بعد أيام قليلة يعقد المجلس الوطنى الفلسطينى دورته الثالثة والعشرين فى مدينة رام الله، والتى تدور حوله الكثير من الخلافات والاختلافات خاصة بالمكان والتوقيت أو البرنامج والعضوية؛ علما أنه ثمة دلالة سياسية للمكان ورسالة مهمة بأن الضفة الغربية هى الثقل السياسى للدولة الفلسطينية المحتلة فى توقيت حساس تعصف الأحداث المتلاحقة فيه بالمشروع الوطنى الفلسطينى وتنذر بضياعه . وبعيدا عن الخوض فى كافة تحفظات القوى الفلسطينية الرافضة للمشاركة؛ وخاصة أن الجميع تمنى أن يشارك الكل الفلسطينى بدورة المجلس الوطنى الفلسطينى والذى هو البرلمان الرسمى للفلسطينيين فى كل أماكن تواجدهم، والأمل كان أن انتهت حقبة الانقسام البغيض وكل خلافاتنا الداخلية، وذلك ليتفق الفلسطينيين على خارطة طريق موحدة لمواجهة التحديات السياسية التى تعصف بقضيتنا، ولكن وطالما سيتم عقده فى الموعد المحدد، فإن على أعضاء المجلس المشاركين اليوم فى عقده أن يدركوا أنهم أمام مهمة تاريخية لن يغفر التاريخ لهم إن فشلوا فى إنجازها، فبين أيديهم مصير شعب وقضية هى أعدل قضايا الانسانية، وعليهم أن يدركوا أن ما بعد هذا المجلس لا يجب ولن يكون كما كان من قبله، لأن مخرجات المجلس الوطنى أيا كانت سترسم معالم مرحلة فلسطينية جديدة بخيارين لا ثالث لهم؛ فالأول إما ضياع المشروع الوطنى الفلسطينى والتفتت؛ والثانى تعبيد طريق الوحدة والتوافق والحفاظ على المشروع الوطنى وليس أمامهم خيار ثالث .
ولمنع الخيار الأول والبدء فى الخيار الثانى؛ فالحل ببساطة يتلخص فى كلمة واحدة وهى الديمقراطية؛ وهى طوق النجاة لأى شعب حر، والمطلوب من المجلس الوطنى الفلسطينى أن يضع حد قاطع لمرحلة ديمقراطية غابة البنادق؛ وأن يضع الأسس للانتقال بالنظام الفلسطينى من مرحلة النظام الثورى العسكرى إلى النظام المدنى الديمقراطى الحقيقى؛ والذى تستبدل فيه الشرعية الثورية بشرعية صندوق الاقتراع؛ وهذا يتطلب بالأساس إعادة حصر وتوحيد السلطات المتشعبة فيما هو قائم اليوم فى سلطتين تشريعية وأخرى تنفيذية واضحتى المعالم والصلاحيات، وهو ما يتطلب البدء فى إعداد دستور حديث للدولة الفلسطينية يحاكى التطور الحضارى لأنظمة الحكم الديمقراطية المتقدمة والناجحة، وكذلك على المجلس الوطنى صياغة خارطة طريق للاستبدال السريع لمنظمة التحرير ومؤسساتها بمؤسسات الدولة الفلسطينية؛ خاصة وأن دولة فلسطين أصبحت تمتلك من الشرعية الدولية ما يكفى ويزيد عن شرعية منظمة التحرير بعد حصولها على مكانة دولة مراقب فى الأمم المتحدة، إضافة إلى ذلك إن خطوة من هذا القبيل ستعد قفزة ثورية سياسية نحو ترسيخ مفهوم الدولة كواقع مجسد على الأرض علاوة على أنه تجسيد قانونى مستحق للحق الفلسطينى المدعم بالإرادة الدولية؛ وخطوة هامة وحيوية نحو الخروج من دائرة اتفاق أوسلو إلى دائرة الشرعية الدولية التى تقطع الطريق أمام أى تسويات تصفوية ومجحفة بالحق الفلسطينى.
إن خروج المجلس الوطنى بقرارات بهذا المضمون سيحول المشهد السياسى الفلسطينى القائم نحو الاتجاه الصحيح؛ وسيكون بمثابة قارب النجاة للمشروع الوطنى الفلسطينى الذى سيشارك فيه الكل الوطنى الفلسطينى؛ ويحميه كل أحرار العالم؛ ولن يستطيع أعداء الشعب الفلسطينى عرقلة أو حتى اعتراض طريقه لأنه محصن بإرادة الشعب قبل أن تحصنه الشرعية الدولية.
إضافة إلى ذلك فإن خروج المجلس الوطنى بقرارات بهذا المضمون ستنهى الأسباب الحقيقية للانقسام الفلسطينى؛ وستسرع بإنهائه على أسس وطنية صحيحة وبإرادة فلسطينية حقيقية تأسس لعهد جديد مضمونه الانتصار للإرادة الشعبية الفلسطينية؛ والتى هى كل ما تبقى لأى صانع قرار فلسطينى فى ظل انسداد طرق الخيارات الأخرى .
إن أى مخرجات للمجلس الوطنى غير ذلك تعنى أننا فى الطريق إلى الخيار الأول آنف الذكر، فليس ثمة خيار ثالث أمامنا اليوم حتى وإن إدعى البعض غير ذلك، فإما أن نكون أو لا نكون.
0 comments:
إرسال تعليق