شاكر فريد حسن يكتب عن وعد بلفور ورحيل ماجد والمرأة العربية

تجليات وعد بلفور في الشعر الفلسطيني
مضى قرن كامل على وعد بلفور الشرير سيء السمعة والصيت ، ومند صدوره وفلسطين تعيش في جو من عدم الاستقرار السياسي ، وظهور مفاهيم في الأفق الفلسطيني كحق البهود التاريخي في فلسطين ، والهجرة اليهودية الى فلسطين ، والانتداب ، والوطن القومي وغيرها .
ورافق ذلك الاستيلاء على الاراضي ومصادرتها ، فضلاً عن سياسة التمييز العنصري والاضطهاد القومي في المعاملة بين اليهود والعرب ، وتبني الانجليز لقضية حماية المصالح اليهودية .
وخرجت بريطانيا من فلسطين العام ١٩٤٨ بعدما اطمأنت على تحقيق الحلم الصهيوني في فلسطين ، بانشاء الوطن القومي واقامة دولة اسرائيل ، وتشريد وترحيل عشرات الالاف من أبناء فلسطين واحتلال اراضيهم .
وقد عايش الانسان الفلسطيني بشكل عام ، والشاعر الفلسطيني بشكل خاص هذه الاحداث وتفاعل معها ، وتأثر بها ، ونهض الشعر باعبائها ، ورسم خطوطها وملامحها وتفاصيلها ، وبالتالي كانت عاملاً من عوامل نهضة الشعر وتطوره ، وتطوير ملامح الوجه الثقافي الفلسطيني ، وراحت تظهر في أفق الشعر الفلسطيني قضايا الاحتلال والاستعمار والاغتصاب ، ومحاولات فضح سياسة الاستعمار والصهيونية ، وتنبيه الشعب الى ذلك ، وتوجيه النداءات المتكررة للأحزاب الوطنية من أجل لم الشمل والتكاتف والتلاحم ، وفضح سماسرة وباعة الاراضي وغير ذلك من القضايا ، وقلما نجد شاعراً لم يكتب أو يتحدث عن وعد بلفور الشرير ، وسياسة الاستعمار والاطماع الصهيونية ، والهجرة البهودية الى فلسطين ، وقلما نجد شاعراً لم يشد بالمؤتمرات الوطنية ، واذكاء الروح الوطنية في نفوس الناس .
وبرزت في الشعر الفلسطيني مفاهيم السجن والاعتقال والنفي والتشريد واللجوء والمخيم والخيام ، وخاصة بعد النكبة .
هذا بالاضافة الى ظهور عناوين واطلاق أسماء جديدة على الشعر الفلسطيني ، كشعر النكبة ، وشعر الارض المحتلة ، وشعراء الوطن المحتلة ، وشعراء المنفى ، وشعراء المقاومة والثورة وسواها من عناوين وأسماء .
وتصطبغ قصائد الشعراء الذين سكنوا الوطن الفلسطيني باللهب والغضب على وعد بلفور ، الذي ألقى بسواده على فجر فلسطين وصباحها حتى ألبسها الحزن والوجع ، وخنق الحلم ، وذبح شمس الحقيقة .
وقد نهض شعراء فلسطين ، أمثال أبو سلمى ، ابراهيم طوقان ، عبد الرحيم محمود ، ومحمد علي الصالح وغيرهم ، وتحلوا بالمسؤولية بعد صدور وعد بلفور وعشية النكبة ، وتنبأوا وأيقنوا بأم أعينهم ، بما كان لديهم من قوة الحدس ، محذرين مما كان ينتظر وطنهم وشعبهم مخاطر هذا الوعد على فلسطين وشعبها ، وعلى الأمة العربية ، وأحسوا بالخطر الداهم يلوح في الأفق ، انطلاقاً من وعيهم المبكر وقوة حدسهم وواجبهم الوطني ، فراحوا يدقون أجراس الخطر ، ويقرعون جدران الخزان ، يحذرون وينذرون شعبهم وأبناء جلدتهم مما يتربص بهم من مؤامرات كبرى ، متخذين من شعرهم سلاحاً ووسيلة كفاحية ، بهدف ايقاظ وتعبئة الجماهير وتثويرها وتحريضها والوقوف بوجه المؤامرة ومحاولة منع وقوعها .
