أنَعِي الَوَعْيَ الوَاعِي؟/ مصطفى منيغ



...حلمنا بمغرب أحسن ، قوي خالي من الفِتن ، يحترم حقوق الإنسان ، محكومٌ بالقانون لا فرق بين فلان و فلان ، العدالة فيه شجرة يانعة الأغصان ، شعارها تقل الحق يبقيه تابت وخفَّة الباطل تعرّضه للعدم مهما كان المقام أو الرمان ، لا أحد يطغَى في أمَّةٍ دستورها القُرآن ، ولا زعيم يَفْتَرِي كي ينجح ويبقَى في آمان ، مادام الغد كاشف للحقيقة الناطق بها آنذاك كل لسان ، حيث التتبٌّع يُنتِج الاطّلاع كل آن ، ولا حاكم يشتري ما يشتهيه عقاراً أو ذهباً بالمجان ، ولا راتب يُسحب من خزينة الشعب لفائدة مُصنَّف مِن الأعيان ، مادام وقتهم طُرِد مع الاستعمار أكان فرنسي الجنسية أو مِن الإسبان .


تمنينا أن نكبر بسرعة لنشارك في تطوير المغرب ليصبح أفضل الأوطان ، يُضرب به المثل في الغرب بعد الشرق عمَّا تحقَّق فيه ولا يكتنفه (لسبب ما ) النسيان ، مترجم للدراسة كنبوغٍ لفكرٍ إنسانيّ في جامعات الصين أو الهند أو أمريكا أو اليابان ، ولِمَا لاَ المغاربة أذكياء يطلبون العلم ولو كانوا فقراء لا يرغمهم ريح العجز على الانحناء ولو هبَّ عليهم دون سابق إعلان .


ونحن في أولى الخطوات على تحصيل المعرفة نسمعُ عن مصر ونشعر بالفخر والاعتزاز ونتصوّر عظمة ذاك البلد العربي الذي تعرَّض لثلاثي العدوان ، عقاباً على مساعدته الثورة الجزائرية المباركة وفرنسا في أوج نفوذها تغلي حقدا متى سمعت انتفاضة شعوب المغرب العربي وتتأكد أن مصر من وراء الفاعل سِراً وفي العلن ، كنا نتكون في ميدان الوطنية الذي أسسته تلك الدولة العربية الزاحفة للنصر بقوة الإيمان ، بواسطة جيلٍ من العباقرة ترعرعنا على نتاجهم الفكري المفعم بحماس النهوض من أجل إثبات الذات وتحمل مسؤولية المشاركة في رفع علم بلدنا خفاقا بالنصر على الجهل والفقر والمرض وكل بهتان . تحرّكت أحاسيسنا الغر مع الحبيبة لبنان ، وفيروز تحلق بخيالنا لملامسة شجيرات الأرز الحِسان ، الواصل بياض بشرتهن لقلوبنا الفتية لتسرع الخفقان ، فالجمال الممزوج بحياء الشرق الصادر عن صلابة بنيان ، مشيد بتربية جاعلة لكل أمر يُقاس ّبأدقِّ ميزان ، وللراغب متى شاء الاعتماد عن أصالة الأصل وتقدير تقاليد مكارم المكان . الوعي ليس انجذاب لأي متعة مؤقتة ذاتية مهما بلَغ التعويض من ثمن ، بل الوعي الواعي أكثر حفاظا على الكرامة يجعل الاختيار مسألة قناعة وتيك شيمة الشجعان ، فلا شيء يبقى غير ما يجدّد الحنان ، بما تأثرنا عن ثقة إعجاب بعقد ياقوت تتوسطه بيروت وكأن المساحة كلها أغنى بستان ، غير متقلب الشكل والمضمون مهما الحسد الخارجي هناك استوطن .


نتناقش على قدر عمرنا والشقيري يتوعد إسرائيل أن يقذف بها في البحر فنصفق عسى العرب لا يقابلونه بالخذلان ، فالغرب قادر على حماية صنيعته بما يملك  من هيمنة على عالم عربي باستثناء مصر العروبة والبطولة والوفاء عن إحسان .


... اليوم نراجع ما مضى ونقيِّم مدى صلابة أيادي كانت تجرنا من الخلف إذ المغرب الرسمي في اتجاه معاكس نزولا لتمثيل الرغبة المعبر عنها بشجرة أغصانها في أوربا وجذورها في إفريقيا وانتهى الأمر بوصف المعارض أقرب قريب للأوامر العليا بالعصيان . قساوة تُمحي ذاكرة جيل اتَّسم مَن كان فيه متعاطف مع العروبة دارس للغة عربية متشبع بمبادئ عدم التفريط في حق  الفلسطينيين لاسترجاع استقلالهم على أرضهم بالقدس عاصمة ، لنتعاون مع فرنسا أن تحوَّلت من مستغِلَّة لنا لشريك استثماري الند للند ، لنتضامن مع ألمانيا متى أصابها مكروه لأننا من نفس البشرية ، لنشتري من المملكة الهولندية الحليب وكل أنواع الأجبان ما دامت تشتري من عندنا الفواكه والطماطم ، لنحترم المؤسسات الدستورية الكائنة في قلب المملكة البلجيكية ونتعلم منها دبلوماسية التعايش لتحقيق الوحدة الأوربية ، كل هذا شيء جميل ولكن بالمقابل أن لا نفقد الصلة بأهلنا العرب مهما كانت مشاربهم السياسية لأنظمة حكمهم ، يكفي أننا خسرنا سوريا عكس الشعب السوري العظيم الذي نكن له التقدير والإجلال والأماني الصادقة بالعودة إلى محيطه لينطلق في أمن وسلام لبناء ما ضاع القابل لاسترجاع نفس الدور المفعم بالنفع .

قراءتي الأولى في ديوان "عالم أعمى" للشاعر شربل بعيني/ محمود شباط

 




قصيدة "عالم أعمى"

**********


قيل بأن الإبداع الأصيل كالبناء الشاهق، والصيت كالظل، وسرعان ما يذهب الظل فور زوال البناء، ويستمر طالما استمر البناء.

تتجسدُ هذه الحكمة في آلاف الأبنية التي شيدها الشاعر والأديب والمُربِّـي شربل بعيني، الذي يأبى إلا أن يُشركنا بغناءٍ احتفاليٍّ حيناً، وبعزفٍ شجيٍّ على آلة سيتار هندية حيناً آخر. ذلك ما يراه القارىء بوضوحٍ كافٍ في مؤلفاته بشكل عام، وفي قصيدة "عالم أعمى" بشكل خاص. حيث يؤلمُه سير العالم في الاتجاه المعاكس :

"العالم عَم يمشي خْلَيفاني !! 

 العالم عَم يمشي خْلَيفاني !!

وِيجرّ الأيَّام بْشَعرا،

يوَقِّعها عَ الأرض

ويِدعَسْ عَ صَفحاتا البيضا

ويِزوي متل الأعمى الْـــ ضَيَّع دَربو!!"

بِمُجَـرَّدِ بِدءِ القاريء في العَـبِّ من سلسبيل شربل بعيني، من أيٍّ من ينابيعه الغنية، سوف يحسّ ببلورةٍ صادقةٍ احترافيةٍ لمعنى التطلع نحو الأفضل، يُضيء كفانوس تنويريٍّ ، بهي الحضور، إن تكلم عن الماضي تراه صُوَراً حلوة دافئة تحنّ إليها، وإن قارَبَ المُستقبلَ يُريكَ ضوءَ آخر الـنَّـفق. يكرج حجل يراعه برشاقةٍ على مدارجِ الفكر الأصْوَب تمهيداً للتحليق في فضاءات الإنسانية والحضارات البشرية والدعوة للتفاعل معها، بما يفضي إلى التوازن الروحي وينابيع السعادة الداخلية.

ما يعطي إبداعَ شربل بعيني ميزته الخاصّة هو احترامه لوقت القاريء، حيث يُـثمرُ الكلام أدبا نديّا طريّا سهلا مُمتنعا، وذلك عبر تكثيف الجملة بالبلاغة التي أوجزها ابن المقفع بهذه العبارة : " البلاغة هي التي إذا سمعها الأخرق ظنّ بأنّه يحسن مثلها".

 

عَـبْـرَ دَفَّـتَي الدِّيوان نرى المُساكنةَ البريئة بين الشِّعـرِ والـنَّـثرِ والصُّوَرِ المُلونة. وقد صاغتها ورسمتها أنامل محترفة حريصة على مقتنيات الموروث، كما الأثر الأخلاقي والإنساني والحضاري كما لو كان الغرض هو حفظه من الاندثار. 

لا يُوفِّـر شاعرنا ما يُسمَّى بالصّحافة الصفراء التي تفبرك الخبر لمن يدفع أكثر من اللَّوم والتقريع، حيث لا يهمّ "التاجر الصحفي" أو "الصحفي الدكنجي" العبث بالسُّلم الأهلي حتى، ونَحرِ الحقائق بحافة ورقة الدولار طالما يصلهُ المعلوم بالدولار حيث يرشقهم شاعرنا بسهامه دون وجل أو تردّد:

"والكتَّابْ... اللازِم حَرفُنْ 

يضوي بعَتمات الأيَّام

باعُـو حْـروفُن بالسُّوقْ السّودا

وْما خَـافو لَعنِة هالأجيال الجَّايِـي

مِن تَحت حْجَار التّاريخ  

الْــ ما داق الحنِّيِّه قَـلبُو".

بحضور أدبي يرخي بظلاله على الساحة الثقافية بمختلف ميادينها، قارَبَ الشاعر بعيني دوافع استنهاض الجديد واستحضار العتيق، مُمَهِّـداً مساحةً قَـيِّـمةً معقولة ومُجدِيَـةً أمامَ مَن تَـتَـوفُّـر لَـدَيهِ الـنِـيَّـة والإمكانِـيَّـة للكتابة،  وللعمارِ على مَداميكه المتينة البنيان.

وفي قصيدة "حكاية بطل" يستذكر شربل بطلا وطنياً، قد تنطبق أوصافه على بعض الذين طالتهم مخالب الغدر: 

"وبـيخَـبْرو أخبَـار وحْكَـايات

عَـن بَـطل ....

لَـفّ الحقيقة بالأمَـلْ

وخَبّى بِقَلبو تْراب وسْواقي

وأشجَـار عَـم تـشـلَح تَمر للنَّاس

وصِدفِه .... عَ تَلّات المَـحَبِّه مات

وما انـعَـرَف كيف مات!! "

وإلى اللقاء في قراءتي الثانية في قصيدة "لصوص الهَيكَـل"، الذين يسمِّيهم بعض صحفيي هذه الأيام "بنكرجية" ، وكذلك قصيدة "نحنا ملوك الحب". 

عيحا في : 28/04/2023

"اصابع" دولة الكيان و" الموساد" حاضرة في الأزمة السودانية/ راسم عبيدات



ما ان تحققت المصالحة الإيرانية  - السعودية بشراكة صينية،والتي مهدت لكي تقترب الحرب على اليمن من  نهايتها،وتحدث انفراجة في العلاقة بين اليمن والسعودية،حتى تفجر الصراع في السودان،والذي هو مرشح للتفاقم،بين جنرالات تتصارع على الزعامة والمصالح،وتنفذ مصالح   وتخدم اجندات خارجية،البرهان قائد الجيش من جهة ونائبة محمد حمدان دقلو "حميدتي"،قائد ما يعرف بميليشا " التدخل السريع"، صراع تحركه أمريكا ودولة الكيان وبريطانيا،وتدخلات اقليمية اخرى خليجية وغير خليجية،صراع لا ناقة ولا جمل فيه للشعب السوداني الطيب،الذي يدفع ثمن صراع هؤلاء من دمه وأرضه وخيراته وثرواته وامنه واستقراره ووحدة أرضه وجغرافيته،وتلك القوى المحركة للصراع،لها نفس الأهداف الإستعمارية،في استمرار اضعاف الأمة العربية وتدمير بلدانها وقتل وتشريد أبنائها ونهب خيراتها وثرواتها واحتجاز تطورها،هذه السياسة جرى تطبيقها في العراق وليبيا وسوريا ولبنان،ومن قبلها في الصومال،بتحويل هذه الدول الى دولة فاشلة، تنهب خيراتها وثرواتها ،وتقف على رأس قيادتها، زعامات وقيادات فاسدة وخانعة وذليلة،ليس لها سيطرة على قرارها السياسي،وان تبقى في موقع الذيلية والتبعية للقوى الإستعمارية،وأرضها تستباح من قبل قوى العدوان، وإن كانت تلك السياسة قد فشلت في تحقيق اهدافها في سوريا عبر الحل العسكري،ولكنها سوريا ما زالت تخضع لحصار وعقوبات أمريكية واوروبية غربية  اقتصادية ومالية ظالمة.


هذه السياسة الإستعمارية في السودان،بدأت بفصل جنوبه الغني بالنفط عن شماله،ولتبدأ الآن المرحلة الثانية ،بتفكيك السودان الى دويلات متناحرة على اساس عرقي ومناطقي،بعد قيامهم بحل الجيش المركزي وتشكيل ميلشيات متناحرة ..للوصول الى الفوضى والتقسيم.


اهتمام دولة الكيان بأوضاع السودان الداخلية وتركيبته السياسية،وسياساته الخارجية،لا ترجع فقط للسنوات الأخيرة،بل السودان محط انظار دولة الكيان واجهزته الأمنية  منذ زمن بعيد،حيث السودان شكل خط لوجستي،لتهريب السلاح  من ايران الى ا ل م ق او م ة الفلسطينية في قطاع غزة،وطائرات الكيان الحربية في تشرين أول/ عام 2012،قصفت مصنع اليرموك العسكري في العاصمة السودانية،وقالت بأن القصف استهدف شحنات اسلحة ايرانية متطورة ،قيل أنها تخص قوى ا ل م ق ا و م ة في قطاع غزة.


الخوف في دولة الكيان من أن الصراع المحتدم على السلطة بين أصدقائها، الجنرال البرهان الذي جرى توقيع اتفاق التطبيع معه،وحميدتي الذي جاء زاحفاً الى تل ابيب ورجل الموساد،قدم خدمات كبرى لدولة الكيان مباشرة وغير مباشرة عبر الإمارات،أن يطول الصراع،ويطيح بإتفاق التطبيع،الذي كان يسعى وزير خارجية دولة الكيان  ايلي كوهين اثناء زيارته للسودان في شباط الماضي،أن يجري توقيعه قريباً في واشنطن،علماً بأن السودان قد التحقت بمسار التطبيع الذي شقت طريقه الإمارات العربية،وما عرف بالسلام "الإبراهيمي"،هذا المسار الذي بات يترنح ويتراجع ويضمُر،في ظل فشل ضم السعودية ذات الثقل السياسي والإقتصادي اليه،بعد مصالحتها مع ايران،ولعل التطبيع مع السودان،كان سيشكل  تعويضاً عن الفشل في التطبيع مع السعودية.


دولة الكيان يهمها بقاء السودان ضعيفاً ومفككاً،حتى يسهل العمل فيه بحرية وفق مصالحها،ولكن الأكثر اهمية،خروج السودان كلياً من المسار والتحالف المعادي لها.


دولة الكيان تابعت وتتابع تطورات الأزمة في السودان،والصراع الدائر هناك،بشكل حثيث ،حتى ان وزير خارجيتها  ايلي كوهين،بادر لدعوة "أشقائه" البرهان و"حميدتي" الى عقد لقاء بينهما في تل ابيب من أجل عقد تسوية بينهما ،وإن كانت الزيارة لم تتم،والتي تمت بتنسيق أمريكي- إماراتي،ولكنها تعكس حالة من القلق لدى دولة الكيان،بأن تتطور الأزمة والصراع في السودان،بما يتعارض مع اهدافها ومصالحها ،وهي ترى أي كان الفائز في هذه الحرب،فهو يخدم مصلحتها واهدافها، فإضعاف السودان وتفكيكه يخدمها،لكي تمارس دورها بحرية في السودان،وهذا يعزز علاقاتها بأثيوبيا التي تقف ضد السودان.


التطبيع مع السودان مهم جداً لدولة الكيان،وله عدة أبعاد،فهو يشكل "كي" للوعي العربي والإسلامي، بأن هذه الدولة التي احتضنت القمة العربية بعد هزيمة حزيران عام 1967،ونتج عنها ما يعرف باللاءات الثلاث " لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف بدولة الكيان،ها هي يجري اختراقها وتطبع مع دولة الكيان،وتقيم معها العلاقات الدبلوماسية،وكذلك التطبيع مع السودان،سيمكن دولة الكيان من التمدد الى قلب القارة الأفريقية،وتطبيع العلاقات مع دولها،حيث أن هناك دولاً عربية وافريقية،تشكل حاجز صد أمام هذا التمدد،ففي قمة الإتحاد الأفريقي الأخيرة،نجحت الجزائر وجنوب افريقيا،بإلغاء  القرار السابق لرئيس الإتحاد بمنح دولة الكيان عضوية مراقب في الإتحاد الأفريقي،وكذلك في ظل الأزمة السياسية المحتدمة في دولة الكيان،يشكل التطبيع رافعة اساسية لنتنياهو ،يقدمها كإنجاز لجمهور دولته،وأن أي اخفاق أو تأجيل أو تراجع للتطبيع مع السودان،من شأنه ان يمنع او يؤجل التمدد لدولة الكيان عربياً وأفريقياً،ولذلك تبدي "اسرائيل قلقها من ما يحدث في السودان،ويضاف الى ذلك بأن دولة الكيان قلقة من تزايد النفوذ الروسي الصيني الإيراني فيه ،وبأن لا تقود الأزمة الى عودة السودان،لكي تصبح ممراً لوجستياً لنقل السلاح من طهران الى ا ل م ق ا و م ة الفلسطينية في قطاع غزة... والسودان من الناحية الإقتصادية،سوق اقتصادي جديد وكبير ،وموقعه الجيواستراتيجي يضع دولة الكيان على البحر الأحمر،وهذا مهم لها لمتابعة ومراقبة ايران ومحورها،وكشف مخططاتهم وأهدافهم،وخاصة بأن جزء كبير من تجارتها وسفنها تستخدم هذا الممر المائي،كما ان هذا التطبيع يمكنها من إستهداف مصر دوراً وموقعاً وحضارة ونفوذاً إقليمياً،والضغط عليها وإبتزازها في أمنيها القومي والمائي،بعلاقاتها الإستراتيجية مع السودان واثيوبيا،وهي كذلك تريد التخلص من الهجرة غير الشرعية  من السودانيين الى كيانها،والتي اوجدت أكثر من 150 الف مهاجر،يلعبون دوراً في التأثير على هوية الكيان،كدولة يهودية.


دولة الكيان من المهم جداً لها ان يؤول الصراع في السودان الى ما يخدم مصالحها،وهي تفضل ان يحسم الصراع نائب الرئيس محمد حمدان دقلو " حميدتي" ،قائد ما يعرف ب" التدخل السريع"،ويكفي ان نقرأ ونتفحص جيداً تصريح يوسف عزّت المُستشار السياسي لحميدتي لقناة "كان" الإسرائيليّة يقول فيه أقول" للشّعب الإسرائيلي" وحُكومته أن ما تتعرّض له الخرطوم، وقوّات "الدعم السريع"، هو هُجومٌ يشنّه الجيش، استغلّته العصابة الإسلاميّة الإرهابيّة”، ويُضيف “ما يتعرّض له السودان شِبه بما تعرّضت له "إسرائيل" آلاف المرّات من المجموعات الإرهابيّة مِثل "حماس" والمُنظّمات الأُخرى التي يعرفها "الشعب الإسرائيلي جيّدًا" .

بين استقلال ونكبة أولى وثانية/ جواد بولس



قد تكون الاحتفالات بيوم استقلال إسرائيل، كما أقيمت قبل يومين في مواقع ومدن اسرائيلية عديدة، حدثًا مفصليًا لن يتكرر في السنوات القادمة بنفس الصيغ التي شاهدناه، ولا وفق البروتوكولات والمفاهيم التي كانت متّبعة منذ سنوات طويلة وكانت محطّ اجماع ارتضته جميع شرائح المجتمعات اليهودية وتيّاراتها الاجتماعية و السياسية المحلية وفي أرجاء العالم. 


 لقد عملت، خلال العقود الماضية، جميع الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، ومعها معظم قيادات المؤسسات والهيئات في الدولة، على تحويل جميع  مراسم الاحتفالات بيوم الاستقلال وما يسبقه من فعاليات متعلقة بهذه الذكرى، الى حدث رسمي "ودولاتي", أي حدث يخص الدولة بكونها كيانًا تعلو مكانته على مكانة الأحزاب وسائر المؤسسات والهيئات السيادية. لقد كان القصد من وراء تلك السياسة هو تحييد مكانة الجيش الاسرائيلي وأجهزة الدولة الأمنية، ومعهم جميع رموز الدولة، كالعلَم والنشيد الوطني ورئيس الدولة ورؤساء السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والمقابر العسكرية والجنود الذين سقطوا أثناء مشاركتهم في العمليات العسكرية أو الحربية، وعائلاتهم، بتحييدهم عن الصراعات القائمة داخل المجتمع وعدم  الزج بهم كطرف في أية مناكفات دائرة بين القيادات السياسية، مهما كان منشؤها أو مرجعياتها.


لقد حافظت اسرائيل، الرسمية والشعبية، على هذ القاعدة بصرامة فاقت كل التوقعات، حتى تحوّلت الاحتفالات بمثل هذه المناسبات/ الأيام، الذكرى والبطولة والاستقلال والغفران وغيرها، الى أحداث تتوحّد فيها مشاعر معظم يهود العالم، والى محطات يقفون عندها كجسد واحد متماسك ويمارسون فيها كشعب عملية تذكّر جماعية للهمّ نفسه وللوجع ذاته، ويستشرفون معًا نفس الأمل والمستقبل. 


هكذا كانت الحال الى أن نشبت في الآونة الأخيرة المعركة بين معسكر بنيامين نتنياهو وحكومته وبين معارضيهم من مواطنين وأحزاب والعديد من مراكز القوى الاسرائيلية والعالمية. فبعد الاعلان عن اقامة حكومة نتنياهو وتسمية وزرائها ، وبعد أن كشّروا عن أنيابهم الحقيقية وشرعوا بتنفيذ انقلابهم على نظام الحكم في الدولة، تحت ما اسموه، كذبًا وتمويهًا، بعملية اصلاح الجهاز القضائي، قررت قطاعات وشرائح واسعة من المواطنين اليهود، من داخل اسرائيل ومن خارجها، التصدّي للمخطط المعلن ومواجهته باصرار، تعكسه سلسلة المظاهرات الجبارة المقامة أسبوعيًا بمشاركة مئات آلاف المواطنين في ساحات وشوارع المدن الاسرائيلية بهدف افشال مخططات الحكومة الفاشية، والعودة الى نظام حكم ديمقراطي حقيقي.  لن أعود للكتابة، في هذه العجالة، حول هذه المظاهرات ولا عن موقع المواطنين العرب فيها وعن مواقفهم حيالها، فما يهمني اليوم هو تداعيات المشهد الذي أفضت اليه ممارسات حركة المعارضة الواسعة التي ما زالت تنشط وتتفاعل داخل المجتمعات اليهودية؛ وأدّت، كما شاهدنا في الأيام الماضية، إلى المسّ "بحرمة" مراسم الاحتفالات بهذه "الايام" التي كانت تحظى بمكانة حصينة؛ خاصة، كما تقدّم، يوما الاستقلال والذكرى. لقد شاهدنا وسمعنا، ربما للمرة الأولى منذ عشرات السنين، أصواتًا كثيرة تستنكر حق هذه الحكومة وتعترض حق وزرائها أو مؤيديها من أعضاء الكنيست المشاركة في إحياء مراسم هذه الاحتفالات الرسمية باسم الحكومة/الدولة ووقوفهم على المنصات كممثلين رسميين لكل المواطنين والشعب.


ما رأيناه وسمعناه من أصوات تدّعي عدم شرعية هذه الحكومة وعدم أهلية وزرائها للوقوف على المنصات الرسمية، يعكس عمق التصدّع القائم داخل المجتمع الصهيوني-اليهودي؛ ويعكس، في الوقت ذاته، بروز بدايات تفكك صحة مفاهيم "المقدس"، التي حاول ، كما أشرنا سابقًا، قادة الحركة الصهيونية على مختلف تياراتها، ترسيخها كأصماغ واقية ومعززة لسياساتهم بشكل عام، وخاصة في خدمة ممارساتهم العسكرية والتوسعية. فالإصرار على مقاطعة العديد من الشخصيات اليمينية واعتراض مشاركتهم في الاحتفالات يدلّ على أن المسلّمات التي كانت قائمة حيال قدسية هذه الأيام وما تحمله من رموز ورسائل ومشاعر، لم تعد مقبولة بمعطياتها وبمضامينها السابقة، ولا بكونها مسلّمات تحظى بمكانة منزّهة فوق جميع الاعتبارات وافرازات الواقع ؛ وتفيد كذلك على ان معظم القيم والمفاهيم التي أراد زعماء الحركة الصهيونية حمايتها وحفظها من الانتقاد والاعتراض والمناقشة، ستخضع من الآن فصاعدًا للمناقشة وللتحدّي وللرفض أيضا. فالدولة التي تسعى لبنائها حكومة نتنياهو الحالية  ليست هي دولة أولئك الذين يتظاهرون ضد الحكومة، وكذلك  هو حال العلَم والجهاز القضائي والجيش والأجهزة الأمنية، فكل هذه "الرموز"  لم تعد تعكس عند جميع اليهود نفس المعاني، ولا تؤدّي نفس الوظائف ولا تحمل نفس الرسائل الجامعة والموحّدة.


لا أعرف كيف ستتطور هذه الصراعات التي شهدنا بداياتها مؤخرًا؛  فقد تكون الخلافات حول تلك "المفاهيم والقيم المقدسة" بداية لمراجعات معمقة، داخل بعض النخب اليهودية، حول معنى عسكرة المجتمع وتقديس الجيش والموافقة على رفعه فوق كل الاعتبارات مهما فعل جنوده وقادته؛ وبداية لطرح التساؤلات الجدية حول عنجهية المستوطنين وغطرستهم في اضطهاد الفلسطينيين وقمعهم بوحشية سافرة، برضا المجتمع وغضّ بصره، وبدعم واضح من فرق ووحدات جيش الاحتلال. وقد تكون الطريق، مع اتساع رقعة الخلافات، أقصر كي يفهم المتظاهرون ضد ديكتاتورية نتنياهو ومخططات وزرائه، عبثية الاكتفاء بشعار الديموقراطية، وعلى أن المطالبة به لوحده لن تنقذ دولتهم من الدمار، ولذا فلن يستعيدوا حكمها كما يأملون.


أقول قد تكون هذه الصراعات بدايات لتغييرات أكثر جذرية ومصيرية من باب التمني، وأعرف أنه من دون استيعاب الذين يحاربون الفاشية ويقفون ويهتفون ضدها، على ان الاحتفالات بيوم الاستقلال وتقديس مفاهيمه ومكتسباته على الطريقة القديمة، هو ما أدى في الواقع، عبر السنين، الى نشوء تلك التيارات السياسية اليمينية والفاشية، ومن دون استيعابهم أن الإصرار فقط على إبعاد رموز الحركات اليمينية المتطرفة والفاشيين عن الاحتفالات لن يحدث التغيير في مسار التاريخ  الذي أوصل اسرائيل الى وضعها الحالي، ومن دون استيعابهم، كذلك، بأن الاحتفال بيوم استقلالهم والاصرار على أنه ولد من رحم البطولات وتضحيات من حاربوا في سبيل اقامة اسرائيل، والإمعان في التنكر لحقيقة أن ذلك اليوم هو عمليًا يوم نكبة الشعب الذي كان يعيش في وطنه وعلى أرضه، لن يفضي الى استرجاع اسرائيلهم كدولة ديموقراطية لا تحتل ولا تضطهد شعبًا آخر، ولا تحرم خُمس مواطنيها من حق العيش بمساواة وبكرامة وبأمان.


نحن نعيش مخاضات حركة تاريخية مقلقة ومخيفة، لا نستطيع اليوم تحديد مصيرها؛ فاستمرار حركة المعارضة لحكومة نتنياهو الحالية هو مؤشر ايجابي وهام، لكنه غير كاف لتحديد معالم المستقبل القريب، ليس لأن أكثرية المتظاهرين يطالبون بالديموقراطية كشعار فضفاض وحسب، بل لأنه على الرغم من مرور الوقت، لم تنجح هذه الحركة الشعبية في تطوير قيادات جديدة تومن بفلسفة سياسية مغايرة، وتسعى الى تغيير جذري في مفاهيم الدولة كدولة احتلال تضطهد شعبًا آخر، ودولة عنصرية تمارس سياسة التمييز والقمع ضد مواطنيها الفلسطينيين.


يراهن بنيامين نتنياهو وحلفاؤه الحاليون على هزيمة المعارضين لهم؛ ويسعون، بشتى الأساليب والأحابيل والوسائل، من اجل تحقيق هذه النتيجة. وأنا، مثل كثيرين غيري، أتمنى ألا ينجحوا، لكنني أعرف أن من أجل افشالهم يجب أن يكون لنا، نحن المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل، دور فعال في حركة المعارضة ومواجهة هذه الحكومة، لا سيما على خلفية الصراعات التي واكبت الاحتفالات بيومي الذكرى والاستقلال. فرفع شعار "يوم استقلالهم هو يوم نكبتنا" واطلاق مسيرة العودة هما فعلان هامان من أجل تذكير العالم وقادة وشعب اسرائيل بان الاحتفاء بتجسيد استقلالهم يأتي دومًا على حساب نكبة شعبنا؛ ومن جهة ثانية من أجل تعزيز هوية الاجيال الناشئة بيننا وتمتين انتمائها لفلسطينيّتها في هذا الزمن العربي الرديء والفلسطيني الملتبس. وعلى الرغم من أهمية التأكيد على رفع هذا الشعار والقيام بهذه الأنشطة، علينا أن نوقن أنه من دون المشاركة الحقيقية في مواجهة الحكومة، سنجد أنفسنا قريبًا جدا، أمام نظام من طراز جديد سيسعى من أجل "تذويقنا" مرارة نكبة ثانية، كما صرح بعض رموزه المتنفذين.


"يوم استقلالهم هو يوم نكبتنا" شعار صحيح ولكن ماذا نعمل وسنعمل كيلا يكون يوم انتصار الفاشيين هو يوم نكبتنا القادمة؟   

سُعَادُ القصِيدة ُ... أنشودة ُ الحُبِّ والعنفوان/ الدكتور حاتم جوعيه


  

( قصيدة ٌ رثائيَّة  في الذكرى السنويَّة على وفاة الشاعرة والأديبة  الكبيرة  " سعاد دانيال - بولس  - أم زاهر "  )  

  

لكِ العلمُ  والشِّعرُ .. سِحرُ  البيَانْ        بكِ    الحسنُ    والخُلقُ    يلتقيانْ  

سلامًا   إليكِ   أيا    طلعة َ  الفجْ         رِ ...  يا  وردَة َ الفنَّ   والأقحُوَانْ  

سلامًا   وما    من    لقاءٍ    نُكحِّ         لُ   أعيننا ... ضاقَ   فينا  المكانْ 

فبعدكِ    كلُّ     حديث ٍ   سَرابٌ         وبعدكِ     كلُّ     عزاءٍ     مُهَانْ  

وبعدكِ    كلُّ      نشيدٍ      نشازٌ        عليكِ    بكى   الكونُ    والفَرقدَانْ  

    وكنتِ  الشَّقيقة َ ... أمًّا    رَؤُومًا         وَصَدْرَ    وئام ٍ     ونبعَ     حنانْ  

    وكنتِ   كأرض ِ  بلادي  عطاءً          بكِ    الفنُّ    والطهرُ   مجتمعان 

    ويمتدُّ    ظلك ِ   فوقَ    الوجودِ           سنابلَ    تبر ٍ ... خُيوط َ   جُمَانْ 

    وإبداعُكِ  الفذ ُّ  في كلِّ   صوبٍ           نشيدُ    حياةٍ     وسحرٌ     ُمبَانْ 

    وشِعرُكِ  أقوى   منَ  المستحيل ِ          تجاوزَ  صَرْحَ  المدى  والزَّمانْ 

    فأنتِ    الرَّبيعُ     يشعُّ     سناءً           وأنشودة ُ    الحبِّ      والعنفوانْ 

    وأنتِ   هنا   رمزُ   كلِّ   عطاءٍ           وَمنْ   قد    يُشارُ   لها    بالبنان      

    كلامُكِ   أبلغُ    من   كلِّ    قولٍ           منَ  السيفِ أمضى وحدَّ  السنانْ   

    يُشِعُّ     أباءً     بأرض ِ   الجدودِ          ويحملُ  روحَ    الفدا   والطعانْ  

    وزادُ   المُحبِّ   إذا   ما   تلظى           رفيق ُ  المناضل ِ في  المَعْمَعانْ   


   أسَيِّدَة َ   القولِ    أرَّقنا      البُعْ             دُ... كنتِ  العَطاءَ  وَشَط َّ الأمانْ 

  إليكِ  صلاة ُ   الشَّذا  والخُشُوع ِ             سلاما ً   إليكِ   وفي    كلِّ    آنْ  

  نُصَلّي ...إليكِ   بفيضِ  الدموع ِ             نُضِيىءُ الشُّموعَ ويصفُو المكانْ                      

 رحلتِ   وكانَ   الفراقُ   عصِيبًا             مَصَابًا    جليلا ً   يهزُّ     الكِيانْ   

 فمِنْ   بعدِكِ  الفنُّ  أضحَى  يتيمًا             وبَعدكِ    هيهات   يشدُو    ِلسَانْ 

 ولمْ   تأخُذي حقَّكِ  المُرْتجَى  في             حياتِكِ ...  والعُمرُ  ولَّى   وكانْ 

 وَشِعرُكِ    أروعُ  من  كلِّ   نظم ٍ            بعُمق ِ المعاني  وسِحر ِ   البيَانْ  

 وفيكِ   المبادىءُ    رمز ٌ   تجلَّى             لعين ِ  الوجودِ   وعين ِ  الزَّمانْ 

 كتبتِ   لجيلِ    الطفولةِ    شعرًا             ونثرًا ،  لفجر ٍ   جميل ٍ ...  يُبَانْ 

 حكاياتُكِ  الغرُّ    فيها   الدُّروسُ             وفيها  المواعظ ُ ... فيها  الحَنانْ 

 فكم  قصَّةٍ  سوفَ  تكونُ   المنارَ             لِشَعبٍ    يُكافحُ    يأبَى   الهَوانْ  

 وكنتِ    الغِلالَ    ِبعَهْدٍ     يَبَابٍ              وقمحُكِ   كانَ    بدُونِ    زُؤانْ 

 وفيكِ  الشَّجاعةُ   روحًا   وفكرًا              ومثلكِ في الصَّبرِ ما  مِنْ  جَنانْ 

 وِكنتِ   المنارَ   ورمزَ  التَّصَدِّي             ومنكِ    تعلَّمَ     حتى    الجبَانْ 

 سنينا ً   تعانينَ   من   ألمِ    الدا              ءِ ... لم  تيأسي ...لمْ تكلِّ اليَدَانْ     

 وأفقكِ   عذبٌ   برغمِ    العذابِ              ووَجهُكِ    بالسُّهدِ    كالزَّعفرَانْ  

 وَمَنْ   يستطيعُ ...  يرُدُّ   المَنايا              إذا    ما    أوانُ    المنيَّةِ    حَانْ 

 هُوَ العُمرُ يمضي سريعَ الخُطى فَ          كأنَّا    نطاردُ     خيط َ     دُخانْ 

 قطعتِ    صحائِفَ  هذي   الحياةِ           ونجمُكِ  والشَّمسُ   أسمَى   قِرَانْ 

 وَفُقتِ    النساءَ    ذكاءً    َوَوْعيًا            مثالُ       التعَقُّلِ      والإتزانْ .. 

