إذا ما سأل الإنسان نفسه سؤالا بسيطا عن الهدف الأساسي الذي يحيا من أجله، فكيف ستكون الإجابة يا ترى؟ العائلة.. الذرية.. العمل.. المال.. الشهرة والنجومية وو...، أما الدين والأخلاق فستكون آخر شيء سيفكر فيه أو يضعه في جدول أولويات حياته، وهذا يرجع في نهاية المطاف لنقص الإيمان بعظمة الله.
هذا يجعلنا نتوقف أمام عنوان جديد في كتاب "هموم داعية" للغزالي، ألا وهو "مستقبلنا رهن بوفائنا لديننا" لنرى أن ما يشير إليه شيخنا الجليل من خلال مسألة شعار التوحيد لا يعني أن نشتري العداوة مع الخالق في خلقه خصوصا المستضعفين الذين ذكرهم القرآن الكريم لقوله تعالى: "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين" (سورة القصص: الآية 5)، ولا نحاول العداوات مع غيرنا حتى لو كان يهوديا أو نصرانيا. بالإضافة إلى ضرورة عدم التفكير في فرض الإسلام بالإكراه على هذه الفئة – اليهود والنصارى – لأن دين النبي الأمي المذكور عندهم في التوراة والإنجيل دين قناعة ولن يقبل القادر عز وجل غيره مصداقا لقوله تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" (سورة آل عمران: الآية 85).
والإنسانية المحترمة من وجهة نظر الكاتب، هي أن أظل متمسكا بأخلاقي ووحدانيتي، وتظل أنت أيها الآخر على ظلالك، وفي نهاية المطاف الإسلام جاء ليفرض نفسه في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة.
أما ما يشغل الإمام الغزالي هو الحكم السائد في عصرنا، والذي أصبح من وجهة نظره جسدا بلا روح، وسببه الرئيسي هو تراجع العديد من الحكام عن قبلة الإسلام لغايات شخصية خسيسة وأكبر دليل قوله: "يا حسرتنا على العباد! ، يفتخر اليهود بأسلافهم ويستحيون تاريخهم، وننأى نحن عن أسلافنا ونستحي من قرآننا وتاريخنا." (ص 82).
الباب الموالي يعيدنا إلى أهمية القرآن والسنة النبوية لفهم مقاصد الشريعة، لأجل فهم معنى وجودنا على وجه الأرض، ونعلم قيمة النعم التي نعيش فيها وذلك بفضل من الله على عباده.
"كلمات في القدر من الكتاب والسنة" عنوان يجعلنا في قيمة ما يغرسه الإنسان وقيمة ما يجنيه من وراء أقواله وأفعاله طيلة حياته الدنيوية كما يقول الغزالي: "من السياق القرآني نقول في جزم: إن من زكى نفسه وكبح هواه فقد أفلح.. لا مرية في ذلك، وإن من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فهو إلى خير يقينا لا شك في ذلك.. وزلزلة هذه الروابط بين السبب والنتيجة مرفوض في دين الله، بل هو جريمة نفسية واجتماعية.." (ص 85).
ويرى الإمام محمد الغزالي أن بعض الناس في عصرنا هذا يريد أن يثير الخلل في موازين حكم الله البالغة، وهو يقول عن ذلك ما يلي: "إن الله لا يسأل عما يفعل، وله أن يتصرف في ملكوته كيف يشاء!" (ص 88)، وهذا فعلا حق أريد به باطل لن يبلغ أهله مهما فعلوا طيلة حياتهم على وجه الأرض أن يبلغوا تحقيق جملة من أهدافهم الخبيثة، لأن الله قادر واسع القدرة وهو الذي يقول في قرآنه العظيم: "قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا" (سورة المائدة: الآية 17). والله سبحانه نصر أنبياءه جميعا وإنما يهلك الكفرة الفجرة المتمردين على حكمه البالغة إلى يوم نزول المسيح عليه السلام الذي جعله آية من آيات علامات القيامة.
نتوقف قليلا في هذا الباب عند مثال ذكره شيخنا الجليل عن سؤال أستاذ لصديقه عن أحوال طلبته في الصف حيث يقول له: "لم يفلتوا من حكمك أو نفذ فيهم رأيك..!! سقط من قدرت سقوطه ونجح من قدرت نجاحه!!"، لكن الجواب جاء مشيرا إلى أن النتيجة تعود على جهد صاحبها فهو من يحدد مصيره الدراسي، وكأنه يشير إلى مصير الإنسان في حياته كافة ويشبهه بالتحصيل الدراسي.
الباب الموالي الموسوم "حقائق خفية وراء حروب تعيسة" جاء معاتبا بنبرة غضب لتلك الفئة التي تدعي الإسلام، وهي التي انسلخت عن تعاليمه بل أكثر من ذلك فهي تتربص بأهل الإسلام وتسعى لغرس الفتنة في أراضيه، كما وتنحاز للفئة التي تنحر أحبائه يوما بعد يوم.
أما العجيب في نظر الكاتب هو مضي البعض في طريق الانحراف، وهو يظن نفسه في الطريق المستقيم وكأنه لم يقرأ قوله تعالى: "ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين" (سورة آل عمران: الآية 54). وفي حقيقة الأمر أن المسافة في خط الزيغ والخط المستقيم تقدر بقدر أصبع، ثم تمتد فتصير قدر شبر، ولا يزال الزمان يطيل المسافة بين الخطين حتى تصير قدر ميل أو أميال، ويكون البعد عن الحق شاسعا في نظر الغزالي.
يعود في باب آخر للحديث عن أن الصراط المستقيم ليس منحصرا في وقوف العبد في محراب لعبادة الله وكفى، بل إنه جهاد عام لإقامة الإنسانية لإحياء معالم التعاون لإفشاء السلام بين الناس حتى لا يذل المظلوم والمستضعف أو يشقى المحروم أو يعبث بالحقوق المغرور وو... مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ".
أما الباب الأخير من هذا الكتاب جاء تحت عنوان "من جوانب انهيار المسلمين الحضاري"، والذي يعكس في جوهره أن أمتنا اليوم تعيش تخلفا حضاريا رغم ما وصلنا من موجة التكنولوجيات الحديثة والتي يسيء الكثيرون استغلالها للأسف الشديد. وفي رأي الغزالي أن الكيان الإسلامي تهاوى تحت ضربات دعاة التغيير، بل أصبح بين ليلة وضحاها أسيرا تدميه القيود، ويرهقه الإذلال لأن المسلمين فقدوا أسباب التمكين في الأرض فعصفت بهم ريح هوجاء.
كل هذا هو نتيجة الفساد السياسي من وجهة نظر الكاتب، والذي يعتبره مرضا قديما في تاريخ العرب، لأن الآخر سعى سعيا حثيثا في إفساد البيئة الإسلامية حتى لا تنبت فيها كرامة فردية ولا حرية اجتماعية مزركشة بعقائد ديننا الحنيف، فأين مبدأ الشورى الذي قرره الإسلام في أيامنا هذه؟!
المصدر
(1) محمد الغزالي: هموم داعية، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، ط 6، 2006.
0 comments:
إرسال تعليق