قصـة قصيرة
احتارت، وحيرتها دوامة تجترها الأيام فتهيم في الأعماق كسحابة داكنة سوداء، وأي سحابة هي .. إنها بألف وألف متاهة،وهي الوحيدة التي طوقتها بالأوجاع والآلام الفظيعة، هي الوحيدة التي أنستها من هي وفي أي عالم تعيش، كيف لها أن تنسى من هي والحقيقة هي وهو، هي وهم ، هي أعباء هذا وذاك الإنسان غرابة أن فهمت أن بداية الجراح هي بيد إنسان هذا الزمان دروب من مرارة الدفلى والحنظل ، دروب الأحزان تسير فيها مختارة أو مرغمة وفي النهاية هو القدر يلعب لعبته بكل الأشكال والألوان، كانت الساعة تشير إلى السادسة مساءا عندما غادرت سناء المستشفى متأخرة ، فعملها كممرضة ليس له مواعيد انصراف ثابتة دائما، بالنسبة لها لا تهم المواعيد ولا تهم الدقائق بل والساعات ، المهم عندها تلك اللحظة التي يجد فيها من يحتاجونها الراحة وأعظم كسب لها راحة ضميرها ، هكذا علمتها الحياة أن كل شيء يهون أمام الأهم ، وكان الأهم يومها تلك الساعة التي رأت فيها سيدة قد خارت قواها من شدة التعب أمام باب المستشفى تحمل بين ذراعيها طفلا في الخامسة من عمره فاقد الوعي، نظرت إلى يديه المتورمتين المثخنتين بالجروح والدماء الحمراء تكسو الزرقة التي طغت يديه الصغيرتين من أثر القيد، والأم تبكي بمرارة المفجوعة ثم تصرخ كمن في قلبها نار موقدة صراخا بعثره أعنف إحساس في الفضاء فاخترق كل الطرقات الموصدة وشق صداه الصدور وفتح آلاف القبور حزنا لآهاتها ، اقتربت منها وقد تملكت أوصالها رعشة غريبة لم تعهدها من قبل ،لأن الآلام كانت من القلب قريبة ، كان كل شيء مؤلم يجرحها، لكن بكاء هذه الأم كان جرحا ليس مثل كل الجراح ، كان يأسر القلب بإحساس ليس له قياس، كانت ألامها بنغمة الآهات ، اقتربت منها أكثر سألتها عن أمرها ،أجابتها وبكاؤها يغلب كلماتها أن حكايتها كحكايات زمنها حكايات أبطالها متعبون.. مرهقون، لكنهم مرغمون على لعب كل الأدوار،تمرسوا على أيادي جلادين يحسنون دفن المشاعر في كل الأوقات، ثم صرخت طالبة الطبيب فابنها يموت ، وبلهفة غير معهودة حملت سناء الطفل بين ذراعيها وكأنها هي الأم الموعودة وأسرعت به إلى قسم الاستعجالات ، وهناك نطق الطبيب بكلمات أبطلت مفعول كل العقول الطفل ستبتر يداه ، نطقت عينا التي كانت تحتضن الأمل رغم الألم طلبت أن يأخذوا حياتها وينقذوا فلذة كبدها انهارت في الأرض تكابد حسرتها ولهفتها على ابنها الصغير ، هبت عليها رياح الندم على أنها هي من جنت على صغيرها بضعفها وبصمتها، وفي رحلة دائرة الحسرة أسمعتها سناء كلمات جعلتها تستسلم للأمر الواقع ، أن حياة طفلها هي الحقيقة الوحيدة التي يجب أن تتمسك بها، تم الاتصال بالوالد ، وبينما كان الطفل في غرفة العمليات راحت الأم تسرد حكايته المؤلمة بكلمات متقطعة ، كان طفلها زهرة تفتحت بين يديهما لكننا نسينا فطغينا، فكان ألم الطفل بيد من سقى ورعى هذه الزهرة ، أنه أباه ، كان الطفل يلعب ببراءة الأطفال يقفز هنا وهناك ويدور حول أثاث المنزل أثناء قيلولة والده العائد متعبا من العمل وفجأة تعثرت قدماه بالخيط الكهربائي الواصل بالحاسوب فأسقطه أرضا ، انتفض الوالد مفزوعا على صوت الارتطام وقد أفقده العقل الالكتروني صوابه وعقله وراح بسلوكه المعتاد المجرد من مشاعر الأبوة يمارس مفهوم الرجولة عنده باستعمال يديه الحديديتين لأن التربية في نظر من لا عقل له هي الضرب والمهانة والتعذيب ، كان العقاب بأكثر من الجرم ، كبل يدي طفله بكل قوة وأتقن معه كل فنون الضرب والتعذيب أو كما كان يعتبره تهذيبا ، ثم سجنه في غرفته بلا رحمة أو شفقة عليه، حتى تورمت يداه وتعفنت جراحه وبقيت الأم بلا حول ولا قوة، ما كادت تقولها حتى وصل الأب وعلم بما حل بابنه،انهار وبكى بكاء الثكالى وهو يسمع للطبيب يخاطب الأم أن الطفل حي يرزق ولكنه سيعيش مبتور اليدين بقية حياته ثم أكد لها أن هناك إجراءات قانونية ستتخذ تجاه من لم يأخذ من الإنسانية سوى اسمها انحدرت دموع الأب ندما ثم ما لبث أن أجهش بالبكاء كطفل صغير تاه عن والديه، انصرف مسرعا إلى الغرفة حيث يرقد ابنه، جلس بجانبه على طرف السرير يتأمله ينتظر أن يفيق من غيبوبته،استرجع حينها لحظة أول قبلة طبعها على يده بعد ولادته كانت يديه رقيقتين ناعمتين ورديتين،تذكر كيف كان يدربه على المسكة الصحيحة لأقلام الألوان وكم كانت سعادته وهو يلون العصافير والأزهار، وحين كان يعلمه كيف يرفع كلتا يديه للدعاء ،انتبه إلى وجود زوجته عند باب الغرفة مسندة رأسها عليه ،لم يكن يقوى على الكلام معها ، ساد بينهما صمت كان أبلغ من كل مؤاخذة ،وأوجز كل ما كان، الأم المسكينة أصبح مصابها مصابين وصبرها صبرين، أخيرا استفاق الطفل ووجد وجه أبيه قريبا جدا منه، أصيب بذعر شديد وناداه متعلثما حاول أن يبرر فعلته بأنه لم يكن ينوي أن .. قاطعه والده ومال عليه يحتضنه باكيا هامسا له بأن لا يخاف فالحاسوب والدنيا كلها فداه ، اهتز الطفل من أعماقه وهو يسمع أن والده يسميه " الغالي" وأنه يفديه بروحه، أراد الأب أن يطبع على وجنته الرقيقة قبله وما كاد يفعل حتى رفع الطفل ذراعيه بصعوبة نحوه لما رأى دموعه، أراد أن يمسح دموع أبيه ولكنه لم يجد تلك اليدين الصغيرتين بل وجد ضمادتين غليظتين فتأسف لأبيه أنه لم يتمكن من مسح دموعه ورجاه أن يعيد له يديه ووعده بأن لن يلعب ثانية ولن يكسر أي شيء في المنزل ..صرخ الأب بأعلى صوته ورفع يديه للسماء يرجو رحمة الله، لم يعد يتحمل معاناة ابنه فنهض وابتعد عنه ثم جلس على كرسي قريب من النافذة مسندا رأسه للخلف يتأمل ابنه والأم تجفف دموعه بين أحضانها، رمق الطفل أباه ينظر إلى ما وراء النافذة كانت عيناه مثبتتان وسأله.. ثم سأله، وألح عليه بالسؤال متى يغادرون إلى منزلهم، أنه يكره هذا المكان الذي أخذ منه يديه.. استغربت الأم صمت الأب الحزين ، نادته ولم يجب ،اقتربت منه فإذا هو جثة هامدة ، صرخت صرخة هرع إليها من هولها من كان بالمكان، تحرك الطفل بصعوبة محاولا النزول من السرير مستندا على ساعديه واتجه إلى أبيه يناديه، نطق الصغير عند رجلي أبيه فأخرس أفصح متحدث وألهب المشاعر وأبكى القلوب قبل بكاء العيون بأنه لن يطلب منه بعد الآن أن يعيد إليه يديه وأنه لا يريد من الدنيا سواه وإذ لم يسمع الأب نداء ابنه فعسى قوله رحمة له في قبره، احتضنت سناء الأم الموجوعة ولسان حالها يدعو بالبقاء ضعفاء بإنسانيتنا ولا العيش أقوياء بوحشيتنا .
احتارت، وحيرتها دوامة تجترها الأيام فتهيم في الأعماق كسحابة داكنة سوداء، وأي سحابة هي .. إنها بألف وألف متاهة،وهي الوحيدة التي طوقتها بالأوجاع والآلام الفظيعة، هي الوحيدة التي أنستها من هي وفي أي عالم تعيش، كيف لها أن تنسى من هي والحقيقة هي وهو، هي وهم ، هي أعباء هذا وذاك الإنسان غرابة أن فهمت أن بداية الجراح هي بيد إنسان هذا الزمان دروب من مرارة الدفلى والحنظل ، دروب الأحزان تسير فيها مختارة أو مرغمة وفي النهاية هو القدر يلعب لعبته بكل الأشكال والألوان، كانت الساعة تشير إلى السادسة مساءا عندما غادرت سناء المستشفى متأخرة ، فعملها كممرضة ليس له مواعيد انصراف ثابتة دائما، بالنسبة لها لا تهم المواعيد ولا تهم الدقائق بل والساعات ، المهم عندها تلك اللحظة التي يجد فيها من يحتاجونها الراحة وأعظم كسب لها راحة ضميرها ، هكذا علمتها الحياة أن كل شيء يهون أمام الأهم ، وكان الأهم يومها تلك الساعة التي رأت فيها سيدة قد خارت قواها من شدة التعب أمام باب المستشفى تحمل بين ذراعيها طفلا في الخامسة من عمره فاقد الوعي، نظرت إلى يديه المتورمتين المثخنتين بالجروح والدماء الحمراء تكسو الزرقة التي طغت يديه الصغيرتين من أثر القيد، والأم تبكي بمرارة المفجوعة ثم تصرخ كمن في قلبها نار موقدة صراخا بعثره أعنف إحساس في الفضاء فاخترق كل الطرقات الموصدة وشق صداه الصدور وفتح آلاف القبور حزنا لآهاتها ، اقتربت منها وقد تملكت أوصالها رعشة غريبة لم تعهدها من قبل ،لأن الآلام كانت من القلب قريبة ، كان كل شيء مؤلم يجرحها، لكن بكاء هذه الأم كان جرحا ليس مثل كل الجراح ، كان يأسر القلب بإحساس ليس له قياس، كانت ألامها بنغمة الآهات ، اقتربت منها أكثر سألتها عن أمرها ،أجابتها وبكاؤها يغلب كلماتها أن حكايتها كحكايات زمنها حكايات أبطالها متعبون.. مرهقون، لكنهم مرغمون على لعب كل الأدوار،تمرسوا على أيادي جلادين يحسنون دفن المشاعر في كل الأوقات، ثم صرخت طالبة الطبيب فابنها يموت ، وبلهفة غير معهودة حملت سناء الطفل بين ذراعيها وكأنها هي الأم الموعودة وأسرعت به إلى قسم الاستعجالات ، وهناك نطق الطبيب بكلمات أبطلت مفعول كل العقول الطفل ستبتر يداه ، نطقت عينا التي كانت تحتضن الأمل رغم الألم طلبت أن يأخذوا حياتها وينقذوا فلذة كبدها انهارت في الأرض تكابد حسرتها ولهفتها على ابنها الصغير ، هبت عليها رياح الندم على أنها هي من جنت على صغيرها بضعفها وبصمتها، وفي رحلة دائرة الحسرة أسمعتها سناء كلمات جعلتها تستسلم للأمر الواقع ، أن حياة طفلها هي الحقيقة الوحيدة التي يجب أن تتمسك بها، تم الاتصال بالوالد ، وبينما كان الطفل في غرفة العمليات راحت الأم تسرد حكايته المؤلمة بكلمات متقطعة ، كان طفلها زهرة تفتحت بين يديهما لكننا نسينا فطغينا، فكان ألم الطفل بيد من سقى ورعى هذه الزهرة ، أنه أباه ، كان الطفل يلعب ببراءة الأطفال يقفز هنا وهناك ويدور حول أثاث المنزل أثناء قيلولة والده العائد متعبا من العمل وفجأة تعثرت قدماه بالخيط الكهربائي الواصل بالحاسوب فأسقطه أرضا ، انتفض الوالد مفزوعا على صوت الارتطام وقد أفقده العقل الالكتروني صوابه وعقله وراح بسلوكه المعتاد المجرد من مشاعر الأبوة يمارس مفهوم الرجولة عنده باستعمال يديه الحديديتين لأن التربية في نظر من لا عقل له هي الضرب والمهانة والتعذيب ، كان العقاب بأكثر من الجرم ، كبل يدي طفله بكل قوة وأتقن معه كل فنون الضرب والتعذيب أو كما كان يعتبره تهذيبا ، ثم سجنه في غرفته بلا رحمة أو شفقة عليه، حتى تورمت يداه وتعفنت جراحه وبقيت الأم بلا حول ولا قوة، ما كادت تقولها حتى وصل الأب وعلم بما حل بابنه،انهار وبكى بكاء الثكالى وهو يسمع للطبيب يخاطب الأم أن الطفل حي يرزق ولكنه سيعيش مبتور اليدين بقية حياته ثم أكد لها أن هناك إجراءات قانونية ستتخذ تجاه من لم يأخذ من الإنسانية سوى اسمها انحدرت دموع الأب ندما ثم ما لبث أن أجهش بالبكاء كطفل صغير تاه عن والديه، انصرف مسرعا إلى الغرفة حيث يرقد ابنه، جلس بجانبه على طرف السرير يتأمله ينتظر أن يفيق من غيبوبته،استرجع حينها لحظة أول قبلة طبعها على يده بعد ولادته كانت يديه رقيقتين ناعمتين ورديتين،تذكر كيف كان يدربه على المسكة الصحيحة لأقلام الألوان وكم كانت سعادته وهو يلون العصافير والأزهار، وحين كان يعلمه كيف يرفع كلتا يديه للدعاء ،انتبه إلى وجود زوجته عند باب الغرفة مسندة رأسها عليه ،لم يكن يقوى على الكلام معها ، ساد بينهما صمت كان أبلغ من كل مؤاخذة ،وأوجز كل ما كان، الأم المسكينة أصبح مصابها مصابين وصبرها صبرين، أخيرا استفاق الطفل ووجد وجه أبيه قريبا جدا منه، أصيب بذعر شديد وناداه متعلثما حاول أن يبرر فعلته بأنه لم يكن ينوي أن .. قاطعه والده ومال عليه يحتضنه باكيا هامسا له بأن لا يخاف فالحاسوب والدنيا كلها فداه ، اهتز الطفل من أعماقه وهو يسمع أن والده يسميه " الغالي" وأنه يفديه بروحه، أراد الأب أن يطبع على وجنته الرقيقة قبله وما كاد يفعل حتى رفع الطفل ذراعيه بصعوبة نحوه لما رأى دموعه، أراد أن يمسح دموع أبيه ولكنه لم يجد تلك اليدين الصغيرتين بل وجد ضمادتين غليظتين فتأسف لأبيه أنه لم يتمكن من مسح دموعه ورجاه أن يعيد له يديه ووعده بأن لن يلعب ثانية ولن يكسر أي شيء في المنزل ..صرخ الأب بأعلى صوته ورفع يديه للسماء يرجو رحمة الله، لم يعد يتحمل معاناة ابنه فنهض وابتعد عنه ثم جلس على كرسي قريب من النافذة مسندا رأسه للخلف يتأمل ابنه والأم تجفف دموعه بين أحضانها، رمق الطفل أباه ينظر إلى ما وراء النافذة كانت عيناه مثبتتان وسأله.. ثم سأله، وألح عليه بالسؤال متى يغادرون إلى منزلهم، أنه يكره هذا المكان الذي أخذ منه يديه.. استغربت الأم صمت الأب الحزين ، نادته ولم يجب ،اقتربت منه فإذا هو جثة هامدة ، صرخت صرخة هرع إليها من هولها من كان بالمكان، تحرك الطفل بصعوبة محاولا النزول من السرير مستندا على ساعديه واتجه إلى أبيه يناديه، نطق الصغير عند رجلي أبيه فأخرس أفصح متحدث وألهب المشاعر وأبكى القلوب قبل بكاء العيون بأنه لن يطلب منه بعد الآن أن يعيد إليه يديه وأنه لا يريد من الدنيا سواه وإذ لم يسمع الأب نداء ابنه فعسى قوله رحمة له في قبره، احتضنت سناء الأم الموجوعة ولسان حالها يدعو بالبقاء ضعفاء بإنسانيتنا ولا العيش أقوياء بوحشيتنا .
0 comments:
إرسال تعليق