الكتاب قد يُصنّف على أنّه غير جادّ، لكنّ من يقرأه سيشعر بالرصانة اللغويّة والطرح المنضبط الذي يناقش بجديّة مطلقة هذه المنطقة من الجسم، وحضورها في الأدب والسينما وعروض الأزياء واللوحات الفنيّة والصور والمنحوتات، وفي الاحتجاج السياسيّ في بعض البلدان، إذ يعني الكشف عن المؤخّرة والكتابة عليها جملاً معيّنة، كأنّه إهمال تامّ للسلطة المعترَض عليها، فيدخل في ذلك الأسلوب الساخر مع احتقار السلطة وصفعها بصورة تلك المؤخّرات العارية. مع أن "المؤخّرة" بوصفها عضواً حيويّاً ليست محتقرة بحدّ ذاتها في أيّ شيء، لكنّ السلوك الاحتجاجيّ هو الذي يشير فقط إلى هذا البعد الساخر والاحتقاريّ. كأنّها تأخذ بعداً رمزيّاً، كما هو مثلاً باستخدام إصبع اليد الأوسط في وضعيّة ما ليومئ به المرء إلى موقف غير مكترث ممّن يوجه إليه. فالإصبع ليس محتقَراً بذاته، لكنّه يشير بوضعيّته تلك إلى احتقار الطرف المعنيّ.
لقد سبق لي أن انتبهتُ قبل قراءتي لهذا الكتاب إلى النهدين، وكتبت مقالة خاصة بهما تحت عنوان "أجمل ما في المرأة ثدياها"، بيّنت فيها حضور الثديين في الثقافة العربيّة والإنسانيّة وأهمّيّة هذين العضوين الحيويّين في مسألتي الحياة والجمال، ولولا ما حدث معي من تشويش وتحقيق لكنتُ أكملت الكتابة في أعضاء أخرى من الجسم، لكنّني لم أستسلم وكتبت شيئاً من هذا في كتابي الجديد "نسوة في المدينة" فقد ضمّنته كثيراً من المقطوعات السرديّة في وصف الأعضاء الجنسيّة وأثرها في المتعة بين الرجل والمرأة، عدا ما كتبته من قصائد حول تلك الأعضاء، وربّما شكّلت ديوانا يستحقّ أن يولد ويُقرأ.
أمّا بالنسبة للأدب العربيّ وموضوع العجيزة، فلعلّ أقرب كتاب في صنعته من كتاب (جان ليك هينيج) هو كتاب "دولة النساء"، وقد جمع فيه مؤلّفه عبد الرحمن البرقوقي كلّ ما يتعلق بالنساء وقصصهنّ ومعاشرتهنّ وأعضائهنّ، وجاء في كتاب ضخم، ظهر فيه الجهد الموسوعيّ فيما يتّصل بموضوعه، وسبقه ابن طيفور في كتابه "أخبار النساء"، وقد أخذ عنه البرقوقي الكثير وزاد عليه من مراجع أخرى قديمة وحديثة، عربيّة وأجنبيّة، وتحدّث فيه أيضا عن المرأة الغربيّة، لكنْ لا يوجد كتاب في المكتبة العربيّة- حسب علمي- يتتبّع الأرداف أو النهدين أو الفرج أو القضيب أو أيّ عضو في جسم الإنسان ليبيّن للقارئ العربيّ بمؤلَّف واحد "موجز تاريخ تلك الأعضاء"، أو أحدها على الأقلّ. مع أنّ تلك الأعضاء بما فيها العجيزة والردفين قد لفتت نظر الشاعر العربيّ القديم، وليس فقط (جان ليك هينيج)، وأذكّر في هذه العجالة ببعض الأبيات الشعرية التي اهتمت بوصف العجيزة من ذلك قول عمرو بن كلثوم في معلقته:
وَمأْكَمَة يَضِيـقُ البَابُ عَنْهَـا// وكَشْحاً قَد جُنِنْتُ بِهِ جُنُونا
