الأب الأديب يوسف جزراوي مثقف موسوعي نشيط، يتدفق كالنهر، ولا تستهويه ظلال الاستراحة. في كتاب جديد تناول فيه ملحمة كلكامش من منظار انساني، يعيد وصل ذاته بتاريخ العراق واساطيره وملاحمه، بعد ان ذاق مرارة الترحال مثل كلكامش، وقطف ازهار الحكمة من عيون السندباد. فهل تكون غربة الجغرافيا موعد لقاءٍ في ساحة التاريخ، وما الذي يجمع بين المسافرَين في المسافات؟
السفر في العمق تمرّد على رتابة الاقامة،او كما يسميه الكاتب، "خروج من الذات الى رحاب الحب والخدمة". هو اذن الحركة والسعي الى الخلود بكل اشكاله. من أوروك أو من بغداد، يبتدئ المشوار بحثاً عن عشبة سحرية توقف عقارب الزمان. ولكل مسافر رفيق: أنكيدو لكلكامش، ويسوع للأب جزراوي. وحين يعلن الكاتب ان البطل الحقيقي في الملحمة هو الرفيق انكيدو، كأني به يشير بيديه الى صورة المصلوب على خشبة ويقول: هوذا البطَل والألف والياء.
نقش كلكامش في الحجر تفاصيل اسفاره، وسجّل الأب جزراوي تجربته الفريدة في الكتب المكدّسة وعلى المذابح المقدّسة. وكلاهما في التدوين يسعى الى اشراك الآخرين في تذوّق كأس المغامرة الكبرى. وهدفهما مزدوج: تحقيق الذات وبنيان الآخر، وبين الذات والآخر تفاعلٌ مبارك. هكذا تصير الكتابة رحلة نحو عالم أفضل، وفعل محبّة ورجاء.
وتبقى الجدلية الوجودية قائمة: لا بد من الخروج من المورورث او الذات او الوطن، للولوج في عمق الدهشة والاكتشاف والتألق. الغربة هي الطريق اذن الى الآفاق الجديدة، ومن معاناة الانسلاخ تتفتح براعم العطاء المبدع. لكن الخروج الأخير من سجن الجسد موجع ومخيف؛ هكذا يصرخ كلكامش في اللوح الثامن:"...من أجل انكيدو، خِلّي وصاحبي، أبكي وأنوح نواح الثكلى!" وفيما يسعى كلكامش الى مقارعة الموت (الشر)، يردّد الكاهن الكاتب: أين شوكتك يا موت، وأين غلبتك يا جحيم؟
يتماهى الأب جزراوي بملحمة كلكامش وكأنه يقرأ فيها سيرته الذاتية. يربح معه "ثورة القلق ورهبة المغامرة.."، ويحنّ مثله الى موطنه الأول، حيث يكون له الخلود. وبغيرة الراعي الصالح الذي "يعرف خرافه وخرافه تعرفه" يُسقط امثولات الماضي على الواقع المُعاش، فيدعو القراء الى رفض العنف واعتماد المحبة والحوار. وكما سأل كلكامش صاحبةَ الحانة: أين الطريق؟ يدعو الكاتب الإنسان المعاصر الى طرح السؤال ذاته على نفسه...وفي الكتاب الجواب.
السفر في العمق تمرّد على رتابة الاقامة،او كما يسميه الكاتب، "خروج من الذات الى رحاب الحب والخدمة". هو اذن الحركة والسعي الى الخلود بكل اشكاله. من أوروك أو من بغداد، يبتدئ المشوار بحثاً عن عشبة سحرية توقف عقارب الزمان. ولكل مسافر رفيق: أنكيدو لكلكامش، ويسوع للأب جزراوي. وحين يعلن الكاتب ان البطل الحقيقي في الملحمة هو الرفيق انكيدو، كأني به يشير بيديه الى صورة المصلوب على خشبة ويقول: هوذا البطَل والألف والياء.
نقش كلكامش في الحجر تفاصيل اسفاره، وسجّل الأب جزراوي تجربته الفريدة في الكتب المكدّسة وعلى المذابح المقدّسة. وكلاهما في التدوين يسعى الى اشراك الآخرين في تذوّق كأس المغامرة الكبرى. وهدفهما مزدوج: تحقيق الذات وبنيان الآخر، وبين الذات والآخر تفاعلٌ مبارك. هكذا تصير الكتابة رحلة نحو عالم أفضل، وفعل محبّة ورجاء.
وتبقى الجدلية الوجودية قائمة: لا بد من الخروج من المورورث او الذات او الوطن، للولوج في عمق الدهشة والاكتشاف والتألق. الغربة هي الطريق اذن الى الآفاق الجديدة، ومن معاناة الانسلاخ تتفتح براعم العطاء المبدع. لكن الخروج الأخير من سجن الجسد موجع ومخيف؛ هكذا يصرخ كلكامش في اللوح الثامن:"...من أجل انكيدو، خِلّي وصاحبي، أبكي وأنوح نواح الثكلى!" وفيما يسعى كلكامش الى مقارعة الموت (الشر)، يردّد الكاهن الكاتب: أين شوكتك يا موت، وأين غلبتك يا جحيم؟
يتماهى الأب جزراوي بملحمة كلكامش وكأنه يقرأ فيها سيرته الذاتية. يربح معه "ثورة القلق ورهبة المغامرة.."، ويحنّ مثله الى موطنه الأول، حيث يكون له الخلود. وبغيرة الراعي الصالح الذي "يعرف خرافه وخرافه تعرفه" يُسقط امثولات الماضي على الواقع المُعاش، فيدعو القراء الى رفض العنف واعتماد المحبة والحوار. وكما سأل كلكامش صاحبةَ الحانة: أين الطريق؟ يدعو الكاتب الإنسان المعاصر الى طرح السؤال ذاته على نفسه...وفي الكتاب الجواب.
0 comments:
إرسال تعليق