لي ثلاث دجاجات يزوِّدن عائلتي بالبيض الطازج. ويجلبن الفرح لكل طفل زائر وهنّ يقفزن حوله لالتقاط كسرة خبز يرميها مع ضحكة تملأ حديقتي الخلفية وتغطي حدائق الجيران المجاورة. سأعتذر من دجاجاتي سلفاً لمقارنة فكرهن الاستراتيجي بفكر أنظمتنا العربية التي لم تصل بشعوبها الا الى حائط مسدود وراءه مئة حائط وحائط.
دجاجاتي تمثّل مجموعة دول محور الممانعة حيناً، وحيناً تمثل مجموعة الدول المنبطحة. ومرّات تمثّل الدول المماطِحة: أي الدول ما بين الممانِعة والمنبطِحة والمتناطِحة دائما والتي لا ينتهي تناطحها الا بطأطأة رؤوس شعوبها.
فالدجاج كلمة مشتقة من الفعل دجَّ. ودجَّ القوم دجيجاً أي مشوا ذهاباً واياباً، مقبلين مدبرين. والعرب منذ ما قبل امرىء القيس وهم مقبلون مدبرون "معاً كجلمود صخر حطّه السيل من علِ". أي ان جلمود الصخر المتدحجر من الأعالي يصل الى الوادي ويستقر فيه ولا يتحرك. ونحن كذلك مستقرون في قعر الحضارة الانسانية نرفض التحرك أو التزحزح أو التقدّم ولو خطوة واحدة الى الأمام.
تملأ دجاجاتي الحي بالقرقرة والنقنقة والقوقأة. وهذه بعض تسميات أصوات الدجاج. ورغم أن كل واحدة منهن تنتج بيضة واحدة في النهار أو لا تنتج، لكنها لا تتوقف عن الضجيج. مع فارق ان الانظمة العربية لا تتوقف عن الضجيج الاعلامي حول انجازاتها التي هي أقل من "انجازات" دجاجاتي بكثير. فمنذ أكثر من سبعين سنة يتنافسون لتحرير فلسطين. فضاعت كلّها. يؤكدون أنهم سيحررون الجولان والقدس وكل شبر من تراب فلسطين المقدّس. فلا يحررون, ولا يدعون غيرهم يحرر. ويستمرّون في الضجيج، ونصدّقهم. يرفعون شعارات عدم التطبيع مع العدو الصهيوني الذي أصبح في معظم عواصمهم. فيصرخون: المقاطعة. ونستفيق على مقاطعة بعضهم البعض. يرفعون شعارات: بترول العرب للعرب. نستفيق على بترول العرب للجميع ما عدا العرب. يرفعون امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة. فنستفيق على امم عربية متنافرة ذات رسالة حاقدة. يرفعون شعار الدين لله والوطن للجميع ونستفيق على جلوسهم مكان الله في اوطان على قياساتهم الصغيرة. يتكلمون ليل نهار عن التقدم والازدهار والبحبوحة والحرية و... نستفيق على الجهل والتخلف والفقر والقهر والسجون و ... أي أنهم مثل دجاجاتي: ضجيج كثير وفعل قليل أو لا فعل بالمرة.
أسجن دجاجاتي في قفص كبير. ورغم ذلك يهللون عند رؤيتي معتبرين انني أحمل لهم الأكل والماء دائما. وكذلك حكامنا يهللون لترامب وبوتين وباقي الأسياد، من وراء قضبان سجونهم، كلما زارهم أحدهم. مع فارق أنني أحمل لدجاجاتي الأكل والماء مرة كل عشرين زيارة بينما الأسياد لا يحملون أي شيء بل يأخذون الماء والأكل من أفواه شعوبنا الجائعة، في كل زيارة. وغالباً ما يأخذون كل ما يريدون من دون زيارات.
في بعض المرات أطلق دجاجاتي من القفص ليتمتعن بجو الحرية. فيسارعن الى أي بقعة فيها زرع ويعملن بها بحشاً ونكشاً واتلافاً، حتى أصبحت مواسمي الزراعية في الحضيض. وهكذا هي مواسم العالم العربي بفضل بحش الزعماء ونكشهم للأماكن الخصبة في امتنا.
يُحكى عن ستالين انه جمع قادته حوله مرة وفي يديه دجاجة. نتف ريشها أمام أعينهم ثم ألقى لها بعض حبات قمح بين قدميه فأسرعت لالتقاطها غير آبهة بأوجاعها. أليست هذه هي حال أنظمتنا العربية مع شعوبها؟ نتفٌ لريشنا بلا رحمة ثم تمرغٌ على أقدام الحاكم أو الزعيم نلهج بفضله لأنه رمى لنا بعض حبيبات قمح؟
وبما ان مجتمعاتنا مجتمعات ذكورية فلا بد من ذكر الديك الحاكم بأمره. يُعرف الديك بطاقاته الجنسية الهائلة. ففي الضيعة كان عندنا عشرون دجاجة وديكان. ورغم توفّر عشر دجاجات لكل ديك كنت تراهما يتقاتلان دائماً لحرمان الآخر والاستئثار بكل الدجاجات. مما يُجبر الديك المهزوم على الانزواء بحسرة، بينما المنتصر يتنقَّل من دجاجة الى اخرى بزهوٍ لا يشابهه الا زهو حكامنا بنياشينهم وانجازاتهم الديكية. لهذه الأسباب، ولغيرها، حَرَمْتُ دجاجاتي من ديك. لم يثرن ولم يتوقفن عن البيض احتجاجاً على منعهن من أبسط حقوقهن بل تابعن حياتهن بنقنقة وقرقرة وقوقأة لا تتوقَّف. فيا ليت زوجات الزعماء والقادة العرب يُحرمن من ديوكهن لأنهن أنجبن وسينجبن ديوكاً يستوفون مواصفات "الديك" في قصيدة نزار قباني المشهورة. نصيحة لمن لم يسمع القصيدة أو يقرأها أن يفعل ذلك.
أخيراً، معروف عن الدجاج وعن زعمائنا انهم لا يخططون لأي مستقبل. ورغم شدة جبن الدجاج الذي يتَّصف به زعماؤنا في المواقف المصيرية، يبقى للدجاج فوائد لا نرى ما يماثلها عند حكامنا: فهي تعطي البيض واللحم والريش بمقابل زهيد. حتى بقاياها لها فوائد زراعية ممتازة، بعكس زعمائنا الذين يحرصون على تخبئة بقاياهم في مراحيض ذهبية ربما لأنهم يعتبرونها خير ما ينتجون.
0 comments:
إرسال تعليق