فالمأكمة هي الكفَل أو العجيزة، وهو هنا يشير إلى ضخامة أرداف تلك المرأة، وهي ناحية جماليّة كانت مطلوبة لدى المرأة العربيّة، كما أشار إلى ذلك أيضا صاحب كتاب "موجز تاريخ الأرداف". وأكّد هذا المعنى شاعر آخر فقال:
إذا تمشي تأوّد جانباها// وكاد الخصر ينخزل انخزالا
تنوء بها روادفها إذا ما// وشاحها على المتنين جالا
وغير ذلك كثير جدّاً في مدونة العرب الثقافيّة والشعريّة، ويحتاج باحثاً صبوراً وجادّاً وجريئاً للكشف عنه، وإعادة توليفه في مؤلَّف ممتع يسدّ ثغرة في المكتبة العربيّة. فتراثنا العربيّ غنيّ، لكنّه مهمل مع الأسف، أو يُنظر إلى الباحث الذي يوجّه بحثه لمثل هذه الموضوعات بعين الريبة وقلّة الأدب وانتهاك أخلاق المجتمع وخدش الحياء العامّ، ولذلك رضي الناس أن يقرؤه مبعثراً في الكتب، أمّا إنِ اشتغل عليه باحث وجمعه بموجز تاريخ جديد، فستُنصب له المحاكمات وتسرد على مسامعه معلّقات الأخلاق والالتزام، وهذا ما التزم به كلّ من الناشر والمترجم العربيّان في الطبعة العربيّة المترجمة، مع ملاحظة عدم وجود اسم للمترجم، وتمّ تغيير الغلاف الأصلي للكتاب، حيث كانت تزينه صورة عحيزة تبدو رائعة وشفّافة كأنّها قطعة من الماس إلى غلاف استعاريّ لا يؤشّر بوضوح وسرعة إلى فحواه.
ومع كلّ ذلك النفاق الاجتماعيّ والثقافيّ الذي تعاني منه الثقافة العربيّة المعاصرة، بوصفها "ثقافة مخصيّة" غصباً، تعود صورة العجيزة العربيّة الكبيرة إلى الحضور الغربيّ، لتصبح مقياساً للجمال، تحرص على تحقيقه المرأة الأجنبيّة، فقد نشر أحد المواقع الإلكترونيّة خبراً مفاده كيف أصبحت المرأة الغربيّة تخوض عمليات تجميل لاكتساب مؤخّرة تضاهي بها مؤخّرة المرأة العربيّة، لعلّها تفوز بجائزة "أجمل مؤخّرة"، وينقل الموقع ذاته عن الفنّانة الفائزة وهي هافنريشتر بجائزة المسابقة قولها: "إنّها خصّصت بضعة آلاف يورو من أجل تحضير مؤخّرتها للمنافسة". ويضيف الموقع أنّ افنريشتر قد "فازت قبل ذلك في مسابقة "السوبر مؤخّرة" في ألمانيا. وعلى الرغم من أنّ المرأة الأوربيّة تخشى تنافساً حادّاً من "مؤخّرات النساء العربيّات"، فإنّ البعض يعتقد أنّ المنافسة حامية اليوم في المسابقات وفي عروض الشارع اليوميّة للحسناوات من أوروبا الشرقيّة؛ خاصّة بلغاريا بسبب تميّز مؤخّرتهنّ، فهي ليست بارزة مثل المؤخّرة الأفريقيّة والعربيّة بل مستديرة ومرتفعة".
إنّ هذا التاريخ سيظلّ يواصل صناعة ذاته بذاته سواء آحتفلنا به أم لا؟ وسواء أتبنيناه وتحدّثنا عنه أم لا؟ وتظل هذه الأعضاء الثابتة في الحضور فعليّاً وتخيّليّاً عصيّة عن التجاوز مهما حاول فعله أدعياء الثقافة النظيفة، كما يحبّون أن يطلقوا عليها.
0 comments:
إرسال تعليق