إن حقيقة الموت "شبح"، يلاحق أفكار الكثير، وهواجسه تندس فيما خفي من الشعور، فيصعب تقبل فكرة أن كل ما يتنفس سيختفي، ذاك الشعور الذي يبث في النفس الإنسانية عبثية الوجود، إلا أن غريزة حب البقاء تسيطر على اللاشعور الإنساني، فرغم معرفته التامة بحتمية الموت إلا أنه يُبقي غريزة الموت خرساء في أعماقه.
فماذا لو نظرنا للموت أنه عميلة اكتمال للموجودات، والهدف الأسمى للوجود البشري، فكل ما هو حولنا يتسم بالطابع المؤقت، يقودنا نحو هاوية العدم، فلمَ لا ننظر لحقيقة الموت أنه جزء من غايات الطبيعة، فإدراكنا للحياة، يقودنا لحتمية الموت.
وبالتزامن مع فكرة الوجود البشري على الحياة، أتساءل ما الماهية التي تحول المرء أنساناً، وهل فهم الإنسان لذاته يدعم فكرة تقبله للموت؟ من هذا المنطلق ندرك كثيراً من الموجودات ما هي إلا بذوات زائفة، لم تفهم حقيقة ذاتها قط.
فمرحلة الوصول للذات تكاد تكون من أصعب المراحل التي تصل لها النفس البشرية: فتبدأ بالانشغال باللحظة ثم التحقيق الفعلي للذات في عملية اختيار مستمرة، تحاول أن تفهم ماهيتها من خلال التجربة، وصولاً للسعادة الأبدية.
هل فكرت يوماً مما تتكون ذاتك؟
سؤال بسيط، لكنه محور هام في محاولة فهم الحقيقة الوجودية البشرية، فالذات جسد ونفس متصلة بالشعور، فتتكون من الضرورة والإمكان والمتناهي واللامتناهي والزمني والأزلي، فالذات ما هي إلا الشيء الواعي من مجموعة عوامل، فمحاولة إنكار ذاتك للوجود الأبدي، ورغبتك في كونك شخصاً آخر ما هي إلا موت في الحياة!
إذن، إن إدراك حقيقة أن الكون يسير مع الطبيعة، والحياة أفق شاسع معقد، وفكرة الخلود المليئة بالأمل ما هي إلا وهم، فالحياة والموت متناقضان مكملان لبعضيهما، والإنسان يعي حقيقة الموت، لكنه لا يواجهها طالما لم يفهم ذاته.
صبا أبو فرحة
0 comments:
إرسال تعليق