بروفايل الحلقة ( السابعة)
قال الشاعر التشيلي بابلو نيرودا، بكل اللغات لكل شعراء العالم، أن الشاعر الحقيقي ليس عابر سبيل، فلا بد أن يصارع ويحفر بأظافره الصخر ليترك بصمته على الأحداث والأفكار والعواطف الزمنية...، مسلحا في معركته الإنسانية بالإرادة، والموهبة الصلبة التي لا يمكن وصفها بالسهلة، ولا البسيطة .
لذا اتجهنا إلى تجربة الأديب والشاعر اللبناني شربل بعيني، المقيم في استراليا، لنحيي جيوش المنحنى الإنساني في أعماله التي تقع على عاتق فلسفة الشاعر، في تجربته القائمة على استلهام المواضيع الديناميكية، في تشكيلات أعماله التي تحمل التواصل البرغماتي، في إيقاعه الآتي من بيئته اللبنانية المطرزة بالجداول والأنهار والبساتين.... ليقدم نفسه قربانا لهم أينما وجد، حيث يستنهض ضمير العالم بأكثر من نداء في المشهد الأدبي .
هو كالمولد الكهربائي يوزع طاقته المتصلة بالصدر ويوزع ذبذباته الشاعرية على المتلقي المتصل بفروع القلب والرئتين، ليعبر حجاب غربته، كلما تنفس بإيقاعاته المهجرية، قبل أن يطلق العنان لأجنحة/ أحاسيسه/ وأفكاره المحلقة في فضاء مخيلته الواسعة، التي جعلته مميزاً في تجربته المهجرية، وارتباطه بتاريخ كل فرد، في وحدته البنيوية المتفاعلة مع الموضات الإنسانية، وما هو معرفي ثقافي إبداعي في نتاجه الأدبي، المرتبط بالعالم المحيط بالسيسيوثقافي، وأشكال المؤسسات الاجتماعية الثقافية العالمية، وما يشترك من صفات مع الآخرين، الذين يسكنون أوراق الشاعر، من مهجره الذي عمل على إعادة مكونات العالم الخارجي في إدراكه الفكري، وطرحه إشكالية العلاقة بين الشاعر والمتلقي من خلال مادة لغته اللسانية، باعتباره حالة ثقافية منتجة مهارة قصائده المحملة قضايا الحرب، وحقوق الإنسان، والعلاقات الشخصية المرتبطة برهبة الشعر المعبر عما يدور في الواقع الحياتي، بوسائله الفلسفية لارتقاء ما يبهر ثراءه الدلالي والتأويلي...، في شعره المتميز بموسيقى وتجديدات تتجاوز أشكال عروض القصائد التقليدية .
انه شاعر منظم في سيرته.. بسيط في بوحه المسكون بحنين الفؤاد.. غني بفرادة صوره.. مبحر في موسيقى عروضه.. سابح في موضوعات مسائل الإنسان المرتبط بشرفه الوطني...
ينسج رسائله الوجدانية بكل ما تحمله كهنة العبارات.. مبدع في مجال الشعور الإنساني والوجداني.. يحمل في كلمه رؤى ديناميكية شعرية محورية بارزة.. يزرع أشجان الشعر الذي لا يهجره في كل بقعة من بقاع الأرض، حيث يسكن كينونته الساخنة، المتحدية الأمل من منفاه الذي يحمل الجموع الواحد في تجربته، كما في تجربة الشاعر التشيلي أرياس مانثو،" الذي حول البنادق إلى أقلام تطلق رصاصات الرحمة على الإنسان، وتلملم ما فرقته الحدود بين الوطن والروح الشاعرة على نطاق عالمي، ليقترب من الشاعر الجوال "فرنسيس كومب" الذي يدمج الشعر بالشارع الإنساني.
إذاً، لا يمكننا أن نتجاهل مجهودات اهتمامه بالقضايا الوطنية والقومية، في تجربته الإبداعية المتنوعة، ونماذج كتاباته الأدبية والفكرية المتعددة الأنواع والاتجاهات، فالذات الشاعرة تهجس الضمير والأحزان من شتى النوافذ المشرعة لديه، من خلال تجربته الإنسانية التي استعرضها في كتاباته المحتفلة بالصدق كونها صدى لمعاناته الداخلية التي تحرض الذات على مقاومة لعنة المنافي، ليعيد لملمة أجزائه القادرة على تحويل اللغة اليومية العادية إلى موسيقى شعرية من خلال أسلوبه المونولوجي، ليبقى غناؤه المباشر، والساخر، والهجومي الموجه، مدافعا عن الإنسان والإنسانية والأمكنة التي فتحت له أبواب موسيقاه الخاصة بلهجته العامية،
ضمن إطار التطور المعرفي، في مؤسسته الثقافية المتحركة على كافة الأصعدة، في مكوناته السيمائية، ودوره الواقع بين ملفوظات الحالة الشعرية، وشخصية الأديب الفعلية في مفردات جمله التي قطفت من أشجار رسائله صنوبرات الكلم والقلم، الموصل إلى ما يرمي إليه إلى المتلقي بجميع الوسائل الأدبية بفصيح الشعر وعاميته، وزجلياته، وينثره، و سردياته الموسيقية، أو من خلال مقالاته الرؤيوية .