ومن أكثر الشعراء الفلسطينيين الذين كتبوا عن وعد بلفور هو الشاعر عبد الرحيم محمود ( ١٩٣١- ١٩٤٨) تلك القامة الشعرية الشامخة ، وصاحب الهامة المرفوعة الذي قال في قصيدته " وعد بلفور " التي القاها في مدينة نابلس سنة ١٩٣٥: 
وأتى الحليف وقام في اعتابنا 
                 متجبراً  أنا هدى المتحير 
واستنصر العرب الكرام وانهم 
               غوث الطريد ونصرة المستنصر 
واذا عتاق العرب تورى في الدجى
             قدحا وتصهل تحت كل غضنفر 
واذا السيوف كأنهن كواكب 
             تهوى تلامع في لعاج الأكدر 
رجحت موازين الحليف ومن نكن 
            معه يرجح بالعظيم الأكثر 
وبنت لنا إسيافنا صرحاً فلم 
          يحفظ جميل العرب يا للمنكر 
في ذمة الرحمن صرعى جدلوا 
         وعلى ثرى بدم الرجال معصفر 
غادر الحلبف وأي وعد صانه 
         يوماً وأي ذمة لم يخفر ؟
اما الشاعر الكبير ايراهيم طرقان (١٩٠٥ - ١٩٤١) فيوجه حديثه الى حكومة الانتداب البريطاني منوهاً بغدرها بحلفائها العرب ، ملوحاً بوعد بلفور ، ومبيناً يقظة الانسان الفلسطيني التي تنبهت الى أهداف الاستعمار ، فيقول بصوت عال عن الوعد الكئيب : 
بلفور كاسك من دم الشهداء لا ماء العنب 
ثم يؤكد نقض الوعد الذي لا يأبه به بالقوة : 
لا تنقض الوعد الذي أبرمته فله نواقض 
ويل لوعد الشيخ من عزمات آساد روابض 
ويقول الشاعر محمد علي الصالح أبو عكرمة ( ١٩٠٧ - ١٩٨٩) ، وهو من الاسماء المهمة في التاريخ الوطني والنضالي والثقافي والأدبي التي لم تأخذ حقها من الشهرة والنجومبة ، عن الوعد المشؤوم : 
لا بارك الله في ذا اليوم ان به 
           يا آل قحطان " وعداً " واضح الضرر
قد قام " بلفور " فيما تعرفون ولم 
         يعلم بأنا أسود الموقف الخطر 
تالله لا نقبلن " الوعد " ما برحت 
         فينا دماء ، ولا نرضاه من خبر 
أما الشاعر المخضرم لطفي الياسيني ( ١٩٣٦) وهو استاذ جامعي متقاعد ، وله ديوان بعنوان " وعد بلفور " فيقول : 
يا وعد بلفور جئت اليوم تشجينا 
فاليوم ذكراك ما انصفتنا حيناً 
قد عدت والارض ما زالت محاصرة 
تحت احتلال الخواجا والمرابينا 
عشنا على القمع والتهويد في وطن 
غاب الاسود به .. أمسى شياطينا 
ضاعت فلسطين والأحباب قد رحلوا 
خلف الحدود ، فلا رحنا ولا جينا .
هذا غيض من فيض مما قيل في وعد بلفور الباطل الذي اسس على ارض فلسطين مكاناً ، في ظل وغفلة وضعف العرب وحكامهم ، وتآمر بريطانيا والمستعمرون في حينها على الأمة العربية والاسلامية ، وعلى الشعب الفلسطيني ، ولا يمكن ابطال مفاعيل هذا الوعد سوى التمسك بالحلم الفلسطيني ، وحماية المشروع الوطني التحرري الفلسطيني ، والتمسك أكثر بثقافة المقاومة . 
**
رحيل الكاتب والمخرج السينمائي الفلسطيني ماجد جندية 
غيب الموت صباح اليوم الاحد الكاتب والمخرج السينمائي الفلسطيتي  ماجد جندية ، ابن حي الشجاعية في غزة ، الذي وافته المنية بعد صراع مع مرض الم به في المدة الأخيرة ، وهو في الخمسينات من عمره .
وبوفاته تفقد الثقافة الفلسطينية احد ابرز المخرجين السينمائين الفلسطينيين في قطاع غزة ، الذين ساهموا في تعميق وتعزيز ثقافة المقاومة من خلال أعماله الفنية السينمائية الابداعية ، التي ابرزت معاناة شعبنا في مخيمات البؤس والفقر والجوع والشقاء ، في ظل ممارسات سلطات الاحتلال التنكيلية .
وكان الراحل ماجد جندية قد انهى دراسته في مجال الاخراج السينمائي في المانيا ، وبعد عودته تنقل بين مجالات العمل السينمائي ، حيث عمل في كتابة السيناريو  والاخراج الفني ، وعمل ايضاً في المجال المسرحي واخرج العديد من المسرحيات القصيرة .
وله عدد من الاعمال السينمائبة والافلام الوثائقية ، منها فيلم عن حياة الشهيد عماد عقل ، وبداً باخراج فيلم " الوهم المتبدد" الذي يخكي قصة اسر الجندي جلعاد شاليط ، لكن الموت عاجله .
لم ينطفىء  ماجد جندية بموته ، فمسيرته الفنية والنضالية المبدعة ، تشهد على تميزه وتفرده وعطائه وحيويته ونشاطه ونضاله والتزامه الوطني بقضايا شعبه وامته المصيرية ، وسيبقى اسماً خالداً في التاريخ الثقافي والفني الفلسطيني .
فلمن ننعى جندية ، لفلسطين وشعبها اولاً ، والى العرب جميعاً ثانياً ، والى غزه وبحرها ومخيماتها ثالثاً ، والى رفاقه الذين عاصروه اخيراً .
ويرحل جندية عائداً ، وتمتزج الاسطورة بالواقع ، يرحل عميقاً في حليب ارض غزة ، قلعة الكفاح والصمود ، مقتحماً الرمال نحو البرتقال الحزين .
**
 المرأة العربية بين الماضي والحاضر ..!
طرأت تغيرات كثيرة على وضعية المرأة في مجتمعنا الفلسطيني ، والكثير من النساء انصرفن عن طلب المعالي ، ويقضين جزءاً كبيراً من الاوقات والسويعات في الجلسات التي تغشاها الغيبة والنميمة ، او جلسات الفيسبوك وشبكات التواصل الاجتماعي ، او الذهاب الى الاسواق بحثاً عن آخر صرعات واكتشافات الموضة والمكياج واحدث الازياء تاركات شأن تدبير المنزل للزوج أو الخادمات ، ورعاية الاولاد للحاضنات والروضات ، او الذهاب الى المقاهي لتدخين النرجيلة ،  او احتساء السبرسو او ايس كافيه ، غير مهتمات بأي شأن اجتماعي او ثقافي .
المرأة لها دور تربوي كبير في حياة الاسرة والمجتمع والاوطان ، ولكن الحاصل أن المرأة في كثير من المجتمعات تعيش تحت وطأة التقاليد الموروثة التي تتنافى مع تعاليم ومفاهيم الاسلام الحقيقي ، فاذا ارتكبت البنت فاحشة تقتل على ما يسمى ب" شرف العائلة "، بينما الرجل يكون حراً طليقاً  ، وكثيراً ما تحرم المرأة المتزوجة من ميراث أبيها  بزعم ان نفقتها على زوجها ، وهذه عادة مخالفة لتعاليم الاسلام .
واننا ندرك تماماً أن هناك عقبات وعوائق تحول دون أن تمارس المرأة دورها  في العديد من المجتمعات العربية الاسلامية ، وان تكون عضواً فعالاً قي المجتمع .
المرأة العربية بعد ان تعقدت أساليب الحياة ودخلت المدنية والعولمة والتكنولوجيا وزادت الالتزامات والمتطلبات ، راحت تعمل وتسافر لوحدها باحثة عن استقلالية وخلاص من سيطرة الرجل  / الزوج . ولكن في حقيقة الامر ان المرأة مهما بلغت من مراتب ومراكز اجتماعية لا تستطيع ان تتخلى عن طبيعتها  وتفكيرها ولا تستطيع الاستغناء عن الرجل مهما وصلت من مناصب عليا وحصلت على شهادات ، ومهما بلغت من قوة لا تستطيع مواجهة الحياة بمفردها .
لقد تأثرت المرأة العصرية  بعوامل التشويش الاعلامي الذي اتجه الى تصوير المرأة شبه عارية على غلاف المجلات وفي الاعلانات التجارية ، وهذا نوع من استعباد جديد للمرأة
، والمؤسف ان المرأة نفسها تتعامل مع ذاتها كسلعة تجارية وأداة لترويج الاعلان التجاري ، واسفر عن ذلك ظواهر مؤلمة من الفساد والانحلال الاخلاقي والانهيار الاسري والتفكك العائلي وزيادة حالات الانفصال والطلاق .
لقد مارست المرأة عبر التاريخ دوراً رائداً في تربية وتنشئة الأجيال بعيداً عن المفاسد والغيرة والكيد وتقليد الغير ونسخ حياتهم ، وعلى اساس من القيم والخلق العظيم ، ولكن الوضع تغير فالمرأة اصبحت عاملة او موظفة تخرج في الصباح الباكر وتعود  عصراً او مساء منهكة ومتعبة ومرهقة ومحطمة بعد ان تعرج على الحضانة او الروضة لتأخذ اطفالها ، مما يصعب عليها القيام بواجبات البيت واعبائه وعلى راس ذلك الطبخ فتضطر الى الذهاب للمطعم لشراء الوجبات البومية .
المرأة في الماضي كانت قنوعة وتكتفي بالقليل ، وتصبر على الجوع ولا تصبر على النار ، وتكون مع زوجها على الدهر .
لكن اليوم لم يعد يعني الكثيرات من نساء العصر شيئاً ، فهي تريد ان تلبس وترتدي اجمل واحدث وارقى ثياب وازياء الموضة ، والذهاب الى الصالونات ، وتكون ممكيجة وانيقة تباهي الامم ، تاكل في المطاعم الوجبات السريعة وتسهر في كافيه كافيه او جو وغير ذلك من الاسماء الفخمة ، وتسافر في العطل والاعياد الى الخارج ، والاحتفال بعيد الميلاد والزواج في ارقى الفنادق او المطاعم ، وقيادة احدث انواع السيارات واكثرها الجيبات ، حتى لو ديناً من البنوك ، او التزامات شهرية ، مع نظارات سوداء وهاتف خليوي من احدث الانواع ، وتقول للارض اهتزي ما عليك الا أنا ..!!!
**

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق