عُرسُ النّهْرِ/ الأب يوسف جزراوي



(١)

الْمَرْءُ مِنَّا كَالمُنْطَادِ

لَا يَرْتَفِعُ 

وَلَا يُحَلِّقُ فِي العُلاَ

وَلَا يصبحُ فِي سُمُوٍّ

دُونَ التّخْفِيفِِ مِنْ أحْمَالِهِ...

فَالإِنسانُ لَا يَنْمُو

إِلَّا بِتجاوزِ  نَفْسِهِ

فِي رِحْلَةِ حُبٍّ إِلَى الآخرِ!.

(٢)

لَا تمنح حقَ الكلام للحَمْقَى

لاَ سيّما أصحاب الكراسي

فَقَطْ تَفَرَّسَ فِي وجوهِهم 

ستعرفُ بِمَا يُفَكَّرُون 

وَعمّا سيتحدّثونَ

فلواحدهم أفكارٌ بَلْهَاءٌ

وأحاديثٌ نَزِقَةٌ

 كَمِنْ يحمل جائزة فِي الْغَبَاءِ!

فَكَمْ مِنْ نفسٍ زهقت

دفاعًا عَنْ عروشِ الحَمَقى

لِذَا لا تَكُنْ وَقُودًا

لِمحرقةِ الْأَغْبِيَاءِ!.

(٣)

فِي طريقِ الْعَوْدَةِ  مِنْ برشلونة

كَانَتِ الطُّرقاتُ فِي صمتٍ

ربُّمَا لأنَّ لحظةَ الرَّحِيل

 لَا تسمع خُطاها...

إذْ لَمْ أعد أذكرُ 

فِي أيّ مطارٍ ختمتُ جوازي.

(٤)

أنَا لَا أُقِيمُ وزنًا  لِآرَاء النّاس 

لأنها مُتَشَابِهَة!

ولأنَّ الجميعَ 

يَتَّخِذونَ مِنَ الطّريقِ نَفْسِهَ مسارًا 

تجدني لَا أُقَامَر

عَلَى الطَّرْقَاتِ الْمَأْلُوفةِ.

(٥)

لَسْتُ مَعَ سارتر 

يَوْمَ كَتبَ " الآخرون هم الجحيم"

لأنّنا نَلْتَقِي اللهُ فِي الآخرين. 

(٦)

لَنْ تكونَ شاعِرًا

إِلَّا إِذَا عشتَ الْاِرْتِحَال

ولَكِنْ لَا تَكُنْ شاعِرًا

 بِلَا وَطَنٍ!!


(٧)

حطَّتِ الطَّائِرَةُ

فِي المطارِ الخطإِ

بسببِ هبوطٍ إضطراريٍّ

فسألتني الفتاةُ الغربيةُ الجالسةُ بقربي

فِي أيّ مطارٍ نحنُ الآن؟

أجبتُها:

 لَا أعلمُ!

فوجدتني أزيدُ الأمرَ غموضًا عليها!

ابتسمت لتقول:

أبصرُكَ كَمِنْ ضاقت بِهِ الأرضُ؟!

حينها تَمَطّقَ لِسانُي بِالصّمتِ..

فَهِيَ لَا تَعرِفُ

 أنَ الطَّائِرَةَ حطّت فِي بَلدٍ

جارَ عَلَى بَلدي!!.

(٨)

الآخرُ هُوَ مرآةٌ لَنَا 

ولَكِنْ لَيْسَت كُلّ المرآيا صالحةً

لنرى أنفسِنا فِيهَا!!.

(٩)

عقدٌ مَضَى عَلَى هجرتي

مِنْ تِلكَ المدينةِ

الَّتي مكثتُ بِهَا بضعة سنواتٍ

لكنّها إِلَى الآن

لَا تُرِدْ أَنْ تُقِرَّ

 بِأنِّي أَلْقَيتُ بِها بَعِيدًا عَنّي 

وخَارِجًا عَنْ ذاكرتي!

(١٠)

يبكي النّهْرُ مجراهُ

كُلّمَا اقتربَ مِنَ المصّبِ

بَينَمَا البَحْرُ يبتسمُ

كُلّمَا يقذفُ  مدَّهُ

فِي رحمِ الشّاطئِ

لِتولدَ البحيراتُ.....

فالبحارُ وحدها

تَعرِفُ كَيفَ تستمرُ بالوجودِ!

(١١)

وَطَني

كُلّمَا فَتَحَ ذِرَاعَيهِ

وَرَفَعَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ

 اِنْعَقَدَ لِسَانُهُ عَنِ الصَّلَاةِ...

ليُكمِّلُ الدَّمْعُ الاِبْتَهَالَ!

وَمَا الدّمعُ

سِوَى صلاةٍ صامتةٍ

لَا يَفهَمُها إِلَّا اللهُ!

(١٢)

عُرسُ النّهْرِ 

تًَحَضَّرَتِ الصَّحْرَاءُ وحَضَرَتْ

لِعُرُسِ النّهْرِ 

فَزفَّتهُ بِعَجاجِ رِمالِها العَطْشى!!

(١٣)

أنَا مُهتَمّ بِرائحةِ الزُّهُورِ بِشَتَّى أَلْوَانِهَا

رغمَ أنَّ الورودَالجميلة

لَا عطر لَهَا!!.

(١٤)

لَيْسَ بوسع الحياة

أن تجيبَكَ عَنْ كُلِّ شيءٍ

لِذَا سأظلُّ سؤالاً

لَا أجابة عليهِ!

(١٥)

حَتَّى خُطواتنا فِي الغُربةِ 

 غَرِيبَةٌ عنّا

فهي لَيستْ كالَّتي كُنّا

 نخطوها فِي الوَطَنِ.

(١٦)

لَا تذبلُ وردة

بَيْنَ الحَدائِقِ الخَضْراءِ

قَدْ كساها النَّدَى....

فَإِذَا نَدِيَتِ الوردةُ

تَوَرَّدَ خَدُّ الحديقة

وأتاها مِنْ الحَيَاةِ صدى!.

******


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق