ما أن انتشر فيروس كورونا، حتى انتشرت الكثير من الخرافات والشائعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إحدى هذه الوسائل تذكر إن العلاقة الحميمية تنقل فيروس الكورونا بين الطرفين، وإن الفسيخ (أكلة مصرية عبارة عن سمك مخمر أو مجفف مملح) قاتل طبيعي للفيروس، ويمكن استخدامه لعلاج الحالات المصابة، على رغم أن كثيرين من الأطباء يحذرون من تناول الفسيخ عمومًا لاحتوائه على أنواع معينة من البكتريا، تسبب التسمم والوفاة في بعض الحالات.
ومن تلك الشائعات والخرافات قال أحد رجال الدين إن فيروس «كورونا» لا يصيب المؤمنين المخلصين في إيمانهم، بل لعله لا يصيب المسلمين الملتزمين بأحكام الشريعة، والفيروس عقاب للبشر على ما كسبت أيديهم.
الخرافات مصدرها ثقافي أو ديني (الاثنين معًا في كثير من الأحيان) وكل الشعوب والملل لها خزعبلاتها وخرافاتها ويهمنا هنا الخرافات العربية والاسلامية.
وتعليقًا على ذلك، يقول د. مصطفى بهران، فمنذ ظهر هذا وباء الكورونا تمطرنا صفحات الانترنت العربية والاسلامية بقدر لا بأس به من الرؤى المفرطة خزعبلاتيًا وخرافيًا، فعلى سبيل المثال هناك من يعتقد أن الدعاء يعتبر علاجًا للأمراض، وهذا خلط للأوراق ليس إلا، لأن الدعاء جميل لمن يقوم به ومريح للقلب والوجدان، أي إنه روحي وليس مادي، ولا قيمة له فعلية على الإطلاق في مقأومة الوباء أو العلاج، إلا ربما في استجابة الخالق للداعي في أن يهديه للاستعانة بالعلم وليس الخرافة في هذا الشأن.
ثمة قنوات محسوبة على الإسلام السياسي في مصر وفي دول إسلامية أخرى تروج لأفكار خرافية حول طريقة علاج الأمراض.
يقول أحد المواقع: كانت آخر هذه الألاعيب هي (بيزنس الطب) من خلال الدين، حيث خرج شيخ دين يزعم بقدرته على علاج المواطنين من خلال الجن، مدعيًا علاقته بالجن الذي يمكنه من معالجة أي شخص يعاني من مشكلة أو مرض، ليخرج بعدها شيخ آخر على إحدى القنوات الإسلامية ليزعم إن كورونا يتم معالجته بالنقاب والوضوء.
للدكتور عبدالرحيم جاموس رأي يقول فيه ما إن أعلنت الصين عن تفشي كورونا في مقاطعة ووهان، وعن إجراءاتها الوقائية والعلاجية حتى بدأت التفسيرات غير العلمية من قبل النشطاء العرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، معتبرة أن تفشي هذا الوباء عقوبة من الله بسبب سوء (معاملة المسلمين الايجور)، ومن الاتهامات التي تكال للصين إنها قد فقدت السيطرة على تجاربها في تحضير الفايروس مما أدى إلى انتشاره، والأمر أيضًا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية إنها نشرت الفايروس في سياق حربها البيولوجية غير المعلنة تدعيمًا لحربها التجارية والاقتصادية مع الاقتصاد الصيني الذي يمثل التهديد المباشر لتفوق الاقتصادي الأمريكي على المستوى العالمي إلى جملة من الشائعات التي لا تستند إلى أي منطق علمي.
عند خروج الوباء خارج الصين فقد سقطت التفسيرات الخاصة بعقوبة الصين الإلهية والانتقامية سواء كانت ربانية أو من دول أخرى حيث لم يعد أحد في مأمن..
فقد اخترق الفايروس حدود الدول كافة شأنه شأن أي وباء يفترض اتخاذ جميع الإجراءات الوقائية لمحاصرته والحد من انتشاره، في الوقت نفسه يستوجب إجراء التجارب في المعامل والمختبرات العلمية لإنتاج الأمصال القادرة على مواجهته والشفاء منه، لا كما ينشغل نشطاؤنا العرب على وسائل التواصل بالخرافات وبث الشائعات والأساطير الكاذبة والوصفات الساخرة والبحث في كتب التراث للقيام بإسقاطات وتنبؤات عن هذه الحادثة أو تلك أو عن هذا المرض أو ذاك وتنتشر الشائعات بيننا كما الأخبار الكاذبة والعارية عن الصحة كانتشار النار في الهشيم بين العامة ويتناقلونها على إنها حقائق ومسلمات غير قابلة للنقاش لأنها تتوافق ومخزونهم الثقافي المبني على الخرافة والأسطورة ولا مكان فيه لإشغال العقل والتفكير للوصول إلى المعلومة الصحيحة والفهم الصحيح للواقع كما هو وللحادث من مستجدات العصر، فالعقل العربي يعيش الحاضر في ثوب وعقل الماضي بعيدًا عن روح العلم والعصر والمعاصرة.
هكذا يواجه البعض منا وباء وفايروس الكورونا، ونتساءل لماذا الآخر يتقدم ويجد الحلول لإشكالياته ونحن نتأخر ولا نكتشف الحلول!.
والأمر يختلف أيضًا بالنسبة لإيران، ما أن وصل فيروس كورونا إلى مدينة قم حتى اعتبره رجال الدين نوعًا من الاختبار الإلهي بحيث صار البعض يتحدث عنه باعتباره عقابًا لبشرية لم تلتزم بحدود الله وغرقت في المجون وصارت ترتاد المختبرات أكثر مما تذهب إلى الحسينيات، هذا ما كتبه فاروق يوسف.
ولذلك مارست إيران تكتمًا على وضعها الصحي أثار غضب الإيرانيين والعالم. لقد عملت على تحذير الناس بدلاً من توعيتهم وشمل ذلك الدول التي وقعت تحت وصايتها وبالأخص لبنان والعراق.
في كل الأحوال فإن النظريات السياسية والدينية لم تجد نفعًا في مواجهة الفيروس الخطير الذي اتسعت دائرة انتشاره.
أما اليوم في ظل هيمنة العلم فما من شيء يدعو إلى الاستسلام نسمع عن آلاف حصدهم المرض غير إننا لا نلتفت إلى من نجوا منه بعد أن أصابهم وهم الأكثرية.
العلم الآن يعمل على تحييد المرض ومن ثم ينتقل إلى مرحلة القضاء عليه.
في المقابل فإن هناك من لا يزال يروج للأفكار والشائعات التي يطلقها سياسيون ورجال دين جهلة في محأولة منهم للتغطية على انهيار القطاع الصحي في دولة مزجت السياسة بالدين فأنتجت عقائد، هي عبارة عن خرافات ملغومة بالموت الذي يطوي ذكره باعتباره نوعًا من القضاء والقدر.
وهكذا فإن كورونا وقد مدَّ أذرعه الأخطبوطية حول العالم مناسبة للكشف عن واحدة من أكثر مهازل عصرنا استخفافًا بالحياة البشرية وبالقيم الإنسانية وبالعقل والحضارة، تمثلت تلك المهزلة بالظاهرة العقائدية التي امتزج الدين من خلالها بالسياسة، وكان الإسلام السياسي واحدًا من أهم تجلياتها.
0 comments:
إرسال تعليق