شاعر الغربة الطويلة شربل بعيني هو من القلّة الذين تحتفظ بهم الذاكرة كريمةً مهما كان تباين في الفكر أو وجهات النظر. كنت ولا أزال أعتدّ بصداقته وحتى إنّي كتبت مرّة عن ذلك. شربل بعيني من القلّة التي تتناسى مرّات حتى النسيان، خلال عقود الصداقة. وفجأة وجهاً لوجه أراني قبل أسبوع تقريباً مع مقالة عمرها أكثر من 3 عقود. واضح ذلك من التاريخ. فضلاً أنّ الموضوع يرجع فعلاً إلى التسعينات من القرن الفائت ينشرني فيه الصديق العزيز شربل بيعيني نشراً، والغريب أنّي قرأت مقالته من الألف إلى الياء، كما يُقال، وفي آن لا تغادرني البسمة، فما هي المسألة؟ ربّما هو الماضي بكلّ مشاهده ومسرحياته وأفلامه، هو الماضي البعيد خصوصاً، ربّما لإعتقادي أنّي يوماً لم أفكّر أن أغيظ شربل بعيني إلى الدرجة التي تجلّت في ردّه الناري المشرقط الذي لا يبقي ولا يُذر، كما يُقال أيضاً .
حقّاً لا أتذكّر مطلقاً إنّي يوماً قرأت هذا المقال، لو قرأته سيكون منّي ردّ حتماً، وربّما لا يقل شرقطة، وهذا ما لا حاجة، حينها، لنتائجه، وقد أهمّها خسارة صديق محبّ، ما ندمت يوماً على صداقة شربل طيلة أربعة عقود وأكثر، ولست الآن بوارد الردّ عليه بما كان، وخصوصاً أنّي حقّاً نسيته. لكنّي بوارد أن أقول له سامحك الله يا صديقي شربل وأبرأ ذمّتك دنيا وآخرة.
وفي ما يأتي ردّه على ما أغاظه أو أثاره، وكان قد ورد في زاوية أسبوعيّة كنت أكتبها لجريدة النهار ـ سيدني بعنوان: "الدنيا هيك"، كما كانت لي زاوية غيرها بعنوان "مسبحة الدرويش" وثالثة بعنوان "نافذة على البحر"، ومن الأخيرة صار كتاب بعنوان "على طريق بعيد":
"الدنيا هيك.. حتى ونحن أحياء؟، حقاً إنّ "الدنيا هيك"!، وإلا لما كانت الأمور تُقلب رأساً على عقب وتُقوّل الناس ما لم تقل. كان قد ورد في زاوية "الدنيا هيك" أن الجالية العربية عرفت عادة توقيع الكتب من خلال الأديب جاد الحاج، ولمّا لم يكن هذا القول مطابقاً للواقع فقد رأينا أن من الأمانة أن نصحّح هذه المعلومة، وكان ذلك في الندوة التي أقامتها رابطة إحياء التراث العربي في 26/1/1992، إحتفاءً بصدور كتابي "مناجاة علي"، وكتاب "في رحلة مع القلم" للصحافي رودولف أبو خاطر والدكتور أنيس مرسي، وجاء في الكلمة: أراني مضطرّاً أن أصحّح ما جاء على لسان أحد الكتّاب في إحدى الصحف المحليّة حيث قال إن عادة توقيع الكتب عرفتها الجالية العربية من خلال أديب معيّن، لكن الكاتب وإن تناسى حفلات توقيع الكتب التي أقامتها الرابطة فليس من الأمانة أن يتناسى أن توقيع ذلك الكتاب بالذات جرى أيضاً في إحدى نشاطات الرابطة، فحبّذا لو أننا قبل أن نطلق الأحكام في أمر ما نشبعه درساً وبحثاً ذلك أن الكلمة التي تُنشر أو تُقال وتُذاع تُسجّل على صاحبها. وقد تستطيع أن تنافق مع الحقيقة والواقع وأن تخدع الى حين ولكن ليس كلّ حين. وتشاء الصدف أن أحتاج إلى مراجعة كتاب معيّن ـ كان قد استعاره الاستاذ مسلماني منّي مع كتابين آخرين ـ فاتصلت به "أستعجله" ردّ الكتاب للضرورة المذكورة، وأُفاجأ به يعاتبني عتاباً مريراً ويقول: "ولو! صرت بنظركم أحدهم"؟. وأوضحت للأستاذ مسلماني ما قلت في الندوة وردّدت له العبارة بالحرف وذكرت له إن أوّل كتاب عربي وقّع في أستراليا كان ديوان "الغربة الطويلة" للشاعر شربل بعيني وذلك في إحدى ندوات رابطة إحياء التراث العربي، كما أن الرابطة اشتركت بحفل توقيع كتاب "شربل بعيني بأقلامهم" للأستاذ كلارك بعيني في ملبورن، وكان لي شرف تمثيل الرابطة في ذلك الاحتفال، وكذلك وقّع الشاعر نعيم خوري ديوانه في إحدى ندوات الرابطة، حتى توقيع "الأخضر واليابس" كان في أمسية من الأمسيات التي أقامتها رابطة إحياء التراث العربي. وعلّل الأستاذ مسلماني قوله بأنّه كان يشير الى توقيع كتاب "دارج"، فأوضحنا له أن توقيع "الأخضر واليابس" كان قبل صدور "دارج" بأكثر من عام. ويبدو أن الأستاذ مسلماني، بالرغم ممّا أوضحت له عبر المكالمة الهاتفية المذكورة، أراد أن يضيف إلى الخطأ خطأ آخر، فهو وإن كان لم يحضر شخصيّاً الندوة المذكورة آنفاً، واكتفى بحضورها بالضمير الغائب ـ إعرابيّاً ـ فلست أدري بأي الضمائر ـ الإعرابيّة ـ قد استمع الى ما قلت له عبر الهاتف حيث فاجأنا "بتصويب" أقلّ ما يقال فيه إنه أسوأ من الخطأ المذكور. حيث جاء في "تصويبه" في زاوية "الدنيا هيك" في العدد 738 ـ جريدة النهار الغرّاء الصادرة الخميس 20 شباط 1992 ـ ".. وكان قد ورد سابقاً في زاوية "الدنيا هيك" أن "الأديب جاد الحاج هو أوّل من قدّم فكرة حفل "توقيع كتاب" في أستراليا عندما قام بتوقيع كتابه "دارج" في محلّة "أشفيلد" تحت رعاية التجمّع الثقافي اللبناني ـ سيدني. الاستاذ كامل المرّ رئيس رابطة إحياء التراث العربي يرى غير ذلك قائلاً إن أوّل حفل توقيع كتاب أقامته رابطة إحياء التراث العربي في أستراليا وليس أحد غيرها. والمصادفة أنها أقامت حفل التوقيع بمناسبة صدور رواية "الأخضر واليابس" التي كتبها أيضاً الاستاذ جاد الحاج. يبقى أن التصويب لم يتم عبر اتصال هاتفي أو شخصي بكاتب "الدنيا هيك" الذي يرحّب ممنوناً بكل معلومة تصل لديه. إذ ارتأى الاستاذ المرّ أن يعلن ذلك بمناسبة أدبية أقامتها الرابطة احتفاء بصدور كتابين جديدين للشاعر شربل بعيني ـ سيدني والأديبة نجاة فخري مرسي ـ مالبورن. "الدنيا هيك" تلفت إلى أن ما يرد فيها ليس في عصمة بل قابل للنقض أو التصحيح على أن يكون ذلك بروح الزمالة والمحبّة.. والإفادة من وراء القصد". إلى هنا انتهى كلام الاستاذ مسلماني الذي احتوى مرّة أخرى خطأ أعتبره مقصوداً و"تحريفاً مقصوداً" للحديث الهاتفي الذي لم يذكره. فالرابطة لم تقم حفل توقيع بمناسبة صدور "الأخضر واليابس"، وكانت المناسبة توزيع جائزة جبران خليل جبران على مستحقّيها للعام 1987، وبناء على طلب بعض الأصدقاء وافقت الرابطة على إدخال عرض كتاب "الأخضر واليابس" على البرنامج رغم معارضتي. وفي ردّه على رسالة الشاعر شربل بعيني في زاوية "الدنيا هيك" في جريدة النهار الغراء العدد 740 الصادر في 5/3/92، أصرّ الاستاذ مسلماني على الخطأ ذاته، وأضاف الى ذلك أن قوّلنا ما لم نقل، ونحن ما زلنا أحياء فكيف لو احتوانا القبر؟، حيث جاء على لسانه: ".. وسبق أن نشرتُ أيضاً ردّ الاستاذ كامل المرّ الذي يقول فيه إن أول "حفل توقيع" هو من صنع رابطة إحياء التراث العربي وليس غيرها، ذلك عندما وقّعتْ كتاب "الأخضر واليابس" الذي صدف أن كان أيضاً لجاد الحاج". لماذا يصرّ الاستاذ مسلماني على ارتكاب الخطأ ذاته أكثر من مرّة؟. في الحقيقة لست أدري، ربّما كان السبب في أنه يريد أن يردّ لجاد الحاج جميله، حيث قال إن شوقي مسلماني مشروع شاعر، فأساء الى نفسه والى الآخرين. وتبقى الحقيقة ان أوّل كتاب عربي وقّع في أستراليا هو ديوان "الغربة الطويلة" للشاعر شربل بعيني ـ العام 85، ثم تلاه توقيع كتاب "شربل بعيني بأقلامهم" للاستاذ كلارك بعيني، وديوان "قال صنين" للشاعر نعيم خوري ـ العام 86، خلافاً لما يريد الاستاذ مسلماني متوافقاً مع الحقيقة والواقع لأن المحبّة التي لا تستند الى الحقيقة هي محبة زائفة.
ـ النهار، العدد 741، 12/3/1992
0 comments:
إرسال تعليق