لما كنت صغيرة كنت أحب أن أدور حول نفسي بسرعة وأتوقف لكي أشعر بدوران الأرض.. وكنت أفرح بذلك لأنني أعرف عندها بأن الأرض تتحرك وتعيش، وكنت أطمأن بأن كل شيء بخير..ولم أجرؤ يوما أن أفكر ماذا لو توقف الكوكب الأم عن دورانه كان الامر يخيفني ولا يزال...
ولكن.. هل تعرف انه اذا توقفت الارض عن الدوران ماذا يحصل؟
يقول العلماء في الناسا أنها إذا توقفت عن الدوران فجأة فإن كل شيء على سطحها سوف يقتلع من مكانه – كل شيء - ويطير باتجاه الشرق، و سيؤدي ذلك الى تسونامي يجتاح كلّ اليابسة، والغلاف الجوي يكسب زخما حركيا وهو ما سيسمح له بالدوران حول الأرض حتى بعد توقفها مسبباً رياحاً شديدة جداً بسرعة 1700 كلم/ساعة، وإن تجمع المياه في خط الإستواء ووجود القارات والمحيطات في مكانها يعود لقوة الطرد المركزي التي تتولد نتيجة دوران الأرض، فلو توقفت الأرض يعتقد أن محيطان فقط سيبقيان في القطبين ويابسة كبيرة واحدة بدون فواصل فيها ستتموضع في خط الإستواء، وإن هذه الاضطرابات سيؤدي إلى اهتزاز الكوكب بأكمله، يعني حدوث زلازل و انفجارات بركانية، وسيكون هناك أعاصير قوية بسبب الرياح، كما ان شكلها سيصبح دائريا وليس بيضاويا، ودورتها حول الشمس ستتوقف مما يجعل نصف الكرة المقابل للشمس حاراً جدًا للأبد والنصف الآخر بارداً متجمدًا دائما كالقطب المتجمد، ولن تتعاقب الفصول الأربعة أبداً، وستكون درجات الحرارة غير ملائمة للعيش بالنسبة البشر، فالطريقة الوحيدة ليتمكن البشر من البقاء هي العيش على الحدود بين المنطقتين. كما يتوجب عليهم العيش تحت سطح الأرض وأن يخرجوا ببذلات خاصة ومقاومة لحمايتهم من الإشعاعات.
في الأخير، تتباطأ سرعة دورانها تدريجيا، ويصبح اليوم لا يتعدى الست ساعات. وهناك احتمال آخر يفيد أنه من المتوقع أن يكون هناك 6 أشهر من النهار في نصف الكرة الأرضية و66 شهراً من الليل وسيختفي الحقل المغناطيسي الذي يحمي الأرض من الرياح الشمسية التي ستدمر كل شيء عليها. وبفعل ذلك فان القمر سيتوقف بالتدريج عن الحركة ويسقط على الأرض ويدمرها بالكامل.
هذا مخيف جدا، نعم مخيف...
ولكن...
اليوم تبدو الأرض وكأنها قد توقفت فجأة عن الدوران - بشكل آخر- فالتي تضج بالحياة صامتة وساكتة، ولو لم يكن الليل وإنارته الكهربائية لما أيقنت أن المدن مسكونة بناسها، انا لا اتحدث عن مدينتي وشوارعها فقط بل عن شوارع العالم كله. الأماكن التي تقرأ عنها والتي زِرْتَها أو ترغب بتنشق هواها مهجورة، ساحات روما وباريس فارغة حتى طيورها اختفت، والغوندول استراح من السفر في قنوات البندقية ولم يعد يسمع في هذه المدينة الساحرة سوى تنهدات الماضي فوق جسرها التاريخي. حتى أجراس الكنائس صمتت وكأني بها تستهيب الوضع، كما أن الملاحة الجوية قد توقفت في كل انحاء العالم.
في 22-3-2020، لأول مرة في تاريخ بلدتي لم تدق اجراس كنيستها. لأول مرة في وطني لم تقام القداديس يوم الأحد. ما لم يجروء أيُّ بَشَرٍ او غازٍ او محتلٍ ان يفعله على مدار العصور إستطاع فيروس ان يفعله.
اي مزحة او اضحوكة هذه.
ضيعتي مدينة اشباح...
