أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن الأسير عبد القادر كايد حماد بعد أن أنهى محكوميته والبالغة أحد عشر عامًا. كانت فرحة سلواد، قريته، كبيرة والأهل لم تسعهم الأرض، فعبد القادر عاد ليملأ نهارات أمه بالبسمات ولياليها نجومًا، وهي التي صبرت وانتظرت بحسرة عليه وعلى أخيه ثائر وأبيه اللذين ما زالا في السجن.
لم يرتو عبد القادر من رذاذ الزغاريد المتطاير بصحبة كؤوس المحبة وهي تدور طيلة الشهور الخمسة التي انقضت بسرعة في حين كان يحاول هو ترويض قلبه على غنج السنديانة في حارته واشتعال صدره مع كل زقزقة بلبل على شرفة صباحه الجديد.
طقوس الحرية الصغيرة في ظل الحراب طويلة وكبيرة وهي الشهادة الحية على أن فلسطين، التي ليست في المجاز، ستبقى لمن يدّخر الدمع ليوم الفرح ولساعات الولادة وليس لحاملي "الصارم المصقولا".
لقد جاوز عبد القادر عقده الثالث وهو اليوم حر وأهل لأن يملأ الحقل سنابل، فوليفة روحه تنتظره فارسًا داهمًا من جهات الرعد.
وحين كان يعد الزنابق للقمر استغل جيش الاحتلال تواطؤ الليل وأغاروا على بيته بجنون وكأنهم يستعيدون كرامة سقطت على أعتاب بلدة مشاكسة أو يستردون عقدة من أصبع جندي نسوها هناك على حافة "عيون الحرامية" القريبة من غزوة أخيه "الثائر". فأعراس فلسطين تتوالد في عمليات قيصرية .
اعتقلوه بناءً على أمر إداري وقعه قائدهم ويقضي بسجنه لأربعة شهور والشبهة، هكذا أقسم صاحب التوقيع، أنه نشيط في حركة حماس. باتت سلواد مكلومة على حافة الأمل، والعروس نامت مثل الأيائل وكانت تحلم بحوض من الفل أبيض وبضمة نرجس ناعس.
بعد بضعة أيام عرض ملفه على محكمة عوفر العسكرية. انتهت الجلسة ولم يجد القاضي في المادة السرية ما يعزز تلك الشبهة، مع ذلك فلقد قرر إبقاءه في السجن بعد أن "اكتشف" أن عبد القادر ناشط في تنظيم فتح ويخطر أمن وسلامة الاحتلال، هكذا بأبسط من عطسة تتغير الشبهات ضد الفلسطيني ويبقى السجن واحدًا والسجان ذاته.
بعد أيام انعقدت، بناءً على طلبي، جلسة في محكمة الاستئناف العسكرية. حاول المدعي العسكري فيها تبرير ما حصل بتعابير ملتوية وبمماحكة مكشوفة لم تبقيا للقاضي مجالا وفسحة لتعليل تلك "الإشراقة" التي ارتكبها قاضي المحكمة الأولى، فقرر، مرغمًا، إلغاء أمر الاعتقال، مع ذلك فلقد أعطاهم مهلة لفحص الموضوع مجددًا.
لم يفرجوا عنه. فبعد يوم أصدر نفس القائد العسكري أمرًا جديدًا وصف فيه عبد القادر بأنه نشيط ضد الأمن الإسرائيلي ويعمل ضد سلامة الجمهور، مسقطًا عنه، هذه المرة، شبهة انتمائه لأحد التنظيمات الفلسطينية.
ومرة أخرى وجد قاض عسكري آخر نفسه أمام عبث غير مستساغ ومستحيل عصي على المضغ، وأمر بإبطال أمر الاعتقال الجديد. مباشرة قدمت النيابة العسكرية استئنافًا إلى محكمة الاستئناف في عوفر، نظر فيه هذه المرة قاض " قلع شرش الحيا" ويعيش، مع أنه قاض، بهوى نيابي وكعاشق لأمن الدولة حتى الدنف، فقبل موقف النيابة وأمر بإبقاء عبد القادر في السجن لمدة الأربعة شهور.
ضد هذا القرار "العجيبة" تقدمت بالتماس إلى محكمة العدل العليا. يوم الجلسة لم يخف القضاة الثلاثة امتعاضهم من تداعيات القضية ومن أخطاء المسؤولين العسكريين، لكنهم أظهروا أيضًا عدم رضاهم من إصراري وقتالي العنيد، فكلّها قصة أربعة شهور كادت تنقضي.. فلماذا كل هذه الحرب !
