" حساب الهند قوامه تسع صور يكتفي بها في الدلالة على الأعداد الى ما لا نهاية له وأسماء مراتبها أربعة وهي الآحاد والعشرات والمئون والألوف" ، الخوارزمي، مفاتيح العلوم،
عاش محمد ابن موسى الخوارزمي بين 781 و850 ميلادي بين خوارزم وبغداد وتأثر بأبي كامل شجاع ابن أسلم وعاصر المأمون وعمل في بيت الحكمة ولقد اهتم بالجغرافيا والفلك ولكنه برع في الرياضيات.
لقد ألف الكثير من الكتب وترك عدد من الرسائل العلمية على غرار الجمع والتفريق في الحساب الهندي وتقويم البلدان ومفاتيح العلوم والعمل بالإسطرلاب وصورة الأرض ورسم الربع المعمور، ويبدو أن كتابي المزولات والتاريخ الذي ذكرهما ابن النديم في الفهرست قد ضاعا وأن مسلمة المجروطي قد أنقذ النسخة العربية من كتاب علم الفلك الهندي المنقول إلى اللاتينية ، غير أن كتابه المختصر في حساب الجبر والمقابلة هو العمل العلمي الذي نال به شهرة واسعة وخلده وجعل منه عالما رياضيا فائق الابتكار.
لقد قام بإضافة عدة شروح على كتاب المجسطي لبطليموس وأعاد كتابة عالم الفلك الهند المسمى السند هند الكبير وترجمه إلى اللغة العربية وأطلق عليه تسمية السند هند الصغير، كما نقل إلى لغة الضاد كتاب الجغرافيا لبطليموس وعدة كتب أخرى في الفلك والتنجيم والحساب واشتغل بطلب من المأمون في بيت الحكمة على رسم خارطة للأرض رفقة سبعين جغرافيا من مختلف أصقاع العالم وقدم في كتاب الجبر والمعادلة حلولا للكثير من المشاكل الرياضية المستعصية وعالج منهجيا المعادلات الخطية والمربعة وقدم النظام العشري إلى العالم واشتغل على الأرقام الهندية واستخدم الجبر في حل المعادلات التربيعية وأدخل الصفر إلى العمليات الحسابية وأوجد حساب المثلثات في الهندسة وعرض طرق أساسية للحد والموازنة.
لقد فقدت النسخة العربية عن كتاب علم الحساب للخوارزمي ولكن أديلار الباثي كان قد ترجمه صحبة الجداول الفلكية إلى اللغة اللاتينية سنة 1126 ميلادي وحافظ لنا على كنز علمي ثمين كاد أن يضيع منا. بهذا المعنى يعتبر الخوارزمي المسؤول الأول عن إدخال الأرقام العربية على أساس نظام الترقيم الهندي المطور على أساس حساب النظام العشري إلى العلوم الغربية ولقد أفضى لتشكل البرمجيات والألجورزم.
من ناحية ثانية حرص الخوارزمي على معالجة أبحاث الجبر بصورة مستقلة عن نظرية الأعداد ومباحث الحساب وترتب عن إدخاله الصفر إلى مجموعة الأعداد الطبيعية إلى تحويل الحساب إلى النظام العشري المعروف في عمليات الجمع والطرح ولقد ترتب عن ذلك معالجة العديد من المشكلات الرياضية العالقة.
والحق أن الخوارزمي يشترك في مبحث الجبر والمقابلة مع عدد من العلماء العرب مثل الطوسي وسهل بن بشر والدينوري وعبد الحميد بن ترك ولكن لا أحد يمكنه أن يقلل من إسهاماته في اكتشاف علم الجبر وتطوير علم الحساب وتطبيق الرياضيات في مجالات لم تعهدها من قبل وتبارح المواضيع التقليدية التي تتراوح فيها فيها بين العدد والهندسة وتتعامل مع الأجسام الجبرية من حيث هي عناصر نظرية مستقلة عن الهندسة وتهتم بالأعداد الكسرية واللاكسرية واستفادت في ذلك من الرياضيات البابلية ومن كتاب ديوفانتوس المعنون بالأرتميطيقا، ولقد مثل الاعتماد على الجبر خطوة ثورية في العلم نقلت العقل البشري من مجرد إثارة المشاكل والبحث عن حلول إلى عرض كتابة تفسيرية تتكون من تركيب لأوليات ونماذج.
إذا عدنا إلى كتاب مفاتيح العلوم فإننا نجده يتحدث في الباب الأول بلغة معجمية واضحة عن الفقه والكلام والنحو والكتاب والشعر والعروض والأخبار وينتقل في الباب الثاني إلى معالجة قضايا عقلية وعلمية أكثر دقة وواقعية مثل الفلسفة والمنطق والطب وعلم العدد والهندسة وعلم النجوم والموسيقى والحيل والكيمياء.
يمكن تلخيص اكتشافات الخورازمي في الفصل بين الجبر والحساب و وضع أسس علم الجبر الحديث ومعالجة الجبر بأسلوب منطقي وابتكار مفهوم الخوارزميات الذي وقع استخدامه اليوم في علم الحاسوب وتعويله على الصفر في الحساب حيث اعتبره رقما موحدا يحتاج دوما إلى رقم آخر إلى جواره ، كما اخترع شكلا لكل رقم يحمل نفس عدد الزاوية التي تدل عليه وبرع في الجغرافيا برسم خرائط دقيقة، وساعدته المعادلات الخطية والتربيعية على حل مشاكل الخلل في التوازن التجاري وقسمة الميراث ومسح وتخصيص الأراضي وحاول صناعة ساعة شمسية ضمن علم الفلك الكروي يضبط فيها الاتجاه والميقات.
اللافت للنظر أن كتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة بقيت منه نسخة واحدة باللغة العربية مؤرخة في1361 ولقد ترجمها فدريك روزن إلى الأنجليزية وكانت قد نقلت قبل ذلك إلى اللاتينية والى الفرنسية.
فكيف ساهمت الخوارزميات في قيام علم البرجمة وتشكيل العالم الافتراضي واللغة الرقية في الراهن؟
المراجع:
الخوارزمي محمد ابن أحمد ابن يوسف ، مفاتيح العلوم، تحقيق إبراهيم الأبياري، دار الكتب العربي، بيروت، طبعة ثانية ، 1989. 284 صفحة.
الخوارزمي محمد ابن أحمد ابن يوسف ، المختصر في حساب الجبر والمقابلة، تحقيق علي مصطفى مشرفة ومحمد مرسي أحمد، مطبعة بول بارييه، 1973، 128 صفحة.
0 comments:
إرسال تعليق