أي خجلٍ وأي ألم يقبض عليك أن ترى هذا اللبنان الذي يمتلك كل مقومات العظمة، ينحدر به سياسيوه إلى هذا الذل، الى هذا الجحيم؟ واية سخرية أن ترى هؤلاء الذين أخذوه إلى الحرب عنوة يريدون اليوم اخضاعه عنوة لسلام ليس هو سلامه. نحن اللبنانيون الذين نعبد هذا الوطن بعد الله، قلقون على لبناننا، لأن المفاوضات الجارية اليوم لا تعتبر لبنان وطنا للبنانيين جميعهم بل تعتبره وطنا لحزب الله. فالمفاوضات التي تقودها اميركا هي مفاوضات بين طرفين. الطرف الأمريكي- الإسرائيلي من جهة، والطرف الإيراني - حزب الله من جهة أخرى. لبنان ليس طرفا فيها. لقد طُلب منه الصمت والاصغاء والطاعة. ولكن ماذا لو تجرأ لبنان وتكلم؟ فماذا يا ترى سيقول؟ انه سيقول حتماً كفانا حروبا؛ ها قد شبعت الأرض من الدماء. وكفانا مقاومات تدّعي تحرير فلسطين. تاريخ طويل من الشعارات الفارغة والمضللة. تاريخ طويل من الفشل. نحن شعب يمجد الفشل، ونجعل منه أحيانا نصراً الهياً. وتعالوا نسأل وماذا كانت نتيجة هذه المقاومات؟ كانت النتيجة إن فلسطين لم تحرر، بل دمر ما تبقى منها. ودمر لبنان صاحب الرسالة وأب الحضارة. ودمر العالم العربي من صنعاء إلى بغداد إلى دمشق.
وسيقول لبنان، هذه المرة، هي غيرها من كل المرّات. بعد كل هذه الحروب وهذا الدمار، لا نريد فقط "وقفا لإطلاق النار"، نريد تسوية سياسية تقودنا إلى السلام والاستقرار الدائمين. لا نريد تهدئة تعود بنا للمرة الألف إلى الحروب. نريد السلام. السلام الذي لا يشبه السلام الذي كنا فيه. نريد السلام الذي ليس بعده حروب. ونصل إلى هذا السلام بتطبيق ثلاثة بنود: أولا، العودة إلى اتفاق الهدنة وإلى الدستور. ثانيا، تجريد السلاح من جميع الفئات اللبنانية وغير اللبنانية، وحصر السلاح في يد الدولة اللبنانية. ثالثا، وهو الأهم، تجفيف المال والسلاح المتدفقين من إيران ودول أخرى إلى هذه الفئات. لقد آن الأوان، وبعد كل ما شهدناه، ان نعترف بأن وجود السلاح خارج الدولة يلغي وجود الدولة ويبقي لبنان رهينة في زنزانة لحزب الله في ضاحية ما. وكم رحبنا بكلام الأمين العام الجديد لحزب الله عندما قال: "نريد فقط وقف إطلاق النار واحترام سيادة لبنان". ولكن احترام سيادة لبنان أيها السيد يبدأ بكم أنتم. يبدأ بتسليم سلاحكم إلى الدولة والعودة بكم إلى وطنكم. لقد تأخرتم بفصل لبنان عن غزة، فنرجو أن لا تتأخروا بفصل لبنان عن إيران.
وسيقول لبنان انه خائف، لأن بنود الاتفاق الجديد لا تتضمن نزع السلاح. ولو كان نزع السلاح واردا لما كانت إسرائيل لتصر على منطقة عازلة بين حدودها الشمالية ونهر الليطاني. ونود هنا ان نسأل وماذا عن شمال الليطاني؟ هل سيكون هناك السلاح غير الشرعي شرعيا؟ ولم تكن اسرائيل لتصر على حقها بالدفاع عن نفسها كلما تجرأ حزب الله على مهاجمتها. إن الاتفاق الذي صدر في 26 تشرين الثاني يؤمن السلام لإسرائيل ولكنه لا يؤمن السلام للبنان. وللأسف انهم يتكلمون عن القرار 1701 كما كان قبل الحرب، لا كما يجب أن يكون. ونحن نذكر جيدا انه كنا قبل هذه الحرب تحت مظلة ال 1701 ولماذا لم يؤمن هذا الاتفاق يومها السلام لنا؟ ولماذا يا ترى يصبح هذا الاتفاق اليوم الحلم الذي نريده ؟
كلنا أمل بأن الرئيس الجديد في الولايات المتحدة يريد السلام في المنطقة وفي لبنان. انه يؤمن ان إرساء السلام في الشرق سوف يحدد مكانته في التاريخ. كذلك نود أن نعتقد أن الرئيس الجديد في إيران سيعمل كما قال في الأمم المتحدة على بناء الصداقة مع الغرب لا بناء العداء له. هناك نافذة جديدة نطل منها على الأمل. ولربما تكون هذه النافذة صفقة جديدة بين أميركا وإيران تطيح بمشروع التمدد الإيراني في الشرق.
ونتوجه إلى أهلنا في المقاومة ونقول لهم إن مسؤولية قيامة لبنان هي مسؤوليتنا، نحن واياكم. ليس هناك من أحد في العالم يمكنه مساعدتنا إذا كنا نحن على خلاف. هذه الأرض هي ارضنا جميعا، وليس هناك في الأرض أرض غيرها تكون ارضنا. تجمعنا محبة الأرض، ويجمعنا الألم، كما يجمعنا مستقبل أولادنا. تعالوا نطلب التوبة عن خطايانا. تعالوا نبني لبنان من جديد. تعالوا نبني السلام.
0 comments:
إرسال تعليق