يدرك اللبنانيون مقيمين ومغتربين أن لبنانهم بات أكثر وضوحاً، أنه على حافة هاوية سحيقة مدمرة، في مرحلة سياسية مأزومة ومعقّدة، وأن مستقبله لا يبشر بالخير والتفاؤل، حيث انسحبت تداعيات "الفراغ الرئاسي" على حكومة بدأ سوس الخلافات والانقسامات والاجتهادات القانونية والدستورية حول صلاحياتها الطارئة والمفترضة ينخر جسدها الهزيل، وهي التي ولدت بعد مخاض طويل وغير طبيعي، باتفاق مصلحي بين مجموعتان تتقاسمان البلاد ويتحكمان في مصير العباد، الأولى بقوة السلاح والدعم الطائفي والمذهبي من دول إقليمية، وسياسات مصالح دول تسمى كبرى، في ظل مجلس نيابي مشلول بالتعطيل وفقدان دوره من اجتهادات التمديد، أو من خلال اعتماد بعض المحسوبين على جماعة ما يسمى "8 آذار" يتقدمهم الجنرال الذي أصبح في خريف عمره، وما زال يحلم بكرسي الرئاسة الأولى، ويتحرك هو وتياره ضمن سياسة العزل والمقاطعة وفرض الشروط المسبقة.
هذا اللبنان الذي فرَّ منه أبناؤه وهم يحملون معهم القلم والمعوَل، كما حملوا معهم حلمهم بوطن واحد لجميع أبنائه، بعيداً عن السياسة والسياسيين، الذين لا همّ لهم سوى مصالحهم الشخصية.
هذا اللبنان القابع منذ عقود على فوهة بركان سياسي طائفي يغلي، والذي قد ينفجر في أية لحظة حيث سيتشظى منه المقيمون والمغتربون من أبنائه، مما سيزيد من تكريس لوضع طائفي ومذهبي مقيت، على الرغم من أن هناك قراراً إقليمياً ودولياً بتولي الجيش عدم إيصال لبنان إلى الهاوية.
فاللبنانيون في العالم اليوم هم أبناء وأحفاد مهاجرين تحولوا بفعل الزمن إلى متحدرين من أصل لبناني، مضى على هجرهم لبنان أكثر من 150 سنة، تبدّلت خلالها الأحوال، وتغيرت الوجوه والأسماء، والعادات والتقاليد، واللغات والسياسات، ومع الأسف لم يبق من هذا اللبنان سوى التشرذم وسياسة "أنا ومن بعدي الطوفان" تتحكم في رقاب البلاد وأحلام العباد.
وعلى الرغم من أن اللبنانيين المقيمين الذين هم خارج قبب القصور الرئاسية الثلاثة، يئنون من عبء سياسات المصالح الشخصية للنواب والوزراء التابعين لهذه المجموعة أو تلك بحسب التقسيم الطائفي والمذهبي، كما يئنون من ثقل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، ومن ضياع الحقوق، وانعدام المسؤولية لدى الطبقة المتحكمة بالمصالح والحصص والمكاسب السياسية والطائفية، وآخرها أزمة النفايات، إضافة إلى أزمات قديمة حديثة مثل انقطاع المياه والكهرباء، والمشاكل المتكررة في كل فصل شتاء مثل الصرف الصحي، والمجارير، وغير ذلك من أزمات يومية ومعيشية، يبقى المواطن المقهور فيها يتمنى لو أن بلداً ما، في أبعد نقطة جغرافية في العالم، يفتح له باب الهجرة ليهجر لبنانه، تاركاً إياه لعصابات النهب والسلب بمختلف تسمياتها.
هذه اللوحة عن واقع لبنان السوريالي التي تبرز خليطاً من الأحزان والآلام معاً، تتضح معها الحقيقة الموجعة التي يعيشها اللبنانيون الشرفاء ويخشون من تداعياتها في الآتي القريب.
في هذه الظروف الصعبة تأتي عملية توحيد الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، التي يتقاسمها محسوبين على ما يسمى "8 آذار" بحسب مصالحهم. وفي المقابل يتهرّب جماعة ما يسمى "14 آذار" عن دعم الجامعة عملياً، على الرغم من أنهم جميعاً يقولون أنهم مع الجامعة وتوحيدها، إلا أن الوقائع تدل أن الجميع يعمل عكس ذلك. فوزارة هنا تؤيد جناح منها، ووزير هناك يؤيد جناح آخر، ومجموعة هنالك تؤيد جناح ثالث. والأهم هو الخلاف بين مدير عام وزارة الخارجية والمغتربين هيثم جمعة ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، الذي ليس هو ليس خلافاً شخصياً بينهما، بل أن الصراع أو الخلاف هو بين تيارين يمثلهما كل منهما على المصالح، وليس على موضوع وحدة الجامعة، حيث أعلن باسيل في لقاء مع وفد من الجامعة في نيسان الماضي كلاماً مبهماً، وقد ذكر في هذا الصدد الأمين العام للجامعة طوني قديسي "جناح اليخندرو خوري فارس" في مقابلة مع "صوت لبنان" في بيروت ضمن برنامج "نقطة عالسطر" مؤخراً: "أن الخلافات الموجودة بين بعض الوزراء ومنهم وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، ومدير عام المغتربين هيثم جمعة لم يساعد في دفع الأمور إلى الأمام ولم نلمس حماسة من قبل الوزير باسيل إلى توحيد الجامعة ربما بسبب وجود الخلافات بين مكوناتها".
وكذلك أشار بيتر أشقر أمين عام الجامعة "جناح احمد ناصر" في البرنامج ذاته: "أن لا أحد يمكنه أن يصادر دور الجامعة التي لم تدع إلى مؤتمر الطاقة الاغترابية الذي ينظمه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل." في إشارة منه إلى محاولة جبران باسيل استبعاد دور الجامعة في أي عمل اغترابي.
مقابل كل ذلك، ومن خلال مراجعة لأحوال اللبنانيين المنتشرين في أصقاع الأرض، نجد أن هناك مجموعات حزبية وسياسية طائفية ومذهبية، تابعة الفئات من المتحكمين في رقاب العباد والبلاد في لبنان، تحاول بشتى السبل بسط سيطرتها على معقل كان رمزاً للتعايش والوفاق بين المهاجرين اللبنانيين منذ ستينات القرن الماضي، ألا وهو الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، التي أصبحت ثلاث جامعات تتحكم فيها المصالح والأنانية، وكل منها تدعي أنها تعمل من أجل وحدة لبنان وسيادته واستقلاله، ولكن مع الأسف بحسب منظور حزبي وسياسي طائفي ومذهبي لبعض المنضويين تحت لواء الجامعة. مع العلم أن الجامعة الثقافية اللبنانية في العالم التي تأسست في نهاية عام 1959 كرابطة تجمع ما بين المغتربين، من أجل التضامن والتعاون، وتوحيد الصفوف والأهداف، لما فيه خيرهم أولاً، وخدمة لوطن الآباء والأجداد، على أن تكون "مؤسسة اغترابية لا طائفية، ولا مذهبية، ولا سياسية، ولا دينية"، مهمتها جمع شمل المغتربين في أنحاء العالم، من أجل إبراز الوجه الحضاري والثقافي والاجتماعي للبنان المتعدد الثقافات عبر التاريخ، وكي تكون صوتاً موحداً للبنانيين في الخارج، وأن تقوم على متابعة أوضاع المغتربين في كافة المجالات. مع العلم أن فئات من المتحكمين برقاب العباد والبلاد في لبنان، لا ينظرون إلى المغتربين إلا على أنهم "البقرة الحلوب" التي تدر ذهباً وأموالاً، حيث يبدأون في مواسم الانتخابات النيابية والبلدية والاختيارية بشن حملات تغزّل للجاليات اللبنانية في ديار الاغتراب، فيزورونهم ويسمعونهم أجمل أناشيد الحب والغزل ولو كانوا في أبعد نقطة من العالم أو وراء المحيطات، لكسب ودهم ودفع قيمة بطاقات السفر لهم في أحيان كثيرة، وإذا ما انتهت الانتخابات أو حصل تمديد تناسى الزوار المغتربين وما يمثلون، دون أن يعرفوا أهمية ما يقدمه المغتربون من تغطيات للعجز المادي لدى كمّ من العائلات، واحتياجات أبناء الوطن في الداخل، سوى بالكلام المنمق والتصريحات الرنانة. على الرغم من أن رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال سليمان عمل على توحيد الجامعة، ولكن لم تصل جهوده إلى النتائج المرجوة، بسبب تمسك كل مرجعية رسمية ودينية وسياسية في لبنان بحصتها، والحفاظ على أتباعهم في السيطرة على أجنحة الجامعات الثلاث، فبقيت الجامعة مشطورة بين أهواء هذه الجهة أو تلك. وهكذا نجد أن كل فئة منهم إنما تغني على ليلاها، بحسب المصالح الشخصية والسياسية والفئوية.
إلا أن بصيص أمل كان قد برز عام 2012 من أجل توحيد الجامعة بأجنحتها المختلفة، ثم انطفأ بصيص ذلك الأمل ليعود مجدداً بقوة منذ بداية عام 2014 ليضيء نهاية النفق، وصولاً إلى منتصف العام الجاري 2015، مؤشراً إلى أن عهد التفرقة والتشرذم قد ينتهي قريباً. وتمت الإضاءة على ذلك من خلال كلام رؤساء الأجنحة الثلاث للجامعة مع حفظ الألقاب جناح (احمد ناصر) الذي يضم عناصر محسوبة على "تيار 8 آذار"، وجناح (البير متى) الذي يضم عناصر محسوبة على "تيار عون"، وجناح (اليخندرو خوري فارس) وهو الجناح الناشط تقريباً على ساحات الاغتراب، ويتمثل فيه أحزاب وشخصيات تلتقي مع توجهات سياسية طائفية أغلبها من شمال لبنان، وكذلك يضم هذا الجناح شخصيات مستقلة تؤمن بأن لبنان هو لجميع أبنائه بعيداً عن القطبية السياسية والطائفية والمذهبية، وقد حدثت إشكالات بين الفريقين أدت إلى انقسام في القارة الأسترالية مؤخراً بسبب التدخلات السياسية.
وكان (البير متى) قد أعلن في شهر أيار/مايو الماضي "أن وحدة الجامعة باتت قريبة جداً"، إلا أن كلام (البير متى) يبدو أن الرياح ذرته مع حلول فصل الخريف في لبنان، بعد انتخاب عاطف عيد خليفة له في شهر أيلول/سبتمبر الماضي.
وكذلك أعلن المدير العام لوزارة الخارجية والمغتربين هيثم جمعة في كلمة له في منتصف نيسان/أبريل 2015 خلال الاجتماع الذي عقد في بيروت من أجل توحيد الجامعة حيث قال: إن "عملية توحيد الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم عملية أساسية وهي مطلوبة ليس فقط من أجلنا بل من أجل الوطن ومن أجل المغتربين اللبنانيين". و"أضعنا جهوداً كثيرة بتفرقنا وفي بذل جهودنا لأشياء كنا لو وضعناها في صالح الجامعة وفي صالح الجاليات لكان النجاح أكبر. وأنا أدعو لمتابعة المباحثات من أجل ان نأتي بمؤتمر واحد للجامعة، وكل من يرغب بلم الشمل فأهلاً وسهلاً به من أجل أن نصل إلى جامعة واحدة لكل اللبنانيين".
كما كانت هناك إشارات وكلام وبيانات من باقي رؤساء الأجنحة تدعو إلى توحيد الجامعة، كان آخرها من جناح (احمد ناصر) حيث دعا إلى عقد مؤتمر بتاريخ 16 – 17 تشرين الأول/أكتوبر 2015 الجاري في بيروت، ليُعلن فيه توحيد الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم برئاسة (اليخندرو خوري فارس)، وكان (اليخندرو خوري فارس) قد بعث برسالة إلى فروع الجامعة في بلاد الانتشار اللبناني من أجل عقد اجتماع في بيروت في الرابع عشر من تشرين الأول، وذلك قبيل انعقاد مؤتمر إعلان توحيد جناحين من الأجنحة، دون أن يحدد المكان والزمان. ثم وجهت أطراف سياسية في هذا الجناح رسالة من أجل انعقاد مؤتمر في بيروت في الرابع عشر من شهر تشرين الأول 2015 الجاري دون تحديد الزمان، إلا أن هذا المؤتمر يبدو أنه قد ألغي وسيستبدل بلقاء تشاوري كما يبدو بسبب رفض تلك الأطراف توحيد الجامعة لأسباب عديدة أهمها السياسية.
يذكر أن (اليخندرو خوري فارس) قد عمل لمدة أكثر من سنة من أجل التقارب وتوحيد الجامعة حيث التقى بكل رؤساء أجنحة الجامعة لهذا الغرض، وآخرها أرسل رسالة إلى اجتماع توحيد الجامعة الذي عقد في بيروت في منتصف نيسان/أبريل الماضي جاء فيها: "لبنان الذي أريده هو لبنان أجدادي وآبائي الذين علموني أن أحب لبنان الواحد الموحد، لا لبنان الطائفي، أو لبنان الأحزاب السياسية المتنافرة، ولا لبنان الفساد، أو الإرهاب، أو الانقسامات بين أطيافه، أريد ككل المخلصين من أبنائه، لبنان المزدهر، حيث يعيش جميع أبنائه كأخوة ويعملون سوياً من أجل خير الوطن، وعزته ووحدته وسيادته"، مضيفاً: "في هذا الوقت، يمكنني أن أعبر لكم دون قلق عن وجود الظروف المثالية داخل مجموعتنا لتحقيق وحدة الجامعة وبموافقة كاملة من لجنة التوحيد، وبنظرة جيدة من قبل فروعنا المنتشرة في جميع أنحاء العالم، ولذا فأنني أعبر لكم عن التزامي الثابت لبذل كل ما في وسعي لتحقيق هذا الهدف، أعطيكم كلمتي، (...) وسوف أضع جانباً جميع مصالحي الشخصية لتحقيق وحدة المجموعتين".
إلا أن المتضررين من توحيد الجامعة لحسابات شخصية وسياسية، عكفوا كعادتهم على وضع العصي في درب التوحيد، وأنهوا مؤتمر التوحيد ولم الشمل قبل أن ينعقد، وذلك من خلال رسالة بعث بها "رئيس مجلس الأمناء" (إيلي حاكمه) في الجناح الذي يترأسه (اليخندرو خوري فارس)، فيها ما فيها من شروط!، وذلك خدمة لأطراف محسوبة على "تيار 14 آذار".
مما تقدم يمكنني التأكيد أنه سيبقى هناك ثلاث جامعات تتقاسمها الفئات المتضررة من الوحدة، ضاربين عرض الحائط مصالح لبنان ومصالح المغتربين. وأن الفائز الوحيد في ذلك هو الطائفية السياسية، في بلد تتقاذفه أمواج الأحداث الإقليمية والخلافات الداخلية، في ظل "الفراغ الرئاسي"، بدلاً من تكريس وحدة اللبنانيين من خلال الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، في سبيل دعم الاقتصاد اللبناني وتنمية موارده، على مختلف الصعد الثقافية والسياحية والمصرفية والتطوير العقاري والتبادلات التجارية والرياضية والاستثمارية، وتفعيل دور الجامعة في لم الشمل وتوحيد اللبنانيين، لتكون أنموذجاً يحتذى به في بناء لبنان لجميع أبنائه وأطيافه مهما تعددت الرؤى، من أجل أجيال اللبنانيين في المغتربات بدلاً من زرع الحقد والسياسة الطائفية في هذه المؤسسة.
وبصراحة أقول أن المغتربين خارج لبنان وداخله لا يعلمون تفاصيل الخلاف داخل ما يسمى "الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم" أكثر مما يسمعونه عبر وسائل الإعلام وعبر بعض وسائل التواصل الاجتماعي، لأن الذين ينشرون تلك الإشكالات لا يمثّلون إلا أنفسهم وأسيادهم.
فما العمل إذن وإلى أين يسير اللبنانيون المقيمون والمغتربون بوطن الآباء والأجداد!
لا أدّعي أنه توجد لدي حلول لوضع لبنان الطائفي والمذهبي، لبنان الحصص وتقاسم النفوذ، ولكن أقول أن الحل لن يكون أبداً من داخل لبنان فحسب، لأسباب كثيرة ذكرت بعضها أعلاه. بل ربما هناك أمل أو بصيص نور في نهاية النفق، من خلال التعاون مع اللبنانيين والمتحدرين من أصول لبنانية في أصقاع العالم، وهذا يحتاج إلى جهود كبيرة وتضحيات كثيرة للخروج من نفق التفرقة، وربما لن يحقق ذلك المعجزات، ولكنه على الأقل ربما يضعنا على سلّم الأمان والتفاؤل والإنقاذ للبنان الداخل، عندها يمكن اعتبار هذا البصيص ثمرة جهود وتضحيات اللبنانيين مقيمين ومنتشرين، ليروا نور الوحدة في نهاية نفق التشرذم.
ولتحقيق ذلك، لا بد من أن تتضافر جهود اللبنانيين والمتحدرين من أصول لبنانية في بلدان الانتشار، للعمل على تشكيل نواة توحّدهم ولم شملهم، بعيداً عن السياسة لفرض واقع جديد ينقذ "الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم" التي تنخرها السياسة والطائفية والمذهبية حالياً. وبذلك يتم زرع بذرة عطاء، نأمل أن تنبت في صحرائنا القاحلة، لترفع من منسوب الثقة بمقولة "أن لبنان لن يموت"، من خلال أبناء لبنان المغتربين والمنتشرين في ديار الاغتراب، الذين يزيد عددهم ثلاثة أضعاف أعداد اللبنانيين المقيمين، والذين لن يفرطوا فيه أو يتركوه فريسة سهلة في فم تنين صراع أصحاب المصالح السياسية والطائفية والمذهبية والأنانية والشخصية.
فبغير ذلك لا أعتقد أن هناك حلاً آخر، وإلا فلتعقد الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم بأجنحتها الثلاثة، مؤتمر مصالحة وطنية شاملاً، يكون أساسه المصارحة والحوار الجدي لتوحيد الجامعة، وتحديد مكامن الخلل والتصدع والانقسامات التي قضَّت مضاجع اللبنانيين في الاغتراب، كي لا تبقى هناك ثلاث جامعات، وسط أجواء التخبّط والصراعات السياسية والطائفية والمذهبية المستمرة، ومزّقت جسم الوطن إلى أشلاء طائفية ومذهبية، التي هي مأساة لبنان الذي دمّره أصحاب المصالح والفئات الانتهازية، وحولته إلى مزرعة لهذا الفريق وذاك، وشلّت الجمهورية وأعادتها إلى عصر ما قبل الدولة، في الوقت يعاني فيه لبنان والمنطقة، من مشروع يهدف إلى تفتيت ليس لبنان فحسب، بل وكل البلدان العربية، وتحويل شعوبها إلى طوائف ومذاهب تتصارع وتتناحر، عل بذلك ينطلق قطار التوحيد، وتكون وجهته مصلحة المغتربين اللبنانيين، والإفادة من طاقاتهم في كل المجالات بما يخدم مصلحة لبنان، وليس مصلحة مجموعات سياسية، وأشخاص يسلبون طاقات لبنان واللبنانيين.
أتمنى أن يتم ذلك فعلياً، لا فقط عقد مؤتمرات، وإصدار مقررات وتوصيات وأمنيات، ينتهي مفعولها عندما يحمل المؤتمرون حقائبهم، ويعودون من حيث أتوا، كما جرت العادة، لأن العبرة دائماً هي بالتنفيذ، وليس بكمية ونوعية ما يصدر من توصيات ورغبات لا قيمة لها، ولا طائل منها إذا ظلت حبراً على ورق.
كما أتمنى أن تعاد هيكلة الجامعة وتطوير قوانينها وأنظمتها التي تأسست عليها منذ عام 1960 عندما أبصرت النور في مؤتمرها الأول، وإعادة تأسيس الجامعة على أسس وطنية، كي لا تبقى ملكاً للسياسيين الطائفيين وأحزابهم، وكي لا تبقى دكاناً للمصالح الشخصية.
وأخيراً قد يتساءل البعض لماذا انضممت إلى هذه الجامعة إذا كنت أعرف كل ما كتبته عنها؟ ولماذا الآن أكتب هذه المعلومات؟ وماذا عن دوري فيها منذ ثمانينات القرن الماضي؟ ولماذا لماذا أستمر في العمل بها لمدة تزيد عن العشرين عاماً؟ ولماذا عدت للعمل كمسؤول عن اللجنة الثقافية فيها منذ حوالي أربع سنوات؟. لذلك أقول أنني قد جاهدت طيلة تلك الفترات من أجل أن تكون جامعة لكل اللبنانيين، تجمع ولا تفرّق، جامعة هدفها الأساسي مصلحة لبنان واللبنانيين في هذا المغترب، من خلال إبراز الوجه الثقافي والحضاري للبنان، وطيلة السنوات الأربع الماضية عملت جاهداً لتحقيق أهدافي، وكانت خلالها الجامعة فعلاً لا تفرقة فيها، على الأقل من خلال كل النشاطات التي قمت بها كمسؤول عن اللجنة الثقافية، إضافة إلى أن كل ما كنت أطرحه من آراء وأفكار كنت ألاقي الدعم والتشجيع والمساعدة من أعضاء اللجنة التنفيذية وكذلك من باقي الأعضاء، وكانت النشاطات الثقافية والأدبية التي قمت بها تلقى الترحيب والتأييد من معظم أبناء الجالية ومن مختلف أطيافهم. إلا أنني بعد تأكدت عملياً ومنذ بداية العام الجاري 2015، أن بعض المجموعات المنضوية في صفوف الجامعة مع الأسف، أن هدفها تحويل الجامعة إلى مقر ومركز حزبي وسياسي وطائفي، لفئة من اللبنانيين على الصعيدين الأسترالي والعالمي، رغم تشدقهم بوحدة لبنان واللبنانيين، ورغم تشدقهم بأنهم مع وحدة الجامعة، التي وضعوا في طريق توحيدها عصياً تفتت الصخر ولا تتكسر عصيهم. وبعضهم يريد أن تكون الجامعة بوقاً لفئات سياسية في لبنان مضادة لفئة أخرى منضوية أيضاً في صفوف الجامعة. أكتفي بذلك لأنه لابد أن يأتي يوم أكتب عن الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم بتفاصيل دقيقة، وعن مرحلة انضمامي ودوري فيها التي عملت جاهداً أن تبقى جامعة لبنانية ثقافية لكل اللبنانيين في أستراليا عامة وفي ولاية فيكتوريا خاصة.
0 comments:
إرسال تعليق