مررت بشوارعها الخالية ولم التقي بأحد. محلاتها مقفلة، وشيوخها اين شيوخها؟! اين تلك الوجوه الطيبة، كانوا يجلسون للعب الطاولة على أرصفتها، اين ذاك الثمانيني الذي كان يسند ظهره دائما على حائط الكنيسة وهو ياكل المنقوشة اين هؤلاء الرجال الذين كانوا يقفون ويرمون للحمام القمح وفتات الخبز. مررت بساحاتها لم اجد أحد. حتى شبابها، أين اختفت تلك الضحكات العالية التي كانت تزعجني كم أحن إليها اليوم.ونسائها اشتقت اليهن والى صبحياتهن على البلاكين وفتياتها الجميلات اللواتي يتغندرن مبتسمات غامزات بحياء واحيانا بجرأة لتنهدات الشبان، حتى بائع الخضار اختفى وعامل التنظيف لم أره . لم يكن هناك سوى شرطي السير يقف وحيدا يبحث في المجهول علّه يلمح خيالًا ولا يرى سوى خياله.
بلدتي مدينة اشباح...
خلعت عنها ثوب الحياة وساد الصمت ازقتها. حتى في الحرب حتى في أسوأ ايام الحرب كان هناك اشخاص يتنقلون ويروحون ويجيئون وبيوتها لم تقفل ابوابها مرة.
إنه المضحك المبكي..
كيف لفيروس صغير أن يُرَكِّع أكبر دول العالم ويجعل من الانسان المتباهي بحكمته وحضارته وتكنولوجيته ... عاجزًا. هذا الذي غزا الفضاء وغاص الى أعماق المحيطات ويملك اجوبة على أي معضلة تعترضه وجد نفسه ضعيفًا وهزيلًا. وأخيرًا عرفَ حجمه...
" بخارٌ يعلو في الفضاء ويختفي" هذا ما نحن عليه وهذا ما اكتشفه الانسان الذي نصَّبَ نفسه إله ذاته والكون. قد تكون الصورة سوداوية وهي الحقيقة، ولكن... لا شيء يكون سيئًا بالكامل.
أَعْرِفُ عددًا من الناس هذه الأزمة جعلتهم يَعون ما هم عليه، وبالتالي كان هناك عودة للضمير وللمصالحة مع نفسهم والغير ومع الله. هناك دائمًا خير في كل شيء، أليس إلهنا إله المحبة؟
قد تقول أين الخير في موت آلاف من الناس وأين المحبة؟!!!! الخير أن البشرية التي ابتعدت كل البعد عن جذورها وعن خالقها، التي اقرّت قوانين وشرّعت ما يخالف الطبيعة ، اليوم تقف وقفت ضمير واعادة جردة حساب على اعمالها.
بسبب الكورونا توقفت الحركة، صمت كل شيء إلّا أنين الألم وشبح الموت وكأن الأرض فعلا قد توقفت عن الدوران، ولكن هل توقفت فعلًا؟
الأرض مازالت تدور والشكرلله طبعا على ذلك، الانسان هو الذي توقف، وعندما توقف بدأ يرى أن هناك آخرون في المرآة غير وجهه، هناك آخرون حوله أُناسًا مثله ، أُناسًا.. وليسوا بدمية أو مصالح شخصية. بدأ يرى أن السماء زرقاء والنجوم في الليل أكثر بريقًا من قبل، لأنه عندما توقف .. تنفست الأرض.
غريب ،الكورونا تضرب الرئة وتمنعك من التنفس، والأرض اليوم تتنفس بشكل جيد لأن أزمة الكورونا جعل التلوث يخف بنسبة كبيرة. أليس ذلك مضحكًا!!!!
حكمة الله لا تفسير لها... ألم يقل هو في الكتاب المقدس: "أفكاركم ليست مثل أفكاري وطرقكم ليست طرقي"
عندما توقفت الارض عن الدوران سقطت نعم... ولكن بين يديّ الله.
نعم بين يديّ الله...
لما كنت صغيرة كنت أحب أن أدور حول نفسي بسرعة وأتوقف لكي أشعر بدوران الأرض.. وكنت أفرح بذلك لأنني أعرف عندها بأن الأرض تتحرك وتعيش، وكنت أطمأن بأن كل شيء بخير...
نعم... كل شيءٍ بخير،ين يديّ الله.
0 comments:
إرسال تعليق