دافعت نيابة الدولة أمامهم باستماتة عن جيشها، وأصرت على أن ما حصل كان عبارة عن أخطاء إنسانية محتملة ومحمولة، بينما كنت أجادلهم، بما أملك من صبر وغضب، وأصر على أننا نواجه تبريرات باطلة ونهجًا معطوبًا يسوغ، عمليًا، للمسؤولين العبث بحريات الفلسطينيين في حين تعمل الأجهزة القضائية جميعها مطايا لفرسان القمع وسروجًا لغزاوتهم.
بعد جلستين وأكوام من الخيبة والتعب، بادرني رئيس هيئة القضاة بنصيحتة المخيبة موصيًا أن أقبل بإبقاء موكلي في السجن لشهرين إضافيين وذلك بعد أن ينهي، بعد بضعة أيام، وجبة الأربعة الشهور الحالية، (بدل أربعة كانت مقترحة علي من النيابة وأنا رفضتها). قبل أن يسمع رفضي حاول تعزيز تبريره للاقتراح بصوت مذعور وبطعم كالعكر حين انطلق: "سيد بولس حتى لو أفرجنا عن موكلك اليوم، وقد تكون هذه هي النتيجة الأصح والأعدل في هذه المعطيات،إلا أننا متأكدون أنهم سيعاودون اعتقاله بعد فترة قصيرة لمدة أطول مما نقترحه عليك الآن، فاقبل بعرضنا لأنه الأفضل لموكلك". ذهلت.
كانت هذه نصيحة محكمة نسيت أنها الأعلى، قالها قضاة إستضُبعوا وتملصوا بصراحة الضعفاء. حاولت أن أبلع ريقي وأستعيد اتزاني بتأن، نظرت صوب الثلاثة، فوجدت رؤوسهم مدلاة وكأنها سقطت عن رقابهم، وقفت قبالتهم منتصب القامة ورشقتهم متهكمًا، ومتسائلًا مع زفرة : ما فائدتكم إذًا؟
غابت عنا وجوههم فلم أتحقق إذا كانوا يحاولون استعادة لون وجناتهم الآدمي بعد أن بدا للجميع رماديًا كلون الرصاص.
ومضت الأيام ونال عبد القادر حريته بعد أربعة شهور بدون إضافة، فالنيابة العسكرية تراجعت عن نيتها إصدار أمر اعتقال جديد ضده، وزغردت أمه وكان في سلواد صهيل ونسوة رقصن كالفراشات ورجال حكّوا أنف التاريخ .
لقد خرج وهو على موعد مع القيد، بينما بقي في السجون أكثر من سبعمائة سجين إداري ما زالوا يخيطون قصة الحرير ويغزلون لنا، كدود القز، أثواب الحكمة وجدائل الصبر؛ بعضهم يخوض إضرابات عن الطعام ما زالت حلقاتها تتفتق، فمنهم من يضرب احتجاجًا على عزله في زنازين منفردة مثل الأسير وليد مسالمة، وآخرون، ومن أبرزهم الرفيق أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، يضربون تضامنًا مع الأسير بلال كايد والذي بدأ إضرابه قبل خمسين يومًا وذلك على أثر رفض سلطات الأمن الإسرائيلية الإفراج عنه على الرغم من إنهائه مدة محكوميته الكاملة والبالغة أربعة عشر عامًا، وقيامها باستصدار أمر اعتقال إداري بحقه يقضي ببقائه في الأسر، في قصة تشبه ببعض ملامحها قصة ابن سلواد.
المضربون يصرخون ما فائدة تلك المحاكم وأي رجاء ننتظره من أولئك القضاة ويعيدوننا إلى سؤال البدايات الباحثة عن نهايتها المنطقية.
ففشل الاحتلال الإسرائيلي بتدجين الحركة الأسيرة الفلسطينية قد يعتبر من أبرز إخفاقات هذا الاحتلال، وبالمقابل من أغلى انجازات الشعب الفلسطيني الذي أستشعر أبناؤه، منذ مساء النكسة الأول، وبفطرة الشعوب المقاومة للظلم، أهمية بناء حركة أسيرة منظمة ومنضبطة تعمل كإناء واق يحافظ على صلابة وجودها الجمعي ويزود أفرادها بدروع واقية تحصنهم من سطوة الحنين إلى وطن صار وراء القضبان أبعد من حلم فراشة بالنور، وتحميهم من إدمان سجان لا يجيد إلا تراتيل العتم وتحركه غريزة الشهوة المزنزنة.
لن أعالج هنا وضع الحركة الأسيرة ككل، بل سأحاول مجددا أن أضع تجربة الإضرابات الفردية عن الطعام تحت المجهر والنقاش، فأنا مقتنع، بعد هذا الكم الكبير من التجارب الفردية، أن الحركة الوطنية الفلسطينية وبنات المجتمع المدني الفلسطيني، لم يتناولوا تلك التجربة بما يليق بها من جدية وعناية ولم يتدارسوها بمسؤولية وطنية كافية، بل تركوها تتداعى بمحركاتها الذاتية وبقوى دفع عشوائية أحيانًا وبتلقائية عاطفية بأحايين أخرى.
لن أقلل من أهمية الإضرابات الفردية خاصة وقد حقق بعضها انتصارات لأصحابها، رافقها أحيانًا، وهذا الأهم، استجلاب اهتمامات دولية وعربية وفلسطينية ملموسة غير مسبوقة؛، ولذلك فقد نجد بما يجري في حالة الأسير بلال كايد وما نلمسه من بداية تحركات متصاعدة في السجون وخارجها، فرصة مواتية ومتجددة من شأنها أن تبعث الأمل في قضية مناهضة الاعتقال الإداري.
سياسة المحاكم الإسرائيلية في قضية الاعتقال الإداري واضحة ومحسومة وهي تقف إلى جانب الاعتقالات وتبريراتها الواهية، وعلى أصحاب الشأن في فلسطين أن يتخذوا قرارًا قاطعًا إزاء صحة الاستمرار في التوجه بها إلى هذه المحاكم.
عُرِضت منذ أشهر على القيادات الفلسطينية ورقة مواقف تطرقت إلى مسألة الاعتقال الإداري وكيفية وجوب معالجتها بحساسية بالغة، وعلى الرغم من وضوح ما تضمنته الورقة لم تنجح تلك القيادات ببلورة موقف وطني حاسم.
غياب الموقف يسبب، في الواقع، كثيرًا من الخسائر الوطنية وأهمها ما يدفعه هؤلاء الأسرى من سهر مضن وجوع مهلك وقلق من مستقبل ملتبس.
سؤال عبد القادر كان لماذا إذًا جئتكم؟ وسؤال كايد اليوم لماذا إذا أجيؤكم؟ وسؤال الوطن، كان وما زال، لماذا وإلى متى سنلتمس العدل من سيد الغاب، والرحمة من السكين؟
لم يرتو عبد القادر من رذاذ الزغاريد المتطاير بصحبة كؤوس المحبة وهي تدور طيلة الشهور الخمسة التي انقضت بسرعة في حين كان يحاول هو ترويض قلبه على غنج السنديانة في حارته واشتعال صدره مع كل زقزقة بلبل على شرفة صباحه الجديد.
طقوس الحرية الصغيرة في ظل الحراب طويلة وكبيرة وهي الشهادة الحية على أن فلسطين، التي ليست في المجاز، ستبقى لمن يدّخر الدمع ليوم الفرح ولساعات الولادة وليس لحاملي "الصارم المصقولا".
لقد جاوز عبد القادر عقده الثالث وهو اليوم حر وأهل لأن يملأ الحقل سنابل، فوليفة روحه تنتظره فارسًا داهمًا من جهات الرعد.
وحين كان يعد الزنابق للقمر استغل جيش الاحتلال تواطؤ الليل وأغاروا على بيته بجنون وكأنهم يستعيدون كرامة سقطت على أعتاب بلدة مشاكسة أو يستردون عقدة من أصبع جندي نسوها هناك على حافة "عيون الحرامية" القريبة من غزوة أخيه "الثائر". فأعراس فلسطين تتوالد في عمليات قيصرية .
اعتقلوه بناءً على أمر إداري وقعه قائدهم ويقضي بسجنه لأربعة شهور والشبهة، هكذا أقسم صاحب التوقيع، أنه نشيط في حركة حماس. باتت سلواد مكلومة على حافة الأمل، والعروس نامت مثل الأيائل وكانت تحلم بحوض من الفل أبيض وبضمة نرجس ناعس.
بعد بضعة أيام عرض ملفه على محكمة عوفر العسكرية. انتهت الجلسة ولم يجد القاضي في المادة السرية ما يعزز تلك الشبهة، مع ذلك فلقد قرر إبقاءه في السجن بعد أن "اكتشف" أن عبد القادر ناشط في تنظيم فتح ويخطر أمن وسلامة الاحتلال، هكذا بأبسط من عطسة تتغير الشبهات ضد الفلسطيني ويبقى السجن واحدًا والسجان ذاته.
بعد أيام انعقدت، بناءً على طلبي، جلسة في محكمة الاستئناف العسكرية. حاول المدعي العسكري فيها تبرير ما حصل بتعابير ملتوية وبمماحكة مكشوفة لم تبقيا للقاضي مجالا وفسحة لتعليل تلك "الإشراقة" التي ارتكبها قاضي المحكمة الأولى، فقرر، مرغمًا، إلغاء أمر الاعتقال، مع ذلك فلقد أعطاهم مهلة لفحص الموضوع مجددًا.
لم يفرجوا عنه. فبعد يوم أصدر نفس القائد العسكري أمرًا جديدًا وصف فيه عبد القادر بأنه نشيط ضد الأمن الإسرائيلي ويعمل ضد سلامة الجمهور، مسقطًا عنه، هذه المرة، شبهة انتمائه لأحد التنظيمات الفلسطينية.
ومرة أخرى وجد قاض عسكري آخر نفسه أمام عبث غير مستساغ ومستحيل عصي على المضغ، وأمر بإبطال أمر الاعتقال الجديد. مباشرة قدمت النيابة العسكرية استئنافًا إلى محكمة الاستئناف في عوفر، نظر فيه هذه المرة قاض " قلع شرش الحيا" ويعيش، مع أنه قاض، بهوى نيابي وكعاشق لأمن الدولة حتى الدنف، فقبل موقف النيابة وأمر بإبقاء عبد القادر في السجن لمدة الأربعة شهور.
ضد هذا القرار "العجيبة" تقدمت بالتماس إلى محكمة العدل العليا. يوم الجلسة لم يخف القضاة الثلاثة امتعاضهم من تداعيات القضية ومن أخطاء المسؤولين العسكريين، لكنهم أظهروا أيضًا عدم رضاهم من إصراري وقتالي العنيد، فكلّها قصة أربعة شهور كادت تنقضي.. فلماذا كل هذه الحرب !
دافعت نيابة الدولة أمامهم باستماتة عن جيشها، وأصرت على أن ما حصل كان عبارة عن أخطاء إنسانية محتملة ومحمولة، بينما كنت أجادلهم، بما أملك من صبر وغضب، وأصر على أننا نواجه تبريرات باطلة ونهجًا معطوبًا يسوغ، عمليًا، للمسؤولين العبث بحريات الفلسطينيين في حين تعمل الأجهزة القضائية جميعها مطايا لفرسان القمع وسروجًا لغزاوتهم.
بعد جلستين وأكوام من الخيبة والتعب، بادرني رئيس هيئة القضاة بنصيحتة المخيبة موصيًا أن أقبل بإبقاء موكلي في السجن لشهرين إضافيين وذلك بعد أن ينهي، بعد بضعة أيام، وجبة الأربعة الشهور الحالية، (بدل أربعة كانت مقترحة علي من النيابة وأنا رفضتها). قبل أن يسمع رفضي حاول تعزيز تبريره للاقتراح بصوت مذعور وبطعم كالعكر حين انطلق: "سيد بولس حتى لو أفرجنا عن موكلك اليوم، وقد تكون هذه هي النتيجة الأصح والأعدل في هذه المعطيات،إلا أننا متأكدون أنهم سيعاودون اعتقاله بعد فترة قصيرة لمدة أطول مما نقترحه عليك الآن، فاقبل بعرضنا لأنه الأفضل لموكلك". ذهلت.
كانت هذه نصيحة محكمة نسيت أنها الأعلى، قالها قضاة إستضُبعوا وتملصوا بصراحة الضعفاء. حاولت أن أبلع ريقي وأستعيد اتزاني بتأن، نظرت صوب الثلاثة، فوجدت رؤوسهم مدلاة وكأنها سقطت عن رقابهم، وقفت قبالتهم منتصب القامة ورشقتهم متهكمًا، ومتسائلًا مع زفرة : ما فائدتكم إذًا؟
غابت عنا وجوههم فلم أتحقق إذا كانوا يحاولون استعادة لون وجناتهم الآدمي بعد أن بدا للجميع رماديًا كلون الرصاص.
ومضت الأيام ونال عبد القادر حريته بعد أربعة شهور بدون إضافة، فالنيابة العسكرية تراجعت عن نيتها إصدار أمر اعتقال جديد ضده، وزغردت أمه وكان في سلواد صهيل ونسوة رقصن كالفراشات ورجال حكّوا أنف التاريخ .
لقد خرج وهو على موعد مع القيد، بينما بقي في السجون أكثر من سبعمائة سجين إداري ما زالوا يخيطون قصة الحرير ويغزلون لنا، كدود القز، أثواب الحكمة وجدائل الصبر؛ بعضهم يخوض إضرابات عن الطعام ما زالت حلقاتها تتفتق، فمنهم من يضرب احتجاجًا على عزله في زنازين منفردة مثل الأسير وليد مسالمة، وآخرون، ومن أبرزهم الرفيق أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، يضربون تضامنًا مع الأسير بلال كايد والذي بدأ إضرابه قبل خمسين يومًا وذلك على أثر رفض سلطات الأمن الإسرائيلية الإفراج عنه على الرغم من إنهائه مدة محكوميته الكاملة والبالغة أربعة عشر عامًا، وقيامها باستصدار أمر اعتقال إداري بحقه يقضي ببقائه في الأسر، في قصة تشبه ببعض ملامحها قصة ابن سلواد.
المضربون يصرخون ما فائدة تلك المحاكم وأي رجاء ننتظره من أولئك القضاة ويعيدوننا إلى سؤال البدايات الباحثة عن نهايتها المنطقية.
ففشل الاحتلال الإسرائيلي بتدجين الحركة الأسيرة الفلسطينية قد يعتبر من أبرز إخفاقات هذا الاحتلال، وبالمقابل من أغلى انجازات الشعب الفلسطيني الذي أستشعر أبناؤه، منذ مساء النكسة الأول، وبفطرة الشعوب المقاومة للظلم، أهمية بناء حركة أسيرة منظمة ومنضبطة تعمل كإناء واق يحافظ على صلابة وجودها الجمعي ويزود أفرادها بدروع واقية تحصنهم من سطوة الحنين إلى وطن صار وراء القضبان أبعد من حلم فراشة بالنور، وتحميهم من إدمان سجان لا يجيد إلا تراتيل العتم وتحركه غريزة الشهوة المزنزنة.
لن أعالج هنا وضع الحركة الأسيرة ككل، بل سأحاول مجددا أن أضع تجربة الإضرابات الفردية عن الطعام تحت المجهر والنقاش، فأنا مقتنع، بعد هذا الكم الكبير من التجارب الفردية، أن الحركة الوطنية الفلسطينية وبنات المجتمع المدني الفلسطيني، لم يتناولوا تلك التجربة بما يليق بها من جدية وعناية ولم يتدارسوها بمسؤولية وطنية كافية، بل تركوها تتداعى بمحركاتها الذاتية وبقوى دفع عشوائية أحيانًا وبتلقائية عاطفية بأحايين أخرى.
لن أقلل من أهمية الإضرابات الفردية خاصة وقد حقق بعضها انتصارات لأصحابها، رافقها أحيانًا، وهذا الأهم، استجلاب اهتمامات دولية وعربية وفلسطينية ملموسة غير مسبوقة؛، ولذلك فقد نجد بما يجري في حالة الأسير بلال كايد وما نلمسه من بداية تحركات متصاعدة في السجون وخارجها، فرصة مواتية ومتجددة من شأنها أن تبعث الأمل في قضية مناهضة الاعتقال الإداري.
سياسة المحاكم الإسرائيلية في قضية الاعتقال الإداري واضحة ومحسومة وهي تقف إلى جانب الاعتقالات وتبريراتها الواهية، وعلى أصحاب الشأن في فلسطين أن يتخذوا قرارًا قاطعًا إزاء صحة الاستمرار في التوجه بها إلى هذه المحاكم.
عُرِضت منذ أشهر على القيادات الفلسطينية ورقة مواقف تطرقت إلى مسألة الاعتقال الإداري وكيفية وجوب معالجتها بحساسية بالغة، وعلى الرغم من وضوح ما تضمنته الورقة لم تنجح تلك القيادات ببلورة موقف وطني حاسم.
غياب الموقف يسبب، في الواقع، كثيرًا من الخسائر الوطنية وأهمها ما يدفعه هؤلاء الأسرى من سهر مضن وجوع مهلك وقلق من مستقبل ملتبس.
سؤال عبد القادر كان لماذا إذًا جئتكم؟ وسؤال كايد اليوم لماذا إذا أجيؤكم؟ وسؤال الوطن، كان وما زال، لماذا وإلى متى سنلتمس العدل من سيد الغاب، والرحمة من السكين؟
0 comments:
إرسال تعليق