في نيوورك، قلب أمريكا النّابض بالحياة،تجد تمثال الحرّيّة New York City Statue of Liberty Supe ، الذي طبقت شهرتهُ بلدان المعمورة، تقصدهُ سريعا في عبّارة- يخت- وسط خليج مائي، فتعبر تحت جسر (بروغلين القديم)، فتشعر بعراقة المكان رغم حداثته.
إنَّ قيادةَ السّيارة في نيووركَ مُتعة جميلة رغم طول المسافات؛ لكنّها مُتعبة بسبب زحمة السير. الأجواءُ كانت مُمطرة، باردة، تحرمكَ مِن تصفح معالم المدينة ومصافحة معالمها.
الطرقاتُ في اللّيلِ كفيفة، لكنّها تشجعكَ على ممارسة رياضتكَ اليوميّة، خاصّة حي Ronkonkoma lake، فالطبيعةُ فيه مُذهلة، مُشابهة لطبيعة أوروبا في الخريف والشتاء، تتسكّع متأملاً ، بينما عازفٌ يُنشد Do you miss me too بانكليزيّة ذات لكنّة- لهجة-
لاتينيّة، لعلّه يخشى الترحيلّ!، تغدق عليه ما تجود به يدكَ وتلتقط معه صورة تشجيعيّة لهُ.
في الصّباحِ تتناول كبتشينو ساخن بالعسلِ مع قطعة " كرواتسون" وتقصدُ مكتبة Ronkonkoma library، تجلس هُناكَ للمطالعةِ والأطلاعِ على معِلم ثقافي لمدينةِ تعجُ بالابداع، ولا تدري كم مِنَ الوقت قضيت هُناك!!. قبيل مغادرة المكان، تترك فيها كُتبكَ ومؤلفاتكَ وتقفل عائدًا إلى مطار جون كيندي الواسع، وعنه يطول الحدّيث ويطولُ!.
مِن هُناكَ تُحلّق على متن شركة الطيران الأمريكيّة كنورسٍ مغتربٍ إلى مكانٍ آخر؛ بينما اللغة نفسها، إذ تقفل عائدًا مِن نيوروك إلى ولاية واشنطن DCوتقصد مدينة Crystal city ، وقد يدهشكَ كثرة الجاليات العربيّة!. بعدها تذهب إلى محطة قطار مدينة Metro center حيث البيت الأبيض. هُناكَ تجد سيارات الشّرطة ومجموعة مِنَ حرس الأمن في مُنتهى الإنسانيّة والإحترام والتعاون، يقفون أمام البيت الرئاسي الأمريكي وبجانبه كالحرس البابوي، كما تزور المحكمة العليا وبعض التماثيل المزوعة في الدروب، معظمها يستوقفكَ لتقرأ على شاهده حكايته، تواصل سيركَ فتاخذكَ الدروب وهي تردد وقع صداكَ إلى State Fairs Growing American Craft، معرض تنمية الحرّف اليدويّة. وتطلُّ عليكَ مِن كُلّ وجهة أبنية الكنائس، تقف قُبالتها لوهلةٍ ولوهلةٍ أُخرى تدخل، تسجد، تُصلي، توقد شمعة، تختلي....
في هذا الحيّ لا يطالعكَ مشهد لأيّ متسّوّلٍ، رغم أناس كثر يتدفقون مِن كُلّ صوبٍ وحدب!، بيدَ أنَّ زعيق " هورنات" السيارات لا يهدأ!!.
في البيت الأبيض
قرب The White Houseتلتقط مجموعة مِنَ الصور التذكاريّة والفيديوهات دونَ مضايقاتٍ أو ممنوعات، بينما النّاس المُحتشّدة مِن مختلف الولايات والبلدان كأنّها في مُظاهرة عيدٍ!. بعضهم يحملون أعلام بلدانهم والبعض الآخر يصدح مع مكبرات الصّوت نشيد بلاده الوطني، ويخفق في الاعالي علم أمريكا.
لم يكن الرئيس ترامب متواجدًا في مقر إقامته، سُمحَ لنا التصوير عند أقرب بوابة وأمام ةالشرفات المُطلّة مِن سكناه!، ليس كما يحدث في العراق و بلدان الشّرق العربي، حمايات وعنتكات- مشقات، ومحاذير وومنوعات وأسوار مرتفعة وعوائق واحتياطات أمنيّة، وربّما اعتقالات وسفك دماء!!.
تّعرّجُ فيما بعد إلى or tours Washington Monument وتدلّف على الشاطئ، هُناكَ ودنما شعور تفتح الذّات وتستنشق جرعة هواء واشنطيًّا نقيًّا!.
هكذا تزور ولايّة DC Washington ، للبقاء بضعةِ أيامٍ لتطير فيما بعد إلى وجهتكَ الّتي تصبو إليها.
في الصّباح الباكر، تطأ قدمكَ دروب عاصمة أمريكا للرياضة وأنتَ تتلو في سِركَ صلاتكَ الشخصيّة.
تعود تسمية هذه الولاية نسبة إلى الرئيس الأمريكي الأسبق جورج واشنطن 1791. في واشنطن وغيرها مِن مدن العالم، لم يعد تنوع الشّعوب أمرًا غريبًا، ولكن واشنطن لا تمت بصلةِ شبهٍ إلى سان دييغو أو نيوورك أو أريزونا ومشيغان.. على خلاف ما يُشاع بين تشابه الولايات الجغرافي والسكانيّ!.
ثمّة مناطق بحريّة جذابة ومساحات خضراء تشرح صدركَ، النّاس هُنا ودودة، الكثير منهم يُعاني البدانة، بسبب شيوع الأكلات السريعة، ورخص ثمنها يحفز على شرائها!!. الطرقات نظيفة والخدمات جميلة، والأمكنة أنيقة والمعالم المعماريّة مُدهشة. القطارات والباصات متوفرة بكثرة كاستراليا وأوروبا، ثمن التذاكر رخيص للغاية، كما هي الحال مع ايجار السيارة اليومي؛ بينما ثمن الوجبات في المطاعم العربيّة والافغانيّة جنونية ومبالغ فيها، وليس على غرار المطاعم الأمريكيّة أو المكسيكيّة.
لم يصادفني الكثير مِن ناطحات السّحاب، وإنّما الأبنية المعماريّة لها تصاميم هندسية وجماليّة. ما لفت انتباهي تبادل التحيّة مع الفنانة ( شمس الكويتيّة بعبارة حبيبي)، قد يخلق مِن الشبه أربعين!!.
وكذلكَ مؤسسة إنسانيّة نصبت خيمتها في ركن شارعٍ سقط مِن ذاكرتي في حي SQ MCPHERSON في " السيتي" وضعت بضع كراسي لحلاقة الشعر المارة (zero) في الهواء الطلق، تضامنًا مع مرضى السرطان ودعمًا لهم، لاسيّما الأطفال. شيءٌ ما في داخلي دفعني لحلاقة شعر رأسي بِلا تفكيرٍ أو ترددٍ! لعلّها إنسانيّتي أو نزعة كهنوتيّة اعتدت عليها.
ولا مشاحة أن قُلتها صريحة واضحة بالفمِ الملآن، لا لبس فيها: إعلاميًّا للبيت البيضاوي هيّبة تصنُّ وترنُّ، يفتقدها على أرض الواقع!!.
طبيعة الحياة ونمطها
إنَّ انماطَ الحياة في أمريكا تختلف وتتنوع مِن ولاية إلى أخرى، هذه الفروقات لا تقتصر على اللغة أو الطعام في المطاعم، أو الطرقات، أو دور الموسيقى؛ بل تمتد إلى الاشارات الضوئيّة، بدءًا مِن كيفية التعامل بينَ السُّكان مرورًا إلى الأماكن العامة، وصولاً إلى طبيعة الحياة ونمط العيش وجودة التعايش وكافة الخدمات وإحترام الإنسان.
وبوسعكَ أن تجد الشواطئ فاتحة ذراعيها لزوارها في كُلّ الأوقات، أما الحدائق تستقبل الزوار على الرحب والسعة، كما للمتاحف روادها وغيرها مِنَ المعالم.
هُنا لا تشم رائحة المراوانا، كما هي الحال في الكاهون، وتلحظ تفشي السكينة والهدوء، الكلُّ منشغل بحياته وعمله وعالمه الخاصّ، بعيدًا عن القيل والقال، وليس كما يحدث مع أبناء جلدتي والجاليات العربيّة.
النّاسُ لطفاء، يلقون عليكم التحية ويوزعون الابتسامات، ولكن قلّما تجد الفرق الموسيقيّة تعزف في الطرقات.
الجيش في خدمة الشّعب، أسوقُ لكم مثالاً للتوضيحِ عن هذا الأمر: ففي محطات القطارات لا يترددون في تقديم لكَ المساعدة متى ما أحتجت لها أو توجيهكَ إلى نقطة وجهتكَ.
