فارسُ الشِّعرِ والأدبِ وعُملاقِ الكلمةِ يَترَجَّلُ عن صَهْوَةِ جَوَادِهِ/ الدكتور حاتم جوعيه


   - كلمة ُ حقٍّ  يجبُ أن  تقال  - 

(  في الذكرى السنويَّة على وفاة الشاعر والأديب الكبير المرحوم  الدكتور جمال قعوار  )  


      الشَّاعرُ  والأديبُ الكبيرُ  والمُعلِّمُ  والإنسانُ  - خالدُ  الذكر - الدكتور " جمال قعوار " - رئيس رابطة الكتاب والأدباء العرب  في الداخل -  من أوائل الشُّعراءِ  والأدباءِ المحلِّيِّين  وعلى امتدادِ العالم العربي  مستوًى  فنيًّا وإبداعًا وتجديدًا ... وفي طليعةِ الجَهابذةِ والضليعين في اللغةِ العربيَّةِ محليًّا ... بل هو الاوَّلُ  دونَ مُنازع ٍ  . كتبَ في حياتِهِ الطويلةِ والعريضةِ الكثيرَ من القصائد الشِّعريَّة  والأعمالِ الأدبيَّة  المُمَيَّزةَ  والرَّوائع  الخالدة   .  هو  من أهمِّ   الفرسان   والرُّوَّاد  الذين   ساهمُوا   في  دعم   وتطوير  مسيرةِ   الشِّعر والأدبِ المحلِّي - على مدارِ ستين سنة  ونيِّف . لقد  دَرَّسَ موضوعَ اللغةِ العربيَّةِ  والأدبِ  العربي  في أكثر من  كليَّةٍ  وجامعةٍ ، وتخرَّجَ على  يديهِ  الكثيرونَ ، ومنهم الآن  :  الشَّاعر والاديب والمُدَرِّس والمُحاضر ... إلخ . كانَ يهتمُّ  كثيرًا بالكتَّابِ والشُّعراءِ الشَّبابِ والمُبتدئين  ويأخذ ُ بأيدِيهم  ويرعَاهُم وَيُصَحِّحُ لهم ما يكتبون، ويقدِّمُ لهم النصائحَ الهامَّة  بكلِّ  تواضع ٍ  ومَحَبَّةٍ  وإخلاص  .      وهنالكَ العديدُ من الإصداراتِ الأدبيَّةِ  والدواوين الشِّعريَّةِ   لِكُتَّابنا  وشعرائِنا  المحلِّيِّين  خَرَجت  للنور بعدَ  مُراجعاتِهِ   لها وتصحيحها  من   قبلهِ ... وقدَّمَ  بقلمِهِ  أيضًا  بعضَ الإصدارات  والدواوين  الشِّعريَّة   .  

    وبالإضافةِ  إلى موقعِهِ  الهام ومكانتِهِ ومنزلتِهِ  الكبيرةِ  في عالم ِالفكر ِ والشِّعر والأدبِ  كانَ  متواضِعًا ، طيِّبَ  القلبِ ،  دَمثَ  الأخلاق ، صادقَ اللسان ،  مُحترَمًا ، مُبَجَّلا ً ، شريفا ، فاضِلا  ، أبيَّ النفس ِ ،  كريمًا سخيًّا ، يُحِبُّ المجتمعَ والناسَ ، َوفِيًّا ومُخلِصًا للأصدِقاء ، نظيفَ المعدنِ ، طاهر الطويَّةِ  ويتفانى حُبًّا  وأريحِيَّة ً من أجلِ  مُساعدةِ الآخرين دونما  مُقابل  . وكانَ يحظى ويتمتَّعُ بالإحترام والمَحَبَّةِ وبتقدير ٍ كبير من قبل جميع الناس .   وكانت  َتجمَعُنِي  بهِ صداقة ٌ شخصيَّة ٌ وطيدة ٌ ، وكنتُ ، بدوري ، أقرأ  لهُ كلَّ شيىءٍ جديدٍ أكتبُهُ شعرًا أو نثرًا ) وكانَ هُوَ يُبدي لي بعضَ النصائح والإرشادات البنَّاءة  .  

     ومن  أهمِّ  إنجازاتِ  فقيدِنا الغالي خالدِ  الذكر الدكتور جمال  قعوار : تأسيس مجلَّة " المواكب " الأدبيَّة  بالإشتراك مع المرحوم الأستاذ  الشَّاعر " فوزي عبد الله "   قبلَ  أكثر من  ثلاثين سنة  .   واستمرَّ الدكتور جمال في إصدارها بعد وفاةِ  الأستاذ  فوزي لسنواتٍ طويلةٍ  ... وهي أهمُّ  مجلَّةٍ أدبيَّةٍ وثقافيَّةٍ وفكريَّةٍ جامعةٍ محليَّة - حيثُ استقطبت معظمَ  كتابنا وشعرائِنا المحلِّيِّن، وخاصَّة ً:الشُّعراء والكُتَّاب الذين عُتِّمَ عليهم سابقا ً ظلمًا وإجحافا  من  قبل ِ جهاتٍ عديدةٍ ، فوجدُوا في مجلَّةِ  " المواكب " ضالَّتهم  المنشودةَ  والمنفذ َ والبابَ الوحيدَ آنذاك  نحوَ النور والإنطلاق والشُّهرة  والإنتشار  . 

  ولعِبت هذهِ المجلَّة ُ الرَّائدة ُ دورًا  كبيرًا وَهامًّا في نهضةِ ومسيرةِ  الأدبِ والفكر والثقافةِ والإبداع المحلِّي - في الداخل . وكنتُ أنا أكتبُ  فيها دائمًا .  وقد  ألقى عَليَّ  المرحومُ  الدكتور " جمال " مهمَّة َ تحرير زاوية اللقاءات والتقارير الصحفيَّة  فيها  .  فكنتُ  في  كلِّ عددٍ  جديدٍ  من المجلَّةِ  أجري  لقاءً  مع  شخصيَّةٍ  معيَّنةٍ  جديدة  ( في المجالات الأدبيَّة  والثقافيَّة  والفنيَّة والعلميَّة والإجتماعيَّة ) ...  إلخ  .   وكان  الدكتور جمال  يُعطيني  بعضَ  المُلاحظات وَيُرشِدُني  ويُوَجِّهُني أحيانا  إلى نوعيَّةِ الأسئلةِ التي  يجبُ  أن أسألها ... وإلى المواضيع الهامَّةِ  والبنَّاءةِ والوجيهةِ التي  يجبُ أن  تطرحَ في كلِّ  لقاء .   واستمرَّت هذهِ المجلَّة ُ في الصُّدور حتى  قبلَ وفاتِهِ  بفترةٍ قصيرةٍ ... وكم كنتُ أتمنَّى أن يمتدَّ العُمرُ بفقيدِنا وأستاذِنا وشاعرنا  وأديبنا  الكبير أكثرَ وأكثرَ ... ولكنَّ الموتَ هو حقٌّ علينا جميعا ومصيرُ وَمَآلُ  كلِّ كائِن ٍ على هذهِ المَعمورةِ  ولا نستطيعُ  أن  نردَّهُ  ونمنعَهَ ... ولقد اختطفتهُ  يدُ المنون بعدَ  حياةٍ  عريضةٍ حافلةٍ  بالنشاطِ والعمل والعطاءِ الأدبي والفكري المُتواصل والغزير  .  وكنتُ  قبلَ  وفاتِهِ  بأسبوعين تقريبا  أهَيِّىءُ  نفسي لإجراءِ لقاءٍ  صحفيٍّ  مُطوَّل ٍ  معهُ ... ولكن  لم  يكن  هنالكَ  نصيبٌ  ولم  يُقدَّرْ لي أن أراهُ  فكانَ رحيلُهُ  صدمة ً كبيرة ً وتركَ جُرحًا أليمًا في  نفسي ... وصدمةً  وخسارةً   كبيرة ً  وفادحة ً  لأقربائِهِ  وذويهِ ...  ولكلِّ  الذين  يعرفونهُ وتجمعُهُم  بهِ علاقاتٌ  ووشائِجُ  وطيدةٌ ... وخسارة ً فادحة ً أيضًا لجميع أبناءِ شعبنا ولكلِّ إنسان ٍ حُرٍّ  وشريفٍ ...وللحركةِ وللمسيرةِ الثقافيَّة  والادبيَّةِ المحليَّةِ  . 

- لقد آنَ  لهذا الفارس ِالصِّنديدِ والعَلم ِالشَّامخ والجَهْبَذِ العُملاق ِ أن  يترَجَّلَ  عن صهوةِ  جوادِهِ  بعدَ مسيرةٍ  طويلةٍ  من النضال ِ والكفاح ِ لأجل ِ إعلاءِ الكلمةِ النظيفةِ والحُرَّةِ والصَّادقةِ والفكر النَّيِّر ِ.. وبعدَ عَطاءٍ وسَخاءٍ مُنقطع النضير في  دُنيا  الأدبِ والإبداع ِ ... بعدَ  حياةٍ  عريضةٍ  مُثمرةٍ   مُترَعَةٍ  بالنشاطِ والعمل ِ الدَّؤوبِ والإيجابي والبَنَّاءِ  لِخِدمَةِ  شعبِهِ  وَمُجتمعِهِ  .  

    َومَهما  تحَدَّثنا  وكتبنا عن  فقيدِنا الغالي  خالد الذكر فإنَّ  الكلامَ  ليعجزُ   أن  يُعَبِّرَ عَمَّا  تجيشُ بهِ الصُّدور، وَدُرَرَ الشِّعر والأدبِ والخطب العصماء تعجزُ أن تعطيهُ حقَّهُ  وما هو أهلٌ  لهُ  .. فهوَ صرحٌ  وعلمٌ من أهمِّ أعلام ِ وصروح ِ الثقافةِ والأدبِ  في مسيرةِ  ثقافتِنا وأدبنا وشعرنا الفلسطيني  .  

  -  فرحمة ُ اللهِ عليكَ  يا  أبا  ربيع ... يا  مَنْ  وَهَبتَ حياتكَ  لأجل ِ العلم والأدبِ  والإبداع  ولإنارَةِ  المجتمع ِ وتثقيفِ الأجيال ِ .   

   فإلى الأمجادِ السَّماويَّةِ  وجنان ِ الخلودِ  مع  جميع  القدِّيسين  والمُؤمنين الطاهرين الأبرار   .    وفي أمثالكَ الشُّرفاءِ الفاضلين الودعاء المُتسربلينَ  بالطُّهر والإيمان قالَ رسول السَّلام وفادي البشرالسَّيِّدُ المسيح عليهِ السَّلام :  

( "  طوبى  للودعاءِ ، لأنهم يرثون الأرض  .   

     طوبى للجياع والعطاشِ  لأجلِ البرِّ ، لأنهم  يشبعون .                                                                                        

     طوبى  للرُّحماء ، لأنهم  يُرحمون  .  

      طوبى للأنقياء  القلب ، لأنهم يُعاينونَ  الله  .  

     طوبى  لصانعي السَّلام ، لأنهم أبناء اللهِ  يُدعون  .   

-  نعم لقد كنتَ  طيلة حياتكَ على هذهِ الأرض رمزًا للوداعةِ  والبراءةِ ومثالا ونموذجا  للتسامح والتواضع  والوفاء، وداعيةً للمحبَّةِ والسلام.

***

            -   صَرْحُ  البَلاغةِ   -    

 (  قصيدة  رثائيَّة  في  الذكرى  السنويَّة على  وفاة  الشاعر والأديب الكبير المرحوم الدكتور " جمال قعوار "  )  


صَرُحُ البلاغةِ طولَ الدَّهرِ مُنتصِبُ      بكَ القريضُ ارتقى والفكرُ  والأدَبُ

أبا    ربيع ٍ   مَنار  الشعرِ    سُؤدُدَهُ      تشعُ  كالبدرِ  إذ  ما  غابتِ  الشُّهُبُ

أنتَ  الذي  بجبينِ  الشَّمسِ   مُقترنٌ      لكلِّ   خطبٍ   جليلٍ   كنتَ    تُنتدُبُ

كم من نضار ٍ وَدُرٍّ  فيكَ  قد نظمُوا      الشّعرُ   يعجزُ   والأقوالُ   والخطبُ

لا المَدحُ يُعطيكَ ما قد كنتَ  أنتَ لهُ      أهلا  وَكُفئا..  ولا  التاريخُ   والكتبُ

وانتَ   أنتَ   مدى   الأيَّامِ    أغنيةٌ      في سحرها  ينتشي الأحرارُ والنُّجُبُ

أسَّسْتَ  في  عالم ِ الإبداعِ   مدرسَةً      تاهَتْ    برونقِها  ،   أيَّامُها     قشُبُ 

وَشعرُكَ  الشِّعرُ  لا   نظمًا   يُسابقهُ      كالدُّرِّ    مُؤتلِقٌ  ،   سَلسالُهُ    عَذِبُ

وَيَأسُرُ  الروحَ   والوجدانَ   رونقُهُ      لِوَقعِهِ   تنحني   الأسيافُ   والقضُبُ 

يا    فارسا   بهرَ   الدُّنيا   وأذهَلهَا       ففي    روائِهِ    الإعجازُ    والعَجبُ 

وَدوحةُ  الشعرِ طول الدهر  باسقةٌ       نمَّيتَهَا  أنتَ ، لم  تعصفْ  بها  نُوَبُ 

والآنَ ترحلُ عن أهلٍ  بكَ افتخَرُوا      نهارُهُمْ   كالدُّجى ،  والدَّمعُ   ينسكبُ 

تسربلوا  الحِلمَ   والإيمانُ   دَيْدَنُهُمْ       كيفَ  السُّلوُّ   ونارُ   الحزنِ   تلتهبُ

الكلُّ أضحَى رداء  الحزنِ  صبغتهُ       فالفكرُ  مضطرمٌ    والقلبُ   مُكتئِبُ 

في  جنَّةِ  الخُلدِ  أنتَ  الآنَ   مُبتهِجٌ       والجوُّ   بعدَكَ   والآفاقُ   تصطخِبُ 


CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق