قبل أن نسرد خطوات الخلاص – من وجهة نظري المتواضعة - من الواقع المرير الذي تعيشه الأمة، دعونا نسرد بعض الحقائق لتسهيل توضيح الفكرة ثم نستنتج.
كيف الخلاص؟ هذا ليس بالسؤال السهل على الإطلاق فعلا و ذهبت فيه الأمة لكل الاتجاهات تقريبا حتى أنه لم يتبقى أي حل أو هكذا يبدو.
ذهبت الأمة لخيارات كثيرة لن أفصلها كلها لضيق المساحة لكن منها الصمت بأنواعه السلبية و المنحرفة، و دعم الاستقرار، منها قبول الواقع و محاولة التعايش معه، منها التمني و منها تقليد العالم المتقدم و التحديث و الاصلاح طبقا لمعايير غربية أو محاولة ذلك و لو جزئيا. و سأتوقف عند أهم خيارين من وجهة نظري و هما:
خيار الدعوة : و هذا أفضل من الخيارات السابقة لكن يعاني من مشاكل خطيرة حقا على الرغم من كونه نوع أجرأ بكثير و يسعى للإصلاح سواء تحت مظلة ما نسميه اصطلاحا بالعلمانيين أو الليبراليين، أو بعض الإسلاميين و إن كنت أرى أن كل أفراد- على مستوى الأفراد – من هذه الجماعات هم مسلمون أولا و أخيرا و أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يمكننا أن نسميه و لو مجازا الدين المدني حقا فهو الدين الوحيد الذي نظم الشؤون الدنيوية و الروحية و صهرهم في جسد واحد، لكن هذا ليس موضوعنا الآن. يعاني هذا الخيار من مشاكل جسيمة و أهمها فساد البرلمات و الحياة السياسية في عالمنا الإسلامي و سيطرة الحكام عليها إن وجدت أصلا و تمكين المتواطئيين و الفسدة من من البرلمانات و مفاصل الحياة السياسية و قطع الطريق أمام أي تغيير سلمي و تداول للسلطة، مشكلتهم أيضا البعد عن الجمهور و الشارع بقصد أو بدون قصد لفشل آلياتهم أو للتضييق عليهم، فالأحزاب و الجماعات و الأفراد و ذوي الرأي في عالمنا الإسلامي منتهكة. لن أطيل علما أن من هذا الفريق من هم شجعان بحق و ممن ضحوا لكي يغيروا، و أتخيل أن نجاحهم الحقيقي هو نجاح تراكمي و ليس جذري في قدرتهم الضئيلة لكن الحثيثة في التوعية و تغيير الثقافة المنحطة التي يعيشها المسلم المعاصر. لكن لم يصنعوا نجاح حاسم و إن كان دورهم مهم و لا يمكن الاسغناء عنه. و منهم أنواع أيضا شاذة و منحرفة لكن يكفينا هذا.
الحل الأخر الذي سأتوقف عنده بتفصيل أكبر و ذلك لحالة اللبس التي يسببها لدى الكثيريين، هو الجماعات الإسلامية و التنظيمات الإسلامية، و هي مختلفة و تختلف لكن لتقليل حجم المقال سنتحدث عنها بالعموم.
هن أنواع أيضا منها المدجن و الوحشي. المدجن من دجنته الأنظمة و أصبحت قيادات تلك الجماعات أو القطعان يدجنون كل أفراد الجماعة، و لا داعي لذكر أمثلة فهن جماعات داجنات متصالحات مع أنفسهن و الوطن و الجميع.
