كان أستاذ اللغة الفرنسية عادلاً معنا أو هذّا ما كان يعتقده ، فعقابه كان يختلف عن باقي أساتذة المواد الأخرى!
لا العصا البلاستيكية الصلبة ، ولا استدعاء الأولياء ولا الإحالة على المجلس التأديبي وإنما يحشر التلميذ المُعاقب في زاوية حجرة الدرس الخلفية وينهالُ عليه بالضرب والركل ويشدّد علينا أن لنا الحق في الدفاع أن أنفسنا والعراك معه!
يفعل ذلك فقط لأنه يمارس رياضة الكاراتيه ومتمكن فيها منذ أن كان طالبا في معهد المعلمين!
جميعنا كنا نتعرض لذلك العقاب إلا النجباء ! و في كل حصة يطلب منا أن نوجه له الضربات بغض النظر أنه أستاذنا ! ولم يتمكن أحد من تفادي لكماته السريعة وركلاته الخفيفة إلا زميلنا جمال! كان يتجنبها بمهارة حيرتنا وحيرت الأستاذ أيضا...
كان في الغالب يعاقبه بسب الإهمال وعدم اهتمامه بدفاتره فمستواه في اللغة الفرنسية كان متوسطاً...
في احد الأيام اكتشفنا أخلاق جمال وعرفناه حق المعرفة! ولا أحد منا يستطيع أن يدانيه في حسن السلوك! إذ اشتبك أخاه الصغير في نقاش مدرسي مع زميل له انقلب الى شجار دامي ، وهذا الزميل اشتكى الى أخاه الأكبر فأوسعه ضربا ً ... ولم يشأ جمال أن يتدخل في النزاع بين أخاه وزميله لكن تدخل أخ ذلك الزميل أفسد كل شيء !
ضربه حتى رعف ثم شتمه فاضطر جمال للتدخل رغم أن أخ ذلك الزميل أكبر من آخيه ومنه هو بسنوات!
قام جمال بتأديبه وقد شاهدنا ذلك بأنفسنا ... قام بحركات كاراتيه سريعة أردته أرضا في لحظات ثم أنقض عليه بمهارة جعلته يفر باكياً شاتماً...
حركاته كانت أكثر رشاقة ونافذة من حركات أستاذ اللغة الفرنسية!
بعد ثلاث أيام اقتربنا منه ورجوناه أن يخبرنا فقال بأنه يمارس رياضة الكاراتيه منذ مدّة ليست بالقصيرة لذلك هو يتجنب لكمات أستاذنا بمهارة ، فلا يستطيع أن يصل الى بطنه أو وجهه!
واستفسرنا إذ كان بإمكانه أن يطرح الأستاذ أرضاً فزعق في وجوهنا : محال حتى وإن استطعت فلا أفعل لأن ذلك لا يجوز في الكاراتيه! في الكاراتيه من العار أن يعارك التلميذ أستاذه !
وتوسلنا اليه بأن يفعل ذّلك ولو مرة واحدة ورفض ، فتضرعنا اليه أن يُوصل اليه لكمة واحدة الى بطنه أو رفسة الى ركبته لكنه ردّنا مصراً على أن الكاراتيه أخلاق قبل أن تكون هجوم ودفاع!
لكن صرخنا بأعلى صوتنا: ــ أستاذنا مغرور ... نحن نترجاك يا جمال! ... والأستاذ سمح لك بأن تصرعه ...
أصر على رأيه غير ممكن: احترام المعلم أس من أسس الكاراتيه، بل وأهم من تقنيات ومهارات القتال!
غمزّني أحد زملائي وهمس في أذني : ــ سوف نقول للأستاذ أن جمال يتحداه في نزال عادل في قاعة التدريب بالمركز الرياضي .
0 comments:
إرسال تعليق