غير قطيع خرفان.


أمّا الأعمدة فهي مائة وثلاثون وعدد الأركان أربع وعشرون، يختارهم الملك من شعبه ويجعلهم خصاصته وبطانته شريطة إفقار الطائفة التي ينتقي منها قوائم مملكته. وهكذا استمرت سياسة المملكة المطمئنّة أهلها الراضين بفقرهم لبقاء العرش والملك الحكيم، حتى ضجّ شبيبة المملكة المتأثرين من شدّة الفقر والعوز بمملكة «الحريّات التسويقيّة» فعرفوا أنّ ما يروّج في دولتنا من حقوق ما هي إلّا انتهاكات بوجه خرافات وخزعبلات أزليّة؛ فخالفوا كبارهم وانشقّوا عن الرأي الملتئم الملتحم، فأشار مستشار الملك بأن يترك الأمر لهم لإختيار الأعمدة والأركان ويكفّ عن نفسه سخطهم وشذوذهم السرمديّة.


نجحت فكرة مستشار الملك الوسيم، وانقسمت الشبيبة وانشقّت على بعضها واختلطت أطماعهم بثوابتهم، فشابه جشع بعض الشبيبة جهل كثير المشيب وقام عرش الملك من جديد بشراكة كبار العشيرة؛ صغارها ورشيدها وأرعنها، فزادت أركان الدولة أعمدة وأركان وآل جلّ الشعب إلى كلأ وتُراب، وعاد الفقر والعوز كما كان مؤطّراً بإقصاء الحُصفاء والعارفين.


تنافس أبناء العترة الواحدة وبينهم العقلاء والفطناء لتقديم ركن وعمود للملك ظنّهم أنّهم لهم رفعة وأنفة، وغاب عنهم بالحميّة الجاهلية تنفّذ واحدهم على تهميش ألاف منهم بين عائل مملق وعديم مدقع.


وتهافتت رايات المهنئين المنافقين وسُذّج وجهلاء وبينهم لبيب حاذق وحصيف سويّ الراية سديد، اعتلى الركب حياءً أو مخافة إقصاء أو من خاصّته المذمّة؛ انصاعوا لتمكين تجّار القضيّة بروابط شرفاء كوكبة عديّة.


سألني أخي، ونحن من تراب المملكة الأبلكاشية: ما الذي منعك من دعم الأركان العسكرية وأثرياء صناديق المالية؟ فقلت له يا ابن أمي وببساطة، مملكتنا لا تقيمها أعمدة أفقية أو عمودية، فهي بخط قصبة وقطرة حبر عفوية تهدم البرلمان وتقيل صاحب الشرطة والصولجان ومعها كل صروح الديمقراطية والحريّة، يا ابن أمي وأبي المملكة تبنيها ساسة وجعهم كوجعك ووجعي ومتمرّسين بألمعيّة، يا ابن أمي وأبي أبناء القبيلة نختارهم عصبيّة فيشدّوا من وطأة الحراميّة بعون الأكثريّة، يا ابن أمي تقفون لنصرة هيكل ليس له من العمود والركن غير نفسه وجوع البقيّة، ويمنوك بتجنيد عسكري وتوظيف حارس بلديّة، نصحوه أكل العدس فهو كاللّحمة البلدية وقالوا له خبز «الكراديش» مثل الأرغفة الألمانية والكعكة الفرنسيّة.


يا ابن أمي الدولة ليست مضافة صلح عشائريّة تُنهي الحد والقصاص بهزة فنجان قهوة زعبيّة أو عمريّة، الدولة حكم وتشريع وقرارت مخادعة يسمّونها حيناً دبلوماسيّة، الدولة قلم حرّ ورضيع أمن الحليب حتى شاخ فأمن العفّة والكرامة حتى حتفه، الدولة حقّ الفقير بعنق ابن الوزير الزير كحقّ الضعيف عند الأمير، الدولة حق دواء العليل كالحق في الداء بجسد الوالي والسفير.


يا ابن أبي وأمي أركان دولتنا وأعمدتها العتيّة ركيكة هشّة قائمة على اختيار الأغلبية، والأغلبية تقدّم القريب رغم جهله بالحكم والأمور السياسيّة، لكنّه ابن العم فهو الأولى بالأريكة الجلديّة تحت القبّة البرلمانيّة، وله الحق - فهو ابن العشيرة - بالتصويت على قرارات اللصوص العنجهيّة. كلّ أعمدة دولتنا الأردنيّة الوزاريّة والبرلمانيّة والمؤسّسيّة والفعليّة والأسميّة معروفة لهذا وسد جميل لذاك واحتواء معارض الأمس سليط اللسان لتقويض الحقيقة وتقديمها مرّة أخرى على شكلّ منسف و «مليحيّة». أركان دولتنا يا أبن أمي وأعمدتها  كلّها من الأبلكاش الخشبيّة.


قفصُ الحَمامِ/ د. عدنان الظاهر

   


[ أقولُ وقد ناحتْ بقربي حمامةٌ / أيا جارتا لو تشعرينَ بحالي /  لأبي فراس الحمداني ]

1 ـ دخَلَتْ تتوجّسُ خوفا

أنْ تظمأَ أو تعرى جوعا

أنْ تسمعَ ما لا يُحمَدُ عُقباهُ

خِلخالُ سلاسلِ أَرجِلُها إنذارُ الطلْقِ الناري

القفَصُ الصدريُّ صناعةُ عُنفِ السجّانِ

تتحصّنُ تنشرُ أثوابا

تتزيّا بالأحلى طوقا

أقدارَ ثمينِ الأحجارِ ... 

 أتأبطُّ أحملُ في الصدرِ القبطيِّ سؤالا

يُقلقُني مُذْ قال القارونُ " بَلى "

يتتابعُ للرِدّةِ في رأسي تَكرارا

أُوليهِ فُسحةَ مِشوارِ الترويجِ الجبري

وأُقيمُ طُقوسَ مُناجاةِ خليلِ الوحدةِ في الليلِ

أبوابُ الرصْدِ منافذُ إعصارٍ بحريِّ الأنواءِ

والدفعةُ موجةُ مُنقّضِ الغربانِ

كلّفتُ الأقربَ أنْ يُنشئَ للصاحي في فُلْكٍ بارا

الحاجةُ فيهِ مِصراعٌ في بابِ

مارسْ لا تدفعْ للنادلِ في الجدولِ شيئا

 أُدخلْ مِنظارَ الوقتِ حِساباً طقسيَّ التنظيرِ

وتحرَ الجوَّ المتلاطمَ ريشا

لا تُطلقْ إطلاقةَ صُفّارةِ إنذارِ

داعبْ مِنقارَ الشوقِ بريشِ الأعناقِ

لوِّنْ ما شاءَ البرقُ بعينيها زيتاً زيتونيّا

وأقمْ حفلَ زفافِ العُرسِ الدامي شهريّأ ...

مدّدث ذراعي ما شاءَ وجدتُ الأفعى يقظى لا تُغمِضُ عينا

  تترصّدُ أفراخَ حَمامِ الأقفاصِ

فرعونُ أتى قُدّامي قالتْ

والرومُ وجحفلُ أجنادِ الجُرمانِ

جوعى قالت ...أنتَ أتيتَ لماذا ؟

شأني يا أفعى شأنٌ ثانِ

لي بشرٌ يكتبُ تحتَ الأسِّ حروفا

يبحثُ عمّنْ عبروا عجلى

قرأوا كلَّ التأريخِ وجازوا شَطَطا

وقفتْ فيهِ الساقُ اليُمنى عَرجى 

وتوابيتُ مواكبِ جرِّ رميمِ عِظامِ الأظفارِ

الحجرُ الشاهدُ لا مِنْ صوتٍ أو رسمٍ فيهِ

هذا شأني في ذا السجنِ.

2 ـ صدرُ يمامةِ هزِّ الرأسِ شَمالا

ينقضُ دقَّ التوقِ الضاربِ من حولي طوقا

يُنكرُ أني أتحرّقُ للآتي شوقا

باباً أترصدُّ موصودا

فكّي يا هذي مفتَرَقِ البابِ العاصي مختوماً شمعا

هُزّي مهدَ يمامِ الصدرِ الصاعدِ للنجوى رَهْوا

زيديهِ شَحْما

زُقّيهِ ماءَ الوردِ خُزامى

رُشّيه شَهْدا

أفما كانَ يُغني ويغيبُ هديلاً سُكْرا

زُقّيهِ المخزونَ وراءَ نتوءِ مساميرِ الضوءِ نفورا

الأفعى تترّصدُ تبقى أفعى

وحمامُ القفصِ القسريِّ يظلُّ حَماماً مقتولاً صَبْرا

قيدَ الفحصِ وقيدَ الدرسِ شهيداً مشهودا ...

جَهَشتْ تبكي حَظا

أخطأَ لمّا أوفى وتدلّى كيلا

( القِسمةُ ضيزى )

عودي لمتاريسِ سرورِ حَمامِ البابِ العالي تشبيها

ظمآنُكِ مشلولٌ يشكو الحُمّى يشكوها مُرَّ الشكوى 

والليلُ يمرُّ عليكِ ثقيلَ سقوفِ الظلِّ الليلي

الوِحدةُ أشواكُ مساميرِالجسدِ المُبتّلِ العاري جُهدا

ميزانُ الشوقِ ثقيلٌ مهموزٌ يهتزُّ

يتمادى أعيا حلَّ العقدَ وأغفى

قالَ سلاما

.....

نامي هامَ ونامَ حَمامُ

أعطى قَفَصاً صَدْرا

زَجلاً يتنفسُّ سُمّا .


النائب عن الحركة الاسلامية، منصور عباس، ولافتة قف/ جواد بولس



ما زال مصير القائمة المشتركة غامضًا؛ ولا نستطيع التكهن بما ستفضي اليه المناكفات التي اندلعت، وما زالت تتداعى، بين النائب عن الحركة الاسلامية، منصور عباس، وبين زملائه في الجبهة الديموقراطية وحزب التجمع الوطني .

 لم أتفاجأ شخصيًا من هذه المواجهة، خاصة بعد أن شهدنا مقدمات لها حصلت في الأشهر الماضية؛ فحذرت، في حينه، من خطورتها ومن عواقب الاستكانة الى فرضية وهمية أفادت بأن الوحدة بين الحلفاء الأربعة هي قدَر، وانها خيارهم الوحيد الممكن الذي يضمن لجميعهم البقاء في الكنيست والمحافظة على القائمة، التي وصفها الكثيرون، بمجازية شرقية مبالغ بها، على أنها الابنة الشرعية لإرادة الجماهير .

سننتظر لنرى نهاية الحكاية التي سيؤثر فيها، تمامًا كما أثر في بدايتها، فرمان "السلطان" وموقفه إزاء مسألة "نسبة الحسم"، فاذا أبقاها عالية، كما هي اليوم، سيضطر الاربعة الى الاعتدال والعودة إلى "البراغماتية"، وهي، في عالم تاهت فيه التعريفات وديست القيم، رشد سياسة العاجزين وترياق الضعفاء المنقذ؛ اما اذا أنزلها، فستفتح أبواب سوق الاحتمالات؛ وقد نرى حينها الحركة الاسلامية منافسة لشركائها، علاوة على شتى أصناف البسطات "الحزبية"، حامضها ومرها، وسنسمع، أيضًا، تفاريد العجب.

"لهم أسلوبهم ولي أسلوبي"

هكذا صرّح د. منصور عباس في احدى تغريداته الاخيرة ، محاولًا الدفاع عن بعض مواقفه الخلافية وتبرير سلوكه، الذي اقر أنه "تجاوز  خطوطًا اعتاد النواب العرب على وضعها في الزاوية" وسأل، في تلك التغريدة، على سبيل توضيح الفارق بين الاسلوبين: "عندما ينعَتُ أحد الاعضاء رئيس الحكومة بالكذاب أو يقوم بشتمه، هل يتوقع بعدها أن يوافق رئيس الحكومة على طلباتنا؟ وهل هذا التصرف سيعود على مجتمعنا بشي؟". لم ينتظر النائب عباس ردًا من أحد، بل اردف في نفس الموقع وشهد على انه "ذاهب للعمل لخدمة وتعزيز مكانة مجتمعي بشكل فعلي وليس لتسجيل المواقف، وأنا اعتمد اسلوبًا حضاريًا بالحوار وموضوعيًا بالطرح يخلو من الشعبوية".

لم يكلفني أحد بالدفاع عن "القائمة المشتركة" لكنني كمواطن منحها صوته، وانجح القائمة والنائب عباس، يحق لي ولغيري ان نسأل: هل هذا هو أسلوبه الحضاري؟ هل يحسب انه اذا اتهم حلفاءه بالتخلف وبعدم الموضوعية وبالشعبوية، وهكذا يفهم من كلامه، سينجح بتبرير  علاقته الملتبسة مع بنيامين نتنياهو؟ وهل بالسلوك المؤدب والخلق الحسن سيحقق انجازات لم نحققها خلال مسيرة عقود من الصمود والكفاح البرلماني والميداني؟

على النائب عباس أن يراجع مواقفه الغريبة والمستفزة لقطاعات واسعة من ناخبي القائمة المشتركة، والتي توالت في مناسبات عديدة، مثل تصرفه عندما كان يرأس جلسة الكنيست وموافقته على الغاء التصويت الذي دعا الى اقامة لجنة تحقيق ضد نتنياهو في قضية الغواصات؛ مرورًا بمخاطبته الحريرية لضباط الشرطة الذين حضروا جلسة لجنة مكافحة العنف في المجتمع العربي، وموقفه الخطير من قضية انتشار السلاح غير المرخص بين المواطنين العرب وتبريره، غير المباشر، لحيازة النسبة الكبيرة من تلك القطع اذا لم تكن مخزنة لاغراض اجرامية مباشرة، وبعدها تكرار مواقفه الودودة من بنيامين نتياهو وتمنّعه من وصف نتنياهو بالانسان العنصري، خاصة عندما سئل عن ذلك مباشرة في لقاء متلفز على قناة "واينت" اذيع يوم الاربعاء الفائت، فاجاب: " قراري قرار شجاع، ولن اصف اي شخص بالعنصري، لا ضد نتنياهو ولا ضد أي احد آخر،  فأنا ملتصق بالحقائق. هل يوجد عنصرية في اسرائيل؟ يوجد. هل يوجد فجوات بين اليهود والعرب ؟ يوجد. حتى بين اليهود واليهود يوجد فجوات. انا استعرض الامور بصورة موضوعية واريد ان اعالجها". هكذا بكل بساطة وحزم اجاب ممثل "الحركة الاسلامية" حين سألته مذيعة يهودية: ألا تعتقد ان نتنياهو عنصري؟ ألا يحرض ضد الجماهير العربية؟

 فان كانت هذه شجاعة سياسية فكيف يكون "مسح الجوخ" في السياسة؟

لقد صرح النائب عباس، في أكثر من مناسبة، أنه يمثل، بنهجه وبمواقفه، حركته الأم، الحركة الاسلامية؛ والتي بدورها أعلنت ببيان نشرته بعد اجتماع ضم أعضاء مجلس شورتها وقيادييها، أنها "تثمن عاليًا جهود جميع نوابها في البرلمان لخدمة وتعزيز مكانة مجتمعنا وعلى رأسهم ابنها البار النائب الدكتور منصور عباس ، رئيس القائمة العربية الموحدة، وبالذات جهوده في الإصلاح ومكافحة الجريمة والعنف في مجتمعنا العربي وجهوده البارزة لدفع الحكومة لإقرار خطة حكومية شاملة لمكافحة العنف والجريمة..". لم اخلص الى نتيجة واضحة من لغة البيان، ففي مطلعه، كما قرأنا، أشادوا بجهود النائب منصور عباس، ثم تعمدوا، بعد ذلك، اللجوء الى صياغات فضفاضة لا غبار عليها سوى أنها عامة وتحمل في طياتها معاني كثيرة وتجيز السير في اتجاهات متناقضة؛ وذلك رغم تأكيد الحركة على أنها كما سعت "في السابق وضحّت من اجل تعزيز وحدة القائمة المشتركة، فإنها ستبقى حريصة على الحفاظ على هذا المشروع الوطني"؛ لكنها تشترط لقاءها مع الشركاء، في الوطن والمسيرة والكفاح وفي العمل السياسي عمومًا، بعدم الخلاف "في ثوابتنا الدينية والوطنية." وما أدرانا ماذا يقصدون بالثوابت الوطنية، خاصة وان النائب منصور يؤكد ان نهجه هو النهج العملي الناجع والوطني القويم ! 

لم ينه بيان الحركة الاسلامية هذه الازمة؛ ولم يحقق ذلك الاستاذ ابراهيم صرصور، النائب السابق عن الحركة في الكنيست ورئيسها حتى العام 2010، عندما أضاف توضيحه الشخصي لما جرى في اجتماع القيادة المذكور، وكتب يوم الجمعة الفائت: "من أجل أن يكون موقفي واضحًا ، هكذا افهم، موقف الحركة الاسلامية من التطورات السياسية الاخيرة والجدل حولها.." فان الحركة "تحتضن الدكتور منصور عباس تمامًا كما احتضنت قيادات من ابنائها سبقوه في الموقع الحالي، إلا أنها رفعت أمامه "لافتة قف" كما لن تتردد في رفع مثلها امام أية قيادة من قياداتها اذا دعت الضرورة لذلك.. مع التأكيد على انها لا تشك لحظة في حسن نية الدكتور منصور عباس، لكنها تطمح الى أن يكون حسن التصرف في كل الاحوال هو الترجمة الصادقة لحسن النية وصدق العزيمة ومضاء الارادة ".

كلام في منتهى الاهمية ولكن ..

يبقى الفصل والحقيقة، اذن، عند "حسن التصرف، وصدق العزيمة، ومضاء الارادة" ، فلقد استبعد الاستاذ ابراهيم صرصور ، كما كتب، ان يعود الدكتور منصور عباس لمثل تصريحاته في الفترة الأخيرة، خصوصًا لأنه "واحد من أكثر القيادات فهمًا لمباديء الحركة وخطوطها الحمراء، وتنفيذًا لتوجهات قيادته.." ورغم ذلك، فما  فعله النائب منصور لاحقًا كان معاكسًا لما توقعه، أو ربما تمناه، القيادي الاسلامي المجرب، ابراهيم صرور ، وذلك حين سئل النائب منصور في لقائه المذكور مع "واينت" ، فيما  اذا كان يعتقد بان نتنياهو يعمل لصالح المجتمع العربي أو لصالح العرب في اسرائيل؟ اجاب، وفقًا لمنهجه المعهود وباسلوبه الملتوي، قائلًا:  "كل حكومة اتخذت قرارات كان بعضها لصالح المجتمع العربي، لكنني اريد لهذه القرارات والمشاريع التي يعلنوها أن تكون حقيقية وأن تجيب على مشاكل المجتمع العربي؛ هذه وظيفتي". هكذا، وبعكس ما كانوا وكنا نتوقع منه، نراه مرّة أخرى يدافع بشكل غير مباشر، لكنه مكشوف، عن نتنياهو، ويتمنع عن انتقاد ممارساته العنصرية وهجومه الدائم على المواطنين العرب، وعلى ممثليهم في الكنيست، ولا يواجه محاولاته لنزع شرعية وجودنا والنضال من اجل حقوقنا وانتخاب مؤسساتنا السياسية والمدنية.

لم يتراجع النائب منصور عن طريقه الصدامي مع زملائه في القائمة المشتركة؛ ولئن ظهر في البدايات وكأنه يسعى للاطاحة برئيس القائمة المشتركة، ايمن عودة وحسب، تبين لاحقًا ان "جبهته" القتالية مفتوحة على عرض القائمة كلها، ففي لقائه الأخير، قبل أيام مع القناة 20 اليمينية المقربة من نتنياهو، أعلن، بما يشبه الابتزاز لشركائه، بأن  استمرار القائمة المشتركة مشروط "باتباع النهج الذي يمثله وانها ستفقد مبررات وجودها اذا ما كررت نفس الاخطاء والمواقف" وهذا ما دفع زميله في القائمة النائب عن حزب التجمع الديمقراطي، د. امطانس شحادة، اتهامه بالانشقاق عن القائمة،  والتأكيد على أن نهج النائب عباس ليس هو نهج شعبنا الذي يريد حقوقه بكرامة وعنفوان اصحاب البلاد.

كل التوقعات جائزة، لكنني لا اعرف ماذا قصد الاستاذ ابراهيم صرصور عندما كشف ان الحركة الاسلامية رفعت في وجه النائب عباس منصور "لافتة قف " ؟  ولا اعرف أي لافتة قد ترفع في وجه من لا يتوقف عند خطوط "حركته الحمراء او لا ينفذ توجهات قيادته" ؟ لكنني على قناعة انه اذا استمر النائب عباس في نهجه، وهذا ربما كان حقه وحق حركته، فسيترتب على الشركاء في القائمة المشتركة ايجاد "اللافتات" الصحيحة التي ستقنعنا ، نحن المصوتين، بالتوجه الى صناديق الاقتراع وانتخابهم مرة اخرى !    

قراءة في رواية "رحلة البحث عن العريان"* ليس الجبل وحده ما يَحُول بين يوسف والعريان/ فراس حج محمد


مهمّة الفلسطيني ألّا ينسى، هذه هي الحكمة البالغة التي تدور حولها رواية الكاتب الفلسطيني خليل عانيني "رحلة البحث عن العريان". فقد أولت الرواية أهمّيّة قصوى لفعل التذكّر ومقاومة النسيان، هذا الفعل "التذكّر" الذي يجيء في سياقه مناهضاً للمشروع الاستيطانيّ الاحتلاليّ في فلسطين القائم على المحو والتغيير  والإحلال. فالإسرائيلي يريد لنا أن ننسى كلّ شيء، فلذلك يظلّ متشبّثاً بحلمه ومقولته في أنّ الكبار سيموتون والصغار سينسون. خليل عانيني يقاوم هذه المقولة في هذه الرواية مقاومة عميقة، وذات مخالب حادّة تنهش الوعي الفرديّ والجماعيّ، فتدمي وتؤلم وتوجع. علينا أن نظلّ نعيد الحكاية من أوّلها. علينا ألّا نملّ أو نضعف أو نتكاسل، لم يبق لنا غيرها. لأنّ تكلُّس الذاكرة يعني ضياع الحكاية، وإذا ضاعت الحكاية فإنّ فلسطين ستضيع وتتلاشى وتُنسى، وربما أصبحت "أندلساً أخرى، لأنّ ثمّة معادلات على الأرض تدفع نحو هذا الاتّجاه من المحو والإلغاء، ولذلك فإن بنات آوى رفيقات يوسف في الرحلة تقول له: "قلنا لك فرّط بكلّ شيء إلّا الذاكرة". (الرواية، ص23)

تأتي رواية "رحلة البحث عن العريان" لتواجه الواقع الحالي بمفرداته السياسيّة والثقافيّة، وتدقّ ناقوس الخطر، فالأرض تضيع لأنّ الحكاية تضيع، فـ"من يكتب الحكاية يرث أرض الكلام/ ويملك المعنى تماماً"، كما قال الشاعر محمود درويش، فقد أشارت الرواية إلى وسائل هذا الضياع وأدواته من تهويد للأرض وزرع للمستوطنات وتغيير الأسماء، وإحلال اللغة العبرية محلّ العربيّة، وقلع الفلسطيني والسيطرة على التاريخ وتأويله.

يقترح الروائي حبكته الروائية على شكل رحلة يقوم بها السارد يوسف الفلسطيني اللاجئ الذي يتسلّل عبر الحدود ليعبر إلى فلسطين ليبرّ بوعده وإرجاع شاهدة قبر جدّه إلى بلدهم- العريان- التي هجروا منها. لقد قضى أبوه نحبه في الشتات، في المخيم، ولم يستطع زرع شاهد القبر على قبر أبيه، جدّ السارد يوسف، فيتحمّل يوسف هذا الإرث، فيحمل الشاهد معه ويتسلّل إلى فلسطين.

لم تكن الرحلة سهلة بتاتاً، فقد واجهته مصاعب كثيرة، تساعده بنات أوى في هذه الرحلة وتقوده فيها، وتعرّفه على المكان وعلى الطريق، بحكم أنّها طيور فلسطينيّة وتعرف المكان جيّداً، ومن خلال هذه الرحلة تبني الرواية حكايتها، فتعرّفه بفلسطين وأماكنها وطيورها وأشيائها، وتساعده على التذكّر، وتحذّره من النسيان، إنّه تبني عالماً سرديّاً محمّلاً بالإشارات والرؤى، وإن كان محمّلا أحياناً بنفَس عجائبيّ وخياليّ، ولكنّها حيلة روائيّة استطاع الروائي من خلالها تمرير رسائله المباشرة وغير المباشرة. وتأكيد علاقته بالأرض، هذه العلاقة التي تنمّ عن الحبّ والانتماء المبنيّين على المعرفة بأدقّ التفاصيل.

يختار الروائي للحفيد اسم يوسف، ولهذا الاسم دلالته التي درج الكثير من الأدباء، عرباً وفلسطينيّين، على الاتّكاء عليها لتحميلها مدلولات سياسيّة وثقافيّة موجّهة، فيوسف، عليه السلام، الذي كان في هذه البلاد وأودى به إخوته في رحلتهم إلى مصر، ثم سجن وخروجه من السجن، وصولاً إلى اعتلاء العرش. ثمة يوسف فلسطيني آخر يقوم برحلته ليبحث عن مكانه الذي طرد منه أبوه. ربّما كان الرابط واهيا بين الرحلتين، ولكن ثمة ما يتشابه به الفلسطيني مع يوسف في محنته، فكلاهما كان ضحية لأخوته، وهذا ما تقوله الرواية أيضا، فالفلسطيني اللاجيئ في بلاد العرب متّهم في كلّ حين، متّهم إن تحدّث، ومتّهم إن سكت، ومتّهم إن انعزل أو شارك إخوته. مجرّد أن تكون فلسطينيّاً في بلاد العرب فأنت يوسف، أي أنت مكروه، وستتعرّض للكثير من المصاعب. 

ربّما حمل الاسم بعداً أكثر أملاً؛ إذ تتردّد البنية السرديّة بين قتامة اليأس ونور الأمل، ألا يحقّ ليوسف الفلسطيني أن يأمل بالعودة؟ بل عليه أن يظلّ حالماً بالعودة ومصرّاً عليها، وهو إن عاد فإنّه سيعود إلى "جنّته الموعودة" وإلى "فردوسه المفقود" لتنتهي رحلته بالظفر، كما انتهت رحلة يوسف النبي بالظفر كذلك.

يقصّ السارد يوسف مسار رحلته من مبدئها إلى منتهاها بضمير "أنا"، وهو سارد مشارك- بلغة النقد الروائي- ومن خلال ذلك يبني حكاية فلسطين، كلّ فلسطين، فلسطين الحاضر، وفلسطين النكبة، وفلسطين التاريخية الموغلة في التاريخ ويعود بالقارئ إلى قصّة الخلق الأولى وقصّة هابيل وقابيل وقتل أحدهما أخاه وقصّة الغراب، إنّه نوع من تأصيل الحكاية وتجذيرها، وبكلّ مرحلة ترى الفلسطيني الإنسان وفلسطين الجغرافيا، وفلسطين الثقافة والحضارة ماثلة وبقوّة. يواجه السارد بذكاء حكاية الآخر الطارئ الغريب الذي لا يعرف هذه البلاد، ولا يعرف أشياءها ولا حيواناتها ولا يعرف تاريخها، وعلى النقيض من ذلك فإنّ "سكان البلاد يعرفون الصخر كما يعرفون أسماء أبنائهم، ويعرفون لغة الطير كما يعرف هو لغتهم". (الرواية، ص43)

بالمقابل يواجه الآخر هذه المعرفة بسرقة المدن والأشياء، ليبني تاريخاً ما، إلّا أنّه تاريخ استعماريّ مزيّف قائم على السرقة، سرقة الغنم، وسرقة الألحان والأغاني، وليس فقط سرقة الجغرافيا وتشويه ملامحها. إلّا أنّ الأرض تأبى أن تفارق صورتها الأولى. إنّه يتوجّه نحو تلك الأمارات التي تدلّ على وجود الفلسطيني في هذه الأرض، كالكهوف والأسماء والثقافة. وحتى المقبرة؛ فهي "دليل، ووعي وذاكرة، هل سمعت أنّ المحتلّين لهم قبور قديمة في هذه الأرض؟" (الرواية، ص26). ولأنّ الآخر ليس له تاريخ في هذه البلاد يدلّ عليه أخذ يمحو التاريخ الفلسطيني، "فالمكان كلّه زرعه المستوطنون بالأشجار الغريبة، وعملوا منها خارطة بين الممرات والطرق وحوّلوها كلّها إلى منتجع سياحيّ، يظنّون أنّها بذلك تكون أجمل، لكنّهم شوّهوها وألبسوها ثوب الغربة". (الرواية، ص105)

لقد بدا السارد شخصيّة حزينة، لكنّها شخصية قادرة على المواجهة وليست ضعيفة، تحارب على جبهات متعدّدة، داخليّة وخارجيّة، غرباء وإخوّة وأشقّاء، بل إنّ المواجهة في سياقها السردي تدين الفلسطيني الذي خان القضية الفلسطينيّة، فخميس الضبع الذي انقلب على الثوّار أيّام الاحتلال البريطاني، قد أسّس هذا الضبع "سنّة سيّئة لمن جاءوا بعده، وخانوا شعبهم وبلادهم" (الرواية، ص107)، بل إنّ السارد يوسف- وهو يروي عن رحلته- يتعرّض لكثير من الأسباب التي أدت إلى ضياع فلسطين، فليس الاحتلال وحده هو الذي أضاعها، فملّاك الأراضي من الإقطاعيّين والعائلات الكبرى كانوا أحد هذه الأسباب، إذ لم تكتفِ تلك العائلات بالظلم الذي كانت تمارسه على الفلّاحين في ذلك الزمن، بل زادوا أنّهم تعاملوا مع الاستعمار وأعطوه ما بذل الفلّاحون دماءهم لأجل الحفاظ عليه مقابل نزواتهم وشهواتهم البهيميّة". (الرواية، ص81-82)

تناقش الرواية- خلال هذه المسيرة من الرحلة القاسية- مسائل ثقافية لها علاقة بمواجهة الفلسطيني وروايته، فثمّة مستوطنون يحتلّون الجغرافيا ولا يكتفون بطرد الفلسطينيّين، بل يحملون عنهم فكرة أنّهم "متوحّشون وقتلة"، و"جشعون ويحبّون المال ويغدرون بمن يمدّ لهم يده بالخير". إنّهم يقلبون المعادلة تماماً، فقد وصفوا الفلسطينيّين بما هو فيهم، هؤلاء الفلسطينيّون الذين لم يتوانوا عن تقديم المساعدة للمستوطن الذي أصيب بحادث طرق ذاتي، ليخيّب ظنّهم عندما أخذ يتحسّس مسدسه وهو جريح وقد رآهم مقبلين عليه، وشبيه بذلك ما قامت به القوّة العسكريّة التي وصلت إلى مكان الحادث وأحضرت معها سيارة الإسعاف، فقد تعاملوا مع الفلسطيننين بصلف وجلافة، حيث "بدأ الجنود بتوبيخ المسعفين الفلسطينيّين.. صرخوا بهم وأبعدوهم عن صاحب الحادث". (الرواية، ص35)

تطرح الرواية كثيراً من القضايا المهمّة، وتأكّد ما تحدّثت عنه الرواية الفلسطينيّة، ولعلّها لم تأت بجديد فيما يخصّ الصراع مع المحتلّ ولعبته منذ ما يزيد عن قرن من الزمن، وأبجدياته، ومآلات الأرض والإنسان الفلسطيني اللاجئ، إنّها تعيد ما قيل في روايات أخرى لكتّاب آخرين، لكنّها اختارت الاختزال والاختصار والإشارات إلى كلّ تلك الأفكار التي تولّدت عن هذا الصراع داخليّاَ وخارجيّاً، كأنّها تريد تذكير القارئ "كي لا ينسى"، هذه هي الثيمة الأساسيّة التي تقوم عليها الرواية. وهذه هي الفكرة نفسها المفتاح السري والسحري للعودة الكاملة، وللانتصار على عدو سرسٍ، أكل الجغرافيا واللغة، وغيّر الأسماء، وقلب التاريخ، واختلق الحكايات الزائفة؛ ليبني روايته على الخرافة.

لم يناقض السارد ذاته وظلّ وفيا لقناعته السياسية والفكرية، ولعلّ عدم وصول يوسف إلى قريته "العريان" واضطراره إلى العودة إلى حيث جاء من المخيّم، دليل واضح على رسالة الرواية التي جاءت في ثنايا السرد، فقد أعلن يوسف موقفه صراحة من العودة المنقوصة بقوله: "سنعود مرّة واحدة، ودفعة واحدة، لأنّ العودة المجزّأة اعتراف بالهزيمة، بل هي هزيمة الهزيمة" (الرواية، ص29). فليس الجبل وحده إذاً ما يحول بين اللاجئ يوسف وقريته "العريان". ثمّة أشياء أخرى يجب أن يلتفت إليها لتكون عودته صحيحة وحقيقيّة.

وفي هذا الإعلان أيضاً إدانة للنهج السياسيّ العامّ للسياسة الفلسطينيّة التي سلمت بوجود الاحتلال ورضيت بالعودة المنقوصة؛ لتصبح مقولة "الحياة مفاوضات" تعني "الحياة هزائم" كما جاء في الرواية. هذه الهزائم التي فرّخت طبقة التماسيح، هذا المخلوق العجيب الذي "إذا بكى كذب، وإذا أكل لا يبقي ولا يذر، ولا يُؤتمن جانبه، وأسوأ ما فيه أنّه لا يموت بسرعة". (الرواية، ص28)

وأخيراً، لعل الرواية تكتسب أهميتها الموضوعية من أنّها ما زالت تتمسّك بالحقّ الثابت للشعب الفلسطيني في فلسطين كلّ فلسطين، وتستند إلى نظرية "الحقّ التاريخي"، وترى في الآخر طارئاً سيزول يوماً ما، طال الزمان أم قصُر، مع أنّ هذه النظرة فيها الكثير من الرومنسية والحنين والاتّكاء على الماضي غير المدعوم بما يجعله بليغاً ومتحقّقاً في حياة الفلسطينيّين لا بالإرادة السياسيّة الداخليّة، ولا على الصعيد القومي، ناهيك عن الوضع الدولي الذي يعمل ضدّ الحقّ الفلسطيني جهارا نهاراً. كما أنّها تكشف عن أنّ الناس العاديّين لديهم حكاياتهم التي يجب أن تحكى وتسرد، فكلّ الشخصيات التي التقاها يوسف عبر رحلته الشاقّة وحكى لنا قصصها تبيّن أنّ كلّ فلسطيني في هذه الأرض له حكايته التي تفيض وجعاً ومرارة وغرابة، ففظائع الاحتلال في معركة النكبة المشؤومة وما بعدها، لم تُروَ بعد ولم يؤرّخ لها على وجهها المطلوب. فلكي لا ننسى علينا أن نكتب حكايتنا وألّا نتنازل عنها، وهذا أضعف الإيمان في مواجهة هذا الخذلان الكبير الذي يغرق فيه الفلسطينيون سياسيّاً، فلا أقلّ من أن يبنوا حكايتهم ويصرّون على وجودها وإعادتها مراراً وتكراراً فإنّ فيها تجدداً للذاكرة ومقاومة لأشدّ أعداء الفلسطيني، وهو النسيان ومحو الذاكرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* صدرت الرواية عن دار الفاروق للثقافة والنشر، نابلس، ط1، 2021، وتقع فبي (119) صفحة من القطع المتوسّط.

التطبيع مسيرة مرتبكة/ راسم عبيدات



رغم مضي 42 على اتفاقية كامب ديفيد و 26 عاماً على اتفاقيتي اوسلو وادي عربة  مع العدو الصهيوني وحتى ما حصل من فجور تطبيعي عربي رسمي مع دولة الإحتلال منذ اوائل أب الماضي عكس التغيرات الكبيرة التي حدثت في بنية النظام الرسمي العربي ودوره ووظيفته...ورغم كل الضخ المالي والإعلامي والثقافي والسياسي والفكري ومحاول تشويه وإستلاب الوعي للمواطن العربي إلا  أن ما نشهده من تحركات شعبية وجماهيرية وحزبية ضد التطبيع مع دولة الإحتلال تؤكد على ان انظمة ودول النظام الرسمي العربي لم تنجح في نقل التطبيع من المستوى السياسي الرسمي الى المستوى الشعبي الجماهيري،وبمعنى آخر الأنظمة في واد والجماهير في واد آخر، حتى في مملكة الرمال نفسها نشهد ارباك في نقل وتعميم عملية التطبيع شعبياً وجماهيرياً،رغم ان المملكة وولي عهدها هم من يقودون مسلسل التطبيع مع دولة الإحتلال،فليس من السهل أن ينقلب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على وعي اهلنا وشعبنا في الجزيرة العربية،وكذلك فالسعودية هي صاحبة ما عرف بمبادرة السلام العربية التي جرى إقرارها في قمة بيروت اب/2002 ،والتي نصت على الأرض مقابل السلام ،ومن الصعب على بن سلمان الإطاحة بهذه المبادرة، فالزيارة التي قام بها نتنياهو للمملكة يوم الأحد 22/11/2020،حدثت بشكل سري دلالة على حالة الإرباك التي تعيشها المملكة في مسألة نقل التطبيع من السرية الى العلانية،وأيضاً الدول التي طبعت وخاصة البحرين والسودان تشهد تحركات شعبية  ونقابية وسياسية ضد التطبيع مع دولة الإحتلال ومجرد صورة للفنان المصري محمد رمضان مع المطرب الإسرائيلي عوفير ادام في ابو ظبي حركت الجماهير العربية وحركت نقابتي الفنانين والصحفيين المصريين لتعلن وقف الفنان محمد رمضان  عن العمل وتقديمه للمحاكمة ومقاطعة نشر صوره واخباره ...اثنا واربعين عاماً لم تفلح في تغيير صورة المحتل الذي يمارس القتل والقمع والتنكيل بحق شعبنا الفلسطيني الى حمل وديع محب للسلام،فالسادات الذي استدخل ثقافة الهزيمة وأخرج مصر بثقلها العسكري والبشري من الصراع مع المحتل،كان يراهن على ان أمريكا والتي قال عنها بان 99%  من أوراق الحل بيدها،يبدو أنه لم يدرك بأن امريكا والغرب الإستعماري من عهد ونستون تشرشيل رئيس الوزراء البريطاني من عام 1940 -1945 وحتى يومنا هذا ما يهمهم بالأساس مصالحهم،فهم ليس لديهم صداقات دائمة،بل مصالح دائمة،وحتى السلطة الفلسطينية التي جاءت كنتاج لإتفاقية اوسلو،وشكلت رأس الجسر للتطبيع العربي- الإسرائيلي،الإسرائيلي تنكر لها  وأبقاها بوصف رئيسها أبو  مازن " سلطة بدون سلطة"....نعم مسيرة التطبيع مرتبكة وتحتاج الى قوى حية من احزاب ونقابات ومؤسسات واتحادات شعبية ونخب فكرية وثقافية تقود جبهة عريضة تمنع هذا الوباء من التغلل قي تلافيف عقول وأفكار أبناء امتنا وشعبنا الفلسطيني،ونحن على ثقة تامة بأنه رغم محاولة البعض لنقل هذا التطبيع الى المستوى الشعبي والجماهيري من خلال المسلسلات الثقافية والفنية،التي تؤكد على حق دولة الإحتلال في الوجود كمكون طبيعي من مكونات جغرافيا المنطقة وشيطنة شعبنا وقياداتنا واعتبار شعبنا بانه بائع لأرضه ومسؤول عن عدم استقرار وتطور وتقدم بلدانهم،وبان قياداتنا دائماً كانت تضيع الفرص من أجل صنع السلام لشعبها،بحيث رفضت كل هذه الفرص،هذا المنطق المقلوب والمتساوق مع الرواية الصهيونية، كل جماهير شعبنا وأمتنا تعرفه، من رفض كل المبادرات للسلام وحل الصراع العربي- الإسرائيلي على أساس الحد الأدنى من حقوق شعبنا الفلسطيني ، دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/1967 وعاصمتها القدس وضمان حق العودة لللاجئين الفلسطينين وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.وكذلك القول عبر " هاشتاجات" بان" فلسطين ليست قضيتي"، لم تفلح في " كي" و" تطويع" و"صهر" وهي أبناء امتنا العربية،الذين ردوا على ذلك ب" هشتاج"  "فلسطين قضيتي".

التطبيع ليس قدر شعبنا ولا امتنا العربية،والتطبيع لن يجلب الأمن والإستقرار لشعوبنا ولأمتنا العربية،فالدول التي دخلت حلبة التطبيع ووعدت بأن تتغير ظروفها واوضاعها المعيشية والإقتصادية وان تنخفض معدلات البطالة والفقر والتضخم المالي لديها،وان يرتفع معدل ناتجها القومي،وجدنا بان ظروفها وأوضاعها الإقتصادية  ومستوى المعيشية فيها تراجع بشكل كبير،وكذلك حال البطالة والفقر والتضخم،حيث سياسات الإنفتاح الإقتصادي والخضوع لوصفات مؤسسات النهب الدولية من صندوق نقد وبنك دوليين وخصصة وتصفية القطاع العام،أوقعت تلك البلدان في أزمات إقتصادية عميقة وأغرقتها في الديون الخارجية،فلا مصر ولا الأردن والسلطة الفلسطينية تحولت الى جنة الله على أرضه ولا أراضي للبن والعسل.

واليوم والعديد من دول النظام الرسمي العربي  المهرولة نحو التطبيع العلني مع دولة الإحتلال ظانة بأن هذا التطبيع العلني الذي يكرس دولة الإحتلال كدولة مسيطرة ومتحكمة في المنطقة،سيوفر لها الأمن والإستقرار ويحمي عروشها من الإنهيار،متناسين بان الحركة الصهيونية قائمة على الإستيطان والتوسع وإقامة ما يسمى بإسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات،وثعلب السياسة الإسرائيلية المغدور بيرس قال بأن التطبيع والمعاهدات التطبيعية مع الدول العربية فرصة من اجل إزدهار المنطقة عبر تزاوج التكنولوجيا الصهيونية المتطورة مع رأس المال العربي والأيدي العاملة العربية الرخيصة،وهذا تحقيق للمقولة الصهيونية،بأن نبقى كعرب حطابين وسقائين عند ما يسمون أنفسهم بشعب الله المختار.

يقول الكاتب معن بشور المنسق العام لتجمع اللجان والروابط الشعبية في لبنان "أن اضطرار حلفاء واشنطن الى كشف علاقاتهم التطبيعية مع مغتصبي القدس ومحتلي فلسطين والجولان لم يحقق إنتصاراً جدياً لمسيرة التطبيع،بل أدى الى اتساع المواجهة مع المشروع الصهيوني – الإستعماري،سواء من خلال المقاومة داخل فلسطين او في جوارها،أو من خلال الحركة المتنامية لمناهضة التطبيع على إمتداد الأمة كلها او من خلال مقاطعة العدو على المستوى الدولي إلى درجة ان هناك توجهاً رسمياً أمريكياً واوروبياً يدعو الى ملاحقة اعضاء ال BDS واعتبار الدعوة الى مقاطعة الكيان العنصري الإرهابي في فلسطين نوعاً من العداء للسامية".

نعم دعاة نهج وخيار وثقافة التطبيع يتقدمون على المستوى الرسمي ويستخدمون كل  طاقاتهم وإمكانياتهم المادية والإعلامية والثقافية والسياسية والدينية والفكرية من اجل توسيع دائرة التطبيع،ولكن كل ذلك يعاند حركة التاريخ والواقع فدولة قائمة على العنصرية والتطرف والإنغلاق  وتحتل أرض شعبنا وامتنا العربية وتهود قدسنا وأقصانا وتضم أرضنا لا يمكن التعايش معها.

مع "همسات وتغاريد" الكاتبة والشاعرة عدلة شدّاد خشيبون/ شاكر فريد حسن

  


أهدتنا الصديقة الكاتبة والشاعرة ابنة البقيعة المقيمة في كفر كنا، قانا الجليل، عدلة شدّاد خشيبون، كتابها الجديد الموسوم "همسات وتغاريد"، الصادر عن دار طباق للنشر والتوزيع في رام اللـه. وهو الكتاب الثاني لها بعد " نبضات ضمير" الذي صدر في العام 2014. 

وكتاب عدلة يمتد على 75 صفحة من الحجم المتوسط والورق الصقيل، وجاء بطباعة أنيقة، وصممه أيمن حرب، ويضم بين طياته 33 نصًا ما بين النثر الأقرب للشعر والخاطرة الأدبية والصورة القلمية، وتصدره إهداء رائع تقول فيه: " كلماتي المبعثرة بهمسات وتغاريد أهديها.. لأمي الوداد وأختي الفاتنة هناك في عرشهما السّماويّ .. وفاء لأحلامهما. لولدي البشير والاميل محبة وثقةً. لأبي الداعم لحرفي والتغريد. لكلّ من دخل القلب.. وعانق الرّوح هامسَا مغرّدّا". 

وقدمّت للكتاب الروائية الكاتبة الفلسطينية المقيمة في استراليا دينا سليم حنحن، ومما كتبته: " نلاحظ مدى عمق الأحاسيس التي كُتبت فيها النصوص، كتبت بلغة صادقة رغم رمزيتها المقصودة، فهذا القلم المميز، عندما يكتب، يقودنا إلى أنفسنا المغتابة، ليمسح الغبار عن عوالم سحرية مدفونة في عالمها المجهول، نصوص نكهتها التردّد أحيانًا، لذلك خرجت غير مباشرة، فأضافت رونقًا مصحوبًا بهطلات المطر الناعم، الذي يروي الأرض دون ان يكسر أشجارها وتعرية جذورها". 

عناوين نصوص الكتاب تكشف عن صبغته الوجدانية وأسلوبه الرومانسي المعاصر: " دموع الأسرار، أسرار دمعات عاتبة، خريف في مشاعر، نسمات دافئة، خريف في كلمات، عناق واشتياق، همسة غائمة، ريشة وخريف، ومضة دافئة". 

ومن يقرأ هذه النصوص يشعر ويحس وكأنه يحلّق في ثنايا وآفاق أدب المهجريين اللبنانيين، خصوصًا جبران خليل جبران في " دمعة وابتسامة ". 

والكتاب هو شذرات وابتهالات وخلجات ونبضات قلب يخفق بالمحبة، وهمسات وجدان حزينة صادرة عن ألم ووجع عميق كامن في حنايا الصدر. ويعتمد على وصف المشاعر الداخلية والتعبير عنها بكل الصدق والشفافية، ومخاطبة الطبيعة بشاعرية وأسلوب أدبي يجمع بين العاطفة والرومانسية، وعبر رموز وألفاظ ومعاني إيحائية تخدم الفكرة العامة لديها. 

ويطفح الكتاب بالمشاعر النبيلة المتدفقة والنزعة الإنسانية، والدفء الحميمي، والعواطف الصادقة، وبالشوق والحنين، والحزن وألم فقدان الأخت والصدر الحنون، صدر الأم الرؤوم الذي لا يضاهيه أي صدر وأي حنان، فتخاطبها وتحاكيها قائلة: " موجوعة أنا يا أمّي وصفير قاطرتي بعيد بعيد، بردانة أنا يا أمّي ودفء غطائي جليد جليد. وحجم الاشتياق كبير لا يعرف للزّمن ساعة، لا، ولا يكترث بعقارب لاسعة بألم السّنين، فقدت ألواني باهتة، بل رثّة وريشتي ضائعة". 

وفي "همسات وتغاريد" كتل شعورية حسية متوهجة، تكشف بعمق عن خصوبة خيال عدلة وتنوع ثقافتها وإنسانيتها الباذخة، وقدرتها على الإمساك بكل لحظة شعورية ولو كانت بسيطة، وتحويلها إلى كتلة ضخمة بإشعاعات مشوقة للوصول إلى لحظة التجلي والإبهار. ونجد نصوصها ملغومة بالكثير من الإبداعي والرموز والدلالات، التي يستطيع القارئ النبيه والذكي أن يفك شيفراتها. 

وما يستوقفنا في نصوص كتاب عدلة شدّاد خشيبون، نمط كتابي نثري وأدبي حداثي، يتصف ويتميز بالإحساس الوجداني، وعفوية التعبير، ورقة المعاني، واللمحة المبهرة، وصدق البوح ، وسلامة اللغة، وجمال الكلمة والحرف، ولا يخلو من الشاعرية وفلسفة الحياة، والصور الشعرية والأدبية العريضة المتسمة بالكثافة والشفافية، والاستعارات والمحسنات البلاغية وأساليب البديع. 

عدلة شدّاد خشيبون شاعرة وكاتبة تعشق الجمال والحياة، متمكنة من أدواتها، تتقن العزف على أوتار الأبجدية، وتمتاز بإحساسها المرهف ومشاعرها الإنسانية النقية الصافية، وفي همساتها وتغاريدها كتبت وجدانها المشتعل، وعبرت بشكل عفوي صادق عن مكنوناتها بطريقة عاطفية وإنسانية، وقدمت لنا طبقًا شهيًا بمختلف الأنواع والأصناف، من التوابل الأدبية بنكهة جليلية وجبرانية.  

وإنني لعلى ثقة تامة بأن عدلة التي عشقت الحرف وولجت بوتقة الإبداع وميدان الكلمة منذ الصغر، ستظل تكتب- كما تقول- ما دام القلب ينزف حبًا بجرأة الاشتياق لعيون غجرية، أتعبها الفراق. 

أبارك للصديقة العتيقة الكاتبة والشاعرة عدلة شدّاد خشيبون صدور كتابها الجديد " همسات وتغاريد"، وأرجو لها مستقبلًا أدبيًا مشرقًا، والمزيد من النجاح والتألق، وبانتظار إصدار أخر. 

مُحَامي الشَّعب/ حاتم جوعيه


 [ في رثاء  الصديق والأخ  والمحامي الكبير الاستاذ سليمان الياس  سليمان ( ابو عصام ) في  الذكرى  السنوية على  وفاتة - أصله من قرية "الرامة " الجليلية..قرية الشاعر الكبير المرحوم  سميح القاسم وقد سكن في مدينة حيفا فترة طويلة  [    


يا رفيقي نحو السُّهَى والمَعالي     خُضْتَ طولَ السنينَ دربَ النّضالِ 

وَلِدَمْعِ الضّعافِ مِنْ أجلِ  حَقِّ       كم  طويتَ الدُّنَى  بحربٍ  سجالِ

مَعْلَمًا  كنتَ  في  طريقِ  كفاحِ...    يا  أبِيَّا  قد  ضَمَّ  اسْمَى الخصالِ  

قُدوةٌ   أنتَ    للمحامينَ    تبقى      للطريقِ   القويمِ    خيرَ    مثالِ..

أنت  أستاذي مُرشدي  وَمناري      في  خِضَمِّ  الحياةِ   نحوَ  الكمالِ 

ويَراع   كرَّسْتهُ   للهدى   وال      النورِ .. دوما  يشعُ   مثلَ  اللالي

بكتاباتٍ  جسًّدْتَ  وضعنا ...عا       لجتَ  فيها  ما  كان  من  إهمالِ 

وحديثٍ    ينسابُ   شدوَ   كنارٍ      هو  زادُ   النفوسِ   دونَ    ملالِ 

كم    قضايا    كسبتها    بكفاحٍ       وحقوقٍ  أرجعتَ  رغم  المحالِ

خضتَ دربَ الحياةِ في كلِّ عزمٍ      لا     تبالي     لنائِباتِ    الليالي

وقطعتَ   السنينَ   كدّا   وجهدًا      أنت لم   تحفل  بالضنى والكلالِ

كم    فقير ٍ   وبائس ٍ   وحزينٍ       فيهِ  أنعشتَ  الروحَ  بعدَ  الذّبالِ

كلُّ   مظلومٍ   أنتَ  ساندتَهُ ، لا       تتوانى عن  حقِّ   ذات  الحجالِ

أنتَ ركنُ الضعافِ ثم المساكي     ن..  وعنهم    بدَّدْتَ  من  أهوالِ

وقضايا  التأمين أنت  لقد   كن        تَ   لها  خيرَ  ذائِدٍ  في  النزالِ

إن   معنى الإباءِ   فيكَ   تجلَّى        قيمٌ    قد   فاقتْ   حدودَ  الخيالِ

وكلامٍ   كالدر   عذبٍ    جميلٍ        قولُكَ  الفصلُ  فاقَ   كلَّ   مقالِ 

أنت   للعلم   شعلةٌ   من   ضياءٍ      فيك تعلو الصروحُ دون اختلال

كنت  شيخَ  المحامين   من   دو      نِ  مِراءٍ  اُلبِسْتَ  ثوبَ   الجلالِ

ومنارَ   الاجيال   نهجًا   وفكرًا       فيك   ما  قد  نرجوهُ  من  آمالِ 

وخبرتَ الحياةَ  طولا  وعرضا       ووزنتَ  الأمورَ   أحسنَ   حالِ

كنتَ تمحُو عن فكرنا كلَّ حزنٍ       وتُلَبِّي   في  الحقِّ   كلَّ    سؤالِ

للمدى  أستاذُ   المحامينَ   تبقى      لا تجارَى  في القولِ   ثم  الفعالِ

ولأجل  المبادىءِ  الذُدْتَ  عنها       قد بذلتَ  النفيسَ  من  كل  غالِ

قيمٌ قد حاربتَ من اجلها دوما        طوالَ    السنين    دونَ   اختزالِ

وأنرتَ  الطريقَ  في كل خطبٍ      أنتَ   حطمتَ    سائرَ    الاقفالِ

وزرعتَ البذارَ في أرضِ شوكٍ    كان خصبًا  قد   فاقَ   كلَّ  غلالِ

كنت في صالاتِ المحاكم رِئبا      لًا  جسورًا... بُوركتَ  من  رئبالِ 

انت لم تغرِكَ الوظائفُ حتى         منصبَ القاضي عُفتَ  بعد  نوالِ 

وتعلمنا   منك    كلَّ    إباءٍ..        كيف نبغي الصعودَ  نحو الأعالي

إنها  الدنيا   في   ثيابِ   رياءٍ        زيفها     يغرينا     بكلِّ      مَآلِ

أنت عاركتها  صغيرًا وكهلًا         وعجمتَ   الايامَ   في   استبسالِ

كنت لحنًا مدى الحياة  جميلا         يتهادى        باليُمنِ      والإقبالِ

طلعةَ  الفجرِ  في  محيَّاك  نلقى      ونشيدَ   الخلودِ    في   استرسالِ

أنت صوتُ الضميرِ في زمنٍ قد   عزَّ  فيهِ  صوتُ  الضميرِ المثالي

أيٌّ  مجدٍ   ومن  سناكَ   تجلّى          لم  يُعانق ثغرَ الظبى والعوالي

أنت روح التجديدِ في الفكر والإبْ  داعِ...والغيرُ  ظلَّ   في  الأسمالِ

قد عشقتَ الفنونَ من كلِّ لونٍ        وتذوَّقتَ    الشعر   دونَ   ابتذالِ

إن   شعري   أحببتَهُ     بهيامٍ          وهو  يختالُ  في  ثيابِ  الجمالِ

فسلكتُ  الجديدَ   فحوًى   وفنٌّا         وتركتُ  الرديئَ... بلْ  كلَّ  بالِ

وأخذتُ  العروضَ  ثوباً  مُوَشًّى       ليضمَّ    الجمالُ    كلَّ    مجالِ

نحنُ عصرُ التصنيعِ والتيكنلوجيا   ليسُ  يجدي  الوقوفُ   بالأطلالِ

أنت أستاذي في انطلاقٍ وفكر ٍ      عنكَ  فكري  هيهاتَ  يوماً  بسالِ

إنه   الموتُ    غادرٌ   وغشومٌ      هزَّنا  الموتُ   بعدَ   راحةِ    بالِ

ما  لمخلوقٍ   أن  يردَّ   المنايا        فمصيرُ  الأحياءِ   نحوَ   الزوالِ

لو    بإمكاننا...   بذلنا   جميعا        كلَّ   ما   يُقتني   مِنَ    الأموالِ

قطفَ الموتُ كلَّ زهرةَ روضٍ        لم    يُفَرِّقْ    بين   عمٍّ    وخالِ

إنَّ  أيدي  المَنونِ   لا   تتوانى       أخذتْ  نبعَ  الفكرِ  خيرَ  الرجالِ

يا  صديقي  أبا عصامٍ   وداعا        بدموعٍ   جرَتْ    كنبعٍ     زلالِ

قد  فقدناكَ  في  شموخِ  عطاءٍ      فانطوَى  سفرُ العمرِ  قبلَ  اكتمالِ

قد  فقدنا  بفقدِكَ  النورَ  والإشْ     راقَ والعيشَ  الحلوَ.. بعد  انذهالِ

وتركتَ الأصحابَ في ثوبِ حزنٍ       ومُحِبُّوكَ      فوجِئوا     بارتحالِ

كلَّ   حزنٍ  يبيدُ   يوما  وذِكرا      كَ  ستبقى  مدى  الدهورِ الطوالِ

أنتَ  حيٌّ  في كلِّ  خفقةِ  نبض ٍ     أنتَ  فينا  رغمَ  الخطوبِ  الثقالِ

لم تمت لا... ذكراك دومًا ستبقى     خالدٌ   أنتَ   في   جميلِ  الفعالِ 

كنتَ  نهرًا وفي العطاء غزيرًا        كم   سقينا   من  مائِهِ  السَّلْسَالِ

وكنوزٍ   تركتَ  من  كلِّ  لونٍ         للمدى ... بالإبداعِ    والاعمالِ

فإلى    جنَّةِ    الخلودِ    انتقالاً        مع  جميعِ  الأبرارِ في الأحمالِ

أيها   الراحلُ   المقيمُ    سلامٌ         قد  تركتَ  الأحبابَ   في  بلبالِ

أنت في فردوسِ الجنانِ خلودا       والدُّنَى   ما  زالتْ   بقيلٍ   وقالِ

لن أقولَ  الوداعَ...بل أنتَ حيٌّ        مع   جميعِ   الأحرارِ  والأقيالِ

خالدٌ  أنت   في  أريج   دياري        خالد    للمدى   خلود    الجبالِ

وستبقى    طولَ  الزمانِ  منارًا        في   بلادي    وقبلةَ    الأجيالِ

  

خرس الامطار/ غسان منجد



 لم يبلغوا اليابسه 

مع انهم كانوا هناك 

يبحثون عن غيومهم المبعثره 

وهي فوق صدورهم 

تسبق خرس امطارهم 

لم يقفزوا 

لانهم كانوا مبتوروا الاوصال 

واجسادهم تعاندهم في محارق غضب

مشوا حفاة عراة 

وسط ضجيج وجوههم المضروبة 

بحجارة خرساء 

طوفان 

وضباب كثيف 

وعبور للاعواصف غبار 

يتلعثم 

وافكاره لا تحمل سوى جفاف 

ويتشردق في اختيار اشرعة 

بلا مراكب 


في غابة بلا اضواء 

وبانتظار هبوب ريح 

تتزحلق بضجيج امطار 

وصراخ يتراقص مزهوا 

بهستيريا احزان 


خارج الحزن 

وبدون توقيت 

يحيا بين كتل جماد 


بقلم غسان منجد 

حكايات الأجداد..!/ يونس عاشور



وَقَفَ الجَدُّ يَحكِي حِكاياتِ المَاضِي..

واسترسلَ نُطْقاً في نُصْحَاً كالهَادي..

المَاضِي كانَ عَرِيقاً مَكْتُوبَاً في ذَاكِرةِ الأمْجَاد ..

قومُ أعْطَى كلّ نِتاجٍ يتمثّلُ في تضْحيةِ الأفْرَاد الأفذاذ..

عطاءات كانت عَمَلانية في معرفة الأضْدَاد.. 

وأخْرَى عَقلانية تقومُ ببناءِ الأهدافِ والأبعاد..

البعدُ تمثّل في دورِ المرأةُ من حيثِ التّنظيِم العَمَلِي..

والهدفُ مُوحّد بينَ شبيبة تُشاركُ أدوراً بنّاءة في عونِ الأجْدَاد..

فَتُهيئ لهمُ خدماتُ شتّى..

تَنْصَبُّ في فهمِ التوجيهِ والإرشاد..

والودُّ يرفرفُ فوقَ قُلوبٍ الأشهاد..

تلكَ حياةُ كانت فيها مُعطى ونتاج عمليُ جَمْعِيُ لا يتّسمُ بالأحقاد.. 

الحارةُ كانتْ تَجمعُ كلَّ صُنوفٍ بشَرية..

كم كانتْ أيامٍ ذهبيّة تعلو فيها هممُ إنسانية..  

الأجداد تقولُ قولاً مأثوراً للأجيال..

كلماتُ فيها عبرُ ومعانٍ بالأفعالِ لا الأقوال..

عطاءُ لا يتوقّف ..!

روحُ تعملُ بالطاقاتِ لا تتأفّف قولا..

لا تتبجّح أو تتفوه قولاً كالجُهَلاءِ..

ليسَ ثمةَ نكد يتجلّى عندَ المرءِ الفاعِل..

المُتَطلّعُ والعامِل نحو رؤى تخدم أجيالاً في المُسْتَقْبَل..

من ماضٍ كانَ مفخرةً للإنسان..

بأخلاقِ الكرمِ كانَ يَتَجّسّدُ كل عُنوان..

فيرسمُ صوراً أخلاقية عن مفهومِ الأوطان..

القيمة مفهومُ مُنْتَج من حيث العمل الخلاّق..

فهل نحنُ سَنُعيدُ زماناً كانتْ فيهِ مآثر شتّى في الإحسان..!؟

أنار رضايف : أنا شرقي الشعور، غربي التفكير/ د. جودت هوشيار



منذ تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991 أصبحنا نفتقد الأعمال الأدبية لشعوب الجمهوريات السوفيتية السابقة. ففي العهد السوفيتي كانت دور النشر والمجلات الأدبية السوفيتية تنشر أهم الأعمال الأدبية الصادرة في تلك الجمهوريات مترجمة الى اللغة الروسية . وتقوم دور النشر السوقيتية المتخصصة في الترجمة ( رادوغا ، مير ، بروغريس )  بترجمتها الى اللغات الأجنبية ومنها العربية. ومن هذه الأعمال قصائد الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف ، وكتابه الموسوم " بلدي " ، وروايات الكاتب القيرغيزي جنكيز آيتماتوف " جميلة " و" وداعاً يا غولساري " , " ويطول اليوم أكثر من قرن " . " السفينة البيضاء " و " الكلب الراكض على حافة البحر " وروايات رائعة اخرى لهذا المبدع المدهش ،  أما الكاتب الأبخازي الكبير فاضل اسكندر ، صاحب الأسلوب الوصفي المفعم بالفكاهة للحياة اليومية في مسقط رأسه ابخازيا ، ونظرته النقدية للمجتمع السوفياتي ، فقد أصبح معروفا الى حد ما لقرّاء العربية بعد ترجمة روايتيه " زمن اللقى السعيدة " و " الأرانب والثعابين  ".وهذه الترجمات ، رغم أهميتها لا تقدم صورة كاملة ، أو فكرة صادقة عن آداب أقرب الشعوب الينا ، من حيث الدين ، وانماط الحياة ، واساليب التفكير ( شعوب القفقاز ، وآسيا الوسطى ) ، كما اننا نكاد لا نعرف شيئا يذكرعن آداب شعوب دول بحر البلطيق ( لاتفيا ، ليتفيا ، استونيا ) التي كانت ايضا جزءاً من الاتحاد السوفيتي .وكل شعب من شعوب هذه المناطق لديه أدب حديث متطور ، جدير بالقراءة ، حري بأن تنقل منه طرائقه الفنية .

 نحاول في هذا المقال التعريف بأهم وأبرز كاتب اذري معاصر، وهو انار رضايف ، وأعماله الأدبية ، الأصيلة والشائقة، والقاء بعض الضؤ على روايته القصيرة " أنا وأنت ، وهو ، والتلفون " ، التي أوحت للشاعر الراحل يوسف الصائغ بكتابة روايته المعروفة " اللعبة " .

أهتمامات رضايف الأدبية متنوعه ، وأسهامه في الحياة الثقافية لبلاده جاد ومتواصل على مدى حوالي ستة عقود ، وهو الكاتب الأذري الوحيد ، الذي ترجمت اغلب أعماله الى الروسية من قبل مترجمين أكفاء أو الكاتب نفسه .

من هو رضايف ؟

ولد أنار رضايف في باكو عام 1938 لعائلة أسهمت بنصيب وافر في تطور الشعر الاذربيجاني المعاصر, فهو نجل الشاعر الكبير رسول رضا ، الذي زار العراق في أوائل الستينات ، وأصدر مجموعة قصائد رائعة تحت عنوان " الدفتر العراقي " مكرسة لانطباعته عن العراق ، وأفتتانه بحضارة وادي الرافدين العريقة . أما والدة رضايف ، فهي الشاعرة المعروفة نكار رافيبيلي . وعلى هذا النحو ، نشأ الكاتب في محيط ثقافي مفعم بالشعر والجمال ، مما ساهم في صقل موهبته الادبية ونضوجها في وقت مبكر , فقد كان ما يزال طالبا في كلية الاداب بجامعة باكو عام 1960 حين بدأ بنشر أولى قصصه القصيرة في  الصحف والمجلات المحلية والمركزية ( أي تلك التي تصدر باللغة الروسية في موسكو ) , وعندما تخرج في الجامعة عام 1963  كان قد أصبح كاتبا معروفا في الاوساط الثقافية السوفيتية .

رضايف كاتب جاد ودؤوب حيث توجه بعد تخرجه في الجامعة الى موسكو لأستكمنال دراسته العليا في مجال كتابة السيناريو السينمائي . وعندما عاد الى باكوعام 1973 درس الاخراج السينمائي وكتب العديد من سيناريوهات الافلام السينمائية الناجحة .

من اوائل مجموعاته القصصية : " في أنتظار العيد " ( 1963 )  و" كفًّ المطر عن الهطول " ( 1968 ) .ثم شرع الكاتب يجرب طاقته الفنية في جنس أدبي اّخر هو (القصة الطويلة ) أو (الرواية القصيرة ) ، فكتب عدة روايات قصيرة شائقة منها " يوبيل دانتي " ( 1969 ) " البحيرة البيضاء " و" الملا نصر الدين " ، وقد صدرتا في عام 1970 ، و"الدائرة" ( 1973). ولكن رواياته العديدة التي كتبها في السنوات اللاحقة ، هي التي اكسبته شهرة كبيرة في العالم الغربي . ولعل من اهم هذه الروايات " الطابق السادس من مبنى من خمسة طوابق " ( 1988 ) ، التي تحكي قصة علاقة حب بين إمرأة مطلقة ، وشاب يافع من عائلة ذات مكانة في المجتمع . وتلقى هذه العلاقة معارضة شديدة من الجميع : عائلة الشاب اليافع ، والأصدقاء ، والمجتمع . ولكنهما يصمدان رغم كل الضغوط التي يتعرضان لها.

ترجمت اعمال رضايف الى 32 لغة اجنبية ، وصدرت في الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا واليابان وكندا،  وبلدان عديدة أخرى .

تبدو قصص وروايات " رضايف " وكأنها مشاهد حية كتبت للسينما أو التلفزيون أو المسرح ، لذا فأن تحويلها الى أفلام أو مسرحيات أمر يغري المخرجين حيث يجدون في قصصه الحياة النابضة ، والعمق الفكري وجمال الشكل الفني .

رضايف يمتلك صوته الخاص ، واسلوبه التعبيري المتميز ، الذي يبدو للوهلة الاول ىبسيطا وعفوياً[H1]  . ولكن اذا دققنا النظر في عناصر البناء الفني في اعماله ، ودرسناها بعناية لاتضح لنا ان الكاتب عبر تلقائية التعبيرعن التجربة وعفويته ، يمسك بكافة خيوط  تطورالأحداث والمواقف ، ضمن حبكة قصصية متينة ومتماسكة ، بعيدا عن الالاعيب والحيل الشكلية ، شأنه في ذلك ، شأن اي فنان صادق وأصيل

في آخر كتاب له صدر في موسكو عام 2016 تحت عنوان " أفكار ليلية " ويتضمن تأملات فلسفية ومقالات ادبية يقول رضايف : " أنا شرقي الشعور، غربي التفكير " . هذه المقولة تلخص الصورة الابداعية لهذا الكاتب البارز ، الذي يتولى رئاسة اتحاد الكتّاب في أذربيجان منذ عام 1991 ، وحتى يومنا هذا .

رضايف والجيل الستيني في الأدب السوفيتي

يقول رضايف في مقابلة صحفية جرت معه في موسكو مؤخراً ، أنه ينتمي الى الجيل الستيني في الأدب السوفيتي، وهو الجيل الذي ظهر في فترة " ذوبان الجليد " أي عهد  نيكيتا خروشوف ، الذي تميز بقدر لا بأس به من الليبرالية ، مما اتاح للادباء الشباب الموهوبين ، كسر التابوهات السياسية والأيديولوجية ، التي سادت البلاد منذ ثورة اكتوبر 1917 .

كان الانسان المقهور هو محور كتابات هؤلاء الأدباء ، الذين لم يكونوا معادين للنظام القائم أو منشقين عنه ، بل  يعارضون املاءات السلطة الحاكمة ، ويتطلعون الى التغيير في كافة مناحي الحياة في البلاد .

 النقّاد المؤدلجون ،الذين كانوا يقيّسون الأعمال الأدبية من وجهة نظر حزبية ضيقة ، انحوا باللائمة على هؤلاء الأدباء الشباب ، لأنهم يتناولون في اعمالهم حيوات الناس البسطاء ومعاناتهم اليومية ، وهي موضوعات كان هؤلاء النقّاد يعتبرونها هامشية غير مهمة  .

رواية " اللعبة " ليوسف الصائغ : انتحال أم توارد خواطر

نشرت رواية رضايف القصيرة " أنا ، وأنت ، وهو، والتلفون " في عام 1967 ، وحوّلت الى فيلم سينمائي ناجح بعنوان " كل يوم في الساعة  الحادية عشرة مساء" في عام 1969. وتدور الرواية حول لعبة تلفونية ،  حيث يقوم شاب يشعر بالوحدة والكآبة ، وفي ساعة متأخرة من الليل ، بالاتصال برقم عشوائي، بعد تغيير صوته بوضع منديل على سماعة الهاتف ، وكانت مفاجأة سارة له ، حين جاءه صوت نسائي عذب مفعم بالحيوية والشباب. لم تحتج صاحبة الصوت العذب ولم تغلق الخط  ، بل ردت عليه بكل لطف ولباقة دون ان تكشف عن اسمها أو وضعها العائلي أو عملها . ويكرر الشاب اتصاله التلفوني الليلي بها في الأيام التالية ، ولكنه بدوره لا يكشف عن شخصيته الحقيقية ولا اسمه الحقيقي ، بل ينتحل اسم شخص آخر هو ( رستم ) .

بعد فترة ينتقل الشاب للعمل في صحيفة محلية . وعندما يلقى نظرة على لائحة منتسبي الصحيفة وأرقام هواتفهم ، يكتشف ، أن الرقم الذي يتصل به كل ليلة يعود الى كاتبة طابعة تعمل معه في نفس الصحيفة ، اسمها " مدينة " ، ويتعرّف عليها بحكم العمل ،، وبمرورالأيام تتوثق العلاقة بينهما ، وتتحول الى علاقة حب متبادل.

وفي الأيام اللاحقة عندما يتصل رستم ليلاً كالعادة ، بصديقته التلفونية ، تتحدث الأخيرة باعجاب عن صديقها الجديد (سيمور) رئيس القسم الذي تعمل فيه ، فينشأ صراع نفسي لدى الشاب ، ويعاني ازدواجا في مشاعره ، فهو حين يتصل بها تلفونيا في الليل يغارعليها من لقاءاتها المتكررة مع ( سيمور) خارج مقر الصحيفة، وكأن سيمور شخص آخر .

وتنتهي القصة عندما يزور( سيمور) حبيبته ، كاتبة الطابعة في منزلها ، ويظل معها حتى ساعة متأخرة من الليل .وفي لحظة انسجام حميمي، تنسل من بين يديه ، وتبتعد عنه ، وترهف السمع ، منتظرة بقلق وتوتر جرس التلفون، الذي سيرن بين لحظة واخرى . فقد كان هذا هو الوقت المعتاد لأتصال رستم بها . ، ولكن حبيبها الصحفي ( سيمور)  يقول لها : " لا تنتظري أي مكالمة  بعد الآن ، لأن رستم وسيمور شخص واحد هو أنا .

أمًّا رواية الشاعر الراحل يوسف الصائغ المعنونة " اللعبة " - التي حازت على جائزة افضل رواية عراقية عام 1970 – فإنها تدور حول لعبة تلفونية حيث يقوم طبيبب يالاتصال بزوجته ، ويخطر له أن يداعبها بتغيير صوته . وتتكرر المكالمات التلفونية بينهما دون ان تعرف اسم الشخص الذي يتصل بها كل مساء تقريبا . ومن جانبه يشعر الطبيب بالغيرة على زوجته من صديقها التلفوني .

ان تطور الأحداث في رواية " اللعبة"  شبيهة بقصة رضايف " أنا ، وانت ، وهو ، والتلفون " . وقد اثيرت ضجة حول هذا التشابه المثير . قال بعضهم أن الصائغ اقتبس الفكرة من كاتب أجنبي ، وقال البعض الآخر ، ان الصائغ ربما شاهد فيلم " كل يوم في الساعة  الحادية عشرة مساءً ". وعلى اية حال لا يمكن الجزم ان كان الصائغ قد تأثر فعلاً يرواية رضايف .

ولدى مقارنة الروايتين من الناحية الفنية ، نجد ان رواية رضايف شائقة ومحكمة البناء ، حيث تتطور الأحداث فيها بسلاسة ، وبتلقائية محببة . ولا يمكنك التوقف عن قراءتها حتى تأتي على آخر كلمة فيها ، على العكس من رواية الصائغ المترهلة بسبب كثرة الحشو والاستطراد فيها . وكان على الشاعر الراحل ان يتناول هذا الموضوع في قصة قصيرة محبوكة ومتماسكة وأسرع إيقاعاً، وأكثر قوة وتأثيراً، بدلاً من هذه الرواية الضعيفة .

قراءة في كتاب " أممية لم تغادر التل" إعداد وتقديم :الأستاذ المحامي حسن عبّادي/ إسراء عبوشي

 


" أممية لم تغادر التل"  إعداد وتقديم :الأستاذ المحامي حسن عبّادي، ويقع الكتاب في مئة صفحة من القطع المتوسط. أشرف عليه فنيا الفنان الفلسطيني ظافر شوربجي، صاحب دار مجد للتصميم والفنون، وراجعه وحرره الكاتب فراس حج محمد


مقدمة: 

الكتاب يتحدث عن "إيفا شتال حمد" وقد اختار الأستاذ المحامي:  حسن عبّادي عنوان " أممية " فقد أمنت إيفا بأن على شعوب العالم أن تتحد عبر الحدود الوطنية و السياسية و الثقافية، وبرهنت على ذلك بما قدمت لشعب فلسطين من تضحيات. 


لقد دخلت " إيفا" إلى عمق الرواية الفلسطينية، وكانت شاهدة على العصر.

تلك الشقراء التي تؤرخ قصة تل الزّعتر، نهضت تجر ذراعها وفي جوفها أنين، ما أدركت ألمه، التهمها القهر، أغلقت الطرق وقد وجب الرحيل، وضعت يدها على بطنها لتنقذ آخر الناجين، يد ممزقة سقيمة تحتاج لبتر ، يدك الممتدة لجرحنا تداويه، كيف تبتر! كم هو جاحد ذلك المشرط! وكم اشعلت تصفية حسابات تل الزعتر وقود، لتصلب الإنسانية على أبواب تل الزعتر، وتحاصر بعد الحصار حصارين، حصار الخيانة وحصار الردة، ولتنجي أنتِ بعد أن علقتِ حياتكِ ستائر بيضاء تحجب سواد النفوس، لا رشفة ماء هناك تموت النساء ويقتل الأطفال الأبرياء، صلبت آمال الحياة في تل الزعتر.

لكنها" إيفا " الآتية من خلف الحدود لتبلسم جراح الوطن السليب، رشفت جراحها ومضت تبحث عن حياة لتروي حكايتنا، عاشت قبل الجرح لنا وبعد الجرح عاشت لتضيء حقيقة لا يفهمها العالم إلا من فمها.

صادقة أنت يا " إيفا" يدكِ المبتورة وجنينك الموءود وحبيبك الشهيد دليل طهر فلسطين، وقصة تل الزعتر الحقيقية.

لترحلين بما بقي من جسمك.

صور من المجزرة

اخبريهم بكل الحكاية يا شهرزاد فلسطين، هناك جثث تموت مرتين، تلقى في حفرة تقع على بُعد 35م من احد الملاجئ، لتسقط قذيفة وسط حفرة الموتى ، فتطايرت الجثث أشلاء وتناثرت في الشوارع القريبة.


وهذا سامر أخو زوجها الشهيد " يوسف" يقتل برصاصة استقرت في قلبه، وهو يحمل صحن عجين ينقله إلى العوائل في الملجأ.

رأيت كماً من الجرحى لم تشاهديه من قبل، وقد جاهدوا طويلا حتى تمكنوا من رفع رؤوسهم قليلا لكي يرسموا بأيديهم للمستقبلين علامة النصر صفحة41

البداية

بدأت القصة حينما وصلت إيفا الممرضة السويدية المتطوعة_ تل الزّعتر أواخر عام 1974م، تلبية لدعوة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وصار اسمها " سميرة “وأقامت رغم البرد الشديد في بين من الصفيح مع عائلة كبيرة، عملت ممرضة متطوعة، تعرفت على " يوسف حمد" 28 عاما الذي يعمل في اللجان الطبية الصحية التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، تزوجت منه في أواسط خريف 1975م، وعملت في العمل الطوعي في العيادة الشعبية برفقة زوجها، أثناء اشتداد الحصار على تل الزعتر.

وفي ليلة من ليالي الحصار طال القصف على الغرفة التي تنام فيها مع زوجها، استشهد زوجها، بينما أصيبت "إيفا" في ذراعها مما أضطر إلى بترها عند الكوع، وأصيبت بجرح كبير وعميق في الركبة والفخذ الأيسر، وكان لديها بثور في جميع أنحاء جسمها، جاء الصليب الأحمر وحاول أخذها إلى السويد عبر جونية، لكنّها أصرت على البقاء مع الناس في المخيم، كانت حاملاً في الشهر الرابع، طفلها لم يمت في حينه، انقذها من الانهيار التام، وساعدها على النضال من أجل البقاء، فقد اجهضت بعد أسابيع ، استمرت المعارك 52 يوما انتهت بمذبحة وهُدم كل شيء واضطر 2500 شخصاً لاجئين من فلسطين إلى الفرار مرة أخرى، في صيف 1976م، وقتل 4000_5000 شخص وأصيب آلالف آخرون بجروح.  كان هناك مئات المفقودين.

خرجت "إيفا" من المخيم جريحة تحمل في جرحها وسام شرف كإحدى بطلات مخيم تل الزّعتر والقضية الفلسطينية ( صفحة 84)

وقلبها الذي أحب يوسف عندما رحل يوسف أحبت الوطن حيث رحل مشرداً يوسف من أجله، ونزفت جراحها في معاركه، والطفل الذي خسرته حلم لم يكتمل، كأحلام هذا الشعب، نجت بالحقيقة لتخبر العالم بعد أن أكملت رسالتها، وكانت الناطق الصادق لشعب اخرسته الصهيونية العالمية.

أرادت" ايفا" أن تتعرف على هذا الوطن أكثر، فقامت بزيارة إلى فلسطين، وزارت بلد زوجها " الخالصة" التي حولها العدو إلى مستوطنة " كريات شمونة" زارت قبر عمة يوسف التي تعبرها عائلتها الفلسطينية، ما رأت في زيارتها وشم في ضميرها جدوى تضحياتها، هذا الإطمئنان البادي في إشراقة وجهها في الصور التي التقطتها أثناء زيارتها دليل على ذلك.

 النهاية 

في نهاية قصة إيفا _ في الجزء الأول من الكتاب _ تقول إيفا: أريد منك أنت الذي تقرأ قصتي هذه، أن ألا تكتفي بالقول إنها قصة رهيبة، وإنما أن تحاول أن لا تنساها، حاول أن تكون واحداً من الذين يعلنون احتجاجهم على هذه المآسي التي يتعّرض لها الناس الأبرياء، وحاول قبل كل شيء وبعد كل شيء أن تفهم قضية شعب بلا وطن. ( صفحة 48)

الرسائل

يحتوي الكتاب في الفصل الثاني رسائل " إيفا" وزوجها " نستور" إلى "حسن عبّادي" وزوجته "سميرة"  التي ارسلتها بعد شهر من عودتهم من فلسطين، حيث استضافهم " حسن عبّادي عندما زاروا فلسطين، بدعوة من جمعيّة الهلال الأحمر الفلسطينيّ، بمناسبة مرور 50 عاماً على تأسيسه،  تذكر تلك الرسائل بعض التأملات من أيام فلسطين، وتأتي على بعض المظاهر التي تقيد الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1984م، يرفع " حسن عبّادي" صوته في القطار وهو يتحدث العربية، في تحدي لقانون  القومية، الذي يحظر التحدث باللغة العربية في العمل.

احبت " إيفا" الفطور الفلسطيني، وأسواق الناصرة، التي تتحدى أيضاً القانون الوطني، ومن مظاهر ذلك التحدي " يعلق الفلسطينيون زخارف على الحائط والمرأة تعانق شجرة الزيتون، كبيان سياسي قوي حيث لا يمكن رؤية الأعلام الفلسطينية _صفحة 48_ واحبت كذلك القهوة العربية.

زارت برفقة عائلة" حسن عبّادي" أيضاً وادي النسناس وجبل الكرمل وحيفا، وتحدث عن إعجابها بإطلالة الحدائق البهائية، وجمال المعبد وكنيسة الأرثوذكسية في حيفا، وزارت عكا  ونصب غسان كنفاني، الذي التقت بزوجته آني في بيرت بعد اغتياله في 1972م،  وبيت لحم ونابلس ورام الله، وبحيرة طبريا ومرتفعات الجولان، وزارت بلدة زوجها الشهيد " يوسف حمد الذي ما زالت تحمل اسمه " الخالصة" 

 تذكر في رسائلها الاحتفال بها في نادي حيفا الثقافي، وقد تحدثت عن بعض ذكرياتها في تل الزّعتر.

أما زوج إيفا " نستور" فيكتب في رسائله ل " حسن عبّادي" عن جمال الشعب الفلسطيني، وحبه للحياة.

ادركت في الزيارة بعض الجوانب الجديدة والسيئة والحزينة للفلسطينيين، و رأت صعوبة الحياة وسط الاحتلال في حيفا.

القت كلمة في المؤتمر الذي نظمته جمعيّة الهلال الأحمر الفلسطينيّ للاحتفال بمرور 50 عاماُ على تأسيسه، أصغى البعض إليها بصمت في حين انهمرت دموع الآخرين تأثراً بقصتها، ومواساة لتضحياتها، وعندما انهت خطابها وقف الجميع وعلا التصفيق تعبير عن اعتزازهم بها.


مقتطفات من الكتب

 في الفصل الثالث من الكتاب يُجمّع الكاتب ما كتبت عن قصة إيفا في الكتب، يوميات طبيب في تل الزّعتر، تأليف د. يوسف عراقي، الصادر في حيفا عام 2016م.

وكتاب " تل الزّعتر يقاوم التغييب" للكاتب: بسام الكعبي.

وكتاب " حكايتي مع تل الزّعتر" للكاتب: د. عبد العزيز اللبدي.

وينهي بكتاب " حب في زمن الحرب" للكاتبة: تغريد الحاج.

وينهي المقتطفات بقصيدة " معين بسيسو" التي نشرت في جريدة المحرر البيروتية في 26 حزيران عام 1976م، من ديوانه " الآن خذي جسدي كيساً من رمل" التي يقول فيها:

يقطع كفي الوطن ويرسله للعالم برقية..

ويعلقني فوق الحائط ملصق 

فوق شراييني كان الوطن معلق

والآن...

وذراعك متسورة مدفع..

والنجمة تحلم ان تصبح 

فوق ذراعك شامة

الآن لكل حمامة

طارت من صدرك يا ( تل الزّعتر)

يختم " حسن عبّادي" الكتاب بألبوم صور لإيفا أثناء زيارتها لفلسطين، وأخبار الزيارة في الصحف، وتتألق إيفا بالثوب الفلسطيني، استحقت أن ترتديه بجدارة، فقد ارتدت الآم الرحيل وبلسمت جراح اللاجئين فيه.


كلمة شكر

بعض الأقلام في مدادها حياة، ولها عطر يتغلل في النفوس، وكذلك كان هذا الإنجاز الرائع للأديب الكبير " حسن عبّادي" هو إنجاز تستحقه إيفا وعنوان وفاء لها ولكل من يحمل هم فلسطين، وليس غريباً على الأستاذ حسن صاحب مبادرة " لكل أسير كتاب "هذا العطاء، طوبى لكل منّ يحمل الوطن في وجدانه ويعتبره قضيته، ويضيء قلمه شمعه في الظلام.

مشاحيفٌ ناعسةٌ مجهدة/ كريم عبدالله



وردةُ رمانٍ (( كـ الفالةِ* )) تقتفي الأثرْ , بينَ أدغالِ روحي (( تلبطُ *)) قصائد خشنة وفي ليلها المطرّز تدثّرني , في مشاحيفٍ تنتظرُ نعاساً مجهدةً طيورُ ماءٍ تسبحُ في شعرها متوهّجةً وبأسرارها تغمسُ غربةً جرّداء , أنهكتْ جزري بثورُ كآبةٍ تتبعثرُ في صدى أغانيها ترجُّ مجاديفَ الضلوعِ تطفحُ المواسم بغيماتها وتزدحمُ , متخطيةً حدودَ متاهاتِ التيهِ تركضُ قبّراتها تحتَ ثيابي تختزلُ نواحَ جثّةَ الأمس , أكتبُ بجذورها قصةُ عشقِ الندى تتربّعُ على ناصيةِ الكلمات أبداً لا يشيخُ فجر قناديلها , في أفقِ الأحلامِ تفرشُ أجنحتها ترسو همساتها تدغدغُ أحزاني تخترقُ صمتَ ناياتِ المساء , على مقربةٍ منّي تترقرقُ أنامل أنهارها حفنةً منْ شموعِ الجسدِ تطفيءُ العراء في جروحها تغرقُ حكاياتٌ غابرة , تنسجُ منْ قصبي رداءاً يواري الرمادَ بلا أمتعةٍ تسقطُ في الهاويةِ أشعةُ المحنةِ فتفتحُ سراديبي المقفلة يومَ تأتي , خلفي خلّفتْ معاولَ السراب تسقطُ في كفيها آهات عنيدة لمّاعةٌ عيون الأشتهاءِ في تراتيلها , عِنبُها ينضجُ بقبلاتِ صخَبِ التزلزلِ فضّتها تؤوي إليها زنابقَ الصباح تستحمُّ بصهيلِ وديانِ تحملُ مشاعلها , تمتلىءُ الليالي بضحكاتِ أثداءٍ معشوشبة وفوقَ حريرها ينامُ نورسي يُدلي بإعترافاتٍ سرّيةٍ طويلة , أرصفةُ النهارِ تكنسُ أوراقَ الشتاء تتعانقُ النظرات مدى الأفق والستائر تتململُ خلفها يمكثُ ربيع مشرق .

المشاحيف* : زوارق صغيرة .

الفالةِ* : آلة لصيد السمك.

تلبطُ* : تسبح .

دلالات الزيارة الخارجية الاولى لزعيم اليابان الجديد/ د. عبدالله المدني


بعد عام واحد من تولى رئيس الحكومة اليابانية السابق "شينزو أبي" منصبه في عام 2012 اختار  منطقة جنوب شرق آسيا لتكون الوجهة الأولى لأول زيارة خارجية يقوم بها. وهذا ما فعله مؤخرا رئيس وزراء اليابان الجديد المنتخب حديثا، يوشيدا سوغا، حينما اختار أن تكون أولى زياراته الخارجية إلى بلدين من بلدان جنوب شرق آسيا، الأمر الذي يشير إلى تزايد الاهمية الاستراتيجية لهذه المنطقة في المخططات اليابانية الإقليمية، خصوصا وأن لطوكيو مصالح واستثمارات اقتصادية معتبرة فيها.