أما النوع الوحشي و هذا يهمني أكثر من غيره حقا لأنه جاء على خلفية الحجج بأن التغييرات السلمية فشلت و تفشل و هذا حقيقي و لا ننكره للأسباب السابقة، فحمل أنصار هذا الحل السلاح و منهم من وصل إلى حد تكفير العالم بمن فيهم من المسلمين أنفسهم حتى من الضعفاء و الجهلة و المستضعفين و من سواهم و هذا تجسد بصورة مروعة في داعش التي فاقت حتى القاعدة و جميع الجماعات في الوحشية و الرجعية و لعلهم كجماعات مسلحة اختلفوا و اقتتلوا في سوريا و ليبيا و حتى أفغانستان و أينما وجدوا معا للأسباب المختلفة أهمها لإنهم اختلفوا في الرؤية و المنهج من الأساس فلم يصبوا جام نارهم إلا على المسلمين و الأبرياء في أغلب الأمر، و قلنا سابقا و أشرنا إلى مشكلة خطيرة و هي أنهم ايضا لا يتعلمون من تجارب الماضي مثلهم مثل الأنظمة، فهم دربوا و نقلوا و فتحت لهم دولا في المنطقة الحدود، و مولوا برضى الغرب، و أعتقد أننا لن نجادل و نتخيل أن هناك أي نظام إسلامي واحد كان يجرؤ على دعمهم أو تيسير وصولهم إلى الدول المستهدفة بدون إذن و رضى الغرب الذي تعاون معهم عيانا بيانا منذ أن اختلقهم و استعملهم منذ أيام الحرب الباردة حتى يومنا هذا و لم يتعلموا أبدا أنهم أصبحوا "كارت" يلعب به الغرب وقتما شاء ليرهب به من تسول له نفسه من الحكام هؤلاء بأي شيء، أو لإسقاط مشاريع إقليمية تهدد اقتصاد، أو أمن الغرب أو مجرد قواعد لعبته العالمية و للحروب بالوكالة، و لتوضيح ذلك تحديدا لمن لايصدق، أقول أسأل نفسك لماذا سوريا تحديدا، و بينما لا نسمع عن أحد يناصر موريتانيا مثلا التي ترتع فيها فرنسا و الجيش الفرنسي كما شاؤوا اللهم الا نادرا؟ لماذا سوريا، هذا لأن سوريا بنظامها (سواء كرهناه أم لا) هو نظام حليف لإيران و حزب الله الذان يشكلان تهديدا وجوديا على الكيان الصهيوني و هم من أثبتت الأيام نجاح محور مقاومتهم باستثناء بشار نفسه إلا أنه كان و لا يزال يمكن حزب الله في حربه مع الكيان الصهيوني المحتل. هذا باختصار شديد و كل ليبيب بالإشارة يفهم، و لو نظرنا أصلا لتاريخ القاعدة سنجد أن الغرب استعملهم في حرب بالوكالة على خلفية الحرب الباردة ضد الإتحاد السوفيتي و انتهى منهم فيما بعد لكن الغرب لا يقضي عليهم تمام لأنه يستجلبهم من فترة أو أخرى. سؤال أخر لماذا لا تتواجد مثل هذه الجماعات إلا في مناطق فيها مصالح، أمنية أو اقتصادية أو استراتيجية غربية أو صهيونية مهمة و مهددة، صدفة؟ لماذا لا يتواجدون في أماكن أخرى أقل تهديدا على الغرب مثلا و في العالم الإسلامي المقهور لكن الصامت و المهمش؟ صدفة؟ لماذا لم يناصروا مسلمي الروهينيا في ميانمار (أو الروهيجنا كما نعرفهم بالعربية)؟ صدفة؟ لماذا لم يناصروا المسلمين في الصين و خاصة غرب الصين و في كشمير و الهند؟ صدفة؟ لماذا تحديدا يحاربون في دول ذات دور محوري إما لثرواتها التي استباحها الغرب مثل العراق و ليبيا علما بأن تلك الدولتين كانت ثرواتها مؤممة و تسعى للتخلص من البترودولار؟ صدفة؟ لماذا لم ينصروا حماس مثلا التي لم تجد طريقا سوى إيران تماما مثل سوريا عندما انسحبت مصر من الصراع العربي الصهيوني و تركت سوريا وحيدة بأرض محتلة ثم دخلت مصر في طور التقزم بينما إيران كانت تصعد و تتمدد و لا زالت؟ صدفة؟ عندما سيطر الجهاديون على سوريا و العراق و ليبيا، كم من مجاهد ذب عن فلسطين و كم قذيفة أطلقوا على الاحتلال الصهيوني؟ صدفة؟ السلاح الذي يملكوه من صنعه و أمدهم به؟ صدفة؟ هناك العديد و العديد من الصدف – و ما أكثر صدفهم المستحيلة - تحيط بهذا المعسكر بل و المشاكل و عدم استخلاص العبر.
هناك من هذا الفريق جماعات ممن قصرت حمل السلاح على محاربة الأنظمة، و لكن لم تفضي لشيء لأن منها من دخل في تسويات مع الأنظمة، و منها من سحق بدعم الغرب عسكريا و استخباراتيا و تكنولوجيا للأنظمة، و الكل لم يفهم أن الغرب قلما يستأصل أعداء الأنظمة الحاكمة المسلمة ، لأنه يربح من هؤلاء و هؤلاء لكن يحجم من يشاء بالقدر الذي تتطلبه الظروف. هذا ماحدث تحديدا مع هذا الفريق. و الأدهى أن نفس الشيء الذي حدث مع القاعدة يحدث مع كل تلك التنظيمات وباعتراف الغرب و الشرق العلني، ففي فترة الحرب الباردة أخذت تلك التنظيمات بأوامر غربية و تنظيم و تسليح غربي و تمويل عربي و اسلامي إلى أفغانستان و سمحت الأنظمة العربية و المسلمة المستعبدة لتلك الجماعات بالرحيل بحجة الجهاد، و جمعوا التبرعات للجهاد المبارك ( و منهم الملك سلمان نفسه الذي كان أميرا و ولي صندوق دعم سعودي رسمي لجمع التبرعات للجهاد في أفغانستان)، و كان الأمر كما قالت هيلاري كلينتون و يمكن الرجوع لكلماتها، كانت حرب بدمائهم ( المسلمين) و أموالهم و انتصرت الولايات المتحدة فيها. سقط الإتحاد السوفيتي، نحرت الجماعات نحورها في حروب تنافسية تحت اسم الإسلام خسرها الكل حقيقة و إن كانت طالبان قد بسطت سيطرتها و ضاعت أفغانستان حتى أصبحت لا تنتمي لكوكب الأرض من الأساس أو كأن الزمن قد توقف بها في أحد عصور الظلام، و ربح الغرب أنه تخلص من الإتحاد السوفيتي، رد شيء من كرامته التي أهدرها السوفييت في فيتنام، و الأهم أنه باع أسلحة للمجاهدين، و الأنظمة، و تخلص من الجهاديين و الذين لاحقا سماهم الإرهابيين الذين يعيشون على أراضيه و في أغلب العالم الإسلامي ثم رفضت دولهم أن تستقبل العائدين منهم، و هو نفس ما يحدث مع الجماعات التكفيرية و الجهادية اليوم في سوريا و العراق بل تحدثوا صراحة عن قصفهم و قتلهم هناك لكي لا يعودوا و هذا ما يحدث. أي جهاد إذا و نصرة لمن؟؟؟؟ أليس على المسلم أن لا يلدغ من جحر مرتين؟ بمعنى أخر الغرب طالع كسبان نازل كسبان. و لا و لم يتعلم أحد و أعيد أنتاج التجربة في البلقان (البوسنة) و هكذا بلا نهاية.
المهم: فشلت كل تلك الفرق و الحلول و كلها جميعا تشترك في صفات محددة بما فيها الأنظمة نفسها، أهمها على الاطلاق هي عدم امتلاكهم أي ظهير شعبي و سنفهم ذلك أكثر و انعكاسه عندما نتحدث عن الحل.
التوطئة للحل:
بعد استعراض سريع لما تقدم، قد نشعر أنه لا أمل، لكن على العكس. بات الحل أكثر جلاءا في ظل الأحداث الأخيرة، فعلى الأقل إن أجبت على أسئلتي السابقة ستتمكن من أن تصنف و ترى الصالح من الطالح و أن ترى الأمر جليا.
أثبتت الأيام و التجربة أن الثورات العربية نجحت فيما فشلت فيه كل الفرق السابق ذكرها اختصارا. و لكي نفهم أكثر دعونا نتفق على أن المستهدف الوحيد من كل ما سبق هي الشعوب المسلمة، المطلوب اخضاعها و قتل أي روح مقاومة فيها لكي يظل النيوامبريالي يحلب ثرواتها و يفتح اسواق جديدة و يسيطر على مواردها الجبارة و لا سيما الطاقة التي تمثل عصب صناعته و رخائه و امتداداته اللوجيستية، و حتى رفاهية مواطنيه، ناهينا عن الأيدي العاملة الرخيصة، كما يحرص على اخضاع هذه الأمة لضمان أمن الصهاينة و إسرائيل لأن من يحكم الغرب هو اللوبي الصهيوني العالمي و هم من في يدهم النظام البنكي العالمي في نهاية الأمر و هم من شكلوا العالم طبقا للقواعد المعلومة اليوم، و هم "وول ستريت" و هم المجمع الصناعي الحربي خاصة في الولايات المتحدة، و هم "الفيدرال فاند" و إذا المطلوب أن يستقر العالم على ماهو عليه أو يتطور في الاتجاه الذي يروه. لذلك يجب أن تسحق إيران و يسيطر على نفطها، و بالتالي يسحق حزب الله العدو الحقيقي و الوحيد لإسرائيل في المنطقة، و لذلك يجب أن تسحق روسيا التي تساندهم و ليست بالخاضعة للمشروع الصهيوني، و الصين و لو على استحياء، لذلك يجب أن يرحل بشار لأن سوريا (الأسد) كانت و لا تزال حليفة لروسيا و روسيا تمتلك فيها قواعد عسكرية منذ زمن بعيد و مخطئ من يتخيل أن الأسد الابن هو أول من أعطى تلك الميزة لروسيا. لو رحل بشار ترحل روسيا و سيفقد الاسطول الروسي أي دور خطير في المتوسط لأنه في أحسن الأحوال سيبحر و تطير طائراته لفترات محدودة و سيكونان فريسة سهلة للناتو لعدم قدرتهم في تلك الحالة على التزود بالوقود و الامدادات و لاجراء الصيانة و ما إلى خلافه، روسيا أكبر مصدري الغاز و النفط في العالم و دولة نووية غير صهيونية. كما سيقطع الغاز الروسي لأوروبا و خاصة عن ألمانيا عن طريق استبداله بالغاز القطري عبر سوريا لو رحل بشار و هنا ستجبر روسيا على الرضوخ في أمور عديدة لا تمس موضوعنا الآن خلاصتها ستكون تفرد الصهيونية بالقرار و الشأن العالمي لمدد أطول ستزيد من تجبرهم.
إذا المستهدف الحقيقي هو من يملك تلك الثروات، أي الشعوب المسلمة في حقيقة الأمر و هذا يعني أنها هي المتصرف الحقيقي و صاحبة الشأن، و عليه فإن الشعوب هي الخطر الوحيد و الأوحد على الامبريالية الجديدة، و ليست الأنظمة و لا الجماعات و لا الأحزاب. و هذا ما أكدته الثورات، فكل الثورات في الوطن العربي تم الالتفاف عليها بطريقة أو بأخرى، بينما المشروع الجهادي فالتاريخ و الأيام و العقل أثبتوا أنه ليس أكثر من لعبة في يد الغرب عندما يريد يفتح ترساناته لهم و يأمر الأنظمة العربية الغنية بالإنفاق لشراء أسلحة خردة و متأخرة غير قادرة على حسم أي معركة ذات شأن و غير ذات أي ابعاد استراتيجية أو حاسمة، لذلك لم و لن يسلحوا بمضادات الطائرات مثلا ليظلوا مكشوفين على الأرض ة عاجزين و ما يثبت وجهة نظري أن حتى الدول المسلمة التي تدعمهم لا تجرؤ على تزويدهم بتلك الأسلحة، أليس هذا بدليل آخر على فشل أوهامهم منذ البداية أساسا؟ المهم و عندما يقرر الغرب تجفف مصادر التمويل و تغلق الترسانات و تعاقب الأنظمة إن لم ترضخ. أليس هذا ما يحدث منذ أيام الحرب الباردة حتى يومنا هذا علما كما قلنا الغرب لا و لن يتخلى عن تلك الجماعات و يبيدهم عن بكرة أبيهم كما رأينا فعند الحاجة إليهم سيظهرون لخلق الفوضى، أواستنزاف أعداء الغرب، أو لإفشال مشاريع تحت مسمى الإسلام، و اليوم تنقل القاعدة و النصرة لليمن و يمكن الرجوع للمواد الموثقة لقياداتهم و هي تعترف بذلك؟ صدفة؟ بمعنى أخر إن أمرهم لسهل و ليس بالصعب و هو الحال مع الأنظمة المسلمة أيضا، لدرجة أنه يمكنك أن تتأكد من أنهم أينما وجدوا يوجد مصلحة غربية مهمة حتى و إن لم تستطع أن تراها للوهلة الأولى. أما الأنظمة فهي مكشوفة و عارية و متواطئة.
إذا المشكلة الحقيقية هي الشعوب حقا لأنها لا تقدم كل ذلك، فالثورات كشفت حقائق عديدة أخرى أكثر من ذلك، فمثلا هي من نجحت فيما فشلت فيه كل الأنظمة و الجماعات لعقود طويلة لسبب بسيط، هو أن الثورات تمتعت بالشعبية و الظهير الشعبي. إذا لماذا هي أكثر الحلول نجاحا و ما يجب أن يعلق عليه المسلمون أمالهم بعد الله سبحانه؟ الإجابة:
1. أنها نجحت في كل ما فشل فيه أية نماذج سابقة و لا زالت تفشل. حاربت الجماعات نظام مبارك لثلاثين عاما و اسقطته ثورة شعبه في أيام معدودة. أليس لذلك معنى و مدلول؟
2. أهداف الثورات العربية نابعة من الشعوب و خالصة لها و تنادي بما تريده الشعوب نفسها بإجماع طوائفها كلها دون الاختلاف أو تحييد فئة أو تمكين جماعة واحدة أو فئة مما يقوي الجبهة الداخلية و يحصنها. و لذلك لم تحظى الجماعات المسلحة على حماية و حب الشعوب في أماكن سيطرتها و كذلك الأنظمة مما جعلهم فريسة سهلة و لم يندمجوا و لن يندمجوا مع الشعوب على عكس ما حدث مع الجيوش الإسلامية الفاتحة منذ قرون. أي أن الجماعات و الأنظمة المعاصرة تقدم مشاريع فاشلة منذ الأزل تعزلهم عن الشعب و تحرمهم من ظهيره ليتركوا وحدهم في صراعاتهم لقمة سائغة لمن استطاع مضغهم و ابتلاعهم.
3. أنها تنادي بأهم أسس النهضة بل و قواعد القواعد ذاتها، و التي لا تقترحها و تناديي بها التيارات الأخرى سوى فرق الدعاة أو المخلصين منهم، و هي تداول السلطة، حياة برلمانية سليمة، عدالة، دولة قانون، صحة و تعليم،... إلخ بينما قد رأينا ما أوصلتنا إليه الأنظمة و/ أو الجماعات في مناطق سيطرتها مثل أفغانستان وليبيا، و سوريا و العراق.
4. لا يمكن محاربة الثورات بصورة مباشرة من قبل الغرب حتى الآن لكن يسعى لإحباطها، بحروب الوكالة إن تطلب الأمر و شكرا للجماعات و الأنظمة على حد سواء. و لكي نفهم ذلك أكثر دعونا نتخيل (و نرد على سؤال الجهاد في سوريا و خيارات الشعب السوري) لو أن الشعب السوري لم ينسحب و يترك الساحة مفتوحة للنظام و الجماعات المسلحة و استمر في ثورته متحديا الأثنين معا، و على كل حال انسحابه تسبب في موته و لم ينجيه من الموت و الخراب كما أن الانسحاب خلق خيارين كلاهما أصعب من الآخر إما الجماعات و أفغانستان أخرى أو بشار بالبراميل و السجون مرة أخرى و ريما التي سترجع لعادتها القديمة بشكل أو بآخر مما أحبط الثوار الذين انهزموا نفسيا مبكرا و فتحوا الباب أمام تلك الحلقة المفرغة عندما أخلوا الساحة.
حسنا، إذا ما الخيار المتبقي؟ سنجد أنه هو الحل الوحيد الذي نجح و لكن لم يكتمل، و هو الثورة –السورية و غيرها- في المناطق الخاضعة لسيطرة كلا من النظام الرسمي و المسلحين الذين لم يعودوا يمتلكون سوى إدلب عمليا. لماذا؟ ببساطة شديدة لأن كلا من الغرب و روسيا لن يستطيعا تغليب جبهة على أخرى تعيد الدوران في الحلقة المفرغة المذكورة و ستفرض الثورة السورية إن رجعت على الساحة الحل الوحيد المتبقي و هو اكمال الثورة و رفض الخيارين الصعبين برفضهما لكل من النظام و من خلفه و الجماعات و من خلفها مما يملء الفراغ الذي جلب العالم في سوريا، و ذلك لأن القوى العظمى ستواجه سيناريوهين لا ثالث لهما، إما الرضوخ لاستبعاد أي مواجهة حقيقية بينهم ستكون ذات عواقب مدمرة عليهم، مما سيعطي نافذة لاحترام القرار الشعبي السوري و تحييد حروب الوكالة و الجماعات و بشار و إلا دخلوا أيضا صراع داخلي مع الرأي العام في دولهم لأن الشعب السوري سيكون قد أبطل جميع الحجج و المبررات التي أدخلت القوى العظمى و ستحرص كل قوة على كبح القوة الاخرى انتظارا لما سيختاره الشعب، أو أن يدخل الغرب و روسيا في صراع مباشر مع استمرار رفض الشعب السوري لهم جميعا و توجيه جهاده الحقيقي لهدف حقيقي لا يختلف عليه و بهذا تتحق أحلام و أماني الحالمين بأن يضرب الظالمون بعضهم بعضا و "نخلص" و يأتي ما حلموا به من الملاحم التي يجلسون على مؤخراتهم و ينتظرون حدوثها و لنرى من سيرث الأرض و أعتقد أن العاقبة ستكون للمتقين الذين بذلوا الجهد للنهاية، مع ملاحظة فارق جوهري أنه لو نشب صراع حقيقي بين القوى العظمى حالياعلى خلفية الأزمة السورية التي لم يعد الشعب السوري يلعب فيها أية أدوار ستكون على خلفية تقسيم كعكة سوريا استراتيجيا و عسكريا و أمنيا و اقتصاديا و فرض الهيمينة ليس أكثر و سيموت السوريون بلا ثمن و لا حلم و لا فرصة بل بفرص ضاعت و لن يفكر أي طرف في الاستماع لما يريده السوريون و لن يحسب حسابهم هذا إن بقي سوريون في سوريا و لم يهاجروا او يفنوا. كما يستحيل أن تتحد القوى العظمى المتعادية كلها لتحارب الشعب السوري إذا ما رجع للساحة.
5. لن يكون هناك أي خطوات تقدمية و نهضوية بدون أن تملك الشعوب قرارها و مقدراتها و ثرواتها وليست فئات معدودة منها مثل ما هو الحال عليه مع الأنظمة و الجماعات و بذلك ستخدل في أطوار التطهير، و بناء الذات. نعم ستتدخل القوى العظمى لكن قلنا أن الإصرار هو السبيل الوحيد بعد فشل كل الحلول.
6. نجاح الثورات هو القاعدة الوحيدة لبناء مجتمع يتبنى العلم و التقدم و حتما سنجد دول كثيرة ستكون على استعداد للتعاون مع الأمة الجديدة الناشئة أهمها الصين التي من صالحها أن ينتهي النظام العالمي المعروف اليوم. و إن لم تكن الصين أو غيرها سيتم التأسيس لمرحلة جديدة في العالم الإسلامي كانت مستحيلة في ظل الأنظمة التي جوعت، و أفقرت، قمعت الشعوب و نشرت الجهل و من هذه الأجيال خرجت جماعات الجهاد و لم ترى و تتعلم سوى القهر و القمع و انتهاك الحريات و التعامل مع التحديات بالعنف و الجهل، ناهينا أنها أجيال لم تتعلم ثقافة التعددية الفكرية و احتواء الغير و أجيال مريضة جسمانيا لتفشي الأمراض أو الأمراض النفسية بسبب المعتقلات و السجون، وضف لذلك جهلها بدينها التي حرصت الأنظمة على نشره. فأي نتيجة نتوقع أكثر من استنساخ افغانستان و طالبان.
7. الثورات ليس لها سوى ظهير واحد حقيقي و هو الشعوب على عكس النماذج الأخرى التي تعتمد في و جودها على الدعم الاستخباراتي و العسكري و التقني على القوى الخارجية و المحيطة مما يجعلها غير خالصة القرار و يديرها ذلك في أفلاك مصالح ذوي المصالح و الثمن هو الشعوب.
هناك أسباب أخرى لكن سأترك البقية لعقل القارئ أو سنناقشها في تحليل آخر.
نعم هناك مشكلة أساسية لكن أقول مشكلة واحدة و حيدة يعاني منها هذا النموذج، و حلها معروف لدى الجميع، المشلكة هي أن تلك الثورات يتم الالتفاف عليها. صحيح، لكن السبب الوحيد هو أن كل شعوب العالم العربي يأست سريعا، فقد تخيلوأ أن الثورة تتم بمجرد الخروج مرة أو اثنتين و "خلاص" سيتتحقق الأمن و يعم العدل و تسقط الجبابرة و هذا خاطيء و التاريخ يكذبه. فمثلا كم ثورة قامت في فرنسا حتى وصلت إلى ماهي عليه اليوم؟ كم من الدماء أريقت؟ كم مرة تم أخذ فرنسا عن مسار الثورة و كم مرة أُرجعت؟ الثورة الحمراء أو البلشفية؟ و هكذا إذا الحل معروف و النتائج معروفة من واقع العقل و الدين و التاريخ و المنطق.
تبقى مشكلة التنظيم و الأهداف و حلها في رأيي هو أن تقسم الثورات إلى أطوار لكل طور هدف أو هدفين محددين بوضوح و بساطة و أولها أن يتم اسقاط كلا من الأنظمة و الجماعات المسلحة و ضمان عدم عودتهم، و اقول ضمان عدم عودتهم. و هذا يتطلب الوقت و الجهد. ثم طور التطهير و الحساب و المحاسبة الثورية الشعبية و اقتلاع جذور الدول العميقة السابقة و قد يسير الطوران الأول و الثاني متلازمان. الطور الثالث هو البناء التوافقي و الذي يجب ان يشمل جميع فئات الشعب توافقيا دون تحييد أو تهميش لأحد و إلا ستنزلق الأمة في صراعات داخلية سيدعمها الخارج. الطور الرابع هو خلق آلية شعبية رقابية لتحمي الدول الناشئة من الوقوع في فخ الارتداد عن مكتسبات الثورات و تراقب عمل البرلمانات و العمل بالدساتير حتى يعلم الجيلين او الثلاثة اللاحقين ثقافة احترام الدستور و القانون و روح المشاركة ونبذ الاقصاء الحلول الجاهلة القمعية. إذا الحل هو وضع منهج سهل واضح مقسم إلى خطوات و حماية المكتسبات شعبيا اولا و ليس مؤسسيا في دول تربت كل أجيالها المعاصرة على العنف و فساد المؤسسات و الاقصائية. المثابرة.
و أخيرا أشدد على أنه لو أن الشعوب هي الهدف فهي المتصرف فهي الوحيدة القادرة على اختيار مسارها. و لن يقمعها قامع فلم يهزم أي احتلال شعبا أبدا مهما طالت فترة الاستعمار و الاحتلال، لا تهزم جيوش القوية سوى جيوش و أنظمة و جماعات لكن لم تهزم أبدا شعوبا و أمما، لا مسلمة و لا كافرة. و لا اريد أن أكون نمطيا و أقول إذا ما أراد الشعب الحياة، لكن أقول ببساطة جربنا كل الحلول و لم يعد سوى حل لم نجربه لآخره، جربنا كل الحلول لعقود و في كل مرة نقع في فخ نفس الدائرة المشؤومة دائرة النظام و الجماعات المسلحة التي تفشل و تفشل فشلا تلو الآخر، حتى أنه هناك قاعدة ذهبية تقول أنه لمن الغباء المفرط أن تصر على الاتيان بنفس الفعل و تتوقع نتيجة مختلفة.
أقول أن هناك حسنات كثيرة جادت بها علينا الثورات أهمها أنها ميزت لنا العدو من الحبيب، و أن بسببها أصبح اللعب على المكشوف كما نقول، و أنها قضت على كل النماذج السابقة عمليا و فعليا، و هذا أعتبره مدد رباني و جلاء للرؤية يجب أن نستغلهما. و أقول للجهاديين إن اكتملت الثورات ستأتي فرصتكم في جهاد حقيقي ضد العدو الحقيقي و لهدف مخلص و من ورائه نية خالصة، فماذا أنتم بفاعلون حينها؟ و أليس استكمال المشوار يعتبر جهادا أيضا؟ بل إعدادا و جهادا؟ أليست هي الحل الوحيد في أن نمتلك مقدراتنا و أن نفرض خيارنا و أن امتلاك المقدرات هو السبيل لتعليم و بناء الإنسان عندها فقط يمكن أن نملك العلم الذي سيحقق لنا أسس انتصار حقيقي.
0 comments:
إرسال تعليق