القاضي جورج قرّا ضد المحكمة العليا الاسرائيلية/ جواد بولس



أصدرت محكمة العدل العليا الاسرائيلية في الثامن من الشهر الجاري قرارها النهائي فيما يعرف بقضية "قانون القومية" ؛ وذلك بعد أن كانت قد استمعت، في الجلسة التي انعقدت يوم  22/12/2020، بهيئة من أحد عشر قاضيًا، الى مواقف وادعاءات جميع الملتمسين والى ردود الكنيست وحكومة اسرائيل عليها.

وكما حصل ويحصل في معظم المفارق القضائية الهامة في حياة الجماهير العربية، لم يحظ القرار إلا بنتف متطايرة من أخبار سطحية شعبوية؛ في حين غابت عن المشهد، أصوات أكثرية المثقفين والحقوقيين والخبراء من العرب، كما وغابت مشاعر التوجس الشعبي من عواقب القانون ومن تبعاته.

لا أوافق رأي من اعتبر القرار هدية لنا من هذه المحكمة بادعاء انها، او هكذا اعتبر هؤلاء، قد عرّت أمام مجتمعات العالم، قبحها، وشرعنت القانون رغم ما ينضح به من "أبرتهادية" صارخة.

لا أوافق هؤلاء لأننا، أولًا، لسنا بحاجة لمثل هذا البرهان كي نتحقق من دور المحكمة العليا الاسرائيلية التاريخي المثبت في تسويغ وتبرير وشرعنة سياسات القهر والقمع العنصريين بحقنا كمواطنين في الدولة؛ وثانيًا، لأن القرار، لمن يقرأه بجدية وبعمق، يتضمن خلاصات قضائية خبيثة محسّنة ومطوّرة وخطيرة لما سيصبح قواعد سلوكية عملية راسخة وملزمة لجميع مؤسسات الدولة وفي طليعتها جهازها القضائي. ومع العلم بأن هذا الجهاز، رغم قبحه المتوارث، قد "نعِمَ" بهوامش ضيقة لطالما أتاحت له التصرف في منع محاولات المؤسسة الحاكمة من الاسراف بعنصريتها القومية العرقية الفوقية، والزامها، ولو بأشكال محدودة وبحالات فردية قليلة، بما يمليه تعريفها لنفسها كدولة ديموقراطية ويهودية، لا سيما ازاء مبدأ مساواة جميع مواطنيها في بعض الميادين.

لقد كتبت رئيسة المحكمة العليا، استر حايوت، متن القرار الأساسي؛ رافضة جميع الالتماسات، وقامت، بعد تفنيد رخيص للادعاءات الجدية التي أوردها الملتمسون ضد القانون، بتسويغه ، معتمدة على بعض الفذلكات السياسية المبطنة وشبه القضائية، وعلى التحليلات العنصرية المموهة بموضوعية كاذبة.

ثم انضم اليها تسعة من زملائها القضاة، ففتح كل واحد منهم، وبينهم قاضيان مستوطنان، شهيته، وأضاف "دررًا وحكمًا" خاصة به، وكأنهم يتسابقون على حفر أسمائهم على دروع نصر دولتهم في مسيرتها العنصرية وفي سجلّات القهر والظلم.

لست في معرض التطرق لما جاء في قرار المحكمة العليا، الذي امتد على أكثر من مائتي صفحة؛ لكنني سألفت نظر المعنيين والقراء لموقف ولرأي الأقلية الوحيد للقاضي العربي جورج قرا، الذي عارض أراء زملائه جملة وتفصيلا، وفنّد، بحصافة مؤثرة وبمهنية عالية، جميع الادعاءات التي دفع بها المستشارون القضائيون الذين مثّلوا الكنيست والحكومة؛ وقضى، في مستهل قراره، "بأن قانون القومية يمس بقيم الديموقراطية، لا سيما على خلفية عدم وجود مساواة للاقلية العربية في الممارسة العملية" ؛ ثم راح يقارع حججهم بلا أية مواربة، الى أن خلص وقال بشكل قاطع: "قانون القومية هو قانون عنصري ومجزوء، ويعاني من نواقص جوهرية كثيرة، مثل عدم تطرقه للاقلية العربية التي يصل عددها الى اكثر من 20٪؜ من تعداد السكان العام، وعدم اشتماله على مبدأ المساواة وهوية الدولة الديمقراطية، وهو لذلك يعطي لمؤسسات الحكم حرية واسعة جدًا أثناء تطبيقه".

ومع ان المقام هنا غير ملائم للوقوف على التفاصيل التي تعرّض لها  القاضي جورج قرّ ا بالكامل، لكنني سألقي الضوء على بعض المحطات البارزة في قراره، مثل اعتراضه على موقف زملائه واصراره على ضرورة احتفاظ المحكمة العليا بحقها في مراقبة عملية التشريعات، وحقها بالتدخل في مضامينها اذا ما تجاوزت الكنيست حدودها ومست في أحد تشريعاتها، كما في قانون القومية الحالي، بقيم الديمقراطية الأساسية،على حساب اعلاء يهودية الدولة، وما تعنيه هذه المفاضلة في تاريخ السياسية العصرية. 

ومن اللافت أن نقرأ دفاع القاضي عن دور المحكمة العليا وضرورة حمايته، خاصة في الواقعين السياسي والاجتماعي الذين تعيشهما الدولة وما ينذران به من مخاطر تتربص بقيم الديموقراطية وبمكانة المواطنة السليمة المتساوية؛ ولذا كتب ، او قد يكون صرخ في وجه زملائه وحذرهم قائلًا: "ان الأقلية (العربية والدرزية) في اسرائيل هي أقلية أصلانية وليست مجموعة أغيار أو غرباء؛ وهي ترى بدولة اسرائيل وطنها وتريد أن تعيش فيه كمتساوية بين متساوين. وهي أقلية تنتفض ضد اقصائها وضد المحاولات لمنع دولة اسرائيل أن تكون دولتها ايضًا. ان المبادرين والمتبنين لهذا التشريع، لمجرد كونهم من معسكر الاغلبية في الدولة، لا يشعرون على "جلودهم" بالأذى المريع الذي يتسببون به للاقليات في الدولة. أو كما قال المثل العربي" اللي ايده في المي مش زي اللي ايده في النار". 

لم يتوصل القاضي جورج قرّا، الى قراره بضرورة الغاء القانون أو تعديله بشكل جذري وجوهري، الا بعد أن وقف على استهداف مشرّعيه لحقيقة كون اللغة العربية لغة رسمية معترفًا بها منذ أيام الانتداب البريطاني، رافضًا تطبيبات زملائه القضاة ومحاولاتهم العنصرية للتستر على هدف مشرّعيه الحقيقي، فواجههم بكل وضوح برأيه كاتبًا  "على خلفية تشريع قانون القومية وهدفه، وأخذًا بعين الاعتبار عدم تضمين مبدأي المساواة والديمقراطية فيه، يصبح الاستنتاج، بأن التعرض لمكانة اللغة العربية جاء بغرض "حني قامتها" واذلال المتحدثين بها، هو الاستناج القوي الوحيد". ثم ذكّر زملاءه بمقالة للكاتبة"ميطال بينتو" جاء فيها أن : "في الدولة القومية يوجد للغة دور حاسم في خلق وبلورة الهوية القومية، وبسبب هذا الدور يميل افراد معسكر الاغلبية السكانية الى الاعتقاد بأن لغة الأقلية تشكل خطرًا على هوية الاغلبية القومية. فالحضور القوي للعربية في الفضاء العام المشترك مع اليهود يستوعب كتهديد للاغلبية اليهودية، أو كنوع من انتصار ثقافة الاقلية على الاغلبية". قالها ليُفهمهم، اذا نسوا، دروس التاريخ الأسود.        

لقد أعجبتني مواجهته لموقف زملائه من المادة التي ألزمت الدولة بضرورة العمل على تشجيع الاستيطان اليهودي في "أرض اسرائيل" وكيف قارعهم، بحنكة قومية غير خجولة، وبوعي مواطني سليم، رافضًا جميع ما سيق من قبلهم، ومستنتجًا بحزم على أن "مادة الاستيطان اليهودي ، التي تسمح بممارسة التميييز العنصري وبتخصيص الأراضي على اساس الانتماء القومي، تمس بشكل متطرف بجوهر هوية الدولة.."  فخلاصة القول، هكذا واجههم "بأن قانون القومية يتعارض مع السمات الجوهرية للدولة الديموقراطية وبدرجة  تبرر تدخل هذه المحكة فيه."

 سوف يقلل البعض من أهمية هذه الصرخات المدوية التي جاءت على لسان قاض عربي في المحكمة العليا الاسرائيلية، وذلك لموقفهم المسبق من الموقع وليس من الشخص تحديدًا. وعلى الرغم من قناعتي بعدم صحة تلك المواقف التي تدمن عملية المعارضة الروبوتية، ادعو الى ضرورة مناقشتها مستقبلًا، لأنها  تتعلق بواحدة من معضلاتنا الوطنية/ المواطنية وعلاقتنا بالدولة. 

سيبقى عتبي على من تطرق للقرار قبل قراءته، وأكثر على من كان يجب أن يقرأه ولم يفعل؛ فقراءة ما كتبه "مطوّعو الديمقراطية وساحلوها" مهم، والاهم ما كتبه القاضي جورج قرا، الذي كتب بلغة قضائية واضحة و"بدم قلبه" -كما وصف ذلك القاضي ميلتسر ، وهو الوحيد من بين العشرة قضاة اليهود الذي تطرق ببضعة كلمات لموقف زميله الذي كتب بحس سياسي ناضج وكأبن فخور لاقلية عربية لا تسمح باذلالها. 

لم تعِر، كما تقدم، أغلبية الاكاديميين العرب أي اهتمام لمضامين القرار، وذلك رغم أهميتها القصوى وتأثيرها المباشر وطويل الأمد على مستقبل علاقاتهم وعلى صور اشتباكها أو تقاطعها مع الدولة. قد يكون السبب وراء هذا العزوف النخبوي والشعبي هو شعور الأكثرية "بتفاهة المسألة" ؛ فمكانة المواطنين العرب في اسرائيل، هكذا يفترض هؤلاء، لن تتغير بسبب هذا القانون، وما كان بالنسبة لهم، كل من موقعه وكرسيه وجمعيته وحقله، سيّئًا أو جيّدًا، سوف يكون؛ وقد يكون هذا دليلًا على حقيقة الهوّة القائمة بين ما يشعر به الناس، كل الناس، وهواجسهم الفردية المستوطنة في صدورهم، وبين حقيقة الخطر الذي استشعرته قلة نخبوية وبعض النشطاء السياسيين من جراء تبني كنيست اسرائيل لقانون توّج جميع التشريعات العنصرية التي سبقته وتفوّق عليها .

 وأيًا كانت أسباب هذا العزوف، الشعبي والنخبوي، ستبقى كلمات القاضي العربي جور ج قرا نواقيس ضاجة في سماوات اسرائيل، وستقض مضاجع من يتشدقون فيها بانسانيتهم العاقر وبديموقراطيتهم الكاذبة؛ وستبقى مواقفه، كذلك، همسات ساخنة في آذان من يحترفون فنون الشجاعة الفيسبوكية فقط، أو من ينتظرون الفرج يأتيهم من جيوب السلاطين، أو من يمضون وراء ضجيج هتافاتهم راكضين وراء حلمهم/وهمنا يوم آمنا أن البداية ستكون بتحرير سبتة وثم ساحات الربيع العربي، فالقدس، وأخيرًا سيزخ الخير على حيفا وصفد وفي سائر الميادين.

هنالك أهمية كبرى للمضامين القانونية وللاجتهادات التأويلية الشاملة التي لجأ اليها القاضي جورج قرا في مسعاه لتفنيد مواقف زملائه القضاة، ويا حبذا لو يتم الرجوع اليها وترجمتها ونشرها وتجنيذها في خطابنا السياسي والحقوقي بشكل عام. فلنقرأ ونتناقش، عسانا نخرج من أزمة "القات" التي انهكت وشلّت عقولنا.

ولك، سعادة القاضي جورج قرا، جزيل الشكر؛ وأعلم أنك لا تنتظره من أحد. 

من خوازيق السياسة الفلسطينيّة: ها أنتم تُعزِّزون بثالث/ فراس حج محمد



الحرية في فلسطين تتناقص بوتيرة سريعة، لم يبق إلا هامش ضئيل. فلننتظر حتى إحكام فكيّ الكماشة علينا جميعا. تهانينا نسير نحو الدكتاتورية بسرعة كبيرة! أنا لست متفائلا أبداً. كثيرٌ من الكتّاب- وربما كنت واحدا منهم- يرون أن سقف الحريات في فلسطين مرتفع، وأكثر من أي دولة عربية، بل إنني كنت أعتقد- سابقاً- أن واحة الديمقراطية ليست موجودة إلا في فلسطين، وهنا أعني فقط مناطق دولة فلسطين، المزعومة أنها دولة، بغض النظر إن كانت الدولة سلطة حكم ذاتي أم لا. المهم أن الحرية كانت طليقة مطلقة وترفرف بأجنحتها في فضاءات عالية السقف إلا في حالات نادرة من المكيدات السياسية التابعة للخصومة بين فتح وحماس، أما ما عدا ذلك فقل ما تشاء ولتكتب ما تشاء فلم يكن يحاسبنا أحد.

لماذا هذه السلطة تزحف نحو الدكتاتورية وتقليص مساحة الحرية؟ ماذا ستستفيد؟ إنها لن تجني إلا المزيد من التمرد والكراهية وتقليص عدد مؤيديها الذين يتناقصون يوميا، وهم يشاهدون "فساد الأقارب"، وهم يتعاملون مع الوطن كأنه عزبة خاصة، ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، وصاروا يتغولون ويتوغلون ليوغلوا في دماء المواطن على حساب معيشته وقوت عياله اليومي. وصرنا- نحن المواطنين تحت الاحتلال الإسرائيلي- بين فكي كماشة، إن تخلصنا من أحدها عضنا الآخر بنابه فأدمانا، الاحتلال وجنوده ينهشوننا؛ الأرض والأعمار، والسلطة تنهش القوت والفضاء والهواء. إنهما طرفان بالفعل توافقوا علينا وإن لم يتفقوا، إلا أن كليهما أجمعوا على أن يحرمونا آخر فرصة لنحب هذه البلاد.

المسألة هنا ليست متعلقة بإلغاء المادة "22" من مدونة السلوك العامة الفلسطينية فقط، بل في كل مناحي الحياة، فالإقبال على مثل هذه الخطوة هو قفز على كل الشرعيات، المحلية والأممية، والضرب بعرض الحائط بهذا الشعب، إن مثل هذه الخطوة هي استتفاه للشعب، وما يزيد من هذا الاستتفاه أو الاستحمار والوصف لعلي شريعتي، هو أن يقول شتية رئيس وزرائنا الموقر أن إلغاء المادة هو إطلاق لحرية التعبير، وليس لتقييدها، إنه بهذا التصريح كمن جاء يكحلها فأعماها مطلقاً. كيف ذلك يا دولة الرئيس؟ أتشكك في فهمنا لمقروء النص والقرار؟ ألهذا الحد نحن أغبياء لا نستطيع أن نفهم نصوصكم التشريعية، فتأتي لتشرحها لنا؟ إنك تهيننا يا دولة الرئيس الموقر. ألم تنتبه أن أمريكا أيضا اشتركت معنا في فهم واحد هذه المرة؟ ألا تراها لحنت- يرحمك الله- وعليها أن تعيد القراءة مرة أخرى؟ أم أنك أنت اللاحن الوحيد في هذه المسألة شديدة البساطة إلى حد السذاجة المطلقة.

ألا ترى معي يا دولة الرئيس أنكم كثيرا ما تتهموننا بالغباء؟ ولكن عتبي عليكم، وعليك بالذات وأنت الدكتور والاقتصادي والسياسي أن تقبل أن تكون رئيس وزراء لشعب لا يستطيع أن يفهم القرارات، فغباؤنا- حاشاك يا دولة الرئيس- حمّلك مسؤولية تفهمينا النصوص التشريعية، ألله يعينك علينا. لماذا لا تأخذ بنصيحة الشاعر السعودي ناصر الفراعنة الذي رفض أن يكون رئيسا على "شلقة تيوس"؟ أما وقد رضيت وخالفت هذه الحكمة فعليك أن تشرح لنا في كل مرة هذه القرارات التي تحشرنا في علبة كبريت. ولكن، ألم تفكر يوما أن هذه العلبة يمكن أن تتحول إلى قنبلة تفجر الأوضاع وتقلبها رأسا على عقب؟ لا تظن أن المسألة بعيدة حتى وإن جمعتم الأحلاف والمرتزقة ليخرجوا مسيرات تأييد في رام وغيرها، هناك نقطة إن وصلها الشعب ستأخذ ثورته في نيران لهبها الأخضر واليابس؛ الاحتلال وأعوانه. 

ها أنتم تعززون بثالث، بعد مقتل نزار بنات وخدعة الاعتذار المزعوم، ثم ما أشيع عن فساد الأقارب والتعيينات الجديدة لأبناء المسؤولين، تأتون على قضم القوانين، وتأكلون الدساتير، مادة من بعد مادة، وفي كل مرة تطفئون مصباحاً، وترفعون جدارا لحصار شعب تقولون عنه إنه شعب الجبارين، فكيف استطعتم حشر الجبارين في قمقم؟ لكنكم والله تزيدون النار اشتعالاً، ولا بد من يوم تنفجر ألسنة النار اللاهبة لتأكلكم مع تلك القرارات، فالغضب الساطع آتٍ وأنا كلي إيمان.


التحرك المصري الأردني وإعادة احياء عملية السلام/ سري القدوة



 القضية الفلسطينية لم ولن تغيب يوما وكانت حاضرة دوما في الوجدان والضمير الاردني وتشكل القضية المركزية الأولى لمنطلقات السياسة الاردنية الهادفة الي احلال السلام بالمنطقة وفقا لحل الدوليتين وعمل الاردن علي تقديم كل الدعم للشعب الفلسطيني وتعزيز صموده وكرس كل امكانيته لحماية ورعاية المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وشكلت تلك المبادئ الاساسية نموذجا موحدا وقويا للحفاظ على العلاقات العربية والإسلامية وتنميتها في نطاق ايجابي يخدم الواقع العربي ويضع استراتجية واضحة للمرحلة المقبلة وهذا يأتي ضمن الروح الاردنية الصادقة التي تؤمن بعدالة القضية الفلسطينية والتي تؤكد دوما الحفاظ على ارث الاجداد وحمل الامانة بكل صدق وإخلاص ووفاء وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني على ارضه وحماية حقوقه التاريخية.

ومن خلال التحرك الدبلوماسي الاردني المصري المشترك وتوحيد تلك المواقف الموحدة تجاه مستقبل عملية السلام بالمنطقة يتحد ويتواصل صناع القرار لوضع اسس وقواعد ومرتكزات عملية السلام من اجل بلورة حلول سياسية واقعية ودعم الشعب العربي الفلسطيني وتعزيز صموده على ارضه وتحقيق العدالة والعمل على اطلاق سلام شامل يلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني على أساس حل الدولتين الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والقابلة للحياة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس وفقا للقانون الدولي والمرجعيات المعتمدة ومبادرة السلام العربية.

وتتواصل الجهود العربية والدولية وعلى اوسع نطاق تقوم بها المملكة الاردنية الهاشمية بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني من اجل اطلاق عملية السلام والعمل مع الاشقاء العرب والأصدقاء من مختلف دول العالم لتأكيد مجددا على اهمية التحرك الدولي لإعادة احياء عملية السلام القائم على الاعتراف بالحقوق الفلسطينية ومنح الشعب الفلسطيني حقه في تقرير مصيره وإقامة الدولة الفلسطينية والقدس عاصمتها وفقا للقرارات الدولية ومبدأ حل الدولتين، وقد اثمرت الجهود الاردنية المصرية المشتركة على نجاح بارز في اعادة الثقة وبناء قواعد تضمن التحرك العاجل لتفعيل عملية السلام من خلال توجهات جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس عبد الفتاح السيسي لتحتل هذه العلاقة مكانتها بين صناع السياسة الدولية وتتصدر اهتمامات وسائل الاعلام العالمية ولتشكل محورا جامعا لمتطلبات العمل العربي المشترك الذي يشكل نواة صلبة لإعادة تفعيل الجهود العربية والخروج بموقف عربي موحد من اجل تجاوز الخلافات وإعادة رسم استراتيجية التوجه العربي المشترك.

وفي ظل تلك الوقائع وما شهدته السياسة الدولية من مراحل خطيرة هددت السلم الاهلي والأمن الدولي نتيجة تفريغ مبدأ وصيغة حل الدولتين من محتواها القانوني والسياسي والأخلاقي والتي حاولت وعملت سلطات الاحتلال والإدارة الامريكية السابقة برئاسة ترامب على تمرير سلسلة من المشاريع الوهمية لتكون بديلة عن عملية السلام عبر طرحها الحلول المتمثلة في صفقة القرن الوهمية وغير القابلة للتنفيذ مما شجع حكومة الاحتلال الإسرائيلي على تكثيف نشاطها الاستيطاني والتلويح بمشروعات خطيرة وهدامة مثل ضم الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة.

في ظل هذا الواقع القائم تتوحد الامكانيات والجهود المشتركة التي تقوم بها الأردن ومصر من اجل ترتيب الأوضاع والتعامل مع التطورات في الساحة العربية والفلسطينية في ضوء لقاءات جلاله الملك مع الرئيس الامريكي جو بايدن والتي شكلت نقطة الانطلاق لإعادة تفعيل عملية السلام لوضع حد للمخاطر الكبيرة التي باتت تلحق الضرر بالشعب الفلسطيني وما تواجهه القضية الفلسطينية وتشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة نتيجة استمرار سياسة التوسع الاستيطاني. 

القمة الأردنية - الأمريكية ودلالاتها/ شاكر فريد حسن



في التاسع عشر من الشهر الجاري، قام العاهل الأردني الملك عبد اللـه بزيارة للولايات المتحدة الأمريكية، والتقى الرئيس الأمريكي الجديد بايدن، وهي الزيارة الأولى لزعيم عربي للبيت الأبيض منذ تنصيب بايدن، خلفًا لترامب. 


وهي في الواقع زيارة مفصلية وقمة مفتاحية، والهدف منها تعزيز دور الأردن على الساحة الاقليمية، وتحقيق مكاسب لا تتوقف على الدعم الذي يحتاجه الأردن بشدة لإنعاش اقتصاده المتردي. 


وبالرغم أن النتائج الملموسة لهذه القمة بين عبد اللـه وبايدن لن تكون جلية على الفور، ولكن دلالاتها مهمة جدًا، وخاصة ما تقدمه وتبعثه من رسائل موجهة. ومن أكثر الكلمات الدالة من تصريحات الجانبين الأمريكي والأردني هو الحديث عن "شراكة" تعيد بناء المنطقة عبر مفهومي الاندماج والتكامل، وهما مفهومان عبر عن نفسيهما عسكريًا وامنيًا على امتداد سنوات طويلة من الصداقة والتحالف والشراكة، وقد آن الأوان تحقيق ذلك اقليميًا في قطاعات إعادة الاعمار، واهمها الحاجات الحياتية والمعيشية الحياتية، والبنى التحتية، وإعادة تشكيل وتوطيد العلاقات الأمريكية مع العالم والمنطقة، تشمل في ظل التعددية القطبية، الاعتماد على الشروط الموضوعية لتحقيق سلام وتنمية مستديمة، فضلًا عن الحاجة لنزع فتيل الازمات وإعادة إنتاجها. 


ومن اللافت أن الشأن الفلسطيني لم يغب عن جدول أعمال هذه القمة، بل كان الشأن السياسي الأول. وهو شأن سياسي متصل بالمسألة الفلسطينية، لا يعالجه الأردن من منطلق تضامني فحسب، وإنما هو سياسة واضحة للأردن تجاه شعبنا وقضيته الوطنية، واعتباره الحال والوضع الفلسطيني هو شأن داخلي وله انعكاسات وآثار كبيرة من كل النواحي. 


وكان حل الدولتين حاضرًا بقوة في القمة، وذلك للتذكير به أمام الرئيس الأمريكي بايدن، كونه رئيسًا للدولة الأكبر في العالم، خصوصًا أن هذا الحل غاب في عهد الرئيس السابق ترامب، بطرحه خطة "صفقة القرن"، الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية وتكريس الاحتلال للمناطق والأراضي الفلسطينية، وأنه من الأهمية تطبيق حل الدولتين على أرض الواقع، وليس مجرد شعار مشموع. 


ويرى العديد من المحللين والمعلقين السياسيين أن هذه الزيارة والقمة مهدت لعودة الأردن كحليف قوي للولايات المتحدة لأمريكا في الشرق الأوسط، وكلاعب رئيس في قضايا المنطقة، وهو ما أشارت إليه الناطقة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، التي قالت:" أن الزيارة فرصة لمناقشة الكثير من التحديات التي تواجه الشرق الأوسط، والتأكيد على الدور القيادي للأردن في تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة. 

تواشيح الندى الأخضر/ مادونا عسكر

 


1

امشِ على أهدابي

حتّى أغفو

نزهة عاشق في جنان

عينٍ

كلّما رفّت

اشتعلت نار العبادة

2

من حولكَ

ليل متعبٌ

وهوىً

يطوف في الأرض يشتهي مأوى

حتّى غفا كالسّكران في يديكَ

أيّ همسٍ منك الدّجى

كان يسمع

أيّ نجوىً أسَر مجرى الحبِّ

فصار كونيَ أوسع

كلّ عزفٍ في القلبِ

ترانيم الحبّ يقرع

كلّ دفقٍ من أطيابكَ

للآبادِ في نفسيَ الورد يزرع

والآهاتُ

أسحار لا تنتهي

وقطرات سماويّة في أهدابيَ تلمع

3

في غِنىً

عن الحجِّ إلى بقاعٍ

واهية

في غنىً

عن طوافٍ في العالم السّفليّ

لحظة حبّ في خاطركَ

أبدٌ

متجدّد في خاطري.

4

متوهّجٌ، متّوَقّدٌ، متضرّمٌ

ترانيم الشّوقِ

المبلّلة أطرافه

بسعير جهنّمِ

5

هناك، 

تتجلّى أيّامي الوحيدة 

عمرٌ

واحدٌ

لا أيّام فيهِ

وسنون في عينيه تبتسمُ

6

يهزمني ليلٌ

ثم فجرٌ

ثم ضياء

أنا المتلاشية بين قطرات الندى

أعوذ بقدماء الآلهة

أتوسّل بينها

إلهاً

نثر في دمي ندىً أخضر


قيثارة الأمنيات/ الدكتورة بهية أحمد الطشم

 


يرسم عقلي خارطة أحلامي,

ويترنّم أملي على ايقاع السّحر الجاذب.......

تصدح نغمات طموحي من قيثارة الأمنيات البهيّة,

وتذيع أحلامي صدى رجائها من أبواق العزيمة الصّنديدة.

...............................................

تنادي عيون قلبي أفقاً شاسعاً ,

وتهمس نبضاته في أُذن الايام أقدس أسرارها لالتماس عبق رجائها.

ترتدي خلايا نفسي ثوب الحكمة ,

وتنتشلني بصيرتي من زوايا السأم ابّان عواصف الحياة ,

فيحتفي حدسي المتوقد بنار التغيير الخلاّق لتنصرف الآلام عني ,

وترقص ارادتي كنحلة جذلِة حول أبهى الزهور..............


منجد صالح هو الأسلوب نفسه/ فراس حج محمد

 


لكل كاتب أسلوبه الخاص الذي يعرف به، وربما من أجل ذلك كانت مقولة الكاتب هو الأسلوب نفسه؛ بمعنى الأسلوب نابع من التكوين الشخصي المتعدد المصادر للكاتب، فلا يصح أن يوجد كاتبان بأسلوب واحد، وإن انتميا إلى مدرسة واحدة، فالعقاد يختلف عن المازني كما يختلفان عن عبد الرحمن شكري، وكلهم ديوانيون، كما اختلف جبران خليل جبران عن مخيائيل نعيمة وهما ينتميان إلى الرابطة القلمية، أديبان مهجريان لبنانيان، وهكذا مع كل الكتّاب، والكاتب منجد صالح استطاع أن يرسّخ له أسلوبا مختلفا عن كل الكتاب الفلسطينيين، حتى أنني أزعم، وهنا الزعم ليس قرينا للكذب، بل هو أقرب إلى الحقيقة أنه لا كاتب فلسطيني يشبه في أسلوبه أسلوب منجد صالح على حد معرفتي، وأنا القارئ النهم، والمتابع لأجيال متعددة من الكتاب.

يعزّز الكاتب منجد صالح هذا الأسلوب في كل ما يكتب من مقالات ومن نصوص سردية، ترى في كتابه الجديد "إيسولينا وعجة بالفلفل الأسود"، هذه المنتخبات الأدبية، الأسلوب ذاته المفتوح على ثقافة واسعة استقاها من عمله سفيرا لفلسطين وعمله الدبلوماسي لمدة تزيد عن ستة وثلاثين عاماً، ترى فيها الثقافة العربية القديمة والثقافة الحداثية، ترى فيها الغرب وأمريكا، وترى فيها المسلمين والمسيحيين، ترى فيها كوبا والمكسيك، كما ترى فيها بيت أمر وصوريف وبيت لحم ورام الله والقدس ونابلس وسلفيت ومخيم بلاطة، وترى فيها أكلات غربية كما ترى أكلات فلسطينية والزيت الفلسطيني.

تقرأ وتتابع بسرد سلس وبلغة معجونة ومستلة من هذه الثقافات، إذ ترى المثل الشعبي الفلسطيني ومفردات الحياة العامة الفلسطينية المستخدمة في مجالات سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية متعايشة بانسجام نصيّ مع مفردات عربية أصيلة وتناصات تراثية أدبية شعرية ونثرية ودينية معززة بلغة عصرية مكتسبة من تلك البلاد التي عاش فيها وعايشها حتى امتلك هذه التجربة الممتدة التي كان من شأنها أن تصنع هذا الكاتب ليكون له أسلوب خاص، من الصعب تقليده، لأن الكتابة هي بنت التجربة والكاتب منجد صالح ينهلُ من تجربته التي عاشها، ويصنع نماذجه السردية من تلك التجارب والأشخاص الذين التقاهم وعاش معهم، هذه الخبرة التي أفصح عنها في قصة "المناضل الفلسطيني المهذب"؛ فتبرز "خبرة المرء وتجاربه في هذه الدنيا ومعرفته بخبايا الجنس البشري وعلم السسيولوجيا، بعد أن لف وزار ثلاثة أرباع دول وأصقاع هذه المعمورة"، هذه الخبرة التي لم تنقطع بل ما زالت تتنامى مع تنامي العمر كما قال، فهو ما زال مستعدا للتعلم ممن حوله، وليس غريبا، فلولا هذه الاكتشافات البشرية العلائقية المجتمعية لا يستطيع الإنسان أن يكتب ما هو جديد وحيوي ودافع للقراءة. فتجدد الحياة يعني نها ما زالت مفتوحة على نماذج وتجارب إنسانية لا حصر لها.

لعل هذا المقتبس المشار إليه في الفقرة السابقة يؤسس جيّدا لفهم هذه النصوص التي ضمها الكتاب الجديد لسعادة السفير منجد صالح، وأعطاها اسم واحدة من قصص الكتاب وهي "إيسولينا وعجة بالفلفل الأسود".

تتألف هذه المجموعة من عدة نصوص وهي: "نهفات السائق أبي"، و"الصديقان الطيّبان"، و"وردة الجزائريّة والفتى مجيد"، و"المُسافر لا يعود"، و"بائع البطّيخ"، و"إيسولينا وعجّة بالفلفل الأسود"، و"الصيّدلاني الماهر"، و"المناضل الفلسطيني المهذّب"، و"الصديقان اللدودان" و "يولي البديعة". وقد تأطرت تحت اسم "قصص"، ولا أظن أن هذا التجنيس ينطبق عليها تماما إلا بالإطار العام الذي تلتقي حوله في الحدث والمكان والزمان والشخوص، لذلك فهي نصوص سردية انفلتت من عقال التجنيس القديم الذي نص عليه النقاد قديما للقصة القصيرة أو للقصة عموماً، وهذا ما أسلفت الحديث فيه عندما تناولت عمله الأول "ضاحية قرطاج"، وهذه ليست محمدة أو مفسدة، وإنما هي تؤشر إلى ترسيخ أسلوب الكاتب الذي لا يغادره، وهي إحدى ملامح هذا الأسلوب.

لقد عمل منجد صالح، هذا الكاتب الممتلئ لغة وأحاديث وقصصاً، على إزالة ذلك الخطّ الفاصل بين المقالة والقصة، وما بين القصة والرواية، بل إنه يكتب بصدق وفنية وحرية تجعله غير مقيد بكل تلك المواضعات التي نص عليها النقاد قديما، وهذا بطبيعة الحال يربك الناقد الجامد الواقف على حدود النصوص ومعه مسطرة يقيس بها نصوص الكتّاب، متناسيا أن لكل كاتب الحق في صياغة نصوصه بقوالبه الخاصة، وأن يكتب أفكاره متحررا من كل شيء إلا من الكتابة ذاتها التي تفرض ظروفها وشكلها ولغتها فرضا متناغما مع ذات الكاتب وآفاقه الروحية والاجتماعية والثقافية لتكون علامة دالة على أسلوبه.

إن الكاتب الجيد هو ذلك الكاتب المفاجئ في أسلوبه ولغته وطريقة تناوله للموضوعات، وهذا ما عمل عليه الكاتب منجد صالح في مجموعته "إيسولينا". ترى الجدية موازية للسخرية المرة أو للفكاهة وإثارة الضحك، وصناعة النكتة الموقفية التي تترك على شفتي القارئ بسمة لطرافة تلك المواقف، لكنها لم تكن كلها طريفة أو ساخرة وفكاهية، فثمة جدية وألم وحزن لمصير بعض تلك الشخصيات التي عانت من الخذلان كالدكتور جبران، وشادي ونادر ويولي، إنها نماذج مقهورة تتعرض للخذلان، لذلك فإن السرد فيها كان مؤلماً يبحث في التفاصيل، وما وراء التفاصيل، يتفحص الكاتب كل شيء حتى الوجوه والأجسام والمكان والعلاقة البينية للأشخاص، إنه يمنح السرد لغة واصفة تستطيع أن تكون آلة تصوير تنقل المشاهد بتمامها، كما حدث فعلا مع تصويره مشهد اغتصاب يولي، فلم يلهث الكاتب وراء المشهد ويستعجله، بل جعله ينضج باللغة وبالسرد التفصيلي حتى إذا وصل القارئ إلى مشهد الاغتصاب، كان قد تعبّأ بمشاعر سلبية تجاه المغتصب ومتضامنا مع الضحية، تلك المرأة التي لم تقف سلسلة انتكاساتها عند الاغتصاب، بل في زواجها، وطردها من عملها، والاعتداء عليها من الشرطة، ومن إهانة صديقها الأخير لها. إن القارئ هنا يشعر بمدى الفاجعة الإنسانية التي يلم بها نتيجة هذا المصير الأسود الذي لف حياة هذه المرأة، لقد كافأتها الحياة أو بشر الحياة بغير ما تستحق. ربما كانت هذه المرأة نموذجاً إنسانياً تجسده قصة "يولي البديعة" له أمثلة كثيرة في عالم النساء شرقا وغربا، حيث المرأة المناضلة من أجل الحياة، ولكنها تجد الطامعين بها وبجسدها في المرصاد، فلم تستسلم على الرغم من جرحها وتتابع حياتها.

هذا النموذج الذي استقاه الكاتب منجد صالح من المكسيك يقابله أيضا نموذج نسائي آخر بظروف أخرى، نموذج قادم من كوبا من العاصمة هافانا حيث ماريا ديل روساريو الطبيبة المطلقة التي تتعرف على فريد، ويصبحان صديقين وعاشقين ليقضيا ليلة ممتعة في "فندق تريتون" في الغرفة 2009 ليصور السارد تلك اللحظة الرومانسية التي يشتهيها عشاق كثيرون: "والتقت الشفاة مع الشفاة، الملتهبة، العطشى، المشتاقة، وتجاورت، وتعارفت، وتعانقت وتعاركت، وسالت، وانتثرت عصارة الفراولة والكرز". وصولا إلى تعبيره عن الالتحام الكامل بين فريد وماريا بقوله: "وتلاحقت أمواج الماليكون، وتلاطمت، وتراجعت، وتلاطمت ثانية، وتراجعت، وثالثة ورابعة وخامسة، تارة بقوة، وتارة أخرى بلطف وحنان. ولو مر سيف بيننا لم نكن نعرف هل أجرى دمي أم دمك". 

لعل في هذا المقطع اللافت للنظر في كيفية صياغته بجمل قصيرة لا تتعدى اللفظ الواحد في أغلبها، يدل على تلك اللحظة وكيف اختار لها الكاتب لغة موحية شفافة بلاغية فيها من الكناية ما يجعلها لطيفة مفهومة دون أن يذهب إلى اللغة الصريحة المباشرة، فاللحظة لحظة حب وحميميمة وعشق ورغبة، بعكس المشهد النقيض مشهد الاغتصاب في قصة "يولي البديعة" الذي امتلأ بعبارات وألفاظ تشير إلى عنف اللحظة ولا إنسانيتها لتدفع كما قلت إلى اتخاذ موقف حيالها. فهذان المشهدان على الرغم من أن مآلهما الواقعي متشابه إلا أن ظروفهما مغايرة نفسيا، ولذا فقد اقتضى التغيير في اللغة، وهذا ما يطلق عليه الصدق الفني أو بتعبير الجاحظ في تعريفه للبلاغة: "موافقة الكلام لمقتضى الحال".

لم تكن تلك هي كل النماذج الإنسانية التي كتب عنها منجد صالح، بل كتب أيضا عن الإنسان الفلسطيني المسحوق، المخذول، والمناضل والمعتقل، وقرأ تبدلات الحال والأحوال حسب الظروف، وانتقد كثيرا من المظاهر السلبية في المجتمع الفلسطيني، تخلي الأخ عن أخيه، ومماطلة المحاكم بإصدار الأحكام، وتحكم الزوجة بزوجها، وتخليها عنه، والعلاقة بين الأصدقاء، واغتناء الإنسان وافتقاره، وتعرضه للخديعة من أصدقائه وأقربائه وأنسبائه، والانتهازية، وعدم المبالاة، والتفكير السطحي والاهتمام بالتفاهات، وما إلى ذلك من أمراض اجتماعية.

تعلقت هذه النصوص بأذيال المقال مرة وجنحت إليه، ومرة جنحت نحو القصص وتمردت على أساليب كتابتها، امتدت الأزمان في بعض تلك القصص إلى أكثر من أربعين عاما كما في قصة "الصيدلاني الماهر"، عدا ما في تلك النصوص من قفزات في الزمان، للوصول إلى بؤرة الأحداث التي يريدها السارد، إنه في نهاية المطاف أسلوب منجد صالح الذي يستخدمه في مقالاته المنشورة في المواقع الإلكترونية، وهو عينه الذي بتى عليه كتاب "ضاحية قرطاج"، وإنه لن يبدل أو يغيّر، وليس بوسعه أن يفعل ذلك، فما الكاتب إلا الأسلوب نفسه، شاء النقاد ذلك أم أبوا، وليبحثوا عن طريقة مناسبة لقراءة كل أدب يخرج عن تلك القيود، فتلك هي مهمتهم، كما أن مهمة الكاتب أن يكتب بحرية مطلقة دون الخضوع لأي شرط، فالإبداع لا حدّ له، وإن تقيّد بأي قيد فإنه سيكون ميتا أو كسيحا أو أعمى أو مصابا بعلة ما نتيجة فقدان أهم شرط من شروط حيويته وحياته، إلا وهو "الحرية المطلقة".


سهى جرار، رحيل مفجع، في زمن " الشر العادي"/ جواد بولس




كان لا بد للأسيرة خالدة جرار أن تحكّ ذراع الشرّ مرّة أخرى، لا كي تمتحنه، بعد خمسين عامًا من القهر والوجع، بل لتؤكد لنفسها أنها ما زالت قادرة على السفر في دروب الملح؛ ولكي تثبت، للعالم أيضًا، أن التاريخ قد يكتبه الغاصبون والأقوياء لكنّ مداده كان وسيكون دومًا من دماء ضحاياهم، وصفحاته ستبقى هي أرواحهم المعذبة الخالدة.     


لقد سمعت خالدة بنبأ وفاة ابنتها سهى حين كانت مع رفيقاتها الأسيرات في غرفتها في سجن الدامون، الذي يقع على قمة جبل الكرمل؛ فأمضت ليلتها، هكذا أتخيّل، وهي تعصر قلبها قطرات من أسى ولوعة وحنين لا يداوى. وحين زارها المحامون في صباح اليوم التالي وجدوها قويّة وصابرة؛ فأوصتهم أن ينقلوا باسمها، لأهلها ولشعبها، دعاء الأسيرات الأمهات اللواتي يتحرّقن حسرة ولوعةً وشوقًا، وينتظرن، بعناد وبشموخ موعدهن مع الحرية في أحضان الوطن وعلى ترابه، مع أحبابهن.


أعرف أن خالدة لم تراهن على موقف مصلحة سجون الاحتلال الاسرائيلي ازاء مطالبة محاميها بالسماح لها بحضور جنازة ابنتها؛ فهي، وزوجها غسان، أبناء لأجيال فلسطينية خبرت، منذ عقود، كيف يكون "الشر عاديًا "، وكيف يكون التاريخ  أسودَ، وتكون "تاؤه" مربوطة على قرني محتل ظالم وشرير؛ فعندها، هكذا تعلّما، لا يصح التنبؤ والانتظار ؛ فالشر لا يعرف إلا أن يتمظهر بطبيعته العادية الواحدة البسيطة والواضحة ونتائجه دائمًا متوقعة وبديهية. 


ترددت كثيرًا قبل اتصالي بغسان كي أعزيه بوفاة سهى؛ وتمرّنت على عدة سيناريوهات ممكنة لبداية مكالمتي معه، لكنني لم أعرف أيها سيكون الأهون علي وعليه. طلبته، فرد علي مباشرة بصوته المألوف، وبلكنته المميزة التي كان يصاحبها القلق. صمتُّ لوهلة، ثم بدأتُ معتذرًا أنني لست الى جانبه في هذه الأوقات الصعبة. حاولت أن استرسل في شرح أعذاري، فقاطعني بدماثة صديق عتيق وقال: "من قال أنك لست موجودًا فأنت معنا الآن ومنذ أكثر من ثلاثين عامًا، ألا تذكر ?" 


أتذكر بالطبع كيف تعرّفت الى غسان جرار وخالدة رطرورط/ جرار، حين كانا طالبين يساريين ناشطين في جامعة بير- زيت، وحين أحبّا بعضهما، ومضيا يربيان معًا قلبين أحمرين ويسيران على دروب مقاومة الاحتلال وبناء عائلة تباركت أولًا "بيافا" وبعدها "بسهى"؛  فكبرتا طفلتين طموحتين في دفء خيمتين وارفتين وعلى نفس الوعد والعهد. 


 لم أعرف، وأنا أحدّثه، إذا كان المقام يتيح لي دق أبواب ذلك الماضي، عندما اعتقلت قوات الاحتلال الاسرائيلي، في الأول من كانون ثان عام 1992، غسان من بيته في رام الله، واقتادوه الى معتقل الظاهرية، ليجد أن رفيقيه، حسن عبد الله وعلي فارس، قد سيقا قبله إلى هناك؛ وكيف في غداة تلك الليلة أخبروهم بأن قائد جيش الاحتلال قد أصدر أوامر أبعادهم عن الوطن لأنهم، كنشطاء في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، يخطّرون أمن المنطقة وسلامة السكان .     


استأنفت محادثتي مؤكدًا على أنني أعرف كيف يتقطع قلبه على فقدان حبيبته سهى؛ لكنني، هكذا أضفت، أعرف أيضًا صلابته وقوة تحمّله ورجاحة عقله وحكمته، وتمنيت عليه أن ينجح في تخطي الأزمة، لتصبح ذكرياته مع سهى مشاعل تنير فضاءاتهم بالبسمة، التي ستبقى كسيرة وحزينة، وبالأمل.


ثم انتقلت، محاولًا حجب غصة داهمت حلقي، وسألته: هل تذكر عندما زرتك في معتقل الخليل لأرتب معك تدابير معركتنا في الدفاع ضد أوامر ابعادكم ، انت وحسن وعلي. أجابني: طبعًا أتذكر،  ثم أردف، وكأنني أشعلت في صدره شرارًا: كان الثلج يغطي مدينة رام الله وجبال فلسطين، وكنا نجلس في بيتنا أنا وخالدة ويافا ابنة الخامسة.  انقطع صوته لهنيهة، وكأنه كان يبعد عن عينيه الندف، ثم أضاف: "كان عمر سهى أربعة عشر شهرًا". سمعت في صوته نبرة حنين دفين فأكمل مضيفًا: "عساك لا تتذكر، يا جواد، فسهى كانت قد ولدت  في يوم  11/9/1990 وأنا كنت في ذلك الوقت سجينًا في زنازين سجن رام الله، وأنت كنت المحامي عني.  جئتني الى ساحة بجانب الزنازين لتخبرني بأن القاضي العسكري قد أمهل المحققين مدة أثنتين وسبعين ساعة، وبعدها، هكذا طمأنتني، فإما ان يقدّموا بحقي لائحة اتهام، واما أن يحيلوني الى الاعتقال الاداري، واما أن يفرجوا عني. كنتُ منهكًا من التعذيب فسمعتك بطمأنينة وحفظت وصيتك التي جعلتني بعد أن غادرت مثل الرخام أصم، فأفرجوا عني بعد اربعة أيام". كان يخاطبني وكأنني زرته قبل أيام قليلة؛ شأنه، في هذه التجربة شأن جميع الفلسطينيين الذين يبنون قصور آمالهم من تراكم أفراحهم الصغيرة؛ فيفرحون بسقوط الثلج على لياليهم المزعجة، ويحسبونه رسائل حب من السماء، وينتصرون قليلًا، ويصمدون كثيرًا، وينامون خفافًا ولا يحلمون بالمستحيل.       


مدهش كيف تحفظ الضحية تفاصيل معذبيها وتعذيبها وكيف يتذكر جسدها تقاسيم السياط واختلاف موسيقاها في كل ضربة هاوية على لحمها ومع كل أنة. ومفرح كيف يواجه الفلسطيني تلك الذكريات، فهي، وان بقيت ندوبًا على ذاكرته، سرعان ما تتحول الى صور من هزائم مُنيَ بها الظالم، وتفاصيل ترسم فسيفساء صمود شعب ما  زال، رغم ظلم الاحتلال وبطشه، ورغم خيانات الاشقاء والاقارب، "يحلم بالزنابق البيضاء" وبالثلج، ويطارد حبيبات الندى ليحيا أبناؤه عزيزين رغم طغيان العهر والعطش والسراب.


لقد ازعجتهم حريّة غسان؛ فعادوا في مطلع العام 1992 واعتقلوه مع مجموعة من  رفاقه بنية إبعادهم خارج الوطن. أوكلت للدفاع عنهم أمام لجنة الاعتراضات العسكرية، ومن ثم في الالتماس الذي قدمناه الى " محكمة العدل العليا" الاسرائيلية. زرتهم مرارًا في سجن الخليل وأعددنا معًا نصوص مرافعاتهم بعد ان أتفقنا، هكذا ذكرني غسان، على ضرورة المماطلة في الاجراءت القانونية، فاسرائيل في تلك الايام كانت على عتبة خوض انتخابات برلمانية لا تساعد أجواؤها على ادارة معركة سياسية شعبية ضد سياسة الابعادات ولا المضي في معركة قانونية مجدية بالطبع. 


قدم غسان ورفاقه مرافعاتهم الطويلة التي كانت عبارة عن لوائح اتهام بحق الاحتلال وموبقاته؛ أما أنا فتحدثت وأطلت، ثم أجملت مرافعتي كما أوردها الاسير حسن عبد الله، الذي أصبح روائيًا وقاصًا فلسطينيًا معروفًا، في مجموعته  القصصية "رام الله تصطاد الغيم "، فقلت للقضاة : "مرافعتي الاجمالية ستكون قصيرة وموجزة، فهذه رغبة من أوكلوني عنهم، حيث طلبوا مني أن اعترف أمام المحكمة نيابة عنهم بما يلي: الرجال الذين يجلسون فيما تطلقون عليه اسم -القفص- يعترفون أنهم يعشقون الزيتون ويفتنون بنوار اللوز، ويطربون للحن الشبابة..انهم يعترفون بحسهم المرهف الشفاف عندما يستمعون لبكاء طفل ويهتزون من اعماقهم لزغرودة أم شهيد، وهي تزف ابنها في عرس مهيب؛ فهل تستحق هذه التهم عقوبة الطرد من الوطن ."  لن اسهب في تفاصيل الحكاية؛ ففي شهر تموز من العام 1992 انتخبت في اسرائيل حكومة جديدة، فقام وزير عدلها بالغاء أوامر الأبعاد بحق غسان ورفاقه، مؤكدًا عمليًا بقراره، ما أعلناه دومًا على انها كانت قرارات سياسية باطلة وكيدية وتستهدف الحاق ابشع العقوبات الوحشية بحق الفلسطينيين. ولكنهم  ... لم يفرجوا عن غسان جرار، بل حوّلوه الى الاعتقال الاداري، ليمضي، وراء قضبان القهر، مدة خمسة عشر شهرًا اضافيًا.


"تعرف كم نحن أقوياء" ، هكذا أجابني حين رجوته أن يصمد كي يسعد "يافا" ويبقى الى جانب خالدة، لكنه تابع وقال بصوت الأب الحنون:  "لكننا، في النهاية، نبقى بشرًا، نحب حتى آخر الأنفاس، ونعشق الفجر وهو يراقص محيّا بناتنا، ونذوب حين يغرقوننا بالرقة وبالغنج. لقد قصم ظهري هذا الرحيل.." ثم استعاد تفاصيل تلك الليلة، قبل ثلاثين عامًا، عندما كانت سهى طفلة صغيرة، ويافا عروسًا تحب الثلج، وحين "لبست رام الله، مدينته الحبية، ثوب زفافها ونامت ترتعش من الانفعال تحت أنفاس عريسها القادم من السماء" ، كما  كتب صديقنا حسن عبد الله في قصته الجميله "عروسان في الثلج"، ووصف فيها كيف قضى غسان ليلته الأخيرة مع عائلته وكيف سألته يافا  " ألا يلعب الناس في بلادنا بكرات الثلج؟ " فأجابها " بعد أن تنامي، فاذا نمت سنخرج جميعنا من البيت في الصباح ونلعب بالثلج ونقيم تمثالًا جميلًا، وسأصورك بجانبه ثم نعمل كرات ثلجية ونقذف بها أمك ". فرفضت يافا فكرة قذف أمها لأنها تحبها، فأجابها غسان بأنه هو أيضًا يحب أمها، فقالت: " اذن سنقذفك أنا وأمي بالثلج" . ثم أغمضت يافا عينيها وهي تحلم، فحملها غسان الى سريرها وغطّاها جيدًا وطبع على جبينها قبلة.


سمعته يتنفس بصعوبة ثم قال: ما زلنا نحلم بذلك التمثال الأبيض، وبالعروسين وهما تلعبان بكرات الثلج.   


أصغيت له بخشوع مضطرب، وحاولت أن أحيط صدري بكواتم أصوات، وخفت أن يشعر بأنني ضعفت حتى البكاء؛ وددت لو كان في مقدوري أن أسمعه زفرة "الدرويش" حين قال: " للحقيقة وجهان، والثلج أسود فوق مدينتنا، لم نعد قادرين على اليأس أكثر مما يئسنا "،  لكنه سألني فجأة، متى ستزور خالدة، فقد تكون هي بحاجة لمثل هذه الزيارة؟ وعدته قريبًا .  

بقدَّيش بعتيني/ روميو عويس



 اضحى مبارك


كل عيد وانتي بخير ياعيوني

يا مْشَغّلي الافكار بسْكوني

انشالله تضَلّي كل عيد بخير

واحلى واغنى وأهضَم تكوني

" بَعدني بحبِّك يا مَجنوني "

**

بقدَّيش بعتيني


لو بَـعـرِف بـقـدَّيش بعتيني

من بَعد ما ببَحرِك رمَيتيني

انكنو البعد مش بَس نحنا بعاد

بقصد ربوعِك رَكض لو فيني

هَجمِـت كورونا وسَكَّرو لبلاد

متل البشَر مَحروق مَسّيني

راحو وإجو وراحو وإجو لعياد

كنتي الحلو عالعيد تهديني

وجبلك عطر.. اكتب كلام جداد

قصايد ولا احلى.. تقبريني

اليوم بُعدِك زاد.. جرحي زاد

ودَمعي عطـر أحمر بقَـنّـيـني

**


كورونا تعرقل خطط الحكومة التايلاندية/ د. عبدالله المدني


يبدو أن خطط الحكومة العسكرية في تايلاند لإستعادة زخم الحياة الطبيعية في البلاد والمتعطلة بسبب جائحة كورونا ستواجهها الكثير من العراقل في الأشهر القادمة. فمن بعد أن كان مقررا العودة إلى إستقبال السياح الملقحين من مختلف دول العالم مع فتح كافة الأنشطة التجارية والسياحية بحلول أكتوبر المقبل، من أجل تنشيط القطاع السياحي الذي يعتمد عليه إقتصاد البلاد بنسبة 25 بالمائة، تفاجأ السكان في الأسبوع الأول من يوليو الجاري بقرار من حكومة رئيس الوزراء الجنرال "برايوت تشان أوتشا" يقضي بفرض حظر التجوال في بانكوك والعديد من المقاطعات من التاسعة مساء إلى الرابعة صباحا، وذلك كإجراء يستهدف التصدي للموجة الثالثة من الفيروس الصيني القاتل والتي رفعت معدل الإصابات اليومية إلى تسعة آلاف إصابة مع معدل وفيات تجاوز الثمانين وفاة. والحقيقة أن تايلاند تواجه وتقاوم منذ أكثر من عام أسوأ كارثة يحل بإقتصادها منذ الأزمة المالية الآسيوية في عام 1997، مستخدمة إجراءات احترازية متنوعة لم تحقق حتى الآن نجاحات حاسمة.

وإذا ما أردنا تناول قصة هذه البلاد مع الجائحة نجد أنها وصلت إلى تايلاند لأول مرة في 13 يناير 2020 عبر مسافرة قادم من ووهان الصينية، وكانت تلك الحالة هي الحالة المؤكدة الأولى خارج الصين. وخلال ما تبقى من شهر يناير سـُجلت إصابات قليلة كان معظمها لزائرين أو مقيمين عائدين من الصين. وفي شهر فبراير ظلت حالات الإصابة والعدوى منخفضة مع إكتشاف حالة إصابة محلية يتيمة، وهو ما جعل الحكومة تتعامل مع القضية بخفة. وهكذا لم تتحرك الحكومة بجدية إلا في شهر مارس 2020 حينما حدثت زيادة حادة في عدد الإصابات، أرجع معظمها إلى تجمعات حدثت في ملعب لومبيني للملاكمة. ولهذا صدرت أوامر بإغلاق الأماكن العامة والمؤسسات التجارية في العاصمة وغيرها، وتمّّ إعلان حالة الطواريء الذي أعقبه فرض حظر التجول في إبريل 2020. كما قامت الحكومة وقتذاك باتخاذ إجراءات احترازية كالحجر الصحي للقادمين من الخارج من جنسيات معينة، وفحص درجات الحرارة عشوائيا، وإلزام السكان بإرتداء الكمامات والتباعد الإجتماعي وقواعد النظافة، ووضع ضوابط لأسعار الأقنعة خوفا من تكديسها والتلاعب في بيعها. غير أن كل هذه الإجراءات لم تنجح في كبح جماع الوباء لأسباب كثيرة مثل الفساد واختلاس الإمدادات الطبية وتضارب أوامر الفرق الطبية والتردد والتباطيء في العمل وضعف التواصل. وفي محاولة من الحكومة لتفادي الإنتقادات التي وجهت إليها لتعاملها المتخبط مع الجائحة وعدم توفيرها للقاحات بصورة كافية أصدرت قرارا متأخرا بحظر استقبال جميع الأجانب القادمين إلى البلاد، كما قامت بالقبض على بعض معارضيها ممن كانوا يروجون لمعلومات زائفة حول انتشار الجائحة.

ومع انتشار الوباء وتعطل الأعمال واختناق الإقتصاد، اضطرت مؤسسات كثيرة إلى خفض رواتب كوادرها، وتمّ خفض عدد الرحلات الجوية وإلغاء بعض وجهاتها الداخلية والخارجية، وتعليق الفصول الدراسية بجامعات "شولالونغكورن" و"ماهيدول" و"كاسيتسارت" في بانكوك مع اعتماد أسلول الدراسة عن بعد في أعقاب تأكيد حالات إصابة بالوباء بين هيئات التدريس وجموع الطلاب. إلى ذلك تقرر إلغاء الكثير من الفعاليات المقررة مثل معرض تايلاند الوطني الثامن والثلاثين للكتاب ومعرض بانكوك الدولي الثامن عشر للكتاب في إمباكت، وتأجيل فعاليات أخرى إلى أجل غير مسمى شاملة بطولة الملاكمة في "شيانغ راي"، وجميع مباريات دوري كرة القدم، وسباق الجائزة الكبرى التايلاندي للدراجات النارية لعام 2020، ومعرض بانكوك الدولي الحادي والأربعين للسيارات، ومهرجانات "سونغكران" السنوية الجاذبة للسياح في مقاطعة خون كاين ومنتجع باتايا وشاطيء بانغ ساين وباتونغ.

والحقيقة ان مثل هذه القرارات والإجراءات التايلاندية طبقتها دول كثيرة أخرى من تلك التي أبتليت بالجائحة، لكن وقعها في تايلاند كان أكثر وضوحا وتداعياتها على السكان كانت أكثر إيلاما لأسباب كثيرة خاصة بهذه البلاد ومنها اعتماد الدخل القومي ومعيشة نسبة معتبرة من سكان المدن والمنتجعات على السياحة وما يرتبط بها من قطاعات مثل الفندقة والضيافة والترفيه والمواصلات والطعام والتسوق، ناهيك عن أن أحد عوامل جذب السياح هو الفعاليات السنوية التي تم إلغاؤها أو تأجيلها على نحو ما ذكرنا. ولعل ما زاد الوضع سوءا أن الصين منشأ الوباء تمثل أكبر مصدر للسياح الوافدين إلى تايلاند، حيث انخفضت أعدادهم بنسبة 60 بالمائة، علما بأن عدد السياح الأجانب بصفة عامة شهد في مطلع العام الماضي انخفاضا بنسبة 40 بالمائة، قبل أن ينخفض إلى الصفر، مع اغلاق الحدود وإلغاء الرحلات الجوية، متسببا في خسارة إيرادات بمليارات الدولارات. ويكفي لمعرفة ما أصاب تايلاند ان ننظر إلى الإحصائيات الرسمية التي أفادت أن عدد السياح الأجانب انخفض من 40 مليون في عام 2019 إلى 6.7 مليون في عام 2020.

ومما يجدر بنا ذكره في سياق الحديث عن انخفاض أعداد السياح الصينيين القادمين إلى تايلاند قبل قرارات الإغلاق ووقف الرحلات الجوية هو أن نسبة معتبرة من التايلانديين تجنبت التعامل معهم خوفا من انتقال الوباء إليهم، بل شهدت بعض المرافق السياحية في بانكوك و شيانغ ماي وبوكيت حالات تنمر وعنصرية ضدهم مثل رفع لافتات على واجهات المطاعم تقول "نعتذر، لا نستقبل زبائن من الصين". أما أولئك الذين خافوا من المساءلة فقد تحايلوا بوضع ملصقات بالصينية تقول "نعتذر، لقد نفذت جميع الوجبات". ومما لاشك فيه ان هذه الأخبار انتشرت وعبرت الحدود ليتردد سواح كثر من الصين ومن غيرها في القدوم إلى تايلاند.

د.عبدالله المدني

*أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي

تاريخ المادة: يوليو 2021م



كبار في مسيرتي… د. فيليب سالم: “هيُوستن عاصمة بْطرَّام”/ هنري زغيب

 

بيننا قصيدة منصور الرحباني “طار الزمانُ بنا يا مطعمَ الحلبي” – أَنطلياس 2013

هنري زغيب*

(اليوم: 13 تموز/يوليو: نُضيء معه شمعتَه الثمانين)

منذ التقَيتُه مرةً أُولى لدى منصور الرحباني، وأَنا ما زلتُ أَلْتقيه بدون انقطاع: بعيدًا حيث يكون، أَو في لبنان حين يعود ليجثُو على أَرض بْطرَّام. فهو من سِرْب لبناني ناصع يغادر لبنان ولا يغادرُه لبنان.

هذا رجلٌ لا يفارقك منه الطيف ولا الصوت ولا القلب، كأَنك دائمًا في قلبه وصوته وطيفه.

بعد لقاءَات تالية كان يقول لي: “عند هبوط الطائرة لا بُدَّ من زيارة منصور ومهاتفتكَ قبل الإِكمال إلى بْطرَّام”. وبعد غياب منصور، بات يقول لي بغَصَّة: “عند هبوط الطائرة، لا بدَّ من مهاتفة هنري وتَذَكُّر الحبيب منصور قبل الإِكمال إِلى بْطرَّام”.

كيف يمكن الردُّ بما يعادل نُبْلَها، هذه الصداقة الأَبلَغ من كلماتها؟

مع حبيبة عمره وداد مع الرئيس بيل كلينتون

بْطرَّام حيثما يكون

ولادتُه فيها (1941)، حياتُه منها، حنينُه الدائمُ إِليها. لا تطأُ قدماه أَرض بيروت حتى تسابقَه لهفتُه إِلى بْطرَّام. لم أَعرف في مسيرتي وفاءً بَنَويًّا لضيعته الأُم كما أَعرفه في نبض فيليب سالم. ما إِن يهنأ فيها حتى يهاتفَني: “الصنوبرة في انتظارك”، فأَهرع إِليه نجلس تحتها، نتناول فطور الصباح مع زيت الكورة وزيتونها، ونسمات تدغدغ الصنوبرة فوقنا مدَندِنةً له بالحنين: يزيد عمرها عن 100 سنة، وعى عليها منذ طفولته الأُولى، ويتمتَّع دومًا باستمطار الذكريات: زاوية “الـمُرَبَّع” الذي وُلِد فيه، الدرَج العتيق الذي كم بَــرَى عليه خطواته، الطريق الـمُـتَـأَفْــعِـن بين الشجَر والتذكار، الكنيسة التي كلما عاد إِلى بْطرَّام يحرص على خدمة قدَّاسها صبيحة الأَحد، الشُرفة العُليا تجمَعُنا سهرةً قُبالة القرنة السوداء، الغرفة التي كَنَزَ فيها أَوراقَ أَبيه أَديب، أَخبار أُمه التقيَّة تحرِّضه على العلْم…

كلّ ذلك، إِذ يستذكرُه، لا يصدر عن صوتِه وحسْب بل عن أُوركسترا وجهِه الفائح بالفرح أَن يكون قَفَزَ من هيوستن إِلى بطرَّام في ومضةِ زمنٍ يَـمتَطيها عادةً مرَّتَين في السنة (تموز/يوليو وكانون الأَول/ديسمبر) فيستعيد نَـفَسَهُ النقيَّ على أَرض الكُورة المباركة.

مع الرئيس جورج بوش (الأب)

وفاءٌ دائمٌ لها

أَذكُر عينيه، ذاتَ كنتُ أَجول معه في دروب بْطرَّام عند عصريةٍ صيفية، كيف انقلب من رفيقِ جولةٍ إِلى نوستالجيا في هيئة رجُل يشير إِلى شجرة هنا كان فَيـئُها ملعبَه، إِلى حافةٍ هناك كان يتسلَّقها ليقطف كبوش التوت من بستان الجيران، إِلى بيت هنالك مهجورٍ كم زهَا بساكنيه قبل أَن يهاجروا ولا عودة. كان في صوته حنانٌ لونُهُ الوفاء، مذاقُهُ الولاء، نبرتُهُ انغماسٌ كيانـيٌّ في كل حبَّة ترابٍ من ضيعته، في كل نسمةٍ كورانيةٍ تَـمُرُّ بها، في كل حجرٍ من بيوتها المستلقية على كتف الذكريات، في كل بستان ممتدٍّ وسْع الأَمَل، في كل هضبةٍ قبالتَها تفتح شباكها صباحًا لتدخل منه الشمس على أَهل بْطرَّام.

في تلك الجولة، لم أَكن أُحسُّه يَمشي بل كانت قدماه تقبِّلان أَرض ضيعته في شغَف الفرح بالعَودةِ الواعدةِ بعَودات مقْبِلات لا إِلى انتهاء. وإِذِ استدَرنا عائدَين، خلتُ الجولة انتهَت. سوى أَنه حَزَمَ: “فلْنمضِ إِلى خَلْوةٍ بَعد”. وإِذا بتلك “الخلوَة” تلَّةٌ عند خاصرة بْطرَّام رمَقَها بقلبه وهو يُـبادرني: “هنا يَرقد أَبي وأُمي. وهنا سأَلتحق بهما حين تأْتي الساعة”. وفي إِيابنا من تلك التلّة، خلتُني عدتُ وحدي لعُمْقِ ما كان صمتُهُ يَهدُر في ذاك الغروب الصيفي، والشمسُ تسحب آخر رُسُلها عن هامات الشجر في بساتين بْطرَّام.

مع هيلاري كلينتون

هيوستن عاصمة بطرَّام

هل تغادره بطرَّام حين يغادرها؟ أَبدًا: خلال زيارتي الولايات المتحدة سنة 2014، لم يكن ممكنًا أَلَّا “أُعرِّجَ” عليه. لا تكساس بدون هيوستن، ولا هيوستن بدون فيليب سالم. بقيتُ أُحسُّ أَنني على أَرض أَميركية حتى دخلتُ عيادتَه فخِلتُني سأَجلس معه تحت تلك الصنوبرة. ولم أَكُن مخطئًا. فما فتح ذراعيه كي يستقبلني بــ”العبْطة” المعهودة، حتى أَدخلني إِلى مكتبه فإِذا بي فعلًا “هناك”: حَولي لوحات زيتية لمشاهد من بْطرَّام، على مكتبه إِناءٌ عريض فيه غصنُ زيتونةٍ من بْطرَّام، أَمامه بين أَوراقه وأَقلامه قصعة هادئةٌ هانئةٌ فيها حفنةُ ترابٍ من أَرض بْطرَّام. عندها أَيقنتُ أَنني معه في مملكة بْطرَّام وعاصمتها هيوستن.

هذا صديقٌ من نِعَم الحياة حين تسخو بالنِعمَتَين القُصْوَيَين: الحُب والصداقة. وها الحياة أَهدَتْنيهِما: نعمة الحب حين هَدَتني إِلى داناي التي استولَدَت من خريفي ربيعًا دائمًا، وحين أَهْدتْني صداقةَ فيليب سالم.

وصداقته ليست أَحادية الوُجْهة. ها أَنا أَدعوه فلا يَعتذر عن تلبية: إِلى بيروت سنة 2018 مفتتحًا المؤْتمر الدولي الثالث لجبران (الجامعة اللبنانية الأَميركية تنسيقًا مع كرسي جبران في جامعة ميريلند) وإِلى نيويورك في السنة ذاتها مُحاضرًا في مؤْتمر جبران الدولي الرابع.

عيادتُه في هيوستن، وَحَولَنا بْطرَّام – 2014

من جلجلة السرطان إِلى قيامة لبنان

لأَنه يعرفني شَغوفًا بلبنان اللبناني، حين هيَّأَ للطبع كتابه “من جلجلة السرطان إِلى قيامة لبنان”، سأَلَني – يا لنُبْلِه! – أَن أَكتُب مقدمة الكتاب، فنسَجْتُها مُغتبطًا أُخاصِر فكره اللبناني الساطع رؤْيةً ورؤْيا، منذ إِيمانه طبيبًا يضبُط السرطان بالقدرة الإلهية: “الفرح الأَكبر في قلبي هو شفاء مريض، وهذا تكريم من الله”، وبهذه الحالة النورانية ينتصر على الموت بانتصار مريضِه في شفائه، حتى إِيمانه بالقُدرة اللبنانية العظيمة على تخَطِّي سرطان الـمِحَن أَشْرَسِها وأَخْطَرِها، مبَشِّرًا بنقْلةٍ جريئةٍ في الذهنيَّة والعقليَّة، في خلْق إِنسان جديد يَثُور لا بالسلاح بل بالعقل. ويدعو أَبناء لبنان الجدُد أَن يتمرَّدوا على الواقع لصنْع مستقبلٍ يليق بهم وبوطنهم، بتغيير واقعٍ لبنانيٍّ أَسيرِ الطائفيّة، برفض الانتماء إِلى زعيم أَو شخص بل إِلى لبنان الوطن “فليتمرَّدوا بالمحبَّة لا بالحقد وبالتواصل مع الجميع لا بالفئوية، وهو التمَرُّد الحضاريّ الحقيقيّ”. ولأَنه عرف زعماء لبنانيّين يتعامَلون بأُسلوبٍ دونـيٍّ أَمام أَسيادهم خارج لبنان، عرفَ الذُلَّ على وجوههم لا يخجلون لأَنّ هَـمَّهم إِرضاءُ قيادات خارجيّة لتثبيت مصالحهم الشخصيّة على حساب مصلحة وطنهم وشعبهم. لذا صرخ بِحزم: “لبنان أَهمُّ وطنٍ في الشرق، يملك مواردَ في الطبيعة وفي الإِنسان لا تملكُها أَيُّ دولةٍ في المنطقة، وهنا عظمةُ لبنان”.

محاضرًا معنا في مؤْتمر جبران – نيويورك 2018

ربيعُه الثَمانُون

أَقُول فيه الكثير بعد، فيليب سالم. لا ينقُصُني قولٌ ولا تنضب ذكريات معه من الأَمس والحاضر وننسُج معه ذاكرةً للمستقبل.

غير أَنني اليوم أَكتفي من مسيرتي معه بإِهدائه عبر “أَسواق العرب” هذه الوردة النوستالجية: هو اليوم في هيوستن، ونحن حَوله حيثُما نحن، نُضيءُ معه -ولو عن بُعد- شمعتَه الثمانين معانقينَه بـ”العَبْطة الفيليبية” الأَليفة، داعين بالصفاء الدائم لربيعه الثمانين أَن تَظَلَّ لنا منه هناءَةُ الاصطفاء.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر تويتر:  @HenriZoghaib

بدها غزل/ روميو عويس

 


قالت كتبلي شعر.. غـازلني

مـتل الحلم والسحر ينقـلني

قلتلها: للحب ما في مجال!!

هَم الوطَن ع طول شاغلني

وجرحو لكبير كتير.. قاتلني

من وين بيجيني الغَزَل ما زال

غَرَّق عيوني البكي؟

وكيف بدو يطلع الموّال؟

من حنجره عم تشتكي؟؟

من وين بخلقلك غَزَل وجْـبـال

هموم وعَ صدري مْسَمَّكي

هم الوطن فوق الكتاف حْـمال 

روقي عليّي.. شو بكي؟ 

تا يجفّ من جفني البكي

ويطلع على لساني حَكي

**


الكِتابةُ بِلَا رأسٍ/ الاب يوسف جزراوي



موحشٌ هَذَا الْمَسَاءُ

 لِدَرَجَةِ أَنَّ السَّجائِرَ

الَّتي دَخَّنتُها تَعَاقَبًا

 كَادَت تُزهِقُ رُوحي!

.....

فِي هَذَهِ اللَّيْلةِ

أنَا أشبهُ بعصفورٍ يتأرجحُ

 مِنَ النّعاسِ فِي عشِّهِ...

لَكِنَّ رأسي مصابٌ بِالصُّدَاعِ

وَبَوادِرُ غيومٍ مُمْطِرةٍ فِي قَلْبِي!

بَينَمَا الكثيرُ مِنَ الصُّورِ

تَعجُّ فِي فكري!!

.....

 عَرَكَتُ رأسي بِيَدِيَّ

كَمَا يفعلُ النَّاسُ

لَعَلَّ الصُّدَاعَ يخفُّ 

وَتَزُولُ الحمّى

لَكِنّي لَمْ أفلح فِي مسعاي.

....

 اِسْتَلْقَيتُ عَلَى الأرِيكَةِ..

وغطّيتُ وجهيَ بِرَاحتي

لأمتطيَ حِصانَ أحلامي

عليّ آخَذُ قِسْطًا مِنْ النَّوْمِ...

فجميلٌ أن تحجبَ عينيكَ

عَنْ الألمِ 

وَعَنْ كُلِّ مَا يجعلُ رُوحكَ

في حالةِ احتقانٍ...

لَكِنّي لَمْ أنَمْ

وَلَمْ يسْتَكِنِ الوَجَعُ!

فَهُوَ كَنزيفٍ داخليٍّ

لَا يشعرُ بِهِ إلاَّ صاحبهُ!!

.....

بَدأ المَطَرُ يقرَعُ النوافِذَ

وكَأنَّ قطراتهِ تَدَكُّ رأسي

فَاِشْتَدَّتْ حِدَّةُ الصُّداعِ!

فَمَا كَانَ عَليَّ إِلَّا أَنْ

 وضَعتُ مُكَعَّباتِ الثَّلْجِ

فِي قَدَحِ مَاءٍ

وتناولتُ حبّةً مِنَ المُسكِّناتِ

عَسَى الصُّداعُ يهجعُ

لَكِنَّهُ لَمْ يهجع!

حِينَها جلستُ مَعَ قَهْوَتي

 عَلَى طَاولةِ اللّيْلِ

 أتحدّثُ مَعَ قلمي عَنْ صُدَاعي

ثُمَّ شَرعَتُ أكتبُ بِلا رأسٍ!!!.

***

مفهوم الديمقراطية الإلكترونية/ عبده حقي



منذ أوائل الستينيات ، بشر علماء المستقبليات بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجديدة باعتبارها تحمل إمكانات هائلة في الممارسات الحالية في التواصل السياسي والأنظمة السياسية  على مر السنين ، وقد أدت انعكاسات ذلك إلى خلق خطاب متعدد التخصصات وسريع الامتداد وإلى مجموعة هائلة من الأدبيات المتطورة باستمرار والتي تتناول مجموعة من القضايا والآثار المترتبة على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات للعملية السياسية في كل من النظرية والتطبيق.

لقد كانت المصطلحات المستعملة التي غالبًا ما يتم توظيفها للدلالة على هذا الموضوع هي "الديمقراطية الإلكترونية "  و"الديمقراطية الرقمية"

وإذا كان استخدام مفاهيم مثل "الديمقراطية عن بعد" و"الديمقراطية الافتراضية" أو "الديمقراطية الإلكترونية" قد حصرت إلى حد كبير في المراحل الأولى من هذا النقاش. فقد بذلت محاولات مختلفة لهيكلة التطور التاريخي لهذا الخطاب ووجهات النظر المختلفة بشأنه .

وبالتالي على الرغم من التاريخ الطويل لهذه المفاهيم والأفكار والنوايا التي تقف وراءها ، لم يتم تطوير أي مصطلحات مشتركة ومتوافق عليها حتى الآن ، ولا توجد تعريفات متفق عليها بشكل عام. من بين المفاهيم العديدة المختلفة إلى حد ما يمكننا أن يميز التعاريف ذات النزوع المعياري وكذلك التعاريف الأكثر نزاهة وحيادية. كما يمكننا ربط كل من هذه التعريفات كذلك بأحد النماذج الأساسية للديمقراطية الموضحة سلفا . وفي ما يلي سنحاول بإيجاز مقاربة بعضًا منها لتقعيد المفاهيم الأساسية وتحديد الإطار المفاهيمي لتحليلنا للأدوات والأنظمة الرقمية.

تقدم مجموعة من المساهمات التي تركز على القضايا النظرية والعملية المرتبطة بالعلاقة بين وسائل الإعلام الجديدة (الميديا) والديمقراطية نقطة انطلاق أساسية وموثوقة . حيث يقدم بعض المحررين "الديمقراطية الرقمية" كمفهوم رئيسي ويقدمون تعريفًا بمكوناته المعيارية:

إن الديمقراطية الرقمية تعني استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) عبر الكمبيوتر في جميع أنواع الوسائط (مثل الإنترنت والبث التفاعلي والهاتف الذكي) لأغراض تعزيز الديمقراطية السياسية أو مشاركة المواطنين في مختلف تجليات الممارسة الديمقراطية.

ثم بعد ذلك تمت إعادة صياغة هذا المفهوم بمصطلحات أكثر استقلالية وحيادية  : "إننا نعرّف الديمقراطية الرقمية على أنها مجموعة من المحاولات لممارسة الديمقراطية دون تحديد الوقت والمكان والظروف والعوامل المادية الأخرى ، باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كعامل مساعد وليس بديلاً عن الممارسات السياسية "التناظرية" التقليدية " .

في مساهمة حديثة تم تقديم تعريف أكثر إيجازًا من التعريف السابق: "يمكن تعريف الديمقراطية الرقمية على أنها السعي وراء الديمقراطية وممارستها بأي طريقة كانت باستخدام الوسائط الرقمية في التواصل السياسي عبر الإنترنت وأيضا عن بوسيلة غير متصلة بالشبكة . يجب هنا التمييز بين "الإنترنت" و"غير متصل" لأن الأنشطة السياسية طبعا لا تحدث فقط على شبكة الإنترنت ولكن أيضا بوسائط أخرى.

يميل كل من الخبيرين هاكر و فان ديك لجانب مصطلح "الديمقراطية الرقمية" باعتباره مفهوما أقوى من جميع المفاهيم الأخرى ذات الصلة لأسباب مختلفة. ورغم ذلك فهذا لا يعني أن الديمقراطية الرقمية ستحل محل استخدام وسائل الاتصال التقليدية والتواصل وجهاً لوجه . من الناحية التجريبية فإن المجموعات المختلفة من الوسائط الافتراضية والتقليدية هي الأكثر شيوعًا حاليًا.

وعلى الرغم من رفضهما لمصطلح "الديمقراطية الإلكترونية" لكونه عموميا جدًا (نظرًا لأن بعض الوسائط القديمة للبث أو الاتصالات الهاتفية كانت أيضًا إلكترونية) فإن مفاهيم أخرى حديثة تعزز مفهوم "الديمقراطية الإلكترونية " الذي يعتبر مصطلحا مرادفا لـ "الديمقراطية الرقمية". على سبيل المثال : " تشير الديمقراطية الإلكترونية إلى استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) في الحوارات السياسية وعمليات صنع القرار باعتبارها مكملة أو متناقضة مع وسائل الاتصال التقليدية مثل التفاعل وجهاً لوجه أو وسائل الإعلام أحادية الاتجاه  ".

لقد أكد كل من الخبيرين كولمان ونوريس أيضًا على تفضيل "الديمقراطية الإلكترونية" كمفهوم رئيسي. بعد تقديم مجموعة من التعريفات للديمقراطية الإلكترونية فقد أشارا إلى قواسم مشتركة أساسية واختارا  فهمًا معياريًا واسعًا للمفهوم أي : " القاسم المشترك بينهما هو افتراض أن للديمقراطية الإلكترونية علاقة باستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) لتعزيز البنيات والعمليات الديمقراطية. 

" إن الديمقراطية الإلكترونية هي من أعلى إلى أسفل ومن أسفل إلى أعلى تتعلق بالعمليات المؤسسية للتسلسلات الهرمية والترتيبات الأكثر مرونة للشبكات ".

في ضوء التعاريف والمصطلحات المختلفة المقدمة في الأدبيات السياسية سوف نستخدم مصطلحي "الديمقراطية الإلكترونية" و "الديمقراطية الرقمية" بالتبادل كمفهومين أساسيين في تحليلنا للأدوات والأنظمة الرقمية لتعزيز الديمقراطية التشاركية والمباشرة.

تعد توصية لجنة الوزراء الصادرة عن مجلس أوروبا للدول الأعضاء بشأن الديمقراطية الإلكترونية علامة بارزة بين الأطر السياسية المتعلقة بالديمقراطية الإلكترونية ، حيث يتكون جوهرها من إثني عشرة توصية بما في ذلك التوصيتان الأساسيتان التاليتين :

 1. النظر في الاستفادة من الفرص التي تتيحها الديمقراطية الإلكترونية لتعزيز الديمقراطية والمؤسسات الديمقراطية والعمليات الديمقراطية ,

 2. اعتبار الديمقراطية الإلكترونية وتنفيذها بمثابة دعم وتعزيز للديمقراطية والمؤسسات الديمقراطية والعمليات الديمقراطية عن طريق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وربطها بإشراك المواطنين ...

ولنذكر هنا مبدأين أساسيين هما : عند تقديم أو اتخاذ خطوات لتحسين الديمقراطية الإلكترونية يجب على أصحاب المصلحة مراعاة المبادئ التالية للديمقراطية الإلكترونية:

•الديمقراطية الإلكترونية باعتبارها دعمًا وتعزيزًا للديمقراطية والمؤسسات الديمقراطية والعمليات الديمقراطية عن طريق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات هي قبل كل شيء تتعلق بالديمقراطية وهدفها الرئيسي هو الدعم الإلكتروني للديمقراطية.

•الديمقراطية الإلكترونية هي إحدى الاستراتيجيات العديدة لدعم الديمقراطية والمؤسسات الديمقراطية والعمليات الديمقراطية ونشرالقيم الديمقراطية. إنها عملية إضافية ومكملة ومترابطة مع العمليات التقليدية للديمقراطية . كل عملية لها مزاياها: لا شيء قابل للتطبيق عالميًا. " من بين المبادئ التوجيهية تشير وثيقة المجلس الأوروبي إلى "قطاعات مختلفة من الديمقراطية الإلكترونية" (بما في ذلك المزيد من التفسيرات في فقراتها ): "تشمل الديمقراطية الإلكترونية على وجه الخصوص ، البرلمان الإلكتروني ، والتشريعات الإلكترونية ، والعدالة الإلكترونية ، والوساطة الإلكترونية ، البيئة الإلكترونية ، الانتخابات الإلكترونية ، الاستفتاء الإلكتروني ، المبادرة الإلكترونية ، التصويت الإلكتروني ، الاستشارة الإلكترونية ، تقديم الالتماسات الإلكترونية ، الحملات الإلكترونية ، الاقتراع الإلكتروني والمسح الإلكتروني ؛ تستفيد من المشاركة الإلكترونية والمداولات الإلكترونية والمنتديات الإلكترونية (المصدر مجلس أوروبا المنعقد عام 2009).

بناءً على هذه المقاربات يمكننا تلخيص استخدامنا للمفهومين الرئيسيين للديمقراطية الإلكترونية والمشاركة الإلكترونية على النحو التالي : إننا نفهم الديمقراطية الإلكترونية على أنها ممارسة للديمقراطية تحت دعم وسائل الإعلام الرقمية في الاتصال السياسي والمشاركة السياسية . تشمل المشاركة الإلكترونية جميع أشكال المشاركة السياسية ، والاستفادة من وسائل الإعلام الرقمية ، بما في ذلك الآليات المؤسسية الرسمية والمشاركة المدنية غير الرسمية.


مترجم بتصرف.

ملاذ الشّعور/ الدكتورة بهية أحمد الطشم

 


أرحل بشوقٍ عارم الى مخبأ قلبي,

وألوذ بشغفٍ بالغ  الى ملجأ نفسي وملاذ شعوري  لالتماس دفء وهّاج أحارب به جليد الكون.

أتوق لنيرفانا أبدية لا تتصادم والواقع البتّة,

وأعشق النوم في مضجع الأمان دون مَهَابة.......

فأنا ممتنة لنفسي , لعيون أحبائي و لكلّ التجارب الحصيفة في سيرورة عمري ......

.........................................

يُراودني أمل صنديد  بتقهقر لصوص الفرح الى عمق الخرائب , ويلازمني حلمُ   نابت  في بستان الطمأنينة....

......سنين العمر يحكمها حزن وفرح ,صواب وخطأ, وسلسلة ثنائيات متناقضة في حنايا أنطولوجيّة,  لكن وجه أملي يصير والفرح واحداً  دون النظر في أسباب القنوط.......

فأنا قتيلة الطموح ,وحده يساورني كأشعة نار مستعرة مع هبوب الرّيح الى ما ما وراء الآكام...