بما أنني لم أعد أستوعب مجريات الأوضاع في المنطقة الممتدة من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، لأسباب عديدة أهمها والذي ترك أثراً نفسياً لدي لم أستوعبه بعد، هو أن مكتبتي في الهارد درايف احترقت وكان فيها أكثر من أربعة ملايين من الوثائق والكتب والمراجع التاريخية والأدبية والثقافية والطبية وغيرها، ومنها كتاباتي والمواضيع التي نشرتها في صحف ومواقع مختلفة في الأقطار العربية وفي الخارج، ومنها أرشيف جريدة "المحرر" التي أصدرتها في بداية تسعينيات القرن المنصرم، إضافة لوثائق متنوعة بعضها سري للغاية وغيرها، ومنها كذلك أرشيف "مؤتمر القوى الشعبية العربية" وكافة مراسلاتي وأفلام وصور لي تعود إلى ثمانينيات القرن الماضي في العراق وسوريا وليبيا والأردن وأقطار عربية أخرى، وحوارات أجريتها مع عدد من القيادات السياسية والأدبية والفنية وغيرهم من معظم الأقطار العربية وبلاد المهجر، وهذا باختصار يعني أن ذاكرتي ضاعت، بما يعني أنه لم يعد لدي مراجع عملت على جمعها لأكثر من خمسين عاماً، وهذا يعني أيضاً أن طاستي ضاعت، كما أن الطاسة ضايعة في بلدان المنطقة.
لذلك أحاول أن ألخص في هذه المقالة كيف ضاعت الطاسة عند أمة النكبات علني أقدر في يوم ما على استعادة مكتبتي. بداية لابد من القول أنه منذ ظهور الدين الإسلامي الحنيف الذي وحّد أشتات العرب، وعرفوا الاستقرار النسبي لفترة زمنية كانوا فيها أمة من خير الأمم، ثم تفرقوا وعادوا إلى سيرتهم الأولى، متفرقين على الرغم من المراحل المتفرقة التي سادوا فيها قبل أن تبدأ الانشقاقات والخلافات منذ بيعة الخليفة أبو بكر الصديق، وتدريجياً بدأت هذه الأمة بفقدان الأخلاق والقيم الإنسانية، ومن يطالع ماذا جرى في سقيفة بني ساعدة وبعدها لابد أنه سيلاحظ أن كرسي الحكم هو السبب، وما جرى بعد ذلك أيام الخلافتين الأموية والعباسية، ثم ماذا جرى في أيام ملوك الطوائف في الأندلس وصولاً إلى إعادة تذكير هذه الأمة بماضيها المجيد والعمل على توحيد الصفوف، والملاحظ في كل ذلك أن الأمة لازالت تزداد شرذمة وانشقاقات وخلافات، ومن عايش فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي يعرف أن كرسي الحكم زاد من تلك الانشقاقات، منذ فترة الوحدة بين مصر وسوريا 1958 وما تلا ذلك سنة 1961 في الثامن من شباط/فبراير ثم في الثامن عشر من تشرين الثاني/نوفمبر في العراق وفي سوريا في 23 شباط/فبراير 1966 وفي 1970، إلى أن قضت الصهيونية العالمية وملالي إيران على تجربة العراق الناهض سنة 2003، وصولاً إلى حال الأمة الذي نشهده من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي من تشرذم وشقاق إلى يومنا هذا.
وعلى الرغم من ذلك أجد أن البعض بح صوته وهو ينادي بكلماته إلى توحيد الصفوف لعل وعسى تنهض هذه الأمة مجدداً، ولكنني على يقين أن ذلك لا ولن يحدث في زماننا لأنه يحتاج إلى قيادة شريفة مؤمنة بحق أمة كانت من خير الأمم، وأصبحت كرة قدم في ملعب الأمم، من خلال إعداد أسباب القوة بالعلم والمعرفة بعد أن كفرت الشعوب بالعروبة وبالقومية العربية، لأن الغزوات التي اجتاحت الأمة العربية عبر التاريخ من الفرس والعثمانيين والروم والافرنجة من فرنسيين وبريطانيين وايطاليين وأوروبيين ومؤخراً الأميركيين بأساليب وأسباب مختلفة، ثم المحاولات المستمرة في أقطار عربية للقضاء على اللغة العربية التي تعتبر أحد مقومات القومية العربية، باتت تتحكم فيها أنظمة دمى استولت على البلاد والعباد. فماذا يمكن أن يقال في أمة ابتليت بهكذا أنظمة.
الحديث يطول وفي القلب غصة.
7/12/2024
0 comments:
إرسال تعليق