فهو لم يترك قضية سياسية أو اجتماعية أو إنسانية أو فردية إلا وطرح أسرار سرائرها على أوراقه، التي تطلب الرحمة في ركعات وتراتيل صلاته، وتواشيح شعره الغنائي المتسم ببساطة الصدق وحرارة العاطفة، التي دخلت سيكولوجية كتاباته بكثير من متع الأدب المتنقل بين الواقع المكاني وبين اكتراث الذات، و انتمائه الذي تعرض لهزات عميقة...، إلى أن بقي المعنى حائرا في قلب الشاعر !، كما لدى الشاعر التشيلي هوغو، الذي تميزت كتاباته بالشعر الهجائي والسياسي إضافة إلى الشعر الغنائي المعبر عن كل المشاعر التي يعيشها البشر بعواطفهم وأحاسيسهم ....
لذا نرى الأديب والشاعر اللبناني شربل بعيني، يجري وراء المكان باعتباره وطنا تكرست فيه قضايا العالم من حوله ، فأكسبه ذلك أدبا إضافيا مختلفا، بغض النظر عن فردية نصوصه المجتمعية، فالكل مشترك لديه في نفس ترنيمة انتماء بيت القصيد، الذي نقله إلينا بوسائله وبطقوس الشعر ليتجسد الوطن أمامنا بأسلوبه الفني، وتصوير صوته حيث نبت من بين أجمل الحناجر اللبنانية، لنتمسك بلمحات فرادة تجربته الشرقية، العالمية في إبداعاته الأدبية، وما تحمله أجواء تلك التجربة التي انطلقت من اللسانيات الأنثروبولوجيا المستلهمة أعمال الشاعر السريالي ماكس هاريس، وأميلي سوران، اللذين أحيطت أعمالهما بالإنسانية والشاعرية، في رسائلهما الحياتية.
إذا يعد الشاعر اللبناني، من ابرز وجوه المشهد الإبداعي الثقافي اللبناني، ومعجمه الذي لا يشبه غيره... باشتغالاته على هوية الإنسان وانتمائه الذي يكشف عن كنوز تجربته التي تبدو قضية وجدانية، إنسانية، مجتمعية، منسجمة مع تجربته التي تمثل قلبه الذي يضخ هموم المجتمع العربي فيما يطرحه الكلم المتمثل بأخلاقيات الشاعر السامية التي ميزته عن كونه مجرد فرد بيولوجي يتلمس ويتحسس بالكتابة لاستنجاد ملجأ لهجرته الانسانية والوطنية ، كما في تجربة الشاعر أوكونور مارك، الساعي لتوسيع الثقافات بين الدول، في رؤيته الحكائية المشيرة إلى أسطورة يمثلها الشاعر ليكشف لنا عن اقنعة وقناعات في تجربته الشعرية المتجلية في أعماله بلغة أدبية راقية، مما زاد من أهمية هذا الجهد الإبداعي واجتهاداته.
هذه نبذة قليلة عن تجربة الشاعر اللبناني شربل بعيني، الذي نقلنا من لغته الحية الى الشعرية الابداعية العالية ليعبئ سردياته " السيميوطيقية " التي أسعفتنا في تحديد مستويات كتاباته المنظمة في مجمل نصوصه المعرفية ليتوالد نتاجه الأدبي، وقدرته الفائقة على ابتداع شعر الحداثة المليء بالرموز والدلالات، ولنتعرف على مضمون تجربته ومعاناته، وحيثيات رسائله، وتقنيات تأثيرها على المتلقي والمجتمع، ونفهم تجربته النموذجية، وشخصية ثقافته الشاعرة، وتركيباته الكامنة وراء تأملاته الليسانية المنسجمة مع جميع الطاقات المترابطة في المثل الإنساني العالي الذي تكور في شخصيته التي تعكس الكل الشامل في البعد الذاتي، والبعد الوطني، اللذين ابرزا هويته الشعرية التي ستحقق له عودة مجيدة من منفاه إلى قريته "مجدليا" في شمال لبنان .
0 comments:
إرسال تعليق