1 - نشأة الغزل العذري والغزل الأباحي :
برزت في العصر الأموي ظاهرة قصائد الغزل العذري ومن بعده الأباحي ،أي أن الغزل أصبح غرضاً مستقلاً بذاته التخيلية ، وفناً مميزاً لقصصه الواقعية ، لا وسيلة صناعية للنفوذ إلى أغراض أخرى جاهلية ، ومثـّل العذري الأفلاطوني العفيف منه جميل بثينة وكثير عزة و مجنون ليلى العامرية وليلى الأخيلية صاحبة توبة بن حُمير ، وقام بمهام الأباحي الصريح عمر بن أبي ربيعة والأحوص والوليد بن يزيد (1) ، فالغزل العذري غزل بدوي عفيف عذب نشأ بين الفقراء الأصلاء المحرومين الذين ظلـّوا في باديتهم محافظين ملتزمين بالقيم المتوارثة غير العابثة والماجنة ، أمّا من توطـّن في المدينة المنورة عاصمة الخلافة ومقر التجارة في حجاز الجزيرة ، وهي حاضرة المسلمين ، فدرّت عليها الأموال ، وحجّ إليها - ومن حولها - الحجيج والضجيج ، فشعرها حضري، تطور في العصر الأموي بعد ضخ المغانم والجواري إليها من عاصمة الخلافة الجديدة (دمشق) ، لإسكاتها وعكفها عن التدخل في الشؤون السياسة ، رماها للفراغ والثراء , ومن بعد ذلك للخلاعة والمجون والغناء والموسيقى ، فتولد بعد التطور الشعر الأباحي العمري ، نسبة إلى عمر بن أبي ربيعة ( ت 93 هـ / 711 م ) الذي يقول بالصريح دون الحاجة للتلميح !! :
لَيتَ هِنداً أَنجَزَتنا ما تَعِدْ*** وَشَفَت أَنفُسَنا مِمّا تَجِدْ
وَاِستَبَدَّت مَرَّةً واحِدَةً **** إِنَّما العاجِزُ مَن لا يَستَبِد
زَعَموها سَأَلَت جاراتِها**** وَتَعَرَّت ذاتَ يَـومٍ تَبتَرِدْ
أَكَما يَنعَتُني تُبصِرنَني *** *عَمرَكُنَّ اللَهَ أَم لا يَقتَصِد
فَتَضاحَكنَ وَقَد قُلنَ لَها*** *حَسَنٌ في كُلِّ عَينٍ مَن تَوَد
غادَةٌ تَفتَرُّ عَن أَشنَبِها**** * حينَ تَجلوهُ أَقـــاحٍ أَو بَرَد
وَلَها عَينانِ في طَرفَيهِما*** *حَوَرٌ مِنها وَفي الجيدِ غَيَد
طَفلَةٌ بارِدَةُ القَيـظِ إِذا **** مَعمَعانُ الصَيفِ أَضحى يَتَّقِد
سُخنَةُ المَشتى لِحافٌ لِلفَتى** تَحتَ لَيلٍ حينَ يَغشاهُ الصَرَد
وَلَقَد أَذكُرُ إِذ قُلـــتَ لَها ***** وَدُموعي فَوقَ خَدّي تَطَّرِد
قُلتُ مَن أَنتِ فَقالَت أَنا مَن*** ** شَفَّهُ الوَجدُ وَأَبلاهُ الكَمَد
نَحنُ أَهلُ الخَيفِ مِن أَهلِ مِنىً*** **ما لِمَقتولٍ قَتَلناهُ قَوَدْ
قُلتُ أَهلاً أَنتُـــمُ بُغيَتُنا **** *فَتَسَمَّينَ فَقالَـــــــــت أَنا هِندْ
إِنَّما أَهلُكِ جيـــرانٌ لَنا ***** إِنَّمــــا نَحنُ وَهُم شَيءٌ أَحَدْ
حَدَّثوني أَنَّها لـــي نَفَثَتْ **** * عُقَداً يــا حَبَّذا تِلكَ العُقَد
كُلَّما قُلتُ مَتــــى ميعادُنا***** ضَحِكَت هِندٌ وَقالَت بَعدَ غَد
وكان هذا العمر عدّيد الحبيبات والعشيقات ، كثير المغامرات، يقص علينا بقصائده ما يشاء دون رادع ، ويصور لنا المفاتن دون خجل من حياء، أو يشهر الحوار بلا تردّدٍ و أسرار، اقرأ ما يقول :
حينما أبصرنني ينعتنني**** نحو ذاك المجد يعدو بي الأغر
قالت الكبري: أتعرفن الفتى*** قالت الوسطى: نعم هذا عمر
قالت الصغرى وقد تيمتها****قد عرفناه وهل يخفى القمر
على حين ترى الحرمان والبكاء واللوم والعفاء في شعر قيس بن الملوح مجنون ليلى العامرية (ت 68 هـ / 687 م) ، إقرأ بلوعة ما يقول :
وبي من هوى ليلى الذي لو أبــثه **** جمـــاعة أعدائي بكت لي عيونها
أرى النفس عن ليلى أبت أن تطيعني*** فقد جنّ من وجدي بليلى جنونها
ولما جمع والد قيس أعمامه وأخواله وأقرباءه , ولاموه على أن يتركها فأجابهم شعراً :
وقد لامني في حب ليلى قرابتي***أبي وأين عمي وإبن خالي وخاليا
يقولون ليلى أهـــل بيت عداوةٍ *****بنفسي ليلى مــــن عدوٍ ٍوماليا
ولو كان في ليلى شذاً من خصومةٍ ** لألويت أعناق الخصوم الملاويا
أرى أهل ليلى لا يريدون بيعهــا***** بشيءٍ ولا أهلي يريدونها ليا
ألا يا حمامات الـــعراق أعنـّني ***** على شجني وابكين مثل بكائيا
يقولون ليلى بالعراق مريضة ً ***** فيا ليتني كنت الطبيب المداويا
فيا عجبا ممن يلوم على الهوى**** فتىً دنفاً أمسى من الصبر عاريا
فان تمنعوا ليلى وتحموا بلادهـــا ***** عليَّ فلن تحموا عليَّ القوافيا (2)
لا أراك إلاّ ممعناً في التأمل بين عشق خليع مترف مخمور لاهٍ ماجن وحبٍّ عذريٍّ محروم ٍ عفيفٍ ملام ٍ، والشعراء بين هذا وذاك يصفون الأهواء والعواطف والأحاسيس من تحفز وترقب ولهو وعبث وهجر وفراق ولوعةٍ وشجو ٍعلى مسرح الواقع المحسوس والملموس ، أو التخيل الملام الممنوع .
2 - فخر الموالي بأمجادهم ردّاً على تعصب السلطة الأموية وبزوغ ظاهرةالشعوبية في الشعر :
برزت ظاهرة الموالي بوضوح وبشكل مؤثر بعد الفتوحات الإسلامية , وبما أنّ الفرس أول أمّة دخلت للإسلام بعد العرب ولقربهم من العراق والحجاز , لا ريب قد انتشروا بأعداد هائلة في هذه الأقاليم ، ومن قبل - في العصر الجاهلي - كان العرب أنفسهم تحت الوصاية الفارسية والرومية ، لذا كان عددهم قليلاً , ويطلق عليهم وعلى غيرهم طبقة العبيد ، وعندما طلـّت الدولة الأموية ، و كانت عروبية النزعة والتسلط والقيادة ، قد والى بعض الأعاجم من الروم والأحباش والهنود وكثرة من الفرس قبائل عربية ليستندوا عليها في تبوأ المراتب الثانوية في الدولة ، أو لتمشية أعمالهم , وتسهيل معيشتهم بادئ الأمر , فدعاهم العرب بالموالي , في أواخر الدولة الأموية قد نشأ أبناؤهم وأحفادهم نشأة عربية ، وشبّوا عليها , فأصبح منهم الشعراء والكتاب ، فأخذوا يفتخرون بنسبهم وأصلهم .
يذكر عبد اللطيف أرناؤوط للولاء في معجمات اللغة معان متعددة تدور كلها حول خمسة معان أساسية هي : السيادة والقرابة أو العصبة والنصرة أو التأييد والصحبة أو المعاشرة والمحبة، والاسترقاق، ويمكن رد هذه المعاني إلى أصل واحد هو النصرة، والمولى في اللغة من الأضداد فهي تدل على السيد المالك والعبد المملوك , وللدكتور (محمد مقداد) كتاب بعنوان (الموالي ونظام الولاء.. من الجاهلية حتى آخر العصر الأموي) دراسة من ثلاثة أجزاء ، جمع في جزءيه الأخيرين أشعار حوالي - 90 - شاعراً من الشعراء الموالي في عصر بني أمية، مع دراسة أدبية لهذه الأشعار، وسبقه في هذا المجال الباحث محمد الطيب النجار في كتابه: "الموالي في العصر الأموي" (3) ، يثبت الباحثون .
تقدير العرب للموالي كمدح جرير لهم في إحدى قصائده إذ يقول :
وأبناء اسحق الليوث إذا ارتدوا **** محامل موت لابسين سنوّرا
إذا افتخروا عدوا الصَّهَبَّذَ منهم **وكسرى وآل الهرمزان وقيصرا
لقد جاهد الوضاح بالحق معلما**** فاورث مجدا باقيا اهل بربرا
ابونــا خليل الله، والله ربّـــنا **** رضينا بمـا اعطى الاله وقدرأ
كما ترى أنّ جريراً لم يخص الفرس وحدهم بالمولاة، بل ضمهم مع الروم والبربر، ورجّع الأنساب إلى إبراهيم الخليل بعيداً عن التعصب القبلي والعرقي، والحقيقة هذه عقيدة الإسلام ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) ، بل أنّ العرب في ذلك الزمان البعيد تزوجوا منهم، وزوجوهم العربيات
عملاً بقول النبي الكريم (ص) : "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه" ، ولكن السلطة الأموية كانت تفضل العنصر العربي على غيره من أتباع الدولة ، فانبثقت الشعوبية التي نادت بالمساواة بادئاً ، وهذا حق شرعي نادى به الإسلام أصلاً ، ثم انحرفت كرد فعل ، وفخرت بأرومتهم حتى تمادت واحتقرت أمّة العرب، فوقعت في الخطيئة نفسها ، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وإذا أردنا قول الحق نستشهد بالدكتور طه حسين في (أدبه الجاهلي) قائلاً : " كان بني أمية يشجعون أبا العباس الأعمى ، وكان آل الزبير يشجعون إسماعيل بن يسار ، وكان هذان الشاعران يستبيحان لأنفسهما هجو أشراف قريش خاصة والعرب عامة في سبيل التأييد لآل مروان وآل حرب وآل الزبير ." (4)
توفي أبو العباس الأعمى سنة ( 136 هـ / 754 م)، و إسماعيل بن يسار سنة ( 130 هـ / 748 م) .
في أيام هشام بن عبد الملك يفتخر إسماعيل بن يسارفي قصيدتين على الأقل مما وصلنا من شعره كما روى أبو الفرج في (أغانيه ) ، إذ صرح أمام الخليفة الهشام نفسه بفخره قائلاً :
إنـي وجـدِّك مـا عـودي بـذي خــور ٍ***عنـد الحـفـاظ ولا حـوضـي بمـهـدوم ِ
أصلـي كريـمٌ ومجـدي لا يقـاس بــهِ ***ولـي لـسـانٌ كـحـد السـيـف مسـمـوم ِ
أحمـي بـه مـجـد أقــوام ٍذوو حـسـبٍ*** مـن كـل قـرم بـتـــاج المـلـك معـمـوم ِ
حجاحج ســــادة بُلْـــــــج مرازبــــــة ***** جـرد عِتـــاق مساميـــح مطاعيم ِ
مَنْ مثلُ كسرى وسابور الجنود معَاً ***** والهرمـــزان لفخــرٍ ٍ أو لتعظيــــم ِ
أُسد الكتّائب يوم الرَّوع إن زحفـــوا ***** وهــــم أذلُّــوا ملوك التـرك والروم ِ
يمشون في حلـــق المــــاذي سابغـةً ****** مشي الضراغمة الأُســد اللهاميم ِ (5)
والحموي يعرف بأبي العباس الأعمى المولى مدّاح بني أميّة في ( معجم آدابه ) قائلاً : " أبو العباس الضرير المكي الشاعر، مولى بني جذيمة ابن عدي بن الديل. سمع عبد الله بن عمرو بن العاص، وروى عنه عطاء وحبيب بن أبي ثابتٍ وعمرو بن دينار ووثقه أحمد، وروى له البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة، وكان منحرفاً عن آل أبي طالبٍ مائلاً إلى بني أمية مادحاً لهم، وهو القائل لأبي الطفيل عامر بن واثلة وكان شيعيا :
ًلعمرك إنـّني وأبا طفيل ٍ ***** لمختلفان والله الشــــهيدُ
لقد ضلّـّوا بحب أبي ترابٍ***كما ضلـّت عن الحق اليهودُ " (6)
ويروي صاحب الأغاني عنه هذا الخبر الطريف مع الشاعر الأباحي عمر بن أبي ربيعة : "
أن عمر بن أبي ربيعة كان يرامي جارية لأبي العباس الأعمى ببنادق الغالية فبلغ ذلك أبا العباس فقال لقائده قفني على باب بني مخزوم فإذا مر عمر بن أبي ربيعة فضع يدي عليه فلما مر عمر وضع يده عليه فأخذ بحجزته وقال :
ألا من يشتري جاراً نؤوماً ***** بجار ٍلا ينامُ ولا ينيمُ
ويلبسُ بالنهار ثياب ناس ٍ** وشطر الليل شيطان رجيمُ (7)
ولكن الشاعر الفحل من هذه الطبقة الموالية المخضرم المجدد البصير بلا بصر بشار بن برد الذي قتله الخليفة المهدي بالسياط في البصرة تحت طائلة الزندقة سنة (168 هـ / 784م)، وسنأتي عليه في الثورة التجديدية العباسية ، ولابأس أن نقدمه الآن تمهيداً للقادم من الأيام ، والرجل تعرض للعرب بفحش بالغ غلب فيه من سبقه متجاوزاً الخاص للعام تحت ضغط الأزدراء والدونية من قبل مجتمع متعصب لعروبته , فلمّا استصغر شأنه عمروفي البصرة بقوله : من أين يأتي للموالي الشعر ؟ ! ردّه بعنف قائلاً :
ارفق بعمرو إذا حركت نسبتهُ ***** فإنـه عربيّ ٌ من قوارير
ما زال في كير حداد يردّدهُ ***** حتى بدا عربياً مضلم النور
إِنْ جَازَ آباؤُه الأَنْذَالُ في مُضَرٍ**جازت فلوس بخارى في الدنانير
واشدُدْ يَدَيْكَ بِحَمَّادٍ أبي عُمَــــــر****فأنـــــه نبطيٌّ مـــــن زنابير
والنبطي في عصرهم كالمعيدي في عصرنا ، ولو أن كلمة المعيدي لها جذور تاريخية عميقة من العصر الجاهلي , وله أبيات أخرى في هذا المجال الشعوبي الشاعري , إذ عمّمَ ظالماً على مَنْ أثاره عالماً ، وبشار ما أدراك بسلاطة لسانه ، وخبث طبعه ، وجرأة قوله :
أعـــاذل لا أنــــــام على اقتسار*** ولا ألْـــــــقى على مــوْلى و جــــــــار
سأخبر فــــــاخر الأعراب عـني *** و عنه حيـــــــن بــــــــــــارز للـفخـار
إذا انقلب الزمــان عــلا بعـــبْــدٍ ****و سفّـــل بالبطـَـــاريـــــق الــــكبــــار
أحيـــن لبست بعد العـُـرْيِ خَــزاً ****و نــــا دمْـــت الكــرام على العقــــار؟
تفـــاخـــْر يا بْن راعيـــة و راع ٍ ****بني الأحــــــرار ؟ حسبك من خســـار!
لعمْـــُر أبي لقـــد بدّلـْــــتَ عيشًاً **** بـعيْــشك و الأمــــــور إلى مجــــــــار
و كنت إذا ضمئْـــتْ إلى قـــراحٍ ***** شركْـــت الكلب فــــــي ذاك الإطـــــار
مقــــــامك بيننا دنـــــــس علينا *****فليتــــــــك غــــــــائب في حرّ نـــــــار
إنـّا لله وإنا إليه راجعون , وكلّ ٌ منـّا دافن ٌ ومدفون !
3 - بروزالرجز والرجّاز :
أمّا على مستوى البحور فمثلاً الرجز مال إلى الإطالة ، وكان أول من رجز الأراجيز الطوال من العرب ، وجعل الرجز كالقصيد بدءاً وطولاً وأغراضاً هو الأغلب العجلي من مخضرمي الجاهلية والإسلام ، وساعده على إداء رسالته الرجزية عمره الطويل , فما مات إلا بعد هجرته للكوفة ومشاركته في الفتوحات مع سعد بن أبي وقاص ، واستشهد في معركة نهاوند ( 21 هـ ) ومن قوله - وتنسب إلى غيره وبرويات أخرى - :
طول الليالي أسرعت في نقضي ***أخذن بعضي وتركن بعضي
حنين طولـي وحنين عرضـي *** أقعدنني مـن بعد طول نهضي (8)
ثم سلك الرجاز بعده طريقته كالعجاج ، ورؤبة ابنه ، وعقبة بن رؤبة , وغيرهم من الرجاز الذين رفعوا هذا الفن حتى ازدهر في القرن الثاني , وقد كان تأخر الرجز في النضوج , واستعماله في الخطرات الخفيفة ، وقصوره عن القيام بحاجات العصر من فخر وهجاء ، وملل الناس من أعاريض بعينها في كل مقام , كل أولئك كان يوقع في نفوس بعض الرجاز أنهم أدنى من الشعراء مكانة (9)، ومن هنا تدرج المعنى إلى عصر المعري (ت 449 هـ) فعدّه في المرتبة الأدنى شعراً ، وكرر هذا في في (لزومياته) , إذ يقول :
ومَنْ لمْ ينلْ في القول رتبة َشاعر ٍ*** تقنـّع في نظم ٍبرتبة راجز ِ
وقوله :
ولم أرقَ في درجات الكريم *** وهل يبلغْ الشاعرَ الراجز ُ
وقوله :
قصرتَ أنْ تدركَ العلياءَ في شرفٍ *** إنَّ القصائد لمْ يلحقْ به الرجزُ (10)
والحق لم تصلنا معلومات يمكن أن نعتمد عليها لمعرفة جودة الرجز وتقييمه سوى تهكم واستهزاء أبي العلاء بالرجاز في (رسالة غفرانه) في معرض استفساره عن (جنة الرجز ) الخربة من ابن القارح ، ومع هذا فقد تسلم راية الرجز بعد الأغلب العجلي العجاج السعدي ( ت 97 هـ ) , فنهض به وعدد أغراضه , ووسع آفاقه حتى أنّ أرجوزته المقيدة التي مطلعها ( قد جبّر الدين الإله فجبرْ) تبلغ مائتي بيت ، كما يذكر يونس بن حبيب الذي نعته " أشعر أهل الرجز والقصيد" ، ركز على كلمة (القصيد) ، وتصور إلى أين بلغت رتبة الرجز في ذلك العصر ,, وورث رؤبة ابنه المتوفي (147هـ) منصة الحلبة , وفاز عليها , وهو صاحب الأرجوزة:(وقائم ِالأعماق ِخاوي المخترق ْ) وعاصره السعدي ابن الأغلب ونعني به أبو النجم العجلي (ت 130 هـ)، وله أرجوزته ( تذكـّر القلبُ وجهلاً ما ذكرْ ) ، وتنافس الرجاز ، فتحمس الناس لهم ، لذلك يعد الدكتور جميل سلطان عصرهم " كان العصر الذهبي للرجزالربع الأخير من القرن الأول ، والربع الأول من القرن الثاني للهجرة أي ما بين سنتي 60 و 120 ،ففي هذه الحقبة لم تنبغ جماعة عاملة في الرجز فحسب حتى انتصفت من الشعراء ، بل تأثر الشعراء بهذه الظاهرة الجديدة أيضاً ..." (11) .
ويتميز الرجز بسهولة نظمه وحفظه , لالتزام صدره وعجزه بقافية واحدة , وفي العصر العباسي سهّل نظمه بتباين أبيات القصائد المطولة في قافيتي شطري البيت الواحد ، فأصبح لكلّ بيت قافيتان خاصتان به مما جعل الشاعر لا يلجأ لغرائب الألفاظ , فنظم الشعراء الأراجيز على بحره كأبي العتاهية في ذات أمثاله , وابن المعتز في وصف طبيعته ، وابن عبد ربه في تاريخ ملوك أندلسه ، وركب مطيته علماء النحو واللغة والرياضيات لتدوين علومهم حتى تتدوالها السن الأجيال ، وفي عصرنا طوّعه رواد الشعر الحر (التفعيلة) لصالح تجربتهم ليأتي شعرهم سهل النظم، طيّع الألفاظ للأغراض المختلفة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (تاريخ الأدب العربي ) : حنا فاخوريم . س .
(2) (المرقصات و المطربات) : ابن سعيد الأندلسي - - الوراق - موقع الموسوعة الشاملة - مع بعض التنقيحات .
(3)
(44) http://www.dahsha.com/old/viewarticle.php?id=26809
مقال - الموالي ونظام الولاء من الجاهليّة حتى آخر العصر الأموي - عبد اللطيف أرناؤوط
(4) (في الأدب الجاهلي ) : الدكتور طه حسين صفحة:الكتاب الثاني : أسباب انتحال الشعر.
(5) (الأغاني) : ج 4م. س .
(6) ( معجم الأدباء) : ياقوت الحموي -- الوراق - موقع الموسوعة الشاملة .
(7) ( الأغاني ) : - م . س .
(8) (خزانة الأدب ) : البغدادي - ج ٤- مكتبة الشيعة , وراجع : فرحة الأديب : الغندجاني - - الوراق - الموسوعة الشاملة , كتاب الشعر : د . جميل سلطان - منشورات المكتبة العباسية .
( 9) تاريخ النقد ...) : طه أحمد... - م . س .
(10) (كتاب الشعر) : د. جميل سلطان -- م. س .
(11) م . ن.
0 comments:
إرسال تعليق