مضى ربع قرن على مصرع الشاعر والقائد الوطني الرمز والمناضل الشيوعي الفلسطيني توفيق زياد ، في حادث الطرق المؤلم ، وهو في طريق عودته من اريحا .
توفيق زياد من ابرز رجالات الحركة الوطنية الفلسطينية في الداخل ، وأحد الشخصيات التي صنعت اهم واعظم حدث في تاريخ شعبنا ومسيرته الكفاحية ، وهو يوم الأرض الخالد . اشغل عضو كنيست وترأس بلدية الناصرة لسنوات طويلة .
منذ شبابه المبكر انخرط عن قناعة ايديولوجية وسياسية عقائدية في صفوف الحزب الشيوعي ، ووقف في طليعة المعارك الشعبية الكفاحية ضد سياسات حكام اسرائيل ، ودفع ثمنًا باهظًا في معتقلات وزنازين الحكم العسكري . لم نعرف قائدًا أحبته الجماهير مثل هذا الحب ، فقد كان أحد عظماء هذا الشعب ، ومن رواد شعر المقاومة ، وابطال النضال الأفذاذ الاشاوس ، شكلت حياته ديوان فكر واعمال ونضال وكفاح ، ورأى في الوطن تعبيرًا وبعدًا جماليًا والتزامًا وطنيًا وسياسيًا وأيديولوجيا .
كان سراجًا ثقافيًا وبوصلة سياسية ووطنية ، أليفًا وصادقًا ومؤمنًا بحتمية التاريخ والوصول والانتصار على الاعداء السياسيين والطبقيين ، حاملًا رسالته الوطنية والفكرية ، قريبًا من الرفاق في خنادقهم وبيتهم الحزبي ، ومن الناس البسطاء ، ومن الادباء والشعراء والباحثين عن الأسرار ، ومن الأطفال الذين غنى لهم ، واعطى نصف عمره لهم ، وله بصماته الواضحة في صياغة المواقف والرؤى ، وصناعة الكثير من المشاريع الوطنية والسياسية والثقافية السالفة والحاضرة والمؤجلة .
كان مسكونًا بالنضال والكفاح والمقاومة والشعر والتراث ، متفائلًا مملوءً بالحياة وعاشقًا لها حتى الثمالة ، أوليس هو القائل : " ادفنوا امواتكم وانهضوا " .
توفيق زياد كان فردًا بصيغة الجمع ، ملهمًا ورياديًا وطليعيًا في حياتنا الثقافية والسياسية والحزبية ، ومن صانعي أعراس ومخيمات العمل التطوعي . وهو شاعر وقائد من طراز نادر ، استطاع دائمًا الوصول إلى الحقائق الساطعة المختبئة وراء أكوام من الافكار الخاطئة . وحين نعود ونقرأ سيرته وأدبه وقصائده ومقالاته السياسية ، كم نشعر بمدى فداحة خسارة هذا الانسان المثقف القريب إلى الشعب وعامة الناس ، والقلم المتوتر بحب الوطن والكادحين والفقراء ، عالمه الفني الإبداعي زاخر بالمشاعر الإنسانية الطبقية والوطنية الدافئة الحميمية ، بالأحلام والبطولات والوجود الكفاحي الصارم .
توفيق زياد شاعر غنى الفؤاد والشعب والقضية والوطن والأرض ، ونادى للصمود والبقاء والانغراس حتى الجذور بتراب وطننا الغالي ، وبنى للشعر صومعة من الاحلام الجميلة ، مزنرًا بفكر الطبقة العاملة ، مدججًا بالأمل والتفاؤل الثوري الساطع ، مؤمنًا بالمستقبل والغد الجميل ، وانتصار فكر العدالة الاجتماعية .
توفيق زياد لا ولم ولن يموت ، باقٍ في قلوبنا ، وسيبقى شعلة مضيئة تنير دروب الكفاح وطريق المسحوقين ، ولن ننساه ابدًا .
أنه علم من أعلام الوطن والكفاح الخالدين ، رمز للبطولة والشهامة ، وللموقف الوطني والطبقي الثوري الجذري ، ومثال التضحية والقبض على جمرة المبدأ ، والاستقامة ونظافة اليدين ، وقدوة نقتدي بها .
يا أبا الأمين كنت منشد الفرح ، رحلت مبكرًا ، على حين غرة ، وتركت الحصان وحيدًا ، وابقيت السفينة التي تشارف على الغرق ، وسننشد فيك الحب ، ومن سيرتك الطيبة في التواضع والصدق والوفاء للمبدأ ولقيم النضال والاخلاق الثورية ، المتوشح بالعظمة والكبرياء . ويكفيك فخرًا أنك خرجت من ناصرة المسيح التي انجبتك ومررت بأريحا التي احتضنتك لتقدم لك باكورة ثمار جهدك وفارقتنا على مشارف قدس الاقداس .
لتهنأ بقبرك أيها الرفيق المُعًلِم والمَعْلَم ، فقد نهلت من بحور الشعر ، وجسدت صدق الانتماء ، منحازًا لقيم الفضيلة والخلق العظيم الكريم ، وكنت أينما حللت كالنجم اللامع تحوطك هالة من الوقار والتقدير والمحبة . وسلام عليك في ذكراك ، مناضلًا ومقاتلًا وشاعرًا على جبهة الثقافة والكفاح ، وسنبقى ننشد معك " هنا باقون كالصبار والزيتون " .
0 comments:
إرسال تعليق