الادب كرسالة انسانية: قراءة في قصيدة هل نحن من البشر؟! للشاعرة: سرْوَي بَيان، أربيل، كردستان العراق/ كريم عبدالله


الأدب رسالة انسانيّة , والرساليّة مهمة في الشعر وقد تكون رسالة جماليّة فنيّة أو رسالة اجتماعية , فالرسالة الجمالية الفنية تعني الغوص في تجربة الشاعر عميقا بينما الرسالية الاجتماعية تعني كل ما يكون خلف النصّ من رسائل وبوح . وتظهر ملامح الرساليّة الاجتماعية بأشكال مختلفة كـ / البوح التوصيلي / والبوح الأقصى / والبوح التعبيري. فتتحول اللغة الى كمْ هائل من الإيحاءات, والرموز ,والدلالات, والعواطف والمشاعر والأحاسيس فتخترق مواطن الشعور والإحساس بالجمال , لغة مدهشة ذات فنيّة عالية واضحة , لغة قويّة مبهرة تمسّ القلب والشعور , فتتحول المفردات الى نزف مستمر بالتأوهات, والدموع والصراخ ,والصمت, والمآسي ,والبؤس, والعطش ,والهزيمة .

أنّ قصيدة الشاعرة / سرْوَي بَيان - هل نحن من البشر؟! / تبدو للوهلة الأولى قصيدة عاديّة تعبّر عن حالة إنسانية ذاتيّة عاشتها وتعيشها الشاعرة , لكن مفردة واحدة / أخوة / قلبت كيان هذه القصيدة وجعلتها قصيدة كونيّة عظيمة , هذه المفردة صنعت فضاءات واسعة من الرؤى والدلالات لدى المتلقي الإبداعي , المتلقي الذي يقرأ بروح الشاعر ويشاركه محنته وعذاباته , هذه المفردة أرتقت كثيراً بهذه القصيدة , وعبّرت عن محنة إنسانية , وابتعدت كثيراً عن الذاتيّة , وعبّرت بصدق عن واقع هشّ , وعن حيرة إنسانية وسط هذا الاضطراب والتشظّي . نعم وجود مفردة / أخوة / في هذا الموقع من القصيدة ,وفي نسيج القصيدة ,جعلها حلقة مهمة أضافة للقصيدة قوّة وتماسكاً وحركيّة استمرت داخل القصيدة , وجعلها جذوة لا تنطفئ متقدّة لا يخبو أوراها , كذلك منحتها صبغة إنسانية كونيّة , ومشهداً شعريّاً يحتكّ بهذا الواقع , ويصور محنة الأنسان وسط هذه الاحداث الكونيّة المتسارعة , لقد جاءت القصيدة محمّلة بالهمّ الإنساني , وتقطّر وجعاً كونيّا .

لنعد الى عنوان القصيدة/ هل نحن من البشر؟!/ ونقرأه بتمعن , سنجده الباب الذي من خلاله سندخل الى عوالم الذات الشاعرة, فهو جاء على شكل سؤال وتعجب, فهنا نجد القصدية المتعمدة من الشاعرة في اختيار هذا العنوان من جهة, ومحاولة توجيه سؤال الى المتلقي , وجذب انتباهه.

لقد استطاعت الشاعرة من خلال هذا العنوان مخاطبة الذات الأخرى/ أخوة/ التي تعني الأخوة الإنسانية بكل معانيها ومفاهيمها ودلالاتها ورمزيتها , الأخوة الأقرب داخل الأسرة , والأخوة القريبة داخل الوطن , والأخوة البعيد في هذا العالم الشاسع , أنّه سؤال أمرأه منكوبة ترقص مذبوحة على وجعها وغربتها وسط هذا العالم . وتبدأ الشاعرة قصيدتها بـ

 ليت نحيا بحبور

ندندن حتى آهاتنا بسرور

فقد شهدنا حتى في أبهى العصور

أعتى أهوال الحروب والفجور

لمْ نكسب حتى أكفاناً وشواهد قبور

ولا أشلاء تقتات عليها الضواري والطيور

فبدأت بـ / ليت / التي تدلّ على استحالة العيش بهناء وسلام , وكأنّ الأخطار تحدق بالذات الشاعرة في كلّ زمن, حتى وهي تدندن آهاتها والتي هي آهات شعب كامل, فقد رافقتها المحن في كل زمان ومكان, حتى في العصور التي يطلق عليها عصور التنوير والتسامح , وفي كل مكان حلّت به الذات الشاعرة, لا شيء عاد بالإمكان الحصور عليه , حتى الاكفان وشواهد القبور كانت عصية وغير متحققة , وكأن الذات الشاعرة تريد ان تقول لنا: لمْ نجد الاكفان لتواري سوءة هذا العالم , وعدد الجثث التي تساقطت في طريق الحرية , ولا شواهد قبور تكفي , ولمْ يبق من أجساد القتلى شيئاً تقتات عليه الكواسر والوحوش, أننا أمام محنة انسانية عيظمة.

 وسط هذه المحرقة الكونيّة تقف الذات الشاعرة مذهولة تبحث عن بصيص نسيان تستغيث به علّه يبعث في روحها القلقة بعض السكينة والاطمئنان , أنّه صوت الإنسانية المحطّمة والمكسورة الجناح , الإنسانية التي اغتالتها رصاصات الجريمة البشعة فاستسلمت لهزيمتها , فها هي تصرخ:

فاسمعوني يا جهابذة الدهور

مهما يكن أيُكُم:

ملكاً أم صعلوكاً

فيلسوفاً أم معتوهاً

راعياً أم وزير

ثمة ما يخالجني

ويستوقفني مراراً:

ألا وهو : لو كنّا اصدقاءً حقّاً وحقيقة

لكنّا نحمل الكروب عن بعضنا البعض

 أننا أمام صرخة انسانية وسؤال للعالم أجمع , تقف بوجه هذه الريح المسعورة التي شيّأة الذات الإنسانية, واحالتها إلى حالة العدم والتلاشي والضياع . لكن تبقى الذات الشاعرة حيّة رغم كلّ هذا الضياع والوجع والتلاشي وسط هذا اللهب المستعر. وتستمر الذات الشاعرة قائلة:

لو كنّا اخوة حقّا وحقيقة

لكانت قلوبنا تتصافح

وندافع عن ديارنا بكلّ قوانا..

لو كنا مخلصين لجيرتنا

لكنّا نسقي مزارع بعضنا البعض

في غياب بعضنا

ونظفنا حتى عقولنا وضمائرنا

من الاشواك والعفن ..

ان استخدام الذات الشاعرة الى حرف الشرط/ لو/ فهو حرف امتناع لامتناع , اي يتوجب في حصول الامر الثاني حصول الامر الاول, فاذا امتنع الامر الثاني عن الحصول , كان ذلك بسبب امتناع الامر الاول, فالقلوب لا تتصافح مادامت الاخوة مفقودة بيننا, ولا يمكننا ان نكون مع بعض نتعاون فيما بيننا ما دمنا غير مخلصين لبعضنا, ومادامت العقول والضمائر عبارة عن أشواك وعفن يسكن فيها.

 هكذا هي الروح الشاعرة نجدها توّاقة للسلام بينما الارواح تتعفن وسط هذا الاضطراب والهزيمة . وتعود مرة اخرى تتساءل الذات الشاعرة:

فاين نحن من كلّ هذا وذاك؟!

يا له من سؤال يلازم ذهني

قلبي, روحي, ووجداني

بل يضاعف حيرتي

فأتساءل من قبل ومن بعد:

يا ترى هل نحن من فصيلة البشر

ونعيش في يوتوبيا السلام؟  

وسط هذا المشهد الكونيّ المفزع تقف الشاعرة تتملّكها دهشة عظيمة لما يحدث في هذا العالم ولا تجد أجوبة تطمئن لها لما حدث ويحدث , فهناك سؤال يدور في ذهن الذات الشاعرة , سؤال أرّقها كثيراً , وأقلقها جداً, ولم تجد له جواباً منطقياً يبدد مخاوفها وحيرتها .

وختاماً نجد حضور الأنا الشاعرة بقوة متمثلة بشعب كامل , الذات العاشقة للسلام والحرية والاخوة, الشعب الذي ظلّ يكافح طويلاً , كفاحاً مستمراً من أجل الحرية والسلام والعيش بكرامة فوق ارضه , وتحقيق أحلامه التي يريدها :

وأنا الشاعرة الكردستانية

داعية السلام

ليس في وسعي سوى القول في الختام:

سلاماً مسرّة على كل من اتبع السلام.

هكذا تنهي الشاعرة قصيدتها بالدعوة الى السلام بعدما اختلت كلّ الموازين وتكالبت الذئاب تنهش روح الأخوة الإنسانية . اننا امام رسالة كونيّة كانت الشاعرة الشاهد عليها وعلى فضاعة هذه الجريمة, اننا أمام لوحة انسانية أجادت الذات الشاعرة في رسمها , وايصالها الى المتلقي ,كرسالة انسانية كونية , تشبه معاناة الكثير من الشعوب المناهضة للعنصرية , والدكتاتوريات المتسلطة على رقاب الشعوب, لقد حملت الذات الشاعرة محنة شعب كامل , وصرتها بصدق ودون تكلف ,فجاءت متسلسلة تخترق شغاف القلوب العاشقة للسلام , والأخوة .

المقالة في علم الدلالة/ فراس حج محمد

 


اليوم التاسع والعشرون من شباط لعام ألفين وأربعة وعشرين، وهذا يعني أنّ هذه السنة سنة كبيسة. ليس مهماً أن تكون السنة كبيسة أو ناقصة، لا أظن أن الناقصة مقابل الكبيسة، لأن السنة العادية سنة كاملة، ولا أظن كذلك أن الكبيسة سنة مميزة، ولا مواليد هذا اليوم مميزون، إنما وقع حظهم أن يولدوا في يوم المعادلة الفلكية لانتظام الكون في حساباته الدقيقة أو شبه الدقيقة. ثبت أن الدقة لا مجال لها، وخاصة هذه المعادلة القسرية لاعتدال ميلان الكون الزمني.

كل ذلك أمر طبيعيّ لا ميزة فيه، ولا امتياز، كما أنه ليس أمرا ذا دلالة كلية أو جزئية أن إحدى النساء اللواتي تعلقتُ بها أو تعلقت بي زمنا، ولدت في سنة كبيسة في شهر شباط أيضاً، أنا لم أولد في سنة كبيسة، ولدت في سنة فردية، فمن المستحيل أن تكون كبيسة، سنة قبلي كانت سنة كبيسة، وسأنتظر حتى عام 1980، العام الذي ولدت فيه زوجتي، لتكون ابنة لسنة كبيسة. 

أنا وأبي- رحمه الله- متخالفان تماما فيما يخص السنة الكبيسة والنساء، ولد هو في سنة كبيسة، وأمي في سنة قبله فردية، سينتظر أبي أكثر من عشرين سنة أخرى؛ ليتزوج مرة أخرى من امرأة ولدت في سنة كبيسة. وامرأتي الثانية التي تزوجتني فترة قصيرة ثم تركتني دون مبرر لم تولد في سنة كبيسة.

أولادي وبناتي الستة، رضي الله عنهم، لا واحد منهم قد ولد في سنة كبيسة، (1999، 2001، 2003، 2009، 2011، 2021)، كيف تجنبت ذلك؟ هل تجنبت ذلك فعلا؟ إنني لم أفطن لذلك البتة، لأنه أمر لا يستحق العناء والهندسة البيولوجية المحددة ليولد أحد أبنائي في سنة كبيسة. وكذلك حفيدي الأول لم يولد في سنة كبيسة، ولد في (2023). حفيدي الثاني القادم بعد شهرين تقريبا- إن شاء الله- سيكون ابنا لسنة كبيسة، هل سيكون مختلفا عن حفيدي الأول، بالطبع لا، وإن ولد في سنة كبيسة، وخلّف وراءه شهر شباط بأيامه التسعة والعشرين يوماً.

الحرب الحالية التي شبّت نارها مستعرة، تحرق أخضرنا واليابس، حرب كبيسة، ملعونة، قاسية، لم يكفها أنها ولدت في سنة غير كبيسة، بل أصرت أن تلتهم المزيد من لحمنا في السنة الكبيسة، حرب كبيسة، في سنة كبيسة، جعلتنا نعاني من كل الكوابيس. الكوابيس هنا شاملة، نحن وهم، والعالم العبد. لا أحرار في هذا العالم ليثوروا إلا أحرار غزة الذين حاولوا التحرر من كابوس الظلم، فكبسهم كابوس القتل، الكابوس على وزن صاروخ. تذكروا هذا مع أنها معلومة لغوية لا فائدة فيها، لأن فاروق على الوزن نفسه، ولا فاروق ليعدل ما اختل من أمر هذه الكوابيس القاتلة.

أؤكد لكم أن كل هذا لا معنى له إطلاقاًـ فأين علم الدلالة إذاً في هذه المقالة؟ 

الدلالة في المعجم، وليست في هذه الحركة العقيمة من الولادات والسنوات والزيجات، والحرب المسعورة.

في كتاب "في رحاب اللغة العربية" تعرضت لشيء من التطور الدلالي لطائفة من الألفاظ في الفصل الأول منه، كنت مأخوذا بدلالتها.  في يفاعتي المبكرة وأنا أفكر باللغة على هدي من القرآن الكريم، وكنت أقرأه يوميا عقب كل صلاة مفروضة، سجلت في أحد دفاتري بخط يدي أن كثيرا من معاني القرآن الكريم تطورت من معنى ماديّ إلى معنى معنوي، كنت سعيدا بهذا الاكتشاف. كنت ربما في السنة الأولى أو الثانية الجامعية، ولم أدرس بعد مساق علم اللغة العام وفقه اللغة، ولم أكن أسمع بعلم الدلالة إلا عندما تلقيت المساقين على يدي أستاذنا المرحوم يحيى جبر. أبو عبد الله- رحمه الله- كان موسوعة لغوية، وكان يسترسل في عمل شبكات بين اللفظ ومعانيه قديما وحديثا. أحيانا لم أكن أصدّق ذلك، أو أقتنع به، وأقول أي شطط هذا؟ كنت أجد ذلك نوعا من التمحل وليّ عنق اللغة وألفاظها والتقنية لها (عمل قنوات) لتسير في هذا المسرب أو ذاك، كأنه نوع من الإجبار، لنرى اللفظ ومعناه أو شبكة معانيه كما يريده أستاذنا.

على أية حال، جربت ذلك التمحل كثيرا، وتعايشت معه في مساقات أخرى مع الأستاذ نفسه، ثم في ما بعد مع نظرات العلامة البلاغي فاضل السامرائي في احتمالات المعنى للفظ القرآني في لمساته البيانية، ولماذا قال القرآن هذا اللفظ ولم يقل ذاك. كلام السامرائي أيضا فيه نوع من التهيؤ، أو التصور الذهني لمعنى قد يكون مشتهى له؛ أي يرغب أن يكون على هذه الشاكلة، كثيرة هي ألفاظه التي يحاول فيها "مُلْكاً" لعله يعذر، أطال الله بقاءه ومتعه بالصحتين العقلية والبدنية.

علمتني اللغة وألفاظها أنها زئبقية غير ثابتة الدلالة وبإمكان أي واحد من عقلاء المجانين أن يخترع لفظاً ويعطيَه أي معنى. بشار بن برد اخترع لفظاً وأدخله الشعر، وزعم أنه من لغة "الحمير"، وقال لمحدثه، إن أراد أن يعرف المعنى، عليه أن يسأل حماراً ما. بشار الأعمى مجنون رمى حجرا في بئر اللغة كل العقلاء لم يستخرجوه، ولن يستطيعوا أن يستخرجوه. "كبس" اللفظ والمعنى وانتهى الأمر. كثيرون مثل بشار كبسوا ألفاظاً كثيرة وهاجموا فيها عقولنا، وأجبروها على أن تدخل المعجم.

أحد أصدقائي يحب اللغة على طريقته، ويزودني بلفظين، الأول: الحتلنة، ينحته من عبارة "حتى الآن"، واشتق منها الفعل، حتلن ويحتلن، ويستخدمها بكل سلاسة في كتاباته. إنها لفظة لافتة وجميلة، وصارت شائعة، رأيتها قليلا عند غيره. والآخر: رنقية، وينحته أيضا من عبارة "رسالة نصية قصيرة"، ستغدو هاتان اللفظتان قديمتين بعد فترة، ككثير من الألفاظ التي ولدت متأخرة عن المعجم العربي القديم، لكننا محتاجون لدخولهما في المعجم لتوطينهما، حتى لا يظل برنامج (WORD) يخط تحتهما خطا أحمر بدعوى أنهما لفظتان دخيلتان على اللغة العربية. يزعجني كثيراً الخط الأحمر تحت الكلمات في صفحات الحاسوب، كنت أحيانا أتخلص منه بإلغاء التنبيه لوجود الخطأ، لأنه يخط بأحمره تحت كثير من الألفاظ؛ هي من قُحّ اللغة العربية، ومخّها.

ما علاقة لفظ بشار المقصود الذي لم أقله بعلم الدلالة، وبالسنة الكبيسة، وبشغل علماء اللغة، أمثال يحيى جبر والسامرائي؟ العلاقة هينة، إقحامية، لا تحتاج مبررا لأن تكون موجودة، السنة الكبيسة؛ أضيف فيها على شهر شباط يوم واحد، ليصبح (29) يوما، واللغة العربية أضيف إليها لفظ اعتباطي، لا معنى له إلا في لغة الحمير، هكذا هي العلاقة في طرفي المعادلة الخطية هذه، كلاهما- اليوم واللفظ البشاريّ- لا قيمة لهما حقيقية في العلم والتصور.

المهمّ أكثر هو لماذا أطلق على هذه السنة وصف "الكبيسة"؟ الآن سيأخذ علم الدلالة بالفاعلية، الكبيسة على وزن فعيلة، وصف للمؤنث والمذكر كبيس، وما هو الكبيس في لغة العرب القديمة؟ 

أورد لسان العرب هذه المعاني للفظ الكبيس: الكبيسُ: حَلْيٌ يُصاغُ مجَوَّفاً ثم يُحْشى بِطِيب ثم يُكْبَس، والكَبيسُ ضرْب من التمر، وإِنما يقال له الكبيس إِذا جفَّ. والعام الكبيس هو السنة الكبيسة؛ في الأمر حشو وتراكم، وهذا ما جعل الكابوس هو نكح المرأة لمرة واحدة، كإضافة يوم واحد على شهر واحد فقط، والكابوس هو "البُضع أو الذَكر"، وهو أداة النكاح الفعّالة فيه. وفي المعنى حشو وإضافة. هذه الآلة التي أصبح اسمها "الحنتكور" في اللغة الافتراضية ذات الإيحاءات الشهوانية في اللذة الجمعية الجماعية الحادثة عند رواد مواقع التواصل الاجتماعي الحنتكور هو الذي يدخل إلى الحيصبون؛ الوادي المهجور، ولا يخرج منه إلا مكسور الجناح.

وفي معنى الحشو والإضافة في السنة الكبيسة، يتم حشو اليوم التاسع والعشرين بين اليوم الثامن والعشرين لشهر شباط، والأول من آذار، كما فعل محرّك البحث جوجل هذا العام؛ مثّل هذا اليوم ضفدعاً شبيها بضفدع كيرمت؛ صاحب اختراع الحنتكور والحيصبون، يقفز بين اليومين. عليّ الاعتراف بالقدرة الخيالية لجوجل على هذا التصوير البارع لحشر اليوم بين هذين اليومين. 

ولكن مع كل هذه البراعة الملحقة لأمر غير منطقي، لماذا حشر هذا اليوم هنا، وأضيف بين هذين اليومين؟ ألأن شباط أقصر الشهور، فعوضوه يوماً آخر، كل أربع سنوات؟ لا أعتقد ذلك. يقال إن "أغسطس" وهو شهر آب، الشهر الثامن كان ثلاثين يوما، ولأنه سمي على اسم أحد القياصرة كما هو شهر يوليو، ولأن يوليو 31 يوما تم إضافة يوم إلى أغسطس، لأنه لا قيصر أهم من آخر، فساووا بينهما. عدلا وعدا وقيمة. هل تصدقون هذه التخاريف غير المنطقية؟ أنا لا أصدق. وربما تكون قد حدثت فعلا، ولكن أين المنطق؟ هل يحق لأي ملك مغرور اليوم أن يضيف يوما على أي شهر؟ هل يحق لترامب، بوصفه أكثر المجانين أتباعا واتّباعاً أن يقرر زيادة يوم على شهر آخر من ثلاثين يوما ليصبح واحدا وثلاثين، أو أن يكمل عدة شباط ثلاثين يوماً؟

المهمّ في هذه المسألة الاعتباط وغير المنطقية، ليس في علاقة الدال بالمدلول كما يرى دوسوسير فقط،  بل هي أيضا كحال الألفاظ وتطور دلالاتها، لا منطق فيها، ما الجامع المنطقي بين العين الباصرة والعين النبع والعين في مجلس الأعيان؟ وما الجامع المقنع بين الكبيس المخلل المحشو في المرتبانات بالعام الكبيس، بل ما علاقة الكبّاسة بكل هذا؟ وما دخل مكبس الحديد بكل هذه المعاني وجذورها؟ 

وما دخْل طبخة "الكبسة" التي لا أحبها في الموضوع؟ لماذا أطلقت امرأة مجنونة كبشار بن برد على هذه الطبخة اسم كبسة؟ هل كانت مكبوسة تلك الليلة، وأحبت أن تكبس كابوسها بهذه الكبسة؟ أي أن تحشو معدة "كابسها" بالطعام التي رأت أنه شهيّ. إنه احتمال قويّ الدلالة. أتدرون لماذا؟ لأن الكبسة تقوم على الفلفل الحار والمشهيات واللحمة والبهارات المقوية، تكبس آكلها كبساً، فيعود هذا الكبس كابوسا آخر متجددا لمخترعة الكبسة، فهذه البهارات تقوي الباءة عند الرجل ما يجعل "كابوسه" فعّالا ليقوم بعمله على أكمل وجه في الكبس والتكبيس، ولذلك يقال إذا نكح رجل امرأة ما، كأمر عابر من مثل "إذا هبت رياحك فاغتنمها" إنه قد "كبسها"، مرة لاحت والفرصة أتيحت، فتم "الكبس"، وتفرق الكابس والمكبوس، إنما هي مرة واحدة يستبد فيها الكابوس فيعمل خاطفا قاطفاً دون مبررات معقولة.

لله درك يا علم الدلالة أين أخذتني، وسقتني إلى شعاب متشعبة الطرقات، ولعلني صرت محتاجا للتكبيس، بأن تضعَ إحدى هؤلاء النساء المولودات في أعوام كبيسة يدها عليّ فترقيني برقيتها، فكم أنا محتاج لذلك، مع أنه لا يوجد مبرر معنوي لمعنى التكبيس ووضع اليد في الرقية على الشخص المرقيّ إلا إذا كان وضع اليد "كبساً"، يتوخى هذه المرة إخراج "الكابوس" الذي هو أيضاً: الجاثومُ، والباروكُ، والنِّئْدِلان، أو هو الهاجس الضاغط على الأعصاب، أو ذلك الحلم المزعج الذي يحتاج المرء بعده لأن يرتاح بفعل رقية من امرأة تحط يدها حيث يجب أن تضعها، لعلها تساوي ألف حمامة نزلت على الفؤاد لكي تشرب. هذه الخلطة الأخيرة من اللغة والشعر المعاصر مقحمة تماما كما هو مقحم اليوم التاسع والعشرون من شهر شباط/ فبراير الذي أسميته شهر الحبّ اعتباطا غير منطقيّ أيضاً.

وأخيرا أقول: لا شيء منطقيّ في اللغة وعلم الدلالة والحب والمعاني، إنما هي كلها تخاريف من وضع المجانين الذين كان منهم بشار بن برد وأول امرأة صنعة طبخة الكبسة، ولا يقلان جنونا من صاحب اختراع الحنتكور والحيصبون وأشباه تلك الكلمات التي لا أساس لها من منطق، لكنها متداولة وشرعية، وتؤدي مهمتها على أكمل وجه، وسيظل القانون العام للغة الذي يقول "اللغة وضع واستعمال، وإذا تعارض الوضع مع الاستعمال، فالاستعمال أولى" مفيدا فائدة مطلقة، نحتاج إليه كل يومٍ تقريباً. وكل عام ومواليد السنة الكبيسة بخير، وخاصة مواليد اليوم المحتفى به؛ التاسع والعشرين من شباط.


إسرائيل و الغضب الدولي الهائل/ مصطفى منيغ



التصَوُّر اجتهاد يضفيه الخيال لتسهيل مأمورية إبداء الرأي لدي مُتدخِّل لا يستمدّ مضمون حديثه من واقعٍ مُعاش ، وإنما للمشاركة بوجوده الزائدة عن المطلوب بعد إحالته على المَعاش ، لن يُسْتَفسَرَ إن جاهر القول وأنهاه بعبارة "كما أتصوَّر" كأنه بالاهتمام في لب الحدث ما عاش ، فقط لتصريف وقتٍ يغنيه عن الملل "العربي" وقد أصبح يخشَى مداومة الفِراش ، وكم كانت المفاجأة أكبر من التأكد عن فراسة مصداقيته  كئيباً ساعتها وهو يُردِّد لمن حوله في مقهى كائنة بمدينة القصر الكبير : "انتظروا جنوب إفريقيا لمساندة "غزة" في غيابِ ليس معظم قادة عرب الخطّ غير المستقيم الرابط المحيط الأطلسي بالخليج العربي بل اختفاء جل حكام المسلمين مهما جمعتهم أعشاش ، هكذا أتصوَّرُ واثقاً بغير مبالغة أو نفاق أو تقليد لوضعية خُفاش"  ، قال ما قال وانصرف مُتمتماً غاضباً على الحال الذي خدم الزمن فيه إسرائيل لتصول وتجول فوق رؤوس المذبوحين من الفلسطينيين العرب المسلمين ما يسبب في الإدهاش ، ومِن حولهم أقوام تتصايح إذاعاتهم على امتداد الساعة ليل نهار أن القضيةَ الفلسطينية قضيتهم الأولى وأنهم مِن أجل تحريرها يبذلون الغالي الثمين وأشياء من هذا القبيل غير القابل بعد السابع من أكتوبر المنصرم للتصديق بل أضحَى مجرَّد ادعاء مجاني لكل فشَّاش .

... جنوب إفريقيا برهنت أن للحق أنصار يصيبهم نور الخير يصبغ طلعتهم بهيبة الوقار كما للباطل كُفار يرافق مقامهم أينما وجدوا داء الرُّعَاش ، فكانت الدولة الوحيدة في المعمور المتصدّية قانوناً وذكاء ومرجعيةً مُقاوِمة فذة لإسرائيل لتُدخلها مرحلة الانكماش ، وتُبقيها عارية تتفرج الدنيا برمَّنها على كيانها الغارق في دماء أبرياء قاربوا الثلاثين ألفا من الشهداء معظمهم أطفال ونساء وتقف إجلالا لمحكمة العدل الدولية وهي تعلن إدانتها الصريحة أن إسرائيل بما اقترفته في حق هؤلاء مدانة دون مزيد  نقاش ، فكانت الدولة الإفريقية بما أقدمت عليه مشكورة بمثابة سفيرة للإنسانية جمعاء دشَّنت عودة الثقة في مؤسسة دولية يعلو معها القانون ليطال أيا كان لا فرق عنده بين الولايالات المتحدة الأمريكية أو قطاع غزة ينصف المظلومين ويوقف عند حدهم كل الظالمين الأوباش .

... جنوب إفريقيا الموقّرة دخلت التاريخ لتتبوَّأ بين صفحاته الذهبية موقع الصدارة حينما يُقارن اجتهادها القانوني المحمود وجموع الدول العربية التي أصابها في الموضوع الجمود فحقَّ قراءة الفاتحة على جامعتها العربية قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة وقد أدخلها تنصلها البيِّن ممَّا جرى في غزة ولا زال قاعة الإنعاش ، ومهما روَّج البعض من تلك الدول لن يسمعهم إلاَّ الواضعين أيديهم (علانية كحكام البحرين أو في الخفاء كهؤلاء المطبِّعين أو مَن هم في الطريق إلى التّطبيع) في أيدي إسرائيل ليربحوا البقاء فوق كراسيهم ويخسروا ثقة شعوبهم ولن ينالوا الاستقرار مهما استخدموا من  رشاش ، إذ محبة الشعوب أبقى والسباحة عكس مبادئها السمحة النبيلة نهاية حنمية لمن اختار الخوض فيها متوهما أن إسرائيل ومن معها قادرة على حمايته أبد الدهر وتيك شيمة من شيَمِ التَّفَاش .

مِرآةُ الغيبِ/ د. عدنان الظاهر

 


مَنْ يُلصقُ وجهي في مرآةِ هُراءاتِ الغيبِ

[ يشرحُ لي صدري ويُيسّرُ لي أمري ]

يقرأُ لي ضربَ الناقوسِ على قانونِ القلبِ  

ويُقوِّمُ ما زلَّ وذلّا

أحبطَ ميثاقَ النقرِ على طنبورِ الأهلِ

يا صاحبَ سلطانِ المَلَكوتِ العارجِ للأعلى بُرجا

إرفعْ راياتِ الجُرحِ الهادرِ مسحوقاً أجراسا

خانوهُ ... لم يدرِ

كفّوا عن شُربِ الماءِ لئلاّ يستسقي

طفّوا الضوءَ وشبّوا ضوضاءً في النارِ

مُعجِزةً تتفلّقُ مِصباحا

عَرْشاً لرموشِ الطاووسِ وريشاً شمسيّا

يسألُ جارَ الجُدرانِ

ويُساوي بيني والرُبْعَ الباقي من سِفْرِ الوهنِ

يتوازنُ ساعةَ سحبِ المتراسِ

أغلقتُ الصورةَ فالأسودُ أعمى يدمى 

يتفحّمُ عِرْقاً مفتوتا  

تاقتْ نفسي للنبرةِ في الصوتِ العالي نَحْتاً محفورا 

تركوني أتعذّبُ مُشتاقا

للجهدِ الضاربِ مِسماراً في رأسي منصوباً فخّا

يربو حتّى يصطكَ محاقُ الأقمارِ رجوما 

فيزولَ الخوفُ وترتاحَ الأقداحُ مقاما

إفتحْ مفتاحَ الراحةِ باباً للراحةِ كفّا 

يعلو في الصدرِ المتوَهّجِ موجاً لُجيّا

ويغيضُ الماءُ سرابا

يا حسرةَ مَنْ باعَ الحقَّ النازلَ في بيتٍ سَهْوا

يخشى لولا ما في الصدرِ الممرودِ ضجيجا. 

احتلال وسلام: إسرائيل دمّرت كلََّّ الجامعاتِ الفلسطينيّة في قِطاع غزّة/ أ. د. حسيب شحادة



(ترجم) جامعة هلسنكي


في ما يلي ترجمة لمقال السيّد أساف طلچم الصادر في صحيفة زُو هَديرِ/هذه الطريقة، التابعة للحزب الشيوعيّ الإسرائيليّ في الثامن من شُباط 2024. ما أُضيف بين القوسين [] منّي.

’’اِتّهمت المجلّة البريطانيّة ”تايمز للتعليم العالي“ إسرائيلَ بمحاولة متعمّدة للقضاء على الأكاديمية الفلسطينيّة في غزّة.

تعمّدت إسرائيل تدميرَ مؤسَّسات التعليم العالي في غزّة - حسبما ورد في مجلّة ”تايمز للتعليم العالي“ (29 كانون الثاني). اِتّهمتِ الصحيفة البريطانيّة، التي تُعدّ الرائدة عالميًّا في مجالها، إسرائيل بـالـكلمة educide المشتقّة من بداية الكلمة الإنچليزيّة edu-cation التي تعني التعليم/التربية ومن نهاية كلمة الإبادة الجماعيّة (geno-cide). أي في خُطّة استراتيجيّة للقضاء التامّ على التعليم العالي.

منذ الاجتياح البرّيّ لقطاع غزّة، وتفجير جامعة الإسْراء من قِبل جنود إسرائيليّين، والذي وُثِّق في شريط ڤيديو نشره الجيش الإسرائيليّ، تمّ تدمير جميع مؤسَّسات التعليم العالي هناك. وفي مقالٍ اقتبست سامية البطمة، محاضرة في علم الاقتصاد في جامعة بير زيت في الضفّة الغربيّة تقول: إنّ الجهد المطلوب لتدمير مبانٍ عامّة  كجامعة الإسراء يُثبت أنّ أمامَنا جزء من خُطّة لتحويل غزّة إلى منطقة غير مأهولة/ غير صالحة للسكن. وأضافت إنّ تدميرَ قِطاع التعليم/التربية هو جزء من استراتيجيّة شاملة لتدمير جميع الخدمات التي تجعل الحياة ممكنة في غزّة .

بحسب البيانات التي نشرتها مؤخَّرًا منظّمة حقوق الإنسان”الأورومتوسطيّة“، فقد قُتل ما لا يقِلّ عن 94 أستاذًا جامعيًّا/بروفيسورا ومئات المحاضرين وآلاف الطلّاب في الهجوم الإسرائيليّ على غزّة ردًّا على هجوم حماس في السابع من تشرين أوّل. أكّدت المنظّمة أنّ إسرائيل ”استهدفت الأكاديميّين رجالًا ونساءً، العلماء والمثقّفين في قطاع غزّة وقصفت منازلهم عمدًا ودون سابق إنذار“. وفي هذا السياق، نشرت وكالة الأنباء رويترز بتاريخ الرابع من كانون أوّل العام 2023، أنّ رئيس الجامعة الإسلاميّة في غزّة، الدكتور سفيان تايه، اغتيل في قصف إسرائيليّ مع عائلته، وكان اختصاص الدكتور الفيزياء النظريّة [سفيان عبد الرحمن عثمان تايه، أبو أُسامة،  20 آب 1971 - الثاني من كانون أوّل 2023؛ بروفيسور في الفيزياء النظريّة والرياضيّات التطبيقيّة، ابن مخيّم جباليا، دكتوراة من جامعة عين شمس؛ من أفضل 2% من الباحثين في العالم، عضو الجمعيّة الفيزيائيّة الأمريكيّة؛ شدّد على البحث العلميّ وخدمة المجتمع؛ عيّن في العام 2023 حامل كرسي اليونسكو للفيزياء والفيزياء الفلكيّة وعلوم الفضاء في فلسطين].


مؤسَّسات التعليم العالي كآليّة للبقاء

برَّرت إسرائيل قصفَ بعض الجامعات بحُجّة أنّها استُخدمت كمعسكرات تدريب لحماس. لكن بحسب الدكتورة البطمة، فإنّ الجامعات أصبحت هدفًا لأنّها ”آلية بقاء“ للفلسطينيّين، ”نحن نرى التعليم وسيلةً للمقاومة، وإسرائيل تفهم ذلك بالطبع“. وقالت ”لهذا السبب هي تحاول تقويض قدرتنا على البقاء، والمقاومة، وقدرتنا على الاستمرار في الوجود كشعب“. وأشارت البطمة إلى أنّ الهجماتِ على الأكاديمية الفلسطينيّة لا تقتصر على غزّة. منذ نشوب الحرب، تمّ اعتقال محاضرين وطلّاب فلسطينيّين بشكل جماعيّ في الضفّة الغربيّة أيضًا، وأصبح الطلّاب الفلسطينيّون في الجامعات الإسرائيليّة هدفًا للاضطهاد السياسيّ وحتّى إيقافهم عن دراستهم.

إنّ ممارسة العلم في غزّة كانت دائمًا صعبة - والآن أصبحت مستحيلة. حتّى قبل الحرب الحاليّة، كانت إمكانيّة توفّر الكهرباء ومعدّات المختبرات والمجلّات العلميّة محدودة، في المؤسَّسات الأكاديميّة في قِطاع غزّة. وبعد الجولة السابقة من القتال بين إسرائيل وغزّة، في أيّار 2021، أصبحت حتّى أجهزة الحاسوب/الكمبيوتر المحمولة سلعة نادرة.

أجبرت ظروفُ القلّة/النقص هذه الكثيرَ من الباحثين في غزّة على تمويل أبحاثهم بشكل مستقلّ - على الرغم من أنّ معظمهم تقاضَوْا رواتبَ منخفضة من جرّاء الوضع الاقتصاديّ في القطاع. إنّ ظروف القلّة/الشُّحّ ليست فريدة من نوعها في غزّة، بل إنّها سِمة باحثين في بلدان فقيرة أخرى. لكنّ العُزلة الشديدة التي تعيشها غزّة نتيجة للحصار الإسرائيليّ هي حالة فريدة من نوعها. يُحرَم الباحثون الغزّيّون من فرصة المشاركة في مؤتمرات علميّة خارج قطاع غزّة، بما في ذلك المؤتمرات المنعقدة في الجامعات الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة المحتلّة.

إحدى الاستراتيجيّات التي استخدمها الباحثون في غزّة للتغلّب على العزلة، هي دعوة الأكاديميّين الأجانب إلى جامعات غزّة. ومع ذلك، فمن الصعب جدًّا على الباحثين الأجانب الحصول على تأشيرة إسرائيليّة تسمح لهم بالمكوث في الأراضي المحتلّة. ”تمكّن بعض الأكاديميّين الغزيّين، من الحفاظ على الصلات التي أقاموها في غُضون دراستهم في الخارج، وهذه العلاقات/الروابط هي بمثابة أنابيب الأكسجين للأوساط الأكاديميّة في غزّة“. هذا ما أدلى به لصحيفة التايمز، الدكتور جمال (اسم مستعار)، محاضر في الكيمياء، الذي أنهى دراسته للدكتوراه في إنچلترا. وأضاف أنّ المشرف على أُطروحته للدكتوراه، والآن شريكه في البحث، يوفّر له إمكانيّة الوصول إلى قواعد البيانات والمجلّات الإلكترونيّة عبر الإنترنت. وعلى الرغم من القيود، فإنّ الدكتور جمال حازم بصدد سبب عودته إلى غزّة: ”أنا أُحِبُّ غزّة، أُحبّ فلسطين... آمنتُ أنّني يجب أن أنقل المعرفة التي اكتسبتها في بريطانيا إلى الشعب الفلسطينيّ“، كما قال لصحيفة التايمز.


البحث الأكاديميّ تحت القصف

حتّى قبل السابع من تشرين الأوّل، كان خطر القصف الإسرائيليّ حاضرًا دائمًا في الخلفيّة. يقول الدكتور ياسر المحاضر في التربية: ”إنّ البحث الأكاديميّ بحاجة إلى التركيز، وهذا غير مُتاح عندما تخاف على حياتك وحياة الآخرين. لقد عايشنا فعلًا أربع حروب، وهي لا تؤثّر على أبحاثنا فحسب، بل على حياة المحاضرين والطلّاب أيضا“.

وقال وسام عامر، عميد كلّيّة الاتّصال واللغات بجامعة غزّة، لصحيفة التايمز إنّ الأكاديميّين الفلسطينيّين الذين ينجون من الحرب، سيواجهون صدمة/تراوْما شديدة. واعترف الدكتور عامر، الذي نُقِل إلى ألمانيا مع عائلته، أنّه من الصعب التفكير في البحث، في الوقت الذي يستصعبُ  فيه الأكاديميّون الفلسطينيّون في  العثور على الطعام والمأوى والأمن لأُسرهم. لا علاقةَ لذلك بالحياة الأكاديميّة - التي هي بالطبع مهمّة للغاية - لكنّنا سنحتاج إلى الكثير من الدعم للتعافي. الهدف الأوّل هو إنهاء الحرب، اليوم وليس غدًا، أكّد!.


أقل من الإنسان.. سيكولوجية القسوة/ د. حسن العاصي



قيل لنا إن مرتكبي العنف يجردون ضحاياهم من إنسانيتهم، لكن الحقيقة أسوأ. فلماذا نحط من قدر الآخرين ونستعبدهم ونبيدهم. إن البشرية قد تتوقف عند حدود القبيلة أو القرية، أو عند حدود العرق، أو الدين، أو اللغة، أو اللون. واليوم تبدو ظواهر مثل العنف، والقسوة، والتجريد من الإنسانية أمراً منتشراً. لو بحثنا في محركات البحث عن المجموعة البشرية المفضلة والمحتقرة لدينا "اليهود، والسود، والعرب، والمسلمين، والمثليين" وما إلى ذلك - جنباً إلى جنب مع كلمات مثل "الحشرات"، أو "الصراصير"، أو "الحيوانات"، وسوف يتدفق أمامنا سيل لا يتوقف منها. سوف نسمع كلمة "حيوانات" يستخدمها حتى الأشخاص المحترمون، في إشارة إلى الإرهابيين، أو الإسرائيليين، أو الفلسطينيين، أو المهاجرين غير الشرعيين، أو مُرحّلي المهاجرين غير الشرعيين. تظهر مثل القسوة والتجريد  في خطاب المتعصبين البيض، والتيارات اليمينية غالباً، ولكن نجده عندما يتحدث بعضنا عن المتعصبين البيض أيضاً.

إنها ليست مجرد مسألة كلمات. على مر التاريخ، اعتقد بعض الناس أنه من المقبول امتلاك البشر، وكانت هناك مناقشات صريحة من قبل بعض الباحثون والساسة فيما إذا كانت مجموعات معينة (مثل السود والأمريكيين الأصليين) "عبيدًا طبيعيين". وحتى في القرن الماضي، كانت هناك حدائق حيوانات بشرية، حيث تم وضع الأفارقة في حظائر لينظر إليها الأوروبيون.

