ليسَ بالأمرِ العادي العابر أن يتنكَّـب رجل دين، كسيادة المطران عَبدُه خليفة، كتابة مقدمة هذا الديوان عند صدوره، كون عنوانه يتدثَّرُ بطابع ديني، ويتضمخ بعبق الحضرة الإلهية، سيّما حين تبدو للقارىء المُتعجِّلِ بوادرُ كفرٍ في ظاهر العنوان، ولكن حنينة ضاهر تنقي الصورة وتظهرها في مقالها المنشور في جريدة الأنوار بتاريخ 30 أيار 1989.
تعريف سيادة المطران خليفة يزيد الصورة نقاءً بوصفه للديوان كـ : "سيف على رؤوس الدجالين ومُروِّجي الغشّ والتزييف من أيّ صوبٍ أتوا وإلى أي فئةٍ انتموا" .
أعود على شراع الذاكرة إلى سنوات خلت، إلى يوم شَرَّفني صديقي شربل بإهدائي ديوان "ألله ونقطة زيت" ، في أوائل عام 2011، وخَصَّـني بهذه الأبيات الجميلة:
ألله ونقطة زيت .. كلُّو فَـلسَـفِـه
بْدنيي تَعيسِه مْشَرشحَه ومْقَـفْـقـفِـه
مْنقـتُـل .. تا حتى ندخُل الجنّه سَوا
وجـنّـة الـفـردَوس مِـنّـا خـايـفِـه
وشربل ومحمود طاروا بْهَالهوا
شِعَّـار أكْـبَـر من جْنُـون العاصفِه
مع حبّي ، شربل بعيني، سيدني : 13/03/2011".
قرأتُ الديوانَ في حينه، فَـبَـدَت لي ظلال صوفية الحلاج وابن الفارض، ولكم تمنَّيتُ أن يتّسعَ المقال لنشر نماذج عن التشابه، ولكني على يقين من عثور القارىء المتيقظ على مكامن التماثل.
من ناحية أخرى، الجانب الصوفي في نسيج شعر شربل يكاد يكون من قماشة سقراطية دعت ل"تطهير العقول، ما يُمهِّدُ الدربَ إلى اكتشاف الطريقة الـمُثلى لبلوغِ الحق" ، حيث يتجلّى رنين أجراس المناجاة بهذه الترتيلة الشربلية:
" دَخلك يا ربّْ الأكوان
كِل شي خْلِقتو .. مِنَّك كان
إنت المِتجَسَّد بالإشيا
القادِر يفهمها الإنسان".
ديوان " ألله ونقطة زيت" واحة شعرية أدبية فيها الكثير من المناهل الصَّافية التي قد تسهم في رفد طلاب الدراسات العليا في مشاريعهم عن الشعر اللبناني العامي والمواضيع ذات الصلة.
ريحانةٌ شربلية أخرى من روضة الديوان:
"خْـلِقْتْ الشَّمسْ ... بْنُورَكْ شَافُـوا
خْـلِـقتْ الليل ... بعتمَكْ خافُوا
خْـلِقت الـبَحر ... بْـمَـيَّك طافوا
وبَعدُن عَم يتسلٌّوا فيكْ
يا عُمر الْــ ما بينقَصْ عُمرو
يا شريك الْــ ما عِـندو شريك"
سوف يلقى القاريء في هذا الديوان ما يشابه هذه الخاطرة لميخائيل نعيمة:
"الناس عبيد الناس. أنا عبد من في يده قضاء حاجتي. ومن في يده قضاء حاجتي عبد من في يده قضاء حاجته. فعبدهم سيد وسيدهم عبد. وهل أظلم من عبد إذا ساد أو أحقر من سيد إذا استعبد".
وكذلك ما يشبه هذه الحكم لجبران :
-"لا يستطيع فاعل السوء بينكم أن يقترف إثماً بدون إرادتكم الخفيّة ومعرفتكم التي في قلوبكم".
-"زرعتُ أوجاعي في حقلٍ من التجلُّـدِ فنبتت أفراحاً".
-"غريب أن تقصرَ شفقتك على بطيء القدمين دون بطيء الفكر، وأعمى العينين دون أعمى القلب".
وما على الساعي إلى المعرفة سوى التنقيب.
محمود شباط
عيحا في 18 / 07 / 2023
0 comments:
إرسال تعليق