 يغني    لِفنّكِ     زهرُ   المروج ِ            ويحنوُ     لهُ    الطلُّ    والبَيْلسَانْ    

 هَبَطتِ   إلينا   كضوءِ  الشُّموس ِ            وكانَ    رحيلكِ    قبلَ    الأوانْ 

 وكنتِ   كأرض ِ  بلادي    شذاءً            وعطرًا   وسحرًا   منارَ  الحِسَانْ 

 وشِعرُكِ   يذكي  النفوسَ   كفاحًا            وكمْ    نشتهيهِ    كخمرِ    الدّنانْ  

 لواؤكِ   في  الفنِّ   فوقَ   النجوم ِ           إلى الشَّمس ِ أطلقتِ  أنتِ  العنانْ  

 وجذرُكِ في الأرض ِ يبقى عميقا            كزيتونِ   أهلي    كما   السَّندِيَانْ    

 فلسطينُ    فيكِ    تتيهُ    افتخارًا            وَشَعبٌ   عظيمٌ   أبَى   أن   يُهَانْ  

 وأنتِ   المليكة ُ    شعرًا    ونثرًا            لكِ  العرشُ  والتاجُ  والصّولجَانْ  

 ومَنْ  قالَ  غيرَ  الذي  قلتُ  فيكِ            دَعِيٌّ    ووغدٌ ...  حقيرٌ ... جَباَنْ 

 فكمْ    ناقدٍ   عندنا   يجهلُ   النَّقْ            دَ ... في  قلبِهِ الحقدُ  كالشَّيصَبَانْ       

 فيكتبُ  ما   يطلبُ  السَّيِّدُ   المُسْ            تَبدُّ ... فيخفي   صَدَى   الكرَوَانْ  

 وكمْ   من   هَجين ٍ  يدَّعي  الشِّعْ            رَ .. من روضنا  فلنصًدّ  الهجَانْ     

 كلامُهُمْ     يقرفُ    الناسُ    منهُ            ُتصَابُ      الخلائقُ      بالغثيَانْ  

 ولكنَّ  من   قدْ    تعَمَّدَ     بالحُبِّ             تاريخُهُ       ماثِلٌ          للعَيَانْ  

 يُعانقهُ    المجدُ    طولَ     الدُّهور ِ         ويبلى    الزَّمانُ    وأنَّى     ُيدَانْ   

أسَيِّدة َ    القولِ      أرَّقنا      البُعْ            دُ ... كنتِ  العطاءَ وشَطَّ  الأمانْ       

 وكنتِ  الشُّموسَ  التي  لا   تغيبُ            ولكنْ     أوانُ     المنيَّةِ     حَانْ 

 هُوَ العُمرُ يمضي سريعَ الخُطى فَ         كأنَّا     نطاردُ     َطيْفَ     دُخانْ  

 مكانكِ     في   جنَّةِ   الخُلدِ    دومًا         وفيكِ     سيشفعُ    حورُ   الجنانْ 

 لأنَّكِ     منهنَّ      نورًا     وَطهرًا         وإيمانُكِ    الفذ ُّ    كانَ     الرِّهَانْ 

 إلى    جنَّةِ    الخُلدِ     أيَّتُها     الأ          مُّ .. أنتِ  رسُولٌ .. ملاكٌ  مُصَانْ        

..........................................................................................

( ملاحظة : الشاعرة والكاتبة الأديبة الكبيرة  المرحومة سعاد بولس دانيال  في طليعة الشعراء والأدباء  المحليين  وتعتبرُ  الرائدة  الأولى  في مجال أدب وقصص الأطفال  وأول من  من دخل هذا المضمار  على  الصعيد المحلي قبل أكثر من خمسين عاما ، يومها لم يكن عندنا  أدب أطفال  ولم يطرق هذا الجانب أي أديب محلي .  ورغم مستواها الإبداعي الراقي في جميع المجالات الكتابيَّة ( شعر ودراسات وقصص وخواطر .. إلخ .. ) لم يكب عنها وعن إصداراتها العديدة  وللأسف أي كاتب وناقد محلي غيري  .وأنا الكاتب والناقد والإعلامي الوحيد  محليًّا الذي كتب عنها ، فقد كتبت  عدة دراسات لإصداراتها  وأجريت معها لقاء  مطولا  قبل  وفاتها  بفترة قصيرة  نُشرَ في مجلة عبير المقدسيَّة .


ديمقراطية العمال بحسب أنطونيو غرامشي/ د زهير الخويلدي



الترجمة


" تواجه كل اشتراكي مشكلة مضايقة يدرك بعمق المسؤولية التاريخية التي تثقل كاهل الطبقة العاملة والحزب الذي يجسد الوعي النقدي والنشط لهذه الطبقة. كيف تهيمن على القوى الاجتماعية الهائلة التي أطلقتها الحرب؟ كيف يتم تأديبها وإعطائها شكلاً سياسيًا يتضمن فضيلة التطور الطبيعي ، والتكامل المستمر مع بعضهم البعض حتى تصبح العمود الفقري للدولة الاشتراكية التي تتجسد فيها دكتاتورية البروليتاريا؟ كيف تلحم الحاضر بالمستقبل، بينما تُلبي الحاجات المُلحة للحاضر وتعمل بشكل مفيد للإبداع و"المضي قدمًا" في المستقبل؟


تهدف هذه السطور إلى أن تكون حافزًا على التفكير والعمل، وتهدف إلى أن تكون مناشدة للأفضل والأكثر وعيًا بين العمال للتفكير ولكل واحد، في مجال اختصاصه، وعمله، إلى التعاون في حل المشكلة، من خلال لفت انتباه الرفاق والمنظمات إلى الشروط التي تنشأ فيها. لا يمكن أن يظهر عمل ملموس للبناء إلا من خلال عمل مشترك وموحد للتوضيح والإقناع والتعليم المتبادل. ان الدولة الاشتراكية موجودة بالفعل في كائنات الحياة الاجتماعية الخاصة بالطبقة العاملة المستغلة. إن الجمع بين هذه المنظمات وتنسيقها وإخضاعها في تسلسل هرمي للكفاءات والسلطات، وجعلها مركزية بقوة مع احترام الاستقلالية والروابط الأساسية، يرقى إلى إنشاء ديمقراطية عمالية حقيقية وواقعية، من الآن فصاعدًا، بشكل فعال وفعلي مع الدولة البرجوازية، مستعدة الآن لتحل محل الدولة البرجوازية في جميع وظائفها الأساسية لإدارة وهيمنة التراث الوطني. يقود الحركة العمالية اليوم الحزب الاشتراكي واتحاد العمال، لكن السلطة الاجتماعية للحزب والكونفدرالية تمارس بشكل غير مباشر، من خلال الجماهير العمالية الكبرى، بقوة الهيبة والحماس، والضغط الاستبدادي، حتى عن طريق القصور الذاتي. يتسع مجال هيبة الحزب كل يوم، ويصل إلى طبقات شعبية غير مستكشفة حتى الآن، ويثير القبول ويثير الرغبة في العمل بفعالية من أجل ظهور الشيوعية في مجموعات وأفراد غائبين حتى الآن عن النضال السياسي. من الضروري إعطاء شكل وانضباط دائم لهذه الطاقات المشتتة والفوضوية، ودمجها، وتشكيلها، ومنحها القوة؛ لجعل الطبقة البروليتارية وشبه البروليتارية مجتمعًا منظمًا يمكنه أن يثقف نفسه، ويخلق تجربته الخاصة، ويكتسب وعيًا مسؤولاً بالواجبات التي تقع على عاتق الطبقات التي تتولى سلطة الدولة. يمكن للحزب الاشتراكي والنقابات العمالية دمج الطبقة العاملة بأكملها فقط على حساب العمل المتواصل الذي من المحتمل أن يستمر لسنوات وحتى عقود. لن يتعاطفوا على الفور مع الدولة البروليتارية؛ في الجمهوريات الشيوعية، في الواقع، يستمرون في العيش بشكل مستقل عن الدولة، ككائن حيوي دافع (فيما يتعلق بالحزب) والسيطرة والتنفيذ الجزئي (فيما يتعلق بالنقابات). يجب ألا يكف الحزب عن كونه عضوًا في التربية الشيوعية، ومحور الإيمان، ومستودع العقيدة، والقوة العليا التي تنسق وتقود إلى هدف قوى الطبقة العاملة المنظمة والمنضبطة. أنه يمكن أن يؤدي بصرامة هذا المنصب الذي يقع عليه أن الحزب لا يستطيع أن يفتح أبوابه على مصراعيها لغزو أعضاء جدد غير معتادين على ممارسة المسؤولية والانضباط. لكن الحياة الاجتماعية للطبقة العاملة غنية بالمنظمات، وتتجلى في أنشطة متعددة. هذه المنظمات وهذه الأنشطة بالتحديد هي التي يجب تطويرها وتنظيمها في كل واحد، وتنسيقها في نظام واسع ومرن مفصلي، وقادر على استيعاب الطبقة العاملة بأكملها وتأديبها. إن المصنع بمجالس أعماله، والدوائر الاشتراكية، والجماعات الفلاحية، هي مراكز الحياة البروليتارية التي من الضروري العمل فيها بشكل مباشر. مجالس العمل هي هيئات ديمقراطية عمالية يجب تحريرها بشكل مطلق من القيود التي يفرضها المديرون، والتي يجب أن تغمرها طاقة وحياة جديدة. اليوم، تحد مجالس العمل من سلطة الرأسمالي داخل المصنع وتؤدي وظائف التحكيم والانضباط. متطورة ومثرية، يجب أن تكون غدا كائنات السلطة البروليتارية، التي يجب أن تحل محل الرأسمالي في جميع وظائفه المفيدة في التوجيه والإدارة. من اليوم، يجب على العمال أن يشرعوا في انتخاب المجالس الواسعة للمندوبين، المختارين من بين أفضل الرفاق وأكثرهم وعيًا، تحت شعار: "كل السلطة في المصنع للجنة المصنع"، لا ينفصل عن هذا الشعار الآخر: "كل سلطات الدولة لمجالس العمال والفلاحين". وهكذا ينفتح مجال واسع من الدعاية الثورية الملموسة على الشيوعيين المنظمين في الحزب وفي دوائر الأحياء. يجب أن تحدد الدوائر، بالاتفاق مع الأقسام الحضرية، القوى العاملة في القطاع وأن تصبح مقرًا لمجلس المقاطعة لمندوبي المصانع، المركز الذي تترابط فيه جميع الطاقات البروليتارية في المنطقة وتتقارب. يمكن أن تختلف الأنظمة الانتخابية وفقًا لحجم المصانع، ومع ذلك، يجب أن يسعى المرء إلى انتخاب مندوب واحد لخمسة عشر عاملاً، على أساس فئات منفصلة (كما هو الحال في المصانع الإنجليزية) ليقود، عن طريق الانتخابات المتتالية، إلى لجنة من المندوبين المصنع الذي سيضم ممثلين عن جميع العمال (عمال، موظفين، فنيين). في لجنة الحي، يجب أن نحاول أن ندمج في هذه المجموعة من المصنع، مندوبين من فئات أخرى من العمال الذين يعيشون في الحي: النوادل، الحافلات، موظفو الترام، عمال السكك الحديدية، عمال النظافة، خدم المنازل، الباعة، إلخ. انبثاق كل الطبقة العاملة التي تعيش في الحي، انبثاق شرعي ومؤثر، قادر على فرض الانضباط، مستثمر بسلطة مفوَّضة تلقائيًا، وقادرًا على الأمر بالتوقف فورًا عن العمل في جميع أنحاء المنطقة. ستتوسع لجان الأحياء إلى مراكز شرطة حضرية، تخضع لرقابة وانضباط الحزب الاشتراكي واتحادات المهن. إن مثل هذا النظام للديمقراطية العمالية (مدعومًا بمنظمات الفلاحين المكافئة) من شأنه أن يمنح الجماهير هيكلاً دائمًا ونظامًا، وسيكون مدرسة رائعة للتجربة السياسية والإدارية، وسيؤطر الجماهير إلى آخر انسان، ويعودهم على رؤيتها. يحتاج إلى تماسك قوي كجيش في الميدان إذا كان لا بد من هزيمته وتحويله إلى عبودية. كل مصنع سيؤسس فوجًا أو أكثر من هذا الجيش، مع عرّافيه، وخدمات الإشارات، وضباطه، وموظفيه؛ يتم تفويض جميع هذه الصلاحيات عن طريق انتخابات حرة وليست مفروضة بشكل رسمي. من خلال الاجتماعات التي تُعقد داخل المصنع، وبفضل عمل الدعاية والإقناع المستمر الذي تقوم به العناصر الأكثر وعيًا، سنحصل على تحول جذري في علم النفس العمالي، ونجعل الجماهير أكثر استعدادًا لممارسة السلطة وأكثر قدرة على تحملها، سننشر الوعي بواجبات وحقوق الرفيق والعامل بحيث تكون متناغمة وفعالة لأنها ولدت بشكل عفوي من التجربة الحية والتاريخية. هذه الملاحظات السريعة تهدف فقط إلى أن تكون حافزًا للفكر والعمل. كل جانب من جوانب المشكلة يستحق تطويرًا شاملاً ومتعمقًا، وتوضيحات، وملاحق مشتقة ومرفقات. لكن الحل الملموس والمتكامل لمشاكل الحياة الاشتراكية لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الممارسة الشيوعية: من خلال المناقشة المشتركة التي تعدل بشكل تعاطفي الضمائر من خلال توحيدها وإشباعها بالحماس النشط. إن قول الحقيقة، للوصول معًا إلى الحقيقة، هو إنجاز فعل شيوعي وثوري. يجب أن تتوقف صيغة "دكتاتورية البروليتاريا" عن كونها مجرد صيغة، فرصة لنشر العبارات الثورية. من يريد الغاية، يجب أن يريد الوسائل أيضًا. دكتاتورية البروليتاريا هي إقامة دولة جديدة، بروليتارية نموذجية، تتجمع فيها الخبرات المؤسسية للطبقة المضطهدة، حيث يصبح تنظيم الحياة الاجتماعية للطبقة العاملة والفلاحية نظامًا واسع الانتشار ومنظم  بشكلعالي. مثل هذه الدولة لا يمكن أن تكون مرتجلة: عمل الشيوعيون البلشفيون الروس ثمانية أشهر لنشر وتثبيت شعار "كل السلطة للسوفييت"، وكان السوفييت معروفيين للعمال الروس منذ عام 1905. يجب أن يستفيد الشيوعيون الإيطاليون من التجربة الروسية وتوفير الوقت والجهد: سيتطلب عمل إعادة الإعمار الكثير من الوقت والكثير من العمل بحيث يمكن تكريس كل يوم من أيامنا وكل عمل من أعمالنا له."


الهوامش والاحالات


دون توقيع، النظام الجديد، 1 ، 7 ، 21 يونيو 1919.


1 ظهرت أولى اللجان الداخلية - بالمعنى الحرفي - للجان الداخلية أو الداخلية - في وقت الإضراب العام عام 1904. كانت هيئات عفوية، بدون وجود قانوني، تم تشكيلها وحلها وفقًا لاحتياجات النضال.: لجان إضراب أو نشاط. اللجان بدلا من مجالس العمل. بما أن مسائل الأجور وساعات العمل ظلت مسؤولية النقابات وحدها، في فترات الهدوء كانت سلطاتها محدودة للغاية وكانت محدودة قدر الإمكان لضمان التطبيق السليم للعقود المبرمة مع أصحاب العمل. في وقت مبكر من 27 أكتوبر 1906 ، أدى توقيع اتفاقية بين اتحاد المعادن وإدارة شركة إيتالا ومقرها تورينو ، لأول مرة ، إلى الاعتراف بإحدى هذه اللجان. معاصرة ومنتجات تطور صناعة السيارات ونمو بروليتاريا تورين ، بدأت المفوضية الداخلية تظهر أحيانًا كأدوات مميزة لسياسة تعاقدية (في عام 1913 ، على سبيل المثال) ، وأحيانًا ، كما حدث خلال سنوات 1911. -1912 ، كتعبير عن ميل عفوي لتوجيه الإدارة.


بدا أن إنشاء "لجان التعبئة الصناعية"، في أغسطس 1915 ، تحت إشراف وزير الحرب ، بهدف تجنب أي صراع من المحتمل أن يضر بالإنتاج في الشركات ، يعطي سببًا لأولئك الذين استنكروا في الداخل. اللجان هي مجرد أجهزة للتعاون الطبقي. من خلال المشاركة النشطة في هذه اللجان، سعى القادة الإصلاحيون في برونو بوزي ، ماريو غوارنييري ، إميليو كولومبينو) ،في الواقع ، إلى تعزيز سياسة تعاقدية من خلال تقوية اللجان الداخلية والاعتراف بها. تم التسامح معها في الشركات المعدنية الكبرى، ومع ذلك لم يتم الاعتراف بها قانونيًا. عندما انتهت الحرب، تم طرح مشكلة العلاقة بين الاتحاد واللجان الداخلية بشكل علني. في الواقع، بدأ اتجاه جديد في الظهور بين عمال المعادن خلال العام الأخير من الحرب: جمع الأناركيين والنقابيين الثوريين والاشتراكيين المتعنتين، وانتقد سياسة التعاون الطبقي التي تمارسها القيادة النقابية ورغب في تحديد، الاعتماد على اللجان الداخلية، وهو خط ثوري يقوم على رفض تفويض السلطة والديمقراطية المباشرة. لذلك انخرطت اتحاد المعادن في الكفاح لتأكيد وتقوية هيمنتها على اللجان. في يناير 1919 ، أقرت اتفاقية موقعة بين اتحاد المعادن واتحاد صناعات السيارات سيطرة النقابات على اللجان الداخلية: كان من المقرر أن يتم ترشيح المرشحين للجان الداخلية من قبل اتحاد المعادن ويتم انتخابهم فقط من قبل أعضاء اتحاد النقابات العمالية . وهكذا تم تحديد اثنين من الموضوعات المركزية لإشكالية لوردين نوفو: العلاقة بين اللجان الداخلية والنقابة، والمطالبة بحق التصويت لغير المنظمين. اختار المترجم أن يقدم هنا اللجنة الدولية من قبل مجلس العمل. في وقت مبكر من عام 1920، أبرزت الترجمة الفرنسية الأولى لغرامشي ("الحركة الشيوعية في تورين"، الأممية الشيوعية، 2 ، 14 ، نوفمبر 1920 ، 2783-2792)هذه الصعوبة: كان يشار إلى اللجنة الداخلية أحيانًا باسم " وأحيانًا "مجالس عمالية صغيرة معترف بها من قبل الرأسماليين" أو حتى "مجالس مصانع" (محضر ، 2788). على أي حال، اللجان الداخلية ومجالس العمل لا تغطي نفس الواقع. هذا الأخير، على وجه الخصوص، ينبثق - رسميًا على الأقل - من جميع العمال، سواء كانوا نقابيين، في حين أن تمثيل غير المنظم يشكل، فيما يتعلق باللجان الداخلية مثل الموجودة في عام 1919، مطلبًا أساسيًا واحدًا للنظام الجديد.


2 العدد الأول من صحيفة " النظام الجديد " العنوان الرئيسي: "الحقيقة ثورية"، وهي عبارة كتبها فرديناند لاسال، مأخوذة بوضوح من كلارتي لباربوس.

كعشبٍ يضيءُ ظلالَ الكمنجاتِ/ نمر سعدي

 


(1)

لا وقتَ لديَّ

كيْ أقفَ أمامَ ابتسامتكِ واصفاً إيَّاها بأقلِّ عددٍ ممكنٍ من الكلماتِ

لا وقتَ لديَّ كي أقفَ أمامَ صوتكِ الشبيهِ بتأوُّهاتِ الأشجارِ 

ولا أمامَ جمالكِ المسافرِ في الريحِ الخضراءِ

كيْ أجمِّعَ من حبَّاتِ المطرِ عقداً لإحدى أميراتِ الغجرِ الفلسطينيَّاتِ

فالحالمونَ دائماً مسرعونَ في ركضهم الدائريِّ إلى الوراءِ 

خلفَ ظلالِ نساءٍ بطعمِ الملحِ وحبرِ الفراشاتِ والقُبلِ الجارحةِ

*

(2)

الروحُ في مرمى وصالكِ شعلةٌ

والشوقُ في مرقى جمالكِ سلَّمُ

واللهفةُ العمياءُ تبصرُ نورها 

ودليلُها في ليلِ مسراها فمُ 

حمَّلتُ روحي وردةً علويَّةً

بأصابعِ الشغفِ المضيءِ تُرمَّمُ 

ليلي طويلٌ بعدَ ليلكِ سرمدٌ

وقصيدتي حبقُ المياهِ يغمغمُ

المريماتُ جميعهنَّ قصائدي 

في كلِّ حُبٍّ تحتويني مريمُ

فبأيِّما دمعٍ أضيءُ فأهتدي

وبأيِّما لغةٍ أقولُ فأُفهمُ؟ 

وتويجُ قلبي والشفاهُ كأنَّما 

ملحٌ يربُّهما ورملٌ أبكمُ 

*

(3)

لهفةٌ في دمي للكمنجاتِ تعبرُ ليلَ الشتاءِ الطويلِ 

بنعلٍ من الزنبقِ الجبليِّ...

هنا مطرٌ في نهاياتِ أبريلَ.. أخضرُ يا امرأةً خصرُها لنحيبِ الكمنجاتِ في الليلِ 

ضحكتُها للينابيعِ.. مشيتُها للأيائلِ.. لهفتُها للأغاني.. ضفائرُها للسنابلِ أو للشموسِ..

تعالي أكبِّلكِ بي وأحرِّركِ منِّي ومن شغفي الأبديِّ.. تعالي..

فكم تشبهينَ سنونوَّةً في الظهيرةِ ضلَّتْ طريقَ الرجوعِ إلى عشِّها

أو قصيدةَ حُبٍّ تنامُ على مقعدٍ في الحديقةِ 

وهيَ تغطِّي ابتسامتها باخضرارِ الشتاءِ

كوردٍ يُغطِّي شفاهَ النقوشِ..

كعشبٍ يُضيءُ ظلالَ الكمنجاتِ في الليلِ 

أو كصدىً ليسَ يُسمعُ في بيتِ شعرٍ قديمٍ.. 

دموعُ الكمنجاتِ منقوشةٌ في يديَّ كشمسٍ خريفيَّةٍ 

كعناق طويلٍ على ساحلٍ.. كصدىً في جبالٍ..

كغمغمةِ الغيمِ فوقَ الترابِ...

*

(4)

هل صرتُ منكِ وصرتِ منِّي

متتبِّعاً في الليلِ طيفي في السحابةِ 

أو ظلالَ خطى القصيدةِ والتماعاتِ الضبابةِ في الخريفِ.. 

لمن أغنِّي يا حياةُ.. لمن أغنِّي؟

وأنا الذي مذ كنتُ..

منذُ نعومةِ الأظفار تولدُ بي الأغاني المستحيلةُ

في سماواتِ الجليلِ..

أنا الوحيدُ.. أحبُّ روحكِ أو أريدكِ فاحتويني 

واجمعي روحي من الأرقِ الموزَّعِ في الزهورِ وفي السرابْ

*

(5)

قبَّلتُ ألفَ ضفيرةٍ شقراءَ.. 

لم أقرأ جمالَ الصيفِ بعدُ ولم أخطَّ قصيدةً عن وردةٍ طارتْ لأنَّ أصابعَ امرأةٍ تناديها..

