معرفتي بالصديق الشاعر الوطني الكبير عبد الناصر صالح منذ سبعينيات القرن الماضي، من خلال كتاباته الشعرية الغزيرة التي كان ينشرها وهو على مقاعد الدراسة الثانوية، ثم خلال دراسته الاكاديمية في جامعة النجاح الوطنية بنابلس، في الصحف والمجلات الفلسطينية كالبيادر والكاتب والفجر الأدبي والشعب والفجر والميثاق والعهد، وفي صحافة الحزب الشيوعي " الاتحاد، الجديد، والغد " .
وتوطدت علاقتي به عبر اللقاءات في طولكرم وجت المثلث وباقة الغربية، ولمست فيه انسانًا مبدئيًا، ووطنيًا حقيقيًا، ومناضلًا شجاعًا عانى القهر والظلم، وعاش المعاناة على جلده في سجون وزنازين الاحتلال.
عبد الناصر صالح من الشعراء البارزين المتميزين، وأحد رواد الحركة الأدبية والثقافية الفلسطينية تحت حراب الاحتلال، الذين ما زالوا يواصلون العطاء والإبداع الفني، وقد قطع شوطًا كبيرًا وطويلًا مع القصيدة، ويتمتع بتجربة غنية ومكثفة تجعله يقف في مقدمة وطليعة شعراء وأدباء المناطق الفلسطينية المحتلة.
وعبد الناصر الشاعر الملتزم بالأرض والقضية، ومن خلال رحلته الكفاحية الطويلة داخل السجون، استطاع ان يكتسب خبرة نضالية كبيرة، وتجربة شعرية إبداعية مميزة ومتفردة، وما عاد يرهبه لا عذاب السجون ولا قهر المحتل، ولا يخشى الموت.
والقارئ لقصائده وأشعاره يحس بالعمق والكثافة الشعرية، والرؤية السديدة والموقف الوطني الجذري الكفاحي، ويقف أمام شاعر يحمل القضية منذ فتوته في قلبه وروحه، مشتبكًا مع الحياة، زاخرًا بالفعل النضالي الثوري وبالحركة والصراع. فهو مسكون بهموم وهواجس وعذابات الوطن الأسير المحاصر، واوجاع الانسان الفقير المسحوق الكادح، تخرج كلماته عفوية صادقة مشحونة بالمشاعر الوطنية والإنسانية الجياشة الحالمة والملتصقة بالهم الوطني وقضايا الناس المسحوقين الفقراء.
وفي كل كتاباته الشعرية يسجل عبد الناصر صالح، بحسه المرهف ورؤيته الصادقة، المعاناة اليومية التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بكل أشكالها. فيصور حالات الاغتراب التي يعيشها الإنسان الفلسطيني، وعدم الاستقرار والاستفزازات الاحتلالية على الحواجز والمعابر، التي يتعرض لها شعبنا. وكل هذه المشاهد والاحداث استطاع شاعرنا الفذ عبد الناصر صالح بمهارته الفنية واحساسه الوطني الثوري، أن يصورها تصويرًا حقيقيًا، مبرزًا ومؤكدًا أن الأرض هي رمز للصمود والمقاومة والحياة، مهما بلغت حدة الحقد والجنون الاحتلالي، وحدة الحزن والجوع وشدة الحصار، أليس هو القائل :
" هي الأرض،
لا شيء يبقى سوى الأرض
يا ايُّها الواقفون على شطها استمروا
ويا أيها العابرون الى حلمها استمروا،
يا ايها الفقراءُ
استمروا
استمروا ".
عبد الناصر صالح إنسان مثقف ومناضل شرس، وصاحب تجربة شعرية رائدة، وتاريخ وطني شريف، وابداع متقن ومقنن ومتجدد على صعيد الاداء والصياغة واللغة. إنه حارس الوطن والأدب والثقافة الفلسطينية المقاومة، وعاشق الوطن والشمس، لم يتلون ولم يتسلق، ولم يتراجع قيد أنملة عن مواقفه ورسالته الثقافية والوطنية، وهو يستحق الثناء والتقدير، فكل الحب والوفاء له انسانًا متواضعًا وفلسطينيًا حتى النخاع، وشاعرًا مغردًا في سماء الوطن الفلسطيني الجريح والذبيح، ومناضلًا اصيلًا وحقيقيًا مشتبكًا مع الاحتلال بالكلمة والشعر والصدر المدجج بالإيمان والارادة الوطنية الصلبة.
0 comments:
إرسال تعليق