غير أن توظيفي للعلامة الأيقونة ، في هذه المحاولة ستكون بوصفها صورة بكرا ، تمتلك نمو تشكلها الخاص في هذه التجربة الشعري من خلال تنوع الأنساق واستحضار الأسنن ، حيث تتزي الأيقونة مسارات سياقية جمالية خاصة ، ومادام أن للأيقنة علاقة بالتشبيه ، فإن وجه الشبه في هذا المسار سوف يكون بوصفه رؤيا الشاعر/ موضوع قيمة جمالي ، ليس بوصفه حالة مباشرة مع العالم الخارجي ، بل باعتباره في حالة احتمال ، يتم استيلاده عبر مسار الدلالة في هذه القصيدة أنشودة المطر.
الكلمات المفاتيح : السيميوز ، الأيقونة ، المسار ..السياق الجمالي ..
....Cependant, mon utilisation de l'icône signe, dans cette tentative, sera comme une image vierge, qui a la croissance de sa propre formation dans cette expérience poétique à travers la diversité des motifs et l'évocation des dents, car l'icône est ornée de chemins contextuels esthétiques, et tant que l'icône a un rapport à l'analogie, la similitude dans ce chemin sera C'est comme la vision du poète / un objet de valeur esthétique, non pas comme un état direct avec le monde extérieur, mais plutôt comme un état de possibilité, qui est généré par le chemin de la signification dans ce poème.
Mots clés : la sémiotique, l'icône, le parcours sémantique, le contexte ésthétique....
ما قبل ...
إن سيمياء بيرس ( 1 ) بما فيها من المرونة ، يمكن أن تعد نظرية في تحليل الخطاب الشعري والنثري على السواء . بخلاف نظرية غريماس السيميائية ، التي ركزت فقط على البعد السردي ، لكن ... رغم اختلاف منطلقاتهما النظرية ، وبحكم انتمائمهما معا إلى الحقل السيميائي ، يمكن استغلال هذا الرابط ، لتشكيل مقاربة سيميائية في البحث والدراسة وتحليل الخطابات الأدبية على
الخصوص . فمقاربة غريماس ، تتناول الخطاب السردي عبر ثلاثة أبعاد : البنية المحايتة / والبنية السيميو سردية / ثم البنية الخطابية ، (2) وهذه الثلاثية ، توازي البناء المقولي لدى ش . س . بيرس : الأولانية / الأيقونة .. والثانيانية / المؤشر ثم الثالثانية / الرمز( 3 ) . ذلك أن الخطاب الأدبي ، بصفة ، عامة ، يعتمد في تمرير محتوياته ، على ما أسميه العلامة ( الحبلى ) بوصفها أداة توسط ، تقوم بالتعبير عن كل ما هو مرتبط بمحتوى ما ، في تساوق مع التجربة الإبداعية . فهي تسلك ، بدورها ، مسارا ثلاثيا يبدأ بحالة الاحتمال ، حين تكون التجربة في كونها الخام ، مرورا إلى حالة التحيين ، التي تخضع فيها التجربة لمحاولة التجسيد ، ثم إلى حالة التحقق ، حين تكتمل التجربة في بعدها الفني والجمالي .. مما يوافق مسار التجربة الإبداعية والإنسانية في عمومها . فالعلامة في الخطاب الأدبي ، وعبر إنتاجيتها تكون محملة ، أي لها محتوى يتدرج مسار الدلالة فيه ، عبر هذه الحالات الثلاث . بناء على فرضيه تقول : أن كل ما له علاقة بمحتوى ما ، يشتغل كعلامة مهيأة للإنتاج . فكل علامة في الحقيقة ، تنتظر علاقة ما، بسياق ما ، دون اعتبار كونه تخييلا أو يعالج قضايا واقعية ما ..
إذن فأي علامة نوعية ، بتعبير ش . س بيرس / أو محايتة ، تبعا لغريماس ، تعد حالة احتمال تنتظر محتوى سياقيا . مثل العلامة سيزيف الأسطورية ، التي تمثل علامة ، تماما ، دالة على محتوى شأن أي علامة تضمر تصورا واقعيا أو تخييليا ، كما هو الحال مع العلامات المشكلة لمسار هذه القصيدة : العينان . النخيل . البحر . والخليج .. والمطر .. والماء ، وأن الفعل الذي يمنح العلامة ، سيزيف حق الوجود ، ممكن بفضل أجهزة إشارية ، ودلالية ، يسخرها استعمال ما ، أو تتبناها ثقافة ما ، ومن ثمة ، فإننا نحيل على سيزيف كما نحيل على أي علامة / تتمتع بإحالة مرجعية واقعية ، وذلك ، حسب نوعية الرؤية الإبداعية ، التي قد ترى فيها المعاناة الأبدية ، وأخرى تلمس ، فيها تجسيدا لعبثية الفعل ، الذي يطال التجربة الإنسانية ، في صراعها الأبدي مع الوجود.... غير أنها ، قد تتنوع موضوعاتها الدينامية ، وتتوالد مؤولاتها ، حسب تعدد الرؤى ، واختلاف التجارب كما شأن ، " سزيفية الصبر " في زجلية الشاعر محمد عزيز بنسعد " نقطة وارجع لصبر " ( 4 ) وتلك هوية التوظيف الأدبي ، كما في هذه الأنشودة ، ..فكل العلامات ، بوصفها أيقونات ، أي نوعيات في حالة احتمال ، هي بدوره تعبير ، مرتبط بمحتويات ، غير أنها ، وإن كانت تمتلك خصائصها ، أي خاصية الشبه ، باعتبارها صورة أو تصورا ما ، فإن هذا الشبه أو التصور ، ليس بوصفه موضوعا ، أو حالة في العالم ، بل هو بالأحرى ، فقط ، عبارة عن محتوى مبنيا ومنظما .. فالألوان : الأحمر ... والأصفر كما في هذه القصيدة كانت علامات نوعية تجريدية ... في حالة احتمال إلى أن تم تحيينها ... والعلامة " ( عين ) في " عيناك غابتا نخيل " ، ليست علامة على جارحة ، أو على عين ماء ، جاسوسا يحيل على واقع ما ، ولكنها علامة في حالة احتمال ، داخل القصيدة ، تمثل وصفا أو أوصافا ، بالنسبة للمتلقي كما كانت بالنسبة للشاعر ، وقد يتم توظفها أدبيا ، في أي خطاب شعري ، أو نثري ، وبكيفية تختلف بين أديب وآخر ، بحسب الرؤية التي يتوخاها ، وكذلك الأمر بالنسبة ل "شجرة الزقوم" الواردة في القرآن الكريم ، لا علاقة لها بالوقع المعيش ، ولكنها تنتج واقعها ، من خلال ما تحمله من أوصاف ، خاصة في القرآن الكريم ، وفي الثقافة الإسلامية ... فكل علامة في الخطاب الشعري هي ، إذن صورة في حالة احتمال .. حاملة لمضمون تجريدي ما ، أو قل برنامجا ما ، ينتظر تحيينا ما ، كما يذهب إلى ذلك بيرس ، أي الانخراط في Semiosis. بوصفها السيرورة المؤدية إلى إنتاج الدلالة وتداولها (5) . وهذا التصور يمكن أن ينطبق على المؤشرات ، العنصر الثاني في الثلاثية البيرسية ، أي على البنية السيميو سردية الغريماسية كذلك ، بوصفها تضمر مضمونا محينا ، يتنظر تحققا على مستوى التجلي الخطابي .. عبر مؤول أو مؤولات ما ، حين يتم إدراجها في سياق ما ، عبر العلامة القانون .. منتظرة ، بدوره ما يسميه ش . س. بيرس تأسيسا Fondement . (6).
العلامة الأدبية :
ففي الخطاب الأدبي إذن ، تظل هويات العلامات منفتحة على كل الاحتمالات ، لانفتاح السياقات الداخل خطابية ، على تنوع الرؤى الإنسانية ، وامتزاجها بكينونات ، وأنساق مختلفة ، كنسق الطبيعة .. لأن" العلامة ليست سيرورة إبلاغية ، فحسب ، ( ... ) إنها كيان داخل سيرورة دلالية " (7) . وهذا ما سنلمح آثاره في هذه القصيدة .. مما يعني أن كل العلامات ، تتمتع باستقلالية محتواها الخاص ، خارج الخطاب الأدبي ، أي موضوعها المباشر ، وسيلتها للتواصل في أي ثقافة معطاة ... غير أن الأمر سيختلف ، حين يتم توظيفها بكيفية ما في الخطاب الأدبي . وهذا ما يؤشر على الإمكانات الهائلة ، التي تمنحنا إياها العلامات .. إمكانات تتراوح بين الاستعمال المباشر أو الإيحائي ، الذي يعني أننا نوظف العلامات توظيفا جماليا . وهذا كذلك ما يسفر عن التنوعات التعبيرية ، في الخطاب الأدبي الواحد ، مما يترتب عنه أيضا تنوع في حالة التلقي . فالمبدع حين يوظف العلامة ، فإنها لا تكون في حالة فراغ تام ، ثم يشحنها بمعنى أو دلالة ما . فتصبح ملكا له وحده ، وعلى المتلقي فقط ملامسة هذه الدلالة الأحادية ، أو المعنى الذي يتقصده المبدع... بل إن للعلامة ذاكرتها الخاصة ، كما قلنا سابقا ، حتى وهي في حالتها الاحتمالية ... وقديما اعتبر الجاحظ " المعاني مطروحة في الطريق " (8 ) ، مما يعني أنها علامات في حالات احتمال ، منفتحة على الموسوعة الحياتية ...بل الموسوعة الإنسانية في تجاربها مع الواقع ، بكل إكراهاته ..ذلك أن الموضوع ( المعنى أو الدلالة المطروحة )، سيميائيا ، يظل فرضية مجردة ، يحمل نوعا من الشرعية التداولية في انتظار اللحظة ، التي يتحول فيها إلى علامات فنية أو جمالية ، تصور تجربة إنسانية صادقة ، من طرف ذات الحالة / المبدع ، وهذا ما يوحي بانطباع ، أننا نفرض هيمنتنا على العلامات ، في حين أنه على العكس من ذلك ... فالعلامات بدورها تفرض علينا إكراهاتها ، عن طريق عملية الانتقاء ، التي نمارسها أثناء محاولتنا البحث عن تصوير لنقاء التجربة .. حيث تظل العلامة في حالة تردد ، بين إقصاء و استدعاء في الآن نفسه .. تتجاذبها طبيعة التيمة ، أو الموضوعات الدينامية ، مما يجعل العلامة / المؤول ، تتحرك في الخفاء ، كتوسط بين العلامة وموضوعها ، في انتظار بزوغ للعلامة التأسيس ، التي تمنحها شرعية الانتماء ، نسقيا ، إلى هذا الحقل الدلالي أو ذاك .. مما يضفي عليها قدرة فائقة في التنوع والتعدد . ومن ثمة تظهر براعة المبدع في قدرته ، على التوظيف الجمالي .. وإمكانية نسجها مع نبض هذه التجربة أو تلك .. ذلك ما يعني أن العلامات ليست أشكالا فارغة ، فلا وجود لمعنى أو دلالة في حالة فراغ تام " ، لأننا نحيا معها مسارا ، نقوم بتفعيله ، ونحن نمارس أنشطة بوصفنا علامات " ( 9 ) ، فلا بد أن تضمر العلامة كيانا ، يحتوي دلالة يظل لصيقا بها ، حتى ولو احتملت أكثر من معنى ، أو انفتحت على دلالات جديدة.. لأن هذا الانفتاح ناتج عن الانصهار ، والتفاعل بين العلامة ، وفعل التلفظ أو عملية التخطيب ..فإذا كانت هذه حقيقة العلامة منفردة ، فما بالك بها ، وهي متعالقة مع علامات أخرى ، وفي ظروف سياقية مختلفة تنسجها رؤيا ويؤطرها موقف ( 10 ) ..؟؟!!
غير أن توظيفي للعلامة الأيقونة ، في هذه المحاولة ستكون بوصفها صورة بكرا ، تمتلك نمو تشكلها الخاص في هذه التجربة الشعرية، من خلال تنوع الأنساق ، واستحضار الأسنن ، حيث تنتج الأيقونة مسارات سياقية جمالية خاصة ، ومادام أن للأيقنة علاقة بالتشبيه ، فإن وجه الشبه في هذا المسار ، سوف يكون بوصفه رؤيا الشاعر/ موضوع قيمة جمالي ، ليس بوصفه حالة مباشرة مع العالم الخارجي ، بل باعتباره في حالة احتمال ، سيتم استيلاده ، عبر مسار الدلالة في هذه القصيدة ، أي كمحتوى مبنينا ومنظما كما قلنا... لأنه في الخطاب الأدبي ، يشتغل "التخييل ، بوصفه ، آلية الوعي العظمى ، التي تمتلك فيها العلامة كامل فاعليتها السيميوطيقية ، على محوري الاختيار والتوزيع .. ومستويي النسيج والفضاء .. ومنهجتي النص والتناص " ( 11 ) ..
