لقد حسمت ، على ما يبدو، القائمة الاسلامية الموحّدة قرارها بخوض الانتخابات القادمة للكنيست الاسرائيلية، لوحدها، من دون أن تحاول فحص امكانية وجود أية فرصة للانضمام إلى تركيبة القائمة المشتركة؛ وهما القائمتان العربيتان الوحيدتان اللتان ستخوضان الانتخابات مع حظوظ واقعية لعبور عتبة الحسم والفوز بأربعة أعضاء كنيست، في حالة القائمة الموحدة، وبأكثر من ذلك في حالة القائمة المشتركة. لقد كان هذا القرار متوقعًا ومتوافقًا مع ما كان يصرح به رئيس هذه القائمة الدكتور منصور عبّاس وهو مدعوم من قبل مجلس شورى الحركة الاسلامية الحاضنة الشرعية للقائمة وراعيتها.
بالمقابل ما زال أقطاب القائمة المشتركة، وهم الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ، وحزب التجمع، والحركة العربية للتغيير ، يتباحثون حول مصير قائمتهم وشكلها، في أجواء تتجاذبها نزعات المناورة حينًا والتطمينات حينًا آخر وتأكيدهم على أنهم لا يتعاطون مع قضية محاصصة المقاعد في هذه المرحلة، بل انهم يحاولون التوصل إلى أفضل التفاهمات حول أمور أكثر جوهرية من شأنها أن ترضي جمهور الناخبين وتقنعهم بضرورة المشاركة في عملية الانتخابات ودعم قائمتهم.
على الرغم من أن الصورة التي تتحرك أمامنا على مسرح السياسة الاسرائيلية تبدو مشابهة لتلك التي كانت موجودة قبل عام وفي جميع الجولات الانتخابية التي تكررت منذ ثلاثة أعوام؛ إلا أنني اعتقد بأننا نقف أمام مشهد مغاير وفي مرحلة مصيرية بكل ما يتعلق بطبيعة الأحزاب اليهودية وهوياتها وبرامجها السياسية، التي سيعملون، من داخل الكنيست، على تطبيقها في المستقبل القريب؛ ويكفي، كي نفهم خطورة ما نحن مقدمون عليه، أن نقرأ عن قوة حزب سيجمع بين النائبين اليمينيين المتطرفين بن جبير وسموطريتش وتوقع استطلاعات الرأي بأن يحصلا على ثلاثة عشر مقعدًا.
أمّا على ساحات المجتمع العربي فستكون هذه الانتخابات حاسمة كذلك بالنسبة للقائمتين المشاركتين ولحزب الممتنعين العازفين عن المشاركة في العملية الانتخابية. فالحركة الاسلامية ستخوض أهم امتحاناتها وتحدياتها السياسية حين ستطلب مجددًا من المواطنين منح نهجها الذي اختارته في الكنيست السابقة، الثقة والدعم وتمكينها من عبور نسبة الحسم؛ وهذا سيعني، كما صرّح قادتها، مضيّها في ترسيخ مفهومها الخلافي لمعنى المواطنة الاسرائيلية، وانضمامها مرة أخرى للائتلاف الحكومي، إلا إذا لن يقبلها المؤتلفون في الحكومة الجديدة. وهذا احتمال وارد في حالة انتصار الأحزاب اليمينية الفاشية وتوليها مهمة تركيب الحكومة القادمة، وهي تعتبر الدكتور منصور عباس عدوًا متساويًا مع سائر زملائه النواب وجميع المواطنين العرب في اسرائيل.
ومن جهة أخرى قد تكون هذه الجولة الانتخابية هي آخر فرص القائمة المشتركة لتطوير مغازي تجربتها والتعاطي بمسؤولية مع الثقة التي منحها لها الناخبون، وتحويل وحدة مركباتها من مجرد وسيلة تكتيكية تضمن نجاح الثلاثة أطراف في الانتخابات، الى صيغة عمل سياسي أكثر عمقًا قادر على تأطير المجتمعات في قرانا ومدننا العربية وراء حالة "جبهوية" جامعة وقادرة على النمو وعلى استنفار رغبات المواطنين السياسية واستعادتها للانخراط الفاعل بشكل ايجابي وصحيح ومؤثر.
وعلى الرغم مما تواجهه القائمة المشتركة من انتقادات، تكون صحيحة أحيانًا، ومن تهجمات مغرضة على الأغلب، نستطيع تسجيل عدة ملاحظات ايجابية حول نشاط وأداء أعضائها داخل الكنيست وخارجها؛ فمشاهد تصديهم لنواب اليمين العنصريين بثبات وباصرار ومواجهتهم للتشريعات العنصرية بكرامة وبعنفوان اثبت أن ساحة الكنيست تشكل أحد ميادين الصراع الهامة وحلبة نضالية يجب استغلالها والبقاء فيها. لا يختلف عاقلان على أن العمل السياسي الوطني في الظروف السياسية الهمجية التي تسود شوراع وفضاءات اسرائيل وفي الكنيست تحديدًا، أصبح معقدًا وخطيرًا وسيزيفيًا إلى حد بعيد؛ ومع ذلك رأينا كيف دافع نواب المشتركة عن معتقداتهم السياسية دون مهادنة أو تفريط وحاولوا التواجد في معظم نقاط التماس، ومع معظم ضحايا القرارات الرسمية والقضائية الجائرة. لست ناطقًا باسم القائمة المشتركة ولا باسم أعضائها، لكنني أحاول، ونحن على أعتاب معركة طاحنة، أن أنصف ما فعله نوابها في ظروف مستحيلة وحرصوا على تمثيل ناخبيهم بأمانة وباخلاص.
سيبقى التحدي الكبير في وجه القائمتين، الاسلامية الموحدة والقائمة المشتركة، هو اقناع المقاطعين بضرورة اشتراكهم في الانتخابات؛ مع أنني اعتقد بأن المنافسة بينهما قد تكون عاملًا في زيادة نسبة المصوتين، خاصة اذا استطاعت القائمتان عرض الفوارق المفاهيمية العميقة بينهما ومعنى حسم المواطنين بين النهجين وتأثير ذلك على وجودنا في الدولة مستقبلًا. وهنا لا بد من الاشارة الى ان اللجوء الى لغة التشهير الشخصي والتخوينات المباشرة، بين قادة ومصوتي القائمتين لا يسعف الحالة ولا يساعد على تحقيق هدف القائمتين باقناع الناس للذهاب الى الصناديق وذلك بخلاف المحاججة المطلوبة وانتقاد المواقف الشرعي والواجب.
يجب على مركبات القائمة المشتركة انهاء مباحثاتهم الداخلية بسرعة قصوى وعرض قائمتهم وبرنامجها السياسي على الناخبين؛ فضرورة اشاعة اجواء الوحدة والوضوح السياسي ستشكل عاملًا في اقناع مجموعات كبيرة من الناخبين المترددين أو المستائين. وان كان هذا هو مطلب الساعة، فالتوصل إلى حالات رأب الصدع ولم الشمل داخل مؤسسات الأحزاب نفسها لا يقل أهمية عن ذلك.
نحن أمام خيارات صعبة؛ وقد تكون هذه آخر تشكيلة لكنيست إسرائيل حيث يستطيع فيها النائب أحمد الطيبي مثلًا، أو أحد زملائه في القائمة المشتركة، بصفته رئيس جلسة، أن يأمر حرس الكنيست بطرد وزير عنصري يهودي من منصة الخطابة واخراجه بالقوة من القاعة؛ أو أن يصرخ النائب أيمن عودة أو سامي أبو شحادة في وجه النواب الفاشيين بكل صرامة وحزم وعزة وكرامة.
قد تكون هذه المرة الأخيرة التي سيتسنى فيها للمواطنين العرب انتخاب ممثلي هذه الأحزاب والحركات السياسية والدينية بشكل حر ومباشر . وللتحقق مما أقوله أرجو أن يسمع ويدقق الجميع بما يصرح به قادة تلك المجموعات الفاشية وما تتوعد أن تفعله، مع أعداء الدولة، من داخل الكنيست وخارجها.
نحن مليونا مواطن عربي في إسرائيل، ونملك خيارات نضالية قليلة، معظمها صعب ومكلف، خاصة في الظروف التي تواجهنا وتعيشها مجتمعاتنا المحلية نتيجة للواقع السياسي الخطير داخل اسرائيل، والذي يحيطنا داخل الدول الشقيقة أو تلك البعيدة عن أحلامنا وهواجسنا. انها فرصتنا الحاضرة، فخيار النضال السياسي البرلماني هو أحد هذه الخيارات وأكثرها اتاحة فيجب ألا نتنازل عنه وألا نهمله.
0 comments:
إرسال تعليق