كلّ هؤلاء لم يتذكّروا ...!/ فراس حج محمد

 


مضى يوم ميلادي، ولم تقل لي صوفي: "كل عام وأنت بخير"، كذلك لم تفعلها أية امرأة من نساء "نسوة في المدينة"، حتى شركة جوال ووطنية والبنك لم يفعلوها، ولا محرك البحث جوجل، لم يحتفل بي كما احتفل العام الماضي. ابناي لم يقولا لي كل عام وأنت بخير، ابني الصغير لم أره طوال يوم الثلاثين من تموز، وزملاء العمل تجاهلوني تجاهلا غريباً، كما لم تفعل المنتديات والمواقع الإلكترونية،  حزنت لذلك، قليلا على غير العادة، لأنني صرت لا أعول كثيرا على "من هو ليس لي". زوجتي وبناتي، وبعض الأصدقاء والصديقات، اهتموا بذلك... 

لكن... هل يجب على كل هؤلاء أن يقولوا لي كل عام وأنت بخير؟ أعتقد نعم. 

صوفي... لم أنس التاريخ الذي ولدتْ فيه، ولم أكن بحاجة إلى الفيسبوك ليذكرني. نسوة المدينة القابعات في كتابي يعانين كلهن من البلادة، لا أعرف تاريخ ميلادهن جميعا فقد بلغ عددهن الأربعين؛ ثمة امرأة ولدت في الأول من كانون الأول، وثانية في الخامس عشر من الشهر نفسه، وأخرى في السادس عشر من فبراير، ورابعة في الواحد والثلاثين من آذار، وأخرى في العشرين من فبراير أيضا، وسادسة في الثالث والعشرين من تموز، وامرأة قديمة جدا كانت من مواليد الأول من نيسان، وامرأة أشد توغلا في القِدَم من هذه، ولدتْ في الأول من كانون الثاني. أعرف أسماءهن بطبيعة الحال والسنة التي ولدن فيها. لكنهن جميعا نسين أنني كنت يوما "على قيد علاقة ما" ليس شرطا أن تكون حبا، بل ربما كانت مجرد متعة عابرة في سرير افتراضي. واحدة فقط كان لها حضور فعليّ خارج العالم الأزرق. تمتعنا عن قرب بالحب كثيرا لكنها ذابت وراء الحجب وصارت تكرهني على الرغم من أنها أعطتني كل شيء وأعطيتها كل ما أستطيع.

ثمة نساء من هؤلاء احتفلتُ معهنّ بأعياد ميلادهن في المقاهي، في أعوام كثيرة، وتواريخ متناثرة على امتداد العام، كانت تلك المقاهي تزدان بنا، لم أكن أشعل لهن شمعاً، لأنهن كن يردن أن يكون الاحتفال صامتاً أو بينيّاً ليظل أكثر حميمية وخصوصية. النادلون كان يلاحظون احتفالنا الصامت هذا. لم أكن أحضر لهنّ هدايا سوى القصائد. أتلو عليهن قصائدي ونحن في المقهى. حبي لكل واحدة منهن وإخلاصي لهن على حدة لم يكن يجعلني أكرر القصيدة الواحدة لامرأتين، لأن كل قصيدة كتبت لصاحبتها وضمنتها ما يجعلها لها، فلا تصلح لغيرها. كانت لغتي الشعرية في تلك الفترة غنية وثرية وتساعدني على أن أفعل ذلك. المهم أنني كنت أشعر بالسعادة أنا وهنّ وكل رواد المقهى، نعيش تلك الحظات بكل ما أوتينا من "غرام" وإمكانية وصل؛ بالنظر والحديث والمتعة الروحية. وكنا نتحدث في أمور أكثر حساسية وجمالا، ولم نكُن نسى السياسة والثقافة والمثقفين. كنا نقول كل شيء تقريبا على طاولة المقهى.

في حالتي هذه لا عذر في الصمت أو في الغياب، متيقن أنني لم أكن سوى عابرٍ كما هنّ، لكنني عابر بذاكرة وفيّة، أما هنّ فعابرات بلا ذاكرة، ولذلك من الطبيعي ألا يتذكرنَ اليوم الذي ولدتُ فيه، وأعتقد أنهن سيقلن إن التقينا يوما: "من هذا الواقف كجذع شجرة مائلة؟" وأنا سأغض الطرف عنهنّ وأمضي كأنني لم أكن أعرف ملمس جلدهنّ، ولا مقاسات أو ألوان "ملابسهنّ الداخلية". هذه الجملة ليست استعارة من فيلم "أبو العربي وصل". إنها حقيقية تماماً، وما زلت أحتفظ بصور تلك الملابس في الذاكرتين الإلكترونية والدماغية.

صوفي الوحيدة التي لم تقل لي شيئاً، وظلت تصحبني على حذر، بعد أن قرأت "نسوة في المدينة" ظل التوجس يلاحقها، ربما أحبتني، لكنها لم تثق بي إلى درجة كافية لأرى شعرها مثلا، هل من أجل ذلك لها الحق ألا تقول لي: كل عام وأنت بخير؟ أعرف أنها لم تنس، بل تذكرت، لكنها تعمدت ألا تقول شيئاً، لأنه ليس لها عندي شيء مما ذكرت سابقاً، فهي لم تمرّ في سريري الافتراضي، ولم تخبرني عن ألوانها المفضلة في ثيابها الداخلية، لكنها كانت ترغب في أن يكون لها ولد مني. هذه امرأة عجيبة بالفعل، تنسى عيد ميلادي، لكنها ترغب في ولد يتخلّق في رحمها من نطفي المهرقة على الأسرة الافتراضية.

يبدو أنني كتبت كل هذا لأعاتب صوفي، صوفي فقط، عزة النفس تجعلني لا أرسل لها رسالة أذكرها. أيعقل أن أراسل النساء وأذكرهن بعيد ميلادي؟ فعلتها مرة واحدة مع امرأة واحدة، هزئت مني وشتمتني بأقذع الشتائم. على أية حال هي امرأة تتقن الشتائم جدا، وقاموسها- والحمد لله- متضخم جدا لا ينضب؛ في محادثة واحدة شتمتني 100 شتيمة، لم تكرر أيا من تلك الشتائم. تصبّ عليّ جام غضبها بسرعة متناهية، أتصورها تنام وتحلم وتصحو وهي تبدع في خلق الشتائم التي تتوالد بطريقة رياضية عجيبة، بحيث تسلم من التلعثم والتكرار، شتائمها في الحقيقة لا تُحتمل، لا أدري كيف صبرتُ على قراءتها أو سماعها. أظنني ما زلت قادرا على سماعها، إذ تُعدّ بين حين وآخر وصلة "ردح معتبرة" كلما علا منسوب الأدرنالين في دمها تجاهي وتذكرتني، كانت تختم وصلتها بأن تتمنى لي الموت. فكيف ستقول لي هذه البدّاعة: كل عام وأنت يخير؟ إن حدث ذلك سيكون مخالفا لأبسط قواعد المنطق التي تدّعي أنها مغرمة فيه.

صوفي لا تعرف الشتائم، وإن غضبت، تلوذ إلى حزنها بصمت مكثف، هل هذا الذي جعلها كالبنك وشركات الاتصال وجوجل لم تقل لي "كل عام وأنت بخير"؟ على سيرة البنك وشركات الاتصال معهم حق ألا يعايدوني، فقد أصبحت مدينا لهم بمجموعة من الفواتير، لا أحد يقول لمعسرٍ "مرحبا" أو كل عام وأنت بخير، وكما يقول المثل: امرأة واحدة تحب الرجل الفقير هي والدته فقط، ربما أنا والدتي لا تحبني. هل تصدقون؟ أمي لم تقل لي هي أيضا كل عام وأنت بخير، لا في هذا العام، ولا في أي عام مضى، ربما لم تتذكر أنها أنجبت هذا المخلوق المعسر المتعسر في مثل هذا اليوم قبل خمسين عاماً. يا له من عيد ميلاد مميز! لقد أصبح عمري نصف قرن.

في هذه السنة، وفي هذا العيد، أوقفت كل شركات الاتصال جميع خدماتها عني، وصرت خارج التغطية، كأنهم وضعوني على الهامش، بل ركلوني حتى غدوت خارج النص تماماً وخارج الدفتر بالكليّة، وأطفؤوا المصابيح دوني. صوفي لا تفعل مثلهم، إنها ليست رأسمالية التفكير، وليست شيوعية أيضاً. إنما هي امرأة واقعية، واقعة في "حيص بيص" لذلك هي تنسى أن تقول لي كل يوم "صباح الخير"، فهل ستقول لي: كل عام وأنت بخير؟ أظن أن عليّ أن أفكر بها بطريقة أكثر واقعية، فهي امرأة لا تحب الغرق في بحر من الأوهام. هذا ما أحسسته قبل أيام عندما تحدثنا لبعض الوقت في مناسبة شبيهة بهذه المناسبة. أرجو ألا تعاتبني صوفي على هذه التوجسات. فأنا أحبها على أية حال.

أبي... الغائب الوحيد الذي أوجعني صمته. هذا أول عيد ميلاد لم يكن فيه أبي على قيد الحياة. كان في مثل هذا اليوم يزورني، ونشرب القهوة وندخن سويّة. الآن لا أب لي ليقول كما كان يقول- أحياناً- عندما يتذكر: كل عام وأنت بخير. الأب يتذكر أكثر من أي شخص آخر عيد ميلاد أبنائه، وإن هم تجاهلوا، فإنه لا يتجاهل، ولا يتناسى، ولا يتعامى، إنما صوفي قد تفعل ذلك مضطرة تحت ضغط عواطف مضطربة وآنية وأنانية. إنما أبي فأسمعه يبتسم، وأراه وهو يقول ما عجز كل هؤلاء عن قوله. رحمك الله يا أبي، وأطال عمرك فيّ، أيها المقيم في لغتي وقلبي وعدّ أيامي السالفة والباقية. كم أتمنى أن أعيش أكثر لأشعر أنك موجود فيّ، أعيدكَ إلى جانبي لنتحدث قليلاً، ولو على صفحتين من نصّ، كمثل هذا. أتظنّ أن ذلك سيكفي؟


مُقْتطفات من أحكام وعادات - اِسأَلِ الرّاب -ص- / ترجمة ب. حسيب شحادة



جامعة هلسنكي


في ما يلي، ترجمة من العبريّة بتصرّف لمُقْتطفات من أسئلة، يطرحُها المهتمّون من رجال ونساء، على الراب وإجاباته عليها. وهذه النصوص مُتاحة على الشابكة في الموقع المثْبَت أدناه. في بعض الحالات، أضفتُ بعض العبارات التوضيحيّة داخل القوسين []. أسماء السائلين أو السائلات غير مذكورة، أمّا أسماء المُجيبين فمذكورة. يبدو أن مثل هذه الخِدمة الاستشاريّة، يمكن الحصول عليها هاتفيًّا أيضًا.

س. سلام يا حضرة الراب، أريد أن أسأل هل عليّ وضع غطاء على رأسي عند تِلاوة أيّة بركة أو صلاة؟ سؤال آخر: هل يجب أن أرتدي تنّورة وقميصًا طويلًا عندما أُصلّي أم أنّي أستطيع أن أقوم بذلك ببِنطال وقميص قصير؟

ج. سلام وبركة. لا بدّ من الحرص على تغطية الرأس وقتَ تِلاوة البركة أو الصلاة. عند الصلاة يجب ارتداء ملابسَ كأنّكِ تقفين قدّام ملِك ولذلك عليك أن تحرِصي على لباس محترم ومتواضع. في تِلاوة البركات لا حاجةَ في الحرص على تواضع بالمرّة، طبعًا في حالة عدم وجود الرجال.

تحيّاتي،

بنيامين شموئيلي


س. سلام، أيجوز صبْغ أطراف الشَّعْر؟

ج. يجوز للبنات صبغ الشعر ولكن لا يجوز القيام بما يبرز ويجذِب العينَ على نحو غير عاديّ.

بالتوفيق،

منشه يسرائيل


س. في الصباح وبعد النهوض هنالك حظْر لمْس العينين قبل غسل اليدين. هل الحظر نفسه جارٍ بالنسبة للمس أغراض أخرى مثل إلإضاءة ورفع شيء ما؟ شمرا.

ج. هنالك مشكلة في الضغط على زِرّ الإنارة ولكن يجب الحذر من لمس ملابس سترتدينها لاحقا. 

لا ذِكرَ لاسم المجيب


س. تحيّة طيّبة، لديّ هِواية تعلّم لغات. أيجوز لي مراجعةُ كلمات يوم السبت ليس لامتحان ولكن لنفسي كهِواية؟ شكرًا سلفًا. 

ج. تحيّة طيّبة. وَفق جوهر الحُكْم يجوز لك تعلُّمُ لغات في يوم السبت؛ وحقًا إذا توفّرت لديك إمكانية الامتناع عن ذلك  فحسنًا تفعل وتكون متشددًا.

تحيّاتي،

هيليل مايرز


س. تحيّة طيّبة. اِنتقلت شركتنا في هذه الأيام لمكاتبَ جديدة. إنّها في طابق في عِمارة غير حديثة في تل أبيب ولكن لم يكُن قبلَنا في هذا المكان أيُّ شخص منذ سنوات طوال. الطابق رُمِّم ترميمًا جذريًّا، الجدران، المصطبة، السقف، كلّ شيء جديد. هل يجب تدشين البيت؟ هل مصلحة، مكاتب بمثابة منزل في هذا الخصوص؟

ج. القيام بتدشين البيت محَبَّذ جدّا.

بنيامين شموئيلي


س. سلام عليك أيّها الراب، هل يجوز أم يجب الردّ بآمين على بركة قيلت في ڤيديو؟ شكرا.

ج. تحيّة طيّبة، إذا كان الحديث عن بركة مسجلّة فلا يقال آمين (حَزون عوڤادْيا پوريم ص. 56).

تحيّاتي،

هيليل مايرز


س. تحيّة طيّبة، وُلدتُ في 21 شباط، أي 23 شڤاط عبري، طوال الوقت ظننتُ أنّ بُرجي هو الدلو وصفاتي لائمت ذلك، إلى أن فهمت في مرحلة لاحقة بأنّه إذا كان ذلك في آخر الشهر، أي 29 شباط، فعندها فالبرج يكون الحوت وهذا البرج مناسب لي جدًّا. لا أدري أعليّ السير بحسب التاريخ العبريّ أم أنّ برجي من كلّ النواحي هو الحوت؟ جزيل الشكر.

ج. تحيّة طيّبة. بُرجك وَفق كلّ النواحي هو الحوت، فاليهوديّة في مجال الأبراج والحظّ تسير بحسب التاريخ الأجنبيّ، المسيحيّ.

تحيّاتي،

هيليل مايرز


س. سلام وبركة، بدأت بتعلّم فنّ القتال، وفي التمارين علينا الانحناء أمامَ الخصم احترامًا له بحسب هذه الرياضة فهل هذا محظور؟ شكرا.

ج. لا مانعَ في ذلك البتّة.

تحيّاتي،

هيليل مايرز


س. هل من مشكلة في قصّ الشَّعر في نهاية يوم السبت؟ وفي حالة الجواب الإيجابيّ  فما السبب؟

ج. لا مشكلةَ في ذلك ولكن من المحَبَّذ القيام بذلك خلال وَقْفة السبت احترامًا له، إذ أنّ إحدى الفرائض الهامّة في تكريم يوم السبت هي قصّ الشعر على شرف السبت.

لا ذكرَ لاسم المجيب


س. تحيّة طيّبة، اِشتريت قِدرًا من إحدى الحوانيت وكانت فيها ثلاثة أحجام. سعر أصغر قِدْر كان خمسين، وأنا اشتريت قدرًا بالحجم المتوسّط وعليه السعر خمسون وهكذا دفعت. أعليّ السير على ضوء القانون الجافّ القاضي بأن المنتَج يشترى بحسب السعر المسجّل عليه أم أنّني كنت مرغمةً على الإشارة أن خطأً قد وقع وعليّ دفع المزيد؟

ج. تحيّة طيّبة، تستطيعين العمل وَفق القانون وشراء القدر بالسعر المكتوب عليه. وفي الواقع إذا كنتِ غيرَ معنيّة بابتياع القدر ولاحظت الغلط فكان عليك إخبار صاحب الحانوت بذلك بحُكم إعادة الشيء المفقود.

تحيّاتي،

هيليل مايرز


س. تحيّة لك يا حضرة الراب، أيجوز إلقاء التحيّة على امرأة؟ على سبيل المثال، عاملة في بِقالة، سوبرماركت إلخ.؟ شكرًا جزيلًا.

ج. تحيّة طيبة، ممنوع طرح السؤال، كيف حالُكِ على امرأة (الطاولة المُعَدّة علامة 21 بند 6)، ولكن يجوز قول مرحبا أو صباح الخير لامرأة (نفس المصدر إيڤِن هَعيزِر علامة 21 بند 8).

تحيّاتي،

هيليل مايرز


س. تحيّة لك يا حضرة الراب، هل طفل ولد في البرازيل، على افتراض أنّ أمّه من الأغيار، وجيء به بعمر شهر أوِ اثنين إلى إسرائيل لوالدين عاقرين ولذلك قرّرا أن يتبنّياه وختن، هل يُصبح يهوديًّا، عمره اليوم 25 عاما.

ج. تحيّة طيّبة، غير اليهوديّ، ابن الأغيار، لا يُمكن أن يُصبح يهوديًّا عن طريق التبنّي طالما أنّه لا يمُرّ بعمليّة التهويد في المحكمة الدينيّة كما ينبغي.

تحيّاتي،

هيليل مايرز


س. في دعوة لبار مِتْسڤاه (ابن الفريضة، احتفال دينيّ يهوديّ في السنّ الثالثة عشرة) وددتُ أن أُضيف آية من الكتاب المقدّس مع اسم الابن، أهذا جائز؟ جزيل الشكر.

ج. ورد في أحكام المشرّعين وجوب الامتناع عن كتابة آيات في الدعَوات، خَشية من أنّ المتلقّي لن يتعامل معها باحترام فيُلقيها في سلّة المهملات  وما شابه. في الواقع من الممكن إدخال تغيير معيّن في الآية لحلّ هذه المشكلة. مثلا في دعوة زِفاف يمكن بدل الكلمات ”إن كنت لا أُعلي أورشليمَ على ذُروة فرحي“ [سفر المزامير 137: 6] كتابة ”نُعلي أورشليم على ذُروة فرحنا“.

تحيّاتي،

هيليل مايرز


س. إذا نادني والديّ بصوت عالٍ من المطبخ أيجوز الردُّ عليهما بصوت عال؟

ج. تحيّة طيّبة، يجب التحدّثُ مع الوالدين بلُطف وبرقّة وباحترام، كما يتكلّم الواحد إلى ملك، اُنظر كتاب الحَريديم الفصل الرابع.

تحيّاتي،

هيليل مايرز


س. أيجوز لي شِراءُ حِذاء مستعمل لا أعرف منَ استعمله قبلي؟ جزيل الشكر

ج. تحيّة طيّبة. لا مشكلة البتّة.

تحيّاتي،

هيليل مايرز


س. هل يجوز بحسب الهالاخاه [الشريعة اليهوديّة] طلب يد المرأة في يوم السبت؟

ج. هذا جائز، فهو ضمن الفريضة وهو ليس ممنوعًا يوم السبت ويتلو بنو إسرائيل في وجْبة السبت: أغراضك ممنوعة وحساب الحسابات. الهواجس مسموحة وكذلك ترتيب الزواج؛ تعليم الطفل؛ التفكير بأمور جيّدة.

بالتوفيق،

منشه يسرائيل


س. أنا معلّمة في مدرسة، وعلى تلاميذي القيام باحتفال ليود بطيڤِت [العاشر في شُباط العبريّ هو يوم صوم في اليهوديّة، ذكرى خراب الهيكل؛ ومنذ العام 1950 اعتُرف بهذا التاريخ ذكرى ضحايا المحرقة التي لم يعرف تاريخها]. في الاحتفال تضاء ستّ شمعات على روح ستّة ملايين اليهود الذين قُتلوا في المحرقة. أيجوز إطفاء الشمعات في نهاية المراسم؟

ج. تحيّة طيّبة، في الواقع ورد حظْر لإطفاء شمعة الروح، جسر الحياة، الفصل 32 بند 4، ولكن من الواضح أنّه في حالة حدوث خطر نشوب حريق فمن الجائز بل من الواجب الإطفاء.

بشرى سارّة،

هيليل مايرز


س. أيجوز دخول بيوت عبادة، أماكن مقدّسة، في الهند؟ هلِ الحظْر من التوراة؟ شكرا جزيلا. 

ج. زيارة هذه الأماكن في الهند ممنوعة والحظر من التوراة، مراجع: أسئلة وأجوبة يحڤه دعت 4، علامة 45.

تحيّاتي،

هيليل مايرز


س. لحضرة الراب سلام، أُريد أن أعلم أيجوز لي نزع الأهداب، الصيصيت، عند ممارسة الرياضة لئلا تمتصّ رائحة كريهة أم من المفضّل إبقاؤها عليّ؟

ج. تحيّة طيّبة، من الأفضل إبقاؤها وقتَ التمرينات.

تحيّاتي،

بنيامين شموئيلي


س. هل قِطاع غزّة جزء من أرض إسرائيل؟

ج. الحُكم المعمول به أنّه تابع لأرض إسرائيل.

تحيّاتي،

بنيامين شموئيلي


وجع الحنين/ غسان منجد



حنين   وجع 

وذكرى تضع وجنتيها على كتف احلام 

يقرأ الفجر أعمالي 

فيردني لليل نام تحت قوس قزح 

ولم يكنس عواصفي 


كلمات تشق قصيدة 

وتغسلها بقاع احواض 

هل تسمي عواصفي أنقاض هبوب 

وأسمي هبوبها وجع حنين 

أبدأ وأتعلم كيف الرحيل 

ويشدني بذروات غموض 

هل لوداعه ثقل توهج 

ويسلم رأسه لكتف فضاء 

أتسقط اشلاء احلام في كوكب سرى في 

مواقد ماتت شرارتها ووزنت جراحها 


جسد الحزن قيثارة لمخمل ريح 

والافق املاحه 

تضيء زقاق أفقي بصور احلامها

وتصغي لحب في ساعة الارجوع 

أقلب خطاطاتها تحت وسائد سريري 

وحلمها غطائي 

ما اجمل شروق شمسها 

وغروب غبارها 

تتحاوري مع ظلالي في مشرق مآذنها 

وأسمع لجة الحزن في غابات ظنونها 

أمشي ويمشي ظلها أمامها 

وتتنزه في جرن مرآتي 

ترسم ديمومتي 

وتهيم في كلماتي 

هل تتعب من مرافئ آلهتي 

قلق في وجهي وفي جلدي 

وجسدي آكل للرحيل 

هل تقول لي السماء

متى يأتي القلق الآكل لرحيل غباري 

والبقاء تكون في صمته


كُنه الوجود... خاطرة من وحي الأنطولوجيا (فلسفة الوجود)/ الدكتورة بهيّة أحمد الطشم


يبثّ صدق الذات مع ذاتها أو انسجام الكون الأصغرفي الكون الأكبر 

مع نفسه عينها روح  انوجادها الحق في الوجود,

ويزرع الشّغف بالأحلام الراقية معالم اللدن الأنطولوجي وحسب....


تنأى النفس الواثقة من التماس حُلمها عن سُبل القنوط في رحلتها الى بيت قصيدها (النور)

حين تتماهى بسُلطان الحُب الجميل واللامشروط في زمن التنازلات,

وتكتب الأمنيات البهيّة خلودها على وجه الأيام بحروف ناريّة,

لتنشد ترنيمة الطموح الخلّاق,حيث لا تُخمِد ثلوج العالم سُطوع وهجه (الطموح)..

........................................

لا ينعتق الوجود من الزّمان The being and Time

مثل ما تنتظم  الأرض والشمس في عُروة وثقى لكيمياء الانوجاد بالفعل,

فتدور حكايات الكائن تحت مركز الكون (الشمس),على  ايقاع حركات الكوكب الأرضي!


ما أرقى انهمال الغيث النقيّ لأمهات الأفكار في حقول حياتنا لتنبت حكمة سرمدية في كُنه الوجود  الى أبد الدهر: 

ان ّأُفقَ التبصّر هو حارس النفس الأمين......

* الرسم للفنانة رندى بعيني

النووي الاسرائيلي، والنبي ايليا في ظل حكومة توراتية/ جواد بولس

 


كنت أحاول الهروب من الكتابة عن مخاطر الفاشية الاسرائيلية بعد أن "إنهرت فشّتي" - كما نقول عندنا في فلسطين في وصف حالة التعب الحافي أو منتهى اليأس- من كثرة ما كتبت عبثًا عنها وضدها وكيف علينا أن نواجهها. حاولت حتى جاءتني رسالة من صديق ، محرر صحيفة حيفا، يقول فيها: "نحن في الصحيفة نجري استطلاعا حول الردود على الاعتداءات على دير مار الياس، وهل تشعر بخطر حقيقي وماذا تقترح لحل الأزمة؟". عندها عرفت أن لا هروب من واقعنا، فكل الطرق في فلسطين تؤدي الى طاحونة الفاشية؛ وفكّرت أننا جميعنا، لا العرب المسيحيين فقط، كما يفهم من سياق الاستطلاع، في خطر حقيقي. واذا كان للكنائس وللأديرة أنبياء يحمونها فمن سيحمي الناس من حماقة متعصب أعمى يمسك في يمناه توراة وفي يسراه يتحكم في ترسانة نووية؟   

كما كان متوقعًا، نجحت الحكومة الاسرائيلية بتمرير تعديل "قانون أساس القضاء" وتعطيل قدرة استناد المحكمة العليا الى "حجة المعقولية" في تبريرها لالغاء قانون حاز على اكثرية داخل الكنيست اذا وجدته المحكمة يتنافى "واحكام المعقولية" ، أو عند ابطالها لمفعول قرار إداري يرونه القضاة "غير معقول". 

يتفق جميع معارضي خطة الحكومة المعلنة على أن هذا التشريع في حالة بقائه كما أقر ،  سيفضي عمليًا إلى اجهاض دور المحكمة العليا في تأدية وظيفتها كسلطة مستقلة تحرص على عدم السماح للسلطتين التنفيذية والتشريعية أحيانًا، بالمساس بحقوق المواطنين عامة أو بحقوق الاقليات أو بعض الفئات التي لا تعدّ على معسكر الأكثرية الحاكمة. "تشليح" هذه الصلاحية من المحكمة العليا سيتيح لهذه الحكومة أن تنفلت وراء أهوائها السياسية وأن تنفذ مخططاتها بدون كوابح قضائية، كانت المحكمة العليا تعتمدها خلال العقود الفائتة في سبيل ضمان التوازن بين قوة الحكومات الكبيرة، لا سيّما في مثل حالة الحكومة الاسرائيلية الراهنة التي تسندها أكثرية برلمانية يمينية متعصبة مطلقة ومستقرة ، وبين ضرورة المحافظة على القيم الانسانية المجمع عليها عالميا وحقوق المواطنين الأساسية.

لست في معرض التطرق إلى جميع عواقب الانقلاب الحاصل داخل إسرائيل، فتأثيره الواضح على جميع مناحي حياة المواطنين في الدولة سيكون ملموسًا وكبيرًا؛ لكنّه سيكون كارثيًا علينا، نحن المواطنين الفلسطينيين. فاقتصاديًا سوف تتدهور حالة مجتمعاتنا على المستويين الجمعي والفردي على حد سواء، وسياسيًا، سوف تضيق جميع الهوامش المتاحة لنا اليوم أو حتى سوف تسدّ بشكل نهائي وسنشهد موجات من الاعتقالات التعسفية والادارية. أما مجتمعيًا فسوف تتكاثر مظاهر الجريمة والعنف والفقر وستزداد مشاعر الاضطراب والخوف وفقدان الشعور بالأمن وبالسلم المجتمعي. ودينيا سوف تزداد أنشطة "كتائب أليشع"وعنفهم ضد جميع الأغيار والمؤمنين من جميع الديانات غير اليهودية وضد أماكن عباداتهم .

لن تنحصر عواقب الانقلاب الجاري داخل المجتمعات الإسرائيلية وحسب؛ فتأثير مفاهيم النظام الجديد حيال الحق اليهودي الرباني والفريضة بتحصيله ، مهما كانت الوسائل والنتائج، سيؤثر أيضًا على تعاملهم مع قضية مستقبل الشعب الفلسطيني وقياداته، وعلى أدوات ادارة صراعهم مع الفلسطينيين بشكل عام. وستتأثر كذلك معايير وضوابط العلاقات الاسرائيلية مع جميع دول العالم، الصديقة منها أو الحيادية أو المستعداة؛ وهذه مسألة تستوجب المتابعة بانتباه شديد خاصة في هذه المرحلة الدقيقة التي يعيشها اليهود في جميع أرجاء العالم.

لقد تطرق بعض المسؤولين في الدول الغربية وفي أمريكا ببيانات أشاروا فيها الى المشهد الاسرائيلي بتعابير عامة، وتمنوا على قادة اسرائيل، من أجل حماية مصالحهم المشتركة،  المحافظة على ما يعتبرونه ديمقراطية نظامها، وعدم المساس باستقلالية القضاء الاسرائيلي، وغيرها من الشعارات  الفضفاضة والحذرة. لكنهم، لم يخفوا، في نفس الوقت، خشيتهم من زعزعة الاسس والجسور التي بنيت عليها تلك التحالفات مع اسرائيل واستمرارها، رغم تعاقب الحكومات فيها على الحكم واختلاف تركيبات أحزابها السياسية. بات من الواضح أن تلك الانظمة الصديقة لاسرائيل بدأت تشعر أن شيئًا مغايرًا ومزعجًا قد أصاب حليفتهم المدللة بعد الانتخابات الاخيرة التي فرزت احزابا متطرفة ومتعصبة لا يهمها قطع احبال السرة التي كانت تربطهم بها تاريخيا. لن أسهب في تعقيدات هذه المسألة لكنني أريد أن ألفت النظر إلى جزئية خطيرة واحدة منها يحاولون في اسرائيل، وليس فيها وحسب، أن تبقى في الظل وألا تنعكس في نقاشات الشوارع وبين المتظاهرين ولا على شاشات فضائياتها. انها قضية "الترسانة النووية الاسرائيلية" ومصيرها إذا تنفّذ فيه وزراء الحكومة الحالية بشكل حر ومطلق. لقد حاول رئيس حكومة اسرائيل الاسبق ايهود باراك، وهو من أشد المعارضين لحكومة نتنياهو الحالية، تسليط الضوء على هذه القضية مرة واحدة قبل مدة قصيرة فغرد على صفحته قائلًا: "قد يظهر هذا الأمر بالنسبة لنا كأنه هوس، ولكن في عدة محادثات جرت بين اسرائيليين وجِهات سياسية غربية، ظهرت بينهم حالة قلق عميق من احتمال نجاح المنقلبين على منظومة الحكم وقيام "ديكتاتورية مسيحانية" في قلب الشرق الأوسط، تحت امرتها سلاح ذري، بينما يتمنى مهووسوها التصادم مع الاسلام وفي مقدمته "هار هبايت" (أي المسجد الاقصى). هذا أمر مرعب في نظر هؤلاء الساسة الغربيين. وهذا لن يحصل". هكذا كتب ايهود باراك بشكل واضح وصريح، ومن مثله يعرف عما يتكلم وأي خطر كارثي يتوقع.  نستطيع أن نخمّن لماذا بقيت هذه المسألة طي الكتمان؛ لكنها، برأيي، لن تبقى هكذا ويجب ألا تبقى هكذا الى أجل غير مسمّى؛ فهل سيأتي من سينتشلها من "هناك" وينقذ المنطقة من فقه قادة قلعة "متسادا" الجديدة.

هل نحن في خطر ؟ إذا كان القصد كمواطنين عرب مسيحيين في اسرائيل، فالجواب نعم؛ لكنّه نفس الخطر الذي يواجهه كل مواطن فلسطيني يعيش في اسرائيل؛ فمسيحيتك لم ولا ولن تمنحك الحصانة أمام من وفق عقيدته السياسية يراك أولا عدوه القومي، وثم يحسبك، دينيًا، مخلوقًا خسيسًا ومنقوصًا، ويتمنى في صلاته ودعائه أن يمحى اسم وذكر مسيحك الآن وإلى الأبد. من يتحرشون بالكنائس ومعلّموهم وحاخاماتهم على قناعة بأن مسيحيتك، مهما  كانت وديعة ، لن تنقذك من نارهم اذا صفت لهم النار. لم يكن التحرش الأخير بكنيسة مار الياس على الكرمل أول تحرش هناك ؛ فلقد سبقته تحرشات أخرى ومرّت في النهاية "بود وبسلام ". وكانت قبلها اعتداءات على كنائس في عدة مواقع في البلاد تم في بعضها حرق الكنيسة واحيانا الاعتداء على الكهنة ومن تواجد في المكان. يتحرك جميع المعتدين على الكنائس المسيحية بدوافع عقائدية دينية مدعومة بتعاليم التوراة، وأحيانًا يتذرعون بحجج كاذبة أو مختلقة ليبرروا أفعالهم، مثلما ادعوا، لتبرير تحرشهم بكنيسة مار الياس، بوجود قبر، او مغارة للمدعو أليشع، وهو النبي الذي استخلفه النبي ايليا قبل صعوده الى السماء بمراكب النار، حسب ما ورد في قصص العهد القديم. أنه الادعاء ذاته الذي استخدموه عندما احتلوا قبور منسوبة للاولياء وللصالحين او مزارات مزعومة للانبياء من أعالي الجليل حتى رمال النقب مرورا  بجميع أرض فلسطين التاريخية يضاف اليها مطامعهم في عدة مواقع  موجودة في المملكة الهاشمية الاردنية.

ما العمل ؟ هو السؤال الذي طرحته في عشرات المناسبات وقصدت ما العمل في مواجهة الفاشية والفاشيين ولكنني لن أتعاطى معه اليوم. أما فيما يخص العمل لانقاذ المسيحية العربية في فلسطين، فهذه مهمة خيالية ليس إلا. فكما كتبت في الماضي أوكد اليوم على ان الفلسطينيين المسيحيين قد هزموا في وطنهم عمليًا ولم يعودوا يشكلون كيانًا ذا شأن أو وزن، ولا يحسب لهم حساب يتعدى ضرورات البروتوكول احيانًا أو التقليد المتبع أو التعويض بهدف ابقاء أثر لهم يربط هذه الكنائس مع بدايات المسيحية وآبائها الأوائل الذين حافظوا عليها في مهدها، أرض فلسطين والمشرق العربي. علينا أن نتذكر أن عدد المسيحيين العرب في اسرائيل يناهز المائة وعشرين ألفًا موزعين على حوالي سبع عشرة كنيسة، يشكل أتباع الكنيسة الكاثولوكية، صاحبة كنيسة "مار الياس" المعتدى عليها، نصفهم تقريبا. لن أسهب في تشخيص مسببات حالة النكوص وعدم التفاعل المثابر والجدي والحقيقي من اجل حماية الكنائس وممتلكاتها، لكنني على قناعة بأن هذا النكوص هو جزء من الحالة عامة التي يعاني منها المواطنون العرب في اسرائيل، وهي كذلك نتيجة كوننا، نحن المسيحيين المحليين، مستعمرين من رؤساء كنائس أجنبية سرقوا في الماضي مسيحنا ثم استولوا على فضاءاتنا وسادوا فيها في أجواء من الاستعلاء الاستعماري واغترابنا المزمن عنها، وغيابهم حين تقع الواقعة في دهاليز الديبلوماسية ومصالحهم الضيقة. واخيرا، يجب ان نقرّ بأن الدفاع عن هذه الكنائس والأديرة لا يمكن ان يكون جدّيًا ومجديا اذا لم يسبقه ويرافقه دفاع أباء هذه الكنائس واكليروساتها عن ممتلكاتها وأوقافها واذا لم يوقفوا التفريط بها وتغييب مصالح الرعايا الحياتية.

هل من حل لهذه الأزمة؟ ربما، فعلينا بالفاشية أولا، وليكن النبي ايليا للمؤمنين سندًا ومراكبه مملؤة صبرا وحكمة و نورا. 

رسائل بن غفير من الإقتحامات المتكررة للأقصى/ راسم عبيدات



بغض النظر عن كون بن غفير ممثل للفاشية اليهودية،ولكنه يعمل على تطبيق برنامجه الإنتخابي ويحترم ناخبيه، قال بأننا جئنا الى الحكم لكي نطبق برامجنا ومشاريعنا،وبغض النظر أيضاً  عن المرحلة السياسية،لم نأت الى الحكومة لكي نكون وزراء،وأحد برامجه استهداف المسجد الأقصى بالتهويد،على اعتبار ان الأقصى هو ما يسمونه جبل الهيكل ،وهو أقدس مكان لهم،وبعض الحاخامات والمجموعات التلمودية والتوراتية والعديد من وزراء وأعضاء كنيست "برلمان" دولة الكيان، قالت بأنه يجب ان يوضع ضمن الأماكن المقدسة اليهودية ، بن غفير وسموتريتش ونتنياهو يدركون تماماُ بأن الحالة العربية الرسمية منهارة ومتعفنة ،وهي لم تذهب فقط للتطبيع مع دولة الكيان،بل الى نسج واقامة احلاف عسكرية وأمنية استراتيجية معها ...والبعض منها من خلال ما يعرف بالديانة الإبراهيمية، لا يتورع عن القبول بأن يكون حق ووجود للجماعات التلمودية والتوراتية في الأٌقصى ... والأنكى من ذلك بأن دول النظام الرسمي العربي، ترى في بقاء دولة الكيان وقوتها،جزء من  مشروع استمرار وجودها وحماية عروشها...في حين الحالة الفلسطينية ضعيفة ومشتتة ومنقسمة على ذاتها ،وامريكا ودول الغرب الإستعماري تقف الى جانب دولة الكيان.


بن غفير يبني اقتحاماته للمسجد الأقصى على أساس خلفية تاريخية  وشواهد حصلت،فأمة المليارين التي كانت تخشى رئيس وزراء الكيان انذاك المغدورة غولدا مائير، أن يطلع الفجر ولا تجد لها أثر، لأن الجيوش العربية والإسلامية ستزحف عليها نصرة للأقصى، بسبب اقدام المتطرف مايكل دينس روهان يهودي من اصول استرالية على حرق المسجد الأقصى بما في ذلك منبر صلاح الدين التاريخي  في 21/ أب/1969،وليطلع الفجر ولتجد بان شيئاً من ذلك لم يحدث ،حينها ادركت بأن هذه الأمة ليست أكثر من ظاهرة صوتية  ...وضمن هذه الخلفية والكثير من الأحداث يدرك هذا الفاشي وغيره من اتباع الفاشية اليهودية ،أن هذه الأمة لا تملك غير الأدعية والدعاء وبيانات الشجب والإستنكار ومذكرات الإحتجاج ....ولذلك اقتحامات بن غفير للأقصى والي بدأها في 3/كانون ثاني من العام الحالي،والتي لم تحتاج سوى الى نقاش مفتوح في مجلس الأمن الدولي، وها هو يقتحمه للمرة ثالثة وليصل الى نفس النتيجة ، بأن هذه الأمة ليست أكثر من ظاهرة صوتية،ويجب العمل على تطويع عقولها فلسطينياً وعربياً وإسلامياً ،لكي ترى فيما يقوم به المتطرفون وعصابات الفاشية اليهودية شيء طبيعي .....ورغم كل حالة المقاومة والصمود التي يبدها المواطنون الفلسطينيون المدافعون عن الأقصى،ورأس حربتهم أهل القدس والدور الفاعل لشعبنا وأهلنا في الداخل الفلسطيني- 48 - في الدفاع عن الأقصى  وإفشال مشاريع تهويده ونزع اسلاميته الخالصة،من مسجد اسلامي خالص  لا يقبل القسمة ولا التقسيم، لا فوق الأرض ولا تحتها ،ولكن هذا لا يمنعنا من القول بأن هناك تقدم على صعيد عمليات التهويد في المسجد الأقصى، فالتقسيم الزماني بات  ثابتاً ،والان يجري العمل على التقسيم المكاني،بحيث في فترات الإقتحامات والأعياد اليهودية،لن يسمح بتواجد أي وجود إسلامي،لا مصلين ولا مرابطين ولا معتكفين ولا حراس أٌقصى،ولتتسع دائرة الإقتحامات،بحيث لا تجري فقط من خلال باب المغاربة،بل تشمل أكثر من باب وبالذات باب الإسباط،وعلى أن تجري الإقتحامات بشكل فردي وجماعي،ويؤدي فيها المتطرفين من الجامعات التلمودية كامل طقوسهم التلمودية والتوراتية،من صلوات تلمودية جماعية  ،والسجود الملحمي ،انبطاح المستوطنين على وجوهم كأعلى شكل من أشكال الطقوس  التلمودية والتوراتية،وكذلك ادخال لباس الكهنة البيضاء وكل ما يتعلق بمقتنيات العبادة من شال الصلاة واللفائف السوداء وغيرها، على أن يستتبع ذلك ادخال قرابين الهيكل الحيوانية والنباتية والنفخ في البوق ، لكي تكتمل كل طقوس احياء ما يعرف بالهيكل المعنوي، وليجري بعد ذلك الإنتقال الى  خطوة  الإقامة الفعلية للهيكل الثالث  بهدم مسجد قبة الصخرة .


خطوات التهويد للأقصى تتسارع  وتتطور بشكل غير مسبوق ، لتكريس حياة وقدسية يهودية في المسجد الأقصى، وتجري عملية استهداف واسعة لمصلى باب الرحمة ،لكي يجري فصله عن بقية مصليات المسجد الأقصى. بهدف تحويله الى كنيس يهودي ،وإقامة مدرسة تلمودية توراتية في الساحة التي أمامه ،لتعليم وتدريس الطقوس التلمودية والتوراتية ،ومن هنا شهدنا في ثاني يوم من أيام عيد الفطر السعيد كيف جرى استهدافه أكثر من مرة،وكذلك هو باب الإسباط الذي يجري التركيز عليه لكونه يشكل الشريان الرئيسي للدخول الى البلدة القديمة والأقصى،وبالتالي  هو  المدخل الرئيسي الذي من خلاله يدخل اهل البلدة القديمة بضائعهم،ولذلك السيطرة عليه،يعني "خنق" و"قتل"  الحركتين التجارية والإقتصادية في البلدة القديمة .


المرحلة القادمة في ظل غياب الردود العملية الفلسطينية والعربية والإسلامية،وما نشهده من حالة عجز وانهيار  رسمية عربية، فإن العدوان على الأقصى سيتوسع وبلا هوادة ،الإقتحامات ستتكثف وكذلك هي فرض الوقائع الجديدة فيه،وأيضا سيتم تكثيف عمليات الإبعاد عن الأقصى والبلدة القديمة والقدس والإعتقال وفرض الإقامات الجبرية ،ناهيك عن السعي لتفريغ المدينة من شخصياتها الدينية والوطنية .


بن غفير وزعران الفاشية اليهودية ،من بعد إقرار ما يعرف بالتعديلات القضائية وتحرر كنيستهم " برلمانهم"  وحكومتهم من ما يعرف بسلطة القضاء، سيزيدون من وحشتهم وقمعهم وتنكيلهم بحق شعبنا ،وكذلك عمليات تهويدهم للأقصى ،وبالتالي هم لن يبقوا لا على وصاية أردنية،عملوا على تجويفها بشكل متدرج ولا سيطرة إدارية للأوقاف الإسلامية ،بل هم سيعملون على فرض سيادتهم الكاملة على المسجد الأقصى،وهم يقولون بشكل واضح بأنهم لن يسمحوا بأن يكون في القدس والأقصى  سيادة لدولة اجنبية غير سيادتهم ،


وعلى العرب والمسلمين ان يدركوا بأن تطبيعهم مع دولة الكيان،لن يحمي الأقصى من التهويد،بل هذا التطبيع يشرعن هذا التهويد ويجعل دولة الكيان تكثف  من اقتحاماتها له والعمل على فرض وقائع جديدة فيه تغيير من وضعيته التاريخية والقانونية والدينية،وعلى كل صناع القرار فلسطينيا وعربياً  وإسلامياً أن يخرجوا  من دائرة " الجعجعات" الكلامية والمناشدات وبيانات الشجب والإستنكار والإستجداء على بوابات البيت الأبيض  والمؤسسات الدولية، الحقوق فقط تحتاج ليس فقط الى عدالة،بل الى قوة تحميها ،وبدون ذلك فمصير الأقصى سيكون كمصير الحرم الإبراهيمي الشريف، بل ربما أسوء من ذلك،فهل هذا الأمة التي نومها طال أكثر من نومة اهل الكهف ستصحوا أم ستبقى غارقة في نومها ..؟؟.

كم من ذئبٍ بريء من التهمة [*]/ فراس حج محمد

 


في كتابي "بلاغة الصنعة الشعرية"[1] تحدثت عن حضور قصة سيدنا يوسف في الشعر. وأوردت كثيرا من النماذج الشعرية لشعراء استلهموا قصة النبي يوسف بوصفها مأساة سياسية وإنسانية أو بوصفها موضوعا عاطفيا. وأكثر ما يلفت النظر في توظيف هذه القصة عند الشعراء الفلسطينيين هو أنهم استلهموا القصة عندما كانوا يرون أن الجاني عربيّ أو فلسطيني.

في كتاب "أكله الذئب" يتحدث الناقد الفلسطيني شاكر النابلسي[2] عن مقتل ناجي العلي وملابسات مقتله. وثمة اتهامات (غير مؤكدة) لأطراف فلسطينية ضالعة في عملية اغتيال ناجي، كما ألمحت لذلك زوجته في إحدى المقابلات التلفزيونية، وكشفت عن حجم الضغوطات التي كان يتعرض لها ناجي من فلسطينيين وعرب جراء رسوماته الكاريكاتورية التي كادت أحيانا تُحدث أزمات سياسية بين (الأشقاء العرب). صدر الكتاب في طبعته الأولى عام 1999[3].