الدراجات الهوائيّة بامكانكَ استجارها بشكلٍّ شخصي مِن أيّ رصيفٍ.
بعد سياقة هانئة في رحابٍ أمكنة فيها روعة بناء! تصفُّ سيارتكَ، وتترجل منها لترتادُ حديقة مُخصصة لفرحِ النّاس وللقراء، أشبه ما تكون بِدارِ استراحةٍ الالتقاط الالنفاس وتناول لقمة أو احتساء جرعة قهوة أو ماءًا أو للتواعد وتبادل اللقاءات وأطراف الحديث أو لممارسة الرياضة...
تنتقي مكانكَ بنفسكَ كالعادةِ، تفتحَ حاسبوكَ لتدوّون مشاهداتكَ الثقافيّة، فتقع على مسامعكَ موسيقى ( يا شوك) للفنان هيثم يوسف، تستطيبكَ الموسيقى والأجواء، لأنّني لستُ مِنَ المؤمنين أنَّ للكلمةٍ اشلاءًا، بل بذورًا، تزرعها في مدن العالم، كمن يغرس نبتة في تربة الوجود. وأنتَ تكتبُ تُطالعكَ عيون كثيرة لأناس تمارس فنّ التسكّع، تحدق فيكَ وهي تطلقُ شهقةُ دهشة أو تعجب، وكأنّكَ كُلّما أبتعدت عن النّاس شعرت بقيمتكَ!.
ومسكُها رحيل
وبينما كانتِ الرُيحُ تمشط الأعشاب، كنتُ قد أغمضتُ عينيِّ في لحظة استكانة، وإلاّ بعائلةٍ عراقيّة مع عائلة أخرى عربية، لم يجمعني بها سابق معرفة، تلقي عليّ التحيّة دونَ سابق انذارَ، التقطت معي الصور فتشرفت بها!.
عاملة النظافة في الحديقة، أهدت لي ولسواي وردة جميلة، تكريمًا للزوار، تقبلتها، على الرغم مِن حُبّي للورود والتعاطي بها، ولكن قناعتي أنَّ ليس بالورد وحده يحيا الإنسان، وليس بها فقط الكون يزداد جمالاً ورونقًا وإنسانيّة.
إنَّ الرسالة الّتي أريدها أن تصلُّ للقرّاء مؤادها:
أقليّة مِن حملة القلم يشبهون نصوصهم وكتابات مُشاهداتهم الثقافيّة والأدبيّة، والقّلائل أيضًا الذين لا فصام أدبيًّا بينَ ما يكتبون ويعيشون ويقولون، وليس غروًا إذا قلتُ أنا واحدٌ مِن هؤلاءِ.
حقيقةًً في ولاية واشنطن العاصمة المركزية للولايات المتحدة، لا يطالعكَ مناظر لأناس متوترة أو مجهدة بأقاويل أو أحاديث لا طائل منها أو ضغوطات عمل أو دفوعات حياة، هكذا بعضُ المُدنِ تحبها وتعشقكَ مِنَ أولِّ نظرة ووطأة قدم وخطوة، وثمّة مدنِ بِلا وجهةٍ، ولكنّي هُنا ليس مِن منطلقِ النقد أو المغالاة أذهب للقولِ:
نحنُ ملّة الكُتّاب والأدباء والشّعراء والمثقفين... في عملية( تدوير ثقافيّة، أدبيّة، دينية...)، بحاجة ماسةٍ لأجواء، نُصدر فيها كتابات للقرّاء عن أدب الترحال، " كتابات مانع حمل"؛ لكي لا يحمل إنسان الألف الثّالث ويتحمل أعباء الحياة وتنال منه تحدياتها.
وأنتَ تنهض برأس محلوقٍ وتذهب إلى سيارة BMW قد استأجرتها للذهاب لترحال آخر، تجد ظلّك بقي جالسًا على كُرسيّ هزازٍ خلف شمسٍ تداعب غزالة رغم البرد!!.
حقيقةً، واشنطن التي آسرت عقلي وقلبي، هي واحدةٌ مِنَ المدنِ الّتي تعلم كيفَ تستقبلكَ، فتعرف بدوركَ كيفَ يكون لكَ فيها خطوة وبصمة وكلمة!. فقط جربوا أن تزوروها.









0 comments:
إرسال تعليق