إعلام دول الكيان وصف انعقاد محكمة " العدل" العليا بكامل هيئتها القضائية ال (15) يوم الثلاثاء 12/9/2023 باليوم التاريخي،وهذا الإنعقاد لا يكتسب أهميته من الإنعقاد للمحكمة بكامل هيئتها فقط،بل لأنه سيناقش قانون أساس جرى إقراره من قبل الكنيست ،قانون تقليص حجة المعقولية، الذي يؤثر بشكل كبير ومباشر على العلاقة ما بين محكمة " العدل" العليا والكنيست والحكومة،المحكمة التي انعقدت لثلاثة عشر ساعة ،والتي نظرت في طعون على القانون،قدمها مشرعون معارضون وجماعات رقابية،قالوا فيها بأن تلك التعديلات القضائية تطيح بالتوازنات والضوابط الديمقراطية المهمة وتشجع على استغلال السلطة.
في حين قالت الحكومة في ردها القانوني، على الطعن، إن المحكمة العليا ليست لديها السلطة حتى لمراجعة قانون "حجة المعقولية" الذي هو جزء من القانون الأساسي شبه الدستوري، مؤكدة أن نظر في الطعون يمكن أن "يؤدي إلى فوضى".،وبهذا الصدد قال وزير ما يعرف بالأمن القومي الفاشي بن غفير ،أنه في حال ألغت "المحكمة العليا قانون المعقولية فسيكون ذلك محاولة انقلاب"، مؤكدا أن "المحكمة العليا ليست فوق كل شيء"،في حين قال شريكه وتوأمه وزير المالية سموتريتش محذراً المحكمة من إلغاء القانون،من أن إلغاء التشريع سيكون بمنزلة تجاوز لحدودها. وأضاف "لا يملك أحد سلطة إلغاء قوانين الشعب".
وزير القضاء ياريف ليفين ونتنياهو اللذان يقودان مشروع قانون التعديلات القضائية منذ كانون الثاني من العام الحالي،هم يريدون السيطرة على منظومة القضاء وتحرير الكنيست والحكومة من سيطرة محكمة " العدل" العليا" التي يعتبرونها معقل ما يسمى باليسار،وهي منحازه سياسياً ،وأصلاً الإئتلاف الحكومي الذي أقيم ما بين اليمين المتطرف والفاشية اليهودية،واحد من أهدافه الرئيسية،سيطرت نتنياهو وإئتلافه على منظومات القضاء والأمن والتعليم.
وإقرار قانون حجة المعقولية ومن ثم إقرار قانون تغيير لجنة تعيين القضاء، مقدمة للسيطرة على المنظومة القضائية بشكل كامل،والتي يقول نتنياهو وياريف ليفين وفريقهم، بأن الهدف من هذه الإصلاحات والتعديلات،إعادة التوازن ما بين السلطات الثلاثة وتعزيز الديمقراطية،في حين ترى المعارضة والمنظمات الرقابية،بأن ذلك سيحول دولة الكيان الى كيان ديكتاتوري استبدادي ،شبيه بالنظامين الإيراني والكوري الشمالي على حد وصفهم.وبأن الهدف من هذه " الإصلاحات" المزعومة، تغيير قانون الحصانة البرلمانية لأعضاء الكنيست والوزراء ورئيس الوزراء، بحيث لا يواجهون التحقيق أو المحاكمة خلال توليهم مناصبهم، أي تشريع قانون يحصن نتنياهو وينقذه من المحاكمة،كما انه يمكن من عودة "أريه درعي" ،زعيم حركة "شاس" كوزير الى الحكومة،بعد ان أجبرت محكمة " العدل " العليا نتنياهو على إقالته على خلفية ملف تهم جنائية بحقه.
وكذلك هذه الإصلاحات تهدف إلى إلغاء بند "الاحتيال وخيانة الأمانة" في القانون الجنائي والعقوبات، بحيث يتحول السياسي والموظف الحكومي إلى رجل فوق القانون، وإلغاء هذا البند سيفضل المصلحة الشخصية للمسؤولين على الصالح العام.