ولم أكتبْ عن امرأةٍ من المطرِ الخفيفِ 

وتشبهُ العشبَ النظيفَ على نجومِ الصبحِ 

أو صوتَ النسيمِ وصوتَ فيروز المضيءَ كدمعةٍ.. وقصيدتي البيضاءُ تشبهُ عريَ عينيها 

وتكتبُ أيَّ شيءٍ.. أيَّ شيءٍ عن كآبتها وسرِّ حنينها المجهولِ 

خائفةً من الأيَّامِ أو من وقعِ شيءٍ ما يوتِّرها كخيطٍ في أغاني الماءِ، شيءٍ لستُ أعرفهُ 

ويشبهُ في المدى نسراً خرافيَّاً يراقبُها.. وهاويةً على موجِ الهوى الغلَّابْ

*

(6)

أحبُّ صوتَ البحرِ الذي يأتي من قدميها وأصدافِ يديها

أحتاجُ حبَّها لتكتملَ القصيدةُ فيها

كانَ جسدُها معجوناً بالأمطار الاستوائيَّةِ وعطرِ المانجا والموزِ المكسيكيِّ 

وكانت روحها تحملُ كلَّ سحرِ الأمازونِ وكلَّ أمجادِ كرةِ القدمِ والحضاراتِ العظيمةِ الغاربةِ

*

(7)

مطرٌ ينسابُ على الليلكْ

والليلكُ خمرٌ ينسابُ

والخوخُ من الشهدِ المنهكْ

والتوتُ على الشفةِ رضابُ


الوحدانية في المواساة/ غسان منجد



وكأن السماء أفرغت من محتواها 

وكأن الجحيم لا تزال الطرق اليه مفتوحة 

وكأن الحياة تحولت لسلاسل من جثث 

أوه من جروح شروقها 

وكأنني رأيت أشعتها وقد تحولت 

لشحاذة غروب نسجت أكفان قبور 


حزن لا يموت 

وفرح يواسيه في وحدانيته 

هجرة فتحت أبوابها الى الانهاية 

وأوثان أفلاك في غيب لازوردي 

من أين جاء هذا الجهل 

وهل ما زالت طرقاته معبدة 

الى آلهةكرهته ولم تفهم ألوان شقاءه 


وكأن الخيال يحارب الخيال 

والوحي يقف على الحياد 

ويقهقه ساخرا من نقاق التزلف 


كائنات بحجم الذره 

وتخال انفسها بحجم الكواكب 

مثالها مثال دمى ترقص في حنجرة 

زمن آيل وتلبس الرمادي الشقي 


هل أتخذ من كبد الزمن كرسي  اتمرجح عليه 

ويصعد من أنابيقه سندان يتربع على عرش متفتت 


هنا حيث كنت أحلم وأسترق النظر الى 

صور أعادتني الى طرقات باهتة مقفرة إلا 

من ارصفة عارية تعرض كل شيء باق منها 

ولا من آثار خطوات بللها مطر 

ودخل في رفقها 


نماذج من شعر موزونة ومقفاة 

ورسائل مبتسمة لنسخ كتبت على بلاط حريري 

دانتي الشكل واللون 


 


هواجس/ جورج عازار



في أُذني طَنينٌ وعواصِفٌ

وفي عينيّ سحائبُ دُخان

في كَفيّ قوتُ يومي

  وتجاعيد وجراحات 

وكأسٌ مُتخمٌ بالأحزان

في شرايين دَمي

تنمو طحالبٌ من حنينٍ

وفي روحي توقٌ إلى إِبحار

يُلاعبني الموتُ بخيالاتٍ

وسُجلاتِ وفياتِ الأحلام

يلعقُ الشَّوقُ ما تبقَّى في قعرِ المَرايا

ويداعبُ ساحرُ الزَّمان كُرَةً زُّجاجيةِ

ويُردِّدُ التعاويذَ والتمائمَ

كي يوقفَ مَدَّ الإعصار

حافياً أسيرُ فوقَ لُججِ اليمِّ

أقطفُ زَبدَ البحرِ

وأبيعُ قصائدَي القديمة

 في شوارع الأَحياءِ الصامتةِ

أرسمُ صُورَ العابرين

وأزيّنُ وجوهَ السِّياحِ

بألوانٍ تخطفُ الأبصارَ

تُمطرُ فوق عيوني ذِّكْرى

وتنتحرُ فوقَ شِفاهي كَلِمة

بالأمسِ وُلِدتُ وقبلَهُ دُفِنتُ

وغداً ألقى حَتفي

غير مأسوفٍ على ما تبقَّى

في العُمر من أسْحَار

مركبي ينتظرُ والبحرُ مُغلَقٌ

وحبرُ وثائق السَّفرِ

يفتقدُ بَصمَةَ الإبهام

بالأمسِ كانوا هُنا

رقصوا حتى الثَّمالة

وذرفوا دموعاً مِن طينٍ ومِن رِمال

وناموا مع بزوغ الفجرِ

عُراةً مِثلِ ثِمَارٍ بَريَّة

تتناثرُ في خَريفِ العُمرِ

حولَ جُذوعِ الأشجار

كَنَسَتْ الشَّمُس المُتسلِّلةِ

 من خَلفِ الغَيمةِ

بقايا الحَكايا

وذابتْ طوابيرُ الثَّلج

فبانت شُعيرات

الِّلحى البيضاء

مثلَ وِصمِةِ عارٍ

أخفقت في سَترِ النَّقائصِ والسَوءات

وعلى عجلٍ أخذت كُلُّ السُّفنِ

تَمخرُ عُبابِ السَّماء

بأشرعةٍ غَنَمَتْها 

من جلودِ حِصانِ طُروادة

وريشاتٍ مِن طائِرِ العَنقاء

ومَضَتْ تصطادُ من كُلِّ الفضاءات

شموساً ونجوماً

وتأسرُ كُلَّ الأقمار 

وتُلِملِمُ الشُّهُبَ السَّكارى

والغافية في الدروب 

وعلى ناصيةِ الحَانات

فيصيرُ الفجرُ يتيماً

فتغادر أسراب اليمام

وتنسى البلابلُ الشَّدوَ 

وتغط الفراشات في السبات

قصيدة "غجرية عربية انا"/ الأديبة والشاعرة مي الطباع



قال عنها الأستاذ النابغة كبير النقاد" عيسى فتوح " وهو عضو بارز باتحاد كتاب العرب في دمشق سورية ، لقد أعجبتني القصيدة شكلا ومضمونا، ولا أبالغ إذا قلت لك أن قصيدتك من أجمل ما قرأت في الشعر المنثور ، فهي تفيض بالمشاعر والصور الأنيقة ، والشوق إلى الوطن البعيد ، وما قلته ليس مجاملة ، بل صدى للمشاعر التي انتابتني وانا أقرأ القصيدة ، وذكرتني بقصائد مي زيادة في ديوانها " أزاهير حلم " فأنت خليفة مي التي تركت صدى سيظل يتردد على مدى التاريخ والأجيال، هذه القصيدة الرائعة هي لون جديد من إبداعك الشعري مفعمة بالرومانسية والحنين إلى الوطن.

ـ1ـ

غجرية عربية انا في بعدي عنك ياوطني 

هجرني الصقيع 

يا وطني الضائع في ضباب الحرف 

يا وطني المسجون في كهوف الأشقياء 

متى ستحطم القيود ؟!! 

متى ستعود لحظات الأنس في لياليك ؟!!

متى متى سنعود ؟!!

ـ2ـ

غجرية القلب انا في بلاد غريبة أسير 

مكسورة الخاطر مرفوعة الجبين 

مشتاقة إلى داري ، إلى أرزتي 

الى صحبي وسماري 

مشتاقة الى ربى وطني، إلى بساتين قريتي والكروم 

ـ3ـ

غجرية عربية انا 

أهيم على وجهي في بلاد غريبة 

أسير حافية القدمين 

ثوبي الريفي التي حاكته جدتي ممزق بين الأهواء 

ومازلت أعتز به وارتديه 

وأشعارها الشعبية التي تداعب مخيلتي 

ما زالت تنعش ذاكرتي بوهج الحب والحنين 

تملأ رئتي بنغمات الفرح والحرية 

تعانق الأرض والوطن 

أجلس على تلة صغيرة 

أرقب الشمس عند المغيب 

أتأمل أسرار هذا الكون العجيب 

وصوت الناي الآتي من الذكريات البعيدة 

يمر بخاطري يناغي وحدتي والشجون ...

ـ4ـ

أين أخفيت حبيبي أيها الليل السكون ؟!!

ينثر القمر زهوره، يعكس ظلاله على جدول حزين 

يتأرجح في زرقة مياهه عقدان من الياسمين 

يبادلني السلام ، يرد التحية ، يبتسم لعاشقة غجرية 

وتوشوشني النجمات بتمتماتها 

ـ5ـ

علام الدموع ، علام الدموع يا ابنتي ؟!!

الفجر لك ، والغد لك يا صبية 

أجوب البراري الواسعة والمروجً

أرقص اتمايل مع زنابق الحقول 

أطير مع الفراشات الخضراء والعصافير الملونة 

أقطف الأزهار وأغني 

أبحث عن شجرة صنوبر 

أبحث عن نبتة صعتر 

أبحث عن لمحة تشبه وجه وطني الأسمر 

طال انتظاري قرب الكوخ الصغير 

الذي بنيناه حطبة حطبة 

أطهو الحساء 

أجلس قرب المدفاة، والثلج يدنق ، والزمهرير 

أرقب قدوم حبيبي الأسمر 

قلقت عليه، إني اسمع صوت خطواته 

ـ6ـ

ها هو حبيبي يطل من بعيد 

باشراقته المعهودة ، ووجهه الطيب 

تلوح في الأفق ، تباشير المطر 

فهل من خبر ؟!! قل لي حبيبي عن الوطن الغالي ؟!!

اعانقه كعناق الندى لوريقات الزهر في وقت السحر 

أبحث في عينيه عن الدفء ، يقتلني الشوق والحنين

ـ7ـ 

قل لي حبيبي من أنت ، ياانت ؟!!

وأين انت؟!! وأين كنت؟!!

ولماذا أنت ؟!!

من أعطاك السلطان أن تأخذ روحي متى شئت ؟!!

من أعطاك السلطان أن ترد روحي متى شئت ؟!!

فأجمل قصيدة تزغرد في قلبي لست أخفيها حبيبي عنك 

هو حبك يسيجه وطن حر آمن 

هو أنت 

هو أنت 

**

   إذا أردتم أن يغزو الشعر العربي الحر قلوب القراء عليه أن يكون رائعاً، سلساً، منساباً كجدول رقراق، كهذه القصيدة. لقد أبدعت الاديبة الشاعرة مي طباع في "غحرية عربية أنا".. وهذا ليس بغريب عنها.

شربل بعيني


نوءٌ بحريٌّ هائجٌ/ د. عدنان الظاهر



راحَ الراحُ وأبقاني حيّا

لا أبسطُ راحي لا أستلقي في ظلِّ

هذا المأزقُ أبلاني

صيّرني خَلِقاً مخلوقا

لا أرسمُ في حائطِ خطِّ النجوى أشباحا

أنتِ الحُمّى في رأسِ الغارقِ بالإطراقِ

والآسي للساقطِ في لُجّةِ سِحرِ الأحداقِ

وتسابيحِ النومِ على أشفارِ جفونِ الحنّاءِ الحمراءِ

حيثُ اللونُ ذئابٌ تعوي هُدْباً ـــ دمعا

ذَبُلتْ أجفانُ عيونِ الدِفلى

الهمُّ ثقيلُ

الخيلُ قليلُ

هل أخلعُ من رأسي مِهمازا

وأخوضُ غُمارَ اليمِّ العاتي ربّاناً مرداسا

لأنالَ سعادةَ كأسِ الساقي مخمورا 

وأبُدّدَ طيشَ سقوطِ النجمةِ في دربِ الحيتانِ

حيثُ البحرُ الصبُّ متاعُ شِراعِ

والنورسُ رَبّانٌ أضناهُ وجدُ الإقلاعِ

وأراجيحُ الموجِ الممجوجِ 

يرسو يستجلي 

بَحثًاً عن ركنِ التيّارِ الدافي

ويناورُ دولاباً دوّارا

آهٍ من فُلْكٍ يجري يرسمُ آفاقاً للهجرِ 

يتمايلُ حبلاً يدّلى في بئرِ

يشهقُ من وجدِ القهرِ تعالي 

قارَبُنا في عَرضِ البحرِ يُنادي شدّي أزري 

النوءُ تعالى

رنَّ وكسّرَ بأسَ الموجةِ فأساً في تُرْسِ

فاشتدَّ حفيفُ سقوطِ الأمطارِ

طوفاناً ممسوسا

شرياناً حوتيّاً مقطوعا.


الوحش و المفاتيح/ بن يونس ماجن

 


ثمة وحش اسمه "اسرائيل"

له مخالب حادة مثل مشرط جراح

تمساح ذو انياب مفترسة

ذيله في اوروبا

ورأسه في البيت الابيض

هو وحش ارهابي

والوحيد الذي يحظى

بحماية ورعاية الامم الغربية

وخوفا ان تصاب سلالته

من الانقراض

تبناه المطبعون

وادخلوه في حدائق الحيوانات العربية

غير انه يحتاج الى ترويض

تحت دهاليز الفصائل الفليسطينية

اما الانظمة العربية الرجعية

فقد زجت بالوطن العربي

في سجن كبير

واودعت مفاتيحه ل"أسرائيل"



بدون بوصلة/ عباس علي مراد



هشيمِ الأحلام

عقيمة هي الأيام

تقيم في الأسر

ترحل في التيه

صدى الصوت يتردد

 في الفراغ

في العدم

صراع الذكريات

بين البدايات والنهايات

الوقت يقود مراكبه

بدون بوصلة

يسلك خطوط القلق

خطوط الوهم

خطوط الضياع

الجهات تائهة في غياهب الزمن

في الصدر القلب يلهث

لا وقت ليستريح

ينبض على إيقاع الحياة الشاردة

تنطوي الصفحة تلو الصفحة

بدون ضجيج

الشعور غياب…

الآلام… 

الاوجاع…

لا تروضها مسكنات

الهروب والتجاهل

ولا راحة البعاد

ولا نعمة النسيان

ويستمر سَفر الهروب

على دروب الشرود

يجري ويجري

و 

ي 

ج

ر

ي



علاقة الحرب بالسياسة/ د زهير الخويلدي



السياسة فن الممكن تبحث في حكم البشر بطرق عقلانية وتستعمل القانون في تدبير شؤون الناس بينما الحرب هي استعمال القوة من طرف دولة معينة لبسط نفوذها وفرض هيمنتها وتكريس الامر الواقع. فمتى تبدأ الحرب وتتقلص السياسة؟ ومتى يستنجد القادة بالسياسة ويتم تأجيل النظر في اشعال الحروب؟ وهل الحرب هي مواصلة للسياسة بطرق عسكرية ام ان السياسة هي مواصلة للحرب بطرق ديبلوماسية؟

إذا كان كلاوزفيتز قد صرح ذات يوم أن "الحرب ليست مجرد عمل سياسي، بل هي أداة حقيقية للسياسة، والسعي وراء العلاقات السياسية، وإدراكها بوسائل أخرى". من ناحية أخرى، ميشيل فوكو يرد عليه بقوله: "سيكون لدينا، مقابل الفرضية الأولى، وهي آلية السلطة، إنها أساسًا وأساسيًا قمع، فرضية ثانية ستكون: السلطة هي الحرب، إنها الحرب مستمرة بوسائل أخرى. في هذه المرحلة، سنعكس اقتراح كلاوزفيتز، ويمكننا القول إن السياسة هي حرب مستمرة بوسائل أخرى. علاقات السلطة ، كما تعمل في مجتمع مثل مجتمعنا ، ترتكز بشكل أساسي على توازن معين للقوى يتم إنشاؤه في لحظة معينة دقيقة تاريخيًا ، في الحرب وبواسطة الحرب. وإذا كان صحيحًا أن السلطة السياسية توقف الحرب، أو تحكم أو تحاول أن تسود السلام في المجتمع المدني، فلا يجب على الإطلاق تعليق آثار الحرب أو تحييد الخلل الذي نشأ. ويتجلى ذلك في المعركة النهائية للحرب. في هذه الفرضية، سيكون للسلطة السياسية دور إعادة ترسيخ توازن القوى هذا بشكل دائم من خلال نوع من الحرب الصامتة، وإعادة إدراجه في المؤسسات، في التفاوتات الاقتصادية، في اللغة، وحتى في أجساد الجميع. ضمن هذا "السلم الأهلي"، النضالات السياسية، المواجهات حول السلطة، مع السلطة، من أجل السلطة، تعديل علاقة القوى - التشديد من جانب، الانقلاب، كل هذا ، في نظام سياسي ، يجب تفسيره فقط على أنه استمرار للحرب ؛ وهذا يعني أنه سيتم فك شفرتها على أنها حلقات وتشرذم وتهجير للحرب نفسها. لن نكتب سوى تاريخ هذه الحرب نفسها، حتى عندما كنا نكتب تاريخ السلام ومؤسساته ". فمتى تتحول السياسة الى فن تجنب الوقوع في الحرب؟

المصادر:

Clausewitz, K. von, De la guerre, Paris, Éd. de Minuit, 1950, livre 1, chap. 1, p. 67

Michel Foucault, Il faut défendre la société, 1976, Gallimard/Seuil, 1997, p.16.

سلمى الخضراء الجيوسي أكبر من درعٍ ومن طباعة ديوان/ فراس حج محمد

 


أتذكر المرة الأولى التي تعرفت فيها إلى اسم الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي، وذلك عندما وجهني الدكتور عادل الأسطة وأنا طالب في الجامعة لشراء كتابها الذي كان قد صدر مؤخرا في ذلك الحين: "موسوعة الأدب الفلسطيني الحديث" بجزأيه.

كان الجزء الأول منه تحديدا الخاص بالشعر هو مرجع أصيل وضروري من مراجعي في كتابة بحث الماجستير: "السخرية في الشعر الفلسطيني المقاوم بين عامي 1948-1993". أفادني الكتاب كثيرا، سواء في مقدمته التي تضيء على الأدب الفلسطيني وظواهره، أم في ترجمتها للشعراء الذين تناولت أشعارهم الساخرة. وكان ما يزعجني في ترتيب الأسماء أنه لم يكن يتبع منهجية واضحة، فعندما كنت أحتاج الكتاب، كان لا بد لي من قراءة الفهرس اسماً فاسماً قبل أن أصل لما أريد.

ولهذا الكتاب حكاية طريفة عندما اشتريته من مكتبة الرسالة في نابلس. كان للكتاب طبعتان، واحدة أصلية وأخرى مصورة غير شرعية، أرخص من الأولى بفارق له دلالة اقتصادية عندي في ذلك الوقت، وأظن أن بين النسختين الشرعية والمقلّدة فروقا في الغلاف والطباعة ذاتها، لذلك عندما اشتريت الكتاب دَيْناً، وقفلت عائدا إلى البيت اكتشفت أن الجزء الثاني معطوب، فأعدته في اليوم التالي، ولم يكن في المكتبة نسخة بديلة غير شرعية، فمكثت طويلا أنتظر- ربما- شهرين أو ثلاثة، حتى كدت أنسى الأمر، لأنني باختصار لا حاجة لي حينها بالجزء الثاني المخصص للنثر، ولم أتعمد الذهاب إلى المكتبة للسؤال عن توفر الجزء الثاني، لأن ذلك سيضطرني لأن أدفع ما عليّ من دينٍ، ولذلك كنت أتمنى أن يطول الأمر أكثر، ريثما يتوفر معي ثمن الكتاب. 

وفي أحد الأيام يلتقي بي صدفة صاحب المكتبة في السوق، ويخبرني أنه قد توفر الجزء الثاني فمرّ من أجل أن تأخذه، ولم يقل لي شيئا عن الديْن، لكنني اعتبرت ذلك مطالبة غير مباشرة، لم أماطل كثيرا، تدبرت أمري وذهبت لاستلام نسختي، وهكذا صار الكتاب بجزأيه عندي وفي مكتبتي.

بعد دراسة الماجستير أخذت أعود إلى الكتاب بجزأيه، كلما كتبت عن كاتب فلسطيني، سواء أكان شاعرا أم ساردا، وظل رفيق رحلتي البحثية حتى الآن، فكان أحد مراجع سلسلة كتب "ملامح من السرد المعاصر" في التعريف بالكتاب ممن ترجمت لهم الجيوسي في كتابها، بل وفي كل كتبي النقدية لأنني كنت حريصا في مادة أكتبها عن كاتب فلسطيني أن أعرّف به في الهامش، وكان هذا الكتاب ضالتي.

وأفدت كثيرا من الكتاب في عدة مواضع وموضوعات، وأنا أعد لكتاب "بلاغة الصنعة الشعرية"، فحضر في الفصل الثالث المخصص لشعر النساء، عندما أجريت إحصاء لعدد الشاعرات في الموسوعة ومقارنتها بعدد الشعراء، إذ كنت أبحث في المجاميع الشعرية القديمة والحديثة عن نسبة حضور الشاعرات في تلك المجموعات، واستعنت بكتب كثيرة من أجل ذلك، وأوردت ذلك مفصّلا في كتاب "بلاغة الصنعة الشعرية".

كما أن الدكتورة الجيوسي نفسها قد حضرت في الفصل الثاني من هذا الكتاب المخصص لدراسة "ظواهر سلبية في مسيرة الشعراء"، حضرت كمثال على الشعراء الذين لم يتابعوا كتابة الشعر، وكان لها حتى ذلك التاريخ ديوان شعري واحد هو "العودة إلى النبع الحالم" قبل أن يصدر لها اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين ديواناً ثانياً، ورافق الإعلان عن هذا الديوان "صفونا مع الدهر" لقاء مع الشاعرة، مصورا من بيتها في عمّان منشوراً على موقع "اليوتيوب". 

بدا الاتحاد وكأنه أعاد لها مفقوداً وهو يجمع لها هذه القصائد وينشرها، وتشعر وأنت تسمع تلك الكلمات بذلك الكم الهائل من "الدعاية" الفجة للاتحاد وعمله البطوليّ، فقال مخاطباً الدكتورة وهو يقدم درعا للشاعرة: "هذا هدية اتحاد الكتاب إلك، لأنك صفيت مع الدهر، هاي الدهر وفلسطين صفوا معك. هذا وفاء فلسطين". فماذا قدّم الاتحاد للشاعرة مقابل ما قدمته من عمل جبار في عملها الموسوعي وترجمتها للأدب العربي والفلسطيني ضمن مشروع بروتا العظيم؟ قدموا لها درعا خشبيا، وأصدروا لها ديواناً. لاحظوا حجم الوفاء لشاعرة تركت الشعر من أجل ما هو أهم لخدمة القضية الفلسطينية، وتعريف العالم بالثقافة العربية والفلسطينية. درع وطباعة ديوان هما كل وفاء فلسطين لشاعرة ومترجمة بحجم الوطن العربي، وليس بحجم قادة مأسورين ومحشورين في عنق زجاجة يلعب بهم الاحتلال، وهم يلعبون بالاتحادات كلها، وليس اتحاد الكتاب فقط.

إن الشاعرة- في الواقع- أكبر من اتحادهم، ذلك الاتحاد- عبر مسيرته الطويلة- لم يقدم للأدباء الفلسطينيين والثقافة الفلسطينية الحقة بتنوعها ما يجب عليه أن يقدم، إنما "عصابة" تتحكم بها الأهواء والمصالح الشخصية والامتيازات الخاصة، وهو أبعد ما يكون عن خدمة الثقافة الفلسطينية والمثقفين الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، والشاعرة أكبر من جوائزهم، فالمبدعون (الأيقونات) لا يتعامل معهم بمنطق التعامل مع الناشئين من الكتاب الذين يحتاجون الجوائز لدفعهم نحو المستقبل، فلا معنى لمنح الشاعرة جائزة وقد تجاوزت التسعين عاماً، إنها هي من يمنح الآخرين جوائز، لأنها تمثل تاريخ أمة كاملة بثقافتها الشاملة، لا ثقافة الشعب الفلسطيني وحده. إن في ذلك المنح تقزيماً للتاريخ وحصره في عناوين باهتة تضر ولا تنفع. فهي قامة شامخة قبل كل هذا وبعده، وبصماتها الشعرية والنقدية والبحثية ومترجماتها شواهد خالدة على عظمة المرأة الفلسطينية المبدعة التي عملت ما عجزت عن مؤسسات ووزارات عن فعله، فهي المرأة التي فوق الرجال فعلاً، إن حق لي أن استعير تلك المقولة التاريخية لتكون أكثر مناسبة للشاعرة الباقية فينا بما قدمته من جليل الأفعال وعظيم الأعمال.

رحم الله الشاعرة والمترجمة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي، هذا الاسم الثلاثي الذي لا يصلح إلا أن يظل كاملا هكذا، فقد سمعته لأول مرة بهذه الصيغة الكاملة، ولا يطيب لي إلا أن يظل يتردد في كتاباتي بهذا التشكيل الكامل بإيقاعه المميز ليدل على أيقونة أدبية ثقافية لن يجود الزمان بمثلها؛ فلا ينفع اختصاره، بل إن اختصاره يسبب خللاً كبيراً في الإيقاع لا تعوّضه آلاف الألقاب التي تنثر في الخطابات الجوفاء، عديمة القيمة، رديئة الأداء، لأنها ستظل سطحية وهي تطاول القيمة والقامة الشامخة الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي.


في البال قضايا فلسطينية : سبت النور ويوم الأسير/ جواد بولس



احتفل الفلسطينيون في السابع عشر من نيسان/أبريل، كما في كل عام، بذكرى "يوم الأسير الفلسطيني"، الذي حلّ هذا العام والشعب الفلسطيني يواجه حالة من تصاعد عدوان الاحتلال الاسرائيلي عليه وتنفيذ المزيد من الجرائم والانتهاكات الممنهجة، تحت اشراف حكومة بنيامين نتنياهو ووزرائه الجدد.  

ووفقًا لمصادر مؤسسة "نادي الأسير الفلسطيني"فإنّ عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال بلغ أربعة آلاف وتسعمائة أسيرًا/ة من بينهم (160) طفلًا ، تقلّ أعمارهم عن (18) عاما و(31) أسيرة، اضافة الى ما يزيد عن (1000)  أسير إداريّ ، بينهم ستة أطفال وأسيرتان هن رغد الفني وروضة أبو عجمية. ويبلغ عدد الأسرى القدامى المعتقلين قبل توقيع اتفاقية أوسلو (23) أسيرًا ، أقدمهم هو الأسير محمد الطوس المعتقل منذ العام 1985. بالاضافة الى ذلك فقد أعاد الاحتلال عام 2014  (11) أسيرا من المحررين عام 2011  في صفقة "وفاء الأحرار"،  أبرزهم الأسير نائل البرغوثي، الذي يقضي في سجون الاحتلال الاسرائيلي أطول فترة اعتقال في تاريخ الحركة الأسيرة، بواقع  ثلاثة وأربعين عاما، قضى منها (34) عامًا بشكل متواصل. ومن المعطيات الواردة في التقرير يتضح أن عدد الأسرى الذين صدرت بحقهم أحكام بالسجن المؤبد (مدى الحياة) بلغ (554) أسيرًا بينما بلغ عدد شهداء الحركة الأسيرة منذ عام 1967 (236) شهيدًا، علمًا بأن سلطات الاحتلال ما زالت تحتجز جثامين (12) منهم وهم: الاسير الشهيد أنيس دولة الذي استشهد في سجن عسقلان عام 1980، والأسرى الشهداء عزيز عويسات الذي استشهد عام 2018 وفارس بارود ونصار طقاطقة وبسام السايح ،الذين استشهدوا عام 2019 وسعدي الغرابلي وكمال أبو وعر اللذان استشهدا عام 2020 ، والأسير سامي العمور الذي استشهد عام 2021 والاسير داود الزبيدي الذي استشهد عام 2022 ومحمد ماهر تركمان الذي استشهد في مستشفيات الاحتلال، بالاضافة الى الأسير ناصر أبو حميد الذي استشهد في كانون الأول من العام  2022 ، والمعتقل وديع أبو رموز الذي استشهد في مستشفيات الاحتلال في 28 يناير 2023. 

من الواضح أنني أتقصّد كتابة هذه التفاصيل محاولًا تقريب القاريء الى واقع وهواجس ومعاناة ما نسميه "الحركة الفلسطينية الأسيرة" وإشعاره بمن وراء هذه التسمية ؛ فهذه الحركة هي من "لحم ودم" وهي أرواح تقاوم عتمة الزنازين وقمع السجان، وهي ارادات تصرّ على تجسيد أحلامها وأحلام شعبها بالانعتاق من نير الاحتلال ونيل الحرية وإقامة الدولة. انها حركة "أسيرة " لايمانها بأن لا ظلم يدوم، وهي أسيرة بقيود من أمل ومن فرح وعنفوان تشبه ما حكت عنه العواصف وما سكبته الغيوم.  والاحتفال بهذه الذكرى، كما جاء على لسان "لجنة الطوارىء الوطنية العليا للحركة الوطنية الأسيرة" ليس مجرد  "صور صمّاء وشعارات رنانة ، بل يوم لدقّ ناقوس الخطر بأنّ نزْفَ أعمارنا لم يتوقف، فلسنا مجرد أرقام وكشوفات في أدراج المكاتب؛ وخيارنا الوحيد هو الحرية، فعلى من يصله صوتنا أن يسعى من أجل أن ننال حريتنا" . 

قرأت بيان "لجنة الطوارىء" المشار اليه وما جاء فيه من مواقف هامة ووعود صارمة ونداءات اعلنها الاسرى، بعد يومين من انتشار مشاهد اعتداءات قوات الاحتلال الاسرائيلية الوحشية على الكهنة العرب والمؤمنين المسيحيين الذين ملأوا أزقة القدس ومُنعوا من المشاركة في مراسم  فيض نورها على سائر الأمم في يوم سبت النور.

 قرأت البيان باهتمام وتعاطف بالغين، وكنت أتمنى ألا ينتهي قبل أن تقوم اللجنة بتضمينه أية التفاتة أو موقف من هذه الاعتداءات التي طالت أفواجًا من المواطنين الفلسطينيين العرب المسيحيين وغيرهم، واعتبارها، من قبل قيادات الحركة الأسيرة، جزءًا من الاعتداء على فلسطينية القدس، بالضبط كالاعتداء على المصلّين في المسجد الأقصى. قد يكون اغفال البيان لممارسات الاحتلال المدانة مجرد سهوة ! وقد يكون عاكسًا أو نتاجًا لحالة عربية/ اسلامية سائدة، لا في فلسطين وحدها، لا تقبل شراكة مسيحية في القدس، لان المسيحية عندهم هي "الفرنجة" والمسيحيون هم الصليبيون؛ أو هي الغرب وحكّامه الذي يتآمرون على فلسطين وعلى الاسلام والمسلمين.   

كنت أتمنى لو التفتت الحركة الأسيرة - وهي كما أقول دائمًا: بوصلة وطنية ثابتة، ومنارة هادية لشواطىء الوطن لا يخبو نورها، وضابطًا لايقاعات النبض الوطني الفلسطيني الجامع - الى هذا المشهد، ولو من باب تأكيدها على أن رسالة الأسرى مرسلة الى "كافة أطياف شعبنا"، كما كتبوا وحيث أن قضيتهم "قضية جامعة ووحدتهم التي سطروها داخل السجون في مواجهة السجان تتطلب من الكل الفلسطيني انهاء الانقسام ومواجهة العدو موحدين في كل الساحات ، فلا خطوط حمراء سوى وصايا الشهداء ، ولا صوت يعلو فوق صوت الاشتباك مع الاحتلال، ولا ضرورة تتقدم على حتمية الوحدة الوطنية". أوَلم يكن من باب الصواب اعتبار هذه الاعتداءات على المصلّين المسيحيين ممارسة عدوانية على جزء حي من ابناء الشعب الفلسطيني وعلى مكانة القدس الفلسطينية، وضرورة تعبيرهم عن رفضها يأتي من باب الحرص على الوحدة الوطنية وتعزيز مشاعر الانتماء لدى المسيحيين الفلسطينيين المستضعفين من الاحتلال تارة، ومن رؤساء كنائسهم الاجانب تارة اخرى ؟ وهل لا تعتبر، لدى قادة الحركة الوطنية الأسيرة، الاعتداءات على الاماكن المقدسة المسيحية في القدس وحرمان المواطنين العرب من ممارسة حقهم في الحركة وفي العبادة ، شأنًا وطنيًا فلسطينيًا ورافدًا من روافد النضال الوطني الفلسطيني وعنصرًا في وحدة أطياف الوطن ؟ 

ومنعا لأي التباس أو تدافع المتسائلين حيال الرابط بين القضيتين، سبت النور ويوم الأسير، أؤكد أن الرابط يفرضه نص بيان الأسرى ذاته، لا سيما في بنده الخامس حيث جاء فيه ما يلي: "سعى عدونا، ولا زال يسعى، للاعتداء الغاشم الدائم وبرابط ملفت على الأسرى والمسرى، وبفضل الله تعالى نجح الأسرى بصمودهم وصبرهم ومساندة شعبنا في رد العدوان، وتمكنت مقاومتنا الباسلة وقيادة شعبنا من لجم عدوان الاحتلال على الأسرى وعلى مسرى رسول الله". 

لا يستطيع عاقل أن يتجاهل مخططات الاحتلال الاسرائيلي تجاه مدينة القدس كلّها واصراره على تهويدها؛ وهو لا يحاول اخفاء شهيته على ابتلاعها وتفتيت مجتمعها وضرب هويتها الفلسطينية. وقد نجح، في العقدين الأخيرين، في الاجهاز وابتلاع عدة مرافق وقطاعات كانت فلسطينية الانتماء والوشم تمامًا، ولم تعد. وكمن رافق مراحل انفلات العربدة الاسرائيلية في القدس الشرقية أعرف، مثل كثيرين غيري، أن جهات اسرائيلية عديدة سعت من أجل تغيير عناصر الصراع في وعلى القدس وذلك من خلال تغليبها للبعد الديني وتكريسه كجبهة صدام شبه وحيدة، وحصره في منطقة المسجد الأقصى وما أسموه منطقة "الحوض المقدس" . لست في معرض تقييم مقاسات النجاح الاسرائيلي أو فشله على جبهة القدس، لكنهم فعلوا ما فعلوه بعد قيامهم بضبط مدروس وخبيث لعلاقاتهم مع الجهات المسيحية في العالم الغربي، كنسية كانت أو شعبية، وتركيزهم في نفس الوقت، كجزء من تلك السياسات، على تحييد أهمية المجتمعات الفلسطينية المسيحية المحلية، وابقائها في حالة اغتراب وجودية مع كنائسها، المرؤوسة، في الغالب، من اكليروسات اجنبية؛ وفي حالة خوف أو تشكك مع أكثرية أبناء نفس المجتمعات، المسلمين. وهنا في هذه الخانة بالذات يتوجب على من كان في مواقع التأثير والقيادة توخي الحذر وابداء الحساسية بدرجات من اليقظة المميزة والمسؤولة.   

لا أعرف اذا كان عدم التطرق من قبل الحركة الأسيرة لوحشية قمع المواطنين والكهنة، كما شاهدناه في يوم سبت النور، في بيان ربط، في أكثر من موقع، بين مكانة الحركة الأسيرة والمسرى، سهواً أو طبيعيًا وعاديًا؛ لكنه سيضاف، بدون شك، إما بشكل تلقائي وإما من قبل بعض المغرضين، إلى قائمة الشواهد والعوامل التي من شأنها أن تؤثر على مشاعر العداء الطائفي أو اغتراب المواطنين الفلسطينيين المسيحيين عن مجتمعاتهم ، خاصة في عالم عربي لا يعرف معظم مواطنيه أن هنالك عربا مسيحيين،  وفي فلسطين على وجه الخصوص.

أقوم منذ اكثر  من أربعة عقود بالدفاع عن مقاتلي الحرية الفلسطينيين، وقد رافقت الحركة الأسيرة في معظم محطاتها، في مجدها وفي ضعفها، في نجاحاتها وفي اخفاقاتها. ولأنني أعرف واقعها عن قرب، كتبت ما كتبت في هذه العجالة؛ لأني أدرك أن فلسطين بحاجة إلى وحدة هذه الحركة، واعرف، كذلك، أن فلسطين اليوم بحاجة إلى ريادتها والى اضطلاعها بدور المنقذ الأمين والقيادة الصحيحة الواعية. مثل هذه القيادة وغيرها يجب أن تعرف أننا اذا قلنا الفلسطينيين قلنا جميع أبنائها مسلمين ومسيحيين؛  وإن قلنا مقدسات القدس قلنا القيامة والاقصى وأخواتهما.

نور ذلك السبت في الايمان المسيحي هو نور الخلاص والانعتاق والحياة؛ وذكرى يوم الأسير هي فرصة لبعث الأمل والتمسك بالحرية والانعتاق الفلسطيني.

وسيبقى الرابط فلسطين ، أسراها ونورها المرتجى.