الزوج والأطفال محور من محاور حياة المرأة وليس سبب كينونتها. لم يتخل حكم البعث عن ترسيخ تلك القيم والمبادئ باستثناء ما يتعلق منها بالانتماء الايديولوجي الذي اقتصر على الانتماء للحزب الحاكم. منع زواج الرجل من امرأة اخرى إلا بموافقة الزوجة الأولى، وتخلي الزوج عن بيت الزوجية للأم والأطفال من القوانين التي دعم بها الرئيس العراقي السابق مكانة المرأة في المجتمع.
وبالفعل ظل المجتمع العراقي محافظا على خصائصه الاجتماعية والأسرية حتى منتصف التسعينات حيث بدأ الحصار يطبق الخناق على الحالة السياسية والاقتصادية في البلد. أنتجت هذه المرحلة ظاهرة لم تكن معروفة آنذاك، اجبرت الشباب على التخلي عن احلامهم الرومانسية بالزواج. صار الشاب يفضّل العزوبية بدافع السفر إلى الخارج خفافاً، والفتاة تفضل الزواج من رجل مغترب دون أي اعتبار لفارق السن أو حقيقة حالته المادية والاخلاقية، وبدل من أن يكون التوافق والوعي والحب سببا للزواج صار السفر والهروب هو الدافع الوحيد. لكن بمجرد أن تنتفي الغاية الاساسية من الزواج وتبدأ الفتاة بالتعرف على حقيقة الزوج الذي لم يسبق لها معرفته، تبدأ المشاكل التي انتهى الكثير منها بالطلاق أو جرائم غسل العار أو تعاسة أسرية دفع الأطفال ثمنها.
في عراق ما بعد الاحتلال الاميركي، رغم أن الأحزاب الدينية استباحت منظومة الاسرة العراقية، بتعدد الزوجات، وزواج المتعة، وجهاد النكاح، وزواج المسيار، وزواج القاصرات، وانحراف المجتمع من المدنية إلى القبلية وما يترتب عليها من عادات وتقاليد، صارت مشكلة العنوسة من اخطر الظواهر الاجتماعية التي تهدد الاسرة والمجتمع.
لقد انخفض معدل عمر العنوسة للفتاة من الثلاثين إلى العشرين. صارت الفتاة العراقية تواجه قلق العنوسة في نهاية العشرينات من عمرها بعد أن كانت تواجه هذه المشكلة في نهاية الثلاثينات. إن انتشار هذه الظاهرة جعل من تفريغ الرغبات الجسدية الغاية الاساسية من الزواج، وبالتالي العزوف عنه كان بالبدائل المؤقتة كزواج المتعة وزواج المسيار. مما تداولته الالسن كقلب المرأة عباءتها اثناء الزيارات الدينية تعبيرا عن رغبتها في الزواج المؤقت، اما في المناطق السنية التي تسيطر عليها التنظيمات الارهابية فإن عمر الحياة الزوجية لا تتعدى فترة دخول الجهادي إلى العراق وقيام صلاة الجنازة عليه قبل العملية الانتحارية.
كذلك تردي الحالة الأمنية للبلد وانتشار العنف وحالات الخطف والاغتصاب دفع الطبقة المدنية إلى تقيد حرية الفتاة ومنعها من فرصة الاختلاط وتكوين علاقة عاطفية تنتهي بالزواج. كأن تكون الحالة المادية والدرجة الوظيفية من ضمن قائمة المؤهلات التي تستعرضها الفتاة لإغراء الرجل وتشجيعه لطرق باب اَهلها.
ربما يعكس حجم المشكلة وخطر تعرضها إلى الوقوع في شباك عقلانية الرجل، خاصة إذا ما وضعنا بعين الاعتبار التنازلات التي اعتاد الشاب تقديمها لأهل الفتاة من أجل الاقتران بها. لقصة الشاعر نزار قباني في بلد الألف ليلة وليلة ومعاناته لاقناع عائلة حبيبته بلقيس البغدادية بالقبول به كزوج لابنتهم، دلالة وبينة على حجم التغيير الذي شهده المجتمع بين ذلك الزمان وهذا الزمان الراضخ لسلطة الإسلام السياسي.
0 comments:
إرسال تعليق