لم نتوقف عن التواصل عبر الهاتف رغم انف الكورونا التي بعدت المسافات القريبة وولدت نوع من الحذر، ولكن عندما بدأت تخف القيود وسنحت الفرصة سألني ابو خليل: شو عندك بكرا؟
كانت عطلة نهاية الأسبوع الطويلة لمناسبة عيد الفصح.
كان لدي التزام آخر واعتذرت، لكنه اصر وبعد بكرا، اجبته لا شيء،
إذن، بدنا نشرب قهوة الاثنين صباحاً، اتفقنا على المكان والزمان.
صباح الأثنين وانا بطريقي الى المقهى المحدد وصلتني رسالة نصية للتذكير بالموعد، وتلتها رسالة أخرى يقترح فيها ابو خليل مقهى آخر على الشاطىء، وافقت على اقتراحه وما هي الا دقائق وكنا نأخذ اماكننا على الواجهة البحرية للمقهى وكان برفقته صديق مشترك حضر معه.
كان الموج دون كلل او ملل يطرق ابواب الشاطئ ويحمل معه من الضفة الأخرى للعالم قهوة من الذاكرة سكبها في فناجين صباحنا.
تدفق حبل من ذكريات الصبا والشباب في الحقول وبين أشجار الكروم والعصافير التي طارت وحلقت ولكنها لم تقع في أسر شباكنا التي نصبناها لأصطيادها بطمر الافخاخ بالتراب.
وكان محراث الذاكرة يقلب التراب ليخرج منها صوراً ناصعة كسنابل قمح لونتها الشمس بلونها المذهب الذي يختزن دفء الذكرى.
قطفنا من ثمار الذكريات تيناً،عنباً وصبار، ركضنا وتظللنا بفيء أشجار البطم، وجلنا في زواريب الضيعة، ودخلنا وخرجنا الى صفوفنا، وحضرت شيطنة التلامذة وتجربتنا مع المعلمين الذين حرصوا على بناء ثقافتنا مدماك فوق مدماك، ومنهم من رحل من الدنيا ومنهم من تغرب وآخرون ما زلوا يحرصون على الذاكرة في عيترون.
الرفاق والاصدقاء عبروا وتبادلنا ذكرياتنا واياهم مجبولة بالفرح والعذاب والخوف والفقر الذي لم يقف عائقاً امام طموحنا الذي كان يحلق بأحلامنا عالياً.
كله ونحن جالسين نقهقه بأعلى أصواتنا كأننا نعيش اللحظة بحلوها وعذوبتها وان كانت ترافقها بعض المرارة أحياناً، ونسينا انفسنا ورواد المقهى من حولنا وكأننا خارج المكان والزمان.
تذكرنا، وتذكرنا وتركنا المقهى وامواج الذكرى ما زالت تقرع ابواب شاطئ الغربة وفرغت فناجين القهوة الا من ملح الذكريات الذي يسكن الوجدان.
انها قهوة من الذاكرة في صبيحة أثنين الفصح، لكن الذكريات بقيت معلقة على صليب الأيام الغابرة والمقيمة التي لا تعرف غربة وبعد وتنبض بدقات القلب وتسري في الاوردة والشرايين كالدورة الدموية تنقل اوكسجين الحنين.
0 comments:
إرسال تعليق