الصراع في دولة الكيان يحتدم ويتعمق ،والإنقسامات تزداد وتتوسع ،وتصل الى المؤسستين الأمنية والعسكرية، ودولة الكيان تدحل في مرحلة اللا حسم واللا خروج السياسي ،وتتعمق أيضاً حالة اللا إندماج المجتمعي،ولذلك قضية الصراع على التعديلات القضائية،هي المفجر لتلك الخلافات والصراعات والإنقسامات، والتي قد تصل الى إذا ما إتخذت محكمة" العدل" العليا قراراً بشطب قانون " تقليص حجة المعقولية"،قد يقود ذلك الى مجابهة دستورية وفوضى ،وربما تصل الأمور حد الإغتيال السياسي،وعلينا ان نتذكر بإن تلك الإنقسامات وهذا الصراع يعود الى تشرين ثاني/1995 ،عندما أقدت الفاشية اليهودية على اغتيال رابين،تلك الفاشية نفسها التي حملت شارون ونتنياهو الى الحكم ...هذه الفاشية اليوم تنتقل من أطراف المشروع الصهيوني الى قلبه ،وباتت متحكم رئيسي في الحكومات " الإسرائيلية " بقاءً وسقوطاً،وهي تقود الصراع مع القوى الليبرالية الصهيونية على هوية الدولة ،صراع أيدولوجي وثقافي ،تريد أن تحول الدولة الى دولة شريعة "هالاخاه"،وهذا يعني بأن كيان الإحتلال،بات أمام تحولات كبرى،فلم تعد السيطرة للكنيست على الكنيس ولا الدولة على العصابة ولا الجيش على المليشيا،بل تلك التحولات تقول في ظل ما قاله رئيس الكيان الأسبق رؤوف زيفلين عن أن أربع قبائل تتقاسم الكيان، العلمانيون 38% و27% عرب، و25% يهود أصوليون دينيون و15% يهود صهاينة متطرفون، وتذوب كتلة العلمانيين برأي زيفلين تدريجياً لصالح تعاظم مكانة كتلتي الأصوليين الدينيين والصهاينة المتطرفين، اي جماعة الكنيس بدلاً من الكنيست.
نعم دولة الكيان ازماتها الوجودية والبنيوية والسياسية والمجتمعية تتعمق بشكل غير مسبوق ...وكذلك هي الإنقسامات التي تعيشها،والتحولات العميقة الجارية في داخلها،رغم ما قاله وزير حرب الكيان غالانت للمجلس الوزاري المصغر عن تلميحاته لمسؤولية كيانه عن الغارات التي شنتها طائرات سلاح جوه قبل ثلاثة أيام على الساحل السوري – طرطوس – وعلى مدينة حماة ،والتي أوقعت شهيدين من الجيش السوري وإصابة عدد أخر من الجنود والمواطنين ،بان هدير صوت طائرات الكيان،أعلى من أي شيء أخر في الخلفية"،وبأن " العبرة في الأفعال وليس الأقوال". ولكن لا يعني هذا بأن دولة الكيان لا تعيش هاجس الخوف الوجودي،فهي تنتقل إلى كيان تسيطر فيه العصابة على الدولة والمليشيا على الجيش والكنيس على الكنيست .
ومن هنا فإن مهاجمة المحامي إيلان بومباخ، ممثل الحكومة أمام المحكمة العليا، بشكل مباشر وثيقة الاستقلال التي أسست للهوية الإسرائيلية برمتها، قائلاً: "لا يمكن لأحد أن يصدق أن 37 شخصاً غير منتخبين نهائياً... ومن دون قصد منهم، وبعجلة من أمرهم، يصوغون لنا وثيقة بطريقة متسرعة نطلق عليها دستوراً تقيد كل الأجيال القادمة"، ما هو سوى تأكيد أن أساس المعضلة والخلاف بين مؤيدي التعديلات القضائية ومعارضيها ليس إلا خلافاً عميقاً ما بين مؤيد للهوية الإسرائيلية الصهيونية الحالية وفريق يسعى لصياغتها من جديد بحسب رؤيته الجديدة.
0 comments:
إرسال تعليق