نظراً لندرة الأدلة المتاحة، فإن دراسات علماء الأنثروبولوجيا والعلوم الاجتماعية منقسمة بشدة حول سؤال: ما هو عمر العنف البشري؟ استنتج بعض العلماء أن البشر عنيفون بطبيعتهم، شأن عالم النفس النمساوي "سيغموند فرويد"  Sigmund Freud الذي يعتبر أن الإنسان هو كائن يختزن قدراً كبيرًا من العنف في تكوينه النفسي وفي كوامنه الغريزية. وآخرون أنهم في الأساس غير عنيفين، إنما يتعلون العنف بنفس الطريقة التي يتعلمون بها أنماط السلوك الأخرى. مثل عالم النفس الاجتماعي الكندي الأمريكي "ألبرت باندورا" Albert Bandura، ولكن في كلا المدرستين التفسيريتين هناك ميل واضح للاعتماد على نظرية المعرفة الطبيعية لتحليل أنواع البنى النفسية والاجتماعية التي تؤدي إلى تجريد الآخرين من إنسانيتهم وإساءة معاملتهم.

لا تحتاج إلى أن تكون عدائياً لتكون عنصرياً، لكنك تحتاج إلى تصنيف المجموعات. فإذا كنت تعتقد أن أعضاء مجموعة معينة أقل شأناً، وأن لديهم قيمة جوهرية أقل من أعضاء مجموعة أخرى، فإنك تظهر العنصرية. إن التجريد من الإنسانية هو ظاهرة اجتماعية معقدة، ترتبط ارتباطًا وثيقاً بالأذى والإهمال بين المجموعات.


العقلية اللاإنسانية

إن تصنيف الناس أو تصنيف الأجناس حسب العرق، أو اللون، أو الدين، أو القومية، أو اللغة، يؤدي إلى تجريدهم من إنسانيتهم. يعرّف علماء النفس والأنثروبولوجيا التجريد من الإنسانية بأنه تصور شخص آخر على أنه دون البشر. يقول عالم النفس التطوري في جامعة نيو إنجلاند "ديفيد ليفينغستون سميث"David Livingston Smith "في ظل الظروف المناسبة، فإننا جميعًا تقريبًاً قادرون على الانزلاق إلى العقلية اللاإنسانية، وارتكاب أعمال وحشية كان من الصعب أو حتى المستحيل بالنسبة لنا القيام بها".

هذا التصنيف للأشخاص حسب "العرق" له تاريخ طويل. حدّد الفيلسوف اليوناني القديم أرسطو نوعين من الناس: اليونانيون والآخرون. جمع  كل غير اليونانيين معاً باعتبارهم برابرة، وليس ـ على سبيل المثال ـ سوريين أو إثيوبيين أو فرس. كان من المفترض أن يكون البرابرة أقل عقلانية من اليونانيين. كان البرابرة "عبيدًا بطبيعتهم"، مما يعني أنه كان من الطبيعي أن يستعبدهم اليونانيون. وتم استخدام أفكار مماثلة لتبرير الاستعمار واستعباد الشعوب في جميع أنحاء العالم من قبل القوى الأوروبية.

فخلال تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، كان الملاكين عبر التاريخ يعتبرون العبيد حيوانات دون البشر. كما جمع الأوروبيون والأمريكيون الشعوب الأفريقية معًا على أنهم سود «الزنوج» تاريخياً، رافضين حقيقة أنهم ينتمون إلى مجتمعات مختلفة.

هناك العديد من الأحداث التاريخية التي توضح التحول إلى العقلية اللاإنسانية. والأكثر شهرة بالطبع هو أيديولوجية ألمانيا النازية، التي نشرت أفكارًا حول تفوق الآريين على جميع الأمم الأخرى. وكانوا ينظرون إلى الفساد على أنه متأصل في الأشخاص اليهود. وعندما وصف النازيون اليهود بأنهم "Untermenschen"أي دون البشر، أو أقل من البشر، واعتبروهم جرذان لم يقصدوا ذلك مجازياً، كما يقول سميث "لم يقصدوا أنهم كانوا مثل البشر دون البشر. بل كانوا يقصدون أنهم كانوا حرفيا دون البشر." وحين أطلق اليهود الصهاينة على الفلسطينيين أنهم حيوانات بشرية، كانوا يقصدون ما قالوه تماماً.

وفي مثال مماثل يمكن تسمية سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا القائمة على التمييز العنصري، الذي استمر حوالي نصف قرن وسقط رسميا في العام 1991 أيضاً تجريداً للإنسانية من قبل أتباع "الحركة البيضاء" لغالبية السكان الأصليين الأفريكانيين (أو البوير).

وعندما شاركت قبائل "الهوتو" في الإبادة الجماعية في رواندا أطلقوا على قبائل "التوتسي" صراصير. هذا التجريد من الإنسانية فتح الباب أمام القسوة ن والوحشية، والإبادة الجماعية.

التجريد من الإنسانية هو وسيلة لحرب المعلومات، والجوهر هو تشكيل صورة الشخص الذي يصبح غير مهم، طفيلي ولا يستحق الوجود. وهو أحد أكثر طرق الحرب الإعلامية وحشية. على سبيل المثال صورة الجندية الأمريكية "ليندي إنجلاند" Lynndie England وهي تسحب مقوداً مربوطاً برقبة سجينة في سجن أبو غريب، تضطر للزحف على الأرض، بينما  زميلتها الجندية "ميغان أمبوهل" Megan Ambuhl تُراقب.

خلال الحرب العالمية الأولى ظهر ملصق دعائي نمساوي يصور أحد الصرب على أنه إرهابي يشبه القرد. كما ظهر ملصق دعائي أمريكي من الحرب العالمية الثانية يظهر فيه جندي ياباني على شكل فأر.


التحريض على أعمال الإبادة الجماعية

التجريد من الإنسانية هو أحد أشكال التحريض على الإبادة الجماعية. كما تم استخدامه لتبرير الحروب، والقتل القضائي وخارج نطاق القضاء، ومصادرة الممتلكات، والحرمان من حق الاقتراع وغيرها من الحقوق، ولمهاجمة الأعداء أو المعارضين السياسيين. وهذا ما تفعله إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني.

تؤكد أفعال الصهيونية في فلسطين أنه عندما نكون في قبضة عقلية تجرد الإنسان من إنسانيته، فإننا غالباً ما نرى الآخر المجرد من إنسانيته "مرعباً وخطراً"، مما يؤدي إلى ما يراه الجناة على أنه صراع حياة أو موت ضد عدو قاتل. ومن المهم أن نتذكر أن المجردين من الإنسانية يعتقدون في الواقع أن الأشخاص الذين يضطهدوهم أقل من البشر، مما يجعل عملية التجريد من الإنسانية خطيرة للغاية. مثل دعوة "نسيم فاتوري" نائب رئيس الكنسيت الإسرائيلي وعضو لجنة الشؤون الخارجية والأمن إلى حرق قطاع غزة بالكامل. حيث نشر النائب المتطرف، تدوينة بالعبرية على حسابه على "أكس" قال فيها "كل الانشغال بمدى توفر الإنترنت في غزة ألا يظهر ذلك أننا لم نتعلم شيئا.. نحن إنسانيون للغاية.. احرقوا غزة الآن لا أقل من ذلك". وكان نفسه قد طالب في تصريحات نقلتها صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، بترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة إلى البلدان المستعدة لاستقبالهم وعلى رأسها اسكتلندا. وكذلك دعوات وزير التراث الإسرائيلي "عميحاي إلياهو" ل إلى ضرب قطاع غزة بقنبلة نووية وإبادتها كأحد الخيارات المطروحة. وبعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية الحالية دعا إلى استخدام الصواريخ الباليستية لمحو غزة عن الخارطة.

وكانت مواقف مماثلة واضحة تجاه السكان الأصليين في الأمريكيتين ("يعود الهندي دائماً إلى بطانيته" - مما يعني أنه لا يمكن أن يكونوا "متحضرين") وتجاه العبيد السود الذين كان يُفترض أن لديهم دوافع وحشية. يُظهر الإعدام خارج نطاق القانون أسوأ سلوكيات التجريد من الإنسانية - السادية والتعذيب والقتل. كان يُعتقد أن العبيد السود الذين أرادوا الهروب من العبودية، وهي حالتهم الطبيعية المفترضة، يعانون من اضطراب نفسي "ورم درابيتومانيا" وكان يتم جلدهم كعلاج. وهذا المرض العقلي المُفترض اخترعه الطبيب الأمريكي "صموئيل كارترايت"Samuel Cartwright في عام 1851 لشرح رحلة العبيد الأولى إلى شمال الولايات المتحدة. وفقًا لكارترايت، تم تفسير هروب العبيد بالحركات اللاإرادية.

من الناحية البيولوجية، يمكن وصف التجريد من الإنسانية على أنه نوع مُدخل يهمش النوع البشري، أو شخص/عملية مُدخلة تحط من شأن الآخرين بشكل غير إنساني. أثناء الحرب الصينية اليابانية الثانية، تنافس اثنان من ضباط الجيش الإمبراطوري الياباني في الصين المحتلة لمعرفة من يمكنه قتل مئة صيني بالسيف أولاً خلال مذبحة "نانجينغ" Nanjing.

تم تجريد الأمريكيين الأصليين من إنسانيتهم باعتبارهم "متوحشين هنود لا يرحمون" في إعلان استقلال الولايات المتحدة. وفي عام 1890 قام الجيش الأمريكي بقتل ثلاثمائة من الهنود السكان الأصليين، معظمهم من الرجال والنساء والأطفال في مذبحة سميت "مجزرة الركبة الجريحة" Wounded Knee Massacre. وفي الولايات المتحدة، تم تجريد الأمريكيين من أصل أفريقي من إنسانيتهم من خلال تصنيفهم على أنهم رئيسيات غير بشرية.

في أستراليا تم استبعاد السكان الأصليين من تعداد السكان حين وافقت المستعمرات الأسترالية الست على الاتحاد، وأنشأت الدولة القومية الحديثة عام 1901.  وتم حرمانهم بشكل قاطع من حق التصويت. لم يُسمح للسكان الأصليين الأستراليين بمزايا الضمان الاجتماعي (مثل معاشات الشيخوخة وبدلات الأمومة) التي كانت تُقدم للآخرين.


التمييز والعنصرية

التجريد من الإنسانية العنصري للمجموعات يستلزم فهم الجماعات والأفراد على أنهم أقل من إنسان كامل بحكم عرقهم. غالباً ما يحدث التجريد من الإنسانية نتيجة للصراع بين المجموعات. حيث يتم تمثيل الآخرين العرقيين والعنصريين كحيوانات في الثقافة الشعبية. هناك أدلة على أن هذا التمثيل لا يزال قائماً في السياق الأمريكي مع الأمريكيين من أصل أفريقي المرتبطين ضمنيا بالقردة. وبقدر ما يكون لدى الفرد هذا الارتباط الضمني المهين للإنسانية، فمن المرجح أن يدعم العنف ضد الأمريكيين من أصل أفريقي.

كثيراً ما يرتبط التجريد من الإنسانية بنزاعات الإبادة الجماعية تاريخياً، حيث تصور الأيديولوجيات قبل وأثناء الصراع الضحايا على أنهم دون البشر "مثل القوارض" ويمكن أيضاً تجريد المهاجرين واللاجئين من إنسانيتهم بهذه الطريقة. كما حصل في عدد من الدول الأوروبية عام 2015 خلال أزمة تدفق اللاجئين.

يتم تخصيص كلمات مثل المهاجر والمغترب للأجانب بناءً على وضعهم الاجتماعي وثرواتهم، بدلاً من القدرة أو الإنجازات أو التوافق السياسي. المغترب هي كلمة تصف الأشخاص المتميزين، ذوي البشرة الفاتحة في كثير من الأحيان والذين يقيمون حديثاً في منطقة ما، ولها دلالات تشير إلى القدرة والثروة والثقة. وفي الوقت نفسه، تُستخدم كلمة مهاجر لوصف الأشخاص القادمين إلى مكان جديد للإقامة فيه، وتوحي بمعنى أقل استحسانًا بكثير.

يتم أحيانًا ربط كلمة "مهاجر" بكلمة "غير شرعي"، والتي تحمل دلالة مهينة للغاية. إن إساءة استخدام هذه المصطلحات - غالباً ما يتم استخدامها بشكل غير دقيق - لوصف الآخر، يمكن أن يغير تصور المجموعة ككل بطريقة سلبية.

ويؤكد سميث أنه "طالما استمر التمييز والعنصرية، فإن التجريد من الإنسانية هو قاب قوسين أو أدنى". تُظهِر العنصرية البعض على أنهم كائنات بشرية أقل شأناً، في حين يُظهر التجريد من الإنسانية طبيعة أقل من الإنسانية. فالتجريد من الإنسانية هو عنصرية منشطة.

خلاصة القول: يمكننا إقناع أنفسنا بالاعتقاد بأن الآخرين هم دون البشر أو ليسوا أشخاصاً، من خلال الروايات الثقافية أو من خلال البيولوجيا العصبية الحساسة للتهديدات، أو مزيج من ذلك. إن الاعتقاد بأن الآخر ليس شخصاً حقيقياً يمكّننا من ارتكاب أعمال القسوة والدمار. إن الأحداث التي تدور حولنا تؤكد ما وصل إليه الفيلسوف الفرنسي "بليز باسكال" Blaise Pascal  في عام 1658 حين قال " البشر هم مجد الكون وحثالته. نحن نحب ونكره. نساعد ونضر. نمد يدنا ونلصق السكين". 