وإذا ما دققنا في البلدين اللذين قرر سوغا أن يزورهما وهما فيتنام واندونيسيا لوجدنا أن علاقات كليهما مع الصين يشوبها الحذر، كي لا نقول التوتر. ففيتنام اشتبكت مع الصين عسكريا ثلاث مرات ما بين عامي 1979 و 1991 بسبب الحدود والنفوذ في كمبوديا. واندونيسيا لها تجربة مريرة مع الحزب الشيوعي الصيني في الستينات حينما حاول الأخير قلب نظام رئيسها الأسبق أحمد سوكارنو، ناهيك عن أنها ــ كما فيتنام ــ تنازع الصين السيادة على جزر صغيرة في بحر الصين الجنوبي.

وهنا مربط الفرس، بمعنى أن طوكيو التي يشوب علاقاتها مع بكين التوتر لأسباب تاريخية معروفة معطوفة على أسباب التنافس الاقتصادي بين البلدين، تريد أن تتصدى لتزايد النفوذ الصيني في الإقليم، بمساعدة من دول مجموعة آسيان ذات النفوذ الاقتصادي والثقل الاستراتيجي. وهذا ما أكده الزعيم الياباني الجديد علانية حينما أطلق في هانوي تصريحا قال فيه أن تصرفات الصين في المنطقة "مخالفة لسيادة القانون" وأن اليابان "تعارض بشدة أي إجراءات من قبل بكين تؤدي إلى تصعيد التوترات في بحر الصين الجنوبي"، مضيفا أن من واجب تكتل آسيان أن تعمل وتنسق مع القوى المحبة للأمن والإستقرار والسلام من أجل الحفاظ على المحيطين الهندي والهاديء كمنطقة حرة ومفتوحة.

ومن أهم الأمور اللافتة في زيارة سوغا إلى فيتنام، التي تترأس حاليا منظومة آسيان، وإلى أندونيسيا، العاجزة عن وقف تمدد الصين إلى بحر "ناتونا" شمال أرخبيلها، توقيع الضيف الياباني مع مضيفيه عددا من الاتفاقيات الدفاعية. ففي هانوي مثلا وقع سوغا مع نظيره الفيتنامي "نغوين شو إن فوك" اتفاقية دفاعية ثنائية جديدة لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين وتسهيل حصول فيتنام على صادرات الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية اليابانية وتعبيد الطريق أمام تعاون أوسع بين الجانبين فيما خصّ الأمن البحري في منطقة بحر الصين الجنوبي. ومما يجدر بنا ذكره في هذا السياق أن اليابان كانت في مقدمة الدول التي طورت القدرات البحرية الاستخباراتية والاستطلاعية لفيتنام ودول آسيان الأخرى، علاوة على استفادة فيتنام كثيرا من دوريات البحرية اليابانية وسط توتر علاقاتها مع الصين. وفي هانوي أيضا ناشد سوغا مضيفيه العمل من أجل تخفيف قيود التجارة والاستثمار بين البلدين، حيث تعد اليابان من أبرز الدول المصدرة إلى فيتنام ومن أبرز الأقطار الأجنبية المستثمرة فيها.

أما في جاكرتا، فقد تعهد الزائر الياباني بتقديم قروض مخفضة الفائدة لأندونيسيا بقيمة 473 مليون دولار أمريكي كي تتغلب الأخيرة على أزماتها الاقتصادية الناجمة عن تداعيات جائحة كورونا ومن أجل تنشيط العلاقات الإقتصادية الثنائية، وهو ما أسعد الرئيس الأندونيسي "جوكو ويدودو" الذي علق قائلا أن بلاده تطلب مساعدة اليابان في إعادة الأمور إلى نصابها في منطقة تتعرض للأزمات الإقتصادية والتهديدات الناجمة عن تنافس القوى العالمية عليها، في إشارة ــ على مايبدو ــ إلى المخططات الصينية.

وجملة القول أن اليابان منذ عام 2014 حينما تمّ تخفيف القيود الدستورية المفروضة على حركتها العسكرية في الخارج، وهي تتفاوض على اتفاقيات دفاعية مع دول آسيوية رئيسية في المحيطين الهندي والهاديء ــ منها الهند مثلا ــ بهدف التصدي للنفوذ الصيني، وما انضمامها إلى تحالف جديد آخذ في التبلور بين الهند والولايات المتحدة واستراليا إلا مثالا على هذا الهدف. وبمعنى آخر فإن سوغا ينتهج نهج سلفه لجهة المضي قدما في تأصيل سياسة اقليمية هدفها محاصرة النفوذ الصيني المتعاظم في مياه المحيطين الهندي والهاديء.

ومما لاشك فيه أن التحركات اليابانية هذه باتت مصدر إزعاج لقادة بكين يضاف إلى  انزعاجهم من تحركات الهند باتجاه تايوان. وليس على أدل على ذلك مما نشرته صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية الناطقة بالانجليزية والمدعومة من الحزب الحاكم من وصف اليابان بالذيل التابع للولايات المتحدة واتهامها بأنها تسعى لأن تكون قوة عظمى في المنطقة مثل واشنطون.

د. عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين

تاريخ المادة: نوفمبر 2020م

أمريكا بَعيداً عَن لغة الرَّكَاكَة/ مصطفى منيغ



التشكيك في نزاهة الانتخابات الأمريكية ليوم الثالث من نوفمبر الحالي لا زال قائماً من طرف الرئيس "طرامب" ومعظم أعضاء فريق حملته ، ممّا قد يعطي انطباعاً أن خسارة الأخير أضحت مؤكدة ولولا ذلك لما حصل مثل اللَّغَط في لهجة حديثه ، وما تسعى مقاصد تصريحاته الشخصية أو بواسطة أعوانه للصحافة بشقيها المكتوب و المرئي الذي لم يكن على أحسن ما يُرام مع بعض نسائها ورجالها المرموقين الذين رماهم أكثر من مرة بنشر وترويج الافتراءات حوله وأسلوب حكمه ، عكس ذلك يعيش السيد "جو بايدن" مرشح الحزب الديمقراطي الذاهبة أغلبية المؤشرات انطلاقاً من النتائج المُعلنة حتى الآن إلى فوزه ، بهدوء نابعٍ عن احترام تام لكلمة الشعب الأمريكي المعروف بديمقراطية اختياراته ، وبخاصة حينما يتعلق الأمر بمصير حكامه ، خلال فترة محدَّدة في سنوات أربع كولاية أولى قد تتمدّد لولاية ثانية عن طريق انتخابات نزيهة بشهادة القائمين عليها المنزهين عن العبث المسؤولين في المقام الأول والأخير عن تطبيق نصوص الدستور، وما شُرِّعت في كنفه من قوانين ذات الارتباط الوثيق بالموضوع ، المركزة على الجُزئيات الصغيرة قبل الكبيرة ، القادرة على وضع النقط على الحروف ، لتظل نفس القيم التي ناضل من أجل ترسيخها الرواد الأوائل ثقافة سياسية تهدف إلى المساواة بين الأمريكيين جميعهم في إطار استقرار منظَّم بحرية اختيار مفصَّل على مَقاس ديمقراطية حقيقية تجعل للأغلبية كلمة الفصل في تحمل مسؤولية قيادة هذا البلد ، الذي أصبح (بمثل القيم المذكورة) الأقْوَى في العالم بمختلف دوله ، بغضِّ النظر عن تصرفات بعض إداراته ، في جهات معينة عديدة ،  وتلك قضية أخري قد تُطرَح من خلال قناعة ومواقف اجتماعية عقائدية فكرية سياسية اقتصادية متفاوتة الأهمية حسب مصادر أصحابها المتضررين وفق تأكيدات كل مُكوّن فيها ماسك برُزْنَامَةِ دلائله .


... أنظار الإنسانية متجهة صوب الولايات المتحدة الأمريكية لمعرفة الرجل الفائز المسيطر على زمام تنفيذ سياسة تتماشى وفق قرارات يضع فوقها بصماته ، يميز مخلفاتها الايجابية أو السلبية التاريخ الموزَّع من أمريكا مستقره ، على كرة أرضية تجمَّعت غالبية مخلوقاتها البشرية على هدف معرفة ما يحدث أولاً وما يليه ، وإن كانت الأمور تتمّ للأسف الشديد بترجيح كفَّة القََوِيّ على الضعيف تكنولوجيا وفق مسار غير معروفة بالكامل حدوده ، و تغليب وضعية المثقف الواعي المُتَقِّدم على حال الجاهل السَّطحيّ المتخلف كيانه ، وأشياء يستحسن أن تظلَّ في طيّ الكِتمان ولو مؤقتاً لحين قادم موعده .


... غالبية التعليقات تفسر رغبة مبديها في بلدان معروفة ، لما اعتراها من مشاكل وفتن وحروب وتمزق ، في عدم بقاء "طرامب" رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية ، لانعدام نجاح خططه في ردع صدع أي منها ، سوريا تزداد معاناتها من وضعية معقدة التفاصيل ، منزوية أصبحت بين مخالب وأنياب الدّب الروسي الذي تمكَّن بحجم جسده الضخم التربّع على جسمها النحيف القابل مع الأعوام القادمة أن يخلو هيكله ، حتى مما يغطِّيه الآن ، بغير قدرة أمريكا التدخل بأي وسيلة منطقية كانت ، بل غدت في عهد الرئيس الحالي عبارة عن متفرجة ببضع من قواتها العسكرية لا تقدّم (مع تكدّس قوات غيرها في عين المكان) أي شيء يُذكر ، العراق يحيا أحلك أيامه ، ولسياسة "طرامب" اليد الطولى فيما يتعرض له يوميا من متاعب اجتماعية مالية واقتصادية ، برغم توفره على ثروات معدنية هائلة يتقدمها النفط الذي أصبح علة عليا ، بسبب ما تعرَّض له من حرب ، وأفتك منها ، ما تركته بعد انسحاب محورها الأساس الولايات المتحدة الأمريكية ، المبتعدة أخر المطاف  بأمر من  "طرامب" ، ليتعرض العراق آجلا أو عاجلا لما ينتظره من إيران ، غير المحتاج لأي شرح ، اليمن يُقتل شعبه بسلاح و صمت أمريكا ، خَدَمَ بهما "طرامب" مصالح حليفته الكبرى المملكة السعودية بشكل غير مسبوق ، لا يتطابق وأخلاقيات الشعب الأمريكي نفسه . فلسطين يكاد "طرامب" يسلّمها لقمة يتلذذ بمضغها فم إسرائيلي لا يشبع افتراساً لحقوق شعب فلسطيني أعزل ، بل تخطاها أفعالاً غير عادلة  ، بما جعل كل مسلمي العالم يستنكرون قراراته المتناغمة كلياً مع رغبة تهويد القدس واستبدال الأقصى بهيكل غير موجود إلا في خيال الدولة العبرية ، المندفعة بغير حق ، لسحق الشعب الفلسطيني المظلوم ، وتبديد معالمه من الجذور ، برعاية "طرامب" خلال الأربعة أعوام قضاها داخل البيت الأبيض حاكماً لا تُردّ تدخلاته لفائدة إسرائيل ، ضارباً عرض الحائط حقوق الإنسان الفلسطيني المحتلة أرضه ، المُسلَّطة عليه كل أنواع الاستفزازاز والكراهية والتعذيب النّفسي كالجسدي والتنكيل فالحرمان ،  من طرف إسرائيل الملفوفة بعناية الرئيس الأمريكي بصورة شخصية قبل وبعد الرسمية . لبنان ما سمحَ "طرامب" أن تؤسّسَ فيها حكومة ، ولا فرضَ حلا عادلا يقضى بتحميس الفرقاء اللبنانيين على التوافق المنتج البناء والمنقذ للبلاد ، وما تشرد فيها بعد انفجار مرفأ عاصمتها بيروت من عباد . ليبيا والدوران مع حلقة مُفرغة من أي بصيص لاستقرار آت ، بل عدم اكتراث "طرامب" من ترك حالة الاضطراب المُقلقة مستمرة لموعد يأس يكرر  ما جري في سوريا لغرض مفهوم وقصد معلوم . القافلة طويلة خلف مخلفات عهد "طرامب" معتقداً بما سبق أنه خدم الدولة التي نصَّبته رئيسا عليها ، لكن الحقيقة المرَّة تجعل منه السبب المباشر في إبعاد نفس ألدولة عن محبة شعوب لا يُستهان بها ، لغاية انتخاب مَن تعوِّض به مثل الخسارة ، وهناك ما يؤكد أن الشعب الأمريكي المتحضر المشبَّع بروح الديمقراطية مقبل على هذه الخطوة يوم العشرين من يناير المقبل عند تنصيب السيد جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية احتراما لقيمه النبيلة .