لقد انتهى المسؤولون من جميع قضايا الفساد وناموا على حرير. فبعد "همروجة" الفساد في القضاء، والتي شاهدنا دخان سجالاتها من استراليا بالعين المجرّدة، عادت الامور الى طبيعتها بمعادلة: لا تقترب من قضاتي الفاسدين وأنا لا أقترب من قضاتك. واكتمل الملف بتعيين فضاة المجلس الدستوري، الذين لا يوجد بينهم اختصاصي واحد بالدستور، على قاعدة "قاضٍ لك وقاضٍ لي" كما علّقّ أكثر من مرجع. مما يبشِّر بأن العدالة ستأخذ مجراها بناء لرغبات من عيَّنوهم. وأنا هنا لا أشكّك أبداً برغبات النافذين. فرغباتهم كلّها عدالة واصلاح عمَّت جميع الأراضي اللبنانية. وشوكة بعين الحاسدين!
آخر قضية فساد متبقية هي قضية كسّارات فتوش. بصراحة أنا لا أعرف ان كانت قضية فساد، لأنها مغطاة على أعلى المستويات. وفتّوش نفسه مدعوم من الكبار الكبار. فبعد انجازاته الكثيرة، مع غيره بالطبع، بأكل الأخضر واليابس وأكل الجبال ونشر القبح أينما حلَّت كسّاراته، فهو مدعوم من قوى أعلنت بحناجر عالية النبرة، انها لن يغمض لها عين قبل ان تضع حداً لهذا الفساد المستشري. وتعميماً لإنجازاته البيئية، فهو مدعوم أيضاً لإنشاء معمل للترابة في عين داره. وهذا ما استفزني شخصياً وسارعت لاعتبارها قضية فساد. فأنا كنت من سكان شكا. وأعرف تماماً المكاسب البيئية التي يحققها معمل الترابة في شكا. رعى التلال المحيطة، لم يترك لعصفور غصناً واحداً يحط عليه. نشر البياض على سطوح البيوت وغسيل أهلها وعلى انتاجهم الزراعي فقضى عليه. كان التين الشكّاوي مفخرة المحاصيل. كانت شواطئها محجّ السابحين. وكان سكانها أصحاء أقوياء. فأتى معمل الترابة ليهدّ حيلهم، ويقضي على صحتهم، ويتسبب بموت الكثيرين بالسرطان وغيره من الامراض التي أتت مع المعمل. لذلك خفت على عين دارة وجوارها وعلى التلوث في لبنان الذي لن يتحمل مصيبة بيئية اخرى، فالتة من الرقابة ومن المعايير الصحية تحت عباءة النافذين وفارضي الخوات الذين كلهم يحاربون الفساد. وإذا كنتم تشكّون بذلك فراجعوا معاركهم الكلامية الرائعة.
صاحبنا الفتّوش يفتِّش عن القرش الحلال بالفتيلة والسراج. فبعد القرار باقفال كسّاراته سنة 2005 أقام دعوى على الدولة مطالبا بتعويضات خيالية عن أرباحه المفقودة بسبب الاقفال. مجلس شورى الدولة، المؤلف من ثلاثة من القضاة غير الفاسدين طبعاً، "أشار" على الدولة بقرار مقبوض الثمن، بدفع مبلغ 250 مليون دولار من عرق جبين الشعب اللبناني ومن صحّته الملوثة، الى شركة الفتوش كتعويضات عن خسائرها. علما ان الشركة أعلاه لم تعلن عن أي ربح خلال السنوات السابقة. فدفاترها دائما، بالأحمر العريض. أي أنها تخسر ملايين الدولارات كل سنة لخدمتنا في "تقريع" جبالنا وزرع السموم في روايانا. وبذلك لم تدفع شركة فتوش قرشاً واحداً عن أرباحها، للدولة. في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة في 29/8 طرحت تقارير عن تهرب الأخوين فتوش الضريبي والتي قُدِّرت ما بين 300 و500 مليون دولار.
أليست فضيحة أن يحكم مجلس شورى الدولة، لشركة تقول سجلاتها انها لا تربح، وللدولة في ذمَتها مئات ملايين الدولارات، بهذا المبلغ الخيالي تعويضاً عن أرباحها المفترضة رغم خسائرها الدفترية؟
شركة الفتوش أعلاه تقيم حالياً دعوى على الدولة اللبنانية في أميركا مطالبة بتعويضات تبلغ 500 مليون دولار للخسائر التي تكبدتها بسبب قرار القاضية غادة عون باقفال الكسّارات مجدداً. وبسبب عدم تشغيل معمل الترابة في عين دارة حتى الآن. فهل سيكون القضاء الأميركي أرحم باللبنانيين من مجلس شورى الدولة؟ لا أعتقد. فالأوراق كلها لصالح فتوش. والمافيات لصالحه. والتغطية السياسية لصالحه. والقرار السياسي لصالحه. والعمولات للجميع. فعلى ماذا تتكلين أيتها القاضية النزيهة؟ طبعاً تتكلين على تشويه البيئة، وتلويث الهواء، وتعريض صحة اللبنانيين للخطر. ولكن تناسيتِ ان العم ترامب، حفيد العم سام، لا يعير هذه التوافه أي اهتمام. وتناسيتِ أيضاً ان أهل "بيتك"، قضاةً وسياسيين ومافيات، لا يمكن ان يقفوا الا مع أهل بيتهم الفتّوشيين المتغلغلين في كل مرافق الدولة.
لذلك أرفع الصوت الى كل الدونكيشوتيين، المحاربين الشرسين للفساد وأقول: لا بارك الله بكم. الفساد داخلكم استئصلوه أولاً إن كنتم صادقين.
يبقى من سيأخذ حق اللبنانيين من الفتوشيين المنتشرين في كل موقع؟ ومن يقيم الدعوى على مجلس شورى الدولة؟ وعلى كل السياسيين، شركاء الفتوشيين، الذين أوصلوا البلد الى هذا المستوى؟ ومن سيأخذ حق عشرات أو مئات الاف مرضى التلوّث البيئي وضحاياه؟ ومتى يستفيق المواطن في لبنان ويتوقف عن دعم هذه الطبقة السياسية الملوثة بامتياز؟
آخر قضية فساد؟ لا تصدِّق. انها واحدة من آلاف قضايا الفساد المشمولة برعاية هذه الطبقة السياسية بجميع فصائلها. والتي يمرح أبطالها ويسرحون بحماية مجلس شورى الدولة، وبحماية القضاة المعينين بالمحاصصة لهدف وحيد هو منع محاسبة الفاسدين.
لا تصدقوا أي مسؤول أو حزب أو سياسي في لبنان يرفع شعار مكافحة الفساد. هناك طريق واحدة للمكافحة هي استقلالية القضاء. والمعادلة واضحة: قضاء مستقل نزيه، آلاف السياسيين ورجال الأعمال في السجون. لذلك يمسك السياسيون بالقضاء ليستمروا في نهب البلد. ولا أستثني منهم احداً.
0 comments:
إرسال تعليق