المَجَاعَة تُدِينُ الجَمَاعَة/ مصطفى منيغ



يموتون سَغَباً وهم في ربيع الزهور ومِن لحظات كانوا يتراكضون ، لملاحقة رائحة "طبيخ" ولو كان ماءً مُلوَّثاً يغلي بحبات قد تشبه أُرْزاً  قديماً فقدَ بياضه  داخل إناء غير نظيف كالمشردين أصبحوا إليه يستعملون ، والطاهية امرأة تبكي فقدان بعلها وكل عيالها  فلم تجد غير التطوُّع لقتل الوقت قبل أن تُقتَل ممن استباحوا علياء غزة يبثون الدمار المرعب وهم بما يقترفونه من مجاز في بلاغاتهم العسكريَّة يتفاخرون ، امرأة بجلوسها في ركن من مدينة غزة المهدَّمة تقوم بما تقوم به عساها تساهم في إطالة بقاء طلعة حياة في مساحة لم تعد صالحة أصلا لذلك ومَن تزاحم حولها يستعجلون  ، فالجوع كافر لا دين له بتعاليمه يشفق عليهم عساهم عن اليأس يتراجعون ،   إن اضطروا لما لا داعي لذكره وهم مُكرَهُون ، ولا عقل  ساعتها يوجههم للدعاء استعجالا ًلاستحضار الفرج والعودة لما يرعبون ،  ولا رحمة يخالونها ملتحقة بهم تنجِّيهم من نهاية مفجعة يرفضون الاستسلام لها بما قد يرتكبونه عن فقدان نعمة الشعور وهم لا يهتمون ، المرأة حائرة  ما يغلي لا يكفي حتى عشرة من الحشود المتجمِّعة يكاد البعض بدُنُوِّهم اللاَّمتوازن يخطفون ، الإناء القصديري غير آبهين بحرارته القادرة على حرقهم قبل تذوق ما يتضمنه من شبه طبيخ لا يصلح للاستهلاك البشري لو يعلمون ، لكنه تَخَيُّل الحَلِّ في الوصول إلى أكل أي شيء  مَن يُطيل عامل الصبر لغاية حصول الانفجار الساحق الأخطر في شراسته من الشراسة نفسها وجماعة حكام الضفة الغربية بما تقيدوا به مع إسرائيل يسمعون ويرون وبالمفيد لا يتحركون ، كأنهم لإعلان إسرائيل مسح أرض قطاع غزة من الجنس البشري يتَرقَّبون ، مُبقِية على صور تجعل منها إن أقبلت على نفس الفعل في الضفة الغربية لن تجد مَن يتعرَّضون لها أبداً أو فقط بكلمات استنكار عنها يتفوّهون ، من هؤلاء الحكام من يستمر على وهم  ناتج عن طرق أبواب خارجية كما عبَّر عن ذلك مندوبهم في الأمم المتحدة خلال الندوة الصحفية التي عقدها وزملاءه العرب على خلفية إفشال الولايات المتحدة الأمريكية إصدار مجلس الأمن قرار إيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة والمتتبعون يتساءلون ، إلى متى هذا الترقب الفاقد لأي معنى وكل الأبواب غُلقت والباقي في الطريق إلى الغلق ومَن بداخلها باستغراب يلاحظون ، انزواء إرادياً لحكام فرضوا على جزء من الأهالي ما يشبه الاستسلام وكأن ما يجري في القطاع مجرد حماقة مرتكبه بإيعاز من إيران بواسطة محور مقاومة متمركزة زعامتها في جنوب لبنان الصادر منها تنسيق تَحَرُّكِ خيوط توابعها في سوريا والعراق واليمن ، ولو نجحت مثل الحماقة هبت الريح الإيرانية  لتغيير المجتمع الفلسطيني ممّا يعرِّضه لتقلبات خطيرة لا يحمد عقباها كما يروِّجون .  هذا الموقف المخزي الوارد على لسان بعض هؤلاء الحكام  به يؤكدون ، ترديد ما تود إسرائيل أو بالأحرى أجهزتها المخابراتية أن يرددوه ثمناً لتركهم بما غنموه من استقرار ضيق لهم وذويهم يمرحون ، وتمكينهم من فرصة توسيع مجال حكمهم ليشمل قطاع غزة بعد القضاء المبرم على حماس وكل من يحوم حولها أو يتعاطف معها كما يتوهمون .


يقولون وفي قولهم اجتهاد بذلوه وادعاء سابق تبعوه وكأنَّ المسألةَ تقتضي كل ذاك العناء ، يقولون أن وراء محور المقاومة هناك إيران وليس سواها المموِّلة والراعية والآمرة والناهية والمُخطِّطَة والموَجِّهَة والحاكمة المُطلقة فيما لدى المحور ذاك من قادة وزعماء ، هو كلام زائد كناقص طويل يحاكي القصير عريض مثل الضيق على حدٍّ سواء ، بل خلاصة ثرثرة مدفوعة الأجر لبعض المعينين للجلوس في المقاهي لترويجها حسب رغبة المستفيدين من إنتاج غباء ، لإفساد قوافل الوعي الملاحظ انتشارها عبر أقطار التخلّص من وصايا خدام الرؤية الواحدة الملتصقة مع دكتاتورية الرأي الواحد المنبطحة لمؤامرة الاستمرار على ممارسة ثقافة الانزواء ، الرامية ظلت للابتعاد ما أمكن عن التفتح لمعرفة الحقائق من مصادرها المعنية بغير وساطة بعلة الترجمة لاستيعاب المعنى الأصلي لقضايا الإنسان أينما تواجد على ظهر البسيطة تؤطره دولة يتبعها إن تبعته بدورها دون استعلاء . القضية عند البعض غير متعلقة باختيارات حرة لما عساهم يصدقونه أو يترفعون على التفكير في شأنه ماداموا أصحاب سيادة بثتها فيهم عقولهم المشحونة بقدرة التمييز بين الصالح والطالح وبين المفيد والتافه حالما تتم المواجهة الآنية أو الفورية على اتخاذ القرار المناسب الكفيل بضمان تحصيل المشروعة من قضايا الحق أو المساهمة في تحصيلها  كما تقضيه كل قوانين الأرض المُستمدة من شرائع السماء .


هذا جزء بسيط من حقيقة بدأت ملامحها تظهر في أفق مؤامرة الصمت الجاعلة من تلك الجماعة تُظهر عجزها متى طُلب منها الوقوف الفعلي مع غزة ، طبعا منظمة فتح لن ترضي لمصيرها مثل الجمود وترك واجب الكفاح من أجل ضمان الاستقلال لفلسطين عامة كما ينص على ذلك هدف تأسيسها الأصلي وهي ومن ينتمي إليها بذلك متيقنون ، فعلى هذه المنظمة صانعة المرجعية المشرفة أن تسترجع مكانتها بأخذ زمام الأمور وإعلانها كلمة أن فلسطين غزة والأخيرة فلسطين وكلاهما لمقاسمة النضال حتى النهاية سواء  ، فمتى توارى الإخلاص للوطن من شيم قوم تعامت بصيرتهم عما هو أقل أهمية يصبح في نظرهم كشرف الانتماء للأصل وكرامة الارتباط بالحرية المسؤولة مُكتفين بعكسها  في الأقصى كالانحناء للميوعة  المطلقة وفقدان الأخلاق الكريمة بالموافقة على بيع أي شيء وكل شيء لمقتني دخيل لا يعترف بحقوق الغير التاريخية فيما اقتناه لتوسيع نفوذه الاستيطاني .

ذلكَ الشّعرُور/ الدكتور حاتم جوعيه



ذلكَ      الشّعرُورْ             يكتبُ        الأشعارْ 

أهبلٌ        معذورْ             عقلهُ     قد      طارْ

شعرهُ       مَبْتُورْ              يُضحِكُ      السُّمَّارْ         

صيتُهُ      مشهُورْ             مُترَعٌ         بالعارْ 

خانعٌ       مأجُورْ               يخدمُ       الأشرارْ

دائمًا      مجرورْ               مع   زمرةِ  الفجَّارْ

ألكنٌ        مقهور               جاحِدٌ          غدَّارْ

نابحٌ        مَنهُورْ                دائمًا          جَعَّارْ

صوتُهُ   المفجُورْ               أزعجَ       الأبرارْ

خزيُهُ      الحَمُّورْ              ذاع   في   الأقطارْ

للخنا       منذورْ                في   الوغى   فرَّارْ

صُبحُهُ     ديجورْ               ليلُهُ            ستَّارْ

إنَّهُ         مخمُورْ               لم      يَرَ    الخمَّارْ

أخرقٌ   طرطورْ                أحمقٌ         ثرثارْ 

جُبنُهُ      مشهورْ               هاربٌ         كالفارْ

فكرهُ      مَحْسُورْ              نبعُهُ     قد     غارْ

مُحبَط ٌ     مَدحُورْ             مجدُهُ         مُنْهَارْ

قلبُهُ        مكسُورْ               قابعٌ    في    الدارْ

شاردٌ       مَبْهُورْ              يكتوي         بالنارْ

إنهُ         مسحُورْ              دمعُهُ         مِدْرَارْ

شعرهُ      المَنثورْ             ما   سَبَى   الأنظارْ   


لماذا يجري "شيطنة" شهر رمضان المبارك؟/ راسم عبيدات



عملية " شيطنة" شهر رمضان والتحريض عليه من قبل حكومة "اسرائيل" والجماعات التلمودية والتوراتية والجماعات المتطرفة المرتبطة بها،والتي تطمح إلى فرض وقائع جديدة  في المسجد الأقصى،تتجاوز قضيتي التقسيمين الزماني والمكاني،بالعمل على ايجاد حياة وقدسية يهودية فيه،تخرجه من قدسيته الإسلامية الخالصة الى مقدس مشترك " إسلامي - يهودي" في المرحلة الأولى،بعد استكمال كل طقوس ما يعرف بالهيكل المعنوي،من أداء طقوس السجود الملحمي،إنبطاح المستوطنين على وجوههم،كأعلى شكل من أشكال الطقوس التلمودية والتوراتية،ومحاكاة إدخال قرابين الفصح الحيوانية إلى ساحاته،وأيضاً إدخال قربين الفصح النباتية من أوراق الصفصاف وثمار الحمضيات الجافة وسعف النخيل،ناهيك عن النفخ في البوق،ودخول الحاخامات بلباس الكهنة البيضاء،وأداء الصلوات والطقوس التلمودية والتوراتية بشكل جماعي وعلني، وغيرها من المظاهر والطقوس التلمودية الأخرى .

دولة الإحتلال والجماعات التلمودية والتوراتية،منذ تولي المتطرف بن غفير  المسؤولية عن وزارة الأمن القومي ، سعت بدعمه وإسناده، وكذلك دعم وإسناد جماعات الهيكل المختلفة الى إقامة الهيكل المزعوم بشكل عملي،بالعمل على جلب خمس بقرات حمراء من ولاية تكساس الأمريكية،ووضعها في مزرعة سرية قرب مدينة " بيسان" حتى تبلغ من العمر عامين،حيث يجري ذبح احداها على جبل الطور،ونثر رمادها،بعد ان يتم حرقها بخشب الزيتون على أكبر عدد من اليهود، بغرض التطهر،وبما يتيح لأكبر عدد من اليهود إقتحام الأقصى لأن هناك حاخامات ومدارس فكرية ودينية يهودية ،ترفض فكرة دخول الأقصى،بدون بند التطهر .وهذه البقرات جلبت في شهر تموز/ 2023.

عملية" الشيطنة " لشهر رمضان الفضيل، ليست مرتبطة فقط بمعركة 7 أكتوبر/2024،بل تلك العملية كانت تزداد وضوحاً وحدة من بعد معركة " سيف القدس" ،أيار 2021 ،تلك المعركة التي تدخلت فيها المقاومة الفلسطينية كما قالت من أجل منع قيام الجماعات التلمودية والتوراتية بتغيير الوضع القانوني والديني والتاريخي للمسجد الأٌقصى،وكذلك لمنع تهويد ساحة باب العامود،وعدم طرد وتهجير سكان حي الشيخ جراح الشرقي،ولذلك مع اقتراب شهر رمضان المبارك،كنا نشهد حملة اعلامية ورسمية " اسرائيلية"  على الشهر الفضيل، بالقول بأن هذا الشهر يجري استغلاله من قبل الفصائل والنشطاء المقدسيين،لكي يتحول هذا الشهر الى منصة للتحريض على " اسرائيل" ودفع الأمور للإنفجار في مدينة القدس،وكذلك يستغل المسجد الأقصى من أجل القيام بمسيرات ومظاهرات وإطلاق هتافات ورفع صور واعلام للفصائل وقادتها ،وفي المقابل كنا نشهد ارتفاع كبير في عدد المقتحمين للأقصى من الجماعات التلمودية والتوراتية ،حتى وجدنا بأن بن غفير نفسه بالإضافة الى عدد من اعضاء الكنيست ووزراء من حكومة نتنياهو وحاخامات شاركوا في عمليات الإقتحام تلك.

جماعات الهيكل ومنظماته بتسمياتها وعناوينها المختلفة، باتت تطالب بأن يتم اعتماد المسجد الأقصى كمكان مقدس يهودي ،بل اعتبار "جبل الهيكل" أقدس مكان ل" الشعب" اليهودي.

وزادت من مطالبها،بحيث باتت تطالب بأن يسمح لها بإقتحام الأقصى ليس فقط من باب المغاربة،بل من كل بوابات الأقصى،وان تكون الإقتحامات جماعية وفردية وبدون مرافقة الشرطة،وبأن لا يكون لها مسار محدد،وأن تؤدي صلواتها وطقوسها التلمودية والتوراتية بشكل علني،وأن لا يغلق المسجد الأٌقصى في وجهها،في فترة الأعياد الإسلامية،وفي العشر الأواخر من شهر رمضان،وأن تكون الإقتحامات على مدار الأسبوع .

بات من الواضح من إزدياد عمليات الإقتحام ،وخاصة في فترة الأعياد اليهودية  في عام 2023،من شهر آب وحتى منتصف تشرين أول، أعياد رأس السنة العبرية،يوم الغفران وعيد العرش اليهودي،والتي زاد عدد المقتحمين فيها للأقصى عن  (8) ألآلاف مقتحم،مع ممارسة كافة طقوس إحياء الهيكل المعنوي.

عمليات الإقتحام تلك وممارسة الطقوس التلمودية والتوراتية علناً في ساحة الأقصى، الهدف منها، نزع القدسية الإسلامية الخالصة عن المسجد الأقصى،لكي يصبح في المرحلة الأولى مقدس ديني مشترك،أي اليهود شركاء في المكان،يكون لهم حياتهم وقدسيتهم الخاصة بهم،مقابل الشيخ المسلم حاخام يهودي،ومقابل الطفل المسلم طفل يهودي ومقابل المصلي المسلم مصلي يهودي.