وتحت العنوان ذاته كتب مريد البرغوثي[4] قصيدته "أكله الذئب"، وقد كتبها في لندن عندما زار قبر ناجي العلي[5] بتاريخ: 2/11/1987، وكان ناجي قد استشهد في 29/8/1987. ويقدم مريد للقصيدة بمقطع من قصيدة أخرى طويلة يتحدث فيها عن "حنظلة/ طفل ناجي العلي"[6]، ويقول إنه كتبها قبل استشهاد ناجي بسبع سنوات. كأن مريد البرغوثي كان متنبئا باستشهاد ناجي العلي بالطريقة التي استشهد فيها عندما قال[7]:

وأيديهم الطائلات لعنقك أنى تحط الرحالْ

هنا معد كل شيء كما تشتهي

فلكل مقام مقالْ

مكبرة الصوت في ليلة المهرجانْ

وكاتمة الصوت في ليلة الاغتيال.

وأما قصيدة "أكله الذئب" ففيها ما فيها من اتهام مبطن لجهات داخلية، ربما كانت فلسطينية أو عربية، ضالعة في اغتيال ناجي العلي، ولكن سيكون "الذئب" حاضرا ليلبس التهمة[8]:

بريءٌ هو الذئب من غيلتي يا مريدُ

فذئب البراري أجلّ من الجرمِ

والبعض أخلق من أن يتعلم منه الصفاتِ

إذا أنصفا

وتتكرر لازمة "بريء هو الذئب" في القصيدة ثلاث مرات، وغير هذه الجملة، فإن لفظ الذئب والذئاب تكررت كثيرا، ويقارن الشاعر بين الذئاب ومن قتلوا ناجي، لتكون نتيجة المقارنة تبرئة الذئب الذي ما أكل يوسف يوما.

إن مريدا كان يعلم الحقيقة ولم يصرح بها، وترك للقارئ إشارات على ما يريد، كأن الشاعر كان خائفا من أن يكون مصيره شبيها بمصير ناجي العلي، فتتم تصفيته من أولئك (الإخوة). عدا أن استدعاء مريد ليوسف في القصيدة لم يكن عبثا، فمن تآمر على يوسف هم إخوته، واتهموا الذئب به، ولكن الذئب بريء من دم يوسف، كما أن "ذئب البراري" بريء من دم ناجي العلي، وكأنه يشير إلى القاتل الحقيقي، ولم يتبق غير أن يصرّح به. 

على الدارس أن ينتبه إلى ما قاله الشاعر البرغوثي في حوار نشر في صحيفة الأيام الجزائرية عام 2015، وأتى الحوار على قصيدة "حنظلة طفل ناجي العلي": "الشعر ليس إلهاماً، الشعر انتباه إلى ما يدور في نفسك، وما يدور في محيطك الصغير، وما يدور في محيطك الكبير وهو الكون. درجة الانتباه الحادة التي ترى، وتلاحظ، التي تدرك، التي تتوقف، التي تندهش، عند ما هو عابر، وعند ما قد لا يبدو مدهشا عند الآخرين، هذا الانتباه الحاد هو ما يولد الكتابة"[9].

لعل هذه القصيدة هي ما أوحت لشاكر النابلسي أن يكتب كتابه، ويتتبع القضية، فقد استعار عنوان كتابه من قصيدة مريد. وأورد النابلسي معلومات وأخبارا، ومكالمات هاتفية تدين صراحة شخصيات مهمة فلسطينية سياسية وأدبية، ومن ذلك حوار لمحمود درويش مع ناجي العلي، وتهديد درويش له، بعد أن رسمه في كاريكاتير "محمود خيبتا الأخيرة"، وتظهر لدرويش صورة مغايرة في هذا الكاريكاتير؛ ليصبح مطبّعاً، وهو يدعو إلى لقاء للشعراء والأدباء الإسرائيليين والفلسطينيين، ومصلحجياً، سلطوياً- قبل أن تولد السلطة- "بعد ما صار عضو لجنة تنفيسية".

كان لهذه الشخصيات يد في اغتيال ناجي، بل كانت حريصة على إسكات صوته. الذئب في كل مرة بريء ما دام يوسف هو المجني عليه. فلنتدبر الأمر، لعلّ الأمر يتضح إذا أردنا الحقيقة[10]:

بريء هو الذئبُ

فلتحملوا للذئاب اعتذاري

وما أكل الذئب يوسف يوماً

ولكن يوسف ليس الذي يحتمي بالفرارِ

وليس الذي ينتهي راجفا.

أسطر شعرية تقول الكثير، إذا ما رجع الدارس إلى كل المقابلات والأحاديث الشخصية بين الأصدقاء ممن يعرفون ناجي، وكانوا مقربين منه. ومنهم على سبيل المثال الشاعر العراقي أحمد مطر الذي كان رفيقه في الكويت، وخرجا في الفترة ذاتها إلى لندن؛ هرباً من الموت، وخاصة ناجي. 

ثمة شهود آخرون كثيرون عندما يصل الحديث إلى ناجي العلي واغتياله يصمتون، وكنت شاهدا على بعض تلك الحوارات والمناقشات لهؤلاء العائدين بعد اتفاقيات أوسلو عام 1994، لم يستطيعوا أن يقولوا الحقيقة، وغيروا دفّة الحديث بعيدا عن الموضوع، وعلى رأي "تايه" بطل رواية[11] الروائي الفلسطيني صافي صافي[12]: "يهود عرب تقاتلوا" صارت "عرب عرب تقاتلوا"، وليسمح لنا تايه أن نكمل الدائرة ونقول: "فلسطينيين فلسطينيين تقاتلوا"، ويا ويلنا مما نحن فيه.

ليس صحيحا أن "الأعداء يسترقون السمعَ إلى هذا الخلاف... [و]كانوا يضعون الرصاصةَ في المسدس... [و]كانوا يصطادون الفرصة"، فلم تعد المسألة خافية على أحد، وإن أعلن القوم أنهم ضد هذا الاغتيال، وأنهم متعاطفون مع اغتياله، ويمجدون الشهيد، ويلعنون الذئب، فهم كمن قتل القتيل ويمشي بحزن في جنازته، بل ويقيمون له في كل عام بيت عزاء، يحيون فيه ذكراه التي لم تُنسَ، ولن تُنسى. إلى أن يأتي يوم ويتحدث فيه بجرأة وشجاعة وصراحة من عنده علم ودليل، ليكشف عن هذه الجريمة البشعة وجرائم أخرى، ما زلنا نُحمّل أوزارها ذئاب البراري، فلم يكن أخوة يوسف بريئين، وكذلك هؤلاء، فكم من معارض قتلوا، ومجدوه في الخطب والبيانات الرسمية، ولنا في الشهيد نزار بنات مثال قريب، فهم قتلة وسفاحون كغيرهم من أعداء الوطن، فهم وهؤلاء في سلة واحدة، يلغون في دم الفلسطيني ولا يهمهم أكان مبدعا أم لا، المهم عندهم أن يسكت الصوت بكاتم الصوت إلى الأبد، لتتحول "تلك الثورة الخائبة" إلى "خيبتنا الأخيرة" أيضا وليس فقط الشاعر الرمز هو "خيبتنا الأخيرة"، وكل ما يقوله "ذباب السلطة" من الصحفيين والمنتفعين ما هو إلا محض هراء، يشهد على رداءته المنطقية شهود كثيرون يعرفون الحقيقة، ولكنهم "جبناء" إلى حد الاكتفاء بالنميمة الثقافية في الغرف المغلقة.

الهوامش:

[*] من كتابي المخطوط "في حضرة الشعراء".

[1] روافد للنشر والتوزيع، القاهرة، 2020.

[2] كاتب وباحث وناقد، ولد في 12 مايو 1940 وتوفي في 14 يناير 2014. له عدة مؤلفات نقدية من بينها "مجنون التراب".

[3] الكتاب صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت. وتحت العنوان الرئيسي عنوان فرعي: "السيرة الفنية للفنان ناجي العلي".

[4] شاعر فلسطيني ولد في 8 تموز 1944 في قرية دير غسانة قرب مدينة رام الله، أصدر مجموعة من الدواوين الشعرية، والكتب النثرية. وهو زوج الكاتبة الروائية المصرية رضوى عاشور، ووالد الشاعر تميم البرغوثي.

[5] أشهر رسام كاريكاتير فلسطيني وعربي، ولد عام 1937، مبتكر شخصية "حنظلة".

[6] يشير الشاعر إلى أن القصيدة نشرت عام 1980 في جريدة السفير البيروتية، ولم يدرجها كاملة في أي ديوان من دواوين الأعمال الشعرية، مكتفيا بإيراد مقطع منها مكون من (11) سطرا.

[7] الأعمال الشعرية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط1، 1997، ص308-309.

[8] السابق، ص311.

[9] مريد البرغوثي.. الشاعر الفلسطيني المتعب، الأيام الجزائرية: 22/3/2015.

[10] الأعمال الشعرية، مصدر سابق، ص312-313.

[11] رواية "تايه"، دار ناشر ودار الأهلية، عمّان، ط1، 2019.

[12] روائي وأكاديمي فلسطيني، ولد في قرية بيت اللو قضاء رام الله، أصدر روايات.


*العبرنة تتفاقم بدون مسوّغات لغويّة/ ب. حسيب شحادة



جامعة هلسنكي


يعيش الإنسان اليوم في عصر العولمة الكاسح، وأضحى التلاقح اللغويّ بين المجتمعات المختلفة أمرًا عاديًّا، أراد بذلك أم أبى. وفي هذه العُجالة أودّ التطرّق إلى ظاهرة غزو اللغة العبريّة للكلام العربيّ الفلسطينيّ داخل دولة إسرائيل.

الأقليّة العربيّة الفلسطينيّة في البلاد فريدةٌ في نوعها من عدّة نواح؛ إنّها الشريحة البشريّة الوحيدة التي تحمل في بِطاقات هُويّاتها الصفة ”عربيّ“؛ وتعيش في ظروف صعبة بعيدًا عن المساواة مع الأغلبيّة اليهوديّة في البلاد. أضفْ إلى ذلك أنّ هناك ما يسمّى بالازدواج اللغويّ (diglossia) لدى الطفل العربيّ منذ البداية، لهجة عامّيّة ولغة فصيحة، وسُرعان ما تدخل في فضائه اللغويّ الفكريّ في الصفّ الثالث الابتدائيّ وأحيانًا في الصفّ الثاني لغة ثالثة هي العبريّة القريبة من العربيّة، وهذه القَرابة كثيرًا ما تسبّب البلبلة والارتباك لدى الطالب. وبعد عامين يأتي دور اللغة الإنجليزيّة التي لا تمتّ بأيّة صلة لا من قريب ولا من بعيد لما عرف الطالب العربيّ وما درس من منظومة منطقيّة لغويّة.

هنالك دراسات لغويّة حديثة عديدة تعارض إدراج تعليم لغات أجنبيّة في برنامج الدراسة الأوّليّة للطالب، وذلك بغية توفير الجوّ الملائم والكافي للتمكّن أوّلًا من لغة الأمّ في مهاراتها (skills) الأساسيّة: القراءة والحديث والكتابة، وفي آخر المطاف التفكير أيضًا. من البدهيّ أن تعليم اللغة الأجنبيّة في سنّ مبكرة يؤثّر سلبًا على عمليّة التمكّن من لغة الأمّ. وبصدد هذا المصطلح اللغويّ والثقافي ”لغة الأمّ“ (Mother tongue) لا بدّ من التنويه بأنّ لغة الأمI بالنسبة للفرد العربيI هي لهجة معيّنة ضمن لَهَجات لا عدّ ولا حصر لها في العالم العربيّ. بعبارة أخرى ينبغي الالتفات إلى هذه الحقيقة المنسيّة عادة وهي أنّ اللغة الأدبيّة المكتوبة أو ما يُدعى بالعربيّة الفصحى أو الفصيحة ليست لغةَ أمّ أيّ إنسان عربيّ بالمعنى المتعارف عليه لهذا المصطلح. وفي الوقت ذاته لا بدّ من القول بأنّ هذه اللغة المكتوبة التي توحِّد العرب المتعلّمين والمثقّفين، في حين أنّ اللهجات تفرقّهم، قد تصبح بعد عُقود من الجدّ والكدّ المتواصل قريبًا من لغة الأمّ أو ما يشبه ذلك بالنسبة لنخبة معيّنة ضئيلة فقط.

من المعروف أنّ التلميذ العربيّ يبدأ بتعلّم العربيّة المكتوبة وهو ابن ستّ سنوات وعندها يتصارع في كيانه وذهنه نمطان لغويّان مختلفان لحدّ بعيد في بعض النواحي، ومتقاربان في حالات أخرى قد تكون مدعاةً للاضطراب والبلبلة والتخمينات. نلاحظ أنّ التلميذ في المجتمعات الراقية يقرأ ليفهمَ ويتعلّم في مجالات متنوّعة كالتاريخ والطبيعة والرياضيّات، والبون بين لغة البيت ولغة الكتاب ليس شاسعًا، في حين أنّ ابنَ العرب عليه أوّلًا أن يفهم ليتسنّى له قراءة صحيحة لما أمامَه من نصوص وقد يفهم أحيانًا نصًّا ما دون قراءته قراءة صحيحة. لا نغالي إذا قلنا إنّ التلميذ العربيّ عليه أن يقوم بمهمّتين في الوقت ذاته: إدراك المحتوى/المضمون بعد جهده الكبير في فهم اللغة التي بدأ بالتعرّف عليها حديثا.

من الأمور اللافتة للانتباه والتي تحتاج لمعالجة مناسبة وَفق الظروف كون التلميذ العربيّ يسمع من معلّمه الشرح والتفسير لمادّة ما بالعامّيّة وعند الامتحان يُطلب إليه أن يُجيب على الأسئلة باللغة المكتوبة التي في أكثر الأحيان لا يُجيدها معلّموه. هذا شيء غريب عجيب حقّا! في اعتقادي، لا بدّ أن تكون هناك قناعة تامة بأنّ معرفة اللغة، أيّة لغة، ما هي إلا وسيلة لهدف وهو الحصول على العِلم والمعرفة وتطوير النفس والوجدان. هذا المنطلق يعني العمل بغية التمكّن من لغة سليمة بأقلَّ ما يمكن من قواعد جافّة وتنظيرات فلسفيّة.

هنا في فِنْلندا يبدأ التلميذ دراسته في المرحلة الابتدائيّة في عامه السّابع بعد أن يكون قد أنهى بضع سنين في الحضانة وروضة الأطفال حيث يقوم المُربّون بشحذ طاقات وقُدْرات كلّ طفل نفسيًّا وعاطفيًّا واجتماعيًّا وفقا لحالته الخاصّة. هنالك اهتمام خاصّ بالرياضة البدنيّة والرسم والموسيقى والانخراط في مهامّ جماعيّة ابتكاريّة. أضِفْ إلى ذلك الصلة الوثيقةَ بين أولياء أمور التلاميذ وهيئة المربّين ولا أقول المدرِّسين، إذ مهمّة المعلمّ الأولى تربية فِلَذات الأكباد بشكل يؤهّلهم للحصول على المعرفة الصحيحة وتكوين الموقف وبلورة الشخصيّة بعد عمليّة التحليل والتفكيك. الجدير بالذكر أنّ اللغة الرسميّة الثانية في فنلندا، اللغة السويديّة، يتعلّمها التلميذ الفنلنديّ ابتداءً من الصّف السّابع الابتدائيّ. ولا أكشف سِترًا إذا ما قلت إنّ فنلندا في نظامها التربويّ التعليميّ تحتلّ مكان الصدارة عالميًّا منذ عدّة سنوات، لا سيّما بالنسبة لمكانة لغة الأمّ ومعرفتها. نذكر أنّه يتوجّب على أيّ أجنبيّ ينوي الحصول على الجنسيّة الفنلنديّة أن يجتاز امتحانًا لغويًّا شاملًا يستغرق أربع ساعات، ونشير في هذا السياق أنّ في اللغة الفنلندية خمسَ عشرةَ حالة إعرابيّة (cases).

قبل بضعة أيّام استمعتُ لمقابلة أُذيعت في صوت إسرائيل بالعربيّة عبر الشبكة العنكبوتيّة، أجراها مقدِّم برنامج اجتماعيّ مع سيّدة، والاثنان من عرب البلاد. ما لفت الانتباه، كما هو متوقّع، وللأسف الشديد كثرة الكلمات العبريّة في المحادثة التي جرت باللهجة العامّيّة. وخلال دقائقَ سجّلتُ هذه الكلماتِ العبريةَ التي سُرعان ما نقلها مقدِّم البرنامج للعربيّة وكأنّ ذلك من واجبه وجرت الأمور ”كشربة الميّ“!

כיוון, שיחה, ובאמת, כמובן, מכללה, מתאים, לא מקובל, נכון, רמה, מאושר, משפחתון, ממש, מסופסד, ריביות (جمع فائدة، نادرة الاستخدام), תוכנית מתאר, משרד השיכון, קרן, קריירה, מתקיים, דו”ח. ورود مثل هذه العيّنة من الكلمات العبريّة (اللهم باستثناء משפחתון الجديدة التي يمكن تعريبها بـ ”روضة منزليّة“) في حديث عربيّ عاديّ لا يدلّ أبدًا على عدم وجود بدائلَ لها في العربيّة كما يتجلّى الأمر بالنسبة لكلّ من يعرف اللغتين بشكل مقبول ولا حاجة لمتخصّص في ذلك. تسرُّب مثل هذا الدخيل اللغويّ أصبح في بعض الأحيان وكأنّه عادة مستئصلة  أو ”موضة“ مرغوب فيها لدى الأكثريّة من عرب البلاد. في بعض الأحيان قد يكون سبب ذلك ناتجًا عن نيّة المتحدّث بأن يقول: ُنظروا يا عالم أنا مثقّف، إنسان عصريّ، إلخ. كإدخال كلمات إنجليزيّة أو فرنسيّة في بعض الدول العربيّة. ومن جهة أخرى قد يدلّ ذلك أحيانًا على انتماء أو حسّ مهزوز ومأزوم للقوميّة العربيّة عند الشخص. وفي نفس المحادثة تناهت إلى مسامعي استعمالات بروح عبريّة وبزيّ عربيّ من قبيل: طلبت أتحرر؛ عملوا الشغل؛ الواحد بنزّل الطقيّة، ومثل هذا التأثير الخارجيّ أعمق من سابقه وله حديث آخر.

أخيرا وليس آخرًا، أرى أنّ لمكانة اللغة العربيّة في الهُويّة القوميّة لدى كلّ فرد منّا الأثر الأكبر في السلوك اللغويّ. أهل اللغة يحمونها ويرفعون من شأنها إذ هم تطوّروا وارتقوا وساروا في درب العلوم الحديثة وساهموا فيها ولا يتحقّق لهم ذلك إلّا إذا أحبّوها فعلًا وتعلّموها منذ الصِغر، من دون أيّة لغة أجنبيّة في سنوات الدراسة الابتدائيّة المبكّرة.

(بروفيسور حسيب شحادة يدرّس ويعمل في جامعة هلسنكي)


 عزيز يعقوب كاهن

3 سبتمبر 2017

سلم المنطق الذي سرد لنا واقعاً نعيشه، فمما لا شك فيه بأن البون واضحاً لا بل كبيراً جدا، بين اللغة المحكية أو ما يُعرف بالعامية، واللغة المقروء أو ما يُعرف بالفصحى، والأدهى من كل هذا أن اللهجات تتغير من بلدٍ لآخر لا بل من مدينة لأخرى، وأحياناً من حيٍ لآخر.

يُشكل ما تقدم، وكما ورد في صلب المقال، عقبة هامة تحول دون فهم المادة المنصوصة، فمن جهة يتم شرح الدرس بغرفة الصف بلغة أقرب إلى قدرة استيعاب الطالب اللغوية، أو دعونا نقول باللهجة المحلية، ومن أخرى عند مراجعته كتاب المادة ستواجه الطالب صعوبة كبيرة في فهم الموضوع، فقد يقرأ الدرس مرات ومرات ظاناً بأنه استنفذ الوقت اللازم للمراجعة، لكنه بالحقيقة لم ينجح بالربط بين ما شرحه مُعلم المادة والمكتوب في كراستها، لأنه أصلاً لا يملك القدرة على فهم لغة النص.

لنقتدي إذن بالأمم المتحضرة، سعياً للارتقاء إلى مستويات تحصيل تليق بافتخارنا بعروبتنا، والوصول إلى مثل هذا ممكن – حسب رأيي – إذا سعينا إلى تحقيق مسألتين:

1. تثقيف المربيات في دور الحضانة، والتأكيد بأن عليهن اتقان مفردات اللغة العربيّة الصحيحة، والتحدث بها مع أطفال الرياض، وعدم منح ترخيص لأي حضانة لا تؤمن هذا المستوى الثقافي.

2. تقريب لغة كتب العلوم – باستثناء المخصصة للأدب العربيّ ونحوه وصرفه – إلى اللهجة المحلية، وعدم التفنن في انتقاء المفردات غير المألوفة، لأن المطلوب نقل المعلومة إلى ذهن الطالب وليس نقل فن لغتها.

إن من شأن ما تقدم – هكذا أظنه – خلق جيل جديد أكثر تثقيفاً، بالوقت نفسه تبسيط لغة المادة العلمية، مما سيجعل تركيز الطالب على المعلومة أكثر من هدر طاقة تفكيره بالبحث عن معاني المفردات.

لا أخفي عليكم، ثقافتي العلمية لم تتجاوز الثانوية العامة، مع هذا عندما أكتب بالعربيّة تشكوا كريماتي، وقد أنهين تحصيلهن الجامعي، فهم المدونة التي أكتبها، هذا إن دل فعلى المستوى المتردي التي تعاني منه مناهج العصر الراهن، أو على الأقل عدم تخصيص المساحة الكافية للتثقيف اللغوي، فمن جهة حجم المواد يتضخم ومن أخرى الأهتمام أقل، خاصة ذو العلاقة بالأدب العربيّ.

أذكر يوم درسنا اللغة العربية، طُلب منا حفظ مئات القصائد الشعرية، كذلك النصوص الأدبية، مما أكسبنا رصيد مفردات استفدنا منه في كتاباتنا وبالتأكيد أكثر من هذا، أما اليوم فنجد الطالب قد أنهى تحصيله العلمي دون أن يستظهر ولو قصيدة واحدة أو نصاً أدبياً، وهذا ينعكس على مستواه اللغوي التحصيلي.

الأغرب مما تقدم، على الرغم من ضعف اللغة الإنجليزية، لدى معظم طلبة المدارس، بالكاد يجتازون امتحان الثانوية العامة، لينتقلوا إلى الجامعات الوطنية التي اعتمدت مناهج لغتها الإنجليزية، فإذا كانت المشكلة سابقاً بفهم المواد العلمية بلغة الأم، باتت أصعب يوم سنترجم الإنجليزية إلى العربيّة الفصحى ومن ثم للهجة المنزلية، لتجد الطلاب يدرسون نظام الشبكة العنكبوتية google أكثر من كتب علومهم.


نبيل سعد

10 مايو 2013

أكاد أن اجزم ان تسعين بالمائة من العرب القاطنين اسرائيل، لا يقدرون على التكلم باللغة العربيّة الدارجة بدون ادخال كلمات وتعبيرات بالعبرية. ويعود ذلك الى عدة اسباب منها:

١) في جزئيتها هذه ظاهرة طبيعية ، شاهدناها في فلسطين إبان الحكم التركي ،حيث كان الناس يستعملون كلمات وتعابير بالتركية التي كانت تكتب بها الدواوين وهي اللغة الرسمية للامبراطورية العثمانية. كذلك الامر كان خلال الانتداب البريطاني ، وقد كانت كثير من العبارات الانكليزية متداولة بشكل طبيعي ، وكذلك الحال جرى. حينما احتلت الدولة العبرية المناطق العربيّة او ضمتها اليها. وقد احتلت التعبيرات والمصطلحات العبرية مكان تلك الانكليزية والتركية . اذ انني لا اتصور ان احدا يقول : (قزّيطه) المنقولة عن التركية، أو كلمة (باراكس) لانها اندثرت مع اندثار الانتداب البريطاني ، واحتلت مكانها تعبيرات ومصطلحات عبرية. وفي نطاق المعقول يمكن ان نقول ان ادخال كلمات اجنبية الى لغتنا ، هي حالة طبيعية . بيط ان استفحال الظاهرة حيث اصبحت لطينا لغة جديدة تشمل تعابير جديدة وغريبة ، تشبه لغة اللادينو في اسبانيا ، او اللغة الفرانكو عربية ، التي هي خليط من العربيّة والفرنسية ، هو امر مختلف عن ادخال بعض التعبيرات المختارة من العبرية.

احيي الصديق القديم حسيب شحاده ، زميلي في الدراسة في الجامعة العبرية ، على مقاله .

مجنون يحكي عاقل يسمع

26 أبريل 2012


لا تقع العولمة بآثارها فقط على فلسطينيي الداخل, وإنما-وكما يدلّ إسمها- على العالم أجمع. إنما تتبلور خاصيّتنا بإرتباط اللغة بقضيّة قومية تقوم على تصعيد مفاهيم سياسية يوميّة وتزيد بذلك حساسيّة الموضوع.

أمّا بالنسبة إلى الفقرة التي حاولت فيها شرح تأثير تعدّد اللغات في الصغر على صعوبة التعامل مع اللغات مستقبلاً, فإدعّائك غير صحيح. يصدف إنّي أدرس الطب, ونعلم اليوم جيداً أن تعدّد اللغات في الصغر يكسب عقلنا أدوات لغوية أفضل وتدلّ على إمكانية تطوير إمكانية الإمتياز باللغات الأخرى. هذا بالنسبة لوجهة النظر العلمية. أما برأيي الشخصي, فتكملةً لما قيل وبرهن علمياً, فإنّي أرى أن العائق الأساسي في تعلّمنا للغات هو عائق نفساني نعيشه في حياتنا اليوميّة. فما يلبث الطفل أن يبلغ جيل المدرسة ليسمع من كل حدبٍ وصوت تأوّهات عن سبب تعلّمنا للعبريّة وكّأن ذلك سيضرنا! فيخشى اللغة! ولا يحبّها, وكيف تحب ما تخشاه؟ وما يدخلونه يومياً في قيود المفاهيم السياسية. فإن خشيت اللغة, ما تمّكنت منها, وإن تغلّبت على خوفك وأحببتها تصيبك تأنيبات الضمير؟

أتّفق معك تماماً على ضرورة الحفاظ على لغتنا, وذلك لربّما بالتشديد على نوعيّة معلّمي لغة متمكنين بالفعل وبالتربية على حبّ القراءة والمطالعة. لكن ما أجمل أن نتعلّم اللغات الأخرى ولا نخشاها لأي سبب من الأسباب.

يعطيك العافية على المقالة.


عيسى

14 أبريل 2012

مقال ممتاز وممتع بصراحة, ولا مرة فكرت انو لغتي الام هي مش العربيّة وانما العربيّة العامية, وموضوع طلاب المدارس واستعمال الفصحى في حل الامتحانات موضوع مهم ولازم ينلقالو حل. ارفض المقولة بانو “ظاهرة استعمال لغة اجنبية في محادثات يومية” هي ظاهرة خاصة بفلسطينيي الداخل, واتعجب من انو دايما منطلع على استعمال اللغة العبرية ومننسى انو بكل يوم منستعمل شي 200 كلمة بالانجليزي و20 بالتركي ولغات تانية ولهجات مش معروف شو اصلها ومن وين جاي. الظاهرة موجودة باستعمال الفرنسية بلبنان والمغرب العربيّ, الانجليزي بمصر والاردن, والارمني الي عايش بالقدس ووبيدخل بكلامو عربي بطلش أرمني ومفقدش هويتو! اللغة هي وسيلة واداة عشان نوصل عن طريقها رسالة, فلتكن باي لغة كانت المهن انك تفهمني وافهمك, ومش بس استعمال لكلمات وانما كمان لغة الجسد بتوصل نصف الرسالة. وبيني وبينكو اجا الوقت انو مجمع اللغة العربية في البلاد والخارج يجتمعلو اكتر عشان نلحق لتطور اللغات الي بصير من حولينا ونلاقي حل لتحديات لغوية ما الها آخر باللغة العربية. وبقبلش الادعاء انو استعمال العبرية جاي من منطلق “موضة المرغوب فيها لدى الأكثرية من عرب البلاد. في بعض الأحيان قد يكون سبب ذلك ناتجا عن نيّة المتحدث بأن يقول “أنظروا يا عالم” أنا “مثقف، إنسان عصري” عزيزي, مش دايما المسألة بتكون هيك, في الأخير الواحد بيدور على ايش اسهل تماما كيف ما التشات بالعربية باستعمال احرف لاتينية هو اسهل (على الاقل للي مفش عندو زيي “لوحة مفاتيح” بالعربي, لاحظ “لوحة مفاتيح!”. وازا الواحد بدو يحسب عالشمال واليمين بكل محادثة بيحكيها عن استعمال كلمات من اصل عربي لكانت حياتنا صعبة ومملة ومحادثاتنا الصباحية صارت “انشودة ما قبل النوم”. بحب انو انضيف هادا الخيار مع بند الحريات الشخصية للفرد, خلو الناس تختار وتبدع بالاختيار. بالآخر انا مخترتش لغتي للام متل ماني ماخترتش ديني, ومتأسف عشني بفتخرش بامور انا ماخترتهاش! والحياة ابسط من هيك. اشكرك على طرح كل هاي المسائل!

فلفول يحب الفلافل

8 أبريل 2012


استاذ حسيب تحياتي

في مصر قامت حركة للكتابة باللغة التي سموها هناك “مصرية”

يعني العامية المصرية وبداوا بترجمة كتب على هذاالنحو من الفصحى الى العامية ( انظر الى ويكيبيديا تجد العربية و “مصري” )

لماذا لا نقوم نحن باجراء مشابه؟

احمد

4 أبريل 2012


بننساش موضوع الاخطاء الاملائية والصرفة المتوفرة بكثرة بكتب تعليم العربي للاجيال الأولى.

* كُتِب هذا المقال قبل أكثر من عشر سنوات.


سيّدةُ الشوكولا بتلتو*/ كريم عبدالله



مازالَ جسدكِ فتياً يختزنُ أسرارَ جبروتهِ صعبُ الوصول وجنائنكِ شااااااهقاتٌ كـ عناقيدِ الكروم معلّقاتٌ لا سوتيانَ يحملُ كنوزَ لذّتهما السمراءَ وعيونكِ غزلانٌ غارقة في سلالِ الشَبَق المجنون , مَنْ ذا الذي يُحيطُ بجمالِ أبوابكِ الغااااااااارقات أيّتها الشوكلا المغموسة ثقوبها المنهزمة بـ الانتظار الطوييييييييييييل ؟! , كلّما ينفتحُ ثقبٌ كانَ مظلماً تهاجمهُ أنوارَ لهفتي تغمرهُ حدَّ الامتلاء تفيضُ حتى الدوائرَ البعيدة عن شطآنها يسكنها ترقبَ الاشتعال العميق فـ تطفو مراكبي غارقةً بعيداً لا ضفافَ ولا فناراتٍ سوى لُججِ العودة ولا عودةَ لعاشقٍ أشرقتْ في كونهِ شمس الشوقِ , ماذا لو هبّتْ رياحُ الاشتياق وسنابل لهفتكِ تنضجُ بصخبٍ فـ تمتلئُ عيوني بـ مناجلِ الحصاد وهي تتراقصُ غنجاً وتبتعدُ بعيداً بعيداً ؟! , اطلقي العنانَ لشهوةِ مياهي الخجولة تهفهفُ فوقَ تلولكِ علّها تنعكسُ تحتضنُ قلبي , هل ستبقى الشفتانِ رُطْبتانِ ينضحان عسلاً وشوك الترقبَ يتكاثرُ جنونهُ فوقَ شفتيَّ المتعجلات ؟! , ينسدلُ عطركِ يغمرُ جسدي وأنتِ تراقبينَ في صمتِ حزني , ليسَ لي سوى أنْ أتخيلَ نشوتي قبلَ هرمها حينَ يداهما زمنُ الوحدة , تعالَي واغمضِ جفنيكِ واقبضِ على بعض جنوني ,  تريّثي إنَّ مراثيَ العشّاق كثيرة وبـ لطفٍ ادخلي عنفوانَ همجيتي عميقاً عميقاً تروي عطَشَ السنين وتمحو البؤس , آآآآآآآهٍ ما أقصرَ الوقت وأبعدَ سماواتكِ الصحراءَ تزيّنها الشامات كـ النجوم تتلامعُ بـ رشاقةٍ أنهكتني انتظارها أشواكاً تخدشُ ليلي المقفر يا مَنْ رأتني لمرّةٍ واحدة فـ غادرتني حتى نهاية الدنيا  وسطَ ضبابِ الأمنيات وضجيج الوحدة !! .


 * بتلتو : الفتاة العذراء في اللغة الأكدية .

بغداد

العراق

كونين فازت على كلّ الجنوب/ سليمان الفهد


"كونين ـ لطائف وطرائف" كتاب قصصي لقي اهتماماً في فلسطين المحتلّة وفي متحف الشاعر الكبير الراحل محمود درويش تحديداً، حيثُ عُقِدت ندوة عن عالم القصّة القصيرة والتطوّر الذي طرأ عليها.. تحدّث فيها عدد من الأدباء والمثقّفين والنقّاد بينهم القاصّ والناقد والأديب محمود شقير الذي لفت إلى أهميّة القصص القصيرة في كتاب "كونين ـ لطائف وطرائف" لجهة عناصر كثيرة بارزة منها " التوثيق" و"العفويّة التي ترد على ألسنة النّاس" و"هاجس الجنس في المخيّلة الشعبيّة". وأخيراً حثّ الحضور على قراءة الكتاب بعدما قرأ نصوصاً منه كنموذج". وإليكم أجنحة: 

1 (ملح القعّ)    

كان المرحوم عقيل سرور "أبو مسلم" نحيلاً وأقصر كثيراً من زوجته العبدة، وهي أصلاً من بلدة تبنين غير البعيدة بالسيّارة من كونين ـ جنوب لبنان ـ جبل عامل وكانت ذات شخصيّة، ومن سطوتها تمسك بماليّة البيت القليلة وتصرفها بالتدبير في زمان كان يائساً أو بائساً إقتصاديّاً حقّاً. ويوماً، وفيما كان أبو مسلم يحرث أرضه علقت سكّةُ الفلاحة بشيء ليتبيّن إنّه حجر كبير من نوع "ملح القعّ" الذي يخلط في لونه بين الأبيض والأسمر وإذا لفحتْه الشمس يصدر بريقاً قولوا بريق الماس، وعند مدخل بيت الصديق علي فيّاض "أبو أحمد" حجران كبيران منه. 

وطرأتْ لأبي مسلم خاطرة أو فكرة طالما تندّر بها أبناء كونين، وكلّ غايته أن يأكل لحماً مشويّاً افتقد طعمه من زمان وربّما من أزمنة. وهما في البيت ليلاً قال لزوجته بحركة مسرحيّة ذكيّة متلفّتاً يميناً وشمالاً إنّه عثر، وهو يفلح، على كنز. ولمّا اندهشت العبدة وكاد صوتها يرتفع وضع يده على فمها بسرعة حرصاً، فالبيت في وسط الضيعة والبيوت متلاصقة وكلُّ جار يكاد يحصي أنفاس جاره. 

ومع الفجر نهض أبو مسلم عريساً، متحمّماً، يتمطّى، ثمّ رجع إلى البيت  ومعه أمّ مسلم وعلى رأسها "سِدِر ألمينيوم" فيه حجر مغطّى بقماشة تحجب عنه النظر. ودفناه في "صحن البيت" بعد أخْذ "مسطرة" ـ عيّنة، فيذهب أبو مسلم، بحسب الخطّة الموضوعة أو المرسومة من قبله شخصيّاً، إلى مدينة صوْر التي تبعد حوالي 40 كلم من قرية كونين بحثاً عن مشترين، واشتكى بدهاء إنّه للأسف ليس معه بدل أجرة سيّارة إلى صور، فأعطته بأريحيّة من القليل الذي تحفظه، ولكنّه عوض أن يذهب إلى صور ذهب إلى بلدة بنت جبيل المجاورة وقصد اللحّامين، واشترى لحماً، وطلب أن يُشوى اللّحم له، وتأخّر في السوق، ورجع إلى البيت، وقال لزوجته إنّه عثر على من سيشتري الكنز، وإنّهما يتفاوضان. 

وفي اليوم التالي، وقد ذهب إلى بنت جبيل أيضاً، عِوض صور، وقد أخذ من زوجته بدل إيجار النقل كذلك، وقصد لحّام الأمس، ورآه أناس من كونين واستعجبوا حاله فهو غير مقتدر، ووصل خبره إلى أمّ مسلم، وانتظرته غاضبة، وعندما بلغَه أنّها علمتْ بأمره لم يرجع إلى البيت حتى توسّط له الأوادم ولكن، طبعاً، لم يتب. 


2 (مخاطباً الله)    

هناك رواية عن الحاج مصطفى فوعاني تقول إنّه كان قد زرع قطعة أرض قمحاً، ونضج القمح ولم يبلغ طوله شبراً، وبعد البيدر والمورج جعل القمح الصافي في "خيشة" صغيرة ربطها وجعلها على حمارته إلى البركة الكبيرة التي من زمان ما قبل الرومان من أجل الغسل والصوصلة، وكان الحاج مصطفى طيّب القلب إنّما "عصبي"، وكانت أيّام فقر، وعندما اقترب من البركة خطر له أن يرفع يديه نحو السماء وهو يقول: "يا ربّ حلّها وافرجها علينا"!. وكانت الحمارة قد وضعت قائمتيها الأماميتين في الماء كالعادة ولكن هذه المرّة لم يعجبها أن تشرب من أوّل البركة بل خاضت في الماء أمتاراً، وزيادة في الطين بلّة كأنّ أحداً حلّ ربطة الخيشة وهرَّ القمح في الماء. وانصدم الحاج مصطفى، ورفع يديه بعصبيّة نحو السماء مخاطباً الله وقال: "قلتلّك حلّها وافرجها ما قلتلّك حلّ الخيشهْ"!. 


 3 (حذاء القمر)  

في سنة 1973 وكنت ملتحقاً بثانويّة بنت جبيل ـ عروس الجنوب، قال ابراهيم فوعاني، وعند الظهر، كنّا نأخذ فرصة ساعتين، من الثانية عشرة إلى الثانية ظهراً. ومرّة وكان يوم خميس حيث يُقام سوق الخميس الشعبي في بنت جبيل كنت أمرّ بمحلّ أحذيه بين سوق اللّحم وسوق الغلّة والبالة عند أسفل درج لا يزال قائماً، وكان داخل المحلّ الصديق أحمد غول بصحبة أبيه الذي كان قد وعده بحذاء جديد، ووفى بوعده، وكانا يعاند أحدهما الآخر أمام صاحب المحلّ الذي كان يزن فوق 120 كلغ، وله كرش ـ بطن كبير، وكان جدّي يمازحه فيضع يده على بطنه  ويقول له: "شو؟ أيمتى بدّك تخلّف"؟. وكلّ أهل كونين يتعاملون مع صاحب المحلّ الطيّب هذا بالذات. وأصرّ أحمد غول على حذاء له كعب عالٍ، وكانت الموضة هي الكعب العالي، وكان أبوه يحبّذ حذاء عاديّاً يحمله وينصح به إبنه باعتباره "متين" و"بِيضَاين" ـ يدوم، وما من فائدة حيث أصرّ أحمد وقال لأبيه بعناد: "أريد هذا الحذاء أو لا أريد شيئاً"، فغضب الأب وأمسك بحذاء الكعب العالي ورفعه عالياً وقال: "لوين بدهن يرفعوا الزلمي ـ الإنسان ـ بعد؟ عالقمر"؟. 


4 (الشيخ علي)     

ورواية يزيد عمرها على سبعين عاماً، كان الشيخ علي ياسين هو مؤذّن كونين، ويؤذّن "يدويّاً" حيث لم تكن كهرباء وميكروفونات إلى الستّينات من القرن العشرين. كان الشيخ يصعد الدرج إلى مئذنة الجامع ويقوم بتأدية الآذان، وكما تعرف فالحال في ذلك الوقت، ولكلّ مزارعي جبل عامل،   سواسية تقريباً، كان بائساً، أي الجميع في مستوى واحد، إلاّ الشيخ علي فقد كان الأكثر فقراً لأنّه كان كفيفاً وزوجته مثله كفيفة وقد رزقهما الله خمس بنات "مفتّحات" إنّما لم يرزقهما صبيّاً. وللإستعانة على الحياة افتتح الشيخ علي دكّاناً صغيراً ولا مصدر رزق له ولأسرته غير هذا الدكّان  المتواضع جدّاً. وحدث أن اتّفق بعض الشباب "الشلمسطيّه" على سرقة الدكّان، ورسموا الخطّة، ولعبوا بعقل عبد الحسين طعمة الذي كان أصغرهم سنّاً، واستطاعوا إقناعه بدهاء، وبسّطوا له الأمر باعتبار أن الشيخ يثق به، وقالوا له بوجوب الذهاب للدكّان وشراء أي شيء، وأن يتحيّن الفرصة ويتّجه إلى باب الدكّان ذي "الدرفتين": الأولى متحرّكة  والثانية ثابتة، ومهمّته فقط أن يخفض قفل "الدرفة" الثابتة من الداخل  ففعل. وعند منتصف الليل جاء دور "فوج المغاوير" الذين "دفشوا" ـ دفعوا الباب ـ وفتحوه بسهولة، ونهبوا المحتويات عن بكرة أبيها. وعندما طلع الصباح لم تسكت شهرزاد وخاضت في الكلام المباح، وانكشف المستور وضجّت الضيعة لهذا العمل الأرعن، ومن جهتهم فإنّ أفراد العصابة أظهروا أنّهم أشدّ الناس إستنكاراً لما جرى أو حصل، وكان قائد العمليّة هو أبو مصطفى، يصيح غضباً وأسفاً، ويصول ويجول، ويتقدّم ويتأخّر، ويصفّق، بعدما يرفع كفّيه نحو السماء ويقول: "يا ويلكم من الله يا أهل كونين"!. وكان عبد الحسين طعمة واقفاً مع الناس يراقب مندهشاً  ولا يصدّق غرابة أفراد العصابة. وندم على فعلته أشدّ الندم ولكن ظلّ الأمر سرّاً حتى تقدّم في السنّ وقرّر أن يذهب الى مكّة حاجّاً بيت الله الحرام، وذهب إلى إمام البلدة السيّد محمد باقر إبراهيم وروى له تفاصيل التفاصيل، وخمّن السيّد قيمة المسروقات مع احتساب فارق الزمن، فالأسعار تتغيّر، ودفع عبد الحسين المبلغ الذي تمّ توزيعه على الأكثر عوزاً في كونين عن روح المرحوم الشيخ علي ياسين. 


5 (بين السمرا والبيضا) 

 اشتبكت إثنتان بالغناء إحداهما سمراء وثانيتهما بيضاء، وكلٌّ منهما تُظهر محاسنَها ومعايبَ الثانية. وأخيراً قرّرتا الذهاب إلى القاضي ليبتّ في أمرهما ويقضي للأجمل. ويبدو أنّ القاضي فاسد، فيقضي للبيضاء التي تشير إليه بيديها خفيةً أنّ حزمة كبيرة من المال بإنتظاره إذا قضى لها. وكان حسين عبدالله "أبو فوزي" رحمه الله، وهو رجلٌ "فاكهة" بتعبير كامل مسلماني "أبو محمّد" ورجلٌ "فاكهة" مثل كلّ آل طعمة في كونين بتعبير شاهر مسلماني "أبو شوقي"، كان يغنّي هذه الأغنية وهو بالجزمة الطويلة والخيزرانة، "وْعمْيرقص"، وكلّ من في العرس كورس له فَرَحاً وضحكاً وتصفيقاً: "بين السمرا والبيضا \ صاير خِلفه قويّه \ السمرا بتقول للبيضا \ لي عندك مشروعيّه". وتقول السمراء: "أنا السمرا السمّوره \ بْناغي متل العصفوره \ يا بيضا يا مصفوره \ يا ليمونة المهريّه". وتقول البيضاء: "أنا ماني ليموني \ كلّ الشباب حبّوني \ يا سمرا يا مجنوني \ كبّاشك متل الجنيّه". وتقول السمراء: "متل الجنيّه كبّاشي \ بيخضع لي أمر الباشي \ عيونك متل الرشّاشي \  وْبينزّوا دايماً مَييّ". وتقول البيضاء: "متل الرشّاشه عيوني \ لكن حلوه ومزيوني \ قماشةْ وجّك مدهوني \ بزفت المركبجيّه". وتقول السمراء: بالزفت طاليتيني \ يا بيضا يا لعيني \ لونك متل الشنّيني \ وبْيمصل باللبنيّه". وتقول البيضاء: "اللبنيّه مأكول الناس \ ما هي زفت الأقرع راس \ يا لونِك أسود أغباس \  كأنِّك مشحرجيّه". وتقول السمراء: "مشحرجيّه وغندوره \ ومن وجّي تهلّ بْدوره \ يا بيضا يا مصفوره \ يا حوّارة البريّه". وتقول البيضاء: "أنا ماني حوّاره \ وجّي عالقمر طاره \ البيضا ستّ القمارا \ والسمرا خزمتشيّه". إلى أن تقول السمراء والبيضاء معاً، وقد اتّفقتا أن تحتكما للقاضي: "إيدي وإيدِك عالقاضي \ تنكفّي المشروعيّه". وتقولان: "يا قاضي السلام عليك \ نحنا بأرواحنا بنفديك \ ما تحكيلناش هيك وهيك \ واشرح بالحق سْويِّه". ويقول القاضي: "السلام بردّ عليكن \ ذبحتوني بعينيكن \ إحكوا أنا بين ديكن \ بْرايات المعنويّه". وعندما يعجز عن التميّيز أيّهما أجمل يقول: "والمعاني بْراياتي \ اسمعوني يا بناتي \ السمره رجوة حياتي \  البيضا رجوة عينييّ". وتقولان: "ما بدّها رجوات عيون \ إحكي كلامك عالقانون \ مين اللي فازت بالكون \ ع الستّات المخبيّه"؟. فتشير له البيضاء، بيديها، من وراء ظهر السمراء، كما أشرنا، أنّ شيئاً "محرزاً" بإنتظاره، فيسارع ويقول ناطقاً بالحكم النهائي: "بحكي كلامي عن أكيد \ لا بنقّص فيه وْلا بْزيد \ البيضا بْتضوّي لبعيد \ متل الشمس المضويّه". فتغضب السمراء وتقول للقاضي المغشوش: "إمشي أقعد ع الحفّه \ ما بتفهم ولا نتفه \ تاكلّك هاك اللفّه \ بتطلع دورة أرضيّه". ويطلب القاضي من البيضاء أن تفيه ما وعدته، فتستنكر أن تكون قد وعدته بشيء، وتقول إنّها كانت تشير بيديها لينتبه أنّ له "قِرق" فقط. 


6 (الضبع الخائب)    

عبد الحسين طعمة "أبو منير"، وقد بلغ سنّ الرشد، بدأ يحبّ ويعشق، وكان يحضر عرساً بمفرده في بلدة برعشيت المجاورة، وانسجم حتى تجاوزت الساعة العاشرة ليلاً، وقرّر أن يعود الى كونين سيراً على الأقدام، ولم تكن سيّارات في ذلك الزمان، وحاول أصحاب العرس ثنيه وإقناعه أن يبقى ويبيت عندهم لأنّه إذا كان وحيداً قد تعترضه الضبع، فلم يكترث. وبينما هو يسير في الطريق وإذ ضبع، لسوء الحظّ، تعترضه، ومن حسن الحظّ في آن كانت شجرة قريبة، وتسلّقها بأسرع من لمح البصر، وبقيت الضبع تنتظر تحت الشجرة علّ وعسى تزلّ قدمه ويقع، ولكنّ عبد الحسين لفّ ذراعيه حول أحد الأفنان و"تجربَد" ـ استمسك بقوّة ـ وأمضى الليل الطويل هكذا: مفتّح العينين، حابس الأنفاس، مشدود الأعصاب، مرعوباً ومتعباً. أخيراً بدأ بزوغ الفجر وبدأ رحيل "العتم"، وتنفّس عبد الحسين الصعداء. ولشعورٍ بالثقة والأمان  تدبّر وبال على الضبع. وبدأ الفلاّحون يتهافتون إلى الحقول، وخافت الضبع، وهربت خائبة، ونزل عبد الحسين وهنّأ نفسه بالسلامة. 


7 (ثورة الجرّة)  

في أوائل العقد الثاني من القرن العشرين كان آل الزين يشكّلون عصب كونين، وكان بعضهم  للأسف في آخر أيّامهم من المتسلّطين، ولم تكن في ذاك الزمان مياه شفة، وكانت "العين التحتا" هي المصدر الوحيد المتوفّر لمياه الشرب، وهذه العين لها تاريخ، وجعل آل الزين ناطوراً على هذه العين في صيف جفاف فظيع. وحدث أن أرسل حسين شبلي، جدُّ المرحوم شبلي، ابنتَه إلى العين لكي تملأ الجرّة ماءً، فرجعت خائبة، ولكي يرضى الناطور طلب حسين شبلي من ابنته أن تعود إلى العين وقد حملت سلّة تين وعنب هديّة، فأخذها الناطور وسمح لها بجرّة ماء للشرب، ولمّا امتلأت كسرها عامداً متعمّداً، فرجعت وأطلعت والدها على ما كان، فاهتاجت الضيعة من هذا الإستكبار، وذهب وفد، وبجرأة، إلى بلدة تبنين، مشياً وراكبين الدواب، حيث مكان الحاكم التركي، وعرضوا عليه مظلمتهم والألم والشرر في أعينهم، ولغاية في نفس هذا الحاكم، فقد استقبل مظلمتهم أيّما استقبال وأرسل عسكراً إلى كونين أجلوا منها آل الزين أجمعين، مع تهديد وهو إذا رجع واحد منهم يوماً إلى كونين في حياته فإنّ الحاكم سيمحيهم من الوجود ويمحي معهم حتى حرف "زين" في القرآن الكريم.  خافوا خوفاً شديداً، ولم يعد حقّاً أحد منهم إلى كونين سوى المرحوم حسين وأخوه المرحوم صادق حيث اختبآ في بلدة برعشيت المجاورة ورجعا إلى كونين، عند أوّل فرصة شوقاً وحنيناً وقد "غطّى" ـ تستّر ـ عليهما أبناء البلدة لأنّهما كانا "كويسين" ـ لطيفين ـ محترمين ـ بعد أن غيّرا كنية الزين إلى أيّوب، ومن سلالتهما في أيّامنا أحمد الحاج حسين طالب "أيّوب" وشقيقته خديجة حسين طالب "أيّوب"، وطالب هو إسم الجدّ. 


8 (حيّة وهميّة)     

كان المرحوم الحاج محمد قاسم فوعاني مريضاً فقرّر أصدقاء له، وذلك ستينات القرن الفائت، أن يعودوه في "السهرة" وهذا ما كان. وشاءت خديجة الحاج حسين طالب الشهيرة بالمقالب أن "تلعب" معهم، وهم في طريق العودة إلى بيوتهم، إحدى ألعابها الشهيرة حيث أحضرت عقالاً قديماً أسود اللّون وجعلته على الأرض ملتوياً على شكل يشبه الحيّة وذلك تحت شجرة "بطن" ـ بطم ـ كبيرة، صاحبها هو عبد الهادي بلّوط، والمرور تحت هذه الشجرة إجباري، ويا للأسف فإنّ هناك من قطع هذه الشجرة العتيقة زمان الاحتلال الإسرائيلي للشريط الحدودي اللبناني مع فلسطين المحتلّة، والمهم إنّ "الإخوان" رجعوا وكانوا يتحدّثون مع بعضهم البعض في الليل المقمر بصوت مرتفع قليلاً وربّما خوفاً من قوم الجنّ الذين لا يحبّون الضوضاء لا من قريب ولا من بعيد.. فيفرّون، وما أن اقتربوا حتى بدأت خديجة الحاج حسين، ومن مكانها حيث تختبئ، عمليّة جذب الحبل المربوط بالعقال، رويداً رويداً، وعندما وقعت أنظارهم على الحيّة الوهميّة التي تتحرّك تصارخوا: "حيّه حيه". وبدأوا بمراشقتها بالحجارة، وخديجة الحاج حسين تستمرّ بجذب الحبل حتى شاهدوها تمسك بالطرف الآخر وهي تقف على مهل وتنظر بإستعلاء غريب إليهم!. 

 

9 (حرام عليك!)   

 وفي الأربعينيّات من القرن العشرين كان مختار كونين هو الشيخ عبد الحسن حمّود والد المرحومين: موسى وجواد، والمشيخة له اعتباريّة وذلك لِسِعة عقله واتّساع صدره، وكان "صاحب بيت" وكريم النفس جدّاً. وكان له صديق بيروتي متموّل من آل الكردي يرتدي "قمبازاً" ـ ثوباً طويلاً و"طربوشاً" أحمر اللون، استضافه الشيخ أكثر من مرّة، فأحبّ كونين وأحبّ أهلها، واشترى فيها "كذا" قطعة أرض. ومرّة جاء إلى كونين مصطحباً زوجته البيروتيّة، وعند المغادرة عائداً إلى بيروت بالبوسطة ـ الحافلة الكبيرة ـ وقفتْ له خديجة الحاج حسين طالب ومعها طفلها يبكي وصرخت في "مقلب" من مقالبها الغريبة: "لوين رايح؟، لمين تارك إبنك؟، حرام عليك"!. وأُصيبت الزوجة البيروتيّة بالذعر، وأقسم زوجُها الكريم أنّه متّهم مظلوم، وبالطبع من دون جدوى. وأخيراً باع الأراضي التي سبق واشتراها وانقطع عن كونين، و"هيداكْ يوم وْهيدا بَدَاله". 


10 (عرب الحمدون)  

قرّرتْ خديجة الحاج حسين طالب صاحبة المقالب وهي في زيارة مسائيّة إلى أمّها أن تعمل مقلباً بزوجها أبي العبد، واتّفقت مع شخصين وهما شقيقها أحمد الحاج حسين وعبد المعين عناني. وعندما شارفت الساعة العاشرة ليلاً، تقريباً، دقّت ساعة الصفر. وتلثّم أحمد الحاج حسين وطرق الباب وغيّر لهجته وقال: "نحن عرب الحمدون نريد خبزاً". فأعطاه أبو العبد ممّا في اللّكن (وعاء معدني كبير يُحفظ فيه الخبز). ثمّ وضع أبو العبد أذنه على الباب وسمع صوت زوجته خديجة الحاج حسين تقول لعبد المعين: "أدخل إنت وقل له الخبزات ما بيكفّو بدنا (نريد) بعد". واستعدّ أبو العبد، حيث أحضر قضيباً معتبَراً. وقُرِع الباب مجدّداً، وكان عبد المعين ملثّماً، وتكلّم وقد غيّر لهجته أيضاً، وتلقّى الجواب الذي لن ينساه ما عاش يوماً، حيث انهال عليه أبو العبد بالضرب المبرح. وفشلتِ الخطّةُ فشلاً ذريعاً. 


11 (قصّة الغزال)    

تزوّج حسين عبدالله "أبو فوزي" من نهلة وبيتها الآن بين بيت علّوش وبيت محمود نعمة طعمة، وفي أوّل أسبوع من زواجه اصطاد أحد أبناء الضيعة غزالاً واشترى أبو فوزي منه لكي يتغذّى ويكون دفْع الثمن في ما بعد. وعند المغرب بدأ يشوي ويأكل هو ونهلة التي كانت تضع الحمرة والبودرة والكحل و"داحشه حالها بزوجها مبسوطه"، وخلال لحظات الانسجام إذ الباب يُطرق ـ انزعج حادساً وقال بصوت فيه نبرة: "مين"؟، فقال: "أنا فْلان بدّي حقّ اللّحمه"، فقال له أبو فوزي: "لمّا ناكلها منعطيك حقّها"، فقال وهو يتلصّص عبر شقّ صغير في الباب العتيق: "شايفك عم تعلك"!. 


12 (شمس العروس)  

تزوّجتْ حمدة خنافر "أمّ محمّد" التي هي أصلاً من بلدة عيناثا المجاورة لبلدة كونين وذلك في سنة 1955 من عمّي كامل علي محمّد أسعد أمين مرعي رزق شلالا مسلماني، و"زفّوها" على فرس، وكانت العادة أن يجرّ ناطور البلدة فرسَ العروس، وكانوا يعطونه بدل عمله هذا "تيّاراً" هو "إشارب" ثمين يُلفّ به عنق الفرَس. وهناك "حوربة" ـ أغنية أنشدها في الزفّة حسين عبدالله "أبو فوزي" نادرة: "يا شمس دَلّي حبالِك \ وتأمّلي بحالِك \ بالجوّ ما عاد لِك سكونْ \ طلعتْ عروس قبالك". 


13 (المطربة صباح)    

كانت المرحومة الحاجّة "أمّ حسين" وذلك في ستينات القرن العشرين تحلب "الغنمات والعنزات" في الإسطبل ـ و"عيّطلها" ـ ناداها ـ زوجها المرحوم جميل مسلماني قائلاً: "عجلي اطلعي يا إمّ حسين، صَبِيحْ (المطربة اللبنانيّة المشهورة صباح) عمبتغنّي"، فقالت، وانتظاراً، ولكي لا يفوتها شيء من غناء "الصبّوحة": "هيّاني جايي، أطفي الراديو وانْطرني ـ انتظرني"!. 


14 (شخير "ورِّ" البقر)    

قال عبد طعمة "أبو عبّاس" إنّه أيامَ الشباب اتّفق مع "بنت" أن يلتقيا في حاكورة (قطعة أرض) هي للشيخ عبد، وكانت مزروعة قمحاً أستراليّاً طويلاً، بحيث يختفي بداخله الجمل، كما يُقال تعبيراً عن حال، ومقابل أن "يستمسك" بها وعدها بعلبة "راحة" ـ حلويات ـ وذلك بعد أن يؤذّن الشيخ علي آذان المغرب. وتحمّم عبد طعمة وحلق لحيته وذهب الى الحاكورة وجلس وطال إنتظاره، "وْصارْ يغفلْ وِيفِيقْ"، وتكرّر ذلك، وأصبحت الدنيا ظلاماً شديداً، وفي هذه الأثناء خرجت زوجةُ أحد الجيران من آل رشيد وجاءت إلى الحاكورة كي تبول، على عادة أهلنا قبل اكتشاف المراحيض، وأنتَ تعلم أن "الحرمه" عندما تريد أن تبول فـ "السايب" (لا حسيب ولا رقيب) له "شخير" مثل "ورِّ" البقر، فسمع عبد طعمة هذه "النغمات" فظنّها لحبيبته، همس وقال: "أنا قاعد هون ليش قعدتي عندك"؟!. فهربتْ خوفاً وهي تبول. وفي الصباح سرتْ "دعاية" إن حاكورة الشيخ عبد فيها: جِنّ!. 


15 (كاديلك سوداء)  

حسين عبدالله "أبو فوزي" كان من أوائل الذين اقتنوا سيّارةً في كونين ـ خمسينات القرن العشرين وهي من نوع "كاديلك" سوداء "مِنْ هَل طوالْ، موتورها خربان، بْتمشي ع الدفش ـ الدفع، أشكمانها مخزوق، وبْتهدر". ولم يعدم من يغنّي له في ذلك العصر والأوان: "بُو فوزي جايب سيّاره \ بْتهدر متل الطيّاره \ بالطلعه شِدّوا يا ولاد \ وبالنّزله حطّوا حجاره". 


16 (الزيّات المحبوب)  

وقبل سنة 1967 كان يأتي إلى كونين بائعو زيت من بلدة بنت جبيل  يحملون الزيت في "جالونات" ـ حاويات حديد ـ على البغال، وكانت لديهم أوعية من تنك يطلقون على الصغيرة منها تسمية وهي "يقّة" وعلى الأكبر "يقّتين" وهكذا، وهي أوزان قديمة. وخلال حرب "67"، وكانت الظروف صعبة أيضاً، رفض "الزيّاتون" بيع عوائل محتاجة أو فقيرة بالدَّين باعتبار أنّ "الدنيا حرب" ولا أحد في الحرب يبيع دَيناً أو قرضاً سوى "أبو نمر الحوراني" فقد غامر ووافق، وكسب ثقةَ وحبَّ أهل كونين الذين لم يتعاملوا من بعدُ مع أحد غيره. 


17 (كونين الجنوب)  

كانت لقية تصدح بها حناجر أبناء كونين في الخمسينات من القرن العشرين إذا تفاخروا، وهي واحدة من محفوظات الحاجّة عطوفة عقيل مهنّا "أمّ محمّد" زوجة الحاج عبد اللطيف محمود مهنّا: "إحسانها بسكّانها \ وعنوانها عَنّا ينوب \ كونين ضمْن كْيانها \ فازت على كلّ الجنوب"!. 

Shawkimoselmani1957@gmail.com 


وَأعذبُ الوَصلِ/ الدكتور حاتم جوعيه



    لقد أعجبني هذا البيت من الشعر المنشورعلى صفحة أحدِ الأصدقاء في الفيسبوك :

وأعذبُ الوَصلِ وَصلٌ كنتَ تحسبُهُ  =  من  المحالِ  فأضحَى صُدفة  قدَرَا


   فنظمتُ هذه الأبيات الشعريَّة ارتجالا وَمُعارضة له :

العاشقُ الصَّبُّ يهوَى الليلَ والسَّهَرَا     وفي الدُّجَى كم يُناجي النَّجمَ والقمرَا

إنَّ   المُحِبَّ   الذي   دامَتْ   مودَّتُهُ     يبقى على العهدِ  مهما أبعَدَ  السَّفرَا

الحُبُّ   نورٌ  بهِ  الأرواحُ  فاتّحَدَتْ     أضحَى المُحِبُّ ملاكًا  لم  يعُدْ بَشرَا

وَأعذبُ   الوصلِ  قد  يأتي  مُفاجأةً     من  دونما  موعدٍ  كم  نشكرُ القدرَا   

يبقى  البُعادُ  جحيمًا  للألى  عشقُوا     وفي الوصالِ تحدُّوا الهولَ والخطرَا

العاشقون  همُ  النّبراسُ  قد  وَهَبُوا      حياتهُمْ  لم   ينالوا  التّبرَ  أو  دُرَرَا

وَعالمُ الأرضِ عنهُ الشَّهمُ  في  بُعُدٍ      وَعالمُ  الروحِ   فيهِ  يبتغي  الثَّمرَا

وهذهِ  الارضُ  بالأدرانِ  قد  مُلِئَتْ      الرّجسُ فيها  وفيها الشّرُّ قد  زأرَا 

وإنَّني    عالمُ    الأبرارِ    مُنطلقي      أنا  لربِّي  وَمهما  أكثرُوا الضَّرَرَا 

وَعاشقٌ  في  فضاءِ  الكونِ  مُؤتلِقٌ      دومًا  أظلُّ   بُرُودَ  الطهرِ  مُتّزرَا

بجنّةِ   الخُلدِ   إنَّ   الروحَ   هائمة ٌ     وليستِ الأرضُ يبقى الظلمُ مُنتشِرَا  

وفوق أرضٍ طغتٍ لا يستحقُّ حيا       ة ، جنَّة الرَّبِّ  تبقى الحُلمَ والوَطرَا


طريقنا الثالث يمر في "قصبة كركور"/ جواد بولس

 


ما زالت الاحتجاجات الشعبية ضد حكومة بنيامين نتنياهو مستمرة؛ وعلى الرغم من أنها قد تبدو، للمراقبين من بعيد، كحركة ثابتة النبض والتأثير، إلّا أنها في الحقيقة ليست كذلك. فإن عدنا إلى بدايات تلك الاحتجاجات وقارناها مع ما نشاهده في هذه الأيام، سنجد الفوارق كثيرة وأهمّها ما بدأت تتناقله فضاءات تلك الاحتجاجات ازاء مفهوم الديمقراطية، والتفات قطاعات واسعة من القوى المشاركة فيها الى أبعاد جديدة لحقيقة التغيير المنشود في السياق الاسرائيلي الحالي، واكتشافهم بأن الالتصاق بقشرة شعار الديمقراطية وحده لن يحررهم من أهوال نظام الحكم الذي خرجوا للشوارع ضده. ولكي يسقطوا هذه الحكومة ويعيدوا بناء اسرائيل الديمقراطية لا بدّ لهم من تطوير وسائل نضالية مبتكرة، وسكب مضامين جديدة في عروق مواجهتهم للحكومة وأحزابها.

لا أقول هذا من باب التمني وحسب بل من قراءتي ومشاهدتي لتداعيات المشهد السياسي الاسرائيلي وما طرأ عليه من تصعيد متبادل بين المعسكرين في الأسابيع الأخيرة. فمن جهة نرى مثابرة مئات آلاف المواطنين اليهود على الاحتجاج واصرارهم على اسقاط "طغم الفساد والعنصريين والفاشيين والمدانين الجنائيين" ومن جهة اخرى نرى تحشيد الشرطة لعناصرها ولفرق حرس الحدود وكتائب أخرى من أجل قمع المتظاهرين والاعتداء عليهم بعنف أدى إلى إصابة واعتقال العشرات منهم. ما نراه اليوم في شوارع المدن الاسرائيلية وعلى مفارق الطرق الرئيسية لم نره من قبل، وصور المواجهات وارتفاع منسوب الكراهية بين المعسكرات تنبئ بالآتي، وتمدد المظاهرات لعدة مواقع جديدة وانضمام شرائح وازنة لها، خاصة من سلاح الطيران والقطاع الصحي وغيرهم، ولغة المتظاهرين وشهاداتهم حيال قمع الشرطة لهم وحقدها عليهم، تعيد البعض، بشكل عفوي وطبيعي، لأصول هذا العنف الاسرائيلي ومنابته، وهي الاحتلال والسياسة العنصرية. لم يكن هذا الربط ، مع بداية الاحتجاجات، واضحًا ومفهومًا بشكل ضمني عند أكثرية المحتجّين، بيد أنه تعرّى بالتدريج أمام بعضهم مع اشتداد المواجهة وسقوط جميع اقنعة الاضطهاد والعنصرية وتكشف انياب الفاشية التي لا تقبل حليفًا حتى باليهودي الصهيوني، ما دام لا يتوافق مع مخططها ولا يطيع أوامر وعقائد أربابها.

تمتلئ الصحف العبرية ومنصات التواصل بمقالات الرأي وبالشهادات حول مخاطر حكومة اليمين الحالية، وتزخر بالاخبار التي تنقل الأحداث على حقيقتها. ورغم كثرة هذه المواد ساشرك القراء بخبر ظهر بعنوان بارز لفت انتباهي في جريدة "هآرتس" العبرية يوم  الاربعاء الفائت؛ اذ تطرق الخبر لمظاهرة جرت على مفرق "كركور" - وهي مدينة صغيرة تقع بين مدينتي حيفا والخضيره - خلال احداث ما أسمته قيادات الاحتجاج بيوم "الغضب والتشويشات ".

نقلت الجريدة بالبنط العريض تفاصيل حادثة، قمعت فيها عناصر الشرطة والامن بالعنف مظاهرة شارك فيها ألفا مواطن يهودي. اختارت الجريدة عنوانًا لافتًا للخبر أفاد، كما وصفت احدى المشاركات في المظاهرة، أن الشرطة "جاءت  كي تسيطر على "قصبة" كركور ، فاعتقلوا ستة عشر متظاهرًا وجرحوا سبعة". سيمر معظم القراء على هذا النبأ دون أن يعيروه اهتمامًا خاصا، وكنت أنا سأفعل مثلهم لولا خصوصية هذه الأيام وكيف تجري عملية تشكل مواقف المواطنين في اسرائيل وماذا يؤثر عليهم. لقد استعارت هذه الناشطة من قاموس الاحتلال، سواء عن وعي او بدافع من عقلها الباطني، تشبيه "القصبة" وأسقطته على بلدتها بكل ما يعكسه ذلك عن حالة تكوين جديده يمر بها عقلها، ستجعلها تقف في المستقبل القريب على ضفة الصراع الصحيحة والى جانب عالم القيم السليمة. انها تعرف كيف كان "اخوتها في السلاح" يتصرفون ضد المواطنين الفلسطينيين الساكنين في قصبات المدن الفلسطينية، وهي الاحياء القديمة المكتظة بالفقر وبالفلسطينيين، التي يقتحمها الجيش الاسرائيلي بوحشية ويعيث فيها الدمار والدم. وهي تعرف ان تشبيهها لهجوم الشرطة على المتظاهرين اليهود هو غير دقيق وغير صحيح، فشتان بين الثمن المدفوع من قبل الضحايا في الحالتين، لكنها بلجوئها لهذا الكلام أرادت أن تؤكد، لنفسها أولا ولمن يقف معها في نفس الخندق، ان الشر منبته واحد، وان العنف أبوه واحد وأن قصّابًا في نابلس لن يكون بائع ورد في الخضيره او في صندلة أو في كركور. قد يرغب البعض بتقزيم النبأ، وقد لا يولوا  الاستعارة، كما وردت على لسان ناشطة بلغة غير مألوفة من قبل، أي رعاية واهتمام، لكنني مقتنع انها حالة لافتة، رغم صغرها؛ فالأمور الكبيرة قد تبدأ بأفعال صغيرة، خاصة اذا كانت المسألة تتعلق بعملية تغيير شيفرات مسمّة زرعت في ذهون قوم وكانت المسؤولة عن هندسة الاحتلال وحمايته وتزيينه بكل الذرائع والمسوغات. هذه الناشطة ليست وحيدة، فالحديث عن الاحتلال كمستنقع تنمو عليه جميع شرور اسرائيل صار مباحًا ومسموعًا في العديد من المنصات والمنابر ولن يضيرنا لو تابعنا مناحيه، وانتبهنا ان بعض من كانوا اعداءنا تحوّلوا وصاروا قربنا وسط سيل غاشم. تريد الشرطة من خلال لجوئها الى القمع والعنف أن تردع هؤلاء المتظاهرين وأن تهزمهم ، وتتمنى أن تأد هذه الولادات وهي في مهودها وقبل أن تتعاظم. وهم، المتظاهرين، هكذا جاء على ألسنتهم في الخبر المذكور، لن يرتدعوا ولن يضعفوا؛ بل على العكس تماما ، فكلما زادت الشرطة من عنفها ازدادوا صلابة واصرارا؛ أو كما صرّحت تلك الناشطة لجريدة هآرتس بأنها "غير معتادة على العنف" ثم أضافت، وكأنها تكشف لنا من أين سيأتي الوجع والخوف: "ولكن أن ترى كيف بلحظة تتغير عينا الشرطي الجيّدتان ويصبح الشرطي ظالما فهذا أمر مخيف. لقد وجه الشرطي، سائق سيارة رش الماء، خراطيم سيارته نحو الشيوخ والنساء والاطفال عندما كانوا يقفون على الرصيف. كان دفق الماء قويًا وكافيًا للتسبب بجروح لا تشفى الا بعد شهور . قلبي ينزف، لانك في مثل هذا الحادث تستوعب ماذا سيكون هنا غدا، في الصباح".  تخاف هذه المرأة اليهودية الصهيونية من الغد لأنها تعرف أنه اذا تمكنت عناصر هذه الحكومة وجيوشها من هزيمة معارضيها،  ستتخلى عن خراطيم الماء التي لن تطفيء نهمها. هي تخاف من الغد وتحارب كيلا يأتي هذا الغد، ومثلها يفعل الكثيرون  من جميع قطاعات وشرائح المجتمع الاسرائيلي؛ فأين نحن، المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل، مما يحصل، ونحن سنكون أوائل ضحاياه المؤكدين؟ 

لا أعرف إذا كانت أية جهة بيننا تملك الجواب، أو اذا كانت قادرة ومعنية بايجاد الجواب؛ فمعظم من تطرقوا الى ما يجري في اسرائيل ومخاطره المباشرة علينا، فعلوا ذلك من باب تشخيص الحالة ومسبباتها ونتائجها، وانتهوا باجماع على ضرورة مواجهة هذه الحالة، لكنهم لم يقترحوا  كيف.

لقد قرأت حول هذه المسألة مؤخرًا مقالين لافتين لاثنين من أكاديميينا المميزين؛ وبالرغم من أهمية ما خلصا اليه وما كتباه حيال عناصر المشهد الاسرائيلي وعلاقة ذلك بنا، نحن المواطنين الفلسطينيين، لم يزودانا بالتفاصيل، وتوقفا عند أول الطريق. 

 في الثلاثين من يونيو الفائت نشر الدكتور رائف زريق مقالًا على صفحته بعنوان "احتلال كولونيالي للقانون" ،وفيه يقدم تحليلا وافيا وعميقًا عمّا يجري، وقراءة في طبيعة الحدث الاسرائيلي المتمثل في مسعى نتنياهو لتغيير طابع الدولة. وبعد ان يأتي على ذكر وجود موقفين ازاء المظاهرات التي تجتاح المدن الاسرائيلية، بين معارضين لها ومؤيدين بشروط ، يتساءل بدوره فيما اذا يوجد طريق آخر؟ ويجيب على ذلك بالإيجاب فيقول:

".. واذا كان اليمين الفاشي يسعى لمصادرة ما تبقى من الحد الادنى من الحريات والضمانات القانونية، واذا كان المركز يسعى للحفاظ على الوضع الراهن بما يضمن الاحتلال والاستيطان والفوقية اليهودية، فان دور الفلسطينيين في اسرائيل هو طرح بديل ثالث يسعى لتغيير الوضع الراهن نحو اليسار او نحو مشروع ديمقراطي يربط الشكل بالمضمون ويربط سؤال الديموقراطية بسؤال الاحتلال وسؤال الداخل بسؤال الخارج .. فعلى الفلسطينيين أن يتحولوا الى القطب الديمقراطي الحقيقي في المعادلة." كلام مهم ولكنه غير كاف؛ فكيف عليهم أن يفعلوا وذلك؟ ومن سيأخذهم نحو ذلك الطريق الثالث ؟ وفي أية  ظروف وشروط ؟وتحت أي مظلة ؟ وما سيكون زادهم وما وجهة دعائهم ؟  العناوين والخطوط العريضة والمبدئية هامة، لكنها لن تصبح قوارب نجاة، اذا لم ترفق بالتفاصيل فكم مرة قتلتنا التفاصيل!

 أما كاتب المقال الثاني فهو الدكتور سعيد زيداني الذي نشر على صفحته في السابع من هذا الشهر مقالة بعنوان "فيك الخصام، وأنت الخصم، لا الحكم" ، واستعرض فيها باسلوبه المميز تفاصيل الحالة الاسرائيلية ووضعنا كمواطنين نعاني في اسرائيل من سياسة الاضطهاد وتفاقم حالات العنف والقتل، حتى وصل الى خلاصتها فيقول: "يعرف العارفون أن طريق نضالنا من اجل المساواة التام في الحقوق طويل وشاق ومتعرج.. ويتطلب قيادة حكيمة وقادرة على بناء تحالف داخلي، واسع وحاوٍ ، وعلى تجنيد الحلفاء/الشركاء بدون تحفظ، وكذلك على تحديد او اعادة تحديد الاهداف والاولويات وطرق ووسائل النضال.. ان الرد المنشود يتطلب بناء هذا التحالف الداخلي تماما كما يتطلب تصعيد النضال الشعبي وباسناد من الحلفاء الشركاء المعنيين من الطرف الآخر من اجل الدولة المحايدة، دولة جميع مواطنيها الدولة الملتزمة بمحاربة الجريمه ". كلام هام وجميل لكنه يبقينا أيضا على تخوم التيه ومن دون خارطة طريق.

انا على اعتقاد ، وفق معطيات الحاضر ، ان طريقنا الثالث يمر في "قصبة" كركور ..