كانت لديها مزهريات تحتل شرفة منزل حديثها الهادئ، تتفتح وتذبل حسب ما تشعر به أنفاس طقس غائم عابر في مخيلتها.
الماء لا يروي وحده عطش تراب ورداتها، ولا النسيم وحده يسافر بهن إلى أعلى نافذة طيبتها، تشتاق لجمال زهر باسق في مدى وجناتها.
***
هواء ساخن وثلج أبيض ناصع في راحتيها الباردتين والدافئتين. تحتضن أطفال أهلها ومتعبي الأقارب والجيران. تمتطي جواد لينها، تتفانى في ضم وشائجهم وأحلامهم.
تفرح لنسائم أهواء شغف (إنساني) مانع، تُفرِّجُ كرب شجون ريح مواجعهم. تعارك وهن جسد ضئيل، بزيارات لا تنتهي من الألم. لا تستحي من إخفاء سرور فضائلها عن ظنون العيون.
لا تشح بوجهها عنهم، تصبو لسكينة حبها لهم، لا تكل من دعم طامحين لكرمها المتوج. تشغل بالها وطاقتها بهم لدرجة الوهج المضني. لا تستريح إلا لتواصل ما تصر على القيام به.
***
كبركان غضب، تنفجر أحيانا، في وجه ناكر أو ماكر أو قريب عاثر الحظ أو بعد سائب جائر، وتهدأ كرعد حل فجأة واختفى.
كأنها ليست من هاجت، عاصفة عاتية في شتاء بحري مظلم.
تمضي مشاداتها مع نفسها بردا وسلاما.
تهفو لأمنية تسكن عطر روحها، تتأخر قليلا لحكمة في بهاء سكينتها. تقف على حدود طفولتها، تهوى أن تبتل خصلات شعرها المخبأ بين أزهار ربيع زاخر بزخات مطر ناعم.
**
شوق صباح قادم
ليال عاتمة وطويلة، لم يذق فيها طعم راحة أو سكون، مرت به كأنها دهر من الزمن أو قرن أو أكثر.. حين يريد أن يغفو تكون ساعاتها قد "انقضت ومضت".
السهاد لا يترك له فرصة للهدوء أو النوم.
لا زال يمشي في اتجاهها، أفكار تأتي وتذهب، كيف يستطيع تحمل وخز غضبها الذي لا ينتهي، كل هذا الوقت. ساعات من مختلف الأحجام والأشكال، معلقة في ساحات وهم قائم كجدار عازل، تأخذ أمكنتها قرب بعضها البعض ولا تضبط نفس التوقيت، دقات برهاتها وثوانيها ودقائقها.. ساعاتها تسمع من عمق الحلم.
رصاصات في الجب، رشاشات على أكتاف باذخة، أفراح طائرة تجتاز الوهن، أبطال ضوء يهتفون للحرية.
يرقصون فوق سياج سجن كالوطن.
مدافع ترتجف، دبابات تعيد الحزن إلى دروب المنافي، تحرق الأخضر واليابس. زوارق تشق عباب بحر محاصر. صواريخ تدك بنايات دافئة مكتظة تعجن ترابها بد.... .....ماء أطفال لا يمو... ... تون.
صرخات أمهات وشيوخ وزوجات وإخوة. حرقة، دعاء، نداء، ظلم وظلام وحصار ومنون، كرامة تعلو فوق متاهات الجنون.
***
الجو بديع هذا الصباح، صحو ماتع وسخي، ريح خفيفة تهز الوجدان، أوراق تتراقص، أغصان تميل، زيتون يغني، برتقال يبكي، تراب ينادي، حجر يشدو.
زغاريد تعلو آلام قلوب أتعبها الفراق والضجر.
عصافير مهاجرة قاتمة البهاء، تعتقد أنها تغرد قرب أعشاشها. كنسيم هائج، كظل ماء يهوى الاجتياح، يحصد عبق الورد وشوك الجراح. ينوء من ثقل عشقها يريد أن يرتاح.
/////////////////////////////////////////////
* اللوحة المرفقة للصورة للفنان خلوقي محمد (ميڭو)
سلمت الأنامل
ردحذف