في الثامن من مارس 2020، احتفل العالم باليوم العالمي للمرأة تحت شعار «أنا جيل المساواة: أعمال حقوق المرأة»، ويهدف هذا الشعار الذي يتماشى مع حملة الأمم المتحدة للمرأة الجديدة متعددة الأجيال، وهي جيل المساواة الذي يوافق الذكرى الخامسة والعشرين لإعلان منهاج عمل بيجين الذي اعتمد في عام 1995 في المؤتمر الرابع المعني بالمرأة في بيجين - الصين، باعتباره خريطة الطرق الأكثر تقدمية لتمكين النساء والفتيات في كل مكان، ويعد عام 2020 عامًا محوريًا للنهوض بالمساواة بين الجنسين في جميع أنحاء العالم.
في مقال سابق، أشرنا إلى أن ما يجب أن نعيد النظر فيه تلك التشريعات والممارسات التي تكرس ثقافة التمييز ضد المرأة، هذه الثقافة تعكس انتقاصًا من حريتها وحقوقها ودورها الاجتماعي ومساواتها مع الرجل.
إن تحرير المرأة من هذا الواقع مرتبط مع تحرير المجتمع من كل أشكال الاضطهاد الطبقي والقومي والاثني والديني، هذا ما أشار إليه فريدريك إنجلز في مؤلفه «أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة»، ولا يمكن للمجتمع أن يتطور ويتقدم وحقوق المرأة منقوصة، وأن رفع الحيف عنها والانعتاق من أسر التخلف واستبداد الذكورية والمجتمع مسؤولية المرأة والرجل المستنير معًا، وإذا كان التقدم الاجتماعي يقاس بتقدم النساء ودرجة إسهامهن في تطور ورقي المجتمع، فإن «مساواتها في القانون والتشريعات لا يعني مساواتها في الحياة» (لينين)، فالمرأة البحرينية التي احتفلت بهذه المناسبة أسوة بنساء العالم ناضلت لعقود طويلة ضد الاستعمار والقهر والتسلط وسوء توزيع الثروة، وهاهي تطالب بإعادة النظر في المادة (353) من قانون العقوبات التي تنص على إعفاء المغتصب من العقوبة في حال زواجه من المجني عليها، كما أكد الاتحاد النسائي البحريني أن المادة سالفة الذكر لا تنصف المرأة لأن ما ورد فيها يهين المرأة في حال اغتصابها، في حين أن دولاً كثيرة عملت على إلغاء هذه المادة من تشريعاتها الخاصة بحماية المرأة من العنف؛ لأن هذه المادة تشكل إهدارًا لحقوق وكرامة المرأة المنصوص عليها في الدستور البحريني (مادة 18).
إن قضية المرأة قضية مجتمع لا يستطيع أن يتقدم من دون أن يكون ديمقراطيًا، ولا يمكن أن يحقق أهداف التنمية من دون مساواة المرأة وإشراكها في مختلف المجالات.
وحينما نتحدث عن مكتسبات المرأة البحرينية نتحدث عن حقوقها السياسية -حق الترشح والتصويت-، وهو خطوة نحو تعزيز مكانة المرأة في المجال السياسي، ومع أهمية ذلك يظل واقع المرأة يترنح بين دهاليز التهميش والعنف والتعسف من قبل أعداء تحرر المرأة وأعداء الديمقراطية ومساواتها مع الرجل في الحقوق والواجبات!
إذن فالمسؤولية تجاه المرأة لا تتحدد بتقدم القوانين والتشريعات فقط، بل بالتزام بها على صعيد الممارسات والتطبيق، وهذا مرهون بدور الجمعيات النسائية والسياسية التقدمية للنهوض بواقع المرأة نحو المساواة الكاملة واحترام كيانها وحمايتها من العنف الأسري والجنسي، والتمييز على صعيد القوانين المتعلقة بالزواج والطلاق والحضانة والإرث والولاية... إلخ.
تحت وصاية الإسلام السياسي عانت المرأة البحرينية -ولا تزال- شأنها شأن المرأة في الدول العربية من الفتاوى المتزمتة التي تكرس النظرة الدونية لها ومن حرمانها من الحقوق الأسرية، ولنا مثال على ذلك ما حدث قبل سنوات من اعتراض القوى المتأسلمة على قانون الأحوال الشخصية أو بالأحرى قانون الأسرة، وهناك الكثير من الأمثلة على الفكر الديني المتعصب الذي يقيد المرأة بقيود العصور الوسطى!
ولطالما الحديث عن الدفاع عن حرية المرأة وحقوقها في المجتمع التي هي مدافعة عن حرية المجتمع بأكمله، يرى الماركسيون وهم على حق حينما أشاروا في بحوثهم ودراساتهم عن تحرر المرأة إلى اعتباره قضية ملحة وعاجلة في النضال التحرري من العبودية واستبداد الأنظمة والتيارات الدينية الطائفية المناهضة للتقدم والديمقراطية والحداثة والثقافة المستنيرة، وعن هذه القضية قالوا: من الخطأ التصور أن الماركسية نظرت إلى تحرر المرأة في مستوى العلاقات الاقتصادية الإنتاجية فقط، ولكن للمسألة شقها الثقافي الذي يتعلق بالبنية الفوقية للمجتمع، فمجرد تحرير المجتمع من الاضطهاد الطبقي ومساواة المرأة مع الرجل في الأجر وبقية الحقوق، لا يعني ذلك أن قضية المرأة قد تم حلها، ذلك أن القضية المرأة شقها الثقافي والذي يتعلق بالصراع ضد الأيديولوجية التي تكرس اضطهاد المرأة ودونيتها والتي هي نتاج قرون طويلة من قمع المرأة، وبالتالي لا بد من مواصلة الصراع في الجبهة الثقافية أو البنية الفوقية للمجتمع ضد الأفكار والمعتقدات التي تنظر للمرأة نظرة دونية ترسّخت في مجتمعات الرق وحتى الرأسمالية التي تعيد إنتاج عدم المساواة في توزيع الثروة بين البلدين المختلفة الرأسمالية، وتعيد إنتاج عدم المساواة بين المرأة والرجل وتجعل منها سلعة وأداة للمتعة والدعارة وأداة للإعلان والدعاية إضافة للقهر الطبقي والثقافي والاثني والجنسي.
ترى الدراسات والبرامج التقدمية أن التمييز بحق المرأة هو أحد السمات المميزة للعالم المعاصر، ففي القسم الأكبر من دول العالم تحرم المرأة بشكل رسمي وقانوني حتى من نفس الحقوق والحريات التي يتمتع بها الرجل، وفي البلدان ذات الاقتصاد الأكثر تخلفًا والمجتمعات التي يكون فيها الموروثات القديمة والتقاليد البالية على النظام السياسي والأواري الثقافي للجمتمع أكثر عمقًا، يتجلى اضطهاد المرأة وحرمانها من الحقوق ومكانتها الدنيا بأوضح الأشكال وأكثرها فظاظة.
وفي البلدان الأكثر تقدمًا وتحضرًا، وحتى في المجتمعات التي تم فيها ظاهريًا إلغاء التمييز وفقًا للجنس من الجزء الأكبر من القوانين بفضل الحركات المدافعة عن حقوق المرأة، فإن المرأة في خضم آليات السوق الرأسمالي والتقاليد والمعتقدات البطريركية الجارية في المجتمع، لا تزال تتعرض عمليًا من نواحٍ عديدة للتمييز والاضطهاد.
إن مواجهة العقبات التي تحد من حقوق المرأة يتطلب العمل الدؤوب من قبل المرأة والرجل المؤمن بحقوقها وبترابط مصالحها ومصالح المجتمع مع الحداثة والتحديــث وفــصل الدين عن السياسة والتصدي لآفة الطائفية، والعمــل على كسر قيــود التخلف المفروضة على المرأة والرجل والمجتــمع عامــة وإشاعة الديمقــراطية والحقوق المتساوية.. كل التقديـر لنساء وفتيات بلادي وكل نــساء العالم بمناسبة يوم المرأة العالمي.
0 comments:
إرسال تعليق