في الحياة صدف وغرائب كثيرة، تدفع بنا الى اختيار درب قد نرغب بها وأحيانًا لا، نسير فيها الى المجهول ننحني مرات الى ما يعترضنا ونثور في الأغلب على الواقع وما يدفعك الى ذلك هو حب الحياة وإنك .. تؤمن.
الايمان قد يظنُّ البعض انه من الأشياء البديهية فأنت تؤمن بحب الوالدين وأن السماء عالية جدا وواسعة ولا حدود لها تؤمن بأشياء تراها وتلمسها وبأشياء لا تراها ولكنك تشعر بها مثل الحرارة والهواء وأشياء اخرى.
ولكن...؟
هل تؤمن بالله؟ هو أيضا لا نراه فكيف نؤمن به؟
كثيرون ينكرون وجوده ويحللون الاشياء بما تراه العين والمنطق والفكر، وعندهم الحق بذلك فالمنطق هو حقيقة والحقيقة لا ينكرها أحد والكل يرغب بها، فكيف تعلل الايمان لهؤلاء الناس؟
قد تقول أنا انسان جيد وذو أخلاق حميدة، لا اسرق، لا أقتل ولا أغش أحدًا، ومن يؤذيني أتجنبه، أُعامل من حولي بالاحترام كائِنًا من كان من دون أن أُمَيّز بين الغني والفقير أو من له بَشَرَةٍ غير ما أنا عليها، وهذا لأن الله يسكن في قلبي.
يا صديقي، الوثنيون يفعلون ذلك دون أن يعرفوا الله، هذه حجة واهنة.
واقعة هزتّ العالم بأسره حدثت في اوستراليا لعائلة لبنانية خسرت في لحظة واحدة ثلاثة من أطفالها بسبب سائقٍ شاب مخمور، من لم يبكِ تلك الزنابق الثلاث من لم يغضب في داخله بسبب التهور ومن لم يسأل لمَ هذه المأساة؟
ولكن ما هزّ المشاعر ليست الحادثة – التي تحصل كل يوم- ولكن ترابط تلك العائلة وصمود الوالدين أمام ما يمزق قلبيهما من ألم لا يوصف، وقول الأم الثكلى:" أنا لا احقد على من قتل أطفالي وفي عمق قلبي أنا أغفر له ". أمام قولها هُزَّتْ المشاعر وتفتحت عيون البعض على إيمان لا تفسير له إلّا لمن اختبر بالعمق مغفرة الله على الخطايا التي اقترفها فاسكن في عمق قلبه هذا الحب الإلهي الذي جعله يغفر بدوره "لمن أساء إليه ".
جرحٌ كبير بشريًا لن يندمل، ففقدان عزيز على قلبك يُبكيك فكيف فلذة كبدك بل ثلاثة دفعة واحدة غابوا عنك؟
من يُعيد الى هذه الأم ضحكة اطفالها والى الأب المفجوع شيطنتهم؟ يقال " إن ألم الموت يبدأ كبيرا ثم يصغر" قول فيه ما يضحك فنحن الى اليوم ندمع على من غابوا. كلٌ يعود الى بيته وتبقى أنت مع ظلالهم التي تتمايل حولك. من يبعد عنك شبح الجنون والياس؟ علماء النفس؟ لهم من الجنون ما يكفيهم ويبعدهم عنك. لا أحد يستطيع أن يداوي جرحك إلّا من أعطاك حياته واختبرت معه معنى المغفرة الحقيقية.
"أن تغفر لمن أساء اليك" لا تفسير له ويعجز الكل أمامه، يفتح قلبك على حقيقة عميقة في داخلك طمرتها بسبب الأنانية وحب الذات وعدم الرغبة بالموت لأجل الآخر وتركت اللاشيء يحطمك ويقتلك فقط لأنك تريد أن تكون إله نفسك، ونتيجة ذلك كل شيء حولك يحطمك ويعطيك اللامعنى لحياتك.
إيمان تلك المرأة قد يكون للبعض عادي فنحن كما قلت بحاجة أن نؤمن بأي شيء، ولكن غفرانها اللامحدود واللامعقول يدفعك الى أن تسأل نفسك بمن تؤمن؟ هل تؤمن مثلها بهذا الإله الذي فعل كل شيء لأجلك حتى أنه غفر لك ومات وقام لأجلك كي لا يميتك أي شيء حتى الموت بذاته؟
هؤلاء الاطفال أعطوا حياتهم كي تؤمن أنت بهذه الحقيقة.
ولأجل هذه الشهادة، نعم.
نعم،
أنا أؤمن.
0 comments:
إرسال تعليق