حكومة الإحتلال باتت تعتقد أنه بعد  7أكتوبر ،أن هناك فرصة ذهبية،تمكنها من الإجهاز والسيطرة على مدينة القدس،وخاصة في ظل تنامي الفاشية في المجتمع اليهودي،وكذلك تقدم الفاشية اليهودية من أطراف المشروع الصهيوني الى قلبه،وإمساكها بمفاصل القرار السياسي " الإسرائيلي"، والتحكم بالحكومات" الإسرائيلية"  بقاء وسقوطاً،كما يحصل الآن مع حكومة نتنياهو.

يبدو بأن شهر رمضان هذا العام سيكون ساخناً،حيث العدوان مستمر ومتواصل على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني – 48 -،فبن غفير يعلن وبموافقة نتنياهو وقيادات الشرطة،بأنه سيتم فرض قيود على المصلين في الأقصى في شهر رمضان المبارك،وهذه القيود التي سيجري تنفيذها وتطبيقها تحت حجج وذرائع الأمن،أعتقد بأنه لا أساس لها،حيث قال رئيس وزراء الإحتلال السابق لبيد بأنها حجج سخيفة،وكذلك المستشارة القضائية للحكومة غالي بيهاراف ميارا،قالت بأن هذه القيود لا داعي لها ومضرة.

الأسباب الحقيقة لهذه  القيود،يمكننا القول بأنها تحمل أبعاداً سياسية لها علاقة بالسيادة والسيطرة على المدينة،وعلى المشهد الذي سيكون حاضراً من خلال وجود أكثر من ربع مليون مصلي في الأقصى أيام الجمعة وليلة القدر،مشهد يقول بعروبة وإسلامية هذه المدينة  بكل تفاصيلها وعناوينها،فهذا المشهد المعبر عنه بحشود بشرية في الأقصى وفي اسواق المدينة وأزقتها وشوارعها، تلغي المزاعم " الإسرائيلية" بأن القدس موحدة وعاصمة ل" اسرائيل"،حيث مقابل هذا الحشد والطوفان البشري، نجد عسكرة شاملة للمدينة ،ألآلاف الجنود ورجال الشرطة ووحدات المستعربين والحواجز الشرطية الثابتة والمتحركة والسواتر والحواجز الحديدية والمكعبات الإسمنتية على مداخل القرى والبلدات المقدسية واغلاق المداخل والحواجز المحيطة بالقدس ،عدا عن عمليات القمع والتنكيل والتفتيشات المذلة الماسة بكرامة الناس وخصوصية أجسادهم.

اجراءات وقيود الإحتلال ضد المصلين وفرض القيود على الأقصى وعلى مدينة القدس، ستدفع نحو التصعيد وإنفجار الأوضاع ،بما يتعدى جغرافيا القدس،وهذا الإنفجار سيطال كل الساحات الفلسطينية، من الضفة الغربية، الى الداخل الفلسطيني- 48 – وقطاع غزة ،وسيخلق تطور في الفعل الشعبي العربي والإسلامي ،وقد يخرجه من محدوديته ونخبويته ،وكذلك هذه القيود "الإسرائيلية" ستزيد من إحراج الأنظمة العربية من دول النظام الرسمي العربي واحلاف التطبيع وما يعرف بالسلام " الإبراهيمي" ،والتي عرتها معركة 7 أكتوبر ،وكشفت عن تواطئها مع دولة الإحتلال في الحرب العدوانية المستمرة على قطاع غزة،ولذلك ربما لكي تبيض صفحتها  وتمنع عريها الكامل والمفضوح،وقد تُقدم على اتخاذ خطوات تخفف من حالة الإحتقان والغضب الشعبي ضدها وضد مواقفها وسياساتها،وخاصة إذا ما توسعت دائرة الحرب نحو المنطقة والإقليم.

يبدو ان بن غفير وغالانت ونتنياهو وسموتريتش ،قرروا زيادة لهيب الحريق في المنطقة وإشعالها من بوابات القيود على المصلين في شهر رمضان المبارك...

لآلىء الألق.. قراءة تحليلية في لوحة الثلج الذي يغطي مستنقعات عميق البقاع الغربي للرسّام شوقي دلال/ الدكتورة بهيّة الطشم

 


على ضفّة نهر بلوري,وفي ظلّ أشجار سامقة,ساد الجنرال الأبيض (الثلج) سيادة بهيّة ليُنشد أرقى سمفونيّة طبيعية.

ولعلّنا نستذكر بجدير الاعجاب عبارة رائدة لعالم الفيزياء الشهير"أيناشتين" القائل:"تأمّل في الطبيعة تفهم كل شيء."

وبالعودة الى الأيقونة :تتعالى الأغصان وكأنّها الأيادي المرفوعة بخشوعها الى السماء (رِحاب الرحمة الشاسعة دون حدود,ومرتع الطمأنينة للرؤوس المرفوعة والعيون المحدّقة في جوهر التسامي المطلق وواجب الوجود وصانعه( الله).

اذ تحتضن فروع الأشجار حُبيبات الثلج في كنفها ,والتي ما تلبث أن تسري  وتتغلغل بجذوع وجذور وقلوب انتمائها. (عُمق مستنقع عميق).

وتستحيل ( تتحوّل) كُرات الثلج الناصعة الى قطرات المياه العذبة (لآلىء الألق) , لتسير الى عشيقها المستنقع ,حيث تلتحِف بالغيوم على ايقاع عَظَمة الجبال المترنمة بفائق الوقار.

وكأننّا بصدد لُغة الجمال اللامألوف ,نتعلم أبجديته من سيميائية لوحة طبيعية رائعة المعالم.

حيث يفيض ينبوع الملاك الأبيض(الثلج) ,وتنبري الشمس (مركز الكون) لتنثر خيوطها الذهبيّة على أديم المياه الفضيّة.

ما أروع أن نتأمّل ملياً وبعيون الدهشة الجميلة في حنايا مرتعٍ يُحاكي مسارح الألق, حيث زيّنت ريشة مبدعة كل تفاصيله المبهرِة ولا تنفك عن اقتناص فرصة رائعة لتجسيد الجمال بالخطوط والألوان!

وبالمُوازاة ترفرف أسراب الطيور في سماء المستنقع وكأنّها الملائكة الحارسة لرِحاب المكان ولتبشّر بزمان الخير مهما اشتدّت عواصف الحياة.

وفي سِياق استقراء فلسفة الألوان :

يُحاكي اللون الرمادي ملاذ الدفء ويهزأ بألوان العواطف الممزّقة والمنافقة على قارعة السّطحيّة أو الزّيف.

ويعكس اللون البنيّ عُمق التجذّر وجوهر الانتماء لربوع المكان.

كما ويتناثر ألَق الأبيض في أرجاء الأيقونة الشتوية ,ليعانق الأماني الناصعة.

واخيراً, نلتمس حكمة باهرة في اختلاف الظروف الزمكانية بأنّ صديق الطبيعة هو عدوّ اليأس.

لوحة الرسّام شوقي دلال للثلج على مستنقعات عمّيق البقاع الغربي لبنان

إشكالية العلاقة بين العلم والفلسفة/ د زهير الخويلدي



كثيراً ما أثير السؤال حول ما إذا كانت الفلسفة علماً، وإلى أي مدى هي علم، وما هي علاقاتها بالعلوم الأخرى. للعثور على الحل، يجب علينا أولا تعريف العلم. للوهلة الأولى، يبدو لنا العلم كنظام معرفي. لكن هذا النظام له أمر خاص يجب تحديده. للوصول إلى هناك، دعونا نرى ما هو هدف العلم.

يبدو أن العلم يحوز على غرض مزدوج: فمن ناحية يجب أن تلبي حاجة الروح؛ ومن ناحية أخرى، يهدف إلى تسهيل وتحسين الممارسة. حاجة العقل هذه هي غريزة الفضول والشغف بالمعرفة. أخيرًا، يهدف العلم دائمًا، إن لم يكن الهدف، إلى تحسين الظروف المادية للوجود، على الأقل، من خلال حقيقة أنه يسهل الممارسة ويحسنها من خلال شرح النظرية. ويحقق هذا الهدف المزدوج بوسيلة واحدة وهي التفسير. ومن خلال شرح الأشياء، يشبع العقل غريزة الفضول على أكمل وجه ممكن. إن معرفة أن الحقائق موجودة هي متعة أولى، ولكن معرفة سبب وجودها وفهمها هو إرضاء لمستوى أعلى. يمكننا أن نتصور العلم كصراع بين الذكاء والأشياء. اعتمادًا على ما إذا كان الذكاء منتصرًا أم مهزومًا، فإنه يرضي أو يعاني. إنها سعيدة بشكل خاص عندما تتمكن من فهم الشيء الذي تفحصه تمامًا، وفهمه، وجعله خاصًا بها، إذا جاز التعبير. هذا هو التفسير المثالي. لذا فإن الشرح هو أفضل وسيلة لإشباع غريزة الفضول. كما أنها أفضل طريقة لتحقيق الهدف الثاني للعلم من خلال جعل الأشياء قابلة للاستخدام بسهولة أكبر. عندما نعرف شيئًا ما بشكل كامل، يمكننا استخدامه بشكل أفضل وأكثر فائدة مما لو كنا نعرف وجوده فقط. لأن الشيء الموضح والمفهوم أصبح [كلمة غير مقروءة] نستخدمه أفضل بكثير من الشيء الأجنبي. في حين أن الحرارة، على سبيل المثال، التي نعرف قوانينها جيدًا، قد أدت إلى ظهور التطبيقات الأكثر فائدة، فإننا نستمد فائدة قليلة من الكهرباء، التي لا نعرف طبيعتها أو قوانينها الحقيقية والتي يكون استخدامها تجريبيًا بالكامل تقريبًا. لذا، فإن أفضل طريقة لتحقيق هدف العلم هو الشرح، يمكننا أن نقول: هدف العلم هو الشرح. لكن هناك شكلان من أشكال العلم وطريقتان للتفسير. تشرح الرياضيات من خلال البرهنة، أي من خلال إظهار أن النظرية المراد إثباتها متضمنة في نظرية أخرى مثبتة بالفعل، وأن ذكر أحدهما يعني ذكر الآخر، وأن أحدهما، في كلمة واحدة، مطابق للآخر. فالإظهار رياضيًا يعني إنشاء هوية بين المعلوم والمطلوب. لذلك تشرح الرياضيات عن طريق علاقات الهوية. كيف نثبت أن الزوايا الثلاث للمثلث تساوي زاويتين قائمتين؟ من خلال إظهار ما يجب قوله:


1. أن الزوايا المتناوبة والداخلية والمتناظرة متساوية و؛

2. أن مجموع الزوايا المتكونة حول نقطة على الجانب نفسه من الخط يساوي خطين؛ و

3. القول بأن مجموع زوايا المثلث يساوي خطين مستقيمين هو نفس الشيء.

فإذا صحت القضيتان الأوليتان، اقتضى بالضرورة أن الثالثة التي تطابقهما، صحيحة أيضا.

تشرح العلوم الفيزيائية خلاف ذلك: لم تعد علاقات الهوية هي التي تقيمها، بل علاقات السببية. وطالما أننا لا نرى سببًا لحقيقة ما، فهي غير مفسرة، والعقل غير راضٍ. يظهر السبب، وعلى الفور يقتنع العقل ويتم شرح الحقيقة. ولذلك يمكننا أن نعمم ونقول: إن هدف العلم هو إقامة علاقات عقلانية - علاقات هوية أو سببية - حيث أننا أثبتنا أن هدفه هو التفسير، وأن التفسير هو إقامة علاقات هوية أو سببية بين الأشياء.


بعد أن عرفنا كل هذا، دعونا نرى ما هي الشروط التي يجب أن يستوفيها نظام المعرفة حتى يستحق أن يطلق عليه اسم العلم.

قبل كل شيء، يجب أن يكون له موضوع مناسب للتفسير، ويجب عدم الخلط بين هذا الموضوع وموضوع أي علم آخر، ويجب تحديده جيدًا. كيف يمكننا أن نفسر عندما يكون الشيء المراد شرحه غير محدد؟

ثانيًا، يجب أن يخضع هذا الموضوع إما لقانون الهوية أو لقانون السببية، الذي بدونه لا يمكن تفسيره، وبالتالي لا يوجد علم.

لكن هذين الشرطين الأولين ليسا كافيين: في الواقع، لكي نتمكن من تفسير شيء ما، يجب أن يكون في متناولنا بطريقة ما. إذا لم يكن من الممكن الوصول إليها بالنسبة لنا، فلن نتمكن من القيام بالعلم حولها. إن الوسائل أو الوسائل التي يجب أن يكون تحت تصرف العقل حتى يتمكن من الاقتراب من دراسة هذا الكائن تشكل الطريقة. الشرط الثالث الذي يجب توفره في العلم هو أن يكون لديه طريقة لدراسة الموضوع. ومن خلال هذه المبادئ، دعونا الآن نفحص ما إذا كانت الفلسفة علمًا. وله موضوعه الخاص والمحدد جيدًا والذي لا يتعامل معه أي علم آخر: حالات الوعي. وبذلك يتحقق الشرط الأول. - إن الحقائق التي تشكل موضوعه تخضع لعلاقات عقلانية: لا يمكن للمرء أن يدعي أن حالات الوعي تفلت من قانون السببية. وبذلك يتحقق الشرط الثاني أيضاً. - وأخيرًا، للفلسفة منهجها، المنهج التجريبي: فهي بالتالي تستوفي الشروط الثلاثة اللازمة للحصول على لقب العلم وربما اعتباره علمًا بحق.


بما أن الفلسفة علم، فما هي علاقاتها بالعلوم الأخرى؟

في بداية التخمين، اعتقد الفلاسفة، بسبب الثقة المفرطة، أن هذا العلم يشمل كل العلوم الأخرى، وأن الفلسفة وحدها تؤدي إلى المعرفة العالمية. ومن ثم فإن العلوم لن تكون سوى أجزاء وفصول من الفلسفة. إن تعريف الفلسفة وإثبات حقوقها كعلم متميز يكفي لبيان عدم جواز قبول هذه النظرية. في أيامنا هذه ظهرت فكرة أخرى: لقد تم التأكيد على أن الفلسفة لم يكن لها وجود خاص بها وأنها كانت فقط الفصل الأخير من العلوم الوضعية، وتجميع مبادئها الأكثر عمومية: كان هذا، على سبيل المثال، فكر أوغست كونت. وما علينا إلا أن نستحضر تعريف الفلسفة لدحض هذه النظرية. للفلسفة موضوعها الخاص، حالات الوعي، موضوع مستقل عن موضوع كل العلوم الأخرى. هناك، هو في بيته، مستقل، وإذا أراد أن يشرح موضوعه فإنه يمكن أن يستعير من علوم أخرى، فهو على أية حال لا يخلط مع أي منها، ومع ذلك يبقى علماً متميزاً بين العلوم الأخرى. فما هي إذن علاقات الفلسفة بهذه العلوم الأخرى؟ - هناك نوعان: العلاقات العامة، وهي واحدة في جميع العلوم؛ العلاقات الخاصة التي تختلف من علم إلى آخر.

دعونا نلقي نظرة على التقارير العامة أولا. إن الأشياء التي تدرسها العلوم الإيجابية المختلفة لا توجد لدينا إلا بقدر ما هي معروفة. أما العلم الذي يدرس قوانين المعرفة فهو الفلسفة. ولذلك فهو يقع في المركز الذي تتلاقى فيه جميع العلوم، لأن العقل نفسه يقع في مركز عالم المعرفة. لنفترض على سبيل المثال أن الفلسفة قررت أن العقل البشري، كما اعتقد كانط، ليس له قيمة موضوعية، أي أنه لا يستطيع الوصول إلى الأشياء الحقيقية، وبالتالي فإن جميع العلوم محكوم عليها بأن تكون ذاتية فقط. دعنا ننتقل إلى تقارير محددة. وهم نوعان: الفلسفة تأخذ من العلوم الأخرى وتعطيها. وتستعير الفلسفة من العلوم الأخرى عددا كبيرا من الحقائق التي تعكسها والتي تسهل تفسير موضوعها. على سبيل المثال، من المستحيل القيام بعلم النفس دون اللجوء إلى تعاليم علم وظائف الأعضاء. عندما نتأمل في الظواهر الخارجية، يجب علينا أن نأخذ بيانات الفيزياء والكيمياء كأساس لتفكيرنا. ومن ناحية أخرى، تستخدم العلوم المختلفة، لتأسيس نفسها وبنائها، وسائل مختلفة، اعتمادًا على ما يتعين عليها تفسيره: الرياضيات لديها استنتاج؛ الفيزياء والتحريض. التاريخ الطبيعي، التصنيف. لكن من يدرس هذه العمليات؟ إنها الفلسفة. إنها تضع نظريتها، وترى الشروط التي يجب أن تخضع لها للحصول على نتائج عادلة. ولذلك، فهي تتساءل كيف يجب الجمع بين هذه العمليات المختلفة بشكل مختلف لدراسة الموضوعات المختلفة للعلوم المختلفة. باختصار، فهو يسعى إلى إيجاد أفضل طريقة لكل علم معين. وهذا حتى موضوع جزء مهم من المنطق يسمى المنهجية. هذه هي العلاقات بين الفلسفة والعلوم المختلفة التي تحيط بها.

لحظات وينهمر المطر/ غسان منجد



أَنْحني لخبز ألزمن ليترجل عن حصانه 

ويعطيني رفيف أقْحوانه 

أُفُقُ ينابيع 

وقبلة شهوه 

لِمنْ هذه ألشفاه ألتي تهمسُ لحلمٍ تاءه 


خزف ُ أناقه 

وأتكئ على كتف ليلٍ عاشق 

أُرافقُ سحر عينين على جسر ربيع 

وأَقتربُ من نيزك أضواء 

أَعذب من أنشودة أفق 

وأقصر من قصيدة بلا عنوان 

أَمشي تحت سماءٍ عارية 

وأحمل جثة خريف 

آكلُ من خيبة حياة 

وتهزمني طيورُّمُزيّفةً

يغمرني الفراغ 

وأرى صورتي على ضفاف عمياء 

لحظات ٌوينهمر المطر 

ويقف الشتاء عارياً امام عُري لحظاته

يلّونون كلامهم بعسل الخوف

ويرتدون غيومهم ألمسافرة في نهر الحقد 


الجزائِر وَسَطَ الرَّقْمِ الدَّائِر/ مصطفى منيغ



للتكبُّر أو الاستعلاء أو الترفُّع موعد حتمي لرجوع المَعْنِي المُصاب بعِلَلِه إلى أقلِّ مِن حجمه الطبيعي المُعتاد متى صدمته سُنُن الطبيعة المُسَّخِّرَة فيما تُسَخِّرُهُم الزمان ، أنَّ العقلَ مهما زاغ لعوامل خارجة عن مهمَّته كمُوَجِّهٍ لصاحبه نحو جِدِّية التصرُّف ومنطق الوقائع المُرَتَّبَة لمُسايرة الحياة على أحسنِ تقويمٍ وأطيب نعيمٍ بأدقِّ تنظيم يعود لمن خُلِق كإنسان ، محدودة صلاحية بقائه مفروشة سبل تعميره في الدنيا بما لا يزيد عن حاجياته فوق المسموح له كما نُبٍّهَ من قبل عن ذلك إن آمن بعقيدة تعلّمه أسرار فتح مزلاج النجاة حيث لا جاه ولا مال ينفعه سوى ما طبَّق من تعاليم منَّ عليه بها الرحيم الرحمان ،  الدول لا تنأى عن مثل القياس إن ساسها مَن أراد لنفسه ولها حسن ختام إذ دوام البقاء محسوم لا رجعة فيه كان ما كان ، فالأصوَب من الصواب أن تتصرّف كل منها على حدة بما يُمَكِّن التنافس  المشروع بينها القائم على الاجتهاد غير الممنوع الضامن نتائج تعود بالمفيد على الجمع العمومي المجموع بالخير والأمن والاستقرار والإحسان .

... ذهبت الجزائر بإيعاز ممَّن يرأسها لتعبِّر دبلوماسيا ما لم تقم به بوسائل أخرى وهي قادرة على ذلك بما تملك من ثروات ومنها إنتاج النفط كأضعف الإيمان ، ذهبت للدفع بتبادل الكلمات المعاد مضمونها من طرف مندوبي الجهات الرسمية العربية المعتمدة في هيأة الأمم المتحدة الموزعين على المؤسسات التمثيلية المُخصصة حسب تنظيم ذاك المَحْفِل الكبير المُفْرَغ صراحة من تأدية واجب الحفاظ على العدل والسلام الدوليين بسب طرفٍ مُهيمِن بحصانة الفيتو ذي الموقف الصارم المَنْعِ المتين الأركان ، ذهبت وهي مدركة كمندوبها أن النتيجة ستكون واحدة دون تغيير ما دام العرب في كفة وتصرفاتهم فيما بينهم في أخرى لميزان مُرَنِّح لثَباته ريح عدم الآتفاق الهَبُوب بين الخليج والمحيط مهما كان الميدان ، سياسياً عسكرياً اقتصاديا حتى عاد الحديث في موضوعهم يُبعد المتحدثين به عن أي جَدْوَى أو اطمئنان ، ولم يكن للمجهود الجزائري الرسمي أي أثر يُذكر باستثناء تغطية حاجيات إعلام محلي لنشر نشاط لا يخرج عن البساطة ولا يغني عن وقائع معاشة يحياها  العالم العربي المكدَّسة جوانبه الرَّسمية بالخيبة والتخاذل والفشل حيال جزء لا يتجزأ منه يتعرض للإبادة على مرأى ومسمع 21 دولة من دوله ذات السيادة بمفهوم اليقين دون التوضيح بالإكثار من البيان.

...الولايات المتحدة الأمريكية ركَّزت في عرقلتها إصدار أي قرار يوقف مجلس الأمن عدوان إسرائيل على قطاع غزة بسبب أمرين اثنين كلاهما يغطيان عجز أي بديل مُعزَّز بالبرهان ،  عدم إدانة حماس عمَّا قامت به يوم السابع من أكتوبر الماضي أولاً والثاني التوقيت لم يكن أساساً مناسباً مادام هناك تفاوض يجري بالقاهرة حول موضوع إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لدى منظمة حماس وما أَتْلَى الأمرين معا يرمز للموقف الكئيب الحزين المُمَرَّغ في البُهتان ، لأكبر دولة  المتكبِّر المُتعالَى المترفِّع تصرفها الرسمي غير المنصف اتجاه فلسطين المُستضعَف حالها لرضوخها تحت مذلة احتلال منزوع الرحمة لتكون الوحيدة في  العالم وهي تساند الظلم وأشد بل أفظع أنواع العدوان .

.. الجزائر بقدر ما وضعت نفسها وسط الرقم المستدير المُدار بقدر ما أرادت تقليد دولة جنوب إفريقيا حِرصاً منها على تبيين اهتمامها الكبير بالقضية الفلسطينية وما يحدث داخل قطاع غزة على وجه الخصوص من غليان ، بطريقة أيسر منها فعلاً و تدبيراً وانجازاً ما كان ، اعتماداً على حشد مؤيدين مهما حمَّستهم العاطفة عن مقاسمة نفس اللغة إلا أن تصويتهم لن يؤدي لنتيجة توقف ما ترتكبه إسرائيل ما يعجز عن ارتكابه الشيطان ، غير منزعجة لأنها لا تقيم وزناً لما يظهرونه مادام المكنون سره عند جل رؤسائهم مضبوط بتنسيق مباشرٍ مع إدارة البيت الأبيض الأمريكي بالمرموز فالواضح المصبوغة علاماته بكل الألوان . هذا لا يقلِّل من أهمية الدولة الجزائرية وإنما يفسح المجال أمامها لاتخاذ ما يمكن اتخاذه (إن رغيت طبعا) إنقاذا للكرامة العربية وحفاظاً على صمود المقاومة الفلسطينية حتى تحقيق النصر المبين في أقرب الأوان ،  وذلك بإقناع الأردن على تحمُّل مسؤولية تزويد غزة شعباً ومقاومة بكل الحاجيات الضرورية للبقاء حيث يجب عليهما البقاء ما دامت إسرائيل بما تسعى من وراء أعمال إجرامية جد خطيرة  هدفها امتلاك تلك الأرض فارغة من أهلها وذاك لا يحتاج لمزيد شرح وتعميق إعلان ، الجزائر بما لها من إمكانات مادية ضخمة والأردن بقربه لمواقع تسهيل الاتصال المباشر في عين المكان ، وللجزائر من العقول النابغة ما تدرك به أي تخطيط قوامه إنجاح مثل العملية في أمن وأمان .

فيتو الأمريكي أسقط الحق في الحياة/ صبحة بغورة

   


عقد مجلس الأمن الدولي يوم الثلاثاء 20 فبراير2024 جلسة التصويت التي انتظرتها شعوب العالم على مشروع قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة لأسباب إنسانية، وكانت نتيجة التصويت 13 صوت مؤيد وصوت واحد معارض وصوت واحد ممتنع.


للأسف كان الصوت المعارض داخل المجلس هو صوت الولايات المتحدة الأمريكية، ويعبر عن الصوت المعارض لإحدى الدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن " بالفيتو" ويعني في حقيقته رفض مشروع القرار المقدم حتى وإن حاز على أغلبية الأصوات.

معنى الفيتو الأمريكي أن لا وقف لإطلاق النار في الوقت الراهن بقطاع غزة، وأن للكيان الصهيوني المغتصب أن يسعد بتمتعه بهامش زمني واسع ليحدد على مهل خطوات استكمال جرائمه ضد الإنسانية،ولاشك سيتهلل وجه الزومبي النتن بعدما تخلص من ثقل الضغوط الدولية  للانطلاق المحموم نحو مواصلة مؤامرته ضد الشعب الفلسطيني : القتل ،الإفقار، الهدم والتدمير، التشريد ، إخلاء قطاع غزة من أهله وتهجيرهم نحو مصر وصولا إلى تحرير جنوده الأسرى لإرضاء الرأي العام الداخلي، وبالتالي الإفلات من مصير ينتظره وهو محاكمته على تهوره السياسي الذي أضاع اقتصاد الكيان الصهيوني دون تحقيق أي هدف محدد وواضح ودفع بالشباب إلى أتون حرب لم يحسن تقدير عواقبها سقط منهم الكثير بين قتيل ومصاب وأسير.

المؤامرة الصهيونية لا تحترم المجتمع الدولي لأنها لم  تعبأ بأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني طالما أن العم سام يدعم الكيان المحتل سياسيا وماديا وعسكريا ... وكل شيء ، بمعنى أن العم سام قد أباح لنفسه التواجد في نفس الموقع المخزي للكيان الصهيوني، لقد أباح الفيتو الأمريكي للكيان الصهيوني مواصلة قتل الشعب الفلسطيني واستحلال دمه، وببساطة حرم الشعب الفلسطيني في العيش بحرية وكرامة، وأسقط حقه في الحياة، فلا تساهل بعد الآن في مراقبة عبور قوافل المساعدات الإنسانية والإغاثية، ولا مؤاخذة في عرقلة مرورها،  الموت جوعا وعطشا وبردا ومرضا .. وقتلا هو ما  ينتظر مئات الآلاف من النازحين إلى جنوب قطاع غزة المتزاحمين قرب الشريط الحدودي مع مصر الذين كفروا منذ أكثر من 75 سنة بمبادئ حقوق الإنسان وبقيم الحرية والسلام حين وقفت منظمة الأمم المتحدة إلى جانب المغتصب فوقعت أكبر سقطة تاريخية نفضت عن هذه المنظمة التعيسة أي مزاعم بائسة بالعدالة والشرف  والنزاهة .

ليس أمام الشعب الفلسطيني الآن سوى التمسك بالحياة، بالإقبال على الموت شرفا بالاستشهاد، لقد سبقوهم أقوام في إدراك هذه الحقيقة فكان لهم ما أرادوا، ولم يسقط حقهم في الحياة ... عاشوا .

الفيتو الأمريكي وصمة عار ثابتة في جبين الولايات المتحدة منذ سنين طويلة حين أكد انحيازه الكامل للمغتصب الصهيوني، والمصيبة أن يكون وراء هذا الانحياز اطمئنان بأن الدول العربية جمعاء تحتاج إلى أمريكا وأنه لا يمكنها الاستغناء عنها مهما حدث ومهما بدر منها، والحقيقة بالعكس لأن البدائل كثيرة والخيارات متنوعة ، وعديد الدول تتقرب توددا ومازالت  تمد يد الدعم  والعون والتعاون .

حين تشيخُ السَّاعاتُ/ جورج عازار



في انتظار أبداً

من لا يأتي

 تَشيخُ السَّاعاتُ 

والشَّوقُ يا سيِّدتي

 لا يقاسُ فهو المقياسُ

والعشقُ لا يؤطَّرُ

في موازينَ فهو الميزانُ

فلا الزَّمانُ مارِدٌ

 ولا التَّاريخُ جَبارٌ 

خيوطُ الُّلعبةِ صنيعتنا

 وكُلُّ الأحداثِ بحناجِرنا 

تَهتفُ وتَبوحُ

لا تُعلِّقي خيباتَك

 على مشاجبَ الأيامِ

 نحن يا سيدتي

 سادةُ العصرِ

 وملوكُ الزَّمان 

ونحنُ يا حلوتي 

من يصنعُ للتاريخِ 

أحداثاً وأزماناً

لاتكوني قاسيةً 

مثل صخرٍ مثل صلد ٍ

أو صَوَّانٍ

 ومثل حكايا الرٍّيحِ

تلتهمُ حكايا العُشاقِ

وأبداً منها لا تشبع

 ومثل صُوَرِ الأحلامِ

 كلما مَددتُ يَدي

 لأقطفَ نجمةً

 تَفرُّ مِنّي

وفي المعارج القَصيَّةِ تتوهُ

نتغيرُ أم يتغيرُ المكان 

نتبدلُ أم يتحولُ الزمانُ

 نكبرُ أم من بين أيدينا

يتَسرَّبُ العُمرُ

تتلعثمُ البوصلةُ

ويصيبُ الخَرَفُ

خرائطَ الطَّريقِ

ودهاليزُ النِّسيانِ 

 تزدردُ وجوهَنا

وتُلقي بأرواحِنا

في حقائبَ سفرٍ

عبر متاهاتِ القرارِ

 لا أحبُّ الدَّمعَ في عينيكِ

شلالاتُ الحُزنِ

تُغرِقُ مراكبَ الأفراحِ

 وتتركُني على المفارقِ

وحيداً أعاينُ الأضرارَ


 ستوكهولم السويد


أيامنا الحلوة/ ابراهيم أمين مؤمن

           


              

وغادر الطبيب بعد أن أخبر هدى بالحقيقة، وقد مثلت تلك الحقيقة صدمة كبيرة لها، وطفقت تفكر في مآل مَن حولها والصلة التي تربطها بهم.

انهمرت الدموع من عينيها، هاتان العينان البريئتان الخضراوان اللتان ما نظرتا قط ما في أيادي غيرها من نعمة؛ بل كانتا تنظران فحسب إلى الأيادي الفارغة لتملأها من نعمة ما استطاعت إلى ذلك سبيلا. 

لكن اليوم قد لطخ المرض العينين بالشحوب والهرم، وغلت اليدان في جراح قلبها.

ووضعت كلتا يديها على وجهها، ذاك الوجه المستدير الرقيق ذو الأنف الصغير والشفاه الرقيقة يبسوا كالصحراء الجرداء، وذهب منه نضج الفتاة الشابة العذراء ليحل محلها شحوب المرأة العجوز الشمطاء.

وتحاول أن تبكي بشدة بيد أنها لا تستطيع لأن البكاء الشديد يسبب لها آلاما في قلبها الذي أجري له عملية جراحية خطيرة منذ نحو ساعتين.

وقالت لنفسها في حزن بالغ: البكاء راحة للنفوس بيد أنه صعب المنال بالنسبة لي، فما أنأى الضحك عني إذن، فقد التصقت الشفاه بجراح قلبي.

 وكانت تسعل، تحاول أن تمتص سعلاتها حتى تخرج رقيقة خفيفة حتى لا تضربها في جراح قلبها الذي لأمه الطبيب في العملية.

قالت في نفسها: لن أستطيع أن أنفق على نفسي لأن الحركة وحدها كفيلة بأن تودي بحياتي، كما أن الزواج فيه خطر على حياتي ولو بعد حين، إذن فما قيمة الحياة بعد ذلك! وفكرت في الخلاص من الحياة بيد أنها لم تعزم هذا الأمر بعد بصفة نهائية.

                                                  ***

جاءها خبر بقدوم ثلاثتهم إليها، كان الطبيب المعالج نقلها إلى قسم الجراحة حجرة 3.

طلبت من الممرضة آنذاك بصوت منخفض يصاحبه سعال رقيق خفيف أن تزين حجرتها وتنظفها لاستقبالهم.

فنظفتها كلها، بيد أن الزهرية التي كانت على منضدة الزينة هوت وتكسرت، وليس هي فحسب، بل سقطت المرايا التي فوقها. فلملمت الممرضة الزهرية والمرايا وألقتها في سلة المهملات لحين إلقائها فيما بعد في التراب.

وكانت الممرضة تقول: لا أدري كيف حدث هذا؟ ولست أدري أيضا كيف ذبلت تلك الأزهار وقد كانت بالأمس ناضجة تلذ الأعين.

لم تنزعج هدى لما حدث، بل كانت تعتقد في قرار نفسها أن تلك المرايا وهذه الزهرية قد حان أجلهم.

وسعت الممرضة نحو النافذة لتفتح الستارة قليلا لدخول أشعة الشمس بالقدر الكافي وهي تقول: تلك الستارة على وشك التهتك والسقوط.

وولت قائلة: الكحكة في إيد اليتيم عجبة.

                                                      ***

استقبلتهم هدى بوجه مبتسم، لم يشعروا حيالها بشيء من الانزعاج أو الخوف حيث كانت طبيعية لأقصى درجة.

نظرت إلى حبيبها أحمد نظرات إشفاق وهي أحوج من تكون لهذه الشفقة، لذلك حثته دون أن تعلمه بما قال به الطبيب لها بوجوب الارتباط ببنت خاله، متعللة بأنها مريضة وأنها بنت ملاجئ، وعلى النقيض، بنت خاله حسنة الخلق والخلقة وذات حسب ونسب فضلا عن ثرائها.

فاستنكر رأيها بشدة، وطلب منها أن لا يسمع منها هذا الكلام مجددا. فأخذت تفكر في أمره إن هي ظلت على قيد الحياة، لم تنس أنه حاول أن يسرق من أجل أن يوفر لها ثمن العملية وقد لطف الله به، وأنه لن يتورع أن يفعل ذلك مجددا من أجل توفير العلاج والدواء لها لاحقا فضلا عن استحالة زواجه ببنت خاله.

فأدركت أنها حجر عثرة على درب سعادته.

حينئذ أطرقت في حزن بالغ قد ألجم مشاعرها وأخرس لسانها.

ثم ما لبثت أن نظرت إلى علي، سألته عن حاله وهي تسعل، فقال لها متصنعا السعادة بأنه ارتبط ب "خاطرها"

تلك الفتاة دميمة المظهر رديئة الخلق سيئة المعشر، هكذا أخبرها من قبل، كما أخبرها أن الزواج بها أشبه بالجحيم.

وهي تعلم أنه فعل ذلك من أجل أن يوفر لها ثمن العملية الجراحية التي أجرتها منذ نحو ساعتين.

كما تعلم أن بقاءها على قيد الحياة سيجعله يعيش في هذا الجحيم دائما، وإذا رحلت سيتحرر ويخرج من هذا الجحيم.

 فباتت حجر عثرة في حياة علي أيضا، ذاك الفتى الذي تعتبره أغلى من أخيها الذي لم تعلم به.

ثم نظرت إلى رمزي الذي انتفخ وجهه من كثرة اللكمات التي أصابته في المباراة التي أقيمت بينه وبين وحش الإسكندرية.

 كما أنه أصيب بقطع حاد في المنطقة التي بين حاجبه وأذنه اليمينين.

أما ذراعه فمكسور، وقد حُمل على شريط ملتف حول رقبته ومتدل أسفل ذراعه كقاعدة ارتكاز.

فرفعت يدها نحوه متسائلة عن تلك الإصابات التي ألمت به.

فلم يجبها وأمال رأسه إلى الأرض. 

فتأكدت أنه لعب مباراة الملاكمة أمام بطل إسكندرية. 

فكيلت له تلالا من الملامة معللة بأنه أشبه بالوحش وأنه لا يتواني أن يقتل خصمه تحت ذريعة المباراة.

 وأدركت أن رمزي لن يمانع في أن يخوض مباراة أخرى من أجل أن يوفر لها ثمن الدواء والعلاج اللاحقين.

فقهت الأمر وقالت له في ألم بالغ وهي تسعل: من أجلي طبعا، من أجل أن توفر لي ثمن العملية.

نحى وجهه عنها ولم ينبس بكلمة.

شعرت حينئذ كم هي عبء على كل من حولها. 

أدركت هدى عن يقين تام أنها إن عاشت سوف تكون عبئا على المجتمع رغم أنه ضربها في ظهرها ألف ضربة منذ مولدها، حيث رماها هذا المجتمع في ملجأ وهي تصرخ من شدة الجوع والعطش والبرد.

لذلك عزمت على قرارها الذي فكرت فيه قبل دخولهم عليها.

                                                 ***

فلما غادروا ظهرت عليها ملامح الألم والحزن بعد أن شاهدتهم وهم يلتفون حولها ويحيطون بها إحاطة الأم على أولادها.

وجسدت في مخيلتها المستقبل البائس لثلاثة من الشباب كلهم يحبونها إن بقيت على قيد الحياة.

لم يكن بجديد عليها ما سوف تفعله الآن فقد فعلتْ فعلا أشبه بذلك عندما كانت في الملجأ وهي في الخامسة عشر من عمرها؛ حيث كانت لها رفيقة في حجرتها أصابها حادث فنزف دمها إلى حد بلغها رائحة الموت.

ولم يجدوا فصيلة دم صديقتها إلا فيها، وبعد أن أجريت الفحوص عليها تبين أن التبرع بدمها فيه خطورة على حياتها هي أيضا ورغم ذلك وافقت أن تتبرع بدمها لها بكل إصرار وتحد.

وعندما دخلت الحجرة ورقدت على السرير لسحب الدم من يدها دخل عليها عم عامر الذي انتشلها من أمام المسجد عندما كانت حديثة الولادة.

أول ما رأته تذكرت قوله لها عندما سألته عن حالها يوم أن انتشلها.

قال: كنتِ يا ابنتي تصرخين، ولا أدري أكنتِ تصرخين من الجوع أم من البرد.

فأجابته: ربما كنت أصرخ من لعنة الزمن.

قال: كانت ليلة شديدة المطر، ولم يكن على جسدك شيئا. 

نظرت إليه وهي مستلقية على ظهرها وقالت: ماذا تريد مني يا عم عامر؟

قال وهو يمسح دموع عينيه بأنامله: يا ابنتي، لا أوافقك على فعلك هذا، فقد علمت أن التبرع بالدم فيه خطورة على حياتك وأنت لم تري الدنيا بعد.

قالت: أريد أن أرد جميل القدر الذي جعلك سببا في انتشالي يا عم عامر، وها أنا ذا أفعل فعلك وأنقذ صديقتي من الموت.

قبلها في جبهتها ثم انصرف متأثرا بصفاء قلبها وعظمة وفائها.

                                               ***

حينئذ نهضت وقالت في نفسها: لابد أن أكون عند حسن ظن عم عامر.

نظرت بعد مغادرتهم في أركان الحجرة، وقد قررت أن تكون هي موضع نهايتها إلى الدار الآخرة، وقد حمدت الله أنها عرفت نهايتها وتأسفت على أنها لم تعرف بدايتها.

قررت أن تودعهم بطريقتها هي، وداع من طرف واحد، وداع المضحين بأنفسهم في سبيل راحة من حولهم. 

تنفست أنفاس رماد متهالكة، من رئتين أرهقهما قلبها  المثقل بالمرض.

وضعت يدها اليسرى على قلبها حتى تتمكن من النهوض لتودعهم قبل أن يدركها الموت وحتى تتمكن من الوصول إلى النافذة.

تحاول النهوض شيئا فشيئا وفمها مفتوح لتتمكن من إخراج زفيرها المتهالك من صمامات قلبها الضيقة الجريحة، تحاول أن لا تحرك جسدها حتى تتحاشى الألم الناتج عن الحركة والذي قد يودي بحياتها قبل أن تودعهم فتموت حسرة وكمدا قبل أن تحقق هدفها المنشود.

انزاحت حتى وصلت طرف السرير، ورفعت الغطاء بيدها اليسرى من على قدميها، ثم وضعتها مرة أخرى على قلبها.

وقفت على قدميها بجسد مرتخ، واتكأت على المنضدة التي كانت عليها الزهرية، ومشت خطوتين أو ثلاثة حتى أدركت ستارة النافذة فأمسكتها بيدها اليمنى بينما لا زالت يدها اليسرى تمسك بقلبها حتى لا يتوقف عن النبض قبل إدراك لحظة وداع الأحبة.

ونظرت من النافذة، فوجدت علي ورمزي في المقدمة، بينما أحمد يمد خطواته كي يدركهما.

انهمرت دموع الوداع، وقد نسجت بين خيوطها التضحية في أسمى معانيها، نسجت اللحظة الأخيرة من حياتها.

فلما قرت عينيها، جاءها الموت رغما عنها وهي لم تشبع رغبتها بعد في النظر إليهم وهم يغادرون فناء المستشفى.

وتبين ذلك أنها كانت تمسك بستارة النافذة، كانت تحاول أن تسعفها الستارة في استمرار وقوفها لتملي عينيها من النظر إليهم.

لكن الستارة لم تتحمل وتهتكت في يدها لتسقط على الأرض وتودع الحياة، تودع الحياة التي جاءتها ملقية على الطرقات وهي وليدة، لتخرج منها شابة لم تذق من الحياة إلا مرارتها، ولتقدم رسالة من الرضا والتضحية والوفاء إلى المجتمع الذي خانها وغدر بها وفتح لها أبواب الجنة ثم ما لبث أن أغلقها في وجهها بكل قوة.