على عتبة المغارة ومع إطلالة فجر الميلاد المجيد، وقدوم السنة الميلادية الجديدة، نجد أنفسنا في متاهات جديدة مع الأحداث التي تزداد أضعافاً مع كل تكة من تكات الساعة المتسارعة لاستقبال عام جديد. دون أن نجد بريق أمل يبشرنا بنهاية المآسي التي يمر بها الإنسان في أرجاء المعمورة.
ولأنني شخصياً أؤمن أن البشر ضعفاء وأن فكر الإنسان يبقى قاصراً عن بلوغ السمو مهما بلغت درجاته العلمية، ولأنني أأبى أن تمر ذكرى ميلاد الناصري، دون أن أستفيد من مغزاها. لذلك فأنني أقف مع هذه الذكرى على عتبة المغارة متذكراً أهلنا وشعبنا الذين يعانون من الفاقة ومن الظلم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في لبنان والعراق وسورية واليمن والأردن، كما في أرجاء البلدان العربية الأخرى، دون أن أنسى شعب فلسطين الذي يعاني من جور الاحتلال، ومن ظلم واختلافات "القيادات الفلسطينية" المتوجين في أوسلو، أو الذين توجتهم بعض الأنظمة العربية والإقليمية.
ولأنني أؤمن بأن عين المحب تغفر لمن أساء، فأنه علينا أن نغفر لكل من أساء لنا، متمنياً أن ينتج الشعب قيادات جديدة تعمل لصالح الوطن والمواطن بعيداً عن الطائفية والمذهبية والأنانية والزعامة الشخصية، مسترشداً بهدي هذه المناسبة، وبروح المحبة التي نشرها الناصري، لتكون نبراساً للإنسان أينما كان، والتي فيها فقط يكمن خلاص البشرية من أنظمة الفساد في أرجاء العالم، ليعود الإنسان أخ للإنسان وبذلك نكون قد حققنا جميعاً الغاية من هذه الذكرى المجيدة.
وأخيراً أقول وداعاً أيها العام القديم، لقد عشت معنا وعشنا معك، أكلت من عمرنا وحرقت قلوبنا وأعصابنا، عشنا أفراحك وأتراحك، أحببناك وأحببتنا، كرهناك وكرهتنا، سايرناك وسايرتنا، أغضبناك وأغضبتنا، وكنا دائماً نحن وأنت، نعلم أننا لا نستطيع الفراق عن بعضنا إلا عندما تحين ساعة الفراق لأن كل شيء مقدر في هذه الحياة.
لا تعجب أيها العام المنصرم، إذا ودعناك بالحزن والأسى، ولا ترَ في دموعنا إعلاناً بحبك والتعلق بأيامك ولياليك، فما الحزن عندنا إلا بعض مظاهر الوداع، أي وداع.. وما الدموع عندنا إلا بعض شعائر الفراق، أي فراق.
لذلك لا تعجب إذا رأيتنا نستقبل العام الجديد كما نستقبل الملك أو الرئيس أو الأمير الجديد الذي نأمل منه تحقيق بعض طموحاتنا، ولا تعتب إذا رأيتنا بعد ذلك نشيعك كما نشيِّع الملك أو الرئيس أو الأمير المخلوع. فبالرغم من أننا نحزن للوداع، إلا أننا نفرح باللقاء، وبالرغم من أن السير في ضباب المستقبل قد يكون قفزة في الظلام، على أمل أن تكون قفزة الى الأمام حيث النور.
لذلك نحن نعيش دائماً على الأمل، وعلى لعل الأتي أفضل، ونحن نبحث عن الأمل، لأننا نريد أن نبدد الظلام الدامس ولو ببصيص نور ضئيل في نهاية النفق.
فيا أيها العام الراحل، لن نقف عند وداعك طويلاً لأننا لا نريد الالتفات إلى الوراء، وسنكتفي بأن نقول لك وداعاً.
وأما أنت أيها العام الجديد فأهلاً وسهلاً بك، فنحن لا نعرفك حتى الآن، ولا نعرف خيرك من شرك، ولكننا نعرف أننا نريد الخير للبشرية ولأهلنا في الوطن الأم، لأنهم يعيشون حالة لا يمكننا وصفها مهما استعملنا من كلمات تتضمن الرثاء والحزن معاً، الرثاء على أوضاعهم المزرية، والحزن على حال البؤس الذي وصل المواطن والوطن. لذلك نريد نحن وأهلنا في ذلك الوطن الذي كان مرتع صبانا أن نعيش بسلام واطمئنان، وراحة بال من الفقر والمرض والجهل، وأن يتم القضاء على الفساد وبؤره المعششة في زوايا وطن الآباء والأجداد، كما نريد أن تسود العدالة والمساواة في أرجاء دول العالم. ونعرف أيضاً أن الكلمة الطيبة تبقى شعاع النور الذي ينتقل من قلب الى قلب حاملاً بيادر المحبة لجميع الناس.
أيها العام الجديد، أنت مرتبط بنا، ونحن مرتبطون بك، سواء أردت أنت، أو نحن لم نرد، فلتكن رفقتنا ممتعة، ولنبذل جهدنا متعاونين كي نصل بر الأمان معاً، فغداً سنودعك أو ستودعنا، لا فرق، فنحن وأنت مودعين ومستقبلين كنا، وهكذا سنبقى، كما سيبقى ذلك لغزاً أبدياً، فمنذ الآن نهتف من أعماقنا وداعاً أيها العام المنصرم، ويا أيها العام الجديد أهلاً ومرحباً.
أخيراً أسأل العلي القدير أن يلهمنا جميعاً روح المحبة والتعاون البنّاء، لنقف جميعاً صفاً واحداً، في مواجهة الطغاة وأنظمة الفساد مجتمعين.
وكل عام والجميع بخير
23/12/2022
0 comments:
إرسال تعليق