الأحيمر السعدي:عوى الذئبُ فاستأنستُ بالذئبِ إذ عوى: شعراء الواحدة وشعراء بواحدة/ كريم مرزة الأسدي

أولاً - يقول الأحيمر السعدي:    

عوى الذئبُ فاستأنستُ بالذئبِ إذ عوى** وصوَتَ إنسانٌ فكدتُ أطيرُ
 يــرى اللهُ إنـّي للأنيـــسِ ِلكــــارهٌ *** وتبغضهم ْ لــي مقلة ٌ و ضميـرُ
الإنسانُ حيّرَ الإنسانَ سيّان بطبعه كفرد  أم تطبّعه في مجتمع  ، ما بين خيره وشرّه ، قبحه وحسنه ، ولا سبيل للإنسان إلا الإنسان ، فبأيِّ آلاء ربّكما تكذبان ، وهو وجهته ومرتجاه ، ومحل بلواه ..!!!! ولكن يبقى السؤال اللغز يجوب الدنيا أبداً ، كما ذكرتً في أبيات من قصيدةٍ لي :
هذي الحياة ُ ترى الممات َبدايةً ** لتفتحِ  الأجيال ِ في الزمكانِ
فتعيدُ نشأتها ،وتسحقُ سلفهـــا **** وتركّبُ  الإنسانَ بالإنسان
أمرٌ خفى ، وهو الجليّ  بداعــةً *** شــرٌّ ٌوخيرٌ كيـف  يمتزجانِ...!!!
ثانيا -  قصيدة  الأحيمر السعدي  الرائية :

1 -عوى الذئبُ فاستأنستُ بالذئبِ إذ عوى* وصوَتَ إنسانٌ فكدتُ أطيرُ

2 - يــرى اللهُ إنـّي للأنيسِ ِلكـــارهٌ *** وتبغضهم ْ لي مقلة ٌ و ضميـرُ

3 - فَلِلَّيـلِ إِن وارانِـي اللَّيلُ حكمُـهُ ***وَلِلشَمسِ إِن غَابَـت عَلَيَّ نُـذورُ
4 - وإنـّي لأسـتحيي مــــن الله أنْ أرى **أجرّرُ حبلاً ليــس فيـــهِ بعيرُ!

5 - وأنْ أســأل المــرءَ اللئيمَ بعيـرَهُ  *** وبعرانُ ربّي في البلادِ كثيرُ!

6 - لئن طــــالَ ليلي بالعــــراق ِلربّما***أتـى ليَ ليلٌ بالشــــآم ِ قصيرُ

7 -  مَعي فِتيَةٌ بِيضُ الوُجـوهِ كَأَنَّهُم **عَلَى الرَحلِ فَوقَ النَاعِجَاتِ بُـدورُ
8 - أيا  نخلاتِ الكـــــرمِ لا زالَ رائِحا ***عليكـُنّ  منهلُّ الغمــام ِمطيـــرُ

9 - سُقيتُنَّ مَا دَامَـت بِكَرمـــانَ نَخلَـةٌ****عَـوامِـرَ تَجـرِي بَينَكُـنَّ بُحـورُ
10 - سُقيتُنَّ مَا دَامَـت بِنَجـدٍ وَشيجَـةٍ ****وَلا زَالَ يَسـعـى بَينَكُـنَّ غَـديرُ
11 - أَلا حَبِّذا الـمَاء الَّذِي قَابَلَ الحِمَـى ***وَمُـرتَبِـعٌ مَـن أَهلِنَـا وَمَصـيـرُ
  12 -  وَأَيَّـامُنـا بِالـمـالِكِـيَّــــةِ إِنَّنِــي ****لَهُنَّ عَلَـى العَهـدِ القَديـمِ ذَكـورُ
13 - ويا نخلاتِ الكرخ ِمــا زالَ ماطــرٌ ***عليكـُنّ مســتنّ الرياح ِ ذرورُ

14 - تُذَكِّرُنِـي أَظـلالُكُــنَّ إِذَا دَجَت  *****عَلَيَّ ظِـلالَ الـدَومِ وَهــيَ هَجيـرُ
15 - وَقَـد كُنـتُ رَملِيـاً فَأَصبَحــتُ ثَـاوِيـاً *** بِــدَورَقَ مُلقَــى بَينَهُـنَّ أَدورُ
16 - وَقَد كُنتُ ذَا قُربٍ فَأَصبَحتُ نَازِحـاً ****بِكَـرمَانَ مُلقَــى بَيـنَـهُـنَّ أَدورُ
17 - ونبئتُ أنّ الحيَّ سعــداً تخـاذلوا ***حمـاهُم وهُــم لـو يعصــبون كثيرُ

18 - أطاعوا لفتيان ِ الصبـاح ِلئامهمْ **** فذوقوا هوانَ الحـربِ حيث ُتدورُ

19 - خَلا الجَوفُ مِن قُتَّالِ سَعـدٍ فَمَا بِهَـا ** لِمُستَصـرِخٍ يَدعو الثُبورَ نَصيــرُ
20 - نَظَــــرتُ بِقصـرِ الأَبرَشِيَّـةِ نَظـرَةً  ***وَطَرفِـي وَراءَ النَاظِـريـنَ بَصيــرُ
21 - فَـرَدَّ عَلَيَّ العَيـنَ أَن أَنظُـرَ القُـرَى ***قُرَى الجَوفِ نَخلٌ مُعـرِضٌ وَبُحـورُ
22 - وَتَيهَـاءُ يَـزوَرُّ القَطَـا عَن فَلاتـها ***إِذَا عَسبَلَـت فَـــــوقَ المِتـانِ حَــرورُ(1)
23 -  كفى حزناً أنّ الحمـــــارَ بن بحــــدلٍ  ***عليَّ بأكنـــــــافِ الستارِ أميـرُ(2)

24  - وأنَّ ابن موسى بائع البقل بالنــوى **** لهُ بين بـــابٍ والستار ِ خطيـرُ(3)

25 - وَإِنِّـي أَرَى وَجـــــهَ البُغَـاةِ مُقَاتِــلاً **** أُدَيـرَةَ يَســـدِي أَمرَنَــــا وَيُـنـيـرُ
26 - هَنِيئـاً لِمَحفــوظٍ عَلَـى ذَاتِ بَينِنَــــا *****وَلابـنِ لَـزازٍ مَـغـنَـــــمٌ وَسُـرورُ
27 - أَنَاعِيـمُ يَحــــويهِـنَّ بِالجَـرَعِ الغَضَـــــا****جَعَـابِـيبُ فِيـهَا رِثَّــــــةٌ وَدُثـورُ

ثالثاً - يذكر الأستاذ  عبد  المعين الملوحي شرحاً للمفردات التالية :

 (1) تيهاء : مفازة يضل بها الإنسان . العسبلة : اختلاف الناس بعضهم إلى بعض . و المتان ما صلب و ارتفع من الأرض.
(2) الستار : جبل بالبحرين و جبل بالعالية ( معجم البلدان ). أما حمار بن بحدل فلم أعثر عليه و ربما هو والي الستار و الله أعلم.
 (3) باب : باب قرب هجر في االبحرين ( معجم البلدان ) . و كذلك من قرى بخارى.

رابعا - وزن القصيدة الإيقاعي :

القصيدة من ( البحر الطويل ) ، عروضها مقبوضة إلزاما لكلّ البحر البحر الطويل ، أي يحذف الحرف الخامس الساكن من ( مفاعيلن  متصبح ( مفاعلن)  ، وضربها محذوف ، أي (مفاعيلن) تصبح ( مفاعي ) ، بحذف السبب الخفيف الأخير ، وتكتب عروضياً ( فعُولن) ، ووزن البحر يكون :
فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن **** فعولن مفاعيلن فعولن فعولن

جوازات البحر الطويل :

فعولن تصبح : قعولُ ، عولن ، عولْ
مفاعيلن تصبح : مفاعلن ، مفاعيلْ.

خامساً : أبيات أخرى له من ديوانه الصغير الذي جمع أبياته المعدودات الأستاذ عبد المعين الملوحي ، وتدل كلّها على حياة الصعلكة واللصوصية  :

نهق الحمار فقلت : أيمنُ طائرٍ*** إن الحمار من التِّجار قريبُ

سقى سَكَرا كأسَ الذّعاف عشيةً *** فلا عاد مخضّرا بعشب جوانبهُ

أراني و ذئبَ القفر إلفينِ بعدما *** بدأنا كلانا يشمئز و يُذْعَرُ
تألفني لمّــــــا دنا و ألفتُهُ**** و أمكنني للرمي لو كنت أغدرُ

و قالت أرى ربع القوام وشاقها***طويل القناة بالضحاء نؤومُ
فإن أكُ قصداً في الرجال فإنني **** إذا حلَّ أمرٌ ساحتي لجسيمُ
تعيّرني الإعدامَ و البدو معرضٌ*** و سيفي بأموال التجار زعيم

قل للصوص بني اللخناء يحتسبوا**** بَزَّ العراق و ينسوا طرفة اليمنِ
و يتركوا الخز و الديباج يلبسه**** بيض الموالي ذوو الأعناق و العُكَنِِ
أشكو إلى الله صبري عن زواملهم *****و ما ألاقي إذا مـــرت من الحزن
لكن ليالـــــيَ نلقاهم فنســــلبهم***** سقياً لذاك زمــــاناً كان مــن زمــنِ
فرب ثوبٍ كريمٍ كنـــــت آخذه****** مــــن القطــار بلا نقـــدٍ و لا ثمـــــن

سادساً : نظرة تحليلية خاطفة  على القصيدة وشاعرها من يومه حتّى يومنا :

من يوم اللص المسكين بن فلان ، مخضرم الدولتين الأموية والعباسية ، إذْ اكتسى اسمه وكنيته ( الأحيمر بن فلان بن حارث  بن يزيد السعدي  من تميم  (توفي 170هـ / 787 م) ، والذي بلاه الإنسانُ بسلطته وجبروته  ، فابتلى به  لتمرده وخروجه ، والشرُّ للشرِّ ولود ،  اقرأ معي بتأمل ٍ وإمعان بلا صدود وهجران  :

عوى الذئبُ فاستأنستُ بالذئبِ إذ عوى* وصوَتَ إنسانٌ فكدتُ أطيرُ

 يـــرى اللهُ إنـّي للأنيسِ ِلكــــارهٌ *** وتبغضهم ْ لي مقلة ٌ و ضميـرُ

 فَلِلَّيـلِ إِن وارانِـي اللَّيـلُ حكمُـهُ ***وَلِلشَمسِ إِن غَابَـت عَلَـيَّ نُــذورُ
 وإنـّي لأســـتحيي مــــن الله أنْ أرى **أجرّرُ حبلاً ليــس فيـــهِ بعيرُ!

 وأنْ أســأل المــرءَ اللئيمَ بعيـــرَهُ  *** وبعرانُ ربّي في البـلادِ كثيرُ!

لماذا نفر هذا الإنسان من أخيه الإنسان ، ولجأ إلى الذؤبان ، ويستحي من الله قاسم الرزق الحلال بالقسط والعدل ،  أن يجرّ حبله بلا بعير ، وبعران ربّي  في البلاد كثير ؟!!

ويمرّعلى نخلات الكرم ، ونخلات الكرخ  ،  والخير الوفير ، ويأتيه بالأخبار مَن لم يزود ، إنّ القوم تخاذلوا ،  وللئامهم أطاعوا ، حتى ذاقوا هوان الحرب ودوائرها ، فغدا الحمار أميرا ، وبائع البقل خطيرا ، عينٌ تغري ،  وعينٌ تزدري  ، فما كان في وسعه الا أن يتوجه الى اللصوصية ، والتمرد  على الإنسان ، وقطع الطرق  بالقاطع البتار ، فعاش منفرداً يائساً ، مستأنساً بالوحوش الكاسرة ، بعد أنْ فاقها الإنسان وحشة ووحشية .

  حكمة تفرضها الدنيا على ابنائها ، لك أنْ ترضى ،  ولك أنْ تأبى ، والحقيقة  واحدة ، الإنسان ابن بيئته ، فالخبيثُ لا يوّلد إلا  خبيثا . وأراه وتراه معي يكرر هذا التآلف النفسي بينه وبين الذؤبان  بقوله في هذين البيتين :

أراني و ذئبَ القفر إلفينِ بعدما *** بدأنا كلانا يشمئز و يُذْعَرُ
تألفني لمّــــــا دنا و ألفتُهُ**** و أمكنني للرمي لو كنت أغدرُ

بل يأنس مرتاحاً  لنهيق الحمار ، لأنه يبشره بقدوم قافلة التجار الدسمة :

نهق الحمار فقلت : أيمنُ طائرٍ*** إن الحمار من التِّجار قريبُ

ولماذا هذا اليمن  البشير بنهيق الحمير ؟!!
لينهب القافلة  ويسلبها أغلى ما تملك ...!!

فرب ثوبٍ كريمٍ كنـــــت آخذه****** مــــن القطــار بلا نقـــدٍ و لا ثمـنِ
ومن يستطع أن يرده أو يعه ، وشريعة الغاب هي التي تسود ؟ :

تعيّرني الإعدامَ و البدو معرضٌ*** و سيفي بأموال التجار زعيم

والصعاليك وجدوا المبرر الأخلاقي والاجتماعي - حسب رؤاهم - لتصرفاتهم وسلوكهم في دنيا غير عادلة ، يعمّها الظلم والجور ، والجوع أبو الكفار :

 وإنـّي لأسـتحيي مــــن الله أنْ أرى **أجرّرُ حبلاً ليــس فيـــهِ بعيرُ!
 وأنْ أســأل المــرءَ اللئيمَ بعيـرَهُ  *** وبعرانُ ربّي في البلادِ كثيرُ!

وما العيب في ذلك  - وحسب رؤاهم أيضاً -  وهم يسلبون الأفراد الأثرياء المتخمين ليطعموا الفقراء المساكين المعدمين في عصور لا دول فيها ولا قانون ولا شرع ؟!! أليس رائدهم الأول وسيدهم  عروة بن الورد (توفي 596م)  هو القائل :

إني امرؤ عافــــي إنائي شركة   ****وأنـــتَ امرؤ عافي إنائِكَ واحدُ
اتهزأ مني أن سمنت وأن ترى  **بوجهي شحوبَ الحقِّ، والحقُّ جاهد
أُقسّمُ جسمي في جسوم كثــــيرة  ****وأحسو قراح الماء والماء بارد

ثمّ ماذا  ؟!!

هذا معاصره الشاعر الشهير (دعبل الخزاعي ، عاش  بين 148 هـ - 246 هـ) ، ذكّـّر نفسه  بالسيرة الحسنة  ، والعمل الصالح لتقويم النفس :

هي النفس ما حسنته فمحسنٌ **لديها وما قبحته فمقبّحُ

لم يسلك حياة التصعلك - كما يتوهم ويزعم بعض النقاد الكبار -  وإنّما طيّب نفسه ، وبشرها ، وصبّرها على حمل المكاره ، لأنه صاحب موقف عقائدي وكفى !! :

فيا نفسُ طيبي ، ثمّ يا نفسُ أبشري*** فغيرُ بعيدٍ كلُّ ما هــو آتِ
ولا تجزعي منْ مدّة الجــور ،إنـّني ** أرى قوتي قدْ آذنت بشتاتِ

ولكنه !  أيضاً جاب الدنيا  " وحمل خشبته على كتفه خمسين  عاما يدوّر على من يصلبه عليها فلم يجد " ،  وآخيراَ ذهب إلى رحمة  ربّه قائلاً :

ما أكثرَ الناسَ ! لا بلْ ما أقلـّهمُ **اللهُ يعلمُ أنـّي لـــــمْ أقلْ فندا
إنـّي لأفتحُ عيني حين أفتحــها** على كثـير ٍولكن لا أرى أحدا

وإلى يومنا هذا لا نرى أحدا !! ،  لم يزدْ أهتمامنا بالإنسان حتى أنملة ، ألإنسان هو الإنسان ، محط ظلمنا ، تحت سياطنا ، بين أفواهنا ، وإنْ اقتضى الأمر لمّعنا له سيوفنا ، لا نرحمه ،  ولا نترك رحمة الله تنزل عليه ، ولا ألزم نفسي بشاهد ، إنـّى عشتُ التجربة ، فالعصر عصري ، وأنا أرى المظالم بأمّ عيني ، وصكّ سمعي  ، بل وأنا القائل في قصيدتي عن الإنسان ، أيِّ إنسان  على هذه البسيطة المظلمة النيرة! :

أضحى البريءُ لفي جرم ٍ ولا سببٌ *** والجرمُ يزهو بفخرٍ وهو عريان ُ
حتى كهلتُ وأيّامــــــــــي تعلـّمني *** في كلِّ ألفٍ مـــن الآناس  إنسـانُ

نعم من عصر ( جرير ت 114 هـ) و صرخته :

ما زالتِ القتلى تمجُّ  دماءها*** بدجلة َ حتى ماء دجلة َ أشكلُ

وإلى  عصرنا حيث أجبته ببيت من قصيدة لي  :

ما زالتِ القتلى تمجُّ دماءها  **  وبقى كعهدِكَ - يا جريرُ- المذبحُ

 ألم يحن الوقت لنسأل أنفسنا هذا السؤال العابر السبيل إلى رحمة ربه ، ونتأمل  ؟!

لماذا وصل بنا الحال إلى هذا المآل ؟ !!

وهل كثيرٌ علينا أن نرحم أجيالنا الآتية من الأصلاب الحائرة ، والأرحام الطاهرة ؟!

الحلُّ أنْ نعلم علم اليقين ، وأن  نفهم ونتفهم ببصائرنا اليفظة ، ووجداننا الحي أنّ الإنسان هو الاغلى قيمة في هذه الحياة ، ومن دونه دونها والوجود معها ، لِئنِّ لا يفقه الوجود إلا العاقل الموجود ، خلقه الله على أحسن تقويم ،وفضله على العالمين ، ومن قتلَ نفساَ بغير حقٍّ ، فكأنـّما قتل الناس جميعا ، قطـْع صلب واحد معناه موت أمة بتمامها وكمالها في عالم الغيب الذي لم يخلق ، وما أدراك وما أدراني كيف ستكون ،  لو كانوا يعقلون !

" أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " (محمد :24 ).

الإنسان وجهة الإنسان بعد الله ...!!!

 ومن لا يحترم الإنسان ولا يقدره لمجرد أنـّه إنسان بغض النظر عن كل المواصفات الطبيعية والتطبعية ،الخـُلقية والخـَلقية - وفق القيم والنظم الإنسانية العادلة -، يفقد - بمعنى من المعاني - القيم الروحية السامية للإنسانية ،  بعقلها ووجدانها ورقيها الحضاري ،  لذلك يجب علينا  زراعة حب الإنسان الآخر- من حيث هو كما هو ،  فالمرءُ حيثما جعله -  في نفوسنا ، ليس لمجرد اعتبارات أخلاقية , وإنّما يجب أن تكون فلسفة حياتية نجبل أنفسنا عليها , ونسير على هداها ، فالإنسان وجهة الإنسان ، هو غايته ، وهو وسيلته... بعد الله .

وماذا بعد ؟

أمّا بعد !:

والشيء بالشيء يذكر ،  ولئن العبقرية نتاج الإنسانية ، أو هي إحدى إفرازاتها النافحة النافعة ،  والعبقري  هو ابن الإنسان ! ولمّا كنـّا على الطريق ، لابدَّ لنا أنْ نشير إلى أنّنا   من أضعف الأمم تمسكاً بعباقرتها ،وعظمائها ، وأقلـّها تقديرا لهم ، ولجهودهم الجبارة في سبيل أزدهار الحضارة الإنسانية ورقيها ، وتطرقت إلى هذا الموضوع الحساس في كتابي الموسوم ( للعبقرية أسرارها ...) ، وأوردت وجهات نظر عباقرة العرب والعراق المعاصرين في هذا الصدد ، ومن الضرورة بمكان أن نستضيف الدكتور أحمد أمين ، والأستاذ العقاد ليشاركانا الرأي ، والرأي قبل شجاعة الشجعان !! ،  يقول دكتورنا  الأول " إنّ الأوربيين قد وجدوا من علمائهم مَنْ يشيد بعظمائهم ، يستسقي نواحي مجدهم ، بل قد دعتهم العصبية أن يتزايدوا في نواحي هذه العظمة ،  ويعملوا الخيال في تبرير العيب ، وتكميل النقص ،  تحميساً للنفس ، وإثارة لطلب الكمال ، أمّا نحن فقد كان بيننا وبين عظمائنا سدود وحواجز حالت بين شبابنا وجمهورنا والإستفادة منهم " ، أمّا أستاذنا العقاد ، الجريء بطروحاته , والعميق بتحليلاته ،نتركه ليضع النقاط على الحروف ، بتجردٍ ولا تردّد " فماذا يساوي إنسانٌ لا يساوي الإنسان العظيم شيئاً لديه ، وأيّ معرفة بحق ٍّ من الحقوق يناط بها الرجاء ، إذا كان حق ّ العظمة بين الناس غير معروف " .
هذه خواطر عابرة مرّت على بالي ، وانا في حوار مباشر على البعد ، وكلُّ ما تأتي به النفس جميلا ، إذا كان صادقاً وجليلا  ،  أملنا بالله كبير... للشعب الخلود والعطاء ، وللعراق والأمة  المجد والبقاء ، ودمتم للإنسان أوفياء ، والله من وراء القصد ..شكراً لوجودكم معي !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سابعاً  - التخريجات :

1 -   (سمط اللآلي في شرح أمالي القالي) ،هو كتاب شرح أمالي القالي / لأبي عبيد البكري؛ نسخه وصححه وحقق ما فيه وخرجه وأضاف إليه عبد العزيز الميمني ، المؤلف: أبو عبيد عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري الأندلسي (المتوفى: 487هـ)
    مصدر الكتاب : موقع الوراق - الموسوعة الشاملة 1 /55 - جاء فيه :
وهو الأحيمر بن فلان بن الحارث بن يزيد السعدي من شعراء الدولتين، وكان لصّاً خارجاً وهو القائل :
وإني لأستحي من الله أن أرى****أجــرّر حبلاً ليس فيه بعير
وأن أسأل الحبس اللئيم بعيره ** وبعران ربيّ في البلاد كثير
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى***وصوّت إنسان فكدت أطير
2 - الأعلام : خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي (المتوفى: 1396هـ) الناشر: دار العلم للملايين الطبعة: الخامسة عشر - أيار / مايو 2002 م
موقع يعسوب  1 / 277 جاء فيه :
الاحيمر السعدي (000 - نحو 170 ه = 000 - نحو 787 م) ، الاحيمر السعدي: شاعر، من  مخضرمي الدولتين الاموية والعباسية ، كان لصا فاتكا ماردا من أهل بادية الشام ، أتى العراق، وقطع الطريق، فطلبه أمير البصرة (سليمان بن علي ابن عبد الله بن عباس) ففر، فأهدر دمه وتبرأ منه قومه ، وطال زمن مطاردته: فحن إلى وطنه - كما يقول ياقوت - ونظم قصيدته التي مطلعها:
(لئن طال ليلي بالعراق، لربما*** أتى لي ليل بالشآم قصير)
 ومنها البيت المشهور:
(عوى الذئب فاستأنست باذئب إذ عوى*** وصوت إنسان فكدت أطير)
 وتاب بعد ذلك عن اللصوصية، ونظم أبياتا في توبته أوردها الآمدي نقلا عن أبي عبيدة
وقال أبو علي القالي: هو الاحيمر بن (فلان) ابن الحارث بن يزيد ، السعدي، وقال ابن قتيبة المتوفي سنة 276 ه: (وهو - أي الاحيمر - متأخر، وقد رآه شيوخنا)
ينقل الزركلي عن :
المؤتلف والمختلف للآمدي 36  ، وسمط اللآلي 195، ومعجم البلدان 4: 101 ، والشعر والشعراء 307
3 - الشعر والشعراء : أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (المتوفى: 276هـ) الناشر: دار الحديث، القاهرة عام النشر: 1423 هـ
 وفي الوراق -  الموسوعة الشاملة ، 1 / 168  جاء عنه :
الأحيمر السعدي : وكان الأحيمر لصا كثير الجنايات، فخلعه قومه، وخاف السلطان، فخرج في الفلوات وقفار الأرض. قال فظننت أني قد جزت نخل وبار، أو قد قربت منها، وذلك لأني كنت أرى في رجع الظباء النوى، وصرت إلى مواضع لم يصل أحد إليها قط قبلي. وكنت أغشي الظباء وغيرها من بهائم الوحش فلا تنفر مني، لأنها لم ترى غيري قط وكنت آخذ منها لطعامي ما شئت، إلا النعام، فإني لم أره قط إلا شاردا. وهو القائل ، ويروي الأبيات السابقة ويضيف:
وهو متأخر، قد رآه شيوخنا. وكان هربه من جعفر بن سليمان :
وهو القائل:
أرانى وذئب القفر إلفين بعدما *** بدأنا كلانا يشمئز ويذعرُ
تألّفنى لمّا دنا وألفتــــــهُ ***وأمكننى للرمى لو كنـــت أغدرُ
ولكنّنى لم يأتمنى صــــاحبٌ **** فيرتاب بى ما دام لا يتغـيّر
وهو القائل:
نهق الحمار فقلت أيمن طائر***إن الحمار من التجار قريب

   4 - (المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء وكناهم وألقابهم وأنسابهم وبعض شعرهم ) : أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي (المتوفى: 370هـ) المحقق: الأستاذ الدكتور ف. كرنكو الناشر: دار الجيل، بيروت الطبعة: الأولى، 1411 هـ - 1991 م -
- الوراق - الموسوعة الشاملة 1 / 14 - جاء عنه :

- "  الأحيمر السعدي اللص ليس بمرفوع النسب عندي إلى سعد بن زيد مناة بن تميم. وكان فاتكاً مارداً  ، وهو القائل ، ويذكر مما ذكرناه سابقاً عنه ، ويضبف :
أنشد الأصمعي للأحيمر:
يعيّرني الإعدام والبدو معرضٌ ***وسيفي بأموال التجار زعيمُ
ثم قال الأحيمر بعد أن تاب، أنشده أبو عبيدة:
أشكو إلى الله صبري عن رواحلهم *** وما ألاقي إذا مروا من الحزنِ
قل للصوص بني الخناء يحتسبوا *** بزَّ العراق وينسوا طرفة اليمـنِ
فربَّ ثوبٍ كريمٍ كنـــت آخــــذه **** مـــن التجــار بلا نقـــدٍ ولا ثمــنِ

5 - ديوان الأحيمر السعدي : إعداد عبد المعين الملوحي - عن (أشعار اللصوص و أخبارهم) ، جمع و تحقيق عبدالمعين الملوحي ، منشورات دار أسامة. دمشق ، دون تاريخ.
وراجع موقع (ألف) ، وفيه أيضاً ( ديوان الأحيمر السعدي ) - إعداد عبد المعين الملوحي   - http://aleftoday.info/article.php?id=5427
 وجاء فيه :
ترجمته : من فرسان العرب في الجاهلية. و لكن هناك من يحدد عصره في الفترتين الأموية و العباسية. و يدل شعره أنه عاش في أكثر من بلد واحد و لا سيما فارس و العراق و خوزستان.
نسبه : تجمع المصادر أنه من بني سعد ثم من بني تميم.
أخباره : أقام أولا في العراق ثم في فارس. ثم هرب إلى الشام و اليمن. و لا نعرف وقت موته و لا مكانه.
صفاته الجسدية و النفسية : كان ربعة الجسم ، جسيما في قوته و جلده. و يحافظ على العهد و ينكر الغدر. و قد صاحب ذئبا. و كان فقيرا. و كان يستأنس بعواء الذئاب. و ينفر من صوت الإنسان و من البشر. و هو من الذين يستبشرون بنهيق الحمير.
و هي قصيدة طويلة و يمكن جمعها من معجم البلدان و عيون الأخبار و مجموعة المعاني . و إليكم القصيدة بعد أن قمت بترتيبها حسب التسلسل في المعاني و كما تصورتها. هذا ما ذكره الأستاذ  عبد المعين الملوحي في ديوان ( الأحيمر السعدي ) الذي جمعه. ونحن نقلناها منه ، ومن مراجع أخرى ، وشكّلنا ما لم يشكّل.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق