السرقات الأدبية ما بين التمييز والتهميش و النحل وتوارد الخواطر و نظرية التأثر والتأثير.
الحلقة الأولى
أولاً - المدخل : مما وقعت عليه عيني الكليلة في زمن السرقات الباقيات ..!!
أ - وكالة أنباء براثا تبرز اسماً ، وتهمش اسمي في بحث مهم عن دعبل الخزاعي (ح 4) من أصل سبع حلقات .
ب - ( بلادي ) الجعفري تمجد الجواهري بمقالتي (ح2 من أصل 5 حلقات) ، وتمسحني أرضاً ...!!
ج - موقع ( مترجم ) الإيراني ينحل ثلاث حلقات لغوية ، عفية عليكم ...فرهود ...!!
د موقع ( ستار تايمز ) ينحل ثلاث حلقات أخرى عن اللغة والشعر والشعراء والتجديد ...سامحه الله .....
هـ - قصيدتي الرائعة في رثاء الجواهري إبان تأبينه ليلة الأربعين ( 84 بيتاً من الكامل) ، نحلٌ ، فاعتذارٌ ، فقبول ..!!
بعض عباد الله ممن رفعتهم الظروف المأساوية والانهيار الثقافي والفكري لتسنم مناصب إعلامية - لا هم منها ، ولا عليها - يسطون على جهود فكرية وإبداعية وبحثية لغيرهم من الكتاب أو الشعراء أو الباحثين ممن أضنوا وأرقوا وسهروا كي تُسجل أسماؤهم في سجل الخالدين المقدس ، أو هكذا يحسبون ، ومن حقّهم يطمحون .
وأنا رجل ممن وقع عليه هذا السطو مرات عديدة ، والصدفة وحدها خدمتني لكشف بعضها ، رغم عيني الكليلة حتى العجز ، والله أعلم بخفايا الأمور ، ومما يحزُّ في نفسي هذا التمييز بين رجالات العراق والأمة ، لا أعلم كيف يظلمون إنساناً ، هم اختاروا مقالته أو بحثه في ترجمة رجل آخر ، لتمجيد الأخير ، وهو شهير ليس بحاجة لتلاعباتهم وسرقاتهم ، ويهمشون أو يغبطون حقّ آخر ، رفعوا شأنه بأنفسهم ضمناً.
فـ ( بلادي) الجعفري، تنقل الحلقة الثانية ( من أصل خمس حلقات عنه) عن الجواهري الكبيير ، وتمسح اسمي تماما عن المقالة ، ليس من باب السهو ، وإنما تعمداً ، بدليل استقطاع ما يشير لي في بداية البحث وخاتمنه ومراجعه .
ومن بعدُ عثرت على الحلقة الرابعة عن الشاعر الشهير ( دعبل الخزاعي ) ، من أصل سبع حلقات ، في موقع ( وكالة أنباء براثا) ، و قد نحل بطريقة خجولة ، تذكر اسم الناقل بشكل بارز ، وتضع اسمي مهمشاً مع المتن ، بالشكل الآتي
" الصفحة الفكرية
دعبل الخزاعي : مدارس آياتٍ بين الموقفين الموالي والمعارض 200 هـ - 205 هـ
علي عبد سلمان 534 09:25:52 2015-12-03
وكالة أنباء براثا
اهل البيت
كريم مرزة الأسدي (من سنة 200 هـ / 815 م - 203 هـ / 818 م)
دعبل الخزاعي لم يهجُ إلاّ بعد الخمسين عمراً ...!! دفاعا عن الرأي الآخر في التاريخ العربي وضرورة احترام وجهة نظره ..."
ومن قبلُ ، وقعت عيني صدفة على سرقة لثلاث حلقات من أصل أكثر من عشرين حلقة حتى الأن والخير قادم - بإذن الله - كتبتها عن علوم اللغة والعروض والقوافي - ناهيك عن كتابي الموسوم (نشأة النحو العربي ومسيرته الكوفية - مقارنة بين النحو البصري والنحو الكوفي - دمشق - دار الحصاد - 2003م.
نُـُشرت الحلقات ( الشعر وقضاياه ....العروض والتجديد) في موقع (ستار تايمز) بتاريخ ( 3 /6 / 2011 م، ونشرها موقع (مترجم عربي) ، وهوموقع إيراني في تير 1390 ، وسألت بعض الضليعين في اللغة الفارسية ، ذكر لي أنه الشهر الرابع 2011م ، ولم يذكروا المصدر ، ولا اسم كاتب هذه السطور ، وحسب علمي المتواضع أن الأيرانيين قد حللوا إعادة طبع الكتب على أساس أنّ المشتري للكتاب يصبح المالك الفعلي له! وله حق التصرف به شرعاً ، دعونا عن هذه الأجتهادات الفقهية - إن صحت - ودور النشر العربية ليست بأحسن حال ، فهي تسرق جهود الباحث والمؤلف جهاراً نهاراً على المكشوف ، وخصوصاً إذا كانت متنفذة ، ولا تخاف الله ، إذ لا توجد قوانين صارمة تحفظ حقوق الجهود الفكرية في عصر أصبح الإنسان العربي يذبح وبالملايين أتعس مما تذبح المواشي والخراف في مغرب الوطن العربي ومشرقه ، ولكن الإيرانيين لم يجيزوا حذف أو تغيير اسم المؤلف أو تجاهله , فهم أذكى من هذه الخزعبلات , بل من أكثر الأمم تمجيداً لأفذاذهم وعباقرتهم - والحق يقال -
نعود لصلب الموضوع والعود أحمد ، الحقيقة معظم هذه الحلقات المسروقة هي من مقدمة ديواني الأول ( وطني) الصادر من دار الوراق للنشر في دمشق سنة 1997م ، ثم نشرت الحلقات في العديد من المواقع العراقية والعربية ، ومن ضمنها موقع (كتابات في الميزان) بالتواريخ (15 / 2 / 2011م) ، (23 / 2 / 2011م) ، (24 /3 /2011م ، وفي موقع (النور) بالتواريخ (7 / 3/ 2011م) ، ( 23 / 3 / 2011م) ، ( 27 / 5/ 2011م)، وبـ (المثقف) اعتباراً من (7 /3/ 2011م) ، و(كتاب من أجل الحرية ) ابتداء من (5 / 3/ 2011م) ، وغيرها من المواقع كـ (كتابات - صحيفة يحررها كتابها) و(الأخبار) و (الحقيقة في العراق ) , و (الناصرية) ، و (مجلة الفكر الحر) الأردنية ، وموقع ( الأدبية) في طنجة المغرب ، وموقع (فوانيس السماء العربي) الجزائري لاحقاً ، - والحمد لله - يدخل عدة مئات من القراء لقرائتها في كل موقع ، فلكل موقعٍ قرّاؤه المتعودون عليه كالمكتبات العامة ، علما بأنّ بعض مؤلفاتي بعيت من قبل دور نشر عربية لسنوات عديدة على الشبكة العنكبوتية ، وبعضها وزعت من جامعات عربية بإرسالها لطلبتها ، ولكن باسم كاتب هذه السطور ، وطبعت كل الوثائق وحفظتها عندي ، وأنا العبد الفقير لله لا أهتم للأمور المادية بل بالشأن العلمي والفكري، فالثقافة يجب أن تكون مشاعة للجميع، وكما يقول سلفنا الصالح (الكتاب صدقة جارية) ، فغضضت الطرف ،ولكن عندما يغفل اسم الباحث تعتبر سرقة فكرية وشطب لكل سهر الليالي وتعب الأيام جهلاً أو مصلحة ، أو تمييزاً ، وهذا لا أسمح به مطلقاً ، ولا يسمح به غيري ، فالأمر عام وليس بخاص .
أرجو مخلصاً من كل صاحب موقع أو باحث أن يشير للمصدر وذكر اسم الباحث للأمانة العلمية ،واحتراما للفكر والجهد الإنساني بغض النظر عن مواصفات الذات المبدعة أو الباحثة ، وأهمية النص فالحكم للتاريخ والأجيال والذوق العربي و الإنساني ، فكم من مغمور اشتهر بعد مماته ، وكم من مشهور لمع في زمانه وخفت بعد زوال نعمته وعصره ، على كل حال الإنسان النابه مجبول للتطلع إلى الخلود ، فلولا هذا التطلع لما بحث الباحثون ، وسعى المكتشفون , ونظم الشعراء الخالدون , ونحت ورسم الفنانون , هذه سنة الحياة , ولن تجد لسنة الله تبديلا ، وعلى أكتاف هؤلاء حملت البشرية مشاعل النور ، وأركان الحضارة .
المهم أخيراً ، ربّما سأتوقف عن ذكر المصادر والمراجع لكل عمل يًعدُّ مشروع كتاب غير مطبوع سابقاً، تقبلوا احتراماتي وصبركم عليَّ ، فهذا موضوع عام وحساس . والله الموفق لكل خير .
ثانياً - السرقات الأدبية ما بين النحل وتوارد الخواطر و نظرية التأثر والتأثير:
1 - المقدمة :
الغيرة والحسد ، وإن جمّلتَ القول فقل عنهما : الغبطة والتنافس ، هذه طبائع جُبل عليها الإنسان من أجل الصراع الحيوي - ولا أعرف سلوك الجمادات - المتعدد الجوانب على هذه الأرض ، وإذا عجز عن الفعل (الأنسان المتعاجز) للحاق بالإنسان الآخر يلجأ للنفاق والقيل والقال لتخفيف عبء ما يختلج في نفسه من تراكمات الصراع النفسي المكبوت بالعُقد ، أو ما يعانيه من كسل وإهمال ، فلا هو يركد مثل الحكماء ويسكت ويتفهم الأمور بعمق ، ولا هو يطفو مثل عامة الناس للعيش بعفوية ولا يبالي بهذه الأشياء لأنها ليست من شغله أو أكثر وقتاَ مما يتوفر لديه للقيام بها ، وترى هذا لصراع في كل المجالات المادية والاجتماعية والقيادية والقكرية والإبداعية ، والصراع الشريف مشروع لكل الناس ، فالناس سواسية في قابلياتهم ، لو استغلوها أحسن استغلال ، ونظموها أفضل تنظيم ، ولكنهم يحتاجون إلى عزيمة جبارة ، و إصرار عنيد ، ومواصلة مستمرة ، ولـِ (الأنا ) ، وإبراز الذات دور فعال للنجاح فيها ، و (الأرادة ) القوية هي التي تحرك (العقل) وتسيره وتفعّله ، كما ذهب شوبنهور الألماني (ت 1860م) ، وما (عقل ) الجاحظ والمعتزلة والمتنبي والمعري إلا كناية عن ( الإرادة ) ، فالناس كلهم يمتلكون العقول ، ولكنهم لم يستغلوا إلا الجزء اليسير من قدراته الهائلة بسبب ضعف الإرادة ، بل يعتبر الدكتور الوردي ، وربما استعار المعنى من ( الفريدأدلر- 1937م) ، إن العقل عضو كالناب والعين والعضلة وأشواك النباتات ، وإنما يتميز عند من يحسن استخدامه ويطوره ويعوّده ، ومن هنا وردت كلمة عالم البيئة الأمريكي في العصر الحديث الحديث ( جون واسطن) مؤسس المدرسة السلوكية العلاجية (تأسست 1913م) بقوله : «أعطوني عشرة أطفال أصحاء أسوياء التكوين فسأختار أحدهم جزافًا وأدربه فأصنع منه ما أريد: طبيبًا أو فنانًا أو عالمًا أو تاجرًا أو لصًا... بغض الطرف عن ميوله وسلالة أسلافه " ، ومن هنا أيضاً جاءت كلمة ثلثي العبقرية كدٌّ وتعبٌ ، وأنا أزيد حتى 80% ، لا يكفي الإنسان أن يمتلك بوادر العبقرية وراثياً - إن صح التعبير - وتبقى نقطة لا تنمو ولا تثمر إلا بالسعي والإصرار.
إذاً الطبائع الإنسانية والصراع وحب الجاه مادياً واجتماعيا وعلميا وابداعيا ، تقف وراءه الإرادة الشريفة التي منحها الله لعبده ، يقول حافظ ابراهيم :
فــإذا رزقــت خـلـيقة مـحـمودة *** فـقـد اصـطـفاك مـقسم الأرزاق
فـالـناس هــذا حـظـه مــال وذا*** عــلـم ٍ وذاك مــكـارم الأخـــلاق
2 - سرقة أعمال المبدعين ونحلها لمن لا يستحقها ويفقهها :
إنّّ بعض الناس من أنصاف القادرين والمثقفين ، ممن يريد الشهد دون إبر النحل ، يحاول الوصول إلى الشهرة العلمية أوالإبداعية الخالدة دون طرق شرعية - شهرة المغنيين ولاعبى الرياضة وملكات الجمال غير خالدة لانها عضلية وعضوية - والشهرة ما هي بعمل هين دونها الأهوال والصواعق والأعاصير، ومن هؤلاء يتخيلون سرقة أعمال الغير لتكفيهم شر القتال والصراع ، وينسون التواصل والإصرار إلى آخر رمق من الحياة ، وهذه الظاهرة قديمة قدم الإبداع الأدبي والعلمي من قبل الإنسان ، يقول الأساذ ( ريوقي عبد الحليم - المجمع الجزائري للغة العربية) في مدونة (الأدب واللغة) : " فالسّرقة الأدبيّة قديمة قدم الإبداع الأدبي "فأسطورة أوديب [على سبيل المثال هي] أسطورة قديمة ألّفها " هوميروس" في نصف القرن التّاسع قبل الميلاد في النّشيد الحادي عشر من ملحمة الأديسيا ، وفي القرن الخامس قبل الميلاد جاء ثلاثة شعراء يونانيين كبار هم: " أسخيلوس"،"سوفوكليس" و"يوربيديس"، وأعادوا كتابتها لإعجابهم بها، وأعادها كتاب كثيرون مثل الشّاعر الإنجليزي "دريدن" في القرن السّابع عشر بعد الميلاد، والشّاعر الإيطالي "الفييري" في القرن الثّامن عشر بعد الميلاد، أمّا الفرنسيون فقد فتن شعراؤهم، وكتابهم بقصّة أوديب منذ أواخر القرن السّادس عشر إلى أن وضع كورناي قصّة تمثيلية لأوديب فتن بها معاصريه" (1) ، ويؤكد قوله بأنها سرقات بمواصلته الكلام :
" والسرقات الأدبية عرفت طريقها إلى الفكر العربي منذ العصر الجاهلي وحسبنا هنا قول طرفة بن العبد ( ت حوالي 72 ق هـ) :
ولا أغير عـلى الأشعار أسرقها **عنها غنيت وشرّ النّاس من سرقا
وإن أحسن بيت أنــــت قائـــله*** بيت يقـــال إذا أنشــدته صـــــدقا
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه في شعره الذي قاله قبل إسلامه (ت 50هـ) :
لا أسرق الشّعراء ما نطقوا بل ***لا يوافق شعرهم شعري " (2).
( النجوم بين الأشطر من وضع كاتب هذه السطور) .
رأي الأستاذ (يروقي ) حسب وجهة نظري المتواضعة عليه مؤاخذات كثيرة ، وفق هذا العصر والعصور القديمة ، هذه ليست بسرقات ولا توارد خواطر ولا هم يحزنون ، فهوكرر كلمة السرقة والسرقات مرتين ، و الأساطير كتب عنها كثير من عباقرة الدنيا بلغتهم وأسلوبهم وبثوا فيها من روحهم وأنفاسهم لتحول إلى إبداع جديد ، وتطور التجديد حسب ملائمة عصورهم ، وأذواق ناسهم ، وقد ذكرنا في حلقة أخرى ٌقول المازني " وتعجبني كلمة كتبها جُوته إلى معاصره وزميله شِلـّر، قال :
" لقد عادت النفس فحدّتني أنْ أنظم في قصة " وليم تل " قصيدة ، ولست أخشى عليّ من روايتك . ولا بأس عليك منـّي ، ولا بأس عليّ منك " . (3) ، والقصة المسرحية لشيللر تتكلم عن اسقلال سويسرا ، وبطلها ( وليام تل ) ، كتبها قبل (200)عام ، أي بعد (500) عام من التحرير والبطل السويسري.
وقل لي رجاء كم من العرب والمسلمين كتبوا عن سيرة النبي (ص) ، وكل سيرة عمل تاريخي وديني وإبداعي مستقل ، هل هذه سرقات ؟!
أبدأ من سيرة ابن هشام ، ثم هذبها عبد السلام هارون ، وسيرة ابن كثير ، وسيرة ابن إسحاق ،و جوامع السيرة لابن حزم الأندلسي ، وسيرة السيد محسن الأمين ، وعلى هامش السيرة د . طه حسين ، وحياة محمد للمستشرق الفرنسي أميل در منغم ، وحياة محمد د. محمد حسين هيكل ، وعبقرية محمد للأستاذ العقاد ، ناهيك عن كتب المغازي ، هذه ليست كتب سرقات ولا توارد خواطر ، كل واحد بكتب بإسلوبه الإبداعي ، تقرأها كلها و لا تمل وتقول هل من مزيد؟!
وكذلك من كتبوا عن جلجامش وانكيدوا والإمام(ع) ، الخليفة عمر بن الخطاب والمتنبي وأبي العلاء المعري عشرات المؤلفات والترجمات ، هل هذه سرقات ، وتواردخواطر ؟
كلا هذا إبداع لا تشوبه شائبة ، بشرط عدم سرقة تشكيلات الصياغة البلاغية ، والمعاني والأفكار الخاصة .
أما الشعر الذي ذكره الأستاذ ، فليس فيه مصداقية لسرقة ، لكن القيل والقال والحسد والصراع للكسب المادي والجاه يدفعهم لدفاع عن النفس وهجاء بقية الشعراء في عصور كان للشعر منزلة اجتماعية رفيعة ,ربما تأتي كلمات أو جمل من غـَرف بحر اللغة دون تقصد مشابهة لمن سبق أن استخدمها ، ومن هنا تأتي نصيحة الأصمعي لأبي نؤاس أحفظ عشرات الآلآف من أبيات الشعر ، وحفظها خلال سنتين ، ثم قال إذهب سنتين لنسيانها ، ولما حصل على ثروة لغوية ، قال له أبدأ بالنظم الآن ، ولكن من البديهي أن تتوارد كلمات أو جمل مما حفظ في شعره دون تقصد ، وقد تقحم الذهن خواطر متشايهة - كما سنتكلم في النقطة الثانية من هذه الحلقة ، وأنا أتكلم عن الشعراء الشعراء ، وليس عن أنصاف الشعراء ، وأنصاف الموهوبين , ولكن قبل الأنتقال أنقل لكم هاتين الحادثتين .
أ - تعارف نقاد الأدب قديماً وحديثاً على أن الشاعر (السارق) الآخذ من زميله معنى ، وأجاد فيه ، وأحسن عرضه , وأضاف فيه ، فالسرقة تكون محمودة ، فهذا سلم الخاسر بن عمرو بن حماد البصري عجبه بيتاً لبشار بن برد يقول فيه :
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ***وفاز بالطيبات الفاتك اللهجُ
فصعد (سلم الخاسر) الرابح ,واستلهم المعنى بإيجاز وبلاغة قائلاً :
من راقب الناس مات همّاً *** وفاز باللذة الجسورُ
وغضب بشار كثيراً , لأن الناس أخذوا يرددون بيت (الخاسر) ، وعبروا بيت بشار ونسوه ، وذكر الجرجاني في (الوساطة) قول بشار ، وسرقات حماد لشعره :
إذا أنشد حماد*** فقد أحسن بشار
هذا قول مجاملة ،ما زال شطر سلم الحماد يكتب مثلاً في كل مكان (من راقب الناس مات همّاً) .
ب - من المضحك المبكي ، إن الدكتور طه حسين قد نقد ديوان إيليا أبي ماضي (الجدوال) في الجزء الثالث من (حديث الأربعاء) يشكل فيه من القساوة الشديدة ، فيرى أن شعره مضطرب المعاني ، ضعيف الموسيقى ، رديء اللغة ، والقضية الوحيدة التي أثنى عليها هي قصيدة (الطين) ، أعجب بسمو ها الإنساني ، وجعلها في مقدمة شعر المحدثين ، ولكن أخذ عليها قافيتها (الدال الساكنة) التي ينقطع عندها النفس ، ولكن هذه القصيدة الرائعة ، يقول عنها الباحث الأردني روكس بن زائد العزيزي عام 1954 م ، إنها مسروقة المعاني كاملة (محال توارد خواطر) من شاعر بدوي مغمور يدعى (علي الرميثي) ، وأذيعت هذه القصة من (محطة الشرق العربي) ، وتناولتها صحف عديدة لا تقل عن خمس عشرة صحيفة ، وإليك بعض المقارنة بين القصيدتين التي أوردها العزيزي بيتاً بيتاً ، وعليك الحكم والفصل،أما أنا فرأيي بالطبع من رأي (عزيزي) ، ولوأنني أجلّ (أبا ماضي) بأعظم الأحترام ، ومعجب بشعره شديد الإعجاب ، ولكن أقرأ وقارن :
الرميثي: يا خوي ما نحن فحمة ما بها سنى *** ولا أنت شمس تلهب الدو بضياه
أبو ماضي : يا أخي لا تملْ بوجهك عني *** فما أنا فحمة ولا أنت فرقدْ
الرميثي: لصار ما تأكل ذهب لو تبلى *** يا خوي شو نفع الذهب لو تقناه
أبو ماضي : أنت لا تاكل النضار إذا جعتْ*** ولا تشرب الجمان المنضدْ
الرميثي: نحلم حلوماً حلوة يوم نرضى*** وتمر يوم السعد ما بان طاه
أبو ماضي :ولقلبي كما لقلبك أحلام ***حسان فأنها غير جلمدْ
الرميثي : كلنا للترب نمشي ونحيا ***ولا توهمك يا الضبع نفسك يمشاه
أبو ماضي : أنت مثلي من الثرى وإليه ***فلماذا يا صاحبي التيه والصدْ (4)
وهكذا تستمر القصيدة حتى الآخير بسرقة المعنى كاملاً ، وأحيانا كثيرة الألفاظ ، والعزيزي كما هو معروف اهتم بالتراث البدوي ، وإن والد الشاعر أبي ماضي كان يتاجر مع بدو منطقة مادبا موطن الشاعر الرميثي ، وكذلك اكتشف الدكتور أحمد زكي أبو شادي مصادفة إن قصيدة أبي ماضي (هي) ليست سوى ترجمة حرفية لقصيدة بالأنكليزية تحت عنوان (نخب الفارس) ، وأخيراً من الإنصاف أن نذكر أن العزيزي هو صديق مخلص للدكتور أبي شادي خصم الشاعر أبي ماضي في المهجر .(5)
فذلكة الأقوال الباررزة أن سلم الخاسر بن حماد ، لم يسرق سوى معنى واحد ونجح في مبناه ، لأن الشعر ليس معنى فقط ، وإنما معنى ومبنى ، وغفر النقاد له واستحسنوه و أجادوه ، ومن هنا لو الشاعر المترجم للأعمال الأدبية يعلن عن ترجمته ، قد ينجح العمل أكثر مما هو مكتوب بلغته الأصلية ، فللتشكيل أثر فعال ومهم في العمل الإبداعي ، ولكن سرقة أبي ماضي للمعنى من لغة عربية حتى أنها تشمل بعض الألفاظ ، وبالرغم من إصرار أبي ماضي أن القصيدة غير مسروقة ، ولكن العزيزي حتى أواخر عمره (1983) ورجليه في القبر يصر على صحة روايته ، ويدافع عنها ، مهما يكن من أمر ، فإيليا أ بو ماضي من شعراء العرب الكبار ، لا ريب قي ذلك.
ثالثاً - السرقات الأدبية ما لها وما عليها . . .!!
أ - توارد الخواطر والسرقات اللاسرقات !!:
مما لا شك فيه أنّ الأفكار والخواطر تتولد في أكثر من عقل ، وتختمر في عدة أذهان مادام الإنسان هو الإنسان ، والصراع في الحياة هو الصراع من أجل البقاء ، والتنافس حول المادة والجنس والجاه الاجتماعي ، ومحاولة تفهم سر الحياة ولغز وجودها ، والموت وما بعده ، هذه مجتمعة هي الشغل الشاغل لديه ، وخصوصاً في العقول الواعية المتأملة ، ربما سرالوجود وقضية الموت تأخذ حيزاً أوسعاً لدى الفلاسفة والمفكرين ، وينظرون بعين البصيرة للصراع الفاني ، وربما تنبثق إلى الوجود بمظهر واحد أو عدة مظاهر لها ماهية واحدة في عصر واحد أو عدة عصور متقاربة أو متباعدة لنفس الأمة أو من أمم مختلفة ، ولا ريب في البيئة الواحدة قد تكثر توارد الخواطر نفسها لتشابه الظروف الموضوعية (لكلِّ امرىءٍ من دهره ما تعوّدا) .
وقد يستهوي شاعر أ و كاتب فكرة معينة ، فيقتبسها ويضفي عليها من روحه وفكره ويجيد ،هذه لا تعتبر سرقة ، فالمعاني والتجارب الحياتية متوفرة في الوجود وبين أفراد البشر ، وتمر أمام الجميع ولا ينتبهون إليها ، قد يعرفها من يعرف ، والشاطر اللبيب من يشير إليها ويمسك بها ويقدمها للإنسانية على صحن من ذهب ، والصياغة البلاغية قد تعجب كثير من الشعراء ويعارضونها عمداً لا صدفة ، وهنا يجب أن تكون المعارضة لا تقل عن النسخة الأصلية ، لأن فيها شيئاً من التحدي ، كمعارضات أحمد شوقي ( ت 1932م) لسينية البحتري ( ت 284 هـ /897م) في وصف إيوان كسرى :
صُنْتُ نَفسي عَمَّا يُدَنِسُ نَفْسي*** وتَرَفَّعْتُ عن جَدا كل جِبْسِ
أما شوقي فوصف الأندلس ، وآثار مصر على نفس الوزن والقافية والروي :
اختلاف النهار والليل ينسي *** اذكرا لي الصبا وأيام أنسي
ولدالية الحصري القيرواني الضرير ( 488هـ /1095م)،التي عارضها ثلاثة وتسعون شاعراً كبيراً ، فعجزوا عن مجاراتها :
يا ليلُ الصبّ ُ متى غدُهُ *** أقيامً الساعةٍ موعدُهُ
ربّما شوقي كان أفضلهم بقصيدته ، ولكن ما وصل إليها :
مُضْنــــاك جفـــاهُ مَرْقَـــدُهُ *** وبَكــــاه ورَحَّــــمَ عُـــوَّدُهُ
وعارض قصيدة ابن زيدون ( ت 463 هـ / 1071م) ( أضحى التنائي بديلا من تدانينا ) وغيرها ، وكان يروم أن يثبت جدارته ومقدرته . وكان موفقاً ، والمعاراضات كانت معروفة من قبل بشكل عفوي أو مقصود ، وإذا وضع الشويعر القصيدة المٌعارضة أمامه وحبك مثلها تقليدا مشوهاٌ ، فهذه أتعس من السرقة ، أو سرقة مصطنعة مكانها سلة المهملات .
أنا معجب بدعبل بن علي الخزاعي (148 هـ - 246 هـ / 765 - 860م) ، وألفت عنه كتاباُ بأكثر من خمسمائة صفحة ، لأنه صاحب موقف قل وجوده في التاريخ العربي لهجائه المقذع ، وسخريته العجيبة قبل ظهور هذا الفن وأوسمت كتابي المخطوط (دعبل ...الوجه الآخر للشعر العربي ) هجا أكبر وأعظم خلفاء بني العباس كهارون والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل بوزرائهم وولاتهم وحجابهم وقادتهم العسكريين والأمنيين ، ولكن مدحه لايقل عن هجائه ، بل أكثر لآل البيت وغيرهم، يشبهه المرحوم هادي العلوي بظاهرة مظفر النواب في هذا العصر ، والنواب تأثر بشعره وثبتت ذلك في كتابي بالشواهد ، مع فارق كان دعبل ملتزماً بخط آل البيت ، إذ كانوا يمثلون المعارضة العقائدية فمدحهم وأطال ، المهم مع هذا لا أوافقه على قوله ورأيه بحق أبي تمام ( 180 هـ - 228 هـ / 796 - 843م) شاعر المعتصم ، ومدحه بقصيدته الرائعة بعد انتصاره بفتح عمورية (223 هـ / 838م ) ، بقوله الشهير:
السيف أصدق أنباءً من الكتب ***في حدّه الحدّ بين الجدِّ واللعبِ ِ
إذ يقول عن أبي تمام لما سئل عنه فقال : ثلث شعره مسروق وثلث شعره صال وثلث شعره غث .
دعبل في عصره كان شيخ الشعراء وأشهرهم و وأكبرهم ، كان ديوانه سبعة مجلدات ، والآن لا يتجاوز ألف ومائتين بيت شعر ، وله (طبقات الشعراء ) لم يصل إلينا ، ولكن قوله في شعر أبي تمام غير منصف ، فهو شعر رائع الصنعة ،متين الإجاز ، قوي البنيان ، ذهب على ألسنة الناس كالأمثال ، وارتقى إلى العقول الرفيعة ، ولكن هنالك بعض الإفراط في الصناعة . زاد على ما بدأه مسلم بن الوليد (صريع الغواني (130 هـ - 209هـ / 747 - 823م), و الإسفاف في بعض المعاني ، وقلنا سابقاً ونعيد اتفق نقاد الأدب قديما وخديثاً : إنّ الشاعر الآخذ من زميله معنى ، إذا ما أحسن عرضه ، وأضاف إليه ، فالسرقة تكون محمودة ، وتسألني لماذا؟ لأن الشعر والنثر الأدبي الرائع ليس معنى فقط ، بل قابلية إبداعية فذة إضافة إلى صياغة وبناء وبلاغة واسلوب ، وهذه أمور مهمة للنص الأدبي .
فأبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي ( ت 370 هـ/ 981 م) الذي سيطر على التراث النقدي حتى عصره. وكان ناقداً بناء، وكان منهجه واضحاً في اكبر اثر نقدي وصل إلينا من آثاره وذلك هو كتاب " الموازنة بين الطائيين " ، وما كان منصفاً في أحكامه ، فهو ميال للسيد البحتري ، وكان يؤثر طريقته ويميل إليها.
ومن اجل ذلك جعلها " عمود الشعر " ونسبها إلى الأوائل وصرح بأنه من هذا الفريق دون مواربة ، فقد عرض لسرقات أبي تمام من جميع الشعراء ، وخرج بالمجموع (151) بيتا مسروق المعنى ، على نحو تفصيلي. فلما وصل إلى البحتري، اكتفى بكر ما سرقه البحتري من أبي تمام وحسب . (6)
وكتب مهلهل بن يموت ( سرقات أبي نؤاس) .حياة أبي نؤاس بين (145 هـ - 198 هـ / 762 - 813) , وأنا أظن كثيراً أكبر خمس سنوات من العمر المذكور (142 - 200 هـ) ، وأبن وكيع التنيس ألف ( المنصف في الدلالات على سرقات المتنبي ) ، بالإضافة إلى ما ذكر القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني عن السرقات في كتابه ( اوساطة بين المتنبي وخصومه) ، ناهيك عن (الرسالة الحاتمية ) الموسومة (الرسالة الموضحة عن ذكر سرقات المتنبي وساقط شعره) لمحمد بن الحسن المهلبي صاحب الوزير المهلبي (7) ،هل سمعت لهؤلاء ؟
أما المتنبي فعاش بين (303 هـ - 354 هـ / 915 - 965 م ) ، هذة السرقات المزعومة كلها كلام هراء بالنسبة للشعراء العباقرة ، أنا العبد الفقير لله ، ولا يمكن مقارنتي ولو بقيد شعرة بهؤلاء العظام أقول :
لغة ٌ أطوّعها كبعض أناملي ***أنـّى أشاءُ وأيُّ قول ٍ يملحُ
أما أن تقول لي المتنبي يسرق والجواهري ينتحل ، هذه مسخرة ، لأن هؤلاء حين الإلهام الشعري ، تأتيهم الشوارد من حيث يدرون أو لا يدرون ، يقول المتنبي :
أنامُ ملء جفوني عن شواردها *** ويسهر الخلق جراها ويختصمُ
ويقول الجواهري:
لا تقترح جنس مولودٍوصورته *** وخلـّها حرّة تأتي بما تلدُ
كان الشعراء في ذلك الوقت لهم قدسية ، وعلو مرتبة ، ومنزلة اجتماعية رفيعة ، وحالة مادية هائلة ، وخدم وحشم ، فيحاول بعض المتنفذين من الإشارة للكتاب والحجاب، وربما للخلفاء والسلاطين باتهامهم بشتى التهم كالسرقات الأدبية ، والإلحاد ، والزندقة ، والفسق ، وهم على كل حال بشر ، ولكن تضخم عليهم الأمور ، فلذا أرجوك أن لا تتخيل أني سأقدم لك أمثلة مزيفة عن سرقات هؤلاء الكبار، أبحث عن أنصاف الشعراء ، وأرباع المثقفين ، واللغة كالبحر تهطل عليه القصائد العظيمة ، والنثر الرفيع ، والأدب البليغ ، ويصبح ملك الأمة ، فيحق لكل أديب أن يغرف منه ما يشاء ويحفظ في عقله الباطن والظاهر، ويختمر بذهنه ، ويبدع مستجداً، ويبثه من اللاوعي أو بشكل لا إرادي ، فتخرج كلمة من المتني وثانية من المعري وتالتة من الجواهري ورابعة من العقاد ، وخامسة وسادسة وسابعة مما يعرف ، دون إحساس ولا تقصد ، والسارق من يضع النصوص أمامه ويرتب بلا فهم ولا معرفة , ولا تعب , ولا موروث , ولا دراسة متعمقة ، وهؤلاء هم أنصاف المثقفين ، لذلك قسم بعض العرب اللطفاء الشعراء إلى ثلاثة : شاعر وشويعر وشعرور !! - إن صح التعبير - .
المهم ذكر لنا ابن الأثير أقسام السرقات :
1- النسخ :أخذ اللفظ والمعنى.
2 - السلخ : أخذ بعص المعنى.
3 - المسخ : إحالة المعنى إلى ما دونه.
4 - أخذ المعنى مع الزيادة.
5 - عكس المعنى إلى ضده .(8)
وكلام ابن الأثير لا ينطبق على العمالقة ، وإن بحث في ثنايا شعرهم ، لأن عصره كان يندهش لهذه المعرفةالواهمة ، والمقارنة التي وردت في أبيات شعرهم ، وقد يقع الحافر على الحافر ، أما بالنسبة لغيرهم من المتشاعرين ، فقد يصدق عليهم على أعلب الظن .
أما في الأدب الغربي ، فقبل أن نسلط الضوء على توارد الخواطر بين شعراء العرب ، وشعراء الغرب , وربما العرب سبقوهم في الأفكار ، ولكن نأخذ بشكل مختصر رأي بعض النقاد الغربيين لإطالتنا في هذه الحلقة ، يقول (نورثروب فراي) " الشاعر أيضاً كالمؤرخ ، يقلد الأعمال في كلمات , على الأقل في المسرخيات والملاحم , إلا أن الشاعر لا يقدم أقوالاً معينة حقيقية ...الشاعر لايملك نموذجاً خارجياً يحتذى به ، لذا يحكم عليه بالنسبة لسلامة بنيته الكلامية ، أو تماسكها " .(9)
وهذا ما ذهبنا إليه سابقاً ، الشعر ليس بتاريخ ، وإنما رؤية جديدة لما يحدث ، أو لما سيحدث ، ويعتمد على الصياغة البلاغية ، ولك أن تقول الكلامية ، فأنت كطرب للكلام الجميل الطروب ، يسحرك بحاسة السمع ، وتتفاعل مع المعاني السامية ، أو الوقائع الجارية ، تنفث همومك ، أو همومك ، أو تنفح سرورك ،
وهكذا يذهب "(غولدمان) (10) : يمكننا أن نكتشف التشابه والتماهي في عدة نصوص شعرية من دون أن يعني هذا التشابه سرقة أو تحايلاً أو تآمراً " .(11 )
أمّا (الفرد هو سمان) فيذكر : إن الشعر ليس المعنى الذي يقال ، ولكن هو الطريقة التي يعبر بها عن هذا المعنى ، فنفس الفنان تستوعب ما ترى ، وما تختبر ، وتظل تختزن حصيلة ما يصل إليها عن طريق الحواس التي تربطها إحساسياً بالعالم الخارجي ، فضلاً عن الموروث في اللاشعور الجماعي ، ومن هذا الحشد تنبثق سطور الخوالج والمشاعر والغواطف " .(12)
وقد فصل القول في هذا المجال الدكتور مصطفى سويف في كتابه القيم ( الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة ) بقوله : لذا في ضوء هذه المكتشفات أسقط النقد الأدبي الحديث فكرة السرقات .(13)
وعلى أساس فكرة التأثر والتأثير بين الآداب قام صرح الأدب المقارن ، ولما ألغينا فكرة سرقة المعاني لدى الشعرا الشعراء التي شغلت أفكار واهتمام القدماء لعدم توفر الكوامن النفسية ،ونتائج علم النفس الحديث وحقائقه ، يجب أنْ لا ننسى نصيحة الأصمعي الذكية لأبي نؤاس ، وأن لا نضع قصيدة شاعرآخر أمام أعيننا ونبني على أساسها معاني قصائدنا وتشكيلها , مثل ما يقال عن إيليا أبي ماضي - والله أعلم -
نعم يسمح للمبتدئين أن يقوموا نفسهم ، ويسألون ويجدون ، والشعر ليس بصعب على الموهوبين بهذا المجال , استميحكم عذراُ لتكملة الموضوع في الحلقة القادمة ، والمقال طالت طوائله، وأخشى من ملل القارئ الكريم ، تحية لصبركم وكرمكم .
إلى الحلقة الثانية من ملامح توارد الخواطر بين أمة العرب وأمم الغرب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
wner\Desktop\ (1) - ريوقي عبد الحميد : مدونة اللغة والأدب ( السرقات الأدبية و توارد الخواطر ) ، لم يذكر المصادر والمراجع سوى أرقام .
(2) المصدر نفسه .
(3) (ابن الرومي حياته وشعره ) : كمال أبو مصلح ، تقديم المازني ص 31 - 1987 م - المكتبة الحديثة.
(4) ( للعبقرية أسرارها ...) : كريم مرزة الاسدي ص 154 - 155 - دار فجر العروبة - 1996م - دمشق ، نقلا عن (مجلة العربي ) العدد (94) مايو - 1983 - مقال بقلم توفيق أبو الرب .
(5) (للعبقرية أسرارها ...) : المصدر نفسه.
(6) راجع عن (الآمدي)
http://www.dahsha.com/old/viewarticle.php?
(تلخيص كتاب النقد الأدبي عند العرب ) : إحسان عباس - الفصل الثاني .
(7) بعض الأفكار مأخوذة من مقال لكاتب هذه السطور من حلقة واحدة ، نشر في جريدة (الوطن)العراقية , تحت العنوان نفسه في العدد (39) بتاريخ : (1 أيار 1996م) .
(8) المصدر نفسه .
(9) (الماهية والخرافة - دراسة في الميثولجيا الشعرية ) : نورثروب فراي ص 83 ترجمة هيفاء هاشم - منشورات وزارة الثقافة - 1992 - دمشق.
(10) ربما يقصد الكاتب الآتي ذكره ( لوسيان غولدمان)(1913 - 1970) ، وهو فيلسوف فرنسي يهتم بعلم الاجتماع الأدبي ، ويعتبر من أهم وجوه البنيوية التكوينية ، لآن هنالك عدة علماء يحملون اسم (غزلمان.
(11) جريدة الوطن : مقال بقلم ناجي خسين - مقال تحت عنوان (تحامل أم ماذ ؟ !!!) العدد 39 ص (14) .
(12) ( إليوت) : الدكتور فائق متي ص 58 م. س.
(13) المصدر نفسه ، وراجع ( الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة ) : د . مصطفى سويف - دار المعرف - ج .م. ع .الطبعة الرابعة - بلا.
الحلقة الأولى
أولاً - المدخل : مما وقعت عليه عيني الكليلة في زمن السرقات الباقيات ..!!
أ - وكالة أنباء براثا تبرز اسماً ، وتهمش اسمي في بحث مهم عن دعبل الخزاعي (ح 4) من أصل سبع حلقات .
ب - ( بلادي ) الجعفري تمجد الجواهري بمقالتي (ح2 من أصل 5 حلقات) ، وتمسحني أرضاً ...!!
ج - موقع ( مترجم ) الإيراني ينحل ثلاث حلقات لغوية ، عفية عليكم ...فرهود ...!!
د موقع ( ستار تايمز ) ينحل ثلاث حلقات أخرى عن اللغة والشعر والشعراء والتجديد ...سامحه الله .....
هـ - قصيدتي الرائعة في رثاء الجواهري إبان تأبينه ليلة الأربعين ( 84 بيتاً من الكامل) ، نحلٌ ، فاعتذارٌ ، فقبول ..!!
بعض عباد الله ممن رفعتهم الظروف المأساوية والانهيار الثقافي والفكري لتسنم مناصب إعلامية - لا هم منها ، ولا عليها - يسطون على جهود فكرية وإبداعية وبحثية لغيرهم من الكتاب أو الشعراء أو الباحثين ممن أضنوا وأرقوا وسهروا كي تُسجل أسماؤهم في سجل الخالدين المقدس ، أو هكذا يحسبون ، ومن حقّهم يطمحون .
وأنا رجل ممن وقع عليه هذا السطو مرات عديدة ، والصدفة وحدها خدمتني لكشف بعضها ، رغم عيني الكليلة حتى العجز ، والله أعلم بخفايا الأمور ، ومما يحزُّ في نفسي هذا التمييز بين رجالات العراق والأمة ، لا أعلم كيف يظلمون إنساناً ، هم اختاروا مقالته أو بحثه في ترجمة رجل آخر ، لتمجيد الأخير ، وهو شهير ليس بحاجة لتلاعباتهم وسرقاتهم ، ويهمشون أو يغبطون حقّ آخر ، رفعوا شأنه بأنفسهم ضمناً.
فـ ( بلادي) الجعفري، تنقل الحلقة الثانية ( من أصل خمس حلقات عنه) عن الجواهري الكبيير ، وتمسح اسمي تماما عن المقالة ، ليس من باب السهو ، وإنما تعمداً ، بدليل استقطاع ما يشير لي في بداية البحث وخاتمنه ومراجعه .
ومن بعدُ عثرت على الحلقة الرابعة عن الشاعر الشهير ( دعبل الخزاعي ) ، من أصل سبع حلقات ، في موقع ( وكالة أنباء براثا) ، و قد نحل بطريقة خجولة ، تذكر اسم الناقل بشكل بارز ، وتضع اسمي مهمشاً مع المتن ، بالشكل الآتي
" الصفحة الفكرية
دعبل الخزاعي : مدارس آياتٍ بين الموقفين الموالي والمعارض 200 هـ - 205 هـ
علي عبد سلمان 534 09:25:52 2015-12-03
وكالة أنباء براثا
اهل البيت
كريم مرزة الأسدي (من سنة 200 هـ / 815 م - 203 هـ / 818 م)
دعبل الخزاعي لم يهجُ إلاّ بعد الخمسين عمراً ...!! دفاعا عن الرأي الآخر في التاريخ العربي وضرورة احترام وجهة نظره ..."
ومن قبلُ ، وقعت عيني صدفة على سرقة لثلاث حلقات من أصل أكثر من عشرين حلقة حتى الأن والخير قادم - بإذن الله - كتبتها عن علوم اللغة والعروض والقوافي - ناهيك عن كتابي الموسوم (نشأة النحو العربي ومسيرته الكوفية - مقارنة بين النحو البصري والنحو الكوفي - دمشق - دار الحصاد - 2003م.
نُـُشرت الحلقات ( الشعر وقضاياه ....العروض والتجديد) في موقع (ستار تايمز) بتاريخ ( 3 /6 / 2011 م، ونشرها موقع (مترجم عربي) ، وهوموقع إيراني في تير 1390 ، وسألت بعض الضليعين في اللغة الفارسية ، ذكر لي أنه الشهر الرابع 2011م ، ولم يذكروا المصدر ، ولا اسم كاتب هذه السطور ، وحسب علمي المتواضع أن الأيرانيين قد حللوا إعادة طبع الكتب على أساس أنّ المشتري للكتاب يصبح المالك الفعلي له! وله حق التصرف به شرعاً ، دعونا عن هذه الأجتهادات الفقهية - إن صحت - ودور النشر العربية ليست بأحسن حال ، فهي تسرق جهود الباحث والمؤلف جهاراً نهاراً على المكشوف ، وخصوصاً إذا كانت متنفذة ، ولا تخاف الله ، إذ لا توجد قوانين صارمة تحفظ حقوق الجهود الفكرية في عصر أصبح الإنسان العربي يذبح وبالملايين أتعس مما تذبح المواشي والخراف في مغرب الوطن العربي ومشرقه ، ولكن الإيرانيين لم يجيزوا حذف أو تغيير اسم المؤلف أو تجاهله , فهم أذكى من هذه الخزعبلات , بل من أكثر الأمم تمجيداً لأفذاذهم وعباقرتهم - والحق يقال -
نعود لصلب الموضوع والعود أحمد ، الحقيقة معظم هذه الحلقات المسروقة هي من مقدمة ديواني الأول ( وطني) الصادر من دار الوراق للنشر في دمشق سنة 1997م ، ثم نشرت الحلقات في العديد من المواقع العراقية والعربية ، ومن ضمنها موقع (كتابات في الميزان) بالتواريخ (15 / 2 / 2011م) ، (23 / 2 / 2011م) ، (24 /3 /2011م ، وفي موقع (النور) بالتواريخ (7 / 3/ 2011م) ، ( 23 / 3 / 2011م) ، ( 27 / 5/ 2011م)، وبـ (المثقف) اعتباراً من (7 /3/ 2011م) ، و(كتاب من أجل الحرية ) ابتداء من (5 / 3/ 2011م) ، وغيرها من المواقع كـ (كتابات - صحيفة يحررها كتابها) و(الأخبار) و (الحقيقة في العراق ) , و (الناصرية) ، و (مجلة الفكر الحر) الأردنية ، وموقع ( الأدبية) في طنجة المغرب ، وموقع (فوانيس السماء العربي) الجزائري لاحقاً ، - والحمد لله - يدخل عدة مئات من القراء لقرائتها في كل موقع ، فلكل موقعٍ قرّاؤه المتعودون عليه كالمكتبات العامة ، علما بأنّ بعض مؤلفاتي بعيت من قبل دور نشر عربية لسنوات عديدة على الشبكة العنكبوتية ، وبعضها وزعت من جامعات عربية بإرسالها لطلبتها ، ولكن باسم كاتب هذه السطور ، وطبعت كل الوثائق وحفظتها عندي ، وأنا العبد الفقير لله لا أهتم للأمور المادية بل بالشأن العلمي والفكري، فالثقافة يجب أن تكون مشاعة للجميع، وكما يقول سلفنا الصالح (الكتاب صدقة جارية) ، فغضضت الطرف ،ولكن عندما يغفل اسم الباحث تعتبر سرقة فكرية وشطب لكل سهر الليالي وتعب الأيام جهلاً أو مصلحة ، أو تمييزاً ، وهذا لا أسمح به مطلقاً ، ولا يسمح به غيري ، فالأمر عام وليس بخاص .
أرجو مخلصاً من كل صاحب موقع أو باحث أن يشير للمصدر وذكر اسم الباحث للأمانة العلمية ،واحتراما للفكر والجهد الإنساني بغض النظر عن مواصفات الذات المبدعة أو الباحثة ، وأهمية النص فالحكم للتاريخ والأجيال والذوق العربي و الإنساني ، فكم من مغمور اشتهر بعد مماته ، وكم من مشهور لمع في زمانه وخفت بعد زوال نعمته وعصره ، على كل حال الإنسان النابه مجبول للتطلع إلى الخلود ، فلولا هذا التطلع لما بحث الباحثون ، وسعى المكتشفون , ونظم الشعراء الخالدون , ونحت ورسم الفنانون , هذه سنة الحياة , ولن تجد لسنة الله تبديلا ، وعلى أكتاف هؤلاء حملت البشرية مشاعل النور ، وأركان الحضارة .
المهم أخيراً ، ربّما سأتوقف عن ذكر المصادر والمراجع لكل عمل يًعدُّ مشروع كتاب غير مطبوع سابقاً، تقبلوا احتراماتي وصبركم عليَّ ، فهذا موضوع عام وحساس . والله الموفق لكل خير .
ثانياً - السرقات الأدبية ما بين النحل وتوارد الخواطر و نظرية التأثر والتأثير:
1 - المقدمة :
الغيرة والحسد ، وإن جمّلتَ القول فقل عنهما : الغبطة والتنافس ، هذه طبائع جُبل عليها الإنسان من أجل الصراع الحيوي - ولا أعرف سلوك الجمادات - المتعدد الجوانب على هذه الأرض ، وإذا عجز عن الفعل (الأنسان المتعاجز) للحاق بالإنسان الآخر يلجأ للنفاق والقيل والقال لتخفيف عبء ما يختلج في نفسه من تراكمات الصراع النفسي المكبوت بالعُقد ، أو ما يعانيه من كسل وإهمال ، فلا هو يركد مثل الحكماء ويسكت ويتفهم الأمور بعمق ، ولا هو يطفو مثل عامة الناس للعيش بعفوية ولا يبالي بهذه الأشياء لأنها ليست من شغله أو أكثر وقتاَ مما يتوفر لديه للقيام بها ، وترى هذا لصراع في كل المجالات المادية والاجتماعية والقيادية والقكرية والإبداعية ، والصراع الشريف مشروع لكل الناس ، فالناس سواسية في قابلياتهم ، لو استغلوها أحسن استغلال ، ونظموها أفضل تنظيم ، ولكنهم يحتاجون إلى عزيمة جبارة ، و إصرار عنيد ، ومواصلة مستمرة ، ولـِ (الأنا ) ، وإبراز الذات دور فعال للنجاح فيها ، و (الأرادة ) القوية هي التي تحرك (العقل) وتسيره وتفعّله ، كما ذهب شوبنهور الألماني (ت 1860م) ، وما (عقل ) الجاحظ والمعتزلة والمتنبي والمعري إلا كناية عن ( الإرادة ) ، فالناس كلهم يمتلكون العقول ، ولكنهم لم يستغلوا إلا الجزء اليسير من قدراته الهائلة بسبب ضعف الإرادة ، بل يعتبر الدكتور الوردي ، وربما استعار المعنى من ( الفريدأدلر- 1937م) ، إن العقل عضو كالناب والعين والعضلة وأشواك النباتات ، وإنما يتميز عند من يحسن استخدامه ويطوره ويعوّده ، ومن هنا وردت كلمة عالم البيئة الأمريكي في العصر الحديث الحديث ( جون واسطن) مؤسس المدرسة السلوكية العلاجية (تأسست 1913م) بقوله : «أعطوني عشرة أطفال أصحاء أسوياء التكوين فسأختار أحدهم جزافًا وأدربه فأصنع منه ما أريد: طبيبًا أو فنانًا أو عالمًا أو تاجرًا أو لصًا... بغض الطرف عن ميوله وسلالة أسلافه " ، ومن هنا أيضاً جاءت كلمة ثلثي العبقرية كدٌّ وتعبٌ ، وأنا أزيد حتى 80% ، لا يكفي الإنسان أن يمتلك بوادر العبقرية وراثياً - إن صح التعبير - وتبقى نقطة لا تنمو ولا تثمر إلا بالسعي والإصرار.
إذاً الطبائع الإنسانية والصراع وحب الجاه مادياً واجتماعيا وعلميا وابداعيا ، تقف وراءه الإرادة الشريفة التي منحها الله لعبده ، يقول حافظ ابراهيم :
فــإذا رزقــت خـلـيقة مـحـمودة *** فـقـد اصـطـفاك مـقسم الأرزاق
فـالـناس هــذا حـظـه مــال وذا*** عــلـم ٍ وذاك مــكـارم الأخـــلاق
2 - سرقة أعمال المبدعين ونحلها لمن لا يستحقها ويفقهها :
إنّّ بعض الناس من أنصاف القادرين والمثقفين ، ممن يريد الشهد دون إبر النحل ، يحاول الوصول إلى الشهرة العلمية أوالإبداعية الخالدة دون طرق شرعية - شهرة المغنيين ولاعبى الرياضة وملكات الجمال غير خالدة لانها عضلية وعضوية - والشهرة ما هي بعمل هين دونها الأهوال والصواعق والأعاصير، ومن هؤلاء يتخيلون سرقة أعمال الغير لتكفيهم شر القتال والصراع ، وينسون التواصل والإصرار إلى آخر رمق من الحياة ، وهذه الظاهرة قديمة قدم الإبداع الأدبي والعلمي من قبل الإنسان ، يقول الأساذ ( ريوقي عبد الحليم - المجمع الجزائري للغة العربية) في مدونة (الأدب واللغة) : " فالسّرقة الأدبيّة قديمة قدم الإبداع الأدبي "فأسطورة أوديب [على سبيل المثال هي] أسطورة قديمة ألّفها " هوميروس" في نصف القرن التّاسع قبل الميلاد في النّشيد الحادي عشر من ملحمة الأديسيا ، وفي القرن الخامس قبل الميلاد جاء ثلاثة شعراء يونانيين كبار هم: " أسخيلوس"،"سوفوكليس" و"يوربيديس"، وأعادوا كتابتها لإعجابهم بها، وأعادها كتاب كثيرون مثل الشّاعر الإنجليزي "دريدن" في القرن السّابع عشر بعد الميلاد، والشّاعر الإيطالي "الفييري" في القرن الثّامن عشر بعد الميلاد، أمّا الفرنسيون فقد فتن شعراؤهم، وكتابهم بقصّة أوديب منذ أواخر القرن السّادس عشر إلى أن وضع كورناي قصّة تمثيلية لأوديب فتن بها معاصريه" (1) ، ويؤكد قوله بأنها سرقات بمواصلته الكلام :
" والسرقات الأدبية عرفت طريقها إلى الفكر العربي منذ العصر الجاهلي وحسبنا هنا قول طرفة بن العبد ( ت حوالي 72 ق هـ) :
ولا أغير عـلى الأشعار أسرقها **عنها غنيت وشرّ النّاس من سرقا
وإن أحسن بيت أنــــت قائـــله*** بيت يقـــال إذا أنشــدته صـــــدقا
وقال حسان بن ثابت رضي الله عنه في شعره الذي قاله قبل إسلامه (ت 50هـ) :
لا أسرق الشّعراء ما نطقوا بل ***لا يوافق شعرهم شعري " (2).
( النجوم بين الأشطر من وضع كاتب هذه السطور) .
رأي الأستاذ (يروقي ) حسب وجهة نظري المتواضعة عليه مؤاخذات كثيرة ، وفق هذا العصر والعصور القديمة ، هذه ليست بسرقات ولا توارد خواطر ولا هم يحزنون ، فهوكرر كلمة السرقة والسرقات مرتين ، و الأساطير كتب عنها كثير من عباقرة الدنيا بلغتهم وأسلوبهم وبثوا فيها من روحهم وأنفاسهم لتحول إلى إبداع جديد ، وتطور التجديد حسب ملائمة عصورهم ، وأذواق ناسهم ، وقد ذكرنا في حلقة أخرى ٌقول المازني " وتعجبني كلمة كتبها جُوته إلى معاصره وزميله شِلـّر، قال :
" لقد عادت النفس فحدّتني أنْ أنظم في قصة " وليم تل " قصيدة ، ولست أخشى عليّ من روايتك . ولا بأس عليك منـّي ، ولا بأس عليّ منك " . (3) ، والقصة المسرحية لشيللر تتكلم عن اسقلال سويسرا ، وبطلها ( وليام تل ) ، كتبها قبل (200)عام ، أي بعد (500) عام من التحرير والبطل السويسري.
وقل لي رجاء كم من العرب والمسلمين كتبوا عن سيرة النبي (ص) ، وكل سيرة عمل تاريخي وديني وإبداعي مستقل ، هل هذه سرقات ؟!
أبدأ من سيرة ابن هشام ، ثم هذبها عبد السلام هارون ، وسيرة ابن كثير ، وسيرة ابن إسحاق ،و جوامع السيرة لابن حزم الأندلسي ، وسيرة السيد محسن الأمين ، وعلى هامش السيرة د . طه حسين ، وحياة محمد للمستشرق الفرنسي أميل در منغم ، وحياة محمد د. محمد حسين هيكل ، وعبقرية محمد للأستاذ العقاد ، ناهيك عن كتب المغازي ، هذه ليست كتب سرقات ولا توارد خواطر ، كل واحد بكتب بإسلوبه الإبداعي ، تقرأها كلها و لا تمل وتقول هل من مزيد؟!
وكذلك من كتبوا عن جلجامش وانكيدوا والإمام(ع) ، الخليفة عمر بن الخطاب والمتنبي وأبي العلاء المعري عشرات المؤلفات والترجمات ، هل هذه سرقات ، وتواردخواطر ؟
كلا هذا إبداع لا تشوبه شائبة ، بشرط عدم سرقة تشكيلات الصياغة البلاغية ، والمعاني والأفكار الخاصة .
أما الشعر الذي ذكره الأستاذ ، فليس فيه مصداقية لسرقة ، لكن القيل والقال والحسد والصراع للكسب المادي والجاه يدفعهم لدفاع عن النفس وهجاء بقية الشعراء في عصور كان للشعر منزلة اجتماعية رفيعة ,ربما تأتي كلمات أو جمل من غـَرف بحر اللغة دون تقصد مشابهة لمن سبق أن استخدمها ، ومن هنا تأتي نصيحة الأصمعي لأبي نؤاس أحفظ عشرات الآلآف من أبيات الشعر ، وحفظها خلال سنتين ، ثم قال إذهب سنتين لنسيانها ، ولما حصل على ثروة لغوية ، قال له أبدأ بالنظم الآن ، ولكن من البديهي أن تتوارد كلمات أو جمل مما حفظ في شعره دون تقصد ، وقد تقحم الذهن خواطر متشايهة - كما سنتكلم في النقطة الثانية من هذه الحلقة ، وأنا أتكلم عن الشعراء الشعراء ، وليس عن أنصاف الشعراء ، وأنصاف الموهوبين , ولكن قبل الأنتقال أنقل لكم هاتين الحادثتين .
أ - تعارف نقاد الأدب قديماً وحديثاً على أن الشاعر (السارق) الآخذ من زميله معنى ، وأجاد فيه ، وأحسن عرضه , وأضاف فيه ، فالسرقة تكون محمودة ، فهذا سلم الخاسر بن عمرو بن حماد البصري عجبه بيتاً لبشار بن برد يقول فيه :
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ***وفاز بالطيبات الفاتك اللهجُ
فصعد (سلم الخاسر) الرابح ,واستلهم المعنى بإيجاز وبلاغة قائلاً :
من راقب الناس مات همّاً *** وفاز باللذة الجسورُ
وغضب بشار كثيراً , لأن الناس أخذوا يرددون بيت (الخاسر) ، وعبروا بيت بشار ونسوه ، وذكر الجرجاني في (الوساطة) قول بشار ، وسرقات حماد لشعره :
إذا أنشد حماد*** فقد أحسن بشار
هذا قول مجاملة ،ما زال شطر سلم الحماد يكتب مثلاً في كل مكان (من راقب الناس مات همّاً) .
ب - من المضحك المبكي ، إن الدكتور طه حسين قد نقد ديوان إيليا أبي ماضي (الجدوال) في الجزء الثالث من (حديث الأربعاء) يشكل فيه من القساوة الشديدة ، فيرى أن شعره مضطرب المعاني ، ضعيف الموسيقى ، رديء اللغة ، والقضية الوحيدة التي أثنى عليها هي قصيدة (الطين) ، أعجب بسمو ها الإنساني ، وجعلها في مقدمة شعر المحدثين ، ولكن أخذ عليها قافيتها (الدال الساكنة) التي ينقطع عندها النفس ، ولكن هذه القصيدة الرائعة ، يقول عنها الباحث الأردني روكس بن زائد العزيزي عام 1954 م ، إنها مسروقة المعاني كاملة (محال توارد خواطر) من شاعر بدوي مغمور يدعى (علي الرميثي) ، وأذيعت هذه القصة من (محطة الشرق العربي) ، وتناولتها صحف عديدة لا تقل عن خمس عشرة صحيفة ، وإليك بعض المقارنة بين القصيدتين التي أوردها العزيزي بيتاً بيتاً ، وعليك الحكم والفصل،أما أنا فرأيي بالطبع من رأي (عزيزي) ، ولوأنني أجلّ (أبا ماضي) بأعظم الأحترام ، ومعجب بشعره شديد الإعجاب ، ولكن أقرأ وقارن :
الرميثي: يا خوي ما نحن فحمة ما بها سنى *** ولا أنت شمس تلهب الدو بضياه
أبو ماضي : يا أخي لا تملْ بوجهك عني *** فما أنا فحمة ولا أنت فرقدْ
الرميثي: لصار ما تأكل ذهب لو تبلى *** يا خوي شو نفع الذهب لو تقناه
أبو ماضي : أنت لا تاكل النضار إذا جعتْ*** ولا تشرب الجمان المنضدْ
الرميثي: نحلم حلوماً حلوة يوم نرضى*** وتمر يوم السعد ما بان طاه
أبو ماضي :ولقلبي كما لقلبك أحلام ***حسان فأنها غير جلمدْ
الرميثي : كلنا للترب نمشي ونحيا ***ولا توهمك يا الضبع نفسك يمشاه
أبو ماضي : أنت مثلي من الثرى وإليه ***فلماذا يا صاحبي التيه والصدْ (4)
وهكذا تستمر القصيدة حتى الآخير بسرقة المعنى كاملاً ، وأحيانا كثيرة الألفاظ ، والعزيزي كما هو معروف اهتم بالتراث البدوي ، وإن والد الشاعر أبي ماضي كان يتاجر مع بدو منطقة مادبا موطن الشاعر الرميثي ، وكذلك اكتشف الدكتور أحمد زكي أبو شادي مصادفة إن قصيدة أبي ماضي (هي) ليست سوى ترجمة حرفية لقصيدة بالأنكليزية تحت عنوان (نخب الفارس) ، وأخيراً من الإنصاف أن نذكر أن العزيزي هو صديق مخلص للدكتور أبي شادي خصم الشاعر أبي ماضي في المهجر .(5)
فذلكة الأقوال الباررزة أن سلم الخاسر بن حماد ، لم يسرق سوى معنى واحد ونجح في مبناه ، لأن الشعر ليس معنى فقط ، وإنما معنى ومبنى ، وغفر النقاد له واستحسنوه و أجادوه ، ومن هنا لو الشاعر المترجم للأعمال الأدبية يعلن عن ترجمته ، قد ينجح العمل أكثر مما هو مكتوب بلغته الأصلية ، فللتشكيل أثر فعال ومهم في العمل الإبداعي ، ولكن سرقة أبي ماضي للمعنى من لغة عربية حتى أنها تشمل بعض الألفاظ ، وبالرغم من إصرار أبي ماضي أن القصيدة غير مسروقة ، ولكن العزيزي حتى أواخر عمره (1983) ورجليه في القبر يصر على صحة روايته ، ويدافع عنها ، مهما يكن من أمر ، فإيليا أ بو ماضي من شعراء العرب الكبار ، لا ريب قي ذلك.
ثالثاً - السرقات الأدبية ما لها وما عليها . . .!!
أ - توارد الخواطر والسرقات اللاسرقات !!:
مما لا شك فيه أنّ الأفكار والخواطر تتولد في أكثر من عقل ، وتختمر في عدة أذهان مادام الإنسان هو الإنسان ، والصراع في الحياة هو الصراع من أجل البقاء ، والتنافس حول المادة والجنس والجاه الاجتماعي ، ومحاولة تفهم سر الحياة ولغز وجودها ، والموت وما بعده ، هذه مجتمعة هي الشغل الشاغل لديه ، وخصوصاً في العقول الواعية المتأملة ، ربما سرالوجود وقضية الموت تأخذ حيزاً أوسعاً لدى الفلاسفة والمفكرين ، وينظرون بعين البصيرة للصراع الفاني ، وربما تنبثق إلى الوجود بمظهر واحد أو عدة مظاهر لها ماهية واحدة في عصر واحد أو عدة عصور متقاربة أو متباعدة لنفس الأمة أو من أمم مختلفة ، ولا ريب في البيئة الواحدة قد تكثر توارد الخواطر نفسها لتشابه الظروف الموضوعية (لكلِّ امرىءٍ من دهره ما تعوّدا) .
وقد يستهوي شاعر أ و كاتب فكرة معينة ، فيقتبسها ويضفي عليها من روحه وفكره ويجيد ،هذه لا تعتبر سرقة ، فالمعاني والتجارب الحياتية متوفرة في الوجود وبين أفراد البشر ، وتمر أمام الجميع ولا ينتبهون إليها ، قد يعرفها من يعرف ، والشاطر اللبيب من يشير إليها ويمسك بها ويقدمها للإنسانية على صحن من ذهب ، والصياغة البلاغية قد تعجب كثير من الشعراء ويعارضونها عمداً لا صدفة ، وهنا يجب أن تكون المعارضة لا تقل عن النسخة الأصلية ، لأن فيها شيئاً من التحدي ، كمعارضات أحمد شوقي ( ت 1932م) لسينية البحتري ( ت 284 هـ /897م) في وصف إيوان كسرى :
صُنْتُ نَفسي عَمَّا يُدَنِسُ نَفْسي*** وتَرَفَّعْتُ عن جَدا كل جِبْسِ
أما شوقي فوصف الأندلس ، وآثار مصر على نفس الوزن والقافية والروي :
اختلاف النهار والليل ينسي *** اذكرا لي الصبا وأيام أنسي
ولدالية الحصري القيرواني الضرير ( 488هـ /1095م)،التي عارضها ثلاثة وتسعون شاعراً كبيراً ، فعجزوا عن مجاراتها :
يا ليلُ الصبّ ُ متى غدُهُ *** أقيامً الساعةٍ موعدُهُ
ربّما شوقي كان أفضلهم بقصيدته ، ولكن ما وصل إليها :
مُضْنــــاك جفـــاهُ مَرْقَـــدُهُ *** وبَكــــاه ورَحَّــــمَ عُـــوَّدُهُ
وعارض قصيدة ابن زيدون ( ت 463 هـ / 1071م) ( أضحى التنائي بديلا من تدانينا ) وغيرها ، وكان يروم أن يثبت جدارته ومقدرته . وكان موفقاً ، والمعاراضات كانت معروفة من قبل بشكل عفوي أو مقصود ، وإذا وضع الشويعر القصيدة المٌعارضة أمامه وحبك مثلها تقليدا مشوهاٌ ، فهذه أتعس من السرقة ، أو سرقة مصطنعة مكانها سلة المهملات .
أنا معجب بدعبل بن علي الخزاعي (148 هـ - 246 هـ / 765 - 860م) ، وألفت عنه كتاباُ بأكثر من خمسمائة صفحة ، لأنه صاحب موقف قل وجوده في التاريخ العربي لهجائه المقذع ، وسخريته العجيبة قبل ظهور هذا الفن وأوسمت كتابي المخطوط (دعبل ...الوجه الآخر للشعر العربي ) هجا أكبر وأعظم خلفاء بني العباس كهارون والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل بوزرائهم وولاتهم وحجابهم وقادتهم العسكريين والأمنيين ، ولكن مدحه لايقل عن هجائه ، بل أكثر لآل البيت وغيرهم، يشبهه المرحوم هادي العلوي بظاهرة مظفر النواب في هذا العصر ، والنواب تأثر بشعره وثبتت ذلك في كتابي بالشواهد ، مع فارق كان دعبل ملتزماً بخط آل البيت ، إذ كانوا يمثلون المعارضة العقائدية فمدحهم وأطال ، المهم مع هذا لا أوافقه على قوله ورأيه بحق أبي تمام ( 180 هـ - 228 هـ / 796 - 843م) شاعر المعتصم ، ومدحه بقصيدته الرائعة بعد انتصاره بفتح عمورية (223 هـ / 838م ) ، بقوله الشهير:
السيف أصدق أنباءً من الكتب ***في حدّه الحدّ بين الجدِّ واللعبِ ِ
إذ يقول عن أبي تمام لما سئل عنه فقال : ثلث شعره مسروق وثلث شعره صال وثلث شعره غث .
دعبل في عصره كان شيخ الشعراء وأشهرهم و وأكبرهم ، كان ديوانه سبعة مجلدات ، والآن لا يتجاوز ألف ومائتين بيت شعر ، وله (طبقات الشعراء ) لم يصل إلينا ، ولكن قوله في شعر أبي تمام غير منصف ، فهو شعر رائع الصنعة ،متين الإجاز ، قوي البنيان ، ذهب على ألسنة الناس كالأمثال ، وارتقى إلى العقول الرفيعة ، ولكن هنالك بعض الإفراط في الصناعة . زاد على ما بدأه مسلم بن الوليد (صريع الغواني (130 هـ - 209هـ / 747 - 823م), و الإسفاف في بعض المعاني ، وقلنا سابقاً ونعيد اتفق نقاد الأدب قديما وخديثاً : إنّ الشاعر الآخذ من زميله معنى ، إذا ما أحسن عرضه ، وأضاف إليه ، فالسرقة تكون محمودة ، وتسألني لماذا؟ لأن الشعر والنثر الأدبي الرائع ليس معنى فقط ، بل قابلية إبداعية فذة إضافة إلى صياغة وبناء وبلاغة واسلوب ، وهذه أمور مهمة للنص الأدبي .
فأبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي ( ت 370 هـ/ 981 م) الذي سيطر على التراث النقدي حتى عصره. وكان ناقداً بناء، وكان منهجه واضحاً في اكبر اثر نقدي وصل إلينا من آثاره وذلك هو كتاب " الموازنة بين الطائيين " ، وما كان منصفاً في أحكامه ، فهو ميال للسيد البحتري ، وكان يؤثر طريقته ويميل إليها.
ومن اجل ذلك جعلها " عمود الشعر " ونسبها إلى الأوائل وصرح بأنه من هذا الفريق دون مواربة ، فقد عرض لسرقات أبي تمام من جميع الشعراء ، وخرج بالمجموع (151) بيتا مسروق المعنى ، على نحو تفصيلي. فلما وصل إلى البحتري، اكتفى بكر ما سرقه البحتري من أبي تمام وحسب . (6)
وكتب مهلهل بن يموت ( سرقات أبي نؤاس) .حياة أبي نؤاس بين (145 هـ - 198 هـ / 762 - 813) , وأنا أظن كثيراً أكبر خمس سنوات من العمر المذكور (142 - 200 هـ) ، وأبن وكيع التنيس ألف ( المنصف في الدلالات على سرقات المتنبي ) ، بالإضافة إلى ما ذكر القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني عن السرقات في كتابه ( اوساطة بين المتنبي وخصومه) ، ناهيك عن (الرسالة الحاتمية ) الموسومة (الرسالة الموضحة عن ذكر سرقات المتنبي وساقط شعره) لمحمد بن الحسن المهلبي صاحب الوزير المهلبي (7) ،هل سمعت لهؤلاء ؟
أما المتنبي فعاش بين (303 هـ - 354 هـ / 915 - 965 م ) ، هذة السرقات المزعومة كلها كلام هراء بالنسبة للشعراء العباقرة ، أنا العبد الفقير لله ، ولا يمكن مقارنتي ولو بقيد شعرة بهؤلاء العظام أقول :
لغة ٌ أطوّعها كبعض أناملي ***أنـّى أشاءُ وأيُّ قول ٍ يملحُ
أما أن تقول لي المتنبي يسرق والجواهري ينتحل ، هذه مسخرة ، لأن هؤلاء حين الإلهام الشعري ، تأتيهم الشوارد من حيث يدرون أو لا يدرون ، يقول المتنبي :
أنامُ ملء جفوني عن شواردها *** ويسهر الخلق جراها ويختصمُ
ويقول الجواهري:
لا تقترح جنس مولودٍوصورته *** وخلـّها حرّة تأتي بما تلدُ
كان الشعراء في ذلك الوقت لهم قدسية ، وعلو مرتبة ، ومنزلة اجتماعية رفيعة ، وحالة مادية هائلة ، وخدم وحشم ، فيحاول بعض المتنفذين من الإشارة للكتاب والحجاب، وربما للخلفاء والسلاطين باتهامهم بشتى التهم كالسرقات الأدبية ، والإلحاد ، والزندقة ، والفسق ، وهم على كل حال بشر ، ولكن تضخم عليهم الأمور ، فلذا أرجوك أن لا تتخيل أني سأقدم لك أمثلة مزيفة عن سرقات هؤلاء الكبار، أبحث عن أنصاف الشعراء ، وأرباع المثقفين ، واللغة كالبحر تهطل عليه القصائد العظيمة ، والنثر الرفيع ، والأدب البليغ ، ويصبح ملك الأمة ، فيحق لكل أديب أن يغرف منه ما يشاء ويحفظ في عقله الباطن والظاهر، ويختمر بذهنه ، ويبدع مستجداً، ويبثه من اللاوعي أو بشكل لا إرادي ، فتخرج كلمة من المتني وثانية من المعري وتالتة من الجواهري ورابعة من العقاد ، وخامسة وسادسة وسابعة مما يعرف ، دون إحساس ولا تقصد ، والسارق من يضع النصوص أمامه ويرتب بلا فهم ولا معرفة , ولا تعب , ولا موروث , ولا دراسة متعمقة ، وهؤلاء هم أنصاف المثقفين ، لذلك قسم بعض العرب اللطفاء الشعراء إلى ثلاثة : شاعر وشويعر وشعرور !! - إن صح التعبير - .
المهم ذكر لنا ابن الأثير أقسام السرقات :
1- النسخ :أخذ اللفظ والمعنى.
2 - السلخ : أخذ بعص المعنى.
3 - المسخ : إحالة المعنى إلى ما دونه.
4 - أخذ المعنى مع الزيادة.
5 - عكس المعنى إلى ضده .(8)
وكلام ابن الأثير لا ينطبق على العمالقة ، وإن بحث في ثنايا شعرهم ، لأن عصره كان يندهش لهذه المعرفةالواهمة ، والمقارنة التي وردت في أبيات شعرهم ، وقد يقع الحافر على الحافر ، أما بالنسبة لغيرهم من المتشاعرين ، فقد يصدق عليهم على أعلب الظن .
أما في الأدب الغربي ، فقبل أن نسلط الضوء على توارد الخواطر بين شعراء العرب ، وشعراء الغرب , وربما العرب سبقوهم في الأفكار ، ولكن نأخذ بشكل مختصر رأي بعض النقاد الغربيين لإطالتنا في هذه الحلقة ، يقول (نورثروب فراي) " الشاعر أيضاً كالمؤرخ ، يقلد الأعمال في كلمات , على الأقل في المسرخيات والملاحم , إلا أن الشاعر لا يقدم أقوالاً معينة حقيقية ...الشاعر لايملك نموذجاً خارجياً يحتذى به ، لذا يحكم عليه بالنسبة لسلامة بنيته الكلامية ، أو تماسكها " .(9)
وهذا ما ذهبنا إليه سابقاً ، الشعر ليس بتاريخ ، وإنما رؤية جديدة لما يحدث ، أو لما سيحدث ، ويعتمد على الصياغة البلاغية ، ولك أن تقول الكلامية ، فأنت كطرب للكلام الجميل الطروب ، يسحرك بحاسة السمع ، وتتفاعل مع المعاني السامية ، أو الوقائع الجارية ، تنفث همومك ، أو همومك ، أو تنفح سرورك ،
وهكذا يذهب "(غولدمان) (10) : يمكننا أن نكتشف التشابه والتماهي في عدة نصوص شعرية من دون أن يعني هذا التشابه سرقة أو تحايلاً أو تآمراً " .(11 )
أمّا (الفرد هو سمان) فيذكر : إن الشعر ليس المعنى الذي يقال ، ولكن هو الطريقة التي يعبر بها عن هذا المعنى ، فنفس الفنان تستوعب ما ترى ، وما تختبر ، وتظل تختزن حصيلة ما يصل إليها عن طريق الحواس التي تربطها إحساسياً بالعالم الخارجي ، فضلاً عن الموروث في اللاشعور الجماعي ، ومن هذا الحشد تنبثق سطور الخوالج والمشاعر والغواطف " .(12)
وقد فصل القول في هذا المجال الدكتور مصطفى سويف في كتابه القيم ( الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة ) بقوله : لذا في ضوء هذه المكتشفات أسقط النقد الأدبي الحديث فكرة السرقات .(13)
وعلى أساس فكرة التأثر والتأثير بين الآداب قام صرح الأدب المقارن ، ولما ألغينا فكرة سرقة المعاني لدى الشعرا الشعراء التي شغلت أفكار واهتمام القدماء لعدم توفر الكوامن النفسية ،ونتائج علم النفس الحديث وحقائقه ، يجب أنْ لا ننسى نصيحة الأصمعي الذكية لأبي نؤاس ، وأن لا نضع قصيدة شاعرآخر أمام أعيننا ونبني على أساسها معاني قصائدنا وتشكيلها , مثل ما يقال عن إيليا أبي ماضي - والله أعلم -
نعم يسمح للمبتدئين أن يقوموا نفسهم ، ويسألون ويجدون ، والشعر ليس بصعب على الموهوبين بهذا المجال , استميحكم عذراُ لتكملة الموضوع في الحلقة القادمة ، والمقال طالت طوائله، وأخشى من ملل القارئ الكريم ، تحية لصبركم وكرمكم .
إلى الحلقة الثانية من ملامح توارد الخواطر بين أمة العرب وأمم الغرب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
wner\Desktop\ (1) - ريوقي عبد الحميد : مدونة اللغة والأدب ( السرقات الأدبية و توارد الخواطر ) ، لم يذكر المصادر والمراجع سوى أرقام .
(2) المصدر نفسه .
(3) (ابن الرومي حياته وشعره ) : كمال أبو مصلح ، تقديم المازني ص 31 - 1987 م - المكتبة الحديثة.
(4) ( للعبقرية أسرارها ...) : كريم مرزة الاسدي ص 154 - 155 - دار فجر العروبة - 1996م - دمشق ، نقلا عن (مجلة العربي ) العدد (94) مايو - 1983 - مقال بقلم توفيق أبو الرب .
(5) (للعبقرية أسرارها ...) : المصدر نفسه.
(6) راجع عن (الآمدي)
http://www.dahsha.com/old/viewarticle.php?
(تلخيص كتاب النقد الأدبي عند العرب ) : إحسان عباس - الفصل الثاني .
(7) بعض الأفكار مأخوذة من مقال لكاتب هذه السطور من حلقة واحدة ، نشر في جريدة (الوطن)العراقية , تحت العنوان نفسه في العدد (39) بتاريخ : (1 أيار 1996م) .
(8) المصدر نفسه .
(9) (الماهية والخرافة - دراسة في الميثولجيا الشعرية ) : نورثروب فراي ص 83 ترجمة هيفاء هاشم - منشورات وزارة الثقافة - 1992 - دمشق.
(10) ربما يقصد الكاتب الآتي ذكره ( لوسيان غولدمان)(1913 - 1970) ، وهو فيلسوف فرنسي يهتم بعلم الاجتماع الأدبي ، ويعتبر من أهم وجوه البنيوية التكوينية ، لآن هنالك عدة علماء يحملون اسم (غزلمان.
(11) جريدة الوطن : مقال بقلم ناجي خسين - مقال تحت عنوان (تحامل أم ماذ ؟ !!!) العدد 39 ص (14) .
(12) ( إليوت) : الدكتور فائق متي ص 58 م. س.
(13) المصدر نفسه ، وراجع ( الأسس النفسية للإبداع الفني في الشعر خاصة ) : د . مصطفى سويف - دار المعرف - ج .م. ع .الطبعة الرابعة - بلا.
0 comments:
إرسال تعليق