شَيْءٌ مَا حَدَثَ/ الأب يوسف جزراوي

إ


نارةٌ شاحبةٌ 

والعازفُ مع آلتهِ 

 يَقْبَعُ فِي كَنَفِ رصيفٍ شبهَ مظلمٍ 

في شارعٍ يقعُ  قُبالَةَ النّهْرِ. 

شَيْءٌ مَا حَدَثَ جَعَلَهُ قِبْلَةً للأنظارِ 

مِمّا دفعَ  رُوَّادَ اللَّيْلِ 

 إلى  تَرَكِ ظِّلِّ  القَمَر  

ومَا اتَّخَذَهُ مِن جَمَالٍ

يترنَّحُ وحيدًا عَلَى ماءِ النّهْرِ!

أجَلْ، 

 شَيْءٌ مَا صَدَرَ مِنْهُ  

حفَّزَ  الْمَارَّةَ  للتّجَمْهَرِ  حَوْلَهِ 

فالْجَمِيعُ كانوا مَسْحورين بالْمُوسِيقَى! 

يَنظُرُونَ، يَسْمَعُونَ وَيَطْرَبُونَ لعازفٍ 

يعزِفُ مُوسِيقَى نادِرَةَ اللّحنِ

 تسرَّبت فِيهم بخشوعٍ

ويَرشُفونَ المعزوفات رشَفَةً رشَفَةً ؛   

بَيْنَمَا الدَّهشةُ  تلفُّ وُجُوهَ الْعَابِرِينَ!. 

في لحظةٍ ما اِشتَدَّ الظّلامُ،

فاِخْتَفَى  الجَميعُ  

خَلْفَ ليلٍ لَا أبوابَ لهُ ولا نوافذَ، 

حَتّى  النُّجومُ الّتي تَراقَصَت مع القَمَرِ؛ 

غَفَت بأذُنٍ منصتةٍ!

أمّا أنا فبقيتُ وحيدًا 

 أتأمّلُ يَدَ العازفِ وآلتَه  

فهُما كَالتُّرْجُمانِ 

وَلَكِن لِلُغَةِ الْإِحْسَاسِ!

هَكَذَا أَراني ضَعِيفًا جِدًّا أَمَامَ الْمُوسِيقَى!!.

إنّ القِطارَ عَلَى وَشْكِ الوصولِ؛

غيرَ أنَّ المحطةَ نائمةٌ 

مِنْ شِدَّةِ السُّكُونِ والتّأمّلِ، 

أتسَمَّرُ فِي مَكَانِي؛

فنَفسِي فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِها 

فلا مِن مَرْفأٍ يُغريهَا

 سِوَى الْكِتابةِ وَالْمُوسِيقَى !

الصَّمتُ يَجثُمُ عَلَى الْمَكَانِ

خَطُوتُ خُطُوةً فِي الْعَتْمَةِ

 فكَانَتْ كُلُّ الْأَشْيَاءِ مِنَ حَولي 

قَدْ اِستَلقَت بِصَمْتٍ إلّا قَلَمي!

قُلْتُ لهُ :

حان دَوْرُكَ الآنَ لتَنثُرَ كَلاَمًا لَمْ تَقُلْهُ؛

فانتثرتِ الْكَلِمَاتُ وَالْعِبَارَاتُ

ومَا الْكَلِمَةُ؟

سِوَى صَدَى أعْمَاقٍ و اِنْعِكَاسٍ  لِصاحَبِها 

بَلْ هي زَهيرُ الرُّوح.

هَكَذَا أَخَذَتِ الحُرُوفُ تُزهِرُ نُصوصًا وُجوديّةً 

وتَحْتَفِي بِالْحَيَاةِ عَلَى أنغَامِ مَعْزُوفَةٍ

أَنارَت ظُلْمَةَ اللَّيْلِ

رَحَلَ عَازِفُها

 وبَقيَ صَداها في أُذُني قَلَمي!.

CONVERSATION

0 comments:

إرسال تعليق