فالشبه أو الموضوع الدينامي الجمالي ، إذن بوصفه، صورة شعرية ، يكون في حالة تأهب لاقتناص سياق ما داخل خطابي ، حين يتم تحفيزه من طرف فعل التلقي ... وتلك وضعية كل العلامات التي توظف توظيفا جماليا .. كما هو الشأن في تجربة السياب هاته ... لكن ما يجب الإشارة إليه ، هنا ، قبل مباشرة التهماس مع هذه التجربة ، هو التمييز المعتبر بين لحظة الأيقنة ، التي ستنبثق من داخل ولادة المعنى ، في سياقها الجمالي ، وبين مفهوم العلامة الايقونة.. ، التي لا تنفصل عن البعد الرمزي أو الترميزي ، حين يتم نسجها بالإحالة المباشرة على مسار ما ، في التواصل العادي ...أي العلامة بوصفها ، مؤشرا مباشرا.. يجب أن نتعرف عليها كما هي ...والتأشير، هنا ، عبارة عن خاصية ، تحيل على ما هو سبب لها....فالعلامة الأيقونة " نؤوم الضحى " تحيل على ما هو سبب لها إي كثرة الخدم وتوسع الترف ، أما لحظة الأيقنة في هذه القراءة ، فيجب أن تفهم كمسار داخلي لانبثاق الدلالة .لأنها كرمز" تشكل بناء كليا في الصورة الشعرية " أو الرؤية الدينامية 12 ) ... ومن جهة أخرى فإن " فالأثر الفني هو موضوع يمكن أن نجد له شكله الأصيل ، كما تصوره المؤلف ، وذلك من خلال الآثار التي يحدثها في عقل المستهلك وإحساسه . ( ... ) لكن ، ومن جهة أخرى ، فإن كل مستهلك وهو يتفاعل مع مجموعة المثيرات ، وهو يحاول أن يرى ويفهم علاقاتها ، يمارس إحساسا شخصيا ، وثقافة معينة ، وأذواقا ، واتجاهات ، وأحكاما قبلية توجه متعته في إطار منظور خاص " ( 13 ) . فبمجرد. ما تظهر الوظيفة الرمزية داخل الأيقنة ، تصبح هذه الاخير محفزة .. لذا ، ب فهم سيمياء الخطاب الأدبي لا كحالة ، فقط ، بل كفعل صيرورة / سيرورة ....
فليكن العنوان ، إذن ، أول نبض يحرك ويحفز التفاعل الأيقوني بين العلامات ..؟!
... فالأنشودة أو الإنشاد ( 14 ) في دلالتها المباشرة تحيل على موضوع مباشر ، يتجلى في رفع الإنسان للصوت ، على إيقاع جماعي موحد، حماسي. وفق طقوس ابتهالية ، أما المطر فبوصفه ماء نازلا من السماء ، فقد يكون نافعا أو ضارا ، غير أن إسناد الإنشاد إليه ، حولت إحالته إلى موضوع دينامي .. فأصبحت العلامة / العنوان، وخطابيا ، في حالة احتمال ، منفتحة على تعدد المؤولات تجد آثارا لها في نسيج القصيدة... لذا فالإنشاد المطري سيتوسل الإنشاد الشعري في هذه القصيدة ، ليتحول إلى حالة تضرع روحية ، يضمر مفارقة قدرية ، تكمن في كونه طقوسا للحياة كما هو طقوس للموت... و سيكون حدث الإنشاد والاستمطار ، خاضعا لغموض ناتج عن خرق لقانون العادة والطبيعة ... أي التفاعل بين ما ينتمي إلى الإنسان ، صوت الإنشاد ، وما ينتمي إلى الطبيعة صوت المطر : ( الإنشاد / المطر ) صوت ، إذن ، قد يعني مثلا ، إما نوعية الإيقاع الذي به تم الإنشاد ، بوصفه مسارا لبناء القصيدة ، من طرف المسند إليه ، الذي هو " المطر" ، كما يجب أن ننظر إلى الإيقاع ، كذلك ، باعتباره " حركة ...أي حركة للكتابة ... حركة للدلالة على مسار عملية بناء للأحداث الدالة ، وإقصاء لأخرى " ( 15 ) ... وقد يعني كذلك ، المسار الذي عبره سيتم تشكيل الإنشاد أي القصيدة . فالإيقاع /الحركة والمسار كلاهما يرتبطان بتشكيل مؤثث لفضاء التجربة ، ...لأننا سنكون أمام موضوع دينامي ثان ( جمالي ). فقد عمل الشاعر على أنسنت ما هو طبيعي ، بمنحه الرؤيا البصرية بل البصيرية ( عيناك حين تبصران ... ) ، ومن ثمة يصبح النسق الطبيعي ، في هذه القصيدة ، موضوع قيمة منفتحا على كل الاحتمالات .. ينتظر مؤولا بل مؤولات ستتوالد .. منسوجة عبر حركة السيميوزيس ، ممثلة في سلسلة من العلامات ، في حاجة إلى تأسيس ، ليكشف عن أبعاد الدلالة الروحية التي أجازت هذا الامتزاج ..المتوالد عن مسارات الرؤيا الشعرية ، المنبثقة ، طبعا ، من رحم الرؤية الحسية ، للذات الشاعرة . وذلك من أجل وضع حد للانهائية الانفتاح الدلالي ، كما سنرى ، والمتجسد من خلال المؤشرات التالية :
أ) أيقونة أنثى هي لحظة للفرح كما للحزن ( ب 1 / ب 10 )
ب) استيهامات روحية بريئة ولعبة القدر ( ب 11 / ب 24 )
ج) مناجاة أنثى ...و سورة المطر ( ب 25 / ب 40 )
د) الجفاف الروحي ...والغبن الإنساني ( ب 41 ب 59 )
ه) الإنسان مصدر شقاء الإنسان( ب 60 / ب 79 )
إنها ، موضوعات دينامية جزئية ، إذن ، ستعمل على بناء تخوم الرؤية الشعرية ... وهي فيما تمنح انسجاما للقصيدة ، ، ستمنحها أيضا بعدها الواقعي ، حيث ستبدو كصراع بين مظاهر الجفاف الروحي وبين تنوع ينابيع ماء المطر القدري .... ضمن لعبة ينسج خيوطها ، غياب وحضور المطر / القدر ، وأثر ذلك على حساسية الشاعر....فكل أيقونة هي صورة ، ٌستكون مولدة لأكوان دلالية منفتحة على ما هو إنساني ....لأن تيمة الماء وما يحف بها من طقوس وشعائر. تجعلها تتلون في ... صور أيقونية متنوعة ... تمتح دلالتها من كونية الرؤية الشعرية... لا تنفصل عن قدسية الطبيعة ، المتمثلة في النخيل... والقمر والسحر . لأن الماء في هذه الأنشودة استحال حالة من حالات الكينونة.. ترتبط بمفاهيم جمالية وفكرية وإنسانية...تبعا لتنوع مصادره، ومنابعه...: العين ..البكاء .. .. الخليج .. تدل وفق أسنن تنتجها تحولات مصادر الرؤيا، التي تخضع طبعا لتحولات الأحاسيس والتأملات ، لدى ذات الحالة ، وأن المؤولات ستعمل في الأصل كمؤشرات لتحديد هوية السياق أو معلنة عن وجوده الداخل خطابي، الذي تتشكل عبره الدلالة.. فالسياق في القصيدة، كما نعلم، يخلقه تفاعل العلامات ، فهو ناتج زمن التجربة التي عاشها المبدع ، يجب البحث عنه في تفاعل مؤشرات الخطاب بالنسبة للمتلقي.. لإن العلاقة بين مختلف أشكال العلامة تعد في حالة دياليكتيكية.. مما يعني أن السيميوز التي تتشكل عبر مسار بل مسارات الدلالة تعد في حالة حوارية....، نتيجة حوارية العلامات ، سواء في مستواها التجريدي أو مستواها التداولي... إنها ناتج حوارية الفكر و المشاعر والتأملات الروحية ... كما سنرى في هذه القصيدة.. ومعلوم أن الحوار السيميائي يظهر من خلال تنوع الرؤى وصراع المواقف... وعنف الإكراهات.. وعبر كل التساؤلات التي يطرحها الخطاب... فالعلامات وهي في حالة حوار تكتسي حالة رقص تتفاعل فيه كل أطراف الخطاب الشعري ...فكل المؤولات في الحقيقة تعود في تحديد هويتها إلى هذه الثلاثية البيرسية الأيقوني أو الاحتمالي / المؤشر أو التجاور / ثم الرمز أو القانون والعادة .... ومن الواضح ، أيضا ، أن الشاعر ليعبر عن هذه الواقعة./.الحدث ، قد اعتمد على مؤولين أساسين .. أطرا إنتاج الصور والاستعارات والإيقاعات النفسية ، ثم نبضات الروح وتدفق المشاعر... هما المؤول الذهني / الحسي / المباشر...أو لنقل الفني ، الذي مكن الشاعر من تجسيد التجربة ، كما تعكسها القصيدة أمامنا ، ثم المؤول الذهني / الجمالي ، الإيحائي ، أو لنقل أيقونات الجمال التي ينتجه الخطاب في حالة تفاعلنا معه ، أي في حالة تلقيه...
و من ثمة فإن المؤول الأول لهوية الأنثى ، من خلال أحد رموز جمالها " عيناك " يعتبر مؤولا حسيا / إدراكيا... يترجم حالة انفعال الذات ، واندهاشها الخام ، أي حالة الاحتمال ، اتجاه المخاطبة من عبر ...إحساس الذات الشاعرة ، بسمات هذه الأنثى ، دون قدرتها على تمثل هوية محددة لها ، مثلا ، بالإحالة على تجربة حياتية سابقة ...لأنها فقط عبارة عن( إحساسات أولية ) ، مما لا يسمح بحدوث تماس مباشر لذات الحس ، الشاعر مع الحالة المدركة ، الواضحة ، بل فقط مع تصورات غائمة... simulacre بتعبير غريماس ( 16 ) . اما المؤول الثاني الجمالي/ الإيحائي ، فتجسده ، حالة الاندهاش ، التي انتابت الشاعر ، حين أحس التجربة روحيا ، فتمثلت له صورة أنثى مراوغة . ..: تارة طاهرة .. نقية ، هي الطبيعة نضارة ، ونعومة ... طراوة وقداسة..هي الأم حنانا وليونة وعذوبة .... : (غابتا نخيل ساعة السحر ) ... وتارة أخرى ، هي الحياة في إعراضها وصدودها ... في صورتها المادية ... ثقافة وتصنعا وتصنيعا ، وكل ما عبثت به يد الإنسان : ( شرفتان راح ينأى عنهما القمر ) ) .إنها حالة أنثى مفارقة ، فهي أيقونة النضرة والنعومة ... وهي كذلك صورة للحزن والتعاسة ؟؟؟ .فهل هي صورة الحياة المادية اللاعوب ، في تقلباتها ، كما تراءت للشاعر ؟؟... أم أنها هيولة أنثى الإلهام الشعري ..؟؟ مما أيقظ في ذات الحالة / الشاعر البعد الروحي ، الكامن الطاهر ، في مقابل معاناته من قساوة المادة ... لتجد نفسها ، أمام ظمإ ، وليد إحساسات روحية.. جراء معاناتها من هيمنة الإكراهات المادية ، مؤول ذلك بوحها قائلة ....:
( فاستفاقت روحي...)
ليتم تجسيد ذلك ، عبر بنية الخطاب الجمالية ، التي تحتاج إلى تأمل جمالي ، من أجل مسك مسارات تحولات الظمإ الروحي القيمي ، رغم تنوع مصادر الماء ، منبع الحياة كما سنرى .
فكيف تجسدت آثار هذا المؤول الجمالي ، عبر جسد القصيدة... كحالة إبداع شعري ..؟؟؟ فلعل استناد. الشاعر الى الاستعارة الطبيعية المؤنسنة ، قد أعطى انسجاما ، لكون التجربة الدلالي ، وفي الوقت نفسه ، جعل موضوعها الدينامي ، على مستوى كلية القصيدة ، مؤثثا بموضوعات دينامية جزئية ، محددة ومميزة .. كما سبقت الإشارة إلى ذلك ...
أما بعد ...
أ) أيقونة أنثى هي لحظة للفرح كما للحزن :
المقطع الأول :
سنعتبره مقطعا توصيفيا... محاولة تحريكٍ للحس ، قصد الدخول في التجربة الإنسانية ، التي ستشكل مخاضا لاستفاقة روحية ، تقول ذات الحالة بعد لحظة الارهاصات :
فتستفيق ملء روحي ..رعشة البكاء
نشوة وحشة تعانق السماء
فالاستفاقة الروحية والنشوة الوحشية كلاهما حالة ( روحية ) طاهرة نقية لم تدنسها لا مادية الأرض ولا منتوجاتها الثقافية. وذلك عبر بنية التشاكل (17 ) التي ينسجها تناسل صور الماء المؤثث لجسد القصيدة ..العين .. المطر ..السحاب .. الغيوم .. الكروم .. الخليج ... حيث تتناسل مسارات السيموزيس Semiosis " التي تعمل على تلاحم العلامة أو الممثل والموضوع والمؤول "(18 ) بوصفها هنا علامات ستنطلق من رؤيا احتمالية نحو التحيين الفني ثم ستتحقق جماليا عبر مؤولات جمالية يختتمها ، في كل مقطع ، مؤول نهائي ( مطر.... مطر.... مطر....) ..لتستحيل القصيدة موضوعات ديناميكية ...تصبح معها العلامة علامة مفتوحة .وليست علامة موضوع... لأن المطر أضحى إوالية لاستيلاد موضوعات دينامية . مصدرها الماء بوصفه أيقونة تهب الحياة والموت في الآن نفسه.تقول ذات الحالة :
أتعلمين أي حزن يبعث المطر
سيعشب العراق بالمطر ...
.. ذلك أننا نلمس آثار ذلك في مسار الحركة الدلالية القصيدة منذ الاستهلال... فبمجرد ما تحس ذات الحالة لحظة سعادة تباغتها لحظات تعاسة عبر بنية التناقض التي تطال حركة الحياة ، سواء عبر جوهرية الدلالة وثباتها عبر البنية الاسمية : "عيناك ... أوشرفتان .... أو من خلال نموها وتحولاتها عبر حركية الأفعال ... ترقص الأضواء / يرجه المجداف تبسم / تغرق أقواس السحاب تشرب الغيم عوض سحبه لسقي الظمأى .... لذا ستنطلق ذات الحالة في توصيف هذه التجربة من البعد الاحتمالي للدلالة ، كما أحستها ، مخاضا بل رؤيا منفتحة على كينونتها الإنسانية .. تقول : " عيناك غابتا نخيل ساعة السحر "
فعيناك ..
بوصفها علامة أيقون ، وباحتلالها لبؤرة الانتشار الدلالي على مساحة القصيدة ، بحكم موقعها ، فإن الشبه أو الصورة الأيقونة ستكون منتزعة من مجموع القصيدة ككل . ف (عيناك ) لفظ لا مشار إليه سوى الجنس ذات ( أنثى ) حيث تكون العين جزء من كل مؤشرا على صورتهاالكلية، المنتشرة على مسار القصيدة، تتلون تبعا لتعدد التيمات ، أو قل هي اختزال لكينونة التجربة ، فلا نجد تشبيها يحضر على البديهة، وإنما يتراءى لنا من خلال جسد القصيدة، ونمو السيميوز، صورة أنثى تتماهى مع الصور الأيقونية المبثوثة في ( هوية الأم ..الأرض ..الوطن ..المطر .. الصياد ..البحر ).. أي كل ما تعلقت به روح الشاعر الظمأى إلى قيم إنسانية : الحنان .. العطف..الشفقة والحرمان ، لأن هوية المستعار والمستعار له لا تكمن ، هنا ، في التركيب نفسه( عيناك غابتا نخيل ) أو في صورة تشبيهية ما ، وإنما نتلمس آثارها، من شيء مضاف ، يتشكل عبر نمو الدلالة... فالعينان في هذا المسار يعدان مصدرا للحياة والموت والنور والظلمة ، منبعا لماء الفرح والحزن تأثرا بوقائع الحياة نفسها وكذلك تيمة ( المطر ) ، ماء هطول من السماء، يتحكم في مسارات الحياة ، يمنح بدروه الحياة والموت ، الخصب والقحط ، تسعد العين برؤيته لأنه مصدرة نضرتها ، وتشقى بغيابه ، فهو متحكم في تصريف مشيئتها، فوجه الشبه أو الصورة الأيقونية ، سيتم بنيتنه عبر مسارات القصيدة ، حينما يتم تمثل المتلقي لأيقونة أو صورة ذات الحالة، التي يتم انتزاعه ، طبعا ، من مسارات السيميوز ، جاعلا من نسق الطبيعة حياة ومن الحياة طبيعة...فالمطر حاز حكم المتصرف في الأرض ، وفي مشئية البشر ، كما يشاء ، يمنح العين التي هي جزء كل، الخضرة والجفاف . لذا فكل من ال" عينان " أو لنقل المخاطبة ... أصبحت علامة أدبية ملكا للخطاب .. استعارة للحياة الروحية ، المقدسة ، كما تمت استعارة المطر لتيمة القدر، فكل العلامات في هذه التجربة ، هي منتوج إحساس لا إحالة لها على الواقع المباشر ،لأن " الاستعارة عملية خلق جديد في اللغة ، ولغة داخل لغة ، فيما تقدمه من علاقات جديدة بين الكلمات ، وبها تحدث إذابة لعناصر الواقع لإعادة تركيبها من جديد " (19 )، بخلاف ذات الحالة الشاعر ، الذي عاش التجربة الشاعرية، التي تمخضت عنها هذه القصيدة فاستحالت حالة شعورية تمتلك خصائص تميزها في التصور الشعري ، أو الإحساس الشعري ، ومن ثمة أصبحت العلامة. "عينان...." مؤشرا بفضل التجاور أو تضايفها مع كاف المخاطبة. ( 20 ) وبها اكتست حالة تحيين شعوري خام منفتح على كل الاحتمالات . غير أن الأمر سيزداد إبهاما مع التوصيف الأيقوني الموالي. حين تتم احالتها على تيمات، أو موضوعات دينامية تنتظر بدورها علامات مؤولة.. مما يجعل السيميوز في حالة انفتاح على تعدد دلالي .. أسفر عن تحريك للموضوع الدينامي.. بعدما كان موضوعا مباشرا في انعزالية العلامة" عينا" عن أي سياق... وستدرج هذه العلامة ، بوصفها أحد ينابيع الماء، تتعدد بتعدد الرؤى في أنساق مختلفة (.. نسق الفضاء العلوي.. الغيوم.. السحاب .. الاقمار) ..( نسق الفضاء السفلي البحر... الخليج... الأرض...
لحظة تأمل....
نرى أن مسار المقطع الاستهلالي قد اعتمد على البعدين الزماني و المكاني الإيحائيين معا ، وفي تعالق مع حركة المطر ، المتخلقة عن رؤيا الأنثى ، ، يتناوبان على نسج توجهات هذه الرؤيا ، مما يؤشر على أن القصيدة ، تمثل موضوعا. ديناميا ، بوصفها تجربة تجمع بين العاطفي والمعرفي والاستشرافي.. والنبوءة الشعرية ، كما سنرى في تناولنا لباقي مقاطع التجربة .ولعل استناد الشاعر إلى الاستعارة الطبيعية ، وإسراره على أنسنتها ، قد أعطى انسجاما لمقاطع التجربة ، وفي الوقت نفسه جعل الموضوع الدينامي الكلي ، يخلق مساره الجمالي الداخلي ...
يتبع ...
الدار البيضاء المغرب
إحالات :
1) I.C.CORJAN:Le Triangle sémiotique de peirce et L’isotopie publicitaire . Université ‘Stefan cel Mare’ suceava.
2) د.سعيد بنكراد : السيميائيات السردية ، مدخل نظري منشورات الزمن . 2001 . ص 42 .67. 132 .
3) David Svan : la sémiotique de C.S.Peirce P 12
نقطة وارجع 4)
5) د. سعيد بنكراد : السيميائيات والتأويل . مدخل لسيميائيات ش.س. بيرس . المركز الثقافي العربي ص
6) Umberto Eco:Lector in Fabula;le role du lecteur,p 282)
7) أمبرتو إيكو : العلامة ، تحليل المفهوم وتاريخه ، ترجمة سعيد بنكراد ص 49 .
8) أبو عمرو بن بحر الجاحظ : البيان والتبيين ج / الأول ص 295 .
9) Robert Nicoli:Revue Signata. Dynamiques sémiotique et mise en signification .5
10) عبد الله إبراهيم : المتخيل السردي .المركز الثقافي العربي . الطبعة الأولى ، 1990 .ص 5 .
11) د.محمد فكري الجزاز : سيميوطيقا التشبيه ، من البلاغة إلى الشعرية .نفرو للنشر والتوزيع . ط ,أ, 2007 ص 98 ,
12) د . محمد زيدان :البنية السردية في النص الشعري . الهيئة العامة لقصور الثقافة . أغسطس 2004 .ص . 370 .
13) أمبرطو إيكو : الأثر المفتوح . ت . عبد الرحمان بو علي . دار الحوار للنشر والتوزيع . ط. ث. 2001 . ص . 16 17 .
14 ) ابن منظور : لسان العرب , تحقيق نخبة . الناشر دار المعارف . ص 4422 .
15) Jean Janette : ibid. p : 2
16) أ.ج. غريماس و جاك فونتنيي : سيميائيات الأهواء من حالات الأشياء إلى حالات الروح، ترجمة وتقديم ، سعيد بنكراد ، دار الكتاب الجديد المتحدة ، الطبعة الأولى مارس 2010. ص 54 .
17) جوزيف كورتيس : السيميائية السردية والخطابية . ت . د جمال حضري . مشورات الاختلاف ط. أ . 2007 . ص 81 .
(18) David Svan : la sémiotique de C.S.Peirce . P : 12 .
19) د. يوسف : أبو العدوس : الاستعارة في النقد الأدبي الحديث ، الأبعاد المعرفية والجمالية . الأهلية للنشر والتوزيع . ط . أ . 1997 . ص . 99 .
20 ) عبد القاهر الجرجاني : دلائل الإعجاز . تحيق القول في البلاغة والفصاحة وأنها للمعنى لا للفظ . ص 44 .
0 comments